|
خلع طه النعلين.. وألقى العصا
|
بسم الله الرحمن الرحيم
"كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ"
قبل عام مضى، كتب الأخ طه في صالون الجمهوريين يعزي في وفاة أخينا جلال الدين الهادي الذي توفي فجأة أثناء نومه بعد أربعة أشهر من رحيل أخينا وأستاذنا سعيد الطيب شايب، عليهم جميعا الرحمة.. وسعيد وجلال هما أكبر تلاميذ الأستاذ محمود محمد طه.. وكانا كالتوأمين، لا يذكر واحد إلا وذكر الآخر.. والآن يرقدان في ضريحين متجاورين..
بدأ طه خطابه هكذا:
بسم الله الرحمن الرحيم
سبحان الحي الذي لا يموت
رحم الله أخانا جلال الدين، الهادي، الطيب، وأسبغ عليه الرضوان، ورحم الله من سبقوه من إخواننا وأخواتنا، وحفظ الله كل البقية الباقية من الإخوان والأخوات .. حفظنا الله جميعاً، كبيرنا وصغيرنا، قديمنا وجديدنا.. وجمعنا، ووحدنا، وجددنا، وبعثنا، وأصلحنا، وأصلح بنا، إنه أكرم مسئول وأسرع مجيب.
ثم مضى يفصل في بعض ملابسات الاتصال وبعض الأخبار إلى أن قال:
انتابني حزن شديد في آخر الليلة قبل الماضية، فوجدت العبارة التي صدرت بها هذه الرسالة في فمي: (سبحان الحي الذي لا يموت)، فغسلت أحزاني.
إن وفاة الأخ جلال تسوق المرء إلى الشعور بأن الموت أقرب من قريب.. كما هي تسوق المرء إلى القول بأننا يجب أن نتعايش وأن نتحاب وأن نتواصل وكأن الموت "أمام الزاوية" وليس وراءها كما يقولون. إنني لا أكتب للتعبير عن حزني على فقد الأخ جلال. فرغم أننا سنظل نفتقد الأخ جلال وكل إخواننا وأخواتنا الذين سبقونا، إلا أن عزاءنا فيهم هو أنهم قضوا حياتهم في الفكرة وفي سبيلها.
إن وفاة الأخ جلال قد ساقتني أيضاً للشعور بأن الحزن على من نفقد من إخواننا وأخواتنا ينبغي أن لا يشغلنا عن نعمة الله علينا. فالحمد لله والشكر لله أنه إذ قبض إليه كراماً، أبقى لنا كراماً. كل أخ وكل أخت، آمن أو آمنت بالأستاذ، واقتنع أو اقتنعت بالفكرة، وعمل أو عملت لها ولو بأقل القليل، هو أو هي نعمة لبقية إخوانه وأخواته. نعمة تستحق الشكر. ومعلوم أن "الشكر قيد النعمة".. وأن "النعمة كالإبل الأوابد، وعقالها الشكر".. إن علينا أن نشكر الله على النعمة التي أبقاها لنا، وأن يكون شكرنا عملاً. أما كيف يكون هذا الشكر العملي، فهذا ما يمكن أن يكون مجال حديث من الإخوان والأخوات. وأقل ما يقال أن الشكر يتمثل في حبنا لبعضنا، ورعايتنا لبعضنا، ورأفتنا ببعضنا. بيد أن هذا الأمر يجب أن يتنزل للحياة اليومية. يجب أن نريح الإخوان الكبار من المشقة اليومية المتصلة، ونتولى طرفاً منها.. يجب أن نهيئ لهم فرص الفحص الطبي الشامل. وأن نصر نحن على ذلك وإن أبوا.. يجب، ويجب.
لقد اعتدنا أن نفقد بعضنا بالموت، خلال أيام الحركة وبعدها. لكنا خلال أيام الحركة على وجه الخصوص اعتدنا على تحويل مناسبات الوفيات إلى مجالات للحركة، وإلى مناسبات للتدبر واستخلاص العِبَر، وليس للتباكي على من توفي ولا للرثاء ولا للتأبين. جعل الله في يومنا وفي غدنا شيء من ذلك الماضي.
لقد سألت قبل أيام عن بعض الكتب، منها كتاب "تعلموا كيف تجهزون موتاكم". ورغم أن الكتب الأخرى كنت ابتغيها لبحوث متصلة بموضوعاتها، إلا أن كتاب تعلموا كيف تجزون موتاكم أردت به أن أقف عن قرب على كيفية التجهيز لأعرفها ويعرفها من هم بقربي. ورغم أن الأخ عبد الله عثمان تفضل مشكوراً بإرسال أحد الكتب التي طلبتها، لكن بدا أن لا أحد منا يحوز نسخة من كتاب "تعلموا كيف تجهزون موتاكم". لا أحد. إنني لا أعبر عن دهشة هنا، فكلنا قد خرجنا في ظروف غير مواتية لا يتيسر فيها أخذ أي كتاب، والإخوان بالسودان مطحونون. بيد أني أريد أن أجعل من وفاة الأخ جلال مناسبة للالتصاق أكثر بالموت.. فهو أقرب من قريب، وهو الحق في بحر الباطل المتلاطمة أمواجه هذا. فهل لي أن أطمع بأن يخرج لنا أحدنا هذا الكتاب حتى نشيعه بيننا ونتـقن المعرفة النظرية بمحتواه؟؟ إننا إن التصقنا بالموت، التصقنا بمن غيبهم الموت، والتصقنا بدار الحق، وبالحق.. فالموت هو الحق: (وإنه لحق اليقين) (فسبح باسم ربك العظيم). سبحان الحي الذي لا يموت.
رحم الله موتانا جميعاً وجزاهم مقعد الصدق، عند مليك مقتدر. والسلام عليكم جميعاً،، طه إسماعيل المنامة 15 يونيو 2002
_________________ سلام على سلمى ومن حل بالحمى
وقد بعث رحيله في النفس كثيرا من الشجون، وتذكر الموت.. أهديكم هذه الآيات التي تذكرني به وتذكرني بالموت ليس كرحلة للمجهول وإنما لكونه لقاء لله تعالى، فمن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه..
طه (1)
مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2)
إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى (3)
تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى (4)
الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)
لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6)
وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7)
اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى (
وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (9)
إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10)
فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى (11)
إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12)
وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13)
إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)
إِنَّ السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15)
فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لاَ يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (16)
وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17)
قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (1
قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى (19)
فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (20)
قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى (21)
صدق الله العظيم..
وها قد خلع طه النعلين، وألقى عصاه التي هي نفسه، ثم مضى لربه.. وقد وعد الله من يلقي عصاه يجدها "حية تسعى"ـ
نعم يا طه.. سبحان الحي الذي لا يموت..
ياسر
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
خلع طه النعلين.. وألقى العصا | Yasir Elsharif | 05-06-03, 06:54 AM |
Re: خلع طه النعلين.. وألقى العصا | الكيك | 05-06-03, 11:13 AM |
Re: خلع طه النعلين.. وألقى العصا | rummana | 05-06-03, 01:15 PM |
Re: خلع طه النعلين.. وألقى العصا | Yasir Elsharif | 05-06-03, 02:51 PM |
Re: خلع طه النعلين.. وألقى العصا | degna | 05-06-03, 03:01 PM |
Re: خلع طه النعلين.. وألقى العصا | baballa | 05-06-03, 04:10 PM |
Re: خلع طه النعلين.. وألقى العصا | Omer Abdalla | 05-07-03, 00:28 AM |
Re: خلع طه النعلين.. وألقى العصا | singawi | 05-07-03, 00:56 AM |
Re: خلع طه النعلين.. وألقى العصا | omdurmani | 05-07-03, 07:35 AM |
Re: خلع طه النعلين.. وألقى العصا | Yasir Elsharif | 05-07-03, 10:02 PM |
Re: خلع طه النعلين.. وألقى العصا | حسن الجزولي | 05-08-03, 00:09 AM |
Re: خلع طه النعلين.. وألقى العصا | Yasir Elsharif | 05-08-03, 00:20 AM |
|
|
|