|
سعدي يوسف ...العراق- بريطانيا
|
تلك البلاد في الطين بضعةُ أكواخٍ ومئذنةٌ ليستْ تُرى في ضفيرِ السعفِ والقصبِ... إني عرفتُ طريقي نحوها، خطأ بين الخرائطِ والأسفارِ والكتبِ؛ كم كنتُ حتى مع التذكار أُنكرها لطول ما أنكرتني... ......... ......... ......... والآن، ماذا سأصنع بها؟ أين أُسكِنُها في هذا الليل البلقع؟ ألن تغضب عليّ إن سألتها: من أنتِ؟ ألن تشعرَ بالحرج إن عرّيتُها؟ سأقول لها: كنتُ طليق اليدين قبل أن تنحدري عليّ. لكني هذه الليلة مُطوّقُكِ. أنا أحبكِ. لا تقتليني بعد أن انتظرتك طويلا في فراري. يا بلادا لا تُسمّى يا بلادا موجةً حُقاً من الزئبقِ طاعونا وصبحا ياسمينا... أَمهليني أتقرّى أي اسم سأسمّي مرة تلك البلاد... الرعد في مساءٍ مثل هذا، أشتهي أن أسمعَ الرعدَ... السماوات التي تهبط والبردُ وهذا السّرخُسُ الرطْبُ؛ لقد مرّ على مُنفسحِ الأفقِ، سريعا، آخرُ الطيرِ وفي الساحة تشتد الخطوط البيضُ (أعني بين سياراتنا) في لمعة الفسفورِ والهدأةُ! أحيانا، كما في الحلم، يأتيني هديرٌ... (أهو من طائرةٍ؟) ثمّتَ شيءٌ لا يُرى، لكنه يُسمَعُ، مثل الخطفة الأولى من المُديةِ لصقَ القلبِ؛ مثل الرعد في اللوحةِ... ......... ......... ......... كان النخلُ في البصرة يهتزُّ وكانت طائراتٌ تعبر اللوحة، كالبرقِ وكان الرعد يهوي في دمي مثل الرماد... الإحساس الأول بين الشجرِ المتحفّز، والمطر المختبئ، الريح تدورُ الريح تدور تدور تدورُ الريح تدور تدورُ الريح تدور الريح... الأغصان معرّاةٌ، تُنبتُ أسلاكا وهسيسا، وتُسِفُّ على السقفِ؛ اصطفقت أجنحةٌ، بضع دقائقَ ثم هوت غرباً؛ من أين تسلّل ضوعُ الأرض إليّ، هنا، في الغرفة؟ دوحٌ وشميمُ ترابٍ، ونديفٌ من زغَبٍ أبيض... في الساحةِ حول المصطبة، الريح تدور الريح تدور تدور تدورُ الريح تدور تدورُ الريح تدور الريح... بيزنطة كان الحكماءُ يعودون إلى ساحتهم قربَ المرفأِ (أعني باحة حانِ سفريادس)... الوقت ضحىً والحكماء يعودون إلى الساحة كلّ ضحىً؛ أحيانا يتخلّفُ منهم أحدٌ أو إثنانِ (لموت أو سفرٍ) لكن الجلسةَ تُعقدُ فالحكماء لديهم طبعا ما يشغلهم، وأهالي بيزنطة مرتاحون لأن لديهم حكماء الساحة منذ سنينٍ
وسنينٍ ......... ......... ......... والحكماء يديرون الظهرَ عن المرفأِ، متكئين؛ مصاطبهم من خير رخامٍ أبيضَ أثوابهم من كتانٍ أبيضَ أما خمرُ سفريادس... والناس هنا (أعني في بيزنطة) ينتظرون نهاية ما يتفكّرُ فيه الحكماءُ الناسُ هنا ينتظرون وينتظرون... هل الفرخةُ من تلك البيضةِ أم أن البيضةَ من تلك الفرخةِ؟ كان الناسُ، سنيناً، ينتظرون... ......... ......... ......... في المرفأِ في الغبشِ المُدّثّر شبهَ ضبابٍ كان السلطانُ محمدٌ الفاتحُ، يُزجي، في البوغاز، سفائنَهُ، كانت بيزنطةُ نائمةً أما الحكماءُ فلم يصلوا الساحةَ بعدُ.
|
|
|
|
|
|