|
أزمة هوية ضيعتها الأيام
|
حين قرر والدي الاغتراب .. والرحيل من بلدنا.. كانت (الدنيا) لا تزال بخير.. فقط اختار أن يخرج عن هذا الوطن الذي (خيّب) بعض ظن والدي فيه.. كان ذلك حين كنت أبلغ من العمر 7 أعوام.. كان زملاؤه في جامعة الخرطوم يهزأون .. ماشي للصحراء ديك تسوي شنو؟ تعلّم العرب ديل شنو؟ والحديث كان عن الإمارات.. المثير في هذه السخرية أنهم كان يعتقدون أن السودان (اقتصاديا) لا يقل عن الإمارات.. أبي حالة من الحالات الكثيرة التي هجر الناس بها أرضهم.. لدرجة بت أشك في وجود أحد هناك.. خرجت في تلك السن.. وتربيت بعيداً عن وطني.. بقيت هناك حتى سن الخامسة عشرة.. كنت في ذلك الوقت أشعر بحالة من (إنعدام) الوزن.. واللاهوية.. ولا آبه بهوية.. ولا تهمني هوية.. كنت أتقن بواقع تعايشي مع جنسيات كثيرة، معظم اللهجات العربية السائدة.. أتحدث مع المصرية بـالآل والإيل (القال والقيل).. وأفخّم الذاء هظا (هذا) مع الإماراتية.. أقلبها سوري من الكلام المعسول مع سورية.. وأتمايل مع اللبنانية.. وفي البيت أتحدث السودانية مع أبوي.. والإنجليزية مع الفليبينية !! بت مزيجاً بين كل هذا.. ولم تكن تعني لي سودانيتي شيئاً.. بل إنها (بواقع المجتمع) مثار قلق بالنسبة إليّ... تعلّمت أشياء كثيرة .. أحار في أنها أصل في الجميع .. أم أنني وحدي التي ورثتها.. درست جغرافية الإمارات.. وأحفظ كل شبر فيها.. ولا أعرف هل كوستي في الشرق أو الجنوب (صادقة!).. أعرف تاريخ الإمارات.. (إن كان هناك تاريخ!) وحين أسمع أبي يقول أسماء مثل (عثمان دقنه).. والسلطنة الزرقاء.. أشعر كأني أسمع أسماءاً ضبابية في عقلي من آثار حديث قديم.. لا أعرف من السودان أكثر من الخرطوم بحري.. المغتربين! حيث منزلنا.. أم درمان حيث تعيش خالتي.. وبعض الأصدقاء.. ورفاعة مسقط رأس والدتي ومنزل العائلة .. ومدني مرتع صبا والدي.. ومسكن بعض الأقارب.. وسلمتم! لا أفرّق بين الفور والبجة .. وحقا أسردها في هذه اللحظة أسماءاً فقط دون أن أعرف ما هي.. هذا كان في سن الخامسة عشرة.. ولازال بعض أثره عليّ.. أذكر أني في تلك الفترة.. كنت أشعر بلا إنتماء! لأسباب كثيرة.. من أهمها أنه كان علي أن (أعوج) لساني سريعاً مع كل فتاة تتناوب على الحديث معي.. حقوقي مهضومة لأسباب (سخيفة) مثل لست مواطنة! .. أحرم من المشاركة في النشاطات الثقافية باعتبار أني (لست مواطنة) أو الخوف من منافستي للمواطنات.. أشياء مثل هذه كانت تحز في قلبي الصغير.. وكانت تؤلمني.. ولكني أيضاً تعلّمت الصمت.. أكثر الأيام فرحاً لي كانت اليوم الأول من كل سنة.. حين كان السودانيين يقيمون احتفالاً بمناسبة الاستقلال.. كنا نجتمع (غرباء) في أرض غريبة.. لكني كان مثل موت الجماعة (عرس).. كنت أشعر بالانتماء إلى هؤلاء أكثر من انتمائي إلى أؤلئك الذين يعاملونني بصورة تختلف.. أعني بذلك أهلي حين أعود إلى السودان... كان أؤلئك يظنون أني مصنوعة من فخّار.. بنت الإمارات التي قد تنكسر!! يجب أن يفسحوا لي الطريق حين أجلس.. المأكولات المميزة .. الأسئلة.. حتى الأطفال.. عندكم زي دي في الإمارات.. واختبارات الأعمام.. دي بسموها شنو هناك! والأرض تفرش ورداً (غصباً للظروف والحال الحرن).. أفتحوا المروحة.. الناس ديل ما متعودين على الحر.. يا بت أجري جيبي حاجة باردة.. ... إلخ من المعاملات التي تصنف كي (شخصية مهمة جداً).. لا بأس أيضاً من بعض السخرية.. (بتعرفي القضيم؟).. وأنا أشعر بحيرة حقيقة.. ماذا يعنون!؟ ما تجيبوا ليها دومة.. أسنانها بتتكسر.. اشتروا ليها (دقّة)! .. افعلوا واعملوا.. الحبوبة... ما تطلعي برّة بسحروك! كأني (الليدي ديانا!)... كانت هذه المعاملة (تثير جنوني).. تجعلني أشعر بالكثير من الاختلاف والغربة.. وأحن إلى غربتي تلك.. غريبة هنا.. وغريبة هناك.. هنا ملكة.. وهناك (مواطنة من الدرجة الثانية).. لعلي كنت أشعر بالراحة في الطائرة بين الغربتين.. حدث أن قررت العائلة أن نعود (ونجرب) الحياة في السودان حين كنت في السنة الثانية الثانوية العليا.. كانت مشكلاتي أكبر.. كانت شخصيتي التي هزّها التمييز تتردد كثيراً قبل أن تندمج في مدرسة يكون حقك فيها (بوضع اليد).. وإلا لضعت وضاع حقّك.. ليس لأن المجتمع ظالم.. بل لأن الطلاب ذوي شخصيات قوية.. الأستاذ الذي كان عندنا في الإمارات (نقف له ونوفه التبجيلا.. ونتوجه رسولاً).. في السودان هو قابل للنقض والانتقاد.. واعادة الصياغة!!! قاومت... حاربت.. ناضلت.. تعرضت للسخرية.. والاستهزاء.. كنت كثيرا ما أنطوي على نفسي تحت شجرة ضخمة.. لا أدري ما هو نوعها.. وأشكوها حالي.. كانت الجيم المفخّمة أكثر الأشياء التي تجعلهم يتغامزون.. بحمد الله خرجت إلى بر الأمان.. اندمجت معهم.. وبرزت بينهم.. وتعلمت (نط) الشبابيك.. و(دك) الحصص.. ولعب البينج.. والتمثيل.. والغناء!! و.. و.. و.. وبعد أن شعرت بقليل من الروح يعاد إليّ.. قررت العائلة القدوم إلى الأردن.. ليكون همّي تعريفهم بمكان السودان في الخارطة.. وإقناعهم أننا لا نربي الفيلة كحيوانات أليفة.. ولا نقفز بالباراشوت من الطائرة حين نصل الخرطوم!!! وعدت إلى عوجة اللسان.. والشعور بعدم الانتماء.. والأكثر ألماً اني حين عدت إلى السودان في إجازة مرّة أخرى.. شعرت أني فقدت بعض الأرضية التي بنيتها.. وعادوا إلى التعامل معي بصفتي (ضيف مهم جداً!).. لحديثي بقية.. أريد أن أعرّج من خلاله على الانتماءات السياسية التي كانت أساس حياة آباءنا.. وعقدتنا نحن في عدم الانتماء إلى الوطن.. ولا إلى أي مكان آخر.. رغم حبنا له من خلال هذا السرد.. أردت أن أسأل.. هل وحدي لا أعرف من ترهاقا الذي كثيراً ما أسمع اسمه يردد في القصائد؟ هل وحدي التي تشعر بعدم الانتماء.. هنا وهناك؟
الأسئلة كثيرة.. سأنتظر أجوبتكم.. وأسئلتكم .. هل وحدي من تدور بي رحا هذه الأسئلة؟؟؟
الموضوع إلى أخونا.. أنور (كينج).. والشكر..
مريم بنت الحسين
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
أزمة هوية ضيعتها الأيام | مريم بنت الحسين | 03-14-03, 10:12 PM |
Re: أزمة هوية ضيعتها الأيام | Yaho_Zato | 03-15-03, 05:09 AM |
Re: أزمة هوية ضيعتها الأيام | مشتاق | 03-15-03, 05:46 AM |
Re: أزمة هوية ضيعتها الأيام | Abdel Aati | 03-15-03, 10:16 AM |
Re: أزمة هوية ضيعتها الأيام | مريم بنت الحسين | 03-15-03, 08:39 PM |
Re: أزمة هوية ضيعتها الأيام | AnwarKing | 03-16-03, 00:51 AM |
Re: أزمة هوية ضيعتها الأيام | Yaho_Zato | 03-16-03, 01:40 AM |
Re: أزمة هوية ضيعتها الأيام | مريم بنت الحسين | 03-16-03, 10:58 AM |
Re: أزمة هوية ضيعتها الأيام | مريم بنت الحسين | 03-16-03, 10:59 AM |
Re: أزمة هوية ضيعتها الأيام | manubia | 03-16-03, 11:06 AM |
Re: أزمة هوية ضيعتها الأيام | Tumadir | 03-16-03, 11:34 AM |
Re: أزمة هوية ضيعتها الأيام | مريم بنت الحسين | 03-16-03, 12:14 PM |
Re: أزمة هوية ضيعتها الأيام | مريم بنت الحسين | 03-16-03, 12:33 PM |
Re: أزمة هوية ضيعتها الأيام | AnwarKing | 03-17-03, 11:35 AM |
Re: أزمة هوية ضيعتها الأيام | مريم بنت الحسين | 03-17-03, 09:20 PM |
Re: أزمة هوية ضيعتها الأيام | shiry | 03-18-03, 08:50 AM |
Re: أزمة هوية ضيعتها الأيام | AnwarKing | 03-18-03, 10:01 AM |
Re: أزمة هوية ضيعتها الأيام | shiry | 03-18-03, 11:49 AM |
Re: أزمة هوية ضيعتها الأيام | AnwarKing | 03-18-03, 12:10 PM |
Re: أزمة هوية ضيعتها الأيام | مريم بنت الحسين | 03-18-03, 12:36 PM |
Re: أزمة هوية ضيعتها الأيام | WAD ELGAALI#4 | 03-18-03, 08:54 PM |
Re: أزمة هوية ضيعتها الأيام | مريم بنت الحسين | 03-18-03, 10:14 PM |
Re: أزمة هوية ضيعتها الأيام | WAD ELGAALI#4 | 03-19-03, 09:28 PM |
Re: أزمة هوية ضيعتها الأيام | مريم بنت الحسين | 03-19-03, 09:38 PM |
Re: أزمة هوية ضيعتها الأيام | WAD ELGAALI#4 | 03-19-03, 09:56 PM |
Re: أزمة هوية ضيعتها الأيام | مريم بنت الحسين | 03-19-03, 10:18 PM |
Re: أزمة هوية ضيعتها الأيام | قرنفل | 03-31-03, 01:02 AM |
Re: أزمة هوية ضيعتها الأيام | مريم بنت الحسين | 03-31-03, 01:01 PM |
Re: أزمة هوية ضيعتها الأيام | ود عقاب | 03-31-03, 02:17 PM |
Re: أزمة هوية ضيعتها الأيام | مريم بنت الحسين | 03-31-03, 10:24 PM |
Re: أزمة هوية ضيعتها الأيام | azza | 04-01-03, 04:55 PM |
Re: أزمة هوية ضيعتها الأيام | مريم بنت الحسين | 04-01-03, 09:34 PM |
Re: أزمة هوية ضيعتها الأيام | azza | 04-01-03, 09:51 PM |
Re: أزمة هوية ضيعتها الأيام | azza | 04-01-03, 11:18 PM |
Re: أزمة هوية ضيعتها الأيام | azza | 04-01-03, 11:21 PM |
Re: أزمة هوية ضيعتها الأيام | korti | 04-02-03, 01:12 AM |
Re: أزمة هوية ضيعتها الأيام | وجن | 04-02-03, 02:34 AM |
Re: أزمة هوية ضيعتها الأيام | وجن | 04-02-03, 02:45 AM |
Re: أزمة هوية ضيعتها الأيام | مريم بنت الحسين | 04-02-03, 08:29 AM |
Re: أزمة هوية ضيعتها الأيام | مريم بنت الحسين | 04-02-03, 08:27 PM |
Re: أزمة هوية ضيعتها الأيام | مريم بنت الحسين | 04-04-03, 03:06 PM |
Re: أزمة هوية ضيعتها الأيام | مريم بنت الحسين | 05-11-03, 10:42 PM |
Re: أزمة هوية ضيعتها الأيام | benyya | 05-12-03, 00:18 AM |
Re: أزمة هوية ضيعتها الأيام | مريم بنت الحسين | 05-12-03, 08:52 PM |
Re: أزمة هوية ضيعتها الأيام | benyya | 05-12-03, 09:59 PM |
Re: أزمة هوية ضيعتها الأيام | ensana | 05-12-03, 10:36 PM |
Re: أزمة هوية ضيعتها الأيام | مريم بنت الحسين | 05-13-03, 09:34 AM |
Re: أزمة هوية ضيعتها الأيام | نادر | 05-13-03, 01:37 PM |
Re: أزمة هوية ضيعتها الأيام | lana mahdi | 05-13-03, 02:08 PM |
Re: أزمة هوية ضيعتها الأيام | bint_alahfad | 05-13-03, 02:25 PM |
Re: أزمة هوية ضيعتها الأيام | مريم بنت الحسين | 05-13-03, 10:48 PM |
Re: أزمة هوية ضيعتها الأيام | هدهد | 05-14-03, 02:33 AM |
|
|
|