|
في ذكري الاسراء والمعراج 00000رساله في بريدي
|
رحلة الإسراء والمعراج أين كانت ؟
إن أول رحلة استكشافية ، أرضية ، تنطلق من الأرض إلى السماء ، كانت الإسراء والمعراج ، وكانت وسيلتها البراق . وقد جاء في وصف البراق ، الذي أسرى به النبي صلى الله عليه وسلم : ( أوتيت بالبراق ، وهو دابة أبيض ، فوق الحمار ، ودون البغل ، يضع حافره عند منتهى طرفه ) . وكثير من العلماء ، يقولون بعدم حصول المعراج الحِسِّي إلى السماء ، ولا الإسراء إلى بيت المقدس ، بدليل قول السيدة عائشة : ( إنه بات في سريره ) . وكثير منهم يرون ، أن المعراج الحسي إلى السماوات ، قد تم فعلا . إن هذا القول للسيدة عائشة ، لا ينفي حدوث المعراج الحسي ، لأن الوسيلة التي تم بها ، تماثل سرعة الضوء . وما حدث من مشاهد في الإسراء والمعراج ، يكون ، من حيث حساب السرعات الهائلة ، قد تم في لا زمن . وقد تكون السيدة عائشة قد غفت غفوة بسيطة ، تم في خلالها هذا الأمر ، ولما استيقظت وجدته في سريره . فلماذا اختلف المسلمون في حقيقة هذه الرحلة ؟ وما حقيقة المشاهد الروحية التي رآها النبي صلى الله عليه وسلم ، سواء في بيت المقدس أو في السماوات ، وكانت بالنسبة له حسية ومرئية بالعين الشحمية ؟ وأين تتواجد الأرض في ذلك الكون الشاسع ؟ وأين يتواجد الكون المادي ؟ وأين تتواجد السماوات ؟
الإسراء والمعراج ، اخترق للأكوان المادية والروحية : كانت الرحلة مقسومة إلى مرحلتين : (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله ، لنريه من آياتنا ) . إسراء بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى . والمرحلة الثانية معراج من الصخرة التي كانت في بيت المقدس ، إلى السماوات الممتدة في مكان ما في ذلك الكون الفسيح . إن الرحلتين قد تمتا داخل الأكوان المادية ، بدليل أن سرعة الرحلة كانت بمسيرة الضوء ، والضوء مرتبط بالأكوان المادية ، ولا يخترقها . ولكن وصف المشاهد التي تمت في السماوات ، عن أبواب السماء ، وسكان السماء من الأنبياء والملائكة ، والبشر الذين يسكنون الجنة والنار ، وسدرة المنتهى ، يدل على أن المعراج قد تم في مكان مأهول بالحياة ، ولا يشبه ما نجده في الآفاق السماوية ، التي نراها بالعين المجردة . فأين نجد تلك المشاهد إذن ؟ إن هذه المشاهد تؤكد وجود كونين ، أحدهما ظاهر ، والآخر باطن . أما أحدهما ، وهو الأكوان المادية تتم رؤيته بالعين الشحمية بواسطة الضوء . والكون الآخر الغير مرئي ، تتم رؤيته اليقينية ، بعين البصيرة . والبصيرة ترى ملكوت الأشياء بالنور . و الرؤية بعين البصيرة تتحقق بكشف الغطاء الجسدي ، إما بوسيلة الموت ، أو بعلوم اليقين . ( فكشفنا عنك غطاءك ، فبصرك اليوم حديد ) ، فعند كشف الغطاء الجسدي بالموت ، تتم الرؤية والمشاهدة اليقينية بالكون الثاني . وبالموت المعنوي ، ينكشف غطاء البصيرة . وفي حالة المعراج النبوي الذي حصل ، فقد كان غطاء الجسد النبوي الشريف ، مرفوعا ، ولم يكن بحاجة إلى إزالته بالموت . أين توجد السماوات ؟ إن منظار الرؤية الذي نفرق به بين السماء والأرض ، ونبين به الحد الفاصل بينهما ، يظهر بمجرد ذكرنا للسماء ، وهو أن يرتفع البصر إلى أعلى الرأس ، وينخفض إلى أسفل ، عند الإشارة إلى الأرض . و هذا هو نفس المنظار ، الذي كان ينظر به السابقون . فالأراضي موجودة أسفل أقدامنا ، والسماوات فوق رءوسنا . وإننا إذا قابلنا السماوات السبع ، بالأراضين السبعة ، فإننا نكون في منطقة الوسط بينهما ، السماوات من فوقنا ، والأراضين من تحتنا . فأين تتواجد الأراضين السبعة ؟ وأين تتواجد السماوات السبع ؟ إنك إذا وقفت على أي سطح كوكب أو نجم ، فإن منظار الرؤية للآفاق ، أن تجد السماء من فوقك وأرض الكوكب من تحتك . فسماوات جميع الأفلاك مشتركة ، ويعني أنهم كلهم ، مهما ابتعدت مسافاتهم ينظرون إلى السماء من أرض واحدة مشتركة . وكل فلك ، يرى الأفلاك الأخرى واقعة في المسافة التي بينه وبين السماء . وعلى هذا المشهد ، فإن كل فلك ، يعتبر نفسه هو الأسفل ، لأن كل الأجرام التي من فوقه ، تظهر عالية في السماء . وعلى هذا ، فإن أي نقطة في الكون المادي ، يمكن أن تكون هي أرض ، ترتفع من فوقها السماوات ؟ ومن فوق تلك الأراضي تمتد دوائر السماوات لكل فلك على حدة . فإذا كان لكل فلك سبع سماوات ، فهل تتماثل هذه السماوات مع بعضها ؟ مثلا ، هل السماء الأولى لفلك المريخ ، هي نفسها السماء الأولى للشعرى اليمانية ؟ وهل السماء الثالثة لنجمة قلب الأسد ، هي نفسها السماء الأولى لفلك زحل ؟ فإذا لم يكن هناك تماثل ، فإنه لا بد من سماء موحدة تجمع بينهم . فهل هذه السماء الجامعة لكل الأفلاك والنجوم ، هي ذلك السطح البعيد الذي يقع على حافة الأكوان ، كما نراها من الأرض ، مثل المرآة السوداء ، و التي تقع على مسافة خمسة عشر بليون سنة ضوئية ؟ فإذا أصبحت حافة الكون هي السماء الجامعة لكل المجرات ، فإن السماء الأولى تقع على الحافة البعيدة من الكون المتمدد ، وبعدها ترتفع بقية السماوات ، ومن فوق السماوات ترقد الجنان ، ثم سدرة المنتهى ، والكرسي والعرش . ولكن هل فعلا أن حافة الكون ، أو نهاية المجرات البعيدة ، هي بداية السماوات ؟ فإذا كانت كذلك ، فإن سماء الدنيا ، وهي في ذلك البعد السحيق ، ستفقد خاصية زينة الكواكب ، و زينة ضياء الشمس ونور القمر إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب ) ، لأن مكان هؤلاء الكواكب قريب ، و يصل نورهم إلى الأرض في زمن قليل . أما إذا كانوا على تلك المسافات البعيدة ، فإن ضياءهم لن يصل إلينا إلا بعد زمن طويل . فإذا كانت السماء الدنيا ، باعتبارها جسدا ماديا ، تبتدئ بعد حدود الكون المادي ، فكيف تواجدت فيها الكواكب المعروفة لنا ؟ أم أن هناك كواكب أخرى قد زيّـنتها ؟ لأنه من المفترض ، أن تكون الكواكب داخل حدود الكون !! إن الشيء المرئي في أعماق تلك القبة السماوية ، إنما هو ضوء النجوم ، وليس ضوء الكواكب ، وأبعد كوكب في مجموعتنا ، وهو بلوتو ، لا نراه بالعين المجردة ، فكيف تكون الرؤية لتلك الأبعاد السحيقة ؟ والمعالم التي تحدد مواقع السماوات تشير إليها كلمات الآية الكريمة : (تبارك الذي جعل في السماء بروجا ، وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا ) ( وجعل القمر فيهن نورا ، وجعل الشمس سراجا ) . فالبروج التي في السماء هي مواقع النجوم الثوابت التي تبعد ملايين السنين الضوئية . وهي مع ذلك بعيدة عن حافة الكون ولا تصلها ، فتكون بالتالي قد جعلت في داخل السماء ، التي هي ذلك الفضاء الكوني . وهذه البروج تمثل نقاط منتشرة من على البعد من صفحة السماء المظلمة ، فتبين للعين وكأنها مرصوصة عليها في مستوى واحد . وهذه السماء أيضا تشمل الشمس والقمر في داخلها ، لأنهما يمثلان مواقع مضيئة في تلك السماء ، مما يجعل مكان السماوات قريبا من الأرض . ومن هذا الوصف للبروج والشمس والقمر ، هل يمكننا أن نقول أن السماء هي ذلك الفضاء الكوني الذي يمتد من القمر وحتى نهايات نجوم البروج ؟ وهل هي سماء واحدة بهذا الامتداد ، أم أنها مقسمة إلى أجزاء ، كما يشير إلى ذلك ، حرف الجر ، في الآية : ( وجعل القمر فيهن نورا ) أي في السماوات ؟ قد جاء وصف السماوات السبع الطباق في قول الله تعالى : ( الذي خلق سبع سماوات طباقا ) . ( ألم تر كيف خلق الله سبع سماوات طباقا ) . هذا وصف لسبع سماوات ، فوقنا ، كل واحدة منها تتشكل في طبقة سميكة ، بداخلها سكانها من الملائكة والبشر . وبين كل سماء وأخرى ، مسافة كبيرة . فهل السماوات السبع ، المعنية بهذا الوصف ، لها وجود مادي ، أم وجود روحي ؟ وهل هي موجودة في داخل المجموعة الشمسية التي زينت بضياء الشمس ونور القمر ؟ أم أن هذه السماوات الموصوفة موجودة في مكان ما ، داخل ذلك الجسم الكوني العظيم ؟ وأنها تبتدئ من الغلاف الجوي للأرض وتمتد حتى سدرة المنتهى ، ومن فوق ذلك يتواجد العرش ، ومن فوق العرش ينتصب الكرسي . و من فوق ذلك الكرسي ، يجلس الله تبارك وتعالى ، وعن ذلك تعالى الله علوا كبيرا ؟ أم أن هذه السماوات ، إذا كان لها وجود روحي وليس مادي ، تتواجد في الفراغ العظيم ، داخل الجسد الكوني ، و تحتل مكانا آخر غير مريء ، ولا تتصادم مع الكون المحسوس ؟
و علماء المسلمين قد أشاروا لمواقع السماوات بقولهم : أن القمر في سماء الدنيا ، وأن الشمس في السماء الرابعة . وعلى هذا النسق ، فإنهم قد حددوا أن مواقع الكواكب السيارة ، السبع ، تمثل السماوات السبع ، مبتدئة من مركزية الأرض . ففي السماء الأولى القمر ، وفي السماء الثانية الزهرة . وفي الثالثة عطارد . وفي السماء الرابعة الشمس ، وفي الخامسة المريخ . وفي السادسة المشتري ، وفي السابعة زحل . واعتبروا أن المدار الذي تتحرك فيه هذه الكواكب هو سماء ذك الكوكب . وعلى هذا التصور ، فإن موضع زحل هو في السماء السابعة ، فأين تكون مواقع الجنات السبع ، وموقع سدرة المنتهى منه ؟ هل كل ذلك موجود داخل مجرة التبانة التي بها هذه الكواكب ، أم في مجموعات نجمية بعيدة في ذلك الكون الفسيح ؟ وإذا كان زحل هو آخر السماوات ، فهل بقية المجرات تقع من فوق السبع السماوات ، والتي هي الكواكب السبعة ؟
ولماذا سميت أول سماء تقابلنا ، بالسماء الدنيا ؟ هل لأنها تقع دون السماوات الأخرى ؟ إذن ، كان يمكن تسميتها بالسماء السفلى ، بالنسبة لبقية السماوات التي فوقها ؟ أم أن اسم الدنيا مقصود في ذاته ، لأنه مرتبط بالحياة الدنيا جميعها ، إذا اعتبرنا أن هناك أكوان أخرى ، موجودة في مستوى ذبذبات مختلفة ، عن مستوى ذبذبة كوننا المادي ؟ ولهذا جاءت تسمية الفضاء الكوني المادي ، بالسماء الدنيا ، لأن هناك أكوان غير مادية ، لها أيضا سماوات ، في مقابلة السماوات العليا ، الغير محسوسة ؟ هل السماوات متطابقة فوق بعضها ، أو أنها متداخلة ؟ والمعنى المتبادر إلى الذهن عن القول الكريم : ( الذي خلق سبع سماوات طباقا ) ، هو أن التطابق يعني تراكم الأجساد فوق بعضها ، كل جسم يحتل مكانا وحده . فإما أن يكون بين كل جسم وآخر ، مسافة ، أو أن لا تكون هناك مسافة . فإذا تشابهت الأوصاف الهندسية ، وأصبح لكل جسد مكانا وحده ، مثل مثلثين متشابهين في الحجم والمساحة والأطوال ، يمكن أن نضع أحدهما فوق الآخر ، فهما إذن متشابهان ، ولكننا لا نسميهما متطابقين ، كما يقول حساب المثلثات . لأن أصل التطابق هو التداخل التام ، بحيث تحتل الأشياء نفس المكان . وما يعين على فهم تطابق الأكوان ، هو معرفة اختلاف الاهتزازات ، والذبذبات . ففي المكان الواحد تتواجد جميع أنواع الذبذبات الكونية ، من دون أن تصطدم الواحدة بالأخرى . فكوننا المادي ، موجود على مستوى من الاهتزاز ، قد لا يحس بوجوده سكان مستويات أخرى من الذبذبات . كما لا نحس نحن ، في مستوى ذبذبتنا المنخفض ، بوجود أكوان أخرى تحتل نفس المكان ، ولكنها في مستوى أعلى ، أو أدني من مستوانا ، كما هو معروف عن وجود الملائكة معنا ، ووجود ممالك الجن ، الذين يروننا ، ولا نراهم .( إنه يراكم هو وقبيله ، من حيث لا ترونهم ) . وهذا المستوى من الأكوان المتطابقة ، نجده في قصة سيدنا موسى ، الذي وجده النبي صلى الله عليه وسلم في السماء السادسة ، ووجده أيضا وفي نفس الوقت في قبره يصلي . فعن أنس رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مررت ليلة أسري بي ، على موسى عليه السلام ، قائما يصلي في قبره ) ، فكيف توافق وجوده في مكانين مختلفين ، إن لم يكن بهذا التفسير الاهتزازي ؟ إننا ، في مدى اهتزاز كوننا المادي ، نشعر بوجود كل شيء فيه ، ولكننا نجهل وجود الأكوان الأخرى التي تخترق كوننا ، ولا نشعر بها .
ولكن أين يتواجد الكون المادي ؟ الكون المادي ، إما أن يكون في مكان ما ، خارج المكان الذي يتواجد فيه صانعه الأول ، لأن المعرفة البديهية تقول : إن كل صنعة ، تحتل مكانا خارج ذات الصانع الذي يصنعها . ويقتضي ذلك ، وجود الصانع في مكان وحده ، ووجود ورشة العمل في مكان آخر. أي : أن يقع الكون ، خارج حدود الله تعالى . فإذا وجدنا منطقة ما ، خارج حدود الله ، فنكون بذلك قد حددنا مساحة وجود الله . فما يقع داخلها ، هي حدود الله ، وما يقع خارجها ، هي حدود غيره . وهذان وجودان منفصلان ، وهذا مستحيل في حقه تعالى ، لأنه لا أحد معه . وإما أن تكون الصنعة والصانع ، في نفس المكان ، وبالضرورة ، هو مكان غير حادث . وما دام أنه لا أحد غير الصانع الواحد ، فإن الصنعة هي عين الصانع ، لم تغادره إلى مكان خارجه . أما إذا تصورنا أنه قد صنع الورشة ، ووضعها خارجه ، في الفراغ ، فالفراغ نفسه يكون مكانا. في أي مساحة تتسع الأكوان ؟ إن معلوماتنا عن الأكوان ، في أنها متمددة في الفراغ الكوني ، تشعرنا بأن هناك فراغا بعيدا تريد أن تحتله الأكوان ، وذلك ما أشارت إليه الآية الكريمة : ( و إنا لموسعون ) . وهو ، إما أن يكون فراغا له نهاية ، فيكون شكل الكون كالكرة . وسطح الكرة الخارجي النهائي ، يقتضي وجود أكوان أخرى بعد تلك النهايات ، ومن فوق تلك النهايات ، يتواجد الخالق . فيكون تواجد الخالق ، في مكان خارج حدود الأكوان الكروية . أو أن يكون الفراغ بعدها ، فراغا سرمديا لا نهاية له . و السرمد يوصف بأنه لا بداية له ولا نهاية . وإنه بالضرورة لا يبدأ بعد حافة الكون ، وإنما هو يحتل ويتخلل كل مساحة الأكوان المعروفة ، والأكوان غير المعروفة . فإذا كانت الأكوان موجودة داخل السرمد ، فإن ورشة العمل لم تنتقل إلى خارج حدود السرمد . فالأكوان إذن ، هي من الصانع وإليه . أما إذا كانت الأكوان داخل السرمد ، والسرمد نفسه هو الذات الإلهية ، فإن الأكوان بالتالي ، تكون مظهرا من مظاهر الذات الإلهية . والمظهر هو الواجهة الخارجية . ولما لم يكن هناك خارج وباطن للسرمد ، ولا مَن هو موجود خارج الخارج ، لأن الخارج يقتضي وجود ما هو خارج عنه ، حتى يستطيع أن يراه . فبقى أن يكون الخارج ، هو عين الباطن . وفي هذا الأمر وردت الإشارة الإلهية اللطيفة : ( كنت كنزا مخفيا ، فأحببت أن أُعرف ، فخلقت الخلق فتعرفت إليهم فبي عرفوني .) فهو تبارك وتعالى يريد أن يرى نفسه في مرآة الخلق . ومرآة الخلق ، هي نفسه تبارك وتعالى ، وهي المشار إليها بكلمة ( فبي ) . فالخلق ، ليسوا شيئا غير الله ، ولكن الخلق ليسوا هم ذات الله . فما في الوجود الحادث إلا ذات الله وأسمائه وصفاته وأفعاله . فالكون الحادث ، لا شيء فيه غير فعل الله . وما دام أن الله غير محدود ، فكذلك فعله غير محدود . وبالتالي فإن الأكوان التي هي فعله ، تتوسع في غير المحدود .
هل السماوات سبع ، أم أنها عدد سباعي غير متناهي ؟ ويتضح من كل ذلك ، أن كلمة السماء تحمل معنيين ، أولهما ذلك الفضاء الكوني المادي العميق المتمدد بمجراته اللامتناهية . والمعنى الثاني هو ذلك العالم الشفاف الغير مرئي بالضوء ، الذي يتواجد من وراء الكون المادي ، ولا تعرف حدوده . أما سماء الفضاء الكوني ، فإنها يمكن أن تقسم إلى سماوات . فبالنسبة إلى الأرض ، فإن المدارات السبعة التي حولها ، هي مدارات الكواكب السيارة ، ومن ضمنها الشمس . وهذه هي السماوات القريبة التي لها علاقة وطيدة بالأرض . وكذلك كل كوكب وكل نجم ، وكل مجرة ، لها سماواتها الحسية التي تدور حولها . فللمريخ أقمار تلف حوله ، وتمثل له سماءه الدنيا . وللمشتري أقمار ، هي سماؤه الدنيا . بل أن لكل جسد وكل خلية ، وكل ذرة في الكون ، هي أرض ثابتة ، لها سماوات من فوقها . فالنظرية الدينية تقول : إن لكل شيء ملكوت : (بيده ملكوت كل شيء ) . وملكوت كل شيء ، هو سماؤه وأعلاه . وهو الطرف اللطيف الشفاف ، الروحي من الشيء . أو الجزء الرفيع من كل كثيف . وملكوت الشيء هو قمته . فالملكوت ، يقابل الملك ، من الجانب الآخر الغير مريء . فالأكوان المادية هي ملك ، وهي وليدة التكوين الملكوتي ، قبل أن تتجسد في المادة . فبذرة كل شيء ، هي ملكوته وهي سماؤه . وبهذا يكون لكل جسد مادي ، ملكوت . هذا الملكوت ، هو سماؤه التي تحيط به من جميع جهاته ، من فوقه ومن تحته ، وعن يمينه وعن يساره ، وفي أعماقه . ( أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض ، وما خلق الله من شيء ) . فالجسد يحتل مساحة من سمائه ، ولكنها مساحة غير مرئية . فللأرض سماء تحيط بها ، مسكونة بالأرواح . وللقمر سماء مسكون بالأرواح ، وكذلك الزهرة والمريخ والمشتري ، وكل كوكب أو نجم في الآفاق ، له سماؤه المسكونة . وداخل كل سماء ، سماوات أخرى ، تتكرر في شكل سباعية غير متناهية في الدقة والرفعة . والمركزية الجامعة ، لجميع سماوات الأجساد ، هي في أعماق الجسد ، في قلب كل شيء . الأجساد إذن ، هي الأراضي . فكل جسد يمثل أرضا ، تكون بمثابة مركزية لسماوات هذا الجسد ، وتتكرر السباعيات إلى ما لا نهاية له . وأكثر من ذلك ، فإن أي ذرة من ذرات الوجود ، تمثل أرضا مفردة ، لها سماواتها المفردة . فالسماوات والأراضي ، إذن ، متداخلة في بعضها ، لا كما نظن : أنها طبقة ، فوقها طبقة أعلى منها ، وبينهما مسافات ، كما نفهم من تفسير الآية الكريمة : (سماوات طباقا). فالسماوات والأراضي ، هي بعدِّ أنفاس الخلائق ، وذراري الكون . وهي متداخلة في بعضها البعض ، وليست سماوات سبع ، تتراكم فوق بعضها في الأفق الأعلى ، كما نظن . إنها تشبه نقاط المطر الساقطة على البحر ، فتكوِّن دوائر منداحة نحو الخارج ، مبتعدة عن مركزية سقوط النقطة . وتتداخل الدوائر في بعضها ، ولكنها لا تلغي مسار بعضها . فهي ، وإن تداخلت ، فإنها لا تـَحِـدُّ من تمدد الدوائر الأخرى . فتتمازج الدوائر ، وتتمدد إلى ما لا نهاية له . وكل ذرة في الوجود ، يمكن أن تكون هي مركز السماوات الغير متناهية ، وفي نفس الوقت . الوصول إلى السماوات : ويقابل هذه السماوات المحسوسة ، سماوات غير محسوسة ، هي المقصودة في حقيقة الأمر . وللوصول إلى أي من هذه السماوات المرئية ، فإنه لا بد من معراج حسي يرتفع إلى المستويات الحسية ، التي تقابل ، في الرفعة ، تلك السماوات غير المرئية . فالكواكب السيارة التي أكد علماء المسلمين أنها هي السماوات السبع ، ينبغي أن تكون هي السماوات الحسية ، التي عرج إليها في تلك الليلة . ومن عتبة هذه الكواكب ، دخل على السماوات غير المرئية ، حيث َولـَج منها بالبصيرة ، إلى المستوى الغير مرئي ، و أخبرنا بما رأى . و حين يصل مع جبريل إلى كل سماء : ( فطرق باب السماء ، فقيل له من معك ؟ قال محمد . قيل : أو قد أرسل إليه ؟ ) فيفتح لهما . فهو عندما يقف عند عتبة كل سماء ، إنما يقف على الأرض الحسية للكوكب ، ثم يستأذن في الدخول في السماء الغير مرئية ، لكل كوكب . ذلك لأن السماء الحسية لكل كوكب يكون قد اخترقها أولا وهو يدخل في نطاق الغلاف الذي يحيط بالكوكب . وهذا المعراج ، يشبه المصعد الآلي ــ الأسانسير ــ الذي نرتفع به داخل المباني الحديثة ، وعند كل طابق يفتح الباب في طابق ، ويدخل نحو كل طابق ، مَن يريد مِـن الركاب ، ويستمر المصعد ببقية الركاب نحو الطوابق العليا . وهذا السير المتزامن ، بين السير المادي الحسي ، والسير الغير مادي ، محكي في الآية الكريمة : ( سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم ) . وقد كانت الصخرة التي في بيت المقدس ، والتي ارتفع منها إلى السماء ، تمثل جميع صخور الكون المادي . وتتمثل هذه الصخور في صخور الكواكب السيارة . وأصبحت هذه الكواكب ، هي العتبات الحسية ، التي من خلالها ، دخل الأكوان الغير مرئية . ولهذا كان مدي المعراج الحسي ، هو السير داخل المجموعة الشمسية . ويقابله المعراج الغير محسوس ، الذي وصل إلى الجنان والعرش ، ورب العرش العظيم . ما هو البراق ؟ وما الحكمة من تشبيه البراق بدابتين ؟ إن البراق مكون من دابتين ، لا ينفرد أحدهما من الآخر . أحدهما فوق الحمار ، وهو الموصوف بالسرعة ، والآخر البغل ، الموصوف بالبطء . والبراق في مجموعه ، هو الفكر . والفكر يمكنه استخدام السرعتين . فالسرعة البطيئة ، هي سرعة الضوء ، يستخدمها في سيره داخل الأكوان المادية ، كما يستخدم سرعة النور ، في سيره خارج الأكوان المادية . وقد استخدم النبي الكريم ، سرعة البغل ، وهي الضوء ، في الوصول إلى السماوات الحسية ، واستخدم سرعة ما فوق ا لحمار، وهي النور ، في الوصول إلى ما وراء الأكوان . ألا تلاحظ اختلاف الزمن في الأحلام ، ففي لحظة زمانية من زماننا ، قد تتم فيه مشاهد حلم ، يستغرق وقتا طويلا في النوم . ونستدل على السرعة التي تمت بها الواقعة ، من القول الكريم : ( يضع حافره عند منتهى طرفه ) . لأن الرؤية البصرية متعلقة بالضوء . ومعلوم أن المادة إذا سارت بسرعة الضوء ، تنقلب إلى ضوء . ولكن ما حصل في تلك الليلة ، أن الدابة وراكبها ، كانا على حالتهما من التجسيد ، الذي رافق جميع المشاهد التي تمت في الرحلة ، ابتداء من وصف العير التي كانت لقريش ، وملاقاة سيدنا موسى في قبره على الكثيب الأحمر . وصلاته بكل الأنبياء في بيت المقدس ، ومشاهد الجنة والنار . وما ذاك إلا لأنهما مصنوعان من مادة مخلوقة من فوق مادة الضوء ، وهي النور . وقد وصف القرآن ، رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بأنه ( نور على نور ) . ما هي علاقة البراق بالفكر ؟ هذا البراق الخاص ، قد تجسدت لنا منه صورة مصغرة ، في صورة الفكر ، لنركبها . وقد ركبها علماء العلم المادي ، مستخدمين سرعة البغل ــ سرعة الضوء وما دونه ــ فأزالوا الكثير من غوامض الكون المادي . ومددوا بفعلهم هذا ، مسافة السير الأفقي بين المسجدين ، حتى وصلت حافة الكون ، على مسافة خمسة عشر بليون سنة ضوئية ، ووقفت بهم مطيتهم هناك ، عند عتبة نشوء الكون ، ولم تستطع حراكا ، وليس معهم جبريل عليه السلام ، ليفتح لهم أبواب الملكوت . فوسائلهم مهما دقت ، فإنها لا تتجاوز سرعة الضوء . فكل رؤية تتم من داخل سجن الأكوان ، لا تستطيع إدراك الأكوان ، التي هي خارج نطاق الضوء ، إلا أن تستخدم وسيلة أدق من الضوء ، وهي النور ــ لاختراق حاجز الأكوان .
ــ
|
|
|
|
|
|