مصرع القداسة على عتبات السياسة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-18-2024, 08:22 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف العام (2003م)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-19-2003, 08:26 PM

intehazy
<aintehazy
تاريخ التسجيل: 02-08-2003
مجموع المشاركات: 1530

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
مصرع القداسة على عتبات السياسة

    هو كما قال شخص اعزه جدا كشكول جمييل

    قام باعداده الشقيق هاني

    من رابطة الطلاب الاتحاديين بالباكستان

    و الذي نتمنى ان يشترك معنا في هذا المنبر

    رايت ان تشاركوني قراءته


    و اتمنى ان اسمع آراءكم فيه



    الإهداء

    رسالة من القبر

    القبر بارد يا أمي أرسلي لي قميصا من الصوف..

    إلى هؤلاء الأحياء تحت الثرى ... وأولئك الأموات الصابرين ...

    كم مرة أوصيتكم أن يكون كفني هو العلم بألوانه الثلاث .. الأزرق، الأصفر،الأخضر -نيل يجري على الصحراء يحيلها جنة خضراء- ليس لأنني أحب هذا العلم فحسب ولكن لأترك مزيدا من القماش الأبيض ليكمل به بعض هؤلاء ثيابهم القصيرة.

    إليك يا أفلاطون...

    هل تذكر ذلك اليوم، عندما كنتم جميعا مقيدين داخل كهف. حين كسرت القيد لترى الحقيقة التي لم تر سوى ظلالها مطبوعة على جدران الكهف، هل تذكر حينما عدت لتخبرهم أن الحياة لديهم ليست سوى ظلال.. وأن عليهم أن يكسروا القيود لتتجلى لهم الحقيقة والحياة .. قتلوك عندها! لا بأس يا صديقي .. قليلٌ هم الذين كسروا القيد بعدك .. منهم من لم يعد .. أما الذين عادوا فقد قتلوا.1

    إلى وطني ...

    ما زلت أذكر مقولة سليمان عميرات .. لو خيرت بين الجزائر والديموقراطية، لاخترت الجزائر .. أما أنا فلو خيرت بين الوطن و ... لاخترت الوطن حتما.

    إليكم أيها الكفرة ...

    نعم حتى هؤلاء ، الذين لم يؤمنوا يوما بالحب .. لا تقتلوهم فإني لا أريد أن أراهم هنا.

    إليك أبتها الجميلة ...

    أما زلت تعتقدين أنه ما زال للذكر مثل حظ الأنثيين؟

    إلى أبي ...

    كانت صداقتك متعة لي ، وأنت يا أمي أرسلي لي قميصا من الصوف، لعلي أغطي هذا الجرح الذي ما زال ينزف منذ أن أطلقوا رصاص الجهل على عقلي فلم يصبه، فأطلقوا النار على قلبي.

    إليك يا أحلام ...

    ما زلت أحث الخطى .. تاركا خلفي فوضى الحواس.
    _____________________________
    ديباجة...

    لنا هنا وقفة قصيرة وهي ليست على أطلال الماضي ولا على منزل ليلى أو سعاد ولكنها وقفة على مفترق الطريق الذي نحن فيه، فإما السير إلى الأمام بخطوات واسعة دليلنا فيها بحث علمي ودرس متواصل وإما الرجوع إلى الوراء بخطوات أوسع ...2

    إن الصراع بين مختلف القوى في المجتمع يحتم على التغير الاجتماعي أن لا يتوقف أبدا، فإذا ما تباطأت قوى التقدم فالنتيجة الطبيعية هي الرجوع إلى الوراء. رغم أن قوى التخلف والرجعية لا تملك الكثير من أدوات التغيير في وجه القوى الحديثة إلا أن وجودها يصبح مؤثر جدا إذا ما تغيبت أو تقاعست القوى الحديثة عن دورها الفاعل وواجبها تجاه المجتمع.

    والحركة الاتحادية هي امتداد طبيعي للقوى الحديثة السودانية منذ نشأتها في مطلع القرن العشرين. سيرا منا في طريق الواجب تجاه الوطن وتجاه الفكر الذي نحمله وامتدادا لتلك المسيرة المستنيرة واقتباسا من نورها كانت لي هذه الورقة ..

    مدخل ...

    إن الجدل الذي دار في الشارع السوداني حول إعلان القاهرة وما حواه من طرح عرف بعلمانية الخرطوم أعاد من جديد تسليط الضوء على قضية الدين والدولة. رغم ذلك لم يكن ذلك التسليط كافيا ليزيل الغمام الذي صنعه النظام حول القضية وبدلا من الرد الموضوعي أو النقد الفكري وجدنا أن النظام بدأ مباشرة في تزييف الحقائق وتلبيس الحق بالباطل .. بعد ذلك تسارعت الأحداث السياسية لتغطي على قضية الدين والدولة واتجه الشارع السوداني لمتابعة أوراق مشروع السلام -بتشعبه وكثرة أوراقه ووسطائه- بشيء من الحذر والفرح والخوف.

    الدين و الدولة ...

    إن القيم الروحية مقوم أساسي من مقومات الثقافة في أي مجتمع. ولا يمكن لأي توجه تنويري أن يكون مجرد توجه رافض لهذه القيم. فالمحافظة على هذه القيم لا تتعارض أبدا مع ركائز الأفكار التنويرية بل إن هذه القيم تمثل سندا داعماً لبناء وامتداد القاعدة التنويرية. لكن الفهم المتحجر أو المتيبس لهذه القيم هو الذي تحاربه الاتجاهات التنويرية بمختلف مشاربها الفكرية. فالحرب إذا ليست ضد القيم في حد ذاتها كما يدعي أصحاب الفهم المتحجر من الأصوليين و العديد من أصحاب الاتجاهات الإسلاموية. لهذا فأننا نرى في الذين يتبنون مواقف رافضة لمجمل هذه القيم الروحية، حجر عثرة يقف في طريق المناهج التنويرية نفسها. وفي الطرف الأخر نجد أن الذين يرون في كل التجارب الإنسانية فكرا ضالا وافدا يتعارض مع القيم الروحية لمجتمعنا أو بعبارة أخرى يتعارض مع الدين الإسلامي الحنيف كأهم مصدر من مصادر القيم الروحية في المجتمع السوداني، إنما يجهلون أن هذا الفكر إنما هو امتداد للفكر الإنساني الذي تأثر فيما تأثر بالإسلام و تلاقح مع الكثير من مفاهيم هذا الدين الحنيف. كما تأثر كذلك بالفكر اليوناني، الإغريقي والفارسي ومختلف المدارس الفكرية القديمة والحديثة. وقد رأينا جميعا كيف أن محصلة هذه التجارب والأفكار سمت بالإنسان فعلى سبيل المثال كيف أن الفكر الإنساني قد تخطى ودثر الرق والعبودية كمفاهيم تحط من قدر الإنسان.

    يقول الشيخ العارف محي الدين بن عربي: علماء السوء هم الذين أنكروا ما جهلوا وقيدهم التعصب عن مجرد سماع الآخرين وعن الإذعان للحق والتسليم له إن لم يكن الإيمان به. ويقول الإمام محمد عبده وهو أحد رواد الفكر التنويري في الإسلام "عندما بدأ الضعف يظهر بين المسلمين بسبب الجهل والجمود على القديم، حدث الغلو في الدين وثارت الفتن بين الناظرين فيه وسرت عدوى التعصب بينهم وسهل على كل واحد منهم لجهله بحقيقة دينه أن يرمي الآخر لأدنى شبهة بالكفر والزندقة وكلما ازداد جهلهم بدينهم ازداد نفورهم من العلم والنظر وساد فيهم الاعتقاد بالعداوة بين الفلسفة والدين"3.

    كما أن الإسلام كرسالة سماوية أقر بالتجارب الإنسانية بل إنه وضع العديد من التشريعات والعبادات على أساسها فعلى سبيل المثال نرى أن الإسلام قد تبنى العديد من المفاهيم التي عمل بها العرب قبل الإسلام "كفضل يوم الجمعة والعناية بالإبل وتعدد الزوجات والاستجارة والجوار والاسترقاق والسبي والديّة"4. هل نستطيع أن نتحدث عن علوم كالطب والفلك وغيرهما من علوم عند العرب إلا ابتداء من العصر العباسي؟ لماذا؟ السبب هو حركة الترجمة التي ازدهرت في العصر العباسي والتي عن طريقها عرف العرب ثمار العقليات الأخرى من علوم وفنون ... إن الإسلام قد أطلق العنان للعقل، ولا يقيد العقل بكتاب ولا يقف به عند باب ويعطينا الشيخ محمد عبده مثالا .. فيما جاء في خبر من سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أين كان ربنا قبل السماوات والأرض؟ فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم: كان في عماء تحته هواء، والعماء عندهم هو السحاب. ويقول الإمام أبي حامد الغزالي صاحب الإحياء5 أن العقل والدين شيء واحد، أحدهما أساس والأخر بناء فالشرع عقل من خارج والعقل شرع من داخل وهما متعاضدان بل متحدان. فالدين الذي يوحد بين العقل والشرع لا بد أبد يكون منهاجه هو العلم نورانيا كان أم عقلانيا. ويقول الشيخ عبد الله بن المبارك: "كاد العلم أن يكون ثلثي الدين".

    كما أن الإسلام دين لا يعرف الطبقية الاجتماعية بل لا يعرف التمايز بين الناس إلا بالتقوى بالرغم من ذلك فقد اعترف الإسلام بطبقية واحدة هي طبقية العلم والمعرفة6 "يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات" وقوله جل وعلى "قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون".

    ويقول الشيخ محمد عبده في مقال له تحت عنوان"أصول الإسلام" أن الأصل الأول هو النظر العقلي لتحصيل الإيمان وكيف أن القرآن أثبت وحدانية الخالق بالأدلة العقلية ((لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا)) والعديد من الأدلة العقلية الأخرى. ويقول الأصل الثاني هو تقديم العقل على ظاهر الشرع عند التعارض ويقول أن في ذك طريقان الأول طريق التسليم بصحة المنقول مع الاعتراف بالعجز عن فهمه وتفويض الأمر إلى الله في علمه والثاني طريق تأويل النقل7 حتى يتفق معناه مع ما أثبته العقل. ويواصل الشيخ محمد عبده في الأصل الثالث قائلا بالبعد عن التكفير(وليس التفكير) ويقول إذا صدر قول من قائل يحتمل الكفر من مائة وجه ويحتمل الإيمان من وجه واحد حمل على الإيمان. أما الأصل السادس هو أن القتال ليس في طبيعة الإسلام بل طبيعته العفو والمسامحة ولكن القتال فيه لرد اعتداء المعتدين على الحق وأهله إلى أن يأمن شرهم. والأصل السابع أن الإسلام لم يوجب العداوة بين المسلمين ومخالفي عقيدتهم بل إنه أباح الزواج من الكتابيات وجعل من حقوقهن أن يتمتعن بالبقاء على عقيدتهن. بل أمر بمودتهم ما داموا ليسوا من أهل الحرب 8 أملا وطمعا في هدايتهم.

    المقصود من هذا أن أشير إلى أن معالجة قضايا الإنسان في الحياة إنما تكون عن طريق المنهج العقلي وليس في ذلك مخالفة للشرع لأنه هو الذي أمر وأقر ذلك. وسيظل ابن رشد هو رائد المنهج العقلاني الإسلامي إذ يقول "أن الدين بالضرورة لا يضاد الحقيقة والبرهان العقلي، فان اختلف الدين مع العقل، فإن مصدر الاختلاف هو أن الذي يسمونه دينا إنما هو اجتهاد باطل أو تخريج فاسد للدين .. أو أن الذي يحسبونه علما إنما هو توهم أو خيال، ونحن نقطع قطعا بأن كل ما أدى إليه البرهان وخالفه ظاهر الشرع فان ذلك الظاهر يقبل التأويل .. فإن الحق لا يضاد الحق بل يوافقه ويشهد عليه"9.

    ويذكرنا التاريخ بالعديد من الحوادث التي تثبت أن تقديم العقل على النص ليس بدعة ابتدعها المفكرون في عصرنا هذا، فالسيرة النبوية تذكر لنا حديث الغامدية المحصنة التي زنت فأتت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليطبق فيها الحد فلم يطبقه إلا بعد أن وضعت حملها وأرضعته ووجدت من يكفله رغم أن النص القرآني لم يذكر ذلك. وإذا اعتبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم مصدرا تشريعيا حتى حين مخالفته للقرآن فلنا أن ننظر في التاريخ الإسلامي لنرى نماذج أوفر. فعمر بن الخطاب عليه السلام هو رائد تطبيق المنهج العقلاني حتى قبل أن يقول المنظرون بهذا المنهج فهو لا يرى في النصوص الشرعية قدسية بل يرى القدسية في القيم التي تعبر عنها تلك النصوص10 ومشهور عن عمر أنه رفع حد السرقة في عام الرمادة وهو عام فقر مر بالمدينة وكان بعض الناس يسرق ليطعم ويطعم أهله. وقدم خطبة الجمعة على صلاتها، فالجمعة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق عليه السلام كانت تصلى ثم يجلس الناس للخطبة، وكذلك ألغى سهم المؤلفة قلوبهم وهم حديثي العهد بالإسلام بالرغم من النص الصريح في القرآن بأنهم يستحقون الزكاة. وكذلك اجتهاده حول مسألة الفيء الذي كان يذهب لآل الرسول صلى الله عليه وسلم والمجاهدين من الأنصار والمهاجرين فعندما اتسعت الفتوحات الإسلامية وكثر الفيء، قرر عمر أن يكون ذلك ملك للأمة أو الدولة لا كما أشار النص القرآني لأن جوهر الدين هو العدل والمساواة .. فوقف ضده العديد من كبار الصحابة وناصره يومها علي بن أبي طالب رغم سهمه في الفيء. أيضاً منع عمر بن الخطاب واليه على المدائن حذيفة بن اليمان كاتم سر الرسول صلى الله عليه وسلم منعه من الزواج بيهودية رغم وجود نص يحل ذلك إذ يقول عمر في كتابه لحذيفة : "إني أخاف أن يقتدي بك المسلمون فيختاروا نساء أهل الذمة لجمالهن وكفى بذلك فتنة لنساء المسلمين". وكذلك أمر ابن الخطاب بعدم تطبيق حد الخمر على المقاتلين حتى يعودوا إلى ديارهم. وصادر عمر الأراضي التي لا يستثمرها أصحابها رغم الحديث "لا يحل مال إمرىء مسلم إلا بطيب نفسه" ورغم اعتراض أصحاب الأراضي إلا أنه مضى في حكمه حرصا على مصلحة الدولة والأمة.

    يقول ابن القيم"إن الله أرسل رسله وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط، وهو العدل الذي قامت به السماوات والأرض. فإذا ظهرت إمارات الحق، وقامت أدلة العقل ، وأسفر صبحه بأي طريق كان، فثم شرع الله ودينه ورضاه وأمره"11. ومهما كان المبرر العقلاني أو السبب الذي دفع عمر بن الخطاب لمخالفة النصوص القرآنية أو النبوية، حرصا على الدولة الإسلامية فإن ذلك لن يقودنا إلا لإدراك أن عمر بعمق إيمانه وقوته في الحق عمل بمنهج تقديم العقل على النص سواء كان النص من الكتاب أو من سنة المصطفى ليس لهوى في نفسه ولكن لأن العقل والمنطق يوجبان ذلك والدين يوجب ذلك على التوالي.

    أردنا من هذا العرض أن نؤكد أن فصل ظاهر الدين عن الدولة ليس بالنظرية الحديثة الوافدة إلينا من الغرب. فالفصل الغربي لسلطة الكنيسة عن كيان الدولة أتى بشكل قاطع وكلي في شكل ثورة حاربها رجال الدين الذين كانوا يتمتعون بتنفيذ السلطة الكنسية التي يرعاها الإقطاعيون والحكام في مقابل إيجاد سند ديني لسياساتهم القهرية المستبدة. أما في الإسلام فإن الدعوة إلى نظرة عقلانية للدين بدأت تظهر في صفوف رجال الدين أمثال ابن رشد والكندي وجمال الدين الأفغاني وتلميذه الشيخ محمد عبده وقبلهم جميعا كان إمامهم هو عمر بن الخطاب. وقد أمنت على هذه الدعوة الكثير من الحركات التنويرية ويتضح هذا جليا في كتابات الكثير من الكتاب والمفكرين ورجال الدين والأكاديميين والمثقفين والقادة السياسيين في العصر الحديث أمثال: عرفات محمد عبد الله، محمد أحمد محجوب، روجيه جارودي، محمد أركون، فرج فودة، نصر أبو زيد، خليل عبد الكريم، علي شريعتي، محمود محمد طه، منصور خالد، محمد إبراهيم نقد، محمد أبو القاسم حاج حمد، حيدر إبراهيم. رغم تفاوت هذا المفهوم من مدرسة فكرية إلى أخرى إلا أن غالب هذه الاتجاهات الفكرية يرون أن التمسك بظاهر النص أو ظاهر الدين دون الاكتراث بالقيمة التي يقدمها النص إنما يجر مخاطر على الدولة وعلى الدين في المقام الأول.

    إن الحديث عن حزب إسلامي أو نهج إسلامي للدولة في الوقت الحالي لن يتمثل إلا في ثلاث صور الأولى أن تكون النظرة أصولية قمعية ديكتاتورية وهي مرفوضة أو أن تكون وصولية تسعى للوصول إلى رضا الشعب متلبسة لباس الدين زورا وبهتانا وهي مرفوضة أيضا. أو نظرة تحديثية كما يقول الصادق المهدي12. وما زال أمام هذه درب طويل لأن هذه المناهج التحديثية ليست سوى مناهج فكرية جاهزة ألبست ثوبا أبيضا وأطلق عليها إسلامية.

    ويكمن الخطأ والخطر في تبني مفاهيم الدولة الإسلامية في نقاط عديدة منها أن هذه الحركات والأحزاب الإسلامية تبرر مواقفها السياسية باسم الدين، تارة بالتمسك بظاهر النص وتارة بتأويل النصوص الدينية بما يدعم مصالحها، فيما أن هذه المواقف لا تعبر سوى عن مصلحة هذه الجماعات أو الأحزاب وقد لا تمت إلى الدين بأي صلة. كذلك أن الحاكم يرى في نفسه جهة مفوضة من الخالق لتنفيذ سياسته التي شرعها (أي الخالق) ويرى في معارضيه السياسيين مجموعة من الخارجين عن أمر المولى عز وجل لأنه الممثل الشرعي والوحيد لهذا الرب في هذه الدولة وقد ظهر ذلك واضحا عندما اختلف علي بن أبي طالب عليه السلام مع معاوية بن أبي سفيان، حينما أشتد الخلاف بينهما حول قضية الحكم (السياسة). أنصار علي كانوا يقاتلون باسم الإسلام وكذلك فعل أنصار معاوية وكل فريق منهم كان يرى أنه يمثل وجهة الإسلام الصحيحة ويرى في الطرف الآخر خارج عن الخلافة الإسلامية المقدسة. وحدث أيضا أن قتل عبد الرحمن بن ملجم علياً إنقاذا -كما ظن- للمسلمين من التناحر والانقسام. كانت تلك الفتنة خلافا سياسيا لا دينيا أو شرعيا، فقد اجتمع علي بن أبي طالب وعمار بن ياسر وعبد الله بن عباس ضد عائشة بنت أبي بكر وطلحة بن الزبير و الزبير بن العوام وفي الطرفين من هم مبشرون بالجنة. ونعلم جميعا أن هذا الصراع خسر فيه المسلمون الكثير من رجالهم الأشداء، كيف لا؟ وفيهم علي بن أبي طالب. حدث هذا مع رجال الصدر الأول من الإسلام -أفضل القرون- عندما زجوا بالدين في أزقة السياسة.

    وتستغل حركات الإسلام السياسي المنابر الدينية التي يتعامل معها الكثير من المسلمين باحترام شديد ويولونها في كثير من الأحيان الطاعة العمياء. مما يؤدي إلى تشويه العديد من المفاهيم الفكرية والمواقف السياسية دون وجود أي جانب عقلاني يدحض هذه المفاهيم أو المواقف لأن المتحدث في المنبر إنما يمثل الدين الذي شرعه الله -وهو في الحقيقة ينقل رؤيته أو رؤية حزبه إلى جمهور المصلين على أنها أمر الله-، على سبيل المثال في محاضرة ألقاها رجل من جماعة أنصار السنة في أحد المساجد، عن الفكر الإسلامي أعطى نبذة عن بعض المناهج الفكرية للمقارنة، منها الاشتراكية، تحدث قائلاً أن "الاشتراكية منهج فكري يدعو إلى الاشتراك في جميع أمور الدنيا وأن هذا المنهج دعا له كارل ماركس المفكر اليهودي وللأسف اعتنقه بعض عديمي الإيمان في عالمنا الإسلامي ومنهم من آمن بالاشتراكية لدرجة أنه يشرك رفاقه الاشتراكيين في زوجته" وتحدث عن الليبرالية قائلا "الليبرالية هي الحرية وهي المنهج الذي يدعو إلى حرية الإنسان وعدم عبوديته لكائن من كان حتى ولو كان الله، وتدعو الليبرالية إلى الحرية في جميع الأمور كحرية المرأة والحرية الجنسية ... الخ" وفي النهاية نصح هذا الرجل الشباب بأن يبتعدوا عن هذه الأفكار الهدامة التي أعطاهم نبذة عنها، وكأنهم تعرفوا على حقيقتها. ومن الواضح ضحالة معرفة هذا الرجل عن هذه المناهج الفكرية التي ادعى أنه قدم عرضا لها. ولأنه رجل دين كان على الجميع أن يطيع أمر الله ويلتزموا بعدم الاقتراب أو الاطلاع على هذه الأفكار. فأي دين وأي منهج فكري هذا الذي يدعو معتنقيه أن لا يطلعوا على أفكار الآخرين خوفا أن ينقادوا خلفها؟؟ من المؤكد أن هذا المنهج يعي تماما ضعفه أمام حجة ومنطق هذه المدارس الفكرية فكان الحل الوحيد هو الهرب من المواجهة. ومن المؤكد أيضا أن العيب لا يكمن في الدين الإسلامي إنما يكمن في تفكير هؤلاء الذين يحرمون القراءة والاطلاع والمعرفة والعلم بدلا من قراءتها والرد عليها أو نقدها عقلانيا أو أيدلوجيا. ويدعون أن سلاحنا لمواجهة سطوة الغرب الاقتصادية والعسكرية والعلمية هو التمسك بكتاب الله وسنة نبيه، وهذا ليس تقليل من شأن الكتاب والسنة ولكن تقليل من شأن طريقة التفكير فكيف لنا أن نواجه حربا بأسلحة بيولوجية أو جرثومية ببنادق البارود أو الكلاشنكوف، يبدو هذا سخفا ومناقضة للواقع والمنطق. فلكي نحارب السطوة العلمية والتكنولوجية والاقتصادية والعسكرية يلزمنا السير في طريق العلم لكي تكون الحرب متكافئة وهذا لا ينافي تمسكنا بالدين بل أن ذلك ما يفرضه الدين علينا.

    وفي كثير من الدعوات التي تتبناها الجماعات الإسلامية، دعوة إلى الرجوع إلى دين السلف وإلى حال السلف الصالح، وهذا يخالف المنطق والعقل لأن حالنا لم يعد كحال السلف الصالح بل إن الدعوة يجب أن تكون لتطوير المنهج والفكر الإسلامي ودفعه إلى الأمام لا الرجوع به إلى الوراء ولهذا يبعث الله للمسلمين من يجدد أمر دينهم كما قال الحديث الشريف. ومن يسمع حديثهم يعتقد أن حال السلف كان جنة الله في أرضه متناسين أن السلف عندما اختلفوا سياسيا قتل بعضهم بعضا وقتلوا حفيد رسول الله وعقروا ناقة أم المؤمنين عائشة وقتلوا أول مسلم من الصبيان والراقد في فراش رسول الله ليلة الهجرة، وعذب حكامهم أئمة الفقه ورجال الدين لمجرد الاختلاف في رأي (نذكر كمثال لا للحصر تعذيب المأمون للإمام أحمد بن حنبل عليه السلام عندما اختلفوا حول خلق القرآن أم تنزيله) وسقطت دول السلف دولة تلو أخرى ليس لعدم صلاحهم أو لقلة معرفتهم بالدين ولكن لأنها محض سياسة ... نحن لسنا في العالم الثالث لأننا أهملنا ديننا بل نحن مستضعفين لأننا أهملنا العلم والعقل والمعرفة والتجربة الإنسانية وهي نفس العوامل التي دفعت بالغرب إلى صفوف العالم المتقدم حين أخذوا بها وبقينا نحن في مكاننا إلى أن ندرك الحقيقة ونبدأ العمل. وهذه الدعوة ليست دعوة لترك الدين والعمل بالدنيا بل هي دعوة للعمل بالدنيا واستصحاب هذا الدين العظيم الذي يقدس العلم ويرفع الذين آمنوا وأوتوا العلم درجات. ونحن لا ننكر على من يفهم الدين ذلك الفهم المتحجر حقهم في أن يدعو لما يؤمنوا به ولكن الذي ننكره هو ادعاؤهم الحق في قسر الناس على اتباع ذلك باعتباره رسالة الإسلام التي لا معدى عنها ولا فهم للإسلام بسواها، وأن ما سواها هو الكفر والفسوق.

    ليس المقصود من هذا أن ألبس التنوير أو العلمانية ثوبا أبيضا أو أن أدعي أسلمتها إنما عملا بمنهج ديكارت القائل بأن جميع النظريات قابلة للشك المنطقي والمنهجي وإلى تحليلها وإعادة قراءتها ثم تركيبها ثم تطبيقها، حتى وإن كانت بديهيات أو مسلمات. وهذه بدورها لا تنطوي على ردة لأن الإسلام دين منطقي وعقلاني، فإذا ما أخضعنا عقلانيته للعقل فمن الطبيعي أن يتم تحليله وفهم أبعاده بصورة أفضل.
                  

العنوان الكاتب Date
مصرع القداسة على عتبات السياسة intehazy09-19-03, 08:26 PM
  Re: مصرع القداسة على عتبات السياسة intehazy09-19-03, 08:27 PM
  Re: مصرع القداسة على عتبات السياسة Alsawi09-19-03, 08:37 PM
  Re: مصرع القداسة على عتبات السياسة intehazy09-19-03, 08:43 PM
  Re: مصرع القداسة على عتبات السياسة intehazy10-01-03, 05:28 PM
    Re: مصرع القداسة على عتبات السياسة Hani Abuelgasim10-26-03, 07:42 PM
  Re: مصرع القداسة على عتبات السياسة intehazy10-01-03, 10:00 PM
  Re: مصرع القداسة على عتبات السياسة omer-gerja10-02-03, 10:11 AM
  Re: مصرع القداسة على عتبات السياسة intehazy10-03-03, 05:04 PM
  Re: مصرع القداسة على عتبات السياسة intehazy10-07-03, 09:08 PM
    Re: مصرع القداسة على عتبات السياسة ahmed babikir10-08-03, 05:26 AM
  Re: مصرع القداسة على عتبات السياسة intehazy10-08-03, 07:40 PM
  Re: مصرع القداسة على عتبات السياسة intehazy10-17-03, 12:18 PM
  Re: مصرع القداسة على عتبات السياسة Hani Abuelgasim10-26-03, 07:24 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de