|
|
 المبدع في بلادي .. دمه من المشهيات
|
الحديث عن مبدعينا ودور مجتمعاتنا اتجاههم دائماً ما يبعث في النفس الاسى والحزن العميق لأنه يكشف واقعاً مخزي وفهماً متخلفاً لدور الابداع والثقافة عموماً. من نافلة القول أن نوضح أن الفنون هي العنوان لمدى تحضر الشعوب ومقياساً لثرائها الثقافي والحضاري، وطبقاً لهذا المفهوم باتت حضارة المجتمعات ورقيها تتمثل في مقدار ما تسبقه من اهتمام على مبدعيها حتى باتوا يمثلون دوماً قمة الهرم الاجتماعي في هذه المجتمعات، وعلى مستوى العقل الجماعي باتوا هم الرموز التي يفخرون بها ويعززون من قدرها.
ولكي تطبق هذا المفهوم كمعيار على مجتمعاتنا ما عليك سوى أن تنظر حواليك تبحث عن الاحياء منهم، فستجد أن معظمهم خارج الوطن يبحث عن لقمة عيش عزّ الحصول عليها هنا، أما عن الموجودين فنظرة سريعة لواقع حالهم تغني تماماً عن الكثير من الكلام. واذا شئت المزيد من الدقة فأبحث في الذاكرة عمن قضى نحبه منهم، من هو الذي نال في حياته من التكريم والمحبة ما جعله يعيش سعيدأً كريماً بين أهله ومن الذي تم تخليده وقامت الدولة بذلك على عاتقها بعد مماته؟ هل صادفك شارع ولو صغير في تجوالك باسم الخليل؟وهل تدارست وزارة الثقافة والاعلام يوماً وعلى مدى العهود انشاء معهد للموسيقى بإسمه وهو أبو الأغنية الوطنية؟ هل حققت الدولة حلم عبد الرحمن الريح في أن يمتلك منزلاً صغيراً يضمه وأسرته بامدرمان التي أحب؟ أم هو عمر الدوش الذي عاش معظم حياته هائماً على وجهه؟ أم هو مصطفى سيد أحمد الذي مات في المنفى وجوازه مرهون للمستشفى؟!!!!!!!! انها قصص طويلة وسيل زكريات مؤلمة لا ينتهي، وكلها تؤسس الى مفهوم أننا مجتمعات ليست معنية بالابداع أو رعايته ، لا على مستوى الرسمي أو الشعبي... قد يكون للرسمي دوراً كبيراً وخطيراً في وزر ما وصلنا اليه، لأن الرسمي ظل دوماً ومنذ استقلالنا مهموماً بتثبيت أركان حكمه، وباتت كثيراً من الضروريات ليست من سلم أولوياته بما فيها لقمة العيش!!!وبالتالي صار خطاب الرسمي والذي له دوراً مؤثراً في تشكيل وعي المجتمع والاجيال بما يملك من امكانيات ضخمة أهمها الاعلام الموجه ، هو الرافد الرئيسي لتغذية وعي المستوى الشعبي، سلباً كان أو ايجاباً، والرسمي كان مهموماً وما زال بالترويج لادبياته من خلال ما يؤمن به فقط وما يعزز لتوجه آحادي ، ومن هنا كان مقتل الابداع تحت مطرقة التسيس للدرجة التي بات معها تصنيف المبدع وتمتعه بأهتمام الرسمي هو انحياز المبدع وبكلياته اليه حتى يحصل على الشرعية وبراءة الابداع!!! اضافة الى أن الشعبي وفق هذه الظروف بات مهموماً بصراع البقاء الذي لم يترك له كثير مساحة يحتفي فيها بالابداع والمبدعين.
على هذا السياق الرسمي سارت الانقاذ وهي تحمل من العنت في بداية عهدها أكثر ممن سبقوها ، فأتت بتصنيف ابداعي غريب كان هو المعيار للحظوة ولولوج أجهزة اعلام الدولة، فإما أن تكون مبدعاً رسالياً أو جهادياً، كما أن التشكيك في ابداعك وقيمته يطاردك متى ما أبديت قليلاً أو كثيراً من الامتعاض اتجاه النظام حتى لو كنت الطيب صالح نفسه!!!!
فمضمون الابداع عندهم وتقييمه محفوف بالهلامية وعدم الوضوح وأحياناً سوء النية، واليك هذه الواقعة لأنها تحمل من الدلالات والتأويل ما تحمل:
في لقاء تلفزيوني مع الرئيس عمر البشير (لا أذكر تحديداً تاريخه) سأل المقدم السيد الرئيس عن فنانه المفضل، فاجاب بأنه كان من المعجبين بالفنان عثمان حسين (لاحظ كان)، أما الآن فإن فنانه المفضل فهو الفنان الجهادي (شنان)!!!
واذا كان الشيء بالشيء يذكر، فقد قرأت قبل عدة أيام بجريدة الحياة اللندنية خبراً يقول: أن الرئيس المصري حسني مبارك يهيب بالسيد وزير الثقافة أن يعمل على الاسراع بالانتهاء من متحف السيدة أم كلثوم قبل حلول العام الميلادي الجديد ...انتهى..
تلمس الفرق بين هذين الخبرين ولا تسأل كثيراً .. (وبالمرة لا تحزن) .. لماذا المبدع عندهم قامة سامقة وكبيرة على المستويين، ولماذا عندنا المبدع لا يسوى شيئاً على مستوى الرسمي، أما على مستوى الشعبي فأحسن وصف للمبدع إنه (ده عامل فيها......).
والمبدع في بلادي كما قال المجذوب يوماً (دمه من المشهيات)!!!.
عبدالخالق السر – ملبورن
|
|
 
|
|
|
|
|
| |
atbarawi
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست