|
الشاف و الطلح و اللون السمح
|
الرضية ( بت سمحة و راسية و رزينة ) و هذا الوصف منقول من ( سيرفر ) الحبوبة ، و كل الأسرة عملت للجملة دي قص و لصق في إذهانها ، و بقت جملة ( دي فولت ) عند كل زيارة من الأهل و الأحباب لمنزلهم ، لازم يقولوها بالأول و بعدين يخشوا في الموضوع.
و بالفعل كانت الرضية تحمل كل الصفات اللازمة لست البيت ، إلا أنها كانت تعاني من عقدة تكمن في دواخلها و ملازماها ليل نهار كلما لامست أصابعها خصلات شعرها ( الأكرت ) القصير.
كانت تنظر إلى الفتيات في سنها ، و تقل نسب الجمال فيهن بدرجة عالية مقارنة بها ، إلا أنها كانت تتحـــسس شــــعرها ثم تنقل أصابعها لخصلات شــــعر البنات الأخريات و تقول :
يا ريت الشعر دة عندي.
طيب يا الرضية مش كفاية عليك وشك السمح دة. بعدين الشعر الأكرت ممكن تقصيهو و ترتاحي من التسريح كل يوم.
أول وصفة جربتها الرضية كانت وصفة من الحاجة ليلى الدلالية ( شفت ، تجيبي قفة مليانة من مخلفات الحمام ، و بعدين تلايقيهو بي مويه و تخليه ساعتين ثلاثة ، بعدين تتضرضري بيهو بالليل و تلفي راسك بي قطعة قديمة و الصباح تغسلي شعرك و تدهنيه بي زيت زيتون و النتيجة مضمونة ).
تلك الليلة ، ضحك عليها أخوها و هي تلطخ رأسها بذلك المعجون الرهيب ، و قال يمازحها : أنا خايف شعرك الصباح نلقاهو ريش حمام.
و لكن النتيجة لم تكن مرضية للرضية. و بقي الحال كما هو ، و ما زالت العقدة قائمة. جربت مجموعة زيوت ، أحضروها لها من السعودية ، و لكن لا حياة لمن تنادي. و أخيرا جاءها الحل الشافي من بنت جارتهم القادمة من دبى ، سألت بنت جارتهم : إنت شعرك دة كان أكعب من شعري ، حسع شايفاهو زي الحرير. يعني دة من تأثير الكريم دة ؟ فقد أهدتها معجونا سحريا و حذرتها من إستعماله بطريقة خاطئة ، و عليها أن تقرأ التعليمات بدقة متناهية و أن تجرب أولا في جزء صغير من شعرها قبل التعميم ، لأن الإستعمال الخاطيء ممكن أن يأتي بنتائج عكسية.
بشفقة قاتلة و محمومة إستعملت الرضية كامل محتويات علبة الكريم ، و صبرت تنتظر ، فأحست أولا بدغدغة كأن نمل السكر يمشي على فروة رأسها ، ثم أحست بخدر غير لذيذ ، ثم إنقلب الخدر إلى حرقة من الدرجة الثالثة سرعان ما تحول إلى حرقة كحرقة الجرح المدعوك بي ليمونة. ثم صرخت و هرولت إلى الماسورة ، و راحت تنظر إلى شعرها يتساقط رويدا رويدا أمام أعينها إلى أن تبقى على فروة الرأس شعيرات هنا و شعيرات هناك كبيوت متناثرة في طريق صحراوي. قالت ( رضينا بالهم ، حتى الهم ما راضينا بينا ). و لفترة طويلة ، ظلت الرضية تربط منديلا على رأسها طول اليوم و تنام به : مازحها أخوها : بقيتي تشبهي البت ديك الفي فيلم كونتا كونتي.
ذكرتني قصة الرضية ، بتلك المصرية ، جارتنا في الرياض ، هي من بنات المنصورة ، شديدة بياض البشرة. و لكنها رغم ذلك ( تموت ) في السمار و السمر. طالعة نازلة تتغزل في ألواننا التي لوحتها الشمس.
إيه اللون الكاكاوي دة ؟ ثم تجضم بناتي و تقول : يا قميل إنت يا شوكولاطة . إبنتي الصغيرة كانت عندما تراها تضع كلتا يديها على جضيماتها خوفا من تجضيمها و كأنها تعاني من إلتهاب أسنان. كل العمارة كانوا من السودانيين ، عدا جارتنا المصرية. في يوم العمارة ( إتكندكت ) بدخان كثيف يحجب الرؤيا ، هرعت المصرية إلى مصدر الدخان، و يبدو أن خشب الدخان كان يخالطه ( كراع بنبر ) أو ( جضل شجرة نيم ). يومها عرفت المصرية أن هذا الخشب يعطي للبشرة لونا خاصا ، و أصرت على تجربته. ما بلاش يا أم محمد. خليكي في لونك دة. لازم أقربو . ( يعني أجربو ).
و أعطوها كمية و شرحوا لها كيفية إستعماله و خاصة أنه لا توجد ( حفرة دخان ).
تلك الليلة و العمارة صامتة ، سمعنا طرق الباب بعنف ، فتحنا فإذا بإبنة المصرية ، نفسها قايم و عيونها تذرف دمعا بفعل الدخان و هي مذعورة :
إلحأ يا عمو ، ماما إتحرأت. ( إلحق يا عمو ماما إتحرقت ).
فهرولنا إلى شقتهم ، فوجدناها كزعيم الهنود الحمر تلتحف بلحاف و هي تروح جيئة و ذهابا و زوجها يرغي و يزبد : مين اللي شارت عليها بالشورة المهببة دي ؟ يا عم هي اللي أصرت.
صار لونها كقطعة قماش ملونة كانت منقوعة في الكلوروكس. من يومها و هي تقول : البياض ولا بلاش.
تعرج بي الذاكرة ، لزميل الدراسة و رفيق الصبا أبو القاسم ، عندما عاد من روسيا بشهادة الماجستير في الهندسة ، و معه زوجته الروسية ناتاشا و التي كانت أمه تناديها ( يا نتَاشة ). ففي إعتقادها الجازم أن الروسية نتشت إبنها منها. الروسية كانت من نوع فريد ، فقد كانت معجبة أيما إعجاب بالشعب السوداني ، و خاصة عاداتنا السودانية عند النساء. يقول أبو القاسم أنه لما تزوجها في مدينة ( كييف ) الروسية ، إجتمع نفر قليل من السودانيين ، و بينهم فتاة سودانية ، أطلقت زغرودة من نوع ( صفارة الإسعاف ) فجفلت العروس و صديقاتها الروسيات و هربن إلى خارج الشقة ، و ظنوا أن الهنود الحمر قد غزوا روسيا. و أفهموها بأن هذه صيحة تعبر فرح و بهجة عارمة.
أول يوم جربت فيه ناتشا الزغرودة كان في باص أبو رجيلة الذي أصرت على إستعماله كنوع من التراث الشعبي السوداني. يومها أبو القاسم نسي كل فلوسه في البيت و كان موقفا محرجا شاركته فيه ناتاشا ، و لكن بأريحية سودانية دفع أحدهم حق التذكرتين فما كان من ناتاشا إلا أن أطلقت زغرودة تردد صداها بين جنبات الباص ، فقال إحدي الجنوبيات ( دة سنو دة ، الكواجات كمان إندهم جن كلكلي ، دة حقو ودوهو مستشفى توالي ). نزل بها أبو القاسم قبل أن يصل وجهته. دة كلو كوم ، و يوم أن سمعت الثكلي عند موت عمة أبو القاسم ، لأول مرة تســـمع كلمة و ووووب علي ، فأعجبتها الكلمة و سألت أبو القاسم فأفهمها أن الجملة تعني بأن التي تقول ذلك تقوله كناية عن ألمها لفقد عزيز و أن مصابها كبير. تلك الليلة كانت ناتاشا تعمل بروفة طوال الليل : ووووب ألي ... و هي تخبط على رأسها و تتحزم بعمة أبو القاسم. ذلك الصباح ، أبو القاسم خرج في مشوار ، و جاءهم خبر بموت الصديق صاحب الدكان في ناصية بيت أبو القاســم و هو من أهل الجزيرة ، و جاء الناس من كل صوب و حدب و من الجزيرة ، و المفاجأة كانت ناتاشا ، متحزمة بي توب جيران و في نص النسوان :
ووووب ألى يا السديق
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
الشاف و الطلح و اللون السمح | ابو جهينة | 06-18-03, 09:49 AM |
Re: الشاف و الطلح و اللون السمح | بت قضيم | 06-18-03, 01:16 PM |
Re: الشاف و الطلح و اللون السمح | shiry | 06-18-03, 01:32 PM |
Re: الشاف و الطلح و اللون السمح | عبدالأله زمراوي | 06-18-03, 01:56 PM |
Re: الشاف و الطلح و اللون السمح | ابو جهينة | 06-18-03, 02:49 PM |
Re: الشاف و الطلح و اللون السمح | Ahlalawad | 06-18-03, 03:14 PM |
Re: الشاف و الطلح و اللون السمح | ابو جهينة | 06-18-03, 03:31 PM |
Re: الشاف و الطلح و اللون السمح | ود الشيخ | 06-18-03, 03:47 PM |
Re: الشاف و الطلح و اللون السمح | ابو جهينة | 06-18-03, 04:08 PM |
Re: الشاف و الطلح و اللون السمح | Tabaldina | 06-18-03, 04:48 PM |
Re: الشاف و الطلح و اللون السمح | Elkhawad | 06-18-03, 04:51 PM |
Re: الشاف و الطلح و اللون السمح | garjah | 06-18-03, 05:54 PM |
Re: الشاف و الطلح و اللون السمح | الرشيد أحمد القاسم | 06-18-03, 05:59 PM |
Re: الشاف و الطلح و اللون السمح | abuguta | 06-18-03, 08:43 PM |
Re: الشاف و الطلح و اللون السمح | Tumadir | 06-18-03, 08:51 PM |
Re: الشاف و الطلح و اللون السمح | HOPELESS | 06-18-03, 11:28 PM |
Re: الشاف و الطلح و اللون السمح | ابو جهينة | 06-21-03, 08:25 AM |
Re: الشاف و الطلح و اللون السمح | بدرالدين شنا | 06-21-03, 10:43 AM |
Re: الشاف و الطلح و اللون السمح | ابو جهينة | 06-21-03, 11:45 AM |
Re: الشاف و الطلح و اللون السمح | ابو ساجدة | 06-21-03, 04:10 PM |
Re: الشاف و الطلح و اللون السمح | ابو جهينة | 06-23-03, 08:34 AM |
|
|
|