|
(( نقطة ضوء .. ! ))
|
يا أنت .. أتيت .. تجتهد لتهب الربيع .. و لكني أذكر فقط أن القمر الصحراوي ينام بحضني و نجومًا بيضًا تخضر بين يدي و الحب يغطيني من قمة رأسي حتى القدمين أعرفتم اسمي ؟ و أين أنا ؟ و من يهتم ؟ أذكر أني لا أعرف من سكان الدنيا إلا اثنين .. أنا و هو و أذكر .. أن أبي راعي إبل ضاقت الأرض بحمولته فانتشر مع الطيب مع الحب مع الشعر مع القرآن وزع ألبان النوق على أطفال الدنيا .. و ابتكر أغاني للأرض .. و الإنسان و علمني .. كيف تطير الطيور من بين كفيّ و تبرعمت حب بكر شققت طريقي من بين الرايات البيض .. مرة و مرة من بين الرايات السود و ظللتم مشغولين بصنع وسام .. لأمير يغرق في دمكم و رفعتم .. أوسمة النصر .. على صدر خليفة .. ! و أذكر .. أني ضيعت الناقة و القرآن و حقاق الطيب .. و ديوان الشعر و نسيت براعم حب بكر نبتت في بستان القلب البكر و رحلت أسئل من ليل صحراوي و القفر يسلمني للقفر و سمعت أبي .. يصرخ .. يا تهانى.. ترحلين بين الصفر و بين الصفر كالراحل في عتم القبر و تلفت .. تلفت .. أبحث عنه و لا أعرف في أي مكان من هذا الوطن الممتد من البحر إلى البحر أوقفني شخصا ما .. يدعي تسنبلَ السنابل بين يديه .. ! سألني .. هل تحملين قلمًا ؟ قلت .. ضاع .. ! هل تخبئين حلمًا ؟ قلت .. ضاع ماذا تحملين في هذا الرأس ؟ قلت .. أحمل ذاكرة مشلولة فيها طمى و دخان و حكايات ما اكتملت و تصاوير بلا ألوان و فصولاً تبكي من جدبٍ و بساتينَ من الأحزان ضحك طويلاً .. و قال .. اخلعي ذاكرتك .. ! فخلعت له رأسي و أبي كان يراقب هذا المنظر و إلى اليوم .. لا أعرف إن كان أبي يضحك أم يبكي أم يزأر أم يجأر .. ! الليل طويلاً كان و كل نجوم الدنيا خائفة .. راجفة .. تتقهقر .. و أتيت .. يا أنت .. تسأل .. هل رأسي عاد إلى موضعه ؟ أم مازال يتنقل .. بين القيل وبين القال .. ! و أتيت .. يا أنت .. و الكل من حولك يركض .. فهذه تلتف على عنق الليل لتخنقه .. و تلك تريد من دمي .. قطرة لتطير بين أفراح السنابل و المنى و ذاك يحاور أطيارًا لم تولد .. و يغني لحبيبات من عهن يتورد .. ! والريح للهرب مواتية .. والفوز بقنطارٍ من عسجد و النسوة يتحفزن لإنجاب الشهداء .. ! وأميل على الجمع .. لأفقه سيل الأدباء و قال لي مؤرخ ساعات فرحي : تقدمي لا تلتفتي للخلف فرأيت يدًا بيدي الممتدة تحمل شراييني و توقف رأسي .. و هناك من يغسله .. بدموع الفرح .. فأسكره الحب .. و نام و سمعت أبي ينادي .. العصر تعطل و الدينا سجن مقفل لا سلم ولا عودة و المقتول .. وحده المقتول منذ زمن فخلعت نفسي .. و لملمتها .. و لبست دمي .. و أعدت رأسي .. أصحيح أن فراشات الغابة يحرقها الضوء .. ! و فراشات دمي تحرقها الظلمة .. ! أذكر .. أن الليل يتفيأ بظل جدائلي .. و أتحلى بالدملج و الخلخال و أغازل فراشات بغناء القرطين و يتوثب في عيني الشعر قطافًا من عسل بريّ لا أشكو من ضيق الصدر ولا أعرف شح العين و لي مالي .. في امدرمان و الخرطوم وبحرىو وشمبات ومدنىو والكلاكلات من الخرطوم حمام سلام و من امدرمان بيت المهدى انهار و من بحرى بيت المرغنى فى حصار ومن الجنوب حرب ودمار و عصافيرٌ من غرب البلاد تحاول الطيران أذكر .. أني كنت أسافر ليلاً عبر بحر منسي الشطين و أعود إلى الدنيا صبحًا أتامل ملكوت الله في الثقلين و معي من ثمر العشق سلالٌ و من الأمن سلالٌ و من الشعر أكاليلٌ لم تضفرْ أوقظها من فرحي و أسائلها .. يا سامع الصوت .. هل تراني ؟ أتدري من أكون أنا ؟ نفضة منام .. عبرتُ العمرَ أحرسها .. من الضياع و لم أنشئ لها سكنا فضاع اسمي .. و شلت ذاكرتي و جئت أسأل عنها الأهل و الوطنا تدور أشرعتي مثلي .. و ملء فمي بعض الذي فاض من بعض الذي كمنا أدميت كفي و الأبواب مغلقة .. عني جميعا .. فقولوا من أكون أنا .. وسطكم .. !!
فعذرًا .. يا أنت .. إن بكينا فعصر المضحكات بكى علينا ليضحك حولنا المتفرجينا لنا في كل نائبة نصيب و لو كنا خفافًا هاربينا كأنّا بؤرة البلوى بعصر له كفان مثل الراجمينا و نحتاج الدروب رحيل ليل فلا ضوء شمالا أو يمينا و نستأنف الطيوب .. ولا طيوب تزغرد في ليالينا .. !
|
|
|
|
|
|
|
|
|