طه ابوقرجة عن اتفاقية ماتشاكوس 2 من 3

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-22-2024, 06:40 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف العام (2003م)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-10-2003, 03:11 PM

baballa
<ababalla
تاريخ التسجيل: 05-13-2002
مجموع المشاركات: 151

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
طه ابوقرجة عن اتفاقية ماتشاكوس 2 من 3



    قوى التجمع تائهة، ولابد أن تدرك الدور المطلوب

    في الحلقة الأولى حاولت أن أفرغ من أمر الإخوان المسلمين. ويهمني هنا أمر قوى التجمع الوطني الديموقراطي، وبخاصة القوى الشمالية. كما يهمني مستقبل المفاوضات، وبرنامج الفترة الانتقالية. فبقدر ما تسدد هذه القوى، وتقارب، وبقدر ما يأتي برنامج الفترة الانتقالية مسدداً، يتيسر للبلاد أن تخرج من هذا النفق المظلم الذي دخلت فيه منذ فجر الحركة الوطنية.

    ضعف المعارضة الشمالية
    أفقدها فرصة المشاركـة
    ليس سراً أن المعارضة الشمالية ليست سوى معارضة اسمية. فهي لا تملك القوة الفكرية، ولا السياسية، ولا الدبلوماسية، ولا الإعلامية، ولا العسكرية، التي تستطيع أن تفرض بها وجودها كطرف أصيل في مفاوضات السلام المقبلة. فهي لم تستطع أن تبني جيشاً، ولا حركة جماهيرية تشكل ضغطاً على النظام، وإن حاولت بعض فصائلها أحياناً إيهام الشعب بأنها تعد العدة للإطاحة بالنظام من الخارج، وما عليه إلا أن ينتظر. وبسبب إدراك المعارضة الشمالية لعجزها، فإنها تنازلت قبل سنوات عن مطمحها في اقتلاع النظام، وارتضت الحل السلمي. وبسبب ضعفها، فقد ازدراها النظام كثيراً، وسخر منها، ولا يزال. فمنطق أهل العنف يقول إن الذي لا يستطيع أن يقيم حرباً لا يُرجَى منه أن يعطي سلاماً.

    ورغم أن النظام قد بدر منه في بعض الأحيان ما يوحي برغبته في تحقيق مصالحة مع المعارضة، إلا أنه كان يهدف إلى جر بعض فصائلها إلى جانبه. وقد أفلح بالفعل في جر حزب الأمة، الذي لم يكن راضياً عن مقررات أسمرا للقضايا المصيرية، وكان النظام أقرب إلى قلبه وعقله.

    هذا الضعف من المعارضة الشمالية، قابله من الجانب الآخر قوة الجيش الشعبي لتحرير السودان، وحجم المأساة الإنسانية في الجنوب، واهتمام دول الإيقاد وكثير من الدول الغربية بهذه المأساة. كل ذلك أجبر الحكومة على الاستمرار في التفاوض مع الحركة الشعبية. ولما كانت دول الإيقاد تركِّز اهتمامها بالجنوب، فقد جاء إعلان المبادئ الذي صاغته مركِّزاً على وضع الجنوب في حالتي الوحدة والانفصال، ولم يول اهتماماً منفصلاً بالشمال.

    من أجل ذلك، فإن إطار الإيقاد لم يسمح للحركة الشعبية بالإصرار على ضم حلفائها للمفاوضات، رغم حرصها على توسيع إطار الحل ليضم كل قوى التجمع. وهذا أمر يعرفه أهل التجمع جيداً، وقد سبق أن اعترفوا به صراحة.

    هذا الوضع المعقد يوجب على قوى التجمع أن لا تلوم الحركة الشعبية على الوصول لاتفاق ثنائي مع الحكومة، وإنما يوجب عليها أن تلوم نفسها على عجزها عن إجبار الحكومة على التفاوض معها. كما أن قوى التجمع يجب أن تقدِّر أن الحركة الشعبية تقف عن قرب على مآسي الحرب والمجاعات بالجنوب، وتقدِّم أفراداً للموت كل يوم، مما يدفعها دفعاً لإحلال السلام، ولو باتفاق ثنائي. كما على قوى التجمع أن تحاول الخروج من مأزقها الحالي بشيء من المهارة، بدل تخذيل الحركة الشعبية، وإرباكها، ومحاولة إثنائها عن خط السلام الذي فتحته هذه الاتفاقية. وخيراً فعلت الحركة الشعبية بأن مضت في سبيلها.

    إن قوى التجمع قد انزعجت، لأنها كانت تأمل أن تستفيد من تضحيات الحركة الشعبية، فتجلس يوماً على طاولة المفاوضات، مثلما يجلس رجال الحركة الشعبية، وتنال ما تريد، دون أن تكون قد دفعت ثمناً. لكن اتفاقية ماتشاكوس بددت هذا الحلم، وفضحت الضعف. والحق أنهم كانوا يحلمون بإحدى الحسنيين: إما أن تضمهم الحركة الشعبية للمفاوضات فينالوا ما يريدون دون ثمن منهم ويعودوا أبطالاً.. وإما أن تحدث ثورة شعبية في الداخل، فيزعموا أنهم حركوها من الخارج بأصابعهم السحرية ويعودوا عودة الأبطال دون أن يكونوا قد فعلوا شيئاً، تماماً مثلما عادت قيادات حزب الأمة العام الماضي، بلا نتيجة، ولا هدف، ولا مبرر، إلا العجز. وتلك خلة قديمة.
    المعارضة بلا بوصلة
    لا يبدو أن المعارضة الشمالية قد فهمت ما يدور. وهي ما لم تفهم، لن تعرف واجبها في المرحلة المقبلة، وستغيب حتماً. وآية عدم فهمها، أنها بدأت بانتقاد الاتفاقية حتى قبل أن تقف على محتواها. وقد ساق هذا الموقف، غير المستغرب، الدكتور منصور خالد للقول في لقاء صحفي أجرته معه جريدة الشرق الأوسط في عددها بتاريخ 26 يوليو 2002 :- (أفهم أن يفاجأ البعض بالاتفاق، ولا أفهم أن يصدروا الأحكام بدون قراءة النص). بيد أن هذه القوى رجعت، فأيدت الاتفاقية، مبدية تحفظاتها واهتماماتها. وذلك خير لها، وللشعب برمته. ويؤمل لها أن تسير خطوات إلى الأمام.

    إن المعارضة الشمالية يجب أن تدرك أنها إذا لم تكن تملك فرض مشاركتها في هذه المحادثات، فهي بالضرورة لا تملك إيقافها. وهذه البديهة تملي عليها أن تقبل المشاركة في المفاوضات المستقبلية بالصفة المتاحة لها، وهي صفة المستشار، عسى أن تتاح لها، من خلال عملية التفاوض نفسها، صفة أفضل. وعليها أن تبذل جهدها من خلال هذه المشاركة لتذلل أي عقبات تعترض المفاوضات المستقبلية، ولتعين الأطراف للتوصل إلى اتفاق سلام مسدد، يتلافى أي عيوب ربما شابت اتفاقية ماتشاكوس، أو أي سوء فهم قد ينشأ عن نصوصها المقتضبة. كما عليها أن تفكر منذ الآن في كيفية إخصاب الفترة الانتقالية، وتحقيق أهدافها. هذا الدور يناسب، على أيسر تقدير، إطار المفاوضات الحالية، المحكوم بإعلان مبادئ الإيقاد، الذي لا يسمح بدخول أطراف أخرى إلا إذا ارتضى الطرفان الأصليان. وهو دور جليل وخطير، إن استطاعت هذه القوى أن تباشره بذكاء واقتدار.

    هل الحكومة الانتقالية ثنائية؟؟
    معلوم أن السيد رئيس الحكومة قد رفض طلب الدكتور قرنق لإشراك القوى الأخرى في المفاوضات بصفة أصلية، ووافق فقط على إشراكهم كمستشارين. والحركة الشعبية لا تستطيع أن تصر على طلبها، وإلا بدت وكأنها تعوق المفاوضات والسلام. ومن أجل ذلك، على قوى التجمع أن تقبل المشاركة بهذه الصفة التي لم تتفضل عليها الحكومة بأحسن منها، وأن تشد من أزر الحركة الشعبية، والحكومة أيضاً، في المفاوضات المقبلة، خصوصاً أنها مفاوضات هامة يتوقف عليها مستقبل السلام. بيد أن بعض قوى التجمع قد أعلنت رفض المشاركة بهذه الصفة، وذلك رفض ليس له ما يبرره. وهو رفض ينذرها، على كل حال، بإخلاء الساحة منذ الآن. ولربما يحسن لقوى التجمع أن تعلم أنها إذا رفضت المشاركة بهذه الصفة، فإنها لن تزيد بهذا الرفض على أن تترك الحركة الشعبية وحيدة في جبهة السلام، بعد أن تركتها وحيدة في جبهة الحرب على مدى السنوات الفائتة.

    ومن الواضح أن قوى التجمع لم ترفض الطبيعة الاستشارية للمشاركة في حد ذاتها، وإنما هي ترفض أمراً تتوهمه وليس له من وجود إلا في أذهان بعض أطرافها. ذلكم هو الفهم الخاطئ الذي أشاعته اللجنة الدستورية والقانونية للتجمع، من موقعها بالقاهرة. ومفاده أن الترتيبات الانتقالية الواردة في اتفاقية ماتشاكوس (تقوم على شراكة مغلقة بين طرفين هما الحكومة والحركة الشعبية ولا مكان فيها لطرف ثالث).

    إن هذا لموقف مؤسف من تلك اللجنة. وهو لخطورة المنعطف يضطرني للقول بأن لا صلة له بالفهم القانوني السليم، ولا بمصلحة البلاد، ولا شعبها. وهو يضطرني أيضاً للتعرض لبعض بنود الاتفاقية، محاولاً تحاشي الإسهاب.

    وأول ما يجب ملاحظته في هذا الشأن هو أن الجزء (ب) من الاتفاقية، المتعلق بالعملية الانتقالية، قد بدأ بهذا النص:-
    (من أجل حل النزاع لضمان مستقبل يعمه الأمن والرخاء لكل شعب السودان، ومن أجل التعاون في حكم البلاد، يتفق الطرفان على تطبيق اتفاقية السلام وفق الترتيب والأطر الزمنية والمراحل المنصوص عليها أدناه).

    والمراحل المنصوص عليها هي مرحلتان:- (1) الفترة التمهيدية.. ومدتها ستة أشهر، ويبدو أنها تسري اعتباراً من إبرام اتفاق السلام. (2) الفترة الانتقالية.. ومدتها ست سنوات، وتبدأ بنهاية الفترة التمهيدية، وفي نهايتها يمارس أهل الجنوب حق تقرير المصير بالاستفتاء.

    ولما كانت اتفاقية ماتشاكوس هي اتفاقية إطار، فإنها لم تدخل في تفاصيل الحكومة الانتقالية، وإنما هي وضعت أسساً عامة. ومن تلك الأسس، النص الوارد أعلاه، والذي يستفاد منه أن الطرفين يجب أن يتفقا في اتفاق السلام على الشروط التي توفر مستقبلاً ((يعمه الأمن والرخاء لكل شعب السودان))، وكذلك على الشروط التي تحقق ((التعاون في حكم البلاد))، كما يجب تطبيق ذلك. وهذا يعني أن طرفي الاتفاقية قد ألزما نفسهما بموجب هذا النص بأن يضمِّنا اتفاق السلام شروطاً تحقق مستقبلاً ((يعمه الأمن والرخاء لكل شعب السودان))، وشروطاً تحقق ((التعاون في حكم البلاد)). وبطبيعة الحال فإن أيسر هذه الشروط هو أن تقوم حكومة انتقالية وطنية، تمثل كل الأطراف المرتضية للاتفاقية ولبرنامج الفترة الانتقالية.

    كما نص البند (2-1-أ) على تأسيس الهيئات والآليات المنصوص عليها في اتفاق السلام خلال الفترة التمهيدية. وهذه هي الهيئات والآليات التي تعمل خلال الفترة الانتقالية. فإذا كان اتفاق السلام هو الذي سيحدد هذه الهيئات والآليات، فلا يجوز القول بأن اتفاقية ماتشاكوس أسست شراكة مغلقة بين طرفين.

    كما نص البند (3-1-2) على أن (تكوَّن لجنة قومية لمراجعة الدستور خلال الفترة التمهيدية وسيكون على رأس مهامها صياغة الدستور والقانون). ومعلوم بالطبع أن الدستور هو دائماً الذي يحدد أجهزة الحكم، وكيفية تشكيلها، وعلائقها ببعضها، وغير ذلك. وقد نصت المادة (3-1-1) من الاتفاقية على ذلك. فإذا كان الدستور ستضعه لجنة قومية، فهل يجوز الزعم بأن الترتيبات الانتقالية الواردة في اتفاقية ماتشاكوس "تقوم على شراكة مغلقة بين طرفين هما الحكومة والحركة الشعبية ولا مكان فيها لطرف ثالث"؟؟

    ثم إن البند (3-1-3) قد نص على أن يجاز الدستور والقانون وفق آلية يتفق عليها الطرفان. فإذا أوجبت الاتفاقية أن تضع الدستور والقانون لجنة قومية، فيخطئ من يظن أن الآلية التي سيتفق عليها الطرفان لإجازة الدستور والقانون هي بالضرورة مكونة من الطرفين فقط. وعلى كل حال، فإن الطرفين إذا لم يتفقا حتى الآن على هذه الآلية، فإن الزعم بأنها مغلقة عليهما، إنما هو ضرب من التنجيم.

    أما إذا جئنا للبند (3-2-1)، وهو البند الوحيد الذي ينص صراحة على شكل الحكومة الانتقالية، فنجده ينص صراحة على حكومة وطنية. والبند يقرأ:- (يتفق على تكوين حكومة وطنية لتمارس الوظائف وتجيز القوانين التي تتطلب طبيعتها أن تجاز وتمارس من قبل سلطة عليا ذات سيادة وعلى المستوى القومي. وستأخذ الحكومة الوطنية في الاعتبار، في كل القوانين التي تجيزها، الطبيعة التعددية للشعب السوداني دينياً وثقافياً).

    والنص على تشكيل حكومة وطنية، يفتح الباب على مصراعيه لأن تشرك في الحكومة الوطنية أكثر، إن لم يكن كل، القوى المؤيدة لاتفاقية ماتشاكوس. وهذا في حد ذاته يجب أن يطمئن قوى التجمع، ويلجمها عن القول بأن الاتفاقية "تقوم على شراكة مغلقة بين طرفين هما الحكومة والحركة الشعبية ولا مكان فيها لطرف ثالث". إن هذا القول لا يخدم أحداً في حقيقة الأمر.. لا، ولا حتى الذين تسرهم رؤيته. وهذا أمر لا مراء فيه.

    ثمة أمور أخرى بالاتفاقية شغلت اللجنة الدستورية والقانونية للتجمع، وجاءت في مذكرتها. بيد أني لا أرى أن مخاوف اللجنة بشأنها مبررة، وسأتطرق لبعضها لاحقاً.

    إن على كثير من أطراف التجمع أن تضع في اعتبارها أن الظروف التي اكتنفت التوصل لهذه الاتفاقية كان من شأنها أن تجيء بها على هذا النحو. ويجب علينا كلنا أن ندرك أن القيمة الكبرى لهذه الاتفاقية هي أنها قد أفلحت في كسر الحاجز الرئيسي الذي حال دون السلام قرابة العقدين الماضيين، وهو حاجز إصرار الحكومة على ربط الدولة بالعقيدة الدينية. والحق أن كل الحواجز الأخرى تبقى هينة بعد كسر هذا الحاجز الرئيسي. بيد أن الأمر يتطلب سعة الفهم والحنكة. ولو أدركت قوى التجمع ذلك، لأمكنها، من موقعها الاستشاري، إعانة الطرفين للتوصل لاتفاق سلام مسدد. أما مسألة الطبيعة الوطنية للحكم الانتقالي، فهو أمر قد حسمته الاتفاقية سلفاً، وينبغي أن لا يشغل بال أحد.
    حكومة الإخوان قد تحاول التراجع
    عن الاتفاق على الحكومة الوطنية
    رغم وضوح نصوص الاتفاقية فيما يتعلق بالحكومة الانتقالية، إلا أن الإخوان المسلمين قد يحاولون استبعاد المعارضة الشمالية من اقتسام الحكومة الانتقالية. وهم قد لوحوا بذلك فعلاً، وذلك حين رفض الرئيس البشير طلب الدكتور جون قرنق لإشراك هذه القوى في المفاوضات. فقد نقلت لنا جريدة الحياة في عددها بتاريخ 29 يوليو قوله بأنهم يقبلون فقط بمشاركة القوى الأخرى كمستشارين في هذه المرحلة، وأنه (بعد الاتفاق النهائي يمكن للطرفين المتفاوضين إشراك الفصائل المتحالفة معها في الحكومة القومية)!!

    بيد أن مشاركة هذه القوى في الحكومة الانتقالية لا تقبل التعويم بعبارة مثل "يمكن". فذلك أمر حسمته الاتفاقية سلفاً. كما هو أمر تمليه اعتبارات عديدة، يتوقف عليها نجاح عملية السلام نفسها. وعلى الإخوان المسلمين أن يفهموا ذلك. عليهم أن يفهموا بصورة خاصة أن القوى الوطنية التي سعت للسلام طيلة الثمانينات، وكانوا هم يسمونها الطابور الخامس، هي طرف أصيل في السلام بأكثر منهم. وعليهم أن يفهموا أن رغبتهم في استبعاد تلك القوى إنما يشكك في حرصهم على السلام، وهو أصلاً موضع شك. كما عليهم أن يفهموا أن الأطراف الراعية لمساعي السلام الحالية تفهم ذلك، وهي تحرص على تحقيق كل ما من شأنه أن يعين على ترسيخ السلام. وعلى المعارضة الشمالية أيضاً أن تفهم ذلك، وأن تتهيأ له، ليس بمد الرقاب إلى المناصب، وإنما بوضع البرنامج المناسب للفترة الانتقالية.

    أحذروا الصادق المهدي، لا يربككم !!

    كنت آمل أن يكون تعليق اللجنة الدستورية والقانونية بالتجمع الوطني، خير من مذكرتها التي نشرتها هذا الأسبوع. فهي لم تشتمل على أي تحفظ مقبول، أو معقول. وأخشى ما أخشاه هو أن يشفق أهل التجمع، بسبب هذه المذكرة، من احتمال استبعادهم من الحكومة الانتقالية، فينجرُّوا وراء مشفق آخر حمله إشفاقه على التماس ضالته في نصوص المبادرة المشتركة، على نحو ما جاء في بيان حزب الأمة حول اتفاقية ماتشاكوس.

    والغريب في الأمر، أن السيد الصادق المهدي قد فهم أن اتفاقية ماتشاكوس قد نصت على حكومة وطنية، بينما لم تفهم ذلك اللجنة الدستورية والقانونية بالتجمع. وهو من منطلق فهمه بدأ يجهد لجر القوى السياسية لحسم أوزان الأطراف في الحكومة الوطنية وفق أحكام المبادرة المشتركة. الأمر المؤسف هو أن اللجنة الدستورية والقانونية بالتجمع كان فهمها دون فهم السيد الصادق. وهذا يؤهلها للسير خلفه. وتلك كارثة. فهو إنما يريد جر القوى السياسية إلى مبادرة خلَّفتها الأحداث وراءها، وهي مبادرة كان هو من تسبب أصلاً في إدخالها حيز الوجود. وقد بعثر بها جهود السلام سنين عددا. وهو يريد أن يبعثها اليوم ليرتد بالناس إلى الوراء، ليخدم حاجة في نفسه، لا إذِن الله له بقضائها.

    وعلى ذكر السيد الصادق المهدي، فإنه يحسن للقوى السياسية الوطنية الآن أن تتجنب مسايرته، وأن تفر منه فرارها من الأسد. فيبدو أنه يود العودة بالناس إلى نقاطه، وتوضيحاته، ومواثيقه التي لا تلوح لها نهاية. فهاهي جريدة الشرق الأوسط قد نقلت لنا في عددها بتاريخ 29/7/2002 قوله بأن (حزب الأمة انتهى من إعداد الميثاق الوطني تمهيداً لتوقيع كل القوى السياسية عليه لتوحيد رؤى الشعب في دعم السلام والعبور من حالة البؤس إلى السلام والحل السياسي الشامل)!!

    وليته وقف عند المناداة بميثاق وطني!! فهاهي جريدة الخرطوم بتاريخ 22/7/2002 تفيدنا بأنه ينادي بميثاق آخر للتعايش الثقافي، وذلك بقوله:- (لابد من الاعتذار للجنوبيين على الاستعلاء الثقافي بوضع ميثاق للتعايش الثقافي)!! فهل سمع الناس قبل اليوم باعتذار بموجب ميثاق؟ أرأيتم كيف يمكن لهذا الرجل أن يبلبل رؤوس الناس، ويربكهم، ويشتت تركيزهم؟ فلو أطاعوه، لجاءهم كل حين بميثاق جديد. ومن أجل ذلك، فمن الخير لكل الناس أن يضربوا عنه صفحاً، وأن يطووا كشحاً.

    والسيد الصادق سيسعى للتأثير على كافة القوى، ليجد لنفسه دوراً. وقد نقل لنا ذات العدد من صحيفة الخرطوم أنه كشف (عن اتصالات سيجريها الحزب مع دولتي المبادرة لتفعيل جهودهما في عملية السلام بالسودان إضافة إلى الاتصال بالحركة الشعبية وبقية القوى السياسية لتوحيد الرؤى..)!! فليحذر الناس.

    إن عملية السلام قد خلَّفت السيد الصادق المهدي وراءها. وتلك علامة خير كبير. فهو الآن ليس شريكاً لأي طرف. فإذا جاءت الحكومة بشركائها كمستشارين، فهو ليس منهم.. وإذا جاءت الحركة الشعبية بشركائها كمستشارين، فهو ليس منهم. وهو قد أدرك ذلك، وانزعج أيما انزعاج. وهو من أجل ذلك يبحث له عن دور، فشرع يقترح الميثاق تلو الآخر، كما طفق يهرول في كل اتجاه. إن علامة الخير هي أن السيد الصادق المهدي، الذي ينوء كاهله بالعبء الأكبر من وزر المأساة التي حاقت بهذا الشعب منذ أن بلغ هو سن الثلاثين، يقف الآن بعيداً، ومعزولاً، في موقع يؤمل فيه أن لا يسمم حياتنا من جديد. ذلك تدبير العزيز الحكيم.. ومع ذلك، يجب على الناس أن يحذروه، فقد دلَّت التجربة أنه لا يأتي من قبله خير أبداً.. وأي برهان خير من التجربة؟

    وبطبيعة الحال، فإن من علامات الخير الكبرى أيضاً أن الدكتور الترابي معزول هو الآخر عن التأثير على مجريات الأمور. وهو قد مدَّ لنفسه في هذه العزلة، بأن هاجم اتفاقية ماتشاكوس لمخالفتها الشريعة. ومعارضته لاتفاقية ماتشاكوس تسلبه وتسلب حزبه حق المشاركة في الحكومة الوطنية الانتقالية. وهذا أمر سيجيء شرحه في الجزء الأخير من هذا المقال.
    مهام المرحلة الانتقالية
    طالما نصت اتفاقية ماتشاكوس على حكومة انتقالية وطنية، فقد وجب أن لا ينشغل أهل التجمع بهذا الأمر، وأن ينشغلوا بما هو مهم. وجب أن يهتموا بإعداد أنفسهم للدور الذي عليهم أن يلعبوه كمستشارين في المفاوضات القادمة. يجب مثلاً أن يحددوا المبادئ العامة التي يجب أن يتضمنها اتفاق السلام، الذي يوشك الطرفان أن يجلسا لوضعه. كما يجب أن يعملوا على وضع برنامج الفترة الانتقالية، الذي يهدف، فيما يهدف، إلى إزالة العوامل التي أنتجت المأساة الراهنة، والتي ستسوق حتماً إلى قسمة الشعب والبلاد إن هي استمرت خلال الفترة الانتقالية. والبرنامج الانتقالي سيكون تفريعاً وتفصيلاً للمبادئ الأساسية والعامة المضمنة في اتفاق السلام.

    هذا يعني أنه يجب على قوى التجمع أن تحرص على المشاركة بصفة مستشارين في جولات المفاوضات المقبلة، ليعينوا الأطراف كافة على الخروج باتفاق السلام مبرأ من العيوب. ومما لا ريب فيه أن الناس إذا دخلوا المفاوضات المقبلة دون هدف واضح، فلن يجني الشعب سلاماً، ولا وحدة، ولا خيراً. فلابد من معرفة مشكلات البلد الأساسية، ومخاطبتها في اتفاق السلام، ومحاولة علاجها في الفترة الانتقالية. ذلك هو موضوع اتفاق السلام، وموضوع الفترة الانتقالية.

    وبطبيعة الحال فإني لا أطمع في وضع برنامج، وإنما يهمني أن أشير إلى بعض الأمور التي من شأنها أن ترسخ فرص الأمن، والسلام، والعدل، والوحدة، والتنمية. وسيكون ذلك في الحلقة الثالثة من هذا المقال.


                  

العنوان الكاتب Date
طه ابوقرجة عن اتفاقية ماتشاكوس 2 من 3 baballa05-10-03, 03:11 PM
  Re: طه ابوقرجة عن اتفاقية ماتشاكوس 3 من 3 baballa05-11-03, 03:09 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de