خطابات ما بعد الحداثة عما جرى مجرد نفخ تدل على جهل منتجيها

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-12-2024, 08:31 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف العام (2003م)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-30-2003, 11:25 PM

altahir_2
<aaltahir_2
تاريخ التسجيل: 11-17-2002
مجموع المشاركات: 3949

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
خطابات ما بعد الحداثة عما جرى مجرد نفخ تدل على جهل منتجيها

    منقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــول


    خطابات ما بعد الحداثة عما جري مجرد نفخ دخان تدل علي جهل منتجيها
    2003/09/29

    حروب ما بعد الحادي عشر من أيلول الثقافية غ1-2ف

    ستانلي فش
    ترجمة: غازي مسعود
    من كان يظن، في تلك الدقائق والساعات والأيام القليلة الأولي أن ما ندعوه الآن الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) سيصبح حدثاً في الحروب الثقافية؟ واليوم، بعد أكثر من تسعة أشهر، لا يمكن أن يكون الأمر إلا أكثر وضوحاً، رغم أن أول إشارة علي هذا الحدث وقعت في الثاني والعشرين من أيلول، متمثلة في رأي ظهر في صحيفة الـ نيويورك تايمز كتبه إدوارد روثستاين بعنوان الهجمات علي الولايات المتحدة تتحدي وجهات نظر المؤمنين الحقيقيين بما بعد الحداثة . وبعد بضعة أيام (في السابع والعشرين من أيلول) كتبت جوليا كلر قطعة صغيرة في صحيفة شيكاغو تربيون كان عنوانها بعد الهجوم، ما بعد الحداثة ترخي قبضتها العفوية ؛ ومن دون شك، ليس هذا العنوان إلا مساهمة من أحد موظفيها. وفي عدد الرابع والعشرين من أيلول من مجلة تايم أعلن روجر روزنبلات نهاية عصر السخرية ، وتوقع أن يغير الناس الطيبون المسؤولون عن حياة أمريكا الثقافية نغمتهم وأن لا يقولوا من بعد أن لا شيء حقيقي أو لا شيء يمكن الإيمان به أو يأخذ علي محمل الجد . وفي الأول من شهر تشرين أول، في قطعة عنوانها رفع القبضات في الحرم الجامعي ليس مشهداً جميلاً ، لام جون ليو الأفكار الخطيرة جداً التي أسرت ثقافة حرمنا ؛ وذكّر بأفكار النسبية الثقافية الراديكالية وعدم إصدار الأحكام والإيمان ما بعد الحداثي المنظر لعدم وجود نظم أخلاقية أو حقائق تستحق الدفاع عنها .
    حسنٌ، يبدو ذاك سيئاً ـ لا حقائق، لا معرفة، لا واقع، لا أخلاق، لا حكم، لا موضوعية ـ وإذا كانت ما بعد الحداثة تقول ذلك فإن ما تقوله ليس خطيراً جداً بل غبياً. ورغم ذلك، لحسن الحظ، لا يقول ما بعد الحداثيين ذلك، وما يقولونه، إذا فهم علي الإطلاق، ليس محتملاً أن يستفز لا غضب ولا استنفار بول ريفرز الحداثي. ليس هنا مكان إعطاء سجل كامل لما بعد الحداثة أو تعريفاً لها، ولكن قد يكون كافياً لغرضنا النظر في وصف من أوصافها الذي أطلقه عليها روثستاين ويبدأ بالقول ما بعد الحداثيين يتحدون التأكيد بأن الحقيقة والحكم الأخلافي لهما أية شرعية موضوعية . حسن، يتوقف الأمر علي ما تعنيه بـ موضوعي . إن كنت تعني معيار شرعية أو قيمة مستقل عن أي نظام فكر وممارسة يظهر تاريخياً، ولذا يقبل التعديل، يكون حقيقياً أن عديد ما بعد الحداثيين ينكرون أن مثل ذاك المعيـار وُجد أبداً. ولكن إذا عني المرء بـ موضوعي معيار شرعية وقيمة تسنده إجراءات وبروتوكولات ممارسة أو انضباط متطورة جداً وحقيقية ومجربة كثيراً ـ التاريخ، الفيزياء، الاقتصاد، السايكولوجيا... إلخ ـ فإن تلك المعايير جميعاً موجودة حولنا، ونستفيد منها طوال الوقت دون أي قلق ميتافيزيقي.
    رتشارد رورتي، أحد أهداف روثستاين، مغرم بالقول إن الموضوعية هي ذاك النوع من الأشياء التي نفعلها هنا . فالمؤرخون يستنتجون معني الأحداث، والفلكيون يقدمون أمثلة عن الحركات الكوكبية، وعلماء النفس يقدمون سجلات عن سيرورة القراءة، والمستهلكون يتخذون قرارات عن أفضل المنتجات، والآباء يختارون مدارس لأطفالهم، وجميع هذه الأمور وأخري كثيرة تتم بدرجات متفاوتة من الثقة، وليست الثقة في كل الأحوال متجذرة في إيمان بأن الممثل يمتلك معيار موضوعية مستقل. بدلاً عن ذلك، يبدأ الممثل، أنت أو أنا أو أي شخص آخر، في إطار ممارسة ما، بكل مرجعياته المتلقاة، النصوص المقدسة والإنجازات النموذجية والمعايير المقبولة بعامة، ومن منظور ذاك الإطار المكثف المفصل جداً الذي تترابط فيه العلاقات بين الأفراد، يُحكم علي كون شيء صحيحاً أو غير دقيق، معقولاً أو غير عقلاني، وهكذا.
    إذاً، يبدو أن عدم توفر معايير موضوعية مطلقة ـ الأطروحة التي يجدها روثستاين بغيضة وخطيرة ـ لا ينقص شيئاً من قدرنا. فإذا كانت المعايير الموضوعية التي يمكن التحقق منها جهاراً غير متوفرة، كما يؤكد ما بعد الحداثيين، فإنها كذلك فقط بمعني أنها كانت دائماً غير متوفرة (بكلمات أخري، ليس هذا ظرفاً سببته ما بعد الحداثة)، وقد استطعنا دائماً العيش من دونها، فاعلين أشياء عديدة عظيمة رغم أننا قد لا نكون قادرين علي إسنادها طبقاً لأكثر المطالب الفلسفية صرامة. وأحد الأشياء التي يمكن أن نفعلها، علي سبيل المثال، عندما نكون لا نتفلسف، هو إدانة شخص ما أو جماعة ما، رغم أن روثستاين يبدو أنه يعتقد أننا لا نستطيع فعل ذلك إلا إذا كانت جميع بطّاتنا تقف في صف واحد ـ وفي الصف الصحيح. وعليه، يقول، إذا أخذنا بالاعتبار الفرضيات ما بعد الحداثية، لا تستطيع ثقافة واحدة، بخاصة ثقافة الغرب، أن تدين بثقة ثقافة أخري ، الأمر الذي يعني، حسبه، أننا لا نستطيع، نحن في الولايات المتحدة، إدانة من هاجم مركز التجارة العالمي والبنتاغون. ومرة أخري، يعتمد الأمر علي ما تعني بـ ثقة ، وهي كلمة تعيدنا إلي كلمة موضوعي وإلي الحجة التي أطرحها. فإذا كنت تعني بـ إدانة واثقة إدانة جذّرها شعور عميق بالقيم والأولويات والأهداف وإيمان بالصواب والخطأ، فإن مثل هذه الإدانة متوفرة لمعظمنا إن لم يكن لكلنا طوال الوقت. ولكن إن كنت تعني بـ إدانة واثقة إدانة متجذرة في قيم وأولويات وبشعور بالصواب والخطأ لا يمكن أن يجادل فيها أحد ويقبلها كل امرئ، فمثل هذه الإدانة غير موجودة، وذلك لسبب بسيط هو عدم وجود قيم وأولويات ومعتقدات أخلاقية متفق عليها بعامة. فلو كانت موجودة لما وجدت خلافات عميقة.
    والآن، كي لا يساء فهمي، إنني لا أقول بعدم وجود قيم عامة أو حقائق مستقلة عن منظورات محددة. أنا أؤكد كلا الأمرين. أقدم قراءة لقصيدة أو أبدي رأياً في حالة من حالات التعديل الأول للدستور (الذي يضمن حرية الآراء) فأفعل ما أفعل دون تحفظات إبستمولوجية. واعتبر قراءتي حقيقية ـ ليس حقيقية شرطياً، أو حقيقية لمجموعتي المرجعية فقط، ولكن حقيقية. وأنا متأكد من ذلك كتأكدي من أنني قد أكون غير قادر علي إقناع آخرين، ليسوا أقل مني تعليماً أو مصداقية، بالحقيقة الواضحة لي. وها هي نقطة كثيراً ما يخفق بعضٌ بالإمساك بها، فطالما ظـُنّ أن استقلال تأكيدين واحدهما عن الآخر، ولذا انسجامهما، أمران متناقضان عندما يطرحهما الشخص نفسه: (1) أؤمن أن س حقيقي و(2) أؤمن بعدم وجود آلية، إجراء، حساب، اختبار، يمكن بواسطته وبالضرورة شرح حقيقة س إلي أي شخص سليم العقل ومن وصل إلي نتيجة مختلفة (ولا يعني الأمر أن مثل ذاك الشرح لا يمكنه النجاح أبداً، ولكن فقط أن نجاحه احتمال وليس ضرورة. وكي أؤكد شيئاً وأقصده دون أهلية، يجب عليّ طبعاً أن أؤمن بأنه حقيقي، ولكن لا يجب عليّ أن أؤمن بأنني أستطيع شرح حقيقته لجميع الناس العقلاء. فالزعم أن شيئاَ عاماً والاعتراف بإنني لا أستطيع بالضرورة إثباته مسألتان مستقلتان بعضهما عن بعض. فالثانية لا تبطل الأولي.
    إذاً، مرة أخري، تنتهي محاجّة ما بعد حداثية إلي أن تكون دون أية نتائج ضارة (وهي أيضاً دون أية نتائج إيجابية، ولكن تلك قصة أخري)، وهي بالتأكيد لا تقف في طريق إدانة من أثبتوا أنهم أعداؤنا بالكلمات والأفعال. لا، ولا يجب أن يكون هذا مفاجئاً، فبعد كل شيء، ما بعد الحداثة سلاسل من المحاجّات، ليست بعيدة عن الحياة أو وصفة للعمل. فإيمانك أو عدم إيمانك بالثوابت ما بعد الحداثية مستقل عن إيمانك والتزاماتك بأي جانب آخر من حياتك. قد تؤمن بأن موضوعية من نوع مطلق ممكنة أو قد تؤمن أنها ليست كذلك، ولكن عندما يكون عليك تقرير ما إذا كان شيء معين صحيحاً أو خطأً، لا يستطيع حتي الإيمان أن يعوقك أو يساعدك. وما سيساعدك الأرشيفات والإنجازات النموذجية والمرجعيات الموقرة والنصوص الرسمية والمقاربات ذات العلاقة والمجازات الموحية ـ المتوفرة لجميع الأشخاص باستقلال عن معتقداتهم الفلسفية، أو عمّا إذا كانوا يمتلكون فلسفة أو لا يمتلكونها.
    وفي النهاية، ليس سعار ما بعد الحادي عشر من أيلول عن ما بعد الحداثة إلا نفخ دخان، صخب وعنف، لا يدل إلا علي جهل من ينتجه. فلا يوجد شيء هناك. ورغم ذلك، لا ينطبق الأمر علي ما جاء بعد ذاك النفخ في وسائل الإعلام الشعبية وشبه الشعبية، علي مسألة ما إذا كانت هذه الحرب حرباً دينية أم لا. طرح هذا السؤال علي خلفية رغبة إدارة بوش بأن لا توصف الحرب بأنها دينية. فأي تبنٍ لأطروحة سامـــويل هنتنــــغتون عن صـــراع الحضارات سيكون له في الأقل ثلاث نتـــــائج سيئة. فأولاً، لا يمكـن إقناع دول إسلامية أساسية بدعم عمليات الولايات المتحدة العسكرية أو في الأقل الامتناع عن إدانتها. وثانياً، سيصبح ملايين الأمريكيين ممن يؤمنون بالإسلام قلب ائتلاف كبير مناهض للحرب. وأخيراً، ستقع استقطابات في الأمم المتحدة علي أسس دينية، مع إمكانية تقريع الولايات المتحدة علي أي هجوم تقوم به. في إطار هذا القلق وغيره، ظهر خط الحزب الرسمي فوراً تقريباً: رغم أن القاعدة قالت إن محاربيها فعلوا ما فعلوا إرضاء لله، إلا إن إسلامهم نسخة محرفة من الدين الإسلامي، ولذا فإن زعمهم بأنهم يتصرفون باسمه زعم باطل وغير شرعي؛ إنهم، بكل بساطة، لا يمثلون الإسلام وأساءوا قراءة نصوصه المقدسة.
    لو فكرت في هذا الأمر للحظة لرأيته نوعاً من المحاجة مدهشاً يستجدي الأسئلة المتضمنة في تأكيداته. فمن هو المخول بتقرير أية نسخة من الإسلام هي النسخة الحقيقية؟ وأي معتقد ديني نظر أبداً خارج مواد عقيدته للإرشاد والتصحيح؟ وما الفرق بين الإعلانات الواثقة بأن نموذج الإسلام الذي تتبناه القاعدة منحرف وبين الحرمان الكنسي والحرمان الكنسي المضاد للكاثوليكية والبروتستانتية، وفي داخل البروتستانتية المعمدانية والإنجيلية واللوثرية، هذا إذا لم نذكر شهود الرب وإدفنتستيي اليوم السابع والمورمونيين والمنونايتيين؟ بمجرد طرح هذه الأسئلة ندرك أن وصف ما هو الدين، وتعريف الأفعال التي قد تتم أو لا تتم باسمه، مسألة داخلية كلياً. فبعد كل شيء، هذا هو أساس الدين: اتباع رؤية مصدرها رؤيا، مرجع كنسي، كتاب مقدس، شخص مبجل. والشخص اذي يلتزم بتلك الرؤية لا يقبل أوصافاً لها أو تقويمات من أي شخص غير مؤمن بها يستشهد برؤي ومرجعيات ونصوص أخري؛ أما قول غير الأتباع بأن بعض المعتقدات الأساسية لرؤية ما غريبة وأن الأفعال الناجمة عن هذه المعتقدات لا ينصح بها بل إنها شريرة، هو مجرد تأكيد، مرة أخري، من الداخل، لمدي وقوع هذه الأرواح الضائعة المسكينة في قبضة الخطاً ولكونهم عمياً جداً ليروا. وما يعنيه ذلك (وهنا نعود إلي القلق علي ما بعد الحداثة) أنه لا يوجد في أمور الدين ـ وأقول في أي أمر آخر ـ مكان عام كامل التعاريف والأسس والمبادئ والمعايير، ... إلخ، يمكن للمرء اللجوء إليه ليفرز الصواب من الخطأ، الثوري من الإجرامي. وذلك يعني عدم وجود أرضية مشتركة، في الأقل أرضية مشتركة لم يزرع فوقها إلي الآن عَلمٌ موالٍ، يمكنها السماح لأي شخص بإصدار حكم مستقل علي شرعية الإعلانات التي تصدر عن ابن لادن وأتباعه حول أسس أعمالهم الدينية.
    وفقط عندما يوجد مكان عام أو أرضية مشتركة يمكن للسؤال هل هذه حرب دينية؟ أن يكون سؤالاً حقيقياً، بدلاً عن أطروحة متحيزة تتظاهر بأنها سؤال. وذاك يعني أن سؤال هل هذه حرب دينية؟ ليس سؤالاً عن الحرب؛ إنه السؤال الحرب. فالسؤال يطرح فرضيات يجد أفراد القاعدة أنفسهم مجبرين علي رفضها، وهم بالفعل يحاربونها: وتتمثل تلك الفرضيات بأن من الممكن تمييز الأعمال الدينية وغير الدينية عن أي منظور لم يتأثر بأي دين أو آيديولوجية؛ أو أنه، بكلمات أخري، يوجد منظور منفصل عن كــل الأديان وفوقــها، وذلك من وجهة النظر التي يمكن من خلالها الحكم موضوعياً علي ما هو ديني أو غير ديني بشكل دقيـق؛ أو أنه يمكن التمييز بين الالتزامات التي يلتزم بها المرء كشخص مؤمن وبـين الالتـزامات التي يلتزم المرء بها حسب طــاقتـه كمواطن؛ أي يمكنــك الذهــــاب إلي العالـم والقيام بأعمال لا علاقة لها، إيجـابياً أو سلبياً، بمعتقــــداتك الدينية.
    ولهـــذه الفرضـيات معني فقط في إطار فرضيات أخـري: إن الدين أساساً علاقة خاصة ـ وبين ربك، ولذا فإنه، في الأقل من حيـث المبدأ، مســــتقل عن أعمالـك في المجال العام، حيث قد تكون الأوامر التي تنفذها إما سياسية أو اقتصادية أو خيرية أو بيئية ـ أوامر قد يقبلها أو يرفضها أشخاص باستقلال عن معتقداتهم الدينية أو عن عدم وجود معتقدات دينية لهم.
    وباختصار، ما كررته لك هو أساس ما دُعي دين أمريكا المدني ، وهو إيمان (إن كانت تلك هي الكلمة) أُقيم علي الصخرتين التوءمين لإعلان لوك بأن عمل القانون ليس الاهتمام بصحة الآراء، بل بسلامة الدولة الديمقراطية وأمنها وعلي فكرة جفرسون العاميّة عن النقطة نفسها: لا يؤذيني أن يقول جاري بوجود عشرين إلهاً أو بعدم وجود آلهة؛ إنه لا يسرق جيبي ولا يكسر رجلي . وتمثلت مساهمة جفرسون الأبعد بمجازه الشهير الجدار الفاصل ، وهو مجاز أعطي قوة دستورية لفصل الكنيسة عن الدولة، حتي وإن لم يرد ذلك في الدستور. وإذا جُمعت معاً، تعطينا هذه البيانات المعيارية الآن التمييز المفتاحي بين الخاص والعام، الأمر الذي يعطينا بدوره عقيدة التسامح الأمريكية. تقول هذه العقيدة: إن تركتني حراً لأؤمن بأي شيء أحبه، فسأتركك حراً لتؤمن بأي شيء تحبه، رغم أننا في قلبينا نعتبر إيمان كل واحد منا زائفاً غير تقي. قد نتجادل في إيماننا أو ندين بعضنا سراً، لكن خلافنا حول الإيمان لا يجب أن يعني أننا نحاول استعباد أو سجن أو قتل بعضنا أو الامتناع عن الدخول في علاقات تجارية أو تعاون اجتماعي. لنعش ولنترك الآخرين يعيشون. لنطع القوانين المدنية غير الطائفية ولنترك للإله والأبدية البت بالمسائل اللاهوتية الكبري.
    كل ما سبق هو بالضبط ما يكرهه المؤمنون بنسخة القاعدة من الإسلام وينكرونه بشكل مطلق، وهذا هو السبب الذي يجعل سؤال هل هذه حرب دينية لا معني له عندهم، أو، بالأحري، سيكون له معني سؤالٍ صادر عن كافر مخطئ وعدو لمجرد كونه كافراً. ولا يخفق بن لادن وشركاؤه في التمييز بين الأعمال الدينية والأعمال المدنية فقط؛ بل إنهم أيضاً يعتبرون من يقومون بهذا التمييز أشخاصاً بلا دين حقيقـي. فإذا كنت متديناً حقاً، يجب أن تكون متــديناً طوال الوقت، ولا يوجد أي عمل تقوم به ـ حتي الالتحاء أو عدم الالتحاء ـ من دون أهمـــية دينيــــة وتبرير. إن تقسيم حياة المرء إلي مجــــالين خاص وعام هو ما يقود، لنقـل، المقاتلين إلي مجتمع محروم من مركز أخلاقي ومأهول بمواطنين غير قادرين علي مقاومة نداء جرس إنذار التطرف والإثم.
    إن رفض القاعدة احترام التمييز بين الخاص والعام هو جوهر إيمان ذاك الطراز من الإسلام، وليس ملمحاً عرضياً يمكن التخلص منه أو تعديله. مال المعلقون الذين أبدوا رأياً في سؤال هل هذه حرب دينية إلي رؤية هذا وعدم رؤيته في الوقت نفسه. لاحظوا الحقيقة ثم خططوا لتحويلها إلي خطأ قابل للتصحيح، إما باستعمال كلمات من مثل إجرامي و متعصب و متطرف أو بالإيحاء بأن عدم ظهور التمييز بين الخاص والعام نوع من الإخفاق التطوري؛ إنهم يريدون أن يكونوا مثلنا، ولكنهم لا يعرفون كيف يفعلون ذلك بعد. وهكذا، يلاحظ آر. سكوت أبلباي، وهو أستاذ في جامعة نوتردام وخبير في الدين والعنف، (في عدد تشرين ثاني 2001 من مجلة لنغوا فرانكا)، بهدوء كما هو واضح، أن الإسـلام قاوم بشكل ملحوظ خصخصة الدين وفصله عن الدولة اللذين يصاحبان العلمنة... ولم يمر بإصلاح مثل الذي خبرته المسيحية وأدي إلي فصل معلن بين المقدس والعلمــــاني . ( ما مشـــكلة هؤلاء الناس؟ لم لا يستطيــــعون السير في ركاب البرنامـج؟ ). وطبعاً، لا يوجد شيء استثنائي في رفض عقيدةٍ لتحولٍ سيلغيها. فالخصخصة والعلمنة ليستا هدفين علي الإسلام من بعد أن يحققهما؛ إنهما شبحان يدفعهما الإسلام (أو نسخة ما من الإسلام) عنه بعيداً كما يدفع المرء الموت.
    ويماشي وصف أبلباي للإسلام كدين منحصر في مرحلة من التطور المحتَجز وأنه معاق ذاتياً عن الوصول إلي النضج وصف أندرو سوليفان الكيِّس للإسلام (في عدد 7 تشرين أول من مجلة النيويورك تايمز) باعتباره ديناً عظيماً ورغم ذلك قليل التجربة جداً بتسامح عقائد أخري أكثر نهوضاً وقوة . ومن المفترض أن جرعة جيدة من جون ستوارت مل أو جون رولز ستحرك الإسلام في طريق الصحة والتحديث.
    عندما يقول سوليفان عن الإسلام إنه دين عظيم ، يعني إنه دين عظيم احتمالاً. فسيكون الإسلام جيداً عندما يخلص نفسه من شوائبه، وأهمها إصرار عنيد علي إخلاص لطقم من المعتقدات الخاصة. ففي الأخلاق، يشاطر سوليفان أبلباي رأيه في أن الخصوصية إثم، لأنها تقيم حواجز بين أشخاص ينتمون إلي خصوصيات مختلفة. والسبيل الأفضل هو سبيل العمومية، سبيل شعور ديني كبير جداً وفسيح يمكن أن يتواءم في داخله أي شيء وكل شيء. والمشكلة الوحيدة مع مثل هذا الدين فقدانه الكامل للرضي، ولكن ذلك، كما يبدو، ما يريده أبلباي وسوليفان وشركاؤهما. ومن المفيد مراقبتهم وهم ينتزعون القلب من الدين ـ أو، كما وصفوا الأمر، الدين الحقيقي . وطبعاً، لا يوجد دين حقيقي دون دين زائف. تخبرنا جين إيزنر (في عدد 14 تشرين ثاني من صحيفة فيلادلفيا إنكوايرر)، إنه دين أخفق في فهم العصرنة ، وعلامة هذا الإخفاق إصراره علي عقيدة واحدة في عصر التعددية. والدين الحقيقي ما تسميه إيزنر الدين الأمريكي القومي الذي تصفه بأنه إيماننا غير الطائفي بحرية الفرد في التفكير والكلام والعمل من أجل أفضل مصالحه . وهنا تكون إيزنر إما مخادعة أو غير واعية بتبعة لغتها الخاصة. إذ يبدو أنها تعني، أو تعتقد أنها تعني، بإيمان غير طائفـــي إيماناً غير مقصور علي قيمة دينـية خاصة؛ ولكن ما تعنيه الجملة فعلاً، في إطار مقالتها، إيمان بشرِّ أي إيمان طائفي، بشرِّ أي إيمان يؤكد ذاته بقوة وغيور علي أولوياته. إنها لا تدافع، كما يبدو، عن كل إيمان ضد حصرية غير متسامحة بل تهاجم الإيمان بعامة، في الأقل وهي تلزمك بحقيقة معتقد أو ببدهية عمل. فالإيمان الصالح الوحيد هو إيمانك بأنك تستطيع ارتداء ثياب خفيفة وهزّ كتفيك عندما تترك بيتك وتسير إلي المحيط العام. وذاك بالتأكيد ما يعنيه سوليفان (سواء عرف ذلك أو لم يعرف) عندما يعلن أن الحرب حرب الأصولية ضد كل أنواع الإيمان المتصالحة مع الحرية والحداثة . وإيمان متصالح مع الحرية والحداثة إيمان تخلي عن امتيازه وجعل نفسه شيئاً عرضياً تجميلياً. وفقط باسم مثل ذاك الإيمان الذي أُفرغ من كل مضمون ولا يلزمك بشيء إلا بعدم الالتزام، يستطيع سوليفان القول، مرة أخري هادئاً، إننا بإنكار ادعاءات الدين القصوي نحافظ علي الدين الحقيقي نفسه؛ أي، نحافظ علي هذه الروحانية الغامضة غير الملزمة الخفيفة كما الهواء التي أهم ما يميزها أنها لا تدعي شيئاً ولا تؤمن بشيء.

    ستانلي فش عميد كلية الفنون والعلوم بجامعة إلينوي في شيكاغو. من كتبه لا يوجد شيء اسمه حرية تعبير وذاك شيء جيد أيضاً (1994) و الصدق المهني: الدراسات الأدبية والتغيير السياسي (1995). آخر كتبه مشكلة المبدأ وكيف يعمل ملتون (منشورات جامعة هارفرد).
    المصدر :Harper's Magazine أيلول (سبتمبر) 2002
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de