امين حسن عمر ..يغالط نفسه

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-15-2024, 02:53 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف العام (2003م)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-23-2003, 06:44 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
امين حسن عمر ..يغالط نفسه



































    آخر تحديث الساعة 00:01 بتوقيت الإمارات الأربعاء 23 يوليو 2003

    بحث متقدم



    الدكتور أمين حسن عمر عضو الوفد الحكومي السوداني لـ «البيان»:1 ـ 2
    المفاوضات دخلت مرحلة المقايضة المباشرة المكشوفة والتوقيع في أغسطس مجرد تكهنات




    كان من المفترض ان ينشر هذا الحوار عشية انطلاق جولة المفاوضات الاخيرة بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية التي وصلت الى طريق مسدود منتصف هذا الشهر بعد ان طرحت سكرتارية «ايغاد» مقترحات مقدمة كأساس للنقاش سارعت الحركة للقبول بها ورفض الوفد الحكومي حتى مجرد النظر فيها.


    ولظروف متداخلة مرتبطة بجوانب فنية تحكم اولويات النشر تأخر موعد نشر الحوار حتى بدأت جولة التفاوض وانتهت «فجأة» بالفشل، غير ان الحوار لم يفقد صلاحيته بل ان تأجيل النشر اضفى «لحسن الصدف» اهمية اكبر لمحتوى الحوار الذي ينشر على اعتاب انطلاق الجولة التالية التي تشد الان انظار كل اهل السودان ومتابعي شئونه.


    والحق انني منذ حين ظللت أتحين الفرصة لأدير حواراً مع الدكتور امين حسن عمر، حتى اتت الفرصة «تجرجر اذيالها» عندما أخبرني صديقي العبيد أحمد مروح الملحق الإعلامي بالقنصلية السودانية، بزيارة خاطفة سيقوم بها إلى دبي نفر من الوفد الحكومي المفاوض، بينهم الدكتور عمر فألححت عليه ان يدبر أمر إجراء حوار معه.. وقد كان..


    ولا يشغل الدكتور عمر الان منصباً وزارياً في الحكومة السودانية فهو بالكاد رئيس الهيئة القومية للاذاعة والتلفزيون، لكن يبدو ان النفوذ السياسي للرجل يفوق بكثير منصبه الوظيفي الرسمي.


    وتكفي للدلالة على ذلك الاشارة الى انه كان مستشاراً للرئيس عمر البشير وظل عضوا ثابتاً في الوفد الحكومي في اغلب جولات التفاوض مع الحركة الشعبية منذ عام 1993م فضلا عن عضويته في المكتب القيادي للحزب الحاكم.


    والدكتور عمر «الذي حاز على هذا اللقب حديثاً» انخرط عضوا فاعلا في الحركة الاسلامية منذ بواكير شبابه وبات لاحقا أحد منظري هذه الحركة وواضعي استراتيجياتها، ما يتيح له بالتالي الالمام بخفايا سياسة حكومة الانقاذ ازاء كافة القضايا وخصوصاً في قضية السلام.


    واستنطاق رجل بهذا الوزن الثقيل في دائرة السلطة الحاكمة في الخرطوم من شأنه ان يتيح لمتابعي الشأن السوداني اشارات مهمة في رصد سلوك هذه الحكومة ورسم آفاق المستقبل السياسي لهذا البلد.


    واشهد ان الرجل، كما تخيلت، يتمتع بقدر عال من الدهاء السياسي، ووضوح التفكير وملكة التعبير وقد ظهر كل ذلك جلياً في مقاطع الحوار الذي لم يخل من منحنيات حادة تبادلنا عندها الصراخ والمقاطعة حتى انه بادر الى تذكيري بانه يحاور صحافياً ما دفعني الى الرد بتذكيره باننا اتفقنا في البدء على «مواجهة» صريحة.


    وعلى كل فإن محاورنا لم يبخل خلال الحوار بشيء، واشهد انه كان صريحاً، رحب الصدر، وان كان يلجأ احياناً الى تقمص دور المحاور فيمطرني بأسئلة لم اكن لاتردد في استثمارها.. فضلا عن انه كان يستكمل احيانا اجاباته باشارات من يديه او ضحكة او ابتسامة ماكرة وهذه «لازمة» عُرف بها «أستاذه» الزعيم الإسلامي الدكتور حسن الترابي العقل المدبر للانقلاب الذي أتى بالسلطة الحالية إلى سدة الحكم، إلا ان الدكتور عمر زاد عليها استخدامه المتكرر للتعابير الانجليزية.


    وفيما يلي نص الجزء الأول من الحوار:


    ـ نبدأ بالسؤال التقليدي عن الجولة الاخيرة من المحادثات وانتم تتأهبون لدخولها.. هل فعلا ستكون الجولة الاخيرة كما يتردد، بمعنى ان يتم التوقيع النهائي على الاتفاق الذي طال انتظاره.. وكيف استعددتم لذلك؟


    ـ المؤكد انها ليست الجولة النهائية اذ سبق ان اعلن عن جولات اخرى ستتبعها.. وبالطبع لا يمكن ان تكون الاخيرة طالما ستأتي بعدها جولات.. لكن المؤكد ايضا انها جولة مفصلية بمعنى ان ما سيتفق عليه خلالها وما لا يتفق عليه سوف يؤثر ايجاباً او سلباً بصورة حاسمة في سياق التفاوض.. لان موضوعها هو كل موضوعات التفاوض التي لم تحسم من قبل، والتي كانت للأطراف حيالها مواقف والمطلوب ان يحدث في هذه المرحلة ما يعرف بالمقايضة..


    بمعنى ان يتنازل هذا الطرف في هذا الجانب وذاك الطرف في جانب اخر وهكذا حتى يستطيع ان يلتقي الطرفان على اطار متفق عليه.. والاطار المتفق عليه سوف يخضع لتفاصيل اكثر في جوانب مختلفة مثل الترتيبات الامنية العسكرية التي ستخصص لها جولة في 21 يوليو «لم تتم» وفي أواخر الشهر نفسه ستعقد جولة اخرى لتفصيل قضايا تسوية العائدات «تقسيم الثروة»..


    وقد اعلن عن تسلسل هذه الجولات بجداولها الزمنية ولذلك فان الجولة التي امامنا ليست الاخيرة بالطبع.. وبعد هذه الجولات ستكون هنالك جولة «توصيف الاطر».


    ـ اذن لماذا هذه الضجة حول هذه الجولة المرتقبة التي امامنا خصوصا وقد سمعنا من اكثر من جهة ان التوقيع على الاتفاق النهائي بات وشيكاً جدا بل ان البعض حدد له تاريخ منتصف اغسطس في اشارة الى ان مسودة الاتفاق جاهزة بالفعل؟


    ـ هذه تظل مجرد اقوال وانا لم اسمع بشخص او جهة سياسية رسمية محددة تقول بذلك حتى الولايات المتحدة التي ينسب اليها تحديد موعد اغسطس للتوقيع.. هذه مجرد تكهنات.


    ـ لكن الناطق الرسمي باسم الوفد المفاوض سيد الخطيب اعلن امس في نادي دبي للصحافة وهو برفقتكم انه يتوقع ان يتم التوقيع في اغسطس قبل ان يستدرك بالقول: او سبتمبر.. هل كان هذا تكهناً ايضاً؟


    ـ هو انطلق في توقعه من سياق جدولة هذه الجولات.


    ـ هو تحدث عن التوقيع؟


    ـ بالطبع اذا انتهى الحديث في هذه الجولات فستنتهي باعلان نهاية المفاوضات بالفشل والا بالتوقيع.. بمعنى انه ليست هنالك فرصة لمزيد من التفاوض.. اما ان نوقع او نعلن ان على الاقل هذه المرحلة من مراحل التفاوض قد انتهت بالفشل.


    ـ هل انت متفائل بالتوقيع.. والى اي مدى؟


    ـ انا لا ارى ان هنالك تناقضات جوهرية مستعصية على الحل، لذلك فانا متفائل. لكن يحدث احياناً انك تقدر اشياء وتستسهلها وتفاجيء بوضع آخر، حتى ان احد امثالنا الشعبية يقول: «قد يغرق الغريق وهو على حافة النهر». عموماً ليس هنالك سبب موضوعي فيما نرى من مواقف يدعو الى عدم التفاؤل. هنالك فرصة سانحة حسبما يرى كل الوسطاء والمراقبين.. ونحن نرى هذه الفرصة ولكن لا يتسنى التأكيد الجازم من طرف واحد بالتوقيع لان ذلك يقتضي موافقة الطرفين.


    ـ ماذا يرى الطرف الآخر؟ هل يشارككم رؤيتكم التفاؤلية هذه؟


    ـ الطرف الآخر يثير الان قضايا هامشية غير مهمة، ربما تكتيكياً مهمة بالنسبة لهم. لكنها غير مهمة بالفعل في مسار التفاوض ولم تكن في وقت من الاوقات واحدة من معضلات التفاوض.


    ـ ماهي اذن المعضلات الحقيقية المتبقية الآن؟ وما هي هذه القضايا الهامشية التي تقول ان الحركة تطرحها؟


    ـ هنالك امور اتفق بشأنها على الاطار الكلي لكن تفاصيلها قد تثير مشاكل مثلا: وجود قوات عسكرية تابعة للحركة اثناء الفترة الانتقالية. الحكومة تقول ان بروتوكول مشاكوس بني من المبدأ الاول على ان ـ على الاقل طيلة الفترة الانتقالية وحتى يختار الشعب الجنوبي الانفصال ـ الاولوية للوحدة.


    وان كل الحلول والترتيبات اثناء الفترة الانتقالية ينبغي ان تبنى على فكرة الوحدة، ولذلك لابد ان يبنى النظام الامني على فكرة الوحدة وليس على فكرة الثنائية. ولذلك نحن نرفض ان تتحدث الحركة عن جيش مستقل منفصل طيلة الفترة الانتقالية.


    ـ الى اي مدى يمكن ان تذهبوا في اتجاه المرونة في هذه النقطة؟


    ـ نحن نقبل ان تحتفظ الحركة بقواتها لفترة محدودة لان فكرة وقف اطلاق النار تقتضي وجود قوة من الطرف الاخر لبعض الوقت ثم بعد ذلك تبدأ ترتيبات للدمج. قد تستغرق هذه الترتيبات شهورا وقد تمتد لسنين، على حسب ما يتفق عليه..


    وقد تستغرق طيلة الفترة الانتقالية «اي ستة اعوام» ولكن من حيث المبدأ لابد من ان اي يكون هنالك اتفاق على وحدة الجيش، لان هنالك فرقا بين ان تتفق على وحدة الجيش وتتباطأ الترتيبات وبين عدم الاتفاق على وحدة الجيش فيبدو الامر كما لو اننا قبلنا من حيث الامر الواقع بوجود جيشين.. وبالتالي بوجود كيانين وحكومتين.. فلا يبق الا ان يتم التوقيع على انفصال الجنوب.


    ـ اذن ما الفرق بين ان تقبل بوجود قوات منفصلة طوال الفترة الانتقالية وترفض فقط تسميتها بجيشين؟


    ـ الفرق دقيق جدا لكنه مهم جدا.. ومن اجل مثل هذه الفكرة الواردة في السؤال نحن نصر على الاتفاق على مبدأ الدمج لصالح وحدة البلاد.


    وهنالك مسألة اخرى متعلقة بوجود (SPLA) اي ما يسمى «بالجيش الشعبي».. نحن نقول ان هنالك فصائل اخرى مسلحة في الجنوب بعضها كانت جزءاً من «الجيش الشعبي» وانفصلت.. وهي ميليشيات قبلية ولا تقبل ان يكون «الجيش الشعبي» مسلحا وهي مجردة من السلاح.. ولذلك اذا كانت هنالك معادلة لوجود قوات حاملة للسلاح موجودة في الجنوب فهذه الميليشيات تحمل نفس الصفة ولابد ان تعالج وضعها بالطريقة نفسها التي تعالج بها قضية وجود «الجيش الشعبي». وهذه الفكرة ايضا تحتاج الى نقاش حول تفاصيلها.


    ـ سنأتي لموضوع الفصائل الاخرى لاحقاً ولكن دعنا نبقى في اطار الحديث عن الفصيل الرئيسي.. الحركة لديها حجة لست ادري ان كانت تطرحها رسميا في المفاوضات لكنها مطروحة بوضوح في ادبياتها المنشورة.. تقول الحركة انها لا تملك ضماناً اخر لوجودها ولكيانها غير قوتها المسلحة وانهم لا يمكن ان يغامروا بتسليمها للحكومة فتبقى تحت رحمتها في حال نكصت الاخيرة بمواثيقها كما دأبت ـ حسبما يقولون ـ فما ردكم؟


    ـ اذن ما معنى السلام؟ وما معنى الصفقة المطروحة؟ نحن نفهم ان الصفقة بمعنى ان هنالك جماعة متمردة ومطلوب منها ان تضع السلاح وتدخل في ترتيبات للسلام.. فاذا ظلت حاملة للسلاح ومهددة دائما باستخدام السلاح فما الذي تغير؟ ذلك الوضع سيظل مجرد هدنة وليس اتفاقية سلام وهنالك فرق كبير بين هذه وتلك.


    وصحيح ان وضع السلاح لن يتم بين عشية وضحاها وسيستغرق بعض الوقت شهورا او سنوات لكن لابد ان نتفق على ان يكون الامر في نهاية المطاف.


    ـ عفوا للمقاطعة.. الاحظ انك تكرر دائماً امكانية ان يمتد أمد الترتيبات لسنوات.. هل تريد التلميح الى امكانية قبولكم بأن تكون هذه المسألة مفتوحة الى نهاية الفترة الانتقالية فيكون في ذلك مخرج من هذه المعضلة؟


    ـ هذه تفاصيل ولا ارغب بالخوض في تفاصيل لاننا عندما نتحدث عن زمن فلابد من الاشارة الى ان هذا الزمن مطلوب لانجاز مهام معينة. ومعروف ان اتفاقية وقف اطلاق النار تقتضي اعادة الانتشار لكل القوات كما تقتضي تحديدا لحجم السلاح الموجود الى جانب نوع من تنسيق العمليات ونوع من العمليات المشتركة وتفاصيل كثيرة اخرى.


    وهذه العمليات تستغرق وقتاً. ولكن اعود فأشدد على ضرورة الاتفاق حول مبدأ الدمج.. صحيح ان الجنوب اذا اختار الانفصال في الاستفتاء فستنفصل هذه القوات لكن لا يمكن ان تنفصل من الان.


    ـ حجة اخرى تطرحها الحركة في اصرارها على الاحتفاظ بجيشها وتقول ان الامر لم يعد دمجاً بين قوات متمردة وجيش وطني قومي كما تقول الحكومة، لانه لا وجود الان لجيش وطني كما كان في السابق قبل الانقاذ التي قامت بتصفية كل العناصر غير الموالية لها فأصبح الجيش بالتالي مجرد ميليشيا تابعة للحكومة وليس جيشا لكل الوطن. كيف تردون على ذلك؟


    ـ هذا مجرد ادعاء لا يمكن البناء عليه في نظر اي مراقب محايد.. ولحسن الحظ هنالك مراقبون بالفعل.


    وكل العالم متفق على ان هذه الحكومة القائمة حكومة قومية، وان الجيش جيش قومي وفي كل وثائق المفاوضات يشار الى الجيش باعتباره الجيش القومي.


    ـ لكن من وجهة النظر السياسية ـ ولا اقول الرسمية ـ تصر الحركة على انه جيش يمثل النظام ولا يمثل السودان.


    ـ دعني أوضح لك أمراً.. ان 60% من قاعدة الجيش الوطني اي الجنود ـ من جنوب السودان.. هل تعتبر ان هؤلاء كلهم «جبهجية»؟


    ـ هذا على مستوى الجنود ولكن معروف ان القيادات العسكرية المحترفة تعرضت لعمليات تصفية منظمة؟


    ـ هذا ايضا ادعاء.. لا يستطيع احد في الدنيا ان يصفى كل القيادات.


    ـ لم اقل «كل القيادات» قلت ابقيتم فقط على الموالين لكم؟


    ـ ماذا تعني بالموالين؟


    ـ من يحملون ايديولوجيتكم؟


    ـ إذا كان هنالك من يحمل أيديولوجية مخالفة بين صفوف الجيش وهو يقاتل مع حركة حاملة للسلاح لا يمكن ان نتركه.. أنت ايضاً لن تتركه ان كنت قائداً للجيش.. إذا كان الحزب الشيوعي مثلاً حاملاً للسلاح وهنالك ضباط شيوعيون في الجيش لا يستقيم ان تركهم هكذا. وأي حاكم سيفعل هذا.. اذا خرج أي حزب ـ الاتحاديون أو الأمة مثلاً ـ وحملوا السلاح وأعلنوا ذلك ولهم ضباط موالون داخل الجيش فمن الطبيعي الا تسمح بوجودهم بين الصفوف إلا اذا كنت غافلاً.


    ـ هذا اعتراف صريح بحدوث تصفيات في الجيش لعناصر اعتبرتموها موالية للمعارضة وبالتالي اصبح الجيش مقتصراً على الموالين لكم.. أليس كذلك؟


    ـ يفترض في أي جيش في العالم ألا يظهر ضباطه ولاءاتهم السياسية وإذا حدث ذلك فمن الطبيعي ان يتم اخراجهم من صفوف الجيش. هذا كان يحدث في تاريخ الجيش السوداني في جميع الحقب، بل وفي كل سنة.. ولا جديد فيما فعلته الانقاذ. صحيح ان بعض الناس لا يحبون النظام القائم ولذلك لا يريدون ان يسمحوا له بما سمحوا به لأنفسهم.


    ألم يحدث أن تم فصل 50 ضابطاً بعثياً أيام حكم الصادق المهدي بتهمة تخطيطهم لانقلاب عسكري؟ لقد كنا في ذلك الوقت معارضين وكانوا هم في السلطة وفعلوا ذلك.. وأرجو ألا يفهم انني أدافع عن وجود البعثيين في الجيش لكنني أريد ان أوضح ان جميع الحكومات تتصرف للحفاظ على أمنها.. هذا واضح ومفهوم..


    أما القول إن «كل» الجيش أصبح «جبهة إسلامية» فهذا وهم لأنه أمر مستحيل. عندما تقوم بفصل ضابط ما هكذا عشوائياً يعني انك تستعديه.. الضابط ـ أي ضابط ـ داخل الجيش أو خارجه هو نفسه ودائماً يمثل خطراً، ولذلك اذا طردته بدون سبب فلابد أن يشكل خطراً، ولذلك فإن أي نظام يعرف انه ليس من مصلحته ان يفصل ضابطاً غير معاد، أما إن كان معادياً فمن الطبيعي فصله..


    وأقول بوضوح: نعم تم فصل عدد من الضباط من الجيش ومن الشرطة لأنهم كانت لديهم ولاءات ونشاطات سياسية ضد الحكم القائم. وإذا كان ذلك يعني ان الجيش لم يعد قومياً فإنه يعني بالتالي ان جيش السودان لم يكن قومياً في يوم من الأيام منذ الاستقلال. لأن مثل هذه التصفيات كانت تحدث دائماً.. حدث مع ضباط الحركة الإسلامية كما حدث مع ضباط الحزب الشيوعي.


    ـ طرحنا حجتهم وطرحت حجتك بشأن الجيش.. الآن دعنا نعود إلى النقاط المستعصية الأخرى التي قد تحول دون توقيع الاتفاق المرتجى.


    ـ سبق ان قلت إنني لا أرى قضية مستعصية على الحل ولكننا كنا نعدد القضايا التي مازال حولها خلاف.. ومنها أيضاً موضوع الرئاسة ومشاركة الحركة في مستويات الحكم المختلفة و...


    ـ فيما يتعلق بالرئاسة.. ماذا يريدون هم وبماذا تردون أنتم؟


    ـ في أية مفاوضات لا أحد يحدد بالضبط ماذا يريد.. ولكن موقفهم المطروح هو الرئاسة المتناوبة وطبعاً يعلمون ان هذه فكرة غير مقبولة، لا من الحكومة فحسب، بل حتى من قبل الوسطاء والمراقبين.


    ـ لماذا ليست مقبولة؟


    ـ لأنه لم يحدث في أي مكان ان فاوضت حركة متمردة نظاماً قائماً على أن ينزع نفسه لتقاسم السلطة. هذه حكومة قائمة ومعترف بها دولياً واقليمياً وتعامل معاملة أية حكومة طبيعية فكيف يمكن بهذه البساطة ان تطرح مقاسمة السلطة نصفاً بنصف؟


    وهذه الحكومة ـ مهما شكك المشككون ـ من ناحية عملية هي ثمرة انتخابات معروفة، بغض النظر عن رأي بعض الناس في هذه الانتخابات أو مقاطعتهم لها. وتذكرون أن آخر انتخابات في الولايات المتحدة كانت محاطة بشكوك كثيرة أوصلت الأمر الى ساحة القضاء.. العالم ينظر الى الاجراءات.. صحيح قد يشكك البعض في هذه الإجراءات.. لكن في نهاية الأمر الدول تقبل بثمرة الانتخابات ما دامت قامت على اجراءات صحيحة وبمراقبة محايدة.


    ـ لا لم يعد حتى ذلك كافياً.. أمامنا تجربة ياسر عرفات المنتخب وسعي الولايات التحدة للإطاحة به وعدم التعامل معه.. وأيضاً تجربة الاطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين «المنتخب» أليس كذلك؟


    ـ تصرف الولايات المتحدة لا يطعن في شرعية عرفات.


    ـ لكن الولايات المتحدة نفسها هي المهيمنة على المفاوضات خلف الكواليس كما هو واضح، بل يقال إن أميركا هي التي أجبرت الحكومة على الجلوس الى طاولة المفاوضات، ومعروف أنها تسلط سيفاً فوق رقبة النظام متمثلاً في قانون الكونغرس «سلام السودان»!


    ـ واضح ان هذه الصورة مجرد محاولة لإدخال الدراما في المفاوضات.. لا شك ان لأميركا ثقلاً في المفاوضات وهو ثقل ناجم عن ثقلها في الحرب فهي الداعم الرئيسي لحركة التمرد سياساً ودبلوماسياً وعسكرياً. ومن يطالب بإبعاد أميركا من المفاوضات لا يعدو ان يكون مغفلاً لأنها إذا خرجت من السلام فستدخل في الحرب.


    فالأفضل ان تنخرط في السلام أياً كان رأيها فينا ورأينا فيها. والآن هي ليست وسيطاً.. هي طرف مراقب فقط.. صحيح ان لها نفوذاً في المفاوضات، ولا يعترف الوسطاء بهذا النفوذ فيما نحن نعترف به، لكن هذا النفوذ لا يصل الى المرحلة التي تفرض بموجبه ما تريد.. ولو كان الأمر كذلك لما استغرقت المفاوضات كل هذه المدة.. وكان الأحرى أن تضع ورقة أمامنا وتقول لنا: وقعوا هنا.


    ـ هنالك من يقول ذلك.. أي ان ورقة الاتفاق جاهزة وربما موقعة أيضاً لكن كل ما يدور ليس سوى نوع من عملية الاخراج الدرامي.. ما رأيك؟


    ـ هذا غير صحيح.. ولا يمكن أن يكون صحيحاً. ولا يمكن أن تقبل أميركا لنفسها بأن تأتي بشيء مطبوخ في مكان آخر لتطلب من الأطراف التوقيع عليه. ولا أحد عاقلاً يتصور ان تقبل الحكومة ـ وحتى الحركة نفسها ـ بالتوقيع على مسألة ضارة بمصالحها ضرراً بليغاً.. ثم ماذا تغيّر لتخضع الحكومة لهكذا أمر؟


    ألم ترم أميركا بثقلها ضد الحكومة وأنشأت طوقاً كاملاً من العدوان حول السودان فضلاً عن المقاطعة التي لا تزال تفرضها؟ ماذا يجعلنا ننهار فجأة ونسلم لها تسليماً كاملاً؟!


    ـ ما تغيّر كثير.. هنالك ظروف دولية وإقليمية استجدت ضدكم فهنالك...


    ـ لا شيء اسمه ظروف دولية.. أميركا فعلت كل ما تستطيع ضدنا الى حد الضرب بالصواريخ.. ماذا تستطيع أن تفعل أكثر من ذلك؟


    ـ يمكن ان تفعل معكم ما فعلت في العراق.. ولكنكم خشيتم ذلك على ما يبدو وتراجعتم عن المواجهة التي كانت توسم مواقفكم تجاهها في أول أيامكم!


    ـ هذا تبسيط سريع للأمور.


    ـ سمه تبسيطاً أو حتى سذاجة سأسجل ان ما قلت هو إجابتك على السؤال.. ولكن دعني أذكرك بما تردد عن ان توقيعكم على بروتوكول مشاكوس كان إثر ضغط مباشر وصل الى حد وضع البروتوكول أمامكم وإمهالكم لبضع ساعات للتوقيع حسبما تردد آنذاك.. ما الذي يمنع أن يتكرر هذا المشهد؟


    ـ لكن مع ذلك عدلت الورقة قبل التوقيع.


    ـ هل تعترف بأن هذا السيناريو حدث بالفعل في مشاكوس؟


    ـ المهم انه لم يتم التوقيع إلا بعد التعديل المطلوب من قبل الأطراف.


    ـ أريد إجابة عن السؤال.. هل حدث السيناريو المذكور بالفعل؟


    ـ نعم حدث وهذا تكتيك معروف في التفاوض. طبعاً لا يحدث أن يقوم الوسيط بتوجيه مسدس فوق رأسك لتوقع بل يقول إذا لم تقبلوا هذه الورقة فسأتوقف عن دوري وأعلن فشل المفاوضات. لكن بالرغم من ذلك عدلت الورقة بعد ذلك بناء على مواقف الأطراف.. الآن هنالك حديث عن ورقة أي مسودة للاتفاق ولكنها ستعدل، لأن المفاوضات تدور هكذا أساساً، أن تأخذ وتعطي.. تتراجع وتتقدم، هكذا طبيعة المفاوضات.. هذه هي الصورة.. أما الفكرة الساذجة التي تصور الأمر وكأن «كاوبوياً» يقف بمسدس على رأسك فهي فكرة سينمائية غير واقعية.


    ـ لا أحد يتصور ذلك حرفياً بالطبع، ولكن الفكرة ان هنالك ضغوطاً مكثفة عليكم وجانب منها «قانون سلام السودان».


    ـ أولاً ينبغي ان يكون واضحاً ان هذا القانون لم تصدره الإدارة الأميركية ولا هي راضية عنه. عندما وقع عليه الرئيس الأميركي وقع عليه بتحفظ كما يعرف المتابعون بدقة، معلقاً على القانون بأن هذه الأمور متعلقة بالسياسة الخارجية والتي يدخل البت فيها ضمن صلاحيات الرئيس. والتحفظ الثاني حول ما جاء من حديث عن «حكومة الجبهة الإسلامية». الناس يكتفون بالتسامع ولكن لا يقرأون النصوص.


    النص كان واضحاً.. الرئيس وقع بهذا التحفظ لأنه يعتقد ان في ذلك حافزاً من خلال نوع من الضغط. ومعروف ان الكونغرس لا يملك سلطة ملزمة على الحكومة الأميركية في السياسة الخارجية. والإدارة الأميركية لم يجبرها أحد على أن تختار خيار الحوار السلمي الذي يختلف عن الاملاء. والإملاء لا يحتاج للمفاوضات.


    وقد جربت الإدارة السابقة سياسة الإملاء وفشلت وحصل ما حصل في العلاقات. وكان يمكن للإدارة الحالية ان تحذو حذو إدارة كلينتون فتطلب الخضوع أو تنزل علينا بالصواريخ من الأساطيل كما حدث في العراق.. أنا أظن ان هذا أشبه بالتصوير والإخراج السينمائي أكثر منه بالواقع السياسي، وما حدث في العراق ليس بالضرورة قابلاً للتكرار لا في السودان ولا في غير السودان، لأن كل حالة في السياسة الدولية لها خصوصيات معينة والحالة العراقية كان لها خصوصياتها.


    ـ نعود مجدداً لبقية النقاط التي علقناها في أتون هذا الاستطراد المفيد.. قلت ان الحركة طرحت الرئاسة المناوبة.. فماذا تطرحون أنتم؟


    ـ هم سحبوا طرحهم لاحقاً لأنهم وافقوا على خيار آخر، بمعنى ان موقفهم تغير بعد ذلك.. وأصبحوا يطالبون بنائب رئيس بصلاحيات الموافقة على بعض قرارات الرئيس المتعلقة بالاتفاقية.. و...


    ـ الموافقة أم الفيتو على قرارات الرئيس؟


    ـ كيف سيكون رئيساً إذا كانت قراراته قابلة للفيتو؟ الاتفاق يتحدث عن (Approval).. هذا ما يطالبون به وليس ما وافقنا عليه. نحن لم نوافق على ذلك وطرحنا في المقابل ان يكون هنالك رئيس وأكثر من نائب على أن تكون هناك صلاحيات خاصة بكل نائب رئيس وليس بالضرورة ان نسمي أحدهما نائباً أول والآخر نائباً ثانٍ.


    هذا ما قدم حتى هذه اللحظة. وفي كل الأحوال لا يساورنا شعور بأن هذه النقطة عصية على الحسم بالاتفاق لأنهم يعلمون ان موقفهم قابل للتطور ونحن نعلم انه في اطار صفقة كاملة أو مقايضة معينة يمكن ان يرضخ للتطور. وهكذا هي المفاوضات.. المفاوض لا ينظر الى قضية ما منفصلاً عن القضايا الأخرى.


    ـ من خلال ما قلت ننتقل الى قضية العاصمة، يقال إن الحركة دفعت بهذه القضية الى ساحة للجدل العلني للحصول على تنازل في قضية أخرى.. هل هذا رأيكم؟ وما الذي يضيركم في جعل العاصمة قومية مفتوحة؟


    ـ لذلك نحن قلنا للوسطاء ان قضية العاصمة ليست قضية نرفض فيها موقف الحركة فحسب، بل نعتبر ان ليس هنالك قضية أساساً (Non issue). بمعنى أن الأمر غير قابل للتفاوض من أساسه لأن مجرد طرح الأمر يعني انها قضية ولكنها ليست كذلك حتى لا نعطي فرصة للحركة لتحصل على مقابل عليها بالتنازل في نقطة أخرى.


    ـ هل يعني هذا ان موضوع العاصمة لن يطرح للتفاوض؟


    ـ في الأساس قضية العاصمة لم تطرح في المفاوضات، الحركة دأبت على طرحها من طرفها لكنها لم تطرح كقضية للتفاوض لأن التفاوض في الأصل هو تفصيل لما ورد في بروتوكول مشاكوس. وهذا البروتوكول لم يتحدث عن عاصمة.. بل تحدث عن ولايات جنوبية أصول التشريع فيها من الإجماع والتقاليد والأديان الموجودة، وولايات شمالية تشريعاتها من الشريعة والإجماع وهنالك قوانين اتحادية «مثل الجمارك والطيران وخلافها» أصولها التشريعية من الشريعة والإجماع.


    وإذا كان هنالك قانون اتحادي سيطبق في الجنوب وله أصل ديني مناقض للأصل الموجود هناك يجوز للجنوب ان يطلب من مجلس الولايات (وهو اتحادي) ان يستثني الجنوب من هذه القوانين وان يصدر له تشريعاً مناسباً. وبهذه الطريقة حلت قضية التشريعات الاتحادية.


    ـ عفواً أرجو ألا نبتعد عن السؤال المطروح حول العاصمة.


    ـ نعم عندما يتحدث احد عن عاصمة على ضوء ما شرحت فإن وضعها إما ان يكون كوضعها الراهن وهي ولاية شمالية، الآن من يرتكب مخالفة يحاكم بالقانون السائد في ولاية الخرطوم لأن القانون السائد هو قانون ولائي.


    وإذا قلنا ان الخرطوم العاصمة ليست جزءًا من ولاية الخرطوم فإنها إذن مقاطعة أي منطقة مستقلة فيدرالية، وفي هذه الحالة تسري عليها القوانين الاتحادية وفقاً لبروتوكول مشاكوس وهذه القوانين أصولها من الشريعة والاجماع ، إلا تلك التي تطبق في الجنوب فيطلب الجنوب ان يستثنى منها، ولذلك في كل الاحوال إذا كانت ولائية أو اتحادية فإن القانون السائد في الخرطوم سيستمد من الشريعة.


    وهذا ما يجعلنا نقول ان قضية العاصمة غير قابلة للتفاوض إلا من باب واحد فقط هو ان نتفاوض حول هل تبقى العاصمة الخرطوم أم تنقل إلى جوبا.. وإذا ذهبت إلى جوبا سيكون هنالك احتمالان:


    الأول: ان تتبع القوانين السائدة في الاستوائية (أي ولائية) وهذا يعني ان تكون علمانية وهذا لا خلاف عليه.


    والاحتمال الثاني: ان تتبع القانون الاتحادي وفي هذه الحالة تطبق فيها الشريعة إلا ان يأتي الجنوبيون ويطلبوا رفع الأمر إلى مجلس الولايات للفصل في ذلك.


    ولذلك نقول ان قضية العاصمة محسومة في بروتوكول مشاكوس ولا ينبغي اعادة فتحها وهذا المنطق مقنع للوسطاء والمراقبين.


    ـ استغرب شخصياً ان يكون هذا المنطق بهذه الصورة مقنعاً للوسطاء حيث انني انا الذي أمامك لست مقتنعاً به وأحسن ان الكثيرين يشاطرونني هذا الرأي، كيف نتحدث عن سودان واحد وحل جاذب للوحدة في وطن لا تتمتع في ربوع عاصمته جميع الأديان بالمساواة؟


    ـ انت تقتنع أو لا تقتنع لأسباب فكرية تخصك هذا موضوع آخر. أما ان هذه القضية سبق الاتفاق عليها بهذا الشكل فهذا هو الواقع.


    ـ أعيد السؤال .. هل معنى هذا ان هذا الموضوع لن يطرح في المفاوضات؟


    ـ بالطبع لا أحد يستطيع ان يغلق الباب أمام الحركة حتى لا تطرح القضية ولكننا لن نناقشها.


    ـ لن تناقشوها إذا طرحت؟


    ـ لا لن نناقشها لأنها قضية غير صالحة للنقاش ولعلمك فإن الحركة عرضتها أكثر من مرة ولم ننقاشها.


    ـ وماذا قال الوسطاء؟


    ـ المفاوضات في الجولات الاخيرة لم تكن مشتركة ومباشرة بل كانت مشاورات.. ولذلك فإن الوسطاء ليسوا في حاجة لقول شيء، هم يبنون وجهة نظرهم من خلال التشاور مع هذا الطرف وسماع رأيه وكذلك مع الطرف الآخر.


    والآن نحن في انتظار رأيهم بعد حصيلتهم في هذه المشاورات.. لكن دعني أقول لك عموماً ليس هنالك أي تعاطف مع اثارة هذه القضية.


    ـ بل هي قضية ملحة وينبغي حسمها حتى ان كل القوى السياسية انخرطت في الجدل حولها فخرج «إعلان القاهرة» و«إعلان الخرطوم» وفيهما اجماع واضح على المطالبة بالعاصمة القومية.


    ـ أولاً: يمكن لأي كائن من كان أن يطرح مسألة ويدعي انها قضية ملحة ولكن هذا الادعاء لا يجعل الامر حقيقة.


    ثانياً: كل الموقعين في الإعلانيين هم مجموعة سياسية واحدة كانت في التجمع الوطني.


    ـ بل هم كل السودان نظراً لثقل الأحزاب الموقعة، الأمة ـ الاتحادي ـ حزب الترابي ـ الشيوعي ـ والأحزاب الأخرى الى جانب منظمات المجتمع المدني.


    ـ هذا رأيك أنت.. أنا لا أعتقد ان هؤلاء هم كل السودان. نعم هذا يدخل في اطار الرأي الآخر ولكنه لا يعدو كونه رأي جبهة محدودة هي التجمع الوطني.


    ـ حزب الترابي ليس ضمن التجمع ووقع على الإعلان.


    ـ حتى ولو وقع الترابي فهو شخص واحد خرج من مجموعة.


    ـ أنا أتحدث عن حزبه.


    ـ وأنا مالي ومال حزبه (أي وما شأني بحزبه؟).


    ـ أنتم جزء من تياره!


    ـ هو كان جزءاً منا وخرج.. انت تتحدث عن الجزء الذي خرج من الكل وليس الكل الذي بقي وخرج منه جزء. لو كان المؤتمر الشعبي (حزب الترابي) يمثل الجزء الرئيسي في الحكومة لما كان قد تسنى الوصول الى الاتفاقية التي نتحدث عنها.


    ـ دعني أعدل السؤال: هل توافقني ان كل القوى السياسية في السودان توافقت على شيء وانتم فقط الذين...


    ـ أولاً ليس كل القوى السياسية. هنالك قوى سياسية أخرى تؤيدنا مثل الاتحادي الديمقراطي، حزب الأمة و...


    ـ تقصد المنشقين عن الحزبين الرئيسيين!


    ـ أراك تعاود الحديث عن الجزء والكل.. يا أخي هنالك فرق بين العناوين السياسة والقوى السياسية.. أنا شخصياً اختلف معك حول ان هذه القوى التي ذكرت تمثل قوى سياسية حقيقية.


    ـ هل ترى ان الصادق المهدي لا يمثل حزب الأمة، ويمثله مبارك الفاضل وان الميرغني لا يمثل الاتحادي ويمثله الشريف الهندي؟!


    ـ الصادق يمثل جزءاً من حزب الأمة كما كان (عمه) الهادي يمثل جزءاً من الحزب والصادق يمثل جزءاً آخر. هكذا الدنيا.. الصادق خرج مغاضباً لعمه الذي كان يمثل الحزب الرئيسي وانفصل منه والآن ابن عمه (مبارك الفاضل) غاضبه وخرج منه وانفصل عنه. ما المستغرب في هذا الأمر؟!


    انت تدري كيف تدور دوائر السياسة السودانية. ولكن إذا قدرت بحساب موضوعي ان الفصيل الرئيسي هو الذي يتبع للصادق فهذا تقدير يعود إليك ولك أن تقدر هذا..


    ولكن قد يقول لك آخر ان تقديرك ليس صحيحاً باعتبارات كثيرة منها خروج الشباب والعناصر الفاعلة في الحزب من فصيل الصادق. أريد أن أخلص الى ان العناوين السياسية في السودان متعددة وليست كلها على رأي واحد. والمجموعة التي تجاهر الآن مطالبة بعاصمة قومية أو قُل علمانية ـ فهم يتهربون من تسمية الأشياء بأسمائها ـ هؤلاء كانوا مجموعة سياسية واحدة هي التجمع.


    ـ حتى لو كان ما تقوله صحيحاً هذا لا يغير مما قلناه شيئاً ان هؤلاء هم ممثلو القوى الرئيسية الفاعلة في السودان باستثنائكم انتم.. أليس كذلك؟


    ـ هذه وجهة نظر شخصية لا أستطيع أن أجردك منها. أنا استطيع ان اشهر 700 عنوان سياسي في الخرطوم وأدعي اننا نمثل 90% من السودان لأننا 700 عنوان سياسي. الخلاصة ان كثرة العناوين السياسية لا تعني غلبة لتيار سياسي ما. الغلبة السياسية تحددها الانتخابات فلماذا يتهربون من الانتخابات؟


    ـ هذا مدخل جيد لطرح السؤال عن الانتخابات.. هم يرفضون الدخول فيها قبل تفكيك سلطة شمولية معروف للعيان تجاربها الانتخابية من فوز بالنسبة التسعينية الشهيرة (وإجماع سكوتي) وخلافه.. ماذا تقول؟


    ـ كيف يريدون تفكيكها؟ هل يتوقعون ان تبادر الانقاذ بالتوقيع على ورقة تقضي بحل جهاز الخدمة المدنية والعسكرية.. وتقول لهم: تفضلوا خذوا البلد؟ دعهم يوقعون!!


    ـ على الأقل يريدون أن يخوضوا انتخابات يشاركون في ترتيباتها تحت ظل أجهزة محايدة في جو ديمقراطي معافى.. ماذا يضيركم في هذا؟


    ـ يا عزيزي متفق في بروتوكول مشاكوس انه سيتم انشاء مفوضية جديدة لانتخابات متفق عليها، سينشأ قانون جديد للانتخابات متفق عليه وستكون هنالك رقابة محلية وإقليمية ودولية على الانتخابات.. فليطالبوا بأي شيء منطقي يضمن نزاهة الانتخابات فسيجدوننا مستعدين. أما ان يتوقعوا ان تقرر الانقاذ أولاً حل الخدمة المدنية والشرطة وغيرها فهذا حلم!


    ـ أليس في اتفاق مشاكوس ما يشير الى إصلاح الخدمة المدنية كأن يتم تطعيم المراكز العليا على الأقل من صفوف القوى السياسية الأخرى؟


    ـ إطلاقاً ليس هنالك ما يشير الى ذلك ولن يحدث. لا يمكن لأحد ان يقرر باتفاق سياسي ان يتم فصل كوادر بعينها لتعيين بديل عنها. لن يحدث هذا أبداً. هنالك اتفاق حول اقامة مفوضية للخدمة العامة وهي معنية بالنظر في المعايير والأسس العامة التي تضمن النزاهة في الاختيار للوظائف وليست معنية بتصنيف الناس حسب اتجاهاتهم السياسية.


    ـ تتحدثون وكأنكم أصحاب الشأن الشرعيون للبت فيما ينبغي وما لا ينبغي.. هل نسيتم ان انتخابات مشهود لها بنزاهتها تمت في السودان وكانت حصيلة التيار الحاكم الآن فيها، حتى قبل الانقسام، 5% فقط من أصوات الشعب السوداني؟


    ـ من أين لك بهذه الاحصائية؟ من قال ذلك؟ ثم كم كانت نسبة الاصوات التي حصل عليها حزب الامة؟ لقد حققت الجبهة الاسلامية في تلك الانتخابات التي تتحدث عنها 58 مقعداً وحزب الأمة 102 مقعد والاتحادي...


    ـ انا اتحدث عن نسبة الاصوات وليس عن عدد المقاعد ومعروف ان الجبهة حصلت على اغلب مقاعدها باصوات بسيطة في دوائر الخريجين، وحتى بإفتراض عدد المقاعد، كانت الجبهة هي الكتلة الثالثة فما الذي يعطيها الحق للحكم؟


    ـ يا صديقي الارقام محصورة وموجودة وموثقة ويمكنك الرجوع اليها.. وانا شخصيا آنذاك كنت اعمل في معهد متخصص قام بنشر كتيب عن احصاءات ومدلولات نتائج الانتخابات يمكنك الرجوع اليه.


    ثم ان السلطة الحاكمة الان ليست الجبهة الاسلامية.. هي تحالف جديد انشأه الوضع الجديد، وعلى كل فان الامتحان الوحيد هو ان تجري انتخابات جديدة. ويرضى بها الجميع.


    ـ أصبحنا نكرر ما نقول ... الانتخابات الجديدة تحتاج القوى السياسية لخوضها الى ما يطمئن حيال نزاهتها؟


    ـ إذن ستظل هذه القوى غير مطمئنة حتى نهاية عمرها. اذا رفضت العرض المقدم بانشاء مفوضية انتخابات جديدة وقانون جديد ورقابة كافية.. ماذا يريدون اكثر من ذلك؟ وأين تجد في العالم أكثر من هذا؟ اذا لم يطمئنوا بكل هذا فهذا شأنهم، هل يريدوننا ان نحكم على انفسنا بالانعزال من الحياة السياسية حتى يطمئنوا؟ هيا تفضلوا!!


    ـ ماذا يقول الوسطاء في هذا الجانب؟


    ـ ليس هنالك وسط أو مراقب سيقبل هذا المنطق وليس هنالك اي تعاطف مع فكرة تأجيل الانتخابات. وغريب جدا ان تنادي السلطة الحاكمة بالانتخابات وترفضها القوى المعارضة لها.. لكن يبدو ان السبب ليس عدم الاطمئنان على النزاهة بل هم غير مطمئنين على امكانية كسب اصوات الشعب ويعتقدون انه كلما طالت المدة كلما كان لديهم الفرصة لتعويض ما فاتهم باعتبار ان السلطة انفردت بالساحة وكونت قاعدة جماهيرية عبر اتصالها بالشعب طوال سنوات الحكم ولديها امكانيات اكبر للحشد والتحرك.


    ـ أليس هذا منطقاً مقبولاً؟


    ـ نحن نقبل بحجة ضيق الوقت لترتيب الأوضاع وتنظيم الصفوف.. لكن كم يحتاجون لفعل ذلك؟ ألا يكفيهم عام كامل؟ فلنعطهم فرصة سنة ونصف السنة أو حتى سنتين. أي فترة انتقالية في العالم لم تزد مدتها عن سنة ونصف السنة. وفي اي مكان في العالم المعارضة هي التي تستعجل الانتخابات لا السلطة الحاكمة.


    المذهل ان الحركة طالبت بإجراء الانتخابات بعد ست سنوات.. هذا عبث.. كيف تتكلم عن المباديء واهمية التحول الديمقراطي ثم تعطل الانتخابات وهي الالية الوحيدة للتحقق من الخيار الديمقراطي، لمدة ست سنوات. كيف يستقيم هذا؟


    عندما طالبوا بتأجيل الانتخابات قلنا لهم دعونا نؤجل النقاش التفصيلي في الموضوع ونتفق فقط على ان تجري الانتخابات في النصف الاول من الفترة الانتقالية ونناقش فيما بعد حول المواعيد وحول هل تكون بعد سنة او سنة ونصف أو ثلاث سنوات.


    ـ لقد قبلوا باجراء الانتخابات في النصف الأول من الفترة الانتقالية حسب معلوماتي اليس كذلك؟


    ـ لا بل رفضوا ان يوقعوا على اتفاق كهذا، وافقوا في باديء الأمر ثم عندما جئنا للتوقيع رفضوا.


    أجرى الحوار: محمد خليل كاره
















    رياضة | فنون | منوعات | كتب وترجمات | الرأي | سياسة | محليات | اقتصاد | الأولى

    حقوق الطبع محفوظة لمؤسة البيان للطباعة والنشر



                  

07-23-2003, 07:47 AM

elhilayla
<aelhilayla
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 5551

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: امين حسن عمر ..يغالط نفسه (Re: الكيك)



    الأخ الكيك
    مشكور علي هذا اللقاء الجيد جدا وأتمني صادقا أن تقبل هذا الجهد البسيط في تنسيق النص وليس لدي ما نع بنقله الي مكانك وأنا بدوري سوف أقوم بتعديل المشاركة -تحريرها مرة أخري وذلك حفاظا علي الباندودث
    وتسلم


    الدكتور أمين حسن عمر عضو الوفد الحكومي السوداني لـ «البيان»:1 ـ 2
    المفاوضات دخلت مرحلة المقايضة المباشرة المكشوفة والتوقيع في أغسطس مجرد تكهنات
    كان من المفترض ان ينشر هذا الحوار عشية انطلاق جولة المفاوضات الاخيرة بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية التي وصلت الى طريق مسدود منتصف هذا الشهر بعد ان طرحت سكرتارية «ايغاد» مقترحات مقدمة كأساس للنقاش سارعت الحركة للقبول بها ورفض الوفد الحكومي حتى مجرد النظر فيها.
    ولظروف متداخلة مرتبطة بجوانب فنية تحكم اولويات النشر تأخر موعد نشر الحوار حتى بدأت جولة التفاوض وانتهت «فجأة» بالفشل، غير ان الحوار لم يفقد صلاحيته بل ان تأجيل النشر اضفى «لحسن الصدف» اهمية اكبر لمحتوى الحوار الذي ينشر على اعتاب انطلاق الجولة التالية التي تشد الان انظار كل اهل السودان ومتابعي شئونه.
    والحق انني منذ حين ظللت أتحين الفرصة لأدير حواراً مع الدكتور امين حسن عمر، حتى اتت الفرصة «تجرجر اذيالها» عندما أخبرني صديقي العبيد أحمد مروح الملحق الإعلامي بالقنصلية السودانية، بزيارة خاطفة سيقوم بها إلى دبي نفر من الوفد الحكومي المفاوض، بينهم الدكتور عمر فألححت عليه ان يدبر أمر إجراء حوار معه.. وقد كان..
    ولا يشغل الدكتور عمر الان منصباً وزارياً في الحكومة السودانية فهو بالكاد رئيس الهيئة القومية للاذاعة والتلفزيون، لكن يبدو ان النفوذ السياسي للرجل يفوق بكثير منصبه الوظيفي الرسمي.
    وتكفي للدلالة على ذلك الاشارة الى انه كان مستشاراً للرئيس عمر البشير وظل عضوا ثابتاً في الوفد الحكومي في اغلب جولات التفاوض مع الحركة الشعبية منذ عام 1993م فضلا عن عضويته في المكتب القيادي للحزب الحاكم.
    والدكتور عمر «الذي حاز على هذا اللقب حديثاً» انخرط عضوا فاعلا في الحركة الاسلامية منذ بواكير شبابه وبات لاحقا أحد منظري هذه الحركة وواضعي استراتيجياتها، ما يتيح له بالتالي الالمام بخفايا سياسة حكومة الانقاذ ازاء كافة القضايا وخصوصاً في قضية السلام
    واستنطاق رجل بهذا الوزن الثقيل في دائرة السلطة الحاكمة في الخرطوم من شأنه ان يتيح لمتابعي الشأن السوداني اشارات مهمة في رصد سلوك هذه الحكومة ورسم آفاق المستقبل السياسي لهذا البلد.
    واشهد ان الرجل، كما تخيلت، يتمتع بقدر عال من الدهاء السياسي، ووضوح التفكير وملكة التعبير وقد ظهر كل ذلك جلياً في مقاطع الحوار الذي لم يخل من منحنيات حادة تبادلنا عندها الصراخ والمقاطعة حتى انه بادر الى تذكيري بانه يحاور صحافياً ما دفعني الى الرد بتذكيره باننا اتفقنا في البدء على «مواجهة» صريحة.
    وعلى كل فإن محاورنا لم يبخل خلال الحوار بشيء، واشهد انه كان صريحاً، رحب الصدر، وان كان يلجأ احياناً الى تقمص دور المحاور فيمطرني بأسئلة لم اكن لاتردد في استثمارها.. فضلا عن انه كان يستكمل احيانا اجاباته باشارات من يديه او ضحكة او ابتسامة ماكرة وهذه «لازمة» عُرف بها «أستاذه» الزعيم الإسلامي الدكتور حسن الترابي العقل المدبر للانقلاب الذي أتى بالسلطة الحالية إلى سدة الحكم، إلا ان الدكتور عمر زاد عليها استخدامه المتكرر للتعابير الانجليزية.
    وفيما يلي نص الجزء الأول من الحوار:
    ـ نبدأ بالسؤال التقليدي عن الجولة الاخيرة من المحادثات وانتم تتأهبون لدخولها.. هل فعلا ستكون الجولة الاخيرة كما يتردد، بمعنى ان يتم التوقيع النهائي على الاتفاق الذي طال انتظاره.. وكيف استعددتم لذلك؟
    ـ المؤكد انها ليست الجولة النهائية اذ سبق ان اعلن عن جولات اخرى ستتبعها.. وبالطبع لا يمكن ان تكون الاخيرة طالما ستأتي بعدها جولات.. لكن المؤكد ايضا انها جولة مفصلية بمعنى ان ما سيتفق عليه خلالها وما لا يتفق عليه سوف يؤثر ايجاباً او سلباً بصورة حاسمة في سياق التفاوض.. لان موضوعها هو كل موضوعات التفاوض التي لم تحسم من قبل، والتي كانت للأطراف حيالها مواقف والمطلوب ان يحدث في هذه المرحلة ما يعرف بالمقايضة..
    بمعنى ان يتنازل هذا الطرف في هذا الجانب وذاك الطرف في جانب اخر وهكذا حتى يستطيع ان يلتقي الطرفان على اطار متفق عليه.. والاطار المتفق عليه سوف يخضع لتفاصيل اكثر في جوانب مختلفة مثل الترتيبات الامنية العسكرية التي ستخصص لها جولة في 21 يوليو «لم تتم» وفي أواخر الشهر نفسه ستعقد جولة اخرى لتفصيل قضايا تسوية العائدات «تقسيم الثروة»..
    وقد اعلن عن تسلسل هذه الجولات بجداولها الزمنية ولذلك فان الجولة التي امامنا ليست الاخيرة بالطبع.. وبعد هذه الجولات ستكون هنالك جولة «توصيف الاطر».
    ـ اذن لماذا هذه الضجة حول هذه الجولة المرتقبة التي امامنا خصوصا وقد سمعنا من اكثر من جهة ان التوقيع على الاتفاق النهائي بات وشيكاً جدا بل ان البعض حدد له تاريخ منتصف اغسطس في اشارة الى ان مسودة الاتفاق جاهزة بالفعل
    ـ هذه تظل مجرد اقوال وانا لم اسمع بشخص او جهة سياسية رسمية محددة تقول بذلك حتى الولايات المتحدة التي ينسب اليها تحديد موعد اغسطس للتوقيع.. هذه مجرد تكهنات
    ـ لكن الناطق الرسمي باسم الوفد المفاوض سيد الخطيب اعلن امس في نادي دبي للصحافة وهو برفقتكم انه يتوقع ان يتم التوقيع في اغسطس قبل ان يستدرك بالقول: او سبتمبر.. هل كان هذا تكهناً ايضاً؟
    ـ هو انطلق في توقعه من سياق جدولة هذه الجولات.
    ـ هو تحدث عن التوقيع؟
    ـ بالطبع اذا انتهى الحديث في هذه الجولات فستنتهي باعلان نهاية المفاوضات بالفشل والا بالتوقيع.. بمعنى انه ليست هنالك فرصة لمزيد من التفاوض.. اما ان نوقع او نعلن ان على الاقل هذه المرحلة من مراحل التفاوض قد انتهت بالفشل.
    ـ هل انت متفائل بالتوقيع.. والى اي مدى؟
    ـ انا لا ارى ان هنالك تناقضات جوهرية مستعصية على الحل، لذلك فانا متفائل. لكن يحدث احياناً انك تقدر اشياء وتستسهلها وتفاجيء بوضع آخر، حتى ان احد امثالنا الشعبية يقول: «قد يغرق الغريق وهو على حافة النهر». عموماً ليس هنالك سبب موضوعي فيما نرى من مواقف يدعو الى عدم التفاؤل. هنالك فرصة سانحة حسبما يرى كل الوسطاء والمراقبين.. ونحن نرى هذه الفرصة ولكن لا يتسنى التأكيد الجازم من طرف واحد بالتوقيع لان ذلك يقتضي موافقة الطرفين.
    ـ ماذا يرى الطرف الآخر؟ هل يشارككم رؤيتكم التفاؤلية هذه؟
    ـ الطرف الآخر يثير الان قضايا هامشية غير مهمة، ربما تكتيكياً مهمة بالنسبة لهم. لكنها غير مهمة بالفعل في مسار التفاوض ولم تكن في وقت من الاوقات واحدة من معضلات التفاوض.
    ـ ماهي اذن المعضلات الحقيقية المتبقية الآن؟ وما هي هذه القضايا الهامشية التي تقول ان الحركة تطرحها؟
    ـ هنالك امور اتفق بشأنها على الاطار الكلي لكن تفاصيلها قد تثير مشاكل مثلا: وجود قوات عسكرية تابعة للحركة اثناء الفترة الانتقالية. الحكومة تقول ان بروتوكول مشاكوس بني من المبدأ الاول على ان ـ على الاقل طيلة الفترة الانتقالية وحتى يختار الشعب الجنوبي الانفصال ـ الاولوية للوحدة.
    وان كل الحلول والترتيبات اثناء الفترة الانتقالية ينبغي ان تبنى على فكرة الوحدة، ولذلك لابد ان يبنى النظام الامني على فكرة الوحدة وليس على فكرة الثنائية. ولذلك نحن نرفض ان تتحدث الحركة عن جيش مستقل منفصل طيلة الفترة الانتقالية.
    ـ الى اي مدى يمكن ان تذهبوا في اتجاه المرونة في هذه النقطة؟
    ـ نحن نقبل ان تحتفظ الحركة بقواتها لفترة محدودة لان فكرة وقف اطلاق النار تقتضي وجود قوة من الطرف الاخر لبعض الوقت ثم بعد ذلك تبدأ ترتيبات للدمج. قد تستغرق هذه الترتيبات شهورا وقد تمتد لسنين، على حسب ما يتفق عليه..
    وقد تستغرق طيلة الفترة الانتقالية «اي ستة اعوام» ولكن من حيث المبدأ لابد من ان اي يكون هنالك اتفاق على وحدة الجيش، لان هنالك فرقا بين ان تتفق على وحدة الجيش وتتباطأ الترتيبات وبين عدم الاتفاق على وحدة الجيش فيبدو الامر كما لو اننا قبلنا من حيث الامر الواقع بوجود جيشين.. وبالتالي بوجود كيانين وحكومتين.. فلا يبق الا ان يتم التوقيع على انفصال الجنوب.
    ـ اذن ما الفرق بين ان تقبل بوجود قوات منفصلة طوال الفترة الانتقالية وترفض فقط تسميتها بجيشين؟
    ـ الفرق دقيق جدا لكنه مهم جدا.. ومن اجل مثل هذه الفكرة الواردة في السؤال نحن نصر على الاتفاق على مبدأ الدمج لصالح وحدة البلاد.
    وهنالك مسألة اخرى متعلقة بوجود (SPLA) اي ما يسمى «بالجيش الشعبي».. نحن نقول ان هنالك فصائل اخرى مسلحة في الجنوب بعضها كانت جزءاً من «الجيش الشعبي» وانفصلت.. وهي ميليشيات قبلية ولا تقبل ان يكون «الجيش الشعبي» مسلحا وهي مجردة من السلاح.. ولذلك اذا كانت هنالك معادلة لوجود قوات حاملة للسلاح موجودة في الجنوب فهذه الميليشيات تحمل نفس الصفة ولابد ان تعالج وضعها بالطريقة نفسها التي تعالج بها قضية وجود «الجيش الشعبي». وهذه الفكرة ايضا تحتاج الى نقاش حول تفاصيلها.
    ـ سنأتي لموضوع الفصائل الاخرى لاحقاً ولكن دعنا نبقى في اطار الحديث عن الفصيل الرئيسي.. الحركة لديها حجة لست ادري ان كانت تطرحها رسميا في المفاوضات لكنها مطروحة بوضوح في ادبياتها المنشورة.. تقول الحركة انها لا تملك ضماناً اخر لوجودها ولكيانها غير قوتها المسلحة وانهم لا يمكن ان يغامروا بتسليمها للحكومة فتبقى تحت رحمتها في حال نكصت الاخيرة بمواثيقها كما دأبت ـ حسبما يقولون ـ فما ردكم؟
    ـ اذن ما معنى السلام؟ وما معنى الصفقة المطروحة؟ نحن نفهم ان الصفقة بمعنى ان هنالك جماعة متمردة ومطلوب منها ان تضع السلاح وتدخل في ترتيبات للسلام.. فاذا ظلت حاملة للسلاح ومهددة دائما باستخدام السلاح فما الذي تغير؟ ذلك الوضع سيظل مجرد هدنة وليس اتفاقية سلام وهنالك فرق كبير بين هذه وتلك.
    وصحيح ان وضع السلاح لن يتم بين عشية وضحاها وسيستغرق بعض الوقت شهورا او سنوات لكن لابد ان نتفق على ان يكون الامر في نهاية المطاف.
    ـ عفوا للمقاطعة.. الاحظ انك تكرر دائماً امكانية ان يمتد أمد الترتيبات لسنوات.. هل تريد التلميح الى امكانية قبولكم بأن تكون هذه المسألة مفتوحة الى نهاية الفترة الانتقالية فيكون في ذلك مخرج من هذه المعضلة؟
    ـ هذه تفاصيل ولا ارغب بالخوض في تفاصيل لاننا عندما نتحدث عن زمن فلابد من الاشارة الى ان هذا الزمن مطلوب لانجاز مهام معينة. ومعروف ان اتفاقية وقف اطلاق النار تقتضي اعادة الانتشار لكل القوات كما تقتضي تحديدا لحجم السلاح الموجود الى جانب نوع من تنسيق العمليات ونوع من العمليات المشتركة وتفاصيل كثيرة اخرى.
    وهذه العمليات تستغرق وقتاً. ولكن اعود فأشدد على ضرورة الاتفاق حول مبدأ الدمج.. صحيح ان الجنوب اذا اختار الانفصال في الاستفتاء فستنفصل هذه القوات لكن لا يمكن ان تنفصل من الان.
    ـ حجة اخرى تطرحها الحركة في اصرارها على الاحتفاظ بجيشها وتقول ان الامر لم يعد دمجاً بين قوات متمردة وجيش وطني قومي كما تقول الحكومة، لانه لا وجود الان لجيش وطني كما كان في السابق قبل الانقاذ التي قامت بتصفية كل العناصر غير الموالية لها فأصبح الجيش بالتالي مجرد ميليشيا تابعة للحكومة وليس جيشا لكل الوطن. كيف تردون على ذلك؟
    ـ هذا مجرد ادعاء لا يمكن البناء عليه في نظر اي مراقب محايد.. ولحسن الحظ هنالك مراقبون بالفعل.
    وكل العالم متفق على ان هذه الحكومة القائمة حكومة قومية، وان الجيش جيش قومي وفي كل وثائق المفاوضات يشار الى الجيش باعتباره الجيش القومي.
    ـ لكن من وجهة النظر السياسية ـ ولا اقول الرسمية ـ تصر الحركة على انه جيش يمثل النظام ولا يمثل السودان.
    ـ دعني أوضح لك أمراً.. ان 60% من قاعدة الجيش الوطني اي الجنود ـ من جنوب السودان.. هل تعتبر ان هؤلاء كلهم «جبهجية»؟
    ـ هذا على مستوى الجنود ولكن معروف ان القيادات العسكرية المحترفة تعرضت لعمليات تصفية منظمة؟
    ـ هذا ايضا ادعاء.. لا يستطيع احد في الدنيا ان يصفى كل القيادات.
    ـ لم اقل «كل القيادات» قلت ابقيتم فقط على الموالين لكم؟
    ـ ماذا تعني بالموالين؟
    ـ من يحملون ايديولوجيتكم؟
    ـ إذا كان هنالك من يحمل أيديولوجية مخالفة بين صفوف الجيش وهو يقاتل مع حركة حاملة للسلاح لا يمكن ان نتركه.. أنت ايضاً لن تتركه ان كنت قائداً للجيش.. إذا كان الحزب الشيوعي مثلاً حاملاً للسلاح وهنالك ضباط شيوعيون في الجيش لا يستقيم ان تركهم هكذا. وأي حاكم سيفعل هذا.. اذا خرج أي حزب ـ الاتحاديون أو الأمة مثلاً ـ وحملوا السلاح وأعلنوا ذلك ولهم ضباط موالون داخل الجيش فمن الطبيعي الا تسمح بوجودهم بين الصفوف إلا اذا كنت غافلاً.
    ـ هذا اعتراف صريح بحدوث تصفيات في الجيش لعناصر اعتبرتموها موالية للمعارضة وبالتالي اصبح الجيش مقتصراً على الموالين لكم.. أليس كذلك؟
    ـ يفترض في أي جيش في العالم ألا يظهر ضباطه ولاءاتهم السياسية وإذا حدث ذلك فمن الطبيعي ان يتم اخراجهم من صفوف الجيش. هذا كان يحدث في تاريخ الجيش السوداني في جميع الحقب، بل وفي كل سنة.. ولا جديد فيما فعلته الانقاذ. صحيح ان بعض الناس لا يحبون النظام القائم ولذلك لا يريدون ان يسمحوا له بما سمحوا به لأنفسهم.
    ألم يحدث أن تم فصل 50 ضابطاً بعثياً أيام حكم الصادق المهدي بتهمة تخطيطهم لانقلاب عسكري؟ لقد كنا في ذلك الوقت معارضين وكانوا هم في السلطة وفعلوا ذلك.. وأرجو ألا يفهم انني أدافع عن وجود البعثيين في الجيش لكنني أريد ان أوضح ان جميع الحكومات تتصرف للحفاظ على أمنها.. هذا واضح ومفهوم..
    أما القول إن «كل» الجيش أصبح «جبهة إسلامية» فهذا وهم لأنه أمر مستحيل. عندما تقوم بفصل ضابط ما هكذا عشوائياً يعني انك تستعديه.. الضابط ـ أي ضابط ـ داخل الجيش أو خارجه هو نفسه ودائماً يمثل خطراً، ولذلك اذا طردته بدون سبب فلابد أن يشكل خطراً، ولذلك فإن أي نظام يعرف انه ليس من مصلحته ان يفصل ضابطاً غير معاد، أما إن كان معادياً فمن الطبيعي فصله..
    وأقول بوضوح: نعم تم فصل عدد من الضباط من الجيش ومن الشرطة لأنهم كانت لديهم ولاءات ونشاطات سياسية ضد الحكم القائم. وإذا كان ذلك يعني ان الجيش لم يعد قومياً فإنه يعني بالتالي ان جيش السودان لم يكن قومياً في يوم من الأيام منذ الاستقلال. لأن مثل هذه التصفيات كانت تحدث دائماً.. حدث مع ضباط الحركة الإسلامية كما حدث مع ضباط الحزب الشيوعي.
    ـ طرحنا حجتهم وطرحت حجتك بشأن الجيش.. الآن دعنا نعود إلى النقاط المستعصية الأخرى التي قد تحول دون توقيع الاتفاق المرتجى.
    ـ سبق ان قلت إنني لا أرى قضية مستعصية على الحل ولكننا كنا نعدد القضايا التي مازال حولها خلاف.. ومنها أيضاً موضوع الرئاسة ومشاركة الحركة في مستويات الحكم المختلفة و...
    ـ فيما يتعلق بالرئاسة.. ماذا يريدون هم وبماذا تردون أنتم؟
    ـ في أية مفاوضات لا أحد يحدد بالضبط ماذا يريد.. ولكن موقفهم المطروح هو الرئاسة المتناوبة وطبعاً يعلمون ان هذه فكرة غير مقبولة، لا من الحكومة فحسب، بل حتى من قبل الوسطاء والمراقبين.
    ـ لماذا ليست مقبولة؟
    ـ لأنه لم يحدث في أي مكان ان فاوضت حركة متمردة نظاماً قائماً على أن ينزع نفسه لتقاسم السلطة. هذه حكومة قائمة ومعترف بها دولياً واقليمياً وتعامل معاملة أية حكومة طبيعية فكيف يمكن بهذه البساطة ان تطرح مقاسمة السلطة نصفاً بنصف؟
    وهذه الحكومة ـ مهما شكك المشككون ـ من ناحية عملية هي ثمرة انتخابات معروفة، بغض النظر عن رأي بعض الناس في هذه الانتخابات أو مقاطعتهم لها. وتذكرون أن آخر انتخابات في الولايات المتحدة كانت محاطة بشكوك كثيرة أوصلت الأمر الى ساحة القضاء.. العالم ينظر الى الاجراءات.. صحيح قد يشكك البعض في هذه الإجراءات.. لكن في نهاية الأمر الدول تقبل بثمرة الانتخابات ما دامت قامت على اجراءات صحيحة وبمراقبة محايدة.
    ـ لا لم يعد حتى ذلك كافياً.. أمامنا تجربة ياسر عرفات المنتخب وسعي الولايات التحدة للإطاحة به وعدم التعامل معه.. وأيضاً تجربة الاطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين «المنتخب» أليس كذلك؟
    ـ تصرف الولايات المتحدة لا يطعن في شرعية عرفات.
    ـ لكن الولايات المتحدة نفسها هي المهيمنة على المفاوضات خلف الكواليس كما هو واضح، بل يقال إن أميركا هي التي أجبرت الحكومة على الجلوس الى طاولة المفاوضات، ومعروف أنها تسلط سيفاً فوق رقبة النظام متمثلاً في قانون الكونغرس «سلام السودان»!
    ـ واضح ان هذه الصورة مجرد محاولة لإدخال الدراما في المفاوضات.. لا شك ان لأميركا ثقلاً في المفاوضات وهو ثقل ناجم عن ثقلها في الحرب فهي الداعم الرئيسي لحركة التمرد سياساً ودبلوماسياً وعسكرياً. ومن يطالب بإبعاد أميركا من المفاوضات لا يعدو ان يكون مغفلاً لأنها إذا خرجت من السلام فستدخل في الحرب.
    فالأفضل ان تنخرط في السلام أياً كان رأيها فينا ورأينا فيها. والآن هي ليست وسيطاً.. هي طرف مراقب فقط.. صحيح ان لها نفوذاً في المفاوضات، ولا يعترف الوسطاء بهذا النفوذ فيما نحن نعترف به، لكن هذا النفوذ لا يصل الى المرحلة التي تفرض بموجبه ما تريد.. ولو كان الأمر كذلك لما استغرقت المفاوضات كل هذه المدة.. وكان الأحرى أن تضع ورقة أمامنا وتقول لنا: وقعوا هنا.
    ـ هنالك من يقول ذلك.. أي ان ورقة الاتفاق جاهزة وربما موقعة أيضاً لكن كل ما يدور ليس سوى نوع من عملية الاخراج الدرامي.. ما رأيك؟
    ـ هذا غير صحيح.. ولا يمكن أن يكون صحيحاً. ولا يمكن أن تقبل أميركا لنفسها بأن تأتي بشيء مطبوخ في مكان آخر لتطلب من الأطراف التوقيع عليه. ولا أحد عاقلاً يتصور ان تقبل الحكومة ـ وحتى الحركة نفسها ـ بالتوقيع على مسألة ضارة بمصالحها ضرراً بليغاً.. ثم ماذا تغيّر لتخضع الحكومة لهكذا أمر؟
    ألم ترم أميركا بثقلها ضد الحكومة وأنشأت طوقاً كاملاً من العدوان حول السودان فضلاً عن المقاطعة التي لا تزال تفرضها؟ ماذا يجعلنا ننهار فجأة ونسلم لها تسليماً كاملاً؟!
    ـ ما تغيّر كثير.. هنالك ظروف دولية وإقليمية استجدت ضدكم فهنالك...
    ـ لا شيء اسمه ظروف دولية.. أميركا فعلت كل ما تستطيع ضدنا الى حد الضرب بالصواريخ.. ماذا تستطيع أن تفعل أكثر من ذلك؟
    ـ يمكن ان تفعل معكم ما فعلت في العراق.. ولكنكم خشيتم ذلك على ما يبدو وتراجعتم عن المواجهة التي كانت توسم مواقفكم تجاهها في أول أيامكم!
    ـ هذا تبسيط سريع للأمور.
    ـ سمه تبسيطاً أو حتى سذاجة سأسجل ان ما قلت هو إجابتك على السؤال.. ولكن دعني أذكرك بما تردد عن ان توقيعكم على بروتوكول مشاكوس كان إثر ضغط مباشر وصل الى حد وضع البروتوكول أمامكم وإمهالكم لبضع ساعات للتوقيع حسبما تردد آنذاك.. ما الذي يمنع أن يتكرر هذا المشهد؟
    ـ لكن مع ذلك عدلت الورقة قبل التوقيع.
    ـ هل تعترف بأن هذا السيناريو حدث بالفعل في مشاكوس؟
    ـ المهم انه لم يتم التوقيع إلا بعد التعديل المطلوب من قبل الأطراف.
    ـ أريد إجابة عن السؤال.. هل حدث السيناريو المذكور بالفعل؟
    ـ نعم حدث وهذا تكتيك معروف في التفاوض. طبعاً لا يحدث أن يقوم الوسيط بتوجيه مسدس فوق رأسك لتوقع بل يقول إذا لم تقبلوا هذه الورقة فسأتوقف عن دوري وأعلن فشل المفاوضات. لكن بالرغم من ذلك عدلت الورقة بعد ذلك بناء على مواقف الأطراف.. الآن هنالك حديث عن ورقة أي مسودة للاتفاق ولكنها ستعدل، لأن المفاوضات تدور هكذا أساساً، أن تأخذ وتعطي.. تتراجع وتتقدم، هكذا طبيعة المفاوضات.. هذه هي الصورة.. أما الفكرة الساذجة التي تصور الأمر وكأن «كاوبوياً» يقف بمسدس على رأسك فهي فكرة سينمائية غير واقعية.
    ـ لا أحد يتصور ذلك حرفياً بالطبع، ولكن الفكرة ان هنالك ضغوطاً مكثفة عليكم وجانب منها «قانون سلام السودان».
    ـ أولاً ينبغي ان يكون واضحاً ان هذا القانون لم تصدره الإدارة الأميركية ولا هي راضية عنه. عندما وقع عليه الرئيس الأميركي وقع عليه بتحفظ كما يعرف المتابعون بدقة، معلقاً على القانون بأن هذه الأمور متعلقة بالسياسة الخارجية والتي يدخل البت فيها ضمن صلاحيات الرئيس. والتحفظ الثاني حول ما جاء من حديث عن «حكومة الجبهة الإسلامية». الناس يكتفون بالتسامع ولكن لا يقرأون النصوص.
    النص كان واضحاً.. الرئيس وقع بهذا التحفظ لأنه يعتقد ان في ذلك حافزاً من خلال نوع من الضغط. ومعروف ان الكونغرس لا يملك سلطة ملزمة على الحكومة الأميركية في السياسة الخارجية. والإدارة الأميركية لم يجبرها أحد على أن تختار خيار الحوار السلمي الذي يختلف عن الاملاء. والإملاء لا يحتاج للمفاوضات.
    وقد جربت الإدارة السابقة سياسة الإملاء وفشلت وحصل ما حصل في العلاقات. وكان يمكن للإدارة الحالية ان تحذو حذو إدارة كلينتون فتطلب الخضوع أو تنزل علينا بالصواريخ من الأساطيل كما حدث في العراق.. أنا أظن ان هذا أشبه بالتصوير والإخراج السينمائي أكثر منه بالواقع السياسي، وما حدث في العراق ليس بالضرورة قابلاً للتكرار لا في السودان ولا في غير السودان، لأن كل حالة في السياسة الدولية لها خصوصيات معينة والحالة العراقية كان لها خصوصياتها.
    ـ نعود مجدداً لبقية النقاط التي علقناها في أتون هذا الاستطراد المفيد.. قلت ان الحركة طرحت الرئاسة المناوبة.. فماذا تطرحون أنتم
    ـ هم سحبوا طرحهم لاحقاً لأنهم وافقوا على خيار آخر، بمعنى ان موقفهم تغير بعد ذلك.. وأصبحوا يطالبون بنائب رئيس بصلاحيات الموافقة على بعض قرارات الرئيس المتعلقة بالاتفاقية.. و...
    ـ الموافقة أم الفيتو على قرارات الرئيس؟
    ـ كيف سيكون رئيساً إذا كانت قراراته قابلة للفيتو؟ الاتفاق يتحدث عن (Approval).. هذا ما يطالبون به وليس ما وافقنا عليه. نحن لم نوافق على ذلك وطرحنا في المقابل ان يكون هنالك رئيس وأكثر من نائب على أن تكون هناك صلاحيات خاصة بكل نائب رئيس وليس بالضرورة ان نسمي أحدهما نائباً أول والآخر نائباً ثانٍ.
    هذا ما قدم حتى هذه اللحظة. وفي كل الأحوال لا يساورنا شعور بأن هذه النقطة عصية على الحسم بالاتفاق لأنهم يعلمون ان موقفهم قابل للتطور ونحن نعلم انه في اطار صفقة كاملة أو مقايضة معينة يمكن ان يرضخ للتطور. وهكذا هي المفاوضات.. المفاوض لا ينظر الى قضية ما منفصلاً عن القضايا الأخرى.
    ـ من خلال ما قلت ننتقل الى قضية العاصمة، يقال إن الحركة دفعت بهذه القضية الى ساحة للجدل العلني للحصول على تنازل في قضية أخرى.. هل هذا رأيكم؟ وما الذي يضيركم في جعل العاصمة قومية مفتوحة؟
    ـ لذلك نحن قلنا للوسطاء ان قضية العاصمة ليست قضية نرفض فيها موقف الحركة فحسب، بل نعتبر ان ليس هنالك قضية أساساً (Non issue). بمعنى أن الأمر غير قابل للتفاوض من أساسه لأن مجرد طرح الأمر يعني انها قضية ولكنها ليست كذلك حتى لا نعطي فرصة للحركة لتحصل على مقابل عليها بالتنازل في نقطة أخرى.
    ـ هل يعني هذا ان موضوع العاصمة لن يطرح للتفاوض؟
    ـ في الأساس قضية العاصمة لم تطرح في المفاوضات، الحركة دأبت على طرحها من طرفها لكنها لم تطرح كقضية للتفاوض لأن التفاوض في الأصل هو تفصيل لما ورد في بروتوكول مشاكوس. وهذا البروتوكول لم يتحدث عن عاصمة.. بل تحدث عن ولايات جنوبية أصول التشريع فيها من الإجماع والتقاليد والأديان الموجودة، وولايات شمالية تشريعاتها من الشريعة والإجماع وهنالك قوانين اتحادية «مثل الجمارك والطيران وخلافها» أصولها التشريعية من الشريعة والإجماع.
    وإذا كان هنالك قانون اتحادي سيطبق في الجنوب وله أصل ديني مناقض للأصل الموجود هناك يجوز للجنوب ان يطلب من مجلس الولايات (وهو اتحادي) ان يستثني الجنوب من هذه القوانين وان يصدر له تشريعاً مناسباً. وبهذه الطريقة حلت قضية التشريعات الاتحادية.
    ـ عفواً أرجو ألا نبتعد عن السؤال المطروح حول العاصمة.
    ـ نعم عندما يتحدث احد عن عاصمة على ضوء ما شرحت فإن وضعها إما ان يكون كوضعها الراهن وهي ولاية شمالية، الآن من يرتكب مخالفة يحاكم بالقانون السائد في ولاية الخرطوم لأن القانون السائد هو قانون ولائي.
    وإذا قلنا ان الخرطوم العاصمة ليست جزءًا من ولاية الخرطوم فإنها إذن مقاطعة أي منطقة مستقلة فيدرالية، وفي هذه الحالة تسري عليها القوانين الاتحادية وفقاً لبروتوكول مشاكوس وهذه القوانين أصولها من الشريعة والاجماع ، إلا تلك التي تطبق في الجنوب فيطلب الجنوب ان يستثنى منها، ولذلك في كل الاحوال إذا كانت ولائية أو اتحادية فإن القانون السائد في الخرطوم سيستمد من الشريعة.
    وهذا ما يجعلنا نقول ان قضية العاصمة غير قابلة للتفاوض إلا من باب واحد فقط هو ان نتفاوض حول هل تبقى العاصمة الخرطوم أم تنقل إلى جوبا.. وإذا ذهبت إلى جوبا سيكون هنالك احتمالان:
    الأول: ان تتبع القوانين السائدة في الاستوائية (أي ولائية) وهذا يعني ان تكون علمانية وهذا لا خلاف عليه.
    والاحتمال الثاني: ان تتبع القانون الاتحادي وفي هذه الحالة تطبق فيها الشريعة إلا ان يأتي الجنوبيون ويطلبوا رفع الأمر إلى مجلس الولايات للفصل في ذلك.
    ولذلك نقول ان قضية العاصمة محسومة في بروتوكول مشاكوس ولا ينبغي اعادة فتحها وهذا المنطق مقنع للوسطاء والمراقبين.
    ـ استغرب شخصياً ان يكون هذا المنطق بهذه الصورة مقنعاً للوسطاء حيث انني انا الذي أمامك لست مقتنعاً به وأحسن ان الكثيرين يشاطرونني هذا الرأي، كيف نتحدث عن سودان واحد وحل جاذب للوحدة في وطن لا تتمتع في ربوع عاصمته جميع الأديان بالمساواة؟
    ـ انت تقتنع أو لا تقتنع لأسباب فكرية تخصك هذا موضوع آخر. أما ان هذه القضية سبق الاتفاق عليها بهذا الشكل فهذا هو الواقع.
    ـ أعيد السؤال .. هل معنى هذا ان هذا الموضوع لن يطرح في المفاوضات؟
    ـ بالطبع لا أحد يستطيع ان يغلق الباب أمام الحركة حتى لا تطرح القضية ولكننا لن نناقشها.
    ـ لن تناقشوها إذا طرحت؟
    ـ لا لن نناقشها لأنها قضية غير صالحة للنقاش ولعلمك فإن الحركة عرضتها أكثر من مرة ولم ننقاشها.
    ـ وماذا قال الوسطاء؟
    ـ المفاوضات في الجولات الاخيرة لم تكن مشتركة ومباشرة بل كانت مشاورات.. ولذلك فإن الوسطاء ليسوا في حاجة لقول شيء، هم يبنون وجهة نظرهم من خلال التشاور مع هذا الطرف وسماع رأيه وكذلك مع الطرف الآخر.
    والآن نحن في انتظار رأيهم بعد حصيلتهم في هذه المشاورات.. لكن دعني أقول لك عموماً ليس هنالك أي تعاطف مع اثارة هذه القضية.
    ـ بل هي قضية ملحة وينبغي حسمها حتى ان كل القوى السياسية انخرطت في الجدل حولها فخرج «إعلان القاهرة» و«إعلان الخرطوم» وفيهما اجماع واضح على المطالبة بالعاصمة القومية.
    ـ أولاً: يمكن لأي كائن من كان أن يطرح مسألة ويدعي انها قضية ملحة ولكن هذا الادعاء لا يجعل الامر حقيقة.
    ثانياً: كل الموقعين في الإعلانيين هم مجموعة سياسية واحدة كانت في التجمع الوطني.
    ـ بل هم كل السودان نظراً لثقل الأحزاب الموقعة، الأمة ـ الاتحادي ـ حزب الترابي ـ الشيوعي ـ والأحزاب الأخرى الى جانب منظمات المجتمع المدني.
    ـ هذا رأيك أنت.. أنا لا أعتقد ان هؤلاء هم كل السودان. نعم هذا يدخل في اطار الرأي الآخر ولكنه لا يعدو كونه رأي جبهة محدودة هي التجمع الوطني.
    ـ حزب الترابي ليس ضمن التجمع ووقع على الإعلان.
    ـ حتى ولو وقع الترابي فهو شخص واحد خرج من مجموعة.
    ـ أنا أتحدث عن حزبه.
    ـ وأنا مالي ومال حزبه (أي وما شأني بحزبه؟).
    ـ أنتم جزء من تياره!
    ـ هو كان جزءاً منا وخرج.. انت تتحدث عن الجزء الذي خرج من الكل وليس الكل الذي بقي وخرج منه جزء. لو كان المؤتمر الشعبي (حزب الترابي) يمثل الجزء الرئيسي في الحكومة لما كان قد تسنى الوصول الى الاتفاقية التي نتحدث عنها.
    ـ دعني أعدل السؤال: هل توافقني ان كل القوى السياسية في السودان توافقت على شيء وانتم فقط الذين...
    ـ أولاً ليس كل القوى السياسية. هنالك قوى سياسية أخرى تؤيدنا مثل الاتحادي الديمقراطي، حزب الأمة و...
    ـ تقصد المنشقين عن الحزبين الرئيسيين!
    ـ أراك تعاود الحديث عن الجزء والكل.. يا أخي هنالك فرق بين العناوين السياسة والقوى السياسية.. أنا شخصياً اختلف معك حول ان هذه القوى التي ذكرت تمثل قوى سياسية حقيقية.
    ـ هل ترى ان الصادق المهدي لا يمثل حزب الأمة، ويمثله مبارك الفاضل وان الميرغني لا يمثل الاتحادي ويمثله الشريف الهندي؟!
    ـ الصادق يمثل جزءاً من حزب الأمة كما كان (عمه) الهادي يمثل جزءاً من الحزب والصادق يمثل جزءاً آخر. هكذا الدنيا.. الصادق خرج مغاضباً لعمه الذي كان يمثل الحزب الرئيسي وانفصل منه والآن ابن عمه (مبارك الفاضل) غاضبه وخرج منه وانفصل عنه. ما المستغرب في هذا الأمر؟!
    انت تدري كيف تدور دوائر السياسة السودانية. ولكن إذا قدرت بحساب موضوعي ان الفصيل الرئيسي هو الذي يتبع للصادق فهذا تقدير يعود إليك ولك أن تقدر هذا..
    ولكن قد يقول لك آخر ان تقديرك ليس صحيحاً باعتبارات كثيرة منها خروج الشباب والعناصر الفاعلة في الحزب من فصيل الصادق. أريد أن أخلص الى ان العناوين السياسية في السودان متعددة وليست كلها على رأي واحد. والمجموعة التي تجاهر الآن مطالبة بعاصمة قومية أو قُل علمانية ـ فهم يتهربون من تسمية الأشياء بأسمائها ـ هؤلاء كانوا مجموعة سياسية واحدة هي التجمع.
    ـ حتى لو كان ما تقوله صحيحاً هذا لا يغير مما قلناه شيئاً ان هؤلاء هم ممثلو القوى الرئيسية الفاعلة في السودان باستثنائكم انتم.. أليس كذلك؟
    ـ هذه وجهة نظر شخصية لا أستطيع أن أجردك منها. أنا استطيع ان اشهر 700 عنوان سياسي في الخرطوم وأدعي اننا نمثل 90% من السودان لأننا 700 عنوان سياسي. الخلاصة ان كثرة العناوين السياسية لا تعني غلبة لتيار سياسي ما. الغلبة السياسية تحددها الانتخابات فلماذا يتهربون من الانتخابات؟
    ـ هذا مدخل جيد لطرح السؤال عن الانتخابات.. هم يرفضون الدخول فيها قبل تفكيك سلطة شمولية معروف للعيان تجاربها الانتخابية من فوز بالنسبة التسعينية الشهيرة (وإجماع سكوتي) وخلافه.. ماذا تقول؟
    ـ كيف يريدون تفكيكها؟ هل يتوقعون ان تبادر الانقاذ بالتوقيع على ورقة تقضي بحل جهاز الخدمة المدنية والعسكرية.. وتقول لهم: تفضلوا خذوا البلد؟ دعهم يوقعون!!
    ـ على الأقل يريدون أن يخوضوا انتخابات يشاركون في ترتيباتها تحت ظل أجهزة محايدة في جو ديمقراطي معافى.. ماذا يضيركم في هذا؟
    ـ يا عزيزي متفق في بروتوكول مشاكوس انه سيتم انشاء مفوضية جديدة لانتخابات متفق عليها، سينشأ قانون جديد للانتخابات متفق عليه وستكون هنالك رقابة محلية وإقليمية ودولية على الانتخابات.. فليطالبوا بأي شيء منطقي يضمن نزاهة الانتخابات فسيجدوننا مستعدين. أما ان يتوقعوا ان تقرر الانقاذ أولاً حل الخدمة المدنية والشرطة وغيرها فهذا حلم!
    ـ أليس في اتفاق مشاكوس ما يشير الى إصلاح الخدمة المدنية كأن يتم تطعيم المراكز العليا على الأقل من صفوف القوى السياسية الأخرى؟
    ـ إطلاقاً ليس هنالك ما يشير الى ذلك ولن يحدث. لا يمكن لأحد ان يقرر باتفاق سياسي ان يتم فصل كوادر بعينها لتعيين بديل عنها. لن يحدث هذا أبداً. هنالك اتفاق حول اقامة مفوضية للخدمة العامة وهي معنية بالنظر في المعايير والأسس العامة التي تضمن النزاهة في الاختيار للوظائف وليست معنية بتصنيف الناس حسب اتجاهاتهم السياسية.
    ـ تتحدثون وكأنكم أصحاب الشأن الشرعيون للبت فيما ينبغي وما لا ينبغي.. هل نسيتم ان انتخابات مشهود لها بنزاهتها تمت في السودان وكانت حصيلة التيار الحاكم الآن فيها، حتى قبل الانقسام، 5% فقط من أصوات الشعب السوداني؟
    ـ من أين لك بهذه الاحصائية؟ من قال ذلك؟ ثم كم كانت نسبة الاصوات التي حصل عليها حزب الامة؟ لقد حققت الجبهة الاسلامية في تلك الانتخابات التي تتحدث عنها 58 مقعداً وحزب الأمة 102 مقعد والاتحادي...
    ـ انا اتحدث عن نسبة الاصوات وليس عن عدد المقاعد ومعروف ان الجبهة حصلت على اغلب مقاعدها باصوات بسيطة في دوائر الخريجين، وحتى بإفتراض عدد المقاعد، كانت الجبهة هي الكتلة الثالثة فما الذي يعطيها الحق للحكم؟
    ـ يا صديقي الارقام محصورة وموجودة وموثقة ويمكنك الرجوع اليها.. وانا شخصيا آنذاك كنت اعمل في معهد متخصص قام بنشر كتيب عن احصاءات ومدلولات نتائج الانتخابات يمكنك الرجوع اليه.
    ثم ان السلطة الحاكمة الان ليست الجبهة الاسلامية.. هي تحالف جديد انشأه الوضع الجديد، وعلى كل فان الامتحان الوحيد هو ان تجري انتخابات جديدة. ويرضى بها الجميع.
    ـ أصبحنا نكرر ما نقول ... الانتخابات الجديدة تحتاج القوى السياسية لخوضها الى ما يطمئن حيال نزاهتها؟
    ـ إذن ستظل هذه القوى غير مطمئنة حتى نهاية عمرها. اذا رفضت العرض المقدم بانشاء مفوضية انتخابات جديدة وقانون جديد ورقابة كافية.. ماذا يريدون اكثر من ذلك؟ وأين تجد في العالم أكثر من هذا؟ اذا لم يطمئنوا بكل هذا فهذا شأنهم، هل يريدوننا ان نحكم على انفسنا بالانعزال من الحياة السياسية حتى يطمئنوا؟ هيا تفضلوا!!
    ـ ماذا يقول الوسطاء في هذا الجانب؟
    ـ ليس هنالك وسط أو مراقب سيقبل هذا المنطق وليس هنالك اي تعاطف مع فكرة تأجيل الانتخابات. وغريب جدا ان تنادي السلطة الحاكمة بالانتخابات وترفضها القوى المعارضة لها.. لكن يبدو ان السبب ليس عدم الاطمئنان على النزاهة بل هم غير مطمئنين على امكانية كسب اصوات الشعب ويعتقدون انه كلما طالت المدة كلما كان لديهم الفرصة لتعويض ما فاتهم باعتبار ان السلطة انفردت بالساحة وكونت قاعدة جماهيرية عبر اتصالها بالشعب طوال سنوات الحكم ولديها امكانيات اكبر للحشد والتحرك.
    ـ أليس هذا منطقاً مقبولاً؟
    ـ نحن نقبل بحجة ضيق الوقت لترتيب الأوضاع وتنظيم الصفوف.. لكن كم يحتاجون لفعل ذلك؟ ألا يكفيهم عام كامل؟ فلنعطهم فرصة سنة ونصف السنة أو حتى سنتين. أي فترة انتقالية في العالم لم تزد مدتها عن سنة ونصف السنة. وفي اي مكان في العالم المعارضة هي التي تستعجل الانتخابات لا السلطة الحاكمة.
    المذهل ان الحركة طالبت بإجراء الانتخابات بعد ست سنوات.. هذا عبث.. كيف تتكلم عن المباديء واهمية التحول الديمقراطي ثم تعطل الانتخابات وهي الالية الوحيدة للتحقق من الخيار الديمقراطي، لمدة ست سنوات. كيف يستقيم هذا؟
    عندما طالبوا بتأجيل الانتخابات قلنا لهم دعونا نؤجل النقاش التفصيلي في الموضوع ونتفق فقط على ان تجري الانتخابات في النصف الاول من الفترة الانتقالية ونناقش فيما بعد حول المواعيد وحول هل تكون بعد سنة او سنة ونصف أو ثلاث سنوات.
    ـ لقد قبلوا باجراء الانتخابات في النصف الأول من الفترة الانتقالية حسب معلوماتي اليس كذلك؟
    ـ لا بل رفضوا ان يوقعوا على اتفاق كهذا، وافقوا في باديء الأمر ثم عندما جئنا للتوقيع رفضوا.
    أجرى الحوار: محمد خليل كاره

                  

07-23-2003, 08:00 AM

awadnasa

تاريخ التسجيل: 01-10-2003
مجموع المشاركات: 206

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: امين حسن عمر ..يغالط نفسه (Re: الكيك)

    لاحظ هذه المغالطة:
    انشقاق الترابي يسميه جزء من الكل اما انشقاق مبارك الفاضل والهندئ فهما الكل من الكل



    الترابي كان جزءاً منا وخرج.. انت تتحدث عن الجزء الذي خرج من الكل وليس الكل الذي بقي وخرج منه جزء. لو كان المؤتمر الشعبي (حزب الترابي) يمثل الجزء الرئيسي في الحكومة لما كان قد تسنى الوصول الى الاتفاقية التي نتحدث عنها.
    ..........


    ـ أولاً ليس كل القوى السياسية. هنالك قوى سياسية أخرى تؤيدنا مثل الاتحادي الديمقراطي، حزب الأمة و...
    ـ تقصد المنشقين عن الحزبين الرئيسيين!


    ـ أراك تعاود الحديث عن الجزء والكل.. يا أخي هنالك فرق بين العناوين السياسة والقوى السياسية.. أنا شخصياً اختلف معك حول ان هذه القوى التي ذكرت تمثل قوى سياسية حقيقية.

    ـ هل ترى ان الصادق المهدي لا يمثل حزب الأمة، ويمثله مبارك الفاضل وان الميرغني لا يمثل الاتحادي ويمثله الشريف الهندي؟!

    ـ الصادق يمثل جزءاً من حزب الأمة كما كان (عمه) الهادي يمثل جزءاً من الحزب والصادق يمثل جزءاً آخر. هكذا الدنيا.. الصادق خرج مغاضباً لعمه الذي كان يمثل الحزب الرئيسي وانفصل منه والآن ابن عمه (مبارك الفاضل) غاضبه وخرج منه وانفصل عنه. ما المستغرب في هذا الأمر؟!
                  

07-24-2003, 01:44 PM

Abd-Elrhman sorkati
<aAbd-Elrhman sorkati
تاريخ التسجيل: 02-21-2003
مجموع المشاركات: 1576

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: امين حسن عمر ..يغالط نفسه (Re: الكيك)

    أخي الكيك000سلام

    وينك يارجل 0000

    عندما قرأت هذا اللقاء يوم الاربعاء بجريدة البيان

    أحسست أنه لابد من انك ستكتب عنه وها انت الان فعلت

    شكرا حبيبنا000 ولكن ماذا تنتظر 000من هؤلا00000000

    مثل هذا اللقاء يعري حتي من ورقة التوت التي حاولوا

    أن يوضعوها000000والشكر للاستاذ محمد خليل كاره المحاور

    الفذ000والمتمكن من أدواته0000فقد عبر عنا 000 ويبدوا أنه

    واثق من أدواته 0000000

    عزيزي الكيك 0000 ما بني علي باطل فهو باطل00000
                  

07-26-2003, 06:37 AM

الكيك
<aالكيك
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 21172

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: امين حسن عمر ..يغالط نفسه (Re: الكيك)



































    آخر تحديث الساعة 01:04 بتوقيت الإمارات السبت 26 يوليو 2003

    بحث متقدم



    الدكتور أمين حسن عمر عضو الوفد الحكومي السوداني لـ «البيان»:2 ـ 2
    لا مجال لتخريجة فقهية حول العاصمة أسوة بفتوى القرض الربوي لسد مروي



    كان من المفترض ان ينشر هذا الحوار عشية انطلاق جولة المفاوضات الاخيرة بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية التي وصلت الى طريق مسدود منتصف هذا الشهر بعد ان طرحت سكرتارية «ايغاد» مقترحات مقدمة كأساس للنقاش سارعت الحركة للقبول بها ورفض الوفد الحكومي حتى مجرد النظر فيها.


    ولظروف متداخلة مرتبطة بجوانب فنية تحكم اولويات النشر تأخر موعد نشر الحوار حتى بدأت جولة التفاوض وانتهت «فجأة» بالفشل، غير ان الحوار لم يفقد صلاحيته بل ان تأجيل النشر اضفى «لحسن الصدف» اهمية اكبر لمحتوى الحوار الذي ينشر على اعتاب انطلاق الجولة التالية التي تشد الان انظار كل اهل السودان ومتابعي شئونه.


    والحق انني منذ حين ظللت أتحين الفرصة لأدير حواراً مع الدكتور امين حسن عمر، حتى اتت الفرصة «تجرجر اذيالها» عندما أخبرني صديقي العبيد أحمد مروح الملحق الإعلامي بالقنصلية السودانية، بزيارة خاطفة سيقوم بها إلى دبي نفر من الوفد الحكومي المفاوض، بينهم الدكتور عمر فألححت عليه ان يدبر أمر إجراء حوار معه.. وقد كان..


    ولا يشغل الدكتور عمر الان منصباً وزارياً في الحكومة السودانية فهو بالكاد رئيس الهيئة القومية للاذاعة والتلفزيون، لكن يبدو ان النفوذ السياسي للرجل يفوق بكثير منصبه الوظيفي الرسمي.


    وتكفي للدلالة على ذلك الاشارة الى انه كان مستشاراً للرئيس عمر البشير وظل عضوا ثابتاً في الوفد الحكومي في اغلب جولات التفاوض مع الحركة الشعبية منذ عام 1993م فضلا عن عضويته في المكتب القيادي للحزب الحاكم.


    والدكتور عمر «الذي حاز على هذا اللقب حديثاً» انخرط عضوا فاعلا في الحركة الاسلامية منذ بواكير شبابه «ويقال انه كان شيوعيا في مرحلة ما» وبات لاحقا أحد منظري هذه الحركة وواضعي استراتيجياتها، ما يتيح له بالتالي الالمام بخفايا سياسة حكومة الانقاذ ازاء كافة القضايا وخصوصاً في قضية السلام.


    واستنطاق رجل بهذا الوزن الثقيل في دائرة السلطة الحاكمة في الخرطوم من شأنه ان يتيح لمتابعي الشأن السوداني اشارات مهمة في رصد سلوك هذه الحكومة ورسم آفاق المستقبل السياسي لهذا البلد.


    واشهد ان الرجل، كما تخيلت، يتمتع بقدر عال من الدهاء السياسي، ووضوح التفكير وملكة التعبير وقد ظهر كل ذلك جلياً في مقاطع الحوار الذي لم يخل من منحنيات حادة تبادلنا عندها الصراخ والمقاطعة حتى انه بادر الى تذكيري بانني احاور صحافياً ما دفعني الى الرد بتذكيره باننا اتفقنا في البدء على «مواجهة» صريحة.


    وعلى كل فإن محاورنا لم يبخل خلال الحوار بشيء، واشهد انه كان صريحاً، رحب الصدر، وان كان يلجأ احياناً الى تقمص دور المحاور فيمطرني بأسئلة لم اكن لاتردد في استثمارها.. فضلا عن انه كان يستكمل احيانا اجاباته باشارات من يديه او ضحكة او ابتسامة ماكرة وهذه «لازمة» عُرف بها «أستاذه» الزعيم الإسلامي الدكتور حسن الترابي العقل المدبر للانقلاب الذي أتى بالسلطة الحالية إلى سدة الحكم، إلا ان الدكتور عمر زاد عليها استخدامه المتكرر للتعابير الانجليزية.


    وفيما يلي نص الجزء الثاني من الحوار:


    ـ قلت ان الحركة رفضت التوقيع على اتفاق باجراء الانتخابات في النصف الاول من الفترة الانتقالية.. لكن وردت فقرة بهذا المعنى في «اعلان الخرطوم»..


    ـ اعلان الخرطوم صادر عن المجموعات الاخرى وليست من الحركة الشعبية.. وبهذه المناسبة دعني اعلق على «اعلان الخرطوم» هذا بالقول: البعض للاسف ينسى ما يرد في النصوص..


    لو اطلعت على نص بروتوكول ماشاكوس وقارنته باعلان الخرطوم ستكتشف ان كل القضايا الواردة في الاعلان منقولة عن البروتوكول ماعدا موضوع العاصمة. هي القضايا نفسها المتفق عليها.. فما الداعي لضجة مثل هذه حول مواضيع سبق أن اتفقنا عليها ومقبلين على اعلانها في اتفاقية باشراف دولي؟


    اعلان الخرطوم لم يأت بجديد مختلف عما ورد في بروتوكول ماشاكوس.


    ـ وماذا عن «اعلان القاهرة»؟


    ـ هذا ايضا لم يحمل جديدا سوى مسألة العاصمة. كل شيء فيه متفق عليه. اذا تم سحب عبارة «عاصمة قومية وجاذبة» نحن مستعدون للتوقيع على هذا الاعلان. هذه الضجة الهدف منها مساندة مطلب الحركة بعاصمة علمانية. وهذا لن يكون ابدا لانه يخالف ما اتفقنا عليه واذا حدث تراجع عما اتفقنا عليه مرة فيمكن ان يحدث مرتين وثلاثة وتكر السبحة.


    ـ ما الذي يجعلكم تصرون على عاصمة بقوانين دينية؟ ما المشكلة لو اصبحت قومية كما تطالب الحركة والقوى السياسية الاخرى؟


    ـ ماذا تقصد بعاصمة قومية؟


    ـ اقصد عاصمة مفتوحة بقوانين لا دينية مثلها مثل كل العواصم العربية تقريبا، القاهرة، تونس، الرباط، عمان، بيروت، الى آخره.


    ـ وما الذي يمنع من تطبيق قوانين الشريعة في عاصمتنا؟


    ـ يتخوف غير المسلمين من ان تغمط حقوقهم.


    ـ هذه فرضية وليست حقيقة. ومن قال ان العلمانية لا تغمط المسلمين حقوقهم. لا بل لماذا تمنع المسلمين من حق الاعتقاد بالاوامر الربانية، مثلا ان الله يأمرنا الا نتعامل بالربا لماذا تفرض علينا التعامل بالنظام المصرفي الربوي؟


    ـ هذا اعتقادك انت في شأن حياتي مفتوح للاجتهاد. هنالك علماء يجيزون مسألة الفائدة المصرفية او على الاقل يطالبون باعادة النظر في حرمتها.


    ـ لم اسمع من قال بذلك.


    ـ هذا شأنك ولكن هنالك اجتهادات كثيرة في هذا المجال ليس هذا مجال تفصيلها..


    ـ قل هنالك «خروجات» كثيرة عن الدين اما ان تشكك في حرمة الربا المنصوص عليها بنص صريح في القرآن فهذا امر ينبغي الا نخوض فيه ودعنا من هذا المجال.


    ـ الخطير في الامر انكم تريدون ان تطبقوا على الناس فهماً معيناً للدين يخصكم انتم رغم ان للكثير من المسلمين غيركم فهماً اخر واجتهاداً لتطوير الفقه يحرض عليه حتى الدكتور حسن الترابي.


    ـ اذا كان فهمنا للدين غير صحيح فان ذلك يقرره الشعب السوداني ويعبر عن عدم رضائه باسقاطنا في الانتخابات. اذن فلنتحاكم الى الشعب الذي لديه فهم صحيح للدين. ولكن لا نريد ان نفرض على الشعب باتفاقية لا تعدل الا بأصوات 75% من النواب، ان تكون العاصمة علمانية.


    ـ كل من خاضوا في جدل العاصمة لم يذكروا كلمة علمانية باستثناء الحكومة فقد تحدثوا عن عاصمة قومية، ثم الا يستحق حقن دماء السودانيين ان تبحثوا عن مخرج من هذا المأزق بتفسير ايسر للنصوص الدينية؟


    ـ اذا كان هنالك تفسير ايسر فلا نمانع ولكن لا وجود له.


    ـ ألم تجنحوا الى ذلك في اعتمادكم على «فقه الضرورة» لتمرير قرار القرض الربوي لتمويل سد مروي؟


    ـ يا أخى الافضل لك ان تتجنب الدخول معي في هذه التفاصيل الفقهية لان المجال لا يتسع لشرحها.


    ـ انا اطرح اسئلة في ذهن القاريء فأرجو الا تنزعج ويمكنك الامتناع عن الاجابة عنها. أعيد طرح السؤال عن امكانية ايجاد «تخريجة» فقهية بشأن العاصمة اسوة بما حدث في اقرار تمويل سد مروي.


    ـ التخريجات المفتعلة نحن لا نوافق عليها ودعنا نخرج من مجال الجدل الفقهي لان ليس هذا موضعه وأنا شخصياً من المهتمين بهذا الشأن وتعلم انني اقدم برنامجاً تلفزيونياً متخصصاً هو «المنتدى الفقهي».. ثم دعني أسألك لماذا لا نحتكم الى رأي الشعب؟


    ـ دعني ارد اليك السؤال: هل تقبلون باستفتاء شعبي عن وضع العاصمة؟


    ـ لن نقبل باستفتاء الآن. هذه الاتفاقية ينبغي ان تمضي كما اتفقنا عليها لان الاتفاق سبق وانجز وفيما بعد لو رغب مجلس الخرطوم التشريعي او مجلس العاصمة ان يلغي الشريعة فلا شيء يمنعه اذا تجرأ على اتخاذ هذه الخطوة.. واذا كانت هذه الاحزاب تريد ان تتبنى الغاء الشريعة في برنامجها الانتخابي بالعاصمة فلها ذلك.


    ـ ليس بالضرورة ان يرد في برنامجها الانتخابي الغاء الشريعة فقط لانكم ترون ان اي تفسير اخر مخالف لفهمكم يعني الغاء الشريعة.. يمكن ان يرتكز برنامجهم على عاصمة قومية تتساوى فيها الاديان ويطرحوا ما يسند ذلك من التفاسير الفقهية.


    ـ حينذاك سننظر في تفسيرهم ثم نقبله او نرفضه سنرى ما اذا كان تفسيرهم سيتوافق مع ما نعتقد، لان التفسيرات متعددة ومن المؤكد ان تفسير الصادق لا يتوافق مع تفسير محمد ابراهيم نقد مثلاً. هم مختلفون يتحدثون بلغة مختلفة ولكنهم يوقعون على ورقة واحدة فيها عبارة غامضة، لكن عندما تتحدث مع كل طرف يعطيك كل منهم تفسيراً مختلفاً. وعلى العموم نحن نقبل بكل شيء يقوله الدين.


    ـ وماذا عن حجة الجنوبيين ومخاوفهم من الا يحصلوا في العاصمة على حقوقهم؟


    ـ الجنوبيون موجودون الان في العاصمة ويحصلون على حقوقهم كاملة في ظل الشريعة المطبقة. هنالك مليون و800 الف جنوبي في العاصمة ولم يشتكوا من غمط لحقوقهم، بينهم ولاة ومن كانوا في صفوف التمرد.


    ثم ما الذي يمكن ان يضايقهم تحديداً في العاصمة؟ اذا طرحوا شيئاً نخضعه للمناقشة ونجد له حلا. اذا اشتكوا مثلا من انهم من حقهم شرب الخمر بما ان دينهم او عاداتهم لا تمنعهم فليشربوا.. واذا طالبوا بأن نسهل لهم الحصول عليه فلن نفعل وانما سنطلب منهم ان يساعدوا انفسهم.


    ـ فإذا قال احدهم ان من حقي ان أسهل على بني ملتي فأوفر الخمور وأبيعها لهم.. ماذا سيكون الموقف؟


    ـ اذا وجد من يبيع للمسيحيين او غير المسلمين فلن يسأله احد.. وهذا هو الأمر الذي يحدث الآن في الخرطوم.. فهم يتعاطونها بيعاً وشراء في حفلات الاستقبال التي تقيمها السفارات وفي انديتهم ومنتدياتهم ولا احد يسألهم.


    ـ طرحت سؤالاً وتجاوزته دون ان اسمع منك اجابة محددة.. دعني اعيده: ما الذي يمنع ان تكون العاصمة السودانية مثلها مثل أية عاصمة عربية اخرى؟


    ـ لان السودان ليس كأي دولة عربية اخرى بعد ان طبق الشريعة الاسلامية.. الخرطوم الان مثل الرياض وهذه عاصمة عربية ومثل طهران وهي عاصمة اسلامية، نحن نريد ان تظل كذلك.


    ـ الرياض عاصمة لدولة خالية تقريباً من المواطنين غير المسلمين فلماذا لا تكون الخرطوم مثل العواصم العربية الاخرى؟


    ـ لا نحن لا نريد ذلك نريدها مثل الرياض.


    ـ من «نحن» هؤلاء الذين لا يريدون ذلك « مين انتو»؟


    ـ اذا اختلفنا نحن السودانيين وتباينت الآراء فلنحتكم للشعب.. يا اخي كل الناس تعلم ان هذا هو خيار غالبية الشعب السوداني والا لما كانت هذه الاحزاب رفعت الشعارات الاسلامية مثل «الصحوة الاسلامية» التي ينادي بها الامة و«الجمهورية الاسلامية» التي ينادي بها الاتحادي الديمقراطي.


    هذه الشعارات ـ سواء كانت صادقة او كاذبة ـ ترفع لانها تمثل خيار الشعب. ومن يناطح في هذا فليحتكم الى الشعب. بعد ان تنجز اتفاقية السلام وتجرأت هذه الاحزاب الكبيرة للمطالبة بإجراء استفتاء على الشريعة فنحن مستعدون. ونحن نتحداهم. لن يتجرأوا على ذلك فليخرج الصادق او الميرغني او غيره الى الجماهير ويطالب بعرض الشريعة للاستفتاء.


    ـ اذن ما هو المخرج من جدل العاصمة؟


    ـ هذه قضية مفتعلة ولا نحتاج ان ندخل فيها حتى نخرج منها.


    ـ الا يمثل اقامة العاصمة في الجنوب مخرجاً؟ هل طرح هذا الخيار؟


    ـ نحن لا نمانع ان تقام العاصمة في الجنوب لا نمانع اطلاقاً جزئياً او كلياً.. لكن السؤال: هل هم موافقون؟


    ـ طالما انتم موافقون ما الذي يمنع؟


    ـ هذا السؤال يوجه اليهم.. اذا هم موافقون فلنشرع فوراً في الترتيبات واذا كانوا رافضين فاسألهم لماذا ووافينا بالاجابة!!


    ـ اعتقد ان الحوار اوفى قضية العاصمة حقها، فلننتقل الى قضية تقسيم الثروة.. الى اين وصلتم بشأن هذا الملف؟


    ـ لا استطيع ان اعلن اننا اتفقنا تماماً حول هذه القضية، لكننا على وشك انجاز ذلك. فقد جاء خبراء من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي باطار معقول يقضي بتوزيع الثروة حسب الاحتياجات الفعلية للولايات المختلفة وبحسب الاحتياج الفعلي لاعادة الاعمار في الجنوب وفي المناطق المتأثرة بالحرب على ان يوازن هذا الاحتياج مع الامكان وان يوازن مع قضية اخرى هي ان يمكن كل مستوى من مستويات الحكم من الموارد التي تتيح لها تنفيذ مسئولياتها.


    ـ اذن اين الخلاف؟


    ـ الاطار الكلي متفق عليه لكن الخلاف في قضايا تطرحها الحركة وهي غير مقبولة من جانبنا ومن جانب المراقبين مثل المطالبة بأن يكون للجنوب مصرف مركزي.. وقد قيل لهم ليس هنالك في الدنيا مصرفان مركزيان في بلد واحد، فقد سمى مركزياً لانه واحد يتبع للمركز.


    كما تطالب الحركة بعملة خاصة للجنوب وابلغوا باستحالة ذلك لان العملة هي الاوراق المالية التي يصدرها هذا البنك الواحد المسمى «مركزي». هذه اطروحات تتمسك بها الحركة حتى الان ولكنها غير مقبولة.


    ـ هنالك حديث عن صندوق لايرادات النفط ما حقيقة ذلك؟


    ـ لا هذا غير مطروح. المطروح الان ان تقسم ما يعطى للولايات لتسيير الاعمال وفي هذا الشأن تم الاتفاق على ان يعطى الجنوب متوسط الولايات الشمالية لا يزيد ولا ينقص.


    وفيما يخص اعادة البناء او الاعمار تم الاتفاق على تعريف العملية نفسها وما هو المعيار الذي يحتاج اليه الجنوب حتى يكون في مستوى الشمال على ان يتم الاتفاق على تكلفته ويخصص على سنوات وكيف تدفع هذه التكلفة اي ان الاطار الموضوعي تم الاتفاق حوله، اما التفاصيل فمتروكة لجولة ستعقد في واشنطن في خواتيم هذا الشهر.


    ـ عودة الى بند تقسيم السلطة.. هل يشمل هذا التقسيم مستويات اخرى غير الرئاسة؟


    ـ هنالك حديث عن تمثيل الجنوب عامة على المستويات الاتحادية مثل المجلس الوطني والولايات والى اخره.. هذه قضية خلافية ولكن...


    ـ اين يكمن الخلاف.. ماذا يريدون وبماذا تردون؟


    ـ هم يطالبون كعادتهم باشياء غير منطقية.


    ـ مثل ماذا؟


    ـ يطالبون بتمثيل الجنوب بـ 40% في المجلس الوطني مع ان نسبة الجنوب اقل من ذلك بكثير بمعيار «لكل رجل واحد صوت واحد». فاذا اعطيت اقليماً ما وزناً اكثر من وزنه الحقيقي فإن ذلك لا يمت الى الديمقراطية بصلة. نحن موقفنا ان يعطى الجنوب نسبة تعادل نسبة السكان. هم يطرحون ادعاءات بشأن عدد السكان.


    ـ اليس من المناسب ان يتم حسم ذلك عبر اجراء تعداد سكاني؟


    ـ بالفعل تم الاتفاق على اجراء التعداد قبل الانتخابات وبناء على نتائجه توضح النسب. اما قبل ذلك يمكن ان تعطى نسبة للجنوب قد تكون اكثر قليلا من النسبة التي نقدرها حتى يجرى التعداد.


    ـ ما هذه النسبة التي تطرحونها انتم؟


    ـ نحن طرحنا تقديرنا على اساس نسبة السكان وهي 26% وهي نسبة مستقرة. فقد اجرى تعداد عام 1955م وكان نسبة سكان الجنوب 26% وفي اخر تعداد كان نسبة الجنوب 19% مع الوضع في الاعتبار ان ذلك يتعلق بالاقليم الجنوبي وان هنالك اعداداً من الجنوبيين في الشمال. يتضح من ذلك ان نسبة سكان الجنوب على وجه العموم لم تتجاوز النسب التي ذكرناها.


    علاوة الى انهم يقولون بحدوث عمليات ابادة وان الحرب قتل فيها اكثر من مليوني شخص، ما يعني ان النسبة لابد ان تكون قد انخفضت. وعلى كل حال فان الامر مرتبط بالتعداد وهذه النقطة ايضا ليست مستعصية على الحل، وسنجد حلا خصوصا وان الوسطاء يعلمون ان نسبة الـ 40% التي تطالب بها الحركة ليست منطقية ويناشدون الحكومة ان تكون اكثر اريحية وقد يأتون بحل وسط من طرفهم.


    من كل هذا يتضح ان كل القضايا المطروحة حتى الان قابلة للحل ما لم تقحم الحركة عمداً قضايا اخرى.


    ـ تحمل الجملة الاخيرة تلميحاً بالشك في جدية الحركة ازاء تحقيق السلام.. هل ترونها فعلا غير جادة؟


    ـ انا لا استطيع ان اقول ان الحركة غير جادة، لانني اذا قلت هذا بهذه الحدة فذلك يعني ان الحكومة بدورها غير جادة لانها منخرطة في مفاوضات مع طرف تعلم انه غير جاد. ولكن هنالك حالة ارتباك في تحديد موقف الحركة بسبب خطابها الاعلامي على وجه الخصوص اذ ان هذا الخطاب يثير الارتباك، اما قضايا تفاوضية كان ينبغي الاحتفاظ بها في قاعة المفاوضات او قضايا مقحمة اقحاماً على مسار التفاوض مثل قضية العاصمة.


    لكن هذا لا يعني بالضرورة ان الحركة غير مستعدة للسلام، واظن ان تياراً قوياً داخلها حريص جدا على التوصل لاتفاق السلام ومن الصعب جدا على الحركة ان تتخذ قراراً بالانسحاب من العملية السلمية او تعيقها بصورة تجعل قطاعات داخل الحركة تلقي باللائمة على قيادتها.


    واجمالا فان اتخاذ قرار بالانسحاب صعب جدا على الحركة خاصة وان آمال السلام اصبحت طاغية في الجنوب عامة وفي اوساط مجموعات مقدرة جدا داخل الحركة ترى ضرورة الوصول صفقة عادلة لاحلال السلام وان الوقت مناسب للتوصل الى هذه الصفقة.


    وهنالك ايضا دفع اقليمي ودولي قوي في اتجاه السلام. وبالتالي من الصعب جدا ان تقول ان احتمالات الفشل اكبر من احتمالات السلام. وواضح ان احتمالات تحقيق السلام اكبر من احتمالات الفشل، ورغم ذلك لا نستطيع ايضا ان نقول ان احتمالات الفشل غير واردة.


    ـ وماذا عن الأوضاع في اوساط الحكومة في هذا الجانب؟


    ـ الحكومة ايضا تواجه ضغوطاً من الداخل حتى لا تتعثر وهناك ايضا تيارات كثيرة ومجموعات كبيرة داخل الحكومة تريد السلام.


    ـ وهل هناك تيارات او مجموعات داخل الحكومة لا تريد السلام او بالاحرى ليست راضية عن مسار المفاوضات؟


    ـ لا يوجد داخل الحكومة من لا يريد السلام ولكن بطبيعة الحال اي جماعة او جهة تخوض مفاوضات تكون فيها توجهات متنوعة، هنالك البعض متشككون وحذرون اكثر من اللازم وهنالك البعض الذي يكون قلقاً، وهنالك اخرون منفتحون اكثر من اللازم وهنالك المعتدلون.. وهكذا.. وهذا وضع طبيعي.


    ـ اين تصنف نفسك بين هؤلاء؟


    ـ يمكنك ان توجه هذا السؤال للطرف الذي يفاوضنا. بالطبع هم لهم تصنيفات مثلما لنا تصنيفات.


    ـ يتردد ان هنالك تياراً قوياً جداً داخل الحكومة ضد ما يجري من اساسه هل هذا صحيح؟


    ـ هذا غير صحيح.. ودعني اكفيك عناء السؤال واقول لك ان اكثر من يشار اليه فيما يتردد هو الاخ علي عثمان (النائب الأول لرئيس الجمهورية).


    ـ بالفعل كنت على وشك ان اسأل عن موقفه بالتحديد.


    ـ الحقيقة ان الاخ علي عثمان يمكن تصنيفه من الحمائم جدا.. نعم من الحمائم جدا. ربما لو ذكرت اسماء اخرى نستطيع ان نوضح مواقفهم. اما علي عثمان فيتسم بمرونة دفعتنا نحن باتهامه بأنه لا يتحلى بحذر كبير في دفعه للسلام بقوة بعكس ما يقال عنه. أي ان اتهامنا الباطل له اشد خلافاً ونقيض للاتهام الذي يتردد حوله.


    وصحيح ان هنالك شخصيات سياسية بطبعها الحذر في هذا الطرف او ذاك. والطريف في الامر ان الشخصيات التي كانت اكثر تشدداً داخل الحركة اصبحت بعد بروتوكول ماشاكوس اكثر ليناً وشخصيات اخرى كانت معتدلة اصبحت متشددة اكثر!!


    ـ هذا يقودني الى السؤال عن اجواء المفاوضات وما يدور في كواليسه وخارج القاعة فيما يخص العلاقات الانسانية بين المتفاوضين.


    ـ العلاقات على المستوى الشخصي طبيعية وودية بالطبع لاننا في نهاية الامر بشر وسودانيون وظللنا نتلاقى سنوات طويلة ولا يمكن ان تكون العلاقات غير طبيعية الا اذا كنا شخصيات غريبة.


    العلاقات بالفعل طبيعية وودية واحياناً مدهشة للمراقبين الذين يستغربون من ان هؤلاء الذين امامهم يتعاملون ببساطة وتلقائية وحميمية، هم اطراف القتال.


    ـ هل سادت هذه الروح والعلاقات السلسة منذ البداية ام تدرجت؟


    ـ كلما مضى الوقت كلما ازدادت العلاقات سلاسة وحميمية من خلال المشاركة في الغذاء والجلوس على مائدة طعام واحدة وتبادل المجاملات العادية ولا تنسى ان كل هذا يتكرر منذ سنوات، فعلى سبيل المثال انا شاركت في المفاوضات لاول مرة في ابوجا عام 93م وانخرطت بصورة منتظمة في المفاوضات منذ اكتوبر عام 98م. وطيلة هذه المدة ظلت غالبية اعضاء وفدي التفاوض من الطرفين هم ذات الاشخاص ولذلك لابد ان تنشأ علاقات طبيعية بينهم.


    اضف الى ذلك ان البعض من الطرفين تربطهم علاقات قديمة، فعلى سبيل المثال الاخ سيد الخطيب «الناطق الرسمي باسم الوفد الحكومي» ودينق الور درسا في مدرسة ثانوية واحدة وكانت بينهما صداقة، حتى ان الور كان يسأل عن الخطيب اذا تغيب بسبب ما!!


    اريد ان اخلص الى ان العلاقات طبيعية وهذا هو الامر الطبيعي اليس كذلك؟


    ـ لا.. ليس كذلك انا ارى العكس كيف تكون العلاقات طبيعية بين اناس بينهم بحور من الدم والدمار والخراب ويأتون هكذا ليأكلوا ويشربوا معا ويتبادلوا القفشات الا اذا كانوا يتعاركون في امر عبثي؟ الا تدور في أذهانكم وأذهانهم صور القتلى او الشهداء وايتامهم واراملهم الثكالى وأنتم تتواصلون بود؟


    ـ العزاء في اننا نلتقي على صعيد محاولة البحث عن حل المشكلة التي ادت الى كل ذلك وحتى لا يقع مزيد من المآسي.. ولا نتلقى على صعيد حسمها هنا بالقوة، ربما لو التقينا في الغابة يكون الامر مختلفاً!!


    ـ ذكرت قبل قليل انك منغمس في هذه المفاوضات منذ وقت طويل.. واسمح بسؤال ربما يكون محرجاً بعض الشيء وترددت كثيرا قبل طرحه لكني استصوبت المجازفة فاستميحك العذر مسبقاً وارجو الا تعتبره استفزازاً.. السؤال هو: من انت او حتى غيرك من اعضاء الوفد حتى تكونوا من يقرروا مصير السودان؟ كيف تم اختياركم؟ لماذا انت؟ لماذا سيد الخطيب؟ هل انتم افضل من في السودان لتقرروا مصيره؟ اقصد ما هي معايير الحكومة في اختيار اعضاء الوفد المفاوض؟


    ـ هنالك اشخاص هم الذين يتخذون القرار في اي قضية، مثلا يختارون الدبلوماسيين ويسمون فلاناً او علاناً ليذهب سفيرا للسودان الى المكان الفلاني، طبقاً لشروط وتقديرات يقدرونها.. وانا على سبيل المثال او سيد او غيرنا، تنقلنا طيلة المفاوضات من مواقع مختلفة، بمعنى انه لم يكن هذا التمثيل تمثيلا للموقع الذي يشغله الشخص، بل هو محاولة لاختيار شخص يعتقد من يختارونه انه يمكن ان يعبر عن الموقف المراد التعبير عنه.


    نحن «اعضاء الوفد» لا نصنع مواقف الحكومة، نحن مهمتنا ان نعرضها وندافع عنها، ولذلك يتم الاختيار على هذا المعيار.


    ـ ولكننا كثيرا ما نسمع من الحكومة انها اعطت وفدها المفاوض كامل الصلاحيات للتفاوض؟


    ـ اعطاء كامل الصلاحيات لا يعني ان بامكان الوفد المفاوض ان يصطنع المواقف. والعملية التفاوضية فيها مساحة حركة واسعة ولا يمكن للحكومة ان تقيد المفاوض في الحركة، ولكنها تقول له: مهما تحركت فوراءك خط احمر غير مسموح لك بتجاوزه. مثلما ان لاعب كرة القدم مثلا لديه كامل الصلاحيات في ان يتحرك في كل مساحة الملعب ولكن ليس مسموحاً له ان يخرج بالكرة الى خارج الميدان.


    ـ معنى ذلك انكم تضطرون للرجوع للمراجع العليا في الخرطوم اثناء التفاوض؟


    ـ اثناء التفاوض لا نراجع القيادة لكن قبل التفاوض تعقد اجتماعات وتناقش الخيارات واحيانا اذا عرضت افكار مفاجئة لنا نرسل الى القيادة المعنية بالعروض الجديدة مقرونة بآرائنا ونطلب الرأي الاخير. وفي كل الحالات النادرة جدا التي قررنا ان نرفعها الى المراجع العليا كان الرد يأتي بأن الموقف الذي رأيناه صحيح.


    ـ اعود الى سؤال يطرح كثيرا في منتديات السياسة السودانية.. الم يكن من الافضل ان ترتضوا باتفاق الميرغني قرنق في اواخر الثمانينيات بدلا من هذه «الشحططة» اذ كان خالياً من كل هذه التعقيدات مثل تقرير المصير والوسطاء والعاصمة.. وغيرها. هل كنتم تحتاجون لتدبير انقلاب عسكري لتخلقوا كل هذه التعقيدات؟


    ـ يا اخي.. اتفاق الميرغني قرنق لم يكن فيه حتى تفاوض على تقرير المصير لان الاتفاق كان يرهن مصير السودان كله في يد قرنق. واذا كان من يقدر ان هذا هو الخيار الامثل فنحن لا نقدره كذلك. ثم ان الانقلاب الذي حدث كان رد فعل على الخروج على الديمقراطية باستخدام القوى المسلحة نفسها والجيش نفسه.


    حيث استخدم الجيش ليقول ان هذه القوى السياسية تمثل في الحكومة وتلك القوى لا تمثل. واذا كانت جهة ما اباحت لنفسها استخدام القوات المسلحة لحسم الخيارات السياسية فان لاي جهة اخرى الحق في استخدام الطريقة نفسها.


    ـ سؤال اخر يتردد كثيراً: ما هي المشكلة لو انفصل الجنوب؟ لماذا الشمال هو الحريص على الوحدة؟ وهل الثمن الذي يدفع من اجل ذلك يساوي النتيجة المرتقبة حتى باحتمالاتها الضعيفة؟


    ـ اي دولة في العالم تحرص على وحدة ترابها ولا ترضى بتقطيع اوصالها.


    ـ ولكن اذا كان هذا الحرص سيسفر عن نتيجة اسوأ فليس من الحكمة التمسك به اليس كذلك؟


    ـ بالطبع.. اذا كانت الوحدة ستؤدي الى سفك الدماء وتبديد الاموال الى امد غير معلوم ولا محدود، فلا بأس من اتاحة الفرصة للانفصال، وهذه هي الفكرة نفسها التي قام عليها بروتوكول ماشاكوس. وهي ان نحاول جعل الوحدة هي الخيار المرغوب ولكن اذا فشلنا ان نقنع بذلك غالبية شعب الجنوب فالامر بيدهم.


    ـ من يرددون هذا السؤال يرون ان «القصة بايظة» من بدايتها لنهايتها حتى ولو تمت الوحدة الطوعية.. شعبان لا يتشابهان في شيء لا عرقا ولا ثقافة ولا لوناً ولا مزاجاً.. مختلفان في العادات والتقاليد وشكل الممارسة الحياتية اليومية، كل ذلك في ظل استعلاء واضح وممارسات من الشمال ولدت احقاداً وضغائن لا تمحى في دواخل الجنوبيين.. لماذا الاصرار على جمعهما؟


    ـ دعني ابدأ بكلمة استعلاء هذه التي استخدمتها. الـ «PREJUDICE» موجود في اي مكان في العالم وليس قاصراً على السودان وليس قاصراً على الشماليين ضد الجنوبيين. هنالك شماليون يتعالون على شماليين اخرين وهنالك جنوبيون يرون انفسهم افضل من جنوبيين اخرين وفي داخل القبيلة نفسها ترى مجموعة نفسها افضل من مجموعة اخرى وهكذا. لكن السؤال المحك هو: هل هنالك تحيز في الشمال ضد الجنوبيين في ان ينالوا حقوقهم ام لا؟


    والاجابة بالتأكيد لا.. لا يوجد تحيز ولا تمييز بمعنى ان تقرر جهة واعية تجريد الجنوبيين من حقوقهم. نعم هناك اسباب تاريخية واخطاء سياسية او غيرها ولدت شعوراً بالغبن والاضطهاد.. وهذا الشعور يمكن ان يعالج بطرق غير الانفصال واذا لم نجد معالجة على الاطلاق ففي هذه الحالة لابد من الانفصال.. ولكننا نقدر ان هناك فرصة للمعالجة وازالة التظلمات ولمعالجة الغبن والفجوة النفسية بين اهل الجنوب واهل الشمال.


    ـ انتقل الى سؤال يتعلق بالسلام ومرتبط بموقعك السياسي او قل الوظيفي.. باعتبارك مديرا لهيئة الاذاعة والتلفزيون فهاتان الوسيلتان الاعلاميتان تسيران في اتجاه مغاير لاشاعة ثقافة السلام رغم انخراطكم في المفاوضات وتتبنيان خطاباً تحريضياً مشحوناً بالعنف ويشير الكثيرون في هذا الخصوص الى برنامج «ساحات الفداء».. ما ردكم؟


    ـ المراقب المحايد لا يجد ما تقول.. ولكن لا ينتظرنّ احد الا نذكر سيرة الشهداء وان نقول انهم ماتوا، بدلا من ان نقول انهم استشهدوا. ذلك لن يحدث حتى بعد السلام، ولا يمكن ان نسكت عن تضحياتهم. وكل حلقات برنامج «ساحات الفداء» تتحدث عن ان هؤلاء هم شهداء وقدموا تضحيات ولكنها لا تتحدث عن ان الحل في الحرب وينبغي ان نحارب، ولو فعل القائمون على البرنامج هذا لالغيناه.


    اكرر لو وجد في البرنامج تحريض على الحرب كنا اغلقناه. اما ان نذكر الشهداء فهذا مباح وسنستمر حتى بعد الاتفاق.


    ـ وماذا ستطلقون على من قتلوا في صفوف الحركة بعد السلام.. شهداء ايضا؟


    ـ هم شهداء في رأي قرنق وليس في رأينا.


    ـ كيف سيكون مضمون الخطاب في التلفزيون القومي؟


    ـ مفهوم «القومي» لا يعني ان تتطابق آراء الجميع. الرأي الذي يطرح هو الرأي الذي يعبر عن الاغلبية واذا كان لشخص اخر رأي اخر فسيكفل له حق الادلاء برأيه.


    وهذا ما يحدث الان، على سبيل المثال يحدث احياناً ان يتصل احدهم اثناء البرنامج فيقول ان هؤلاء ليسوا بشهداء وقد يكون المتصل من الملتحين او المتدينين ويقول ان هذه ليست حرباً في سبيل الله ولذلك فقتلاها غير شهداء.. ويذاع هذا الكلام وسمعت ذلك شخصياً اثناء حلقة من حلقات برنامجي «المنتدى الفقهي».


    ـ اما انا فقد سمعت حكاية اخرى تقول ان احد الدعاة قال في برنامج تليفزيوني ان القتلى في الجنوب ليسوا شهداء فأوقف برنامجه واشبع ضرباً في جهاز الامن ولما عاد الى الشاشة بعد حين قال: حتى الطير الذي يموت في الجنوب شهيد.. هل سمعت بهذا؟


    ـ هذه تشنيعة وليس بالضرورة ان نعلق على كل تشنيعة.


    ـ اعتقد اني حصدت حصيلة وفيرة من حديثك فيما يخص السلام وقضاياه.. واستسمحك في سؤال خارج اطار ملف السلام..


    ـ تفضل.


    ـ اريد ان اسأل عن الترابي.. لماذا هو معتقل؟ والى متى؟


    ـ انا لست الجهة التي يفترض ان تسأله هذا السؤال لتحصل على اجابة، خاصة وانني لست ملماً بالتفاصيل الضرورية لاعطيك اجابة وافية. انا اجيب على اسئلتك الان بصفتي عضوا في وفد التفاوض الحكومي.. واذا كنت تسأل عن مشاعر شخصية.. فأنا ارغب في ان يطلق سراح الترابي اليوم قبل غدٍ.. هذا ما اتمناه وما ارجوه وما اطالب به.


    ـ ما تطالب به فحسب؟ ام تسعى اليه؟


    ـ نعم واسعى اليه.


    ـ وما الذي يعرقل اطلاقه؟


    ـ هنالك سلطة رسمية في البلد موكلة بمسألة التقديرات الامنية وهي التي تقدر في ظروف مثل ظروف السودان ما اذا كان هنالك شخص بعينه خطرا على الامن. هذا التقدير غير ملزم للشخص الاعلى الذي يتخذ القرار.


    هذا الشخص الاعلى يمكن ان يتخذ قراراً، لذلك نحن عندما نتحدث في خلاف ذلك التقدير لا يعني اننا نتفهم هذا التقدير لكننا نقدر تقديرات سياسية اخرى. ونقول انه ربما كان من الافضل سياسيا ان يطلق سراح الترابي الان قبل ان يطلق سراحه بحكم الواقع بعد اتفاقية السلام.


    ـ هذا بالضبط ما يقوله المنشغلون بهذا الامر. اذن بماذا ترد الجهة المفوضة بالقرار؟


    ـ لا اتحدث عن اجابات. هذا ما اقوله انا لكني لم اسمع اجابات!!


    ـ لماذا لا تبذل سعياً واضحاً في هذا الاتجاه اذا كنت مقتنعاً بذلك؟


    ـ انا قلت هذا علناً ونشر في الصحف في السودان، قلت في احدى الصحف ان هذا هو الوقت المناسب لاطلاق سراح الترابي لانه اذا تأخر الافراج عنه فان الفضل سينسب لقرنق وليس للحكومة.


    ـ الا يمكن ان ينتظم من يرون ما ترى داخل الحكومة لطرحه بصورة ضاغطة في اتجاه اطلاق الترابي؟


    ـ اذا ناقشنا هذه المسألة فلن نحيط الصحف علماً بهذا.


    ـ هل حدثت بالفعل محاولة مثل هذه؟


    ـ اكتفي بالاجابة السابقة قلت لن نحيط الصحف علماً فكيف تريدني ان اجيب؟


    ـ في زمن ما كنت انت السكرتير الخاص للترابي.. اليس كذلك؟


    ـ بل كنت مدير مكتبه وكنت سكرتير المكتب التنفيذي الذي..


    ـ عفوا على قسوة السؤال: الا يراودك اي شعور بتأنيب الضمير وانت تشغل منصباً مهماً في نظام يسجن الرجل الذي اتى بهذا النظام؟


    ـ يا اخي في السياسة لا مجال للمشاعر الشخصية. واحدة من ميزات السياسي الناضج الا يتخذ من المشاعر الشخصية معياراً في اتخاذ المواقف والقرارات والا لفسد الامر جميعاً.


    مشاعري الشخصية تجاه دكتور الترابي ودية والصلة موجودة والصلة مع اسرته موجودة وستظل موجودة.. اما اننا اختلفنا سياسياً فهذا لم يكن سراً.. وكان علناً وقلت له اختلف معك في كذا وكذا.


    ـ فيم اختلفتم رغم انكم ـ جميعاً ـ متفقون فكرياً بل هو صاحب هذا الفكر الذي جمعكم اصلاً؟


    ـ هذا الفكر ليس هو صاحبه. لو اقتنعنا انه هو صاحب الفكر الذي جمعنا لكنا معه الان. نحن نعرف انه ليس صاحب الفكر الذي تعنيه. هذا الفكر فكر اسلامي متاح للجميع للاجتهاد فيه وهو احد الذين علمونا الاستقلالية في النظر، ولذلك لابد ان يشقى بهذه الاستقلالية التي نتمتع بها!!


    أجرى الحوار: محمد خليل كاره
















    رياضة | فنون | منوعات | كتب وترجمات | الرأي | سياسة | محليات | اقتصاد | الأولى

    حقوق الطبع محفوظة لمؤسة البيان للطباعة والنشر



                  

07-26-2003, 07:57 AM

elhilayla
<aelhilayla
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 5551

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: امين حسن عمر ..يغالط نفسه (Re: الكيك)



    الأخ الكيك
    مشكور علي هذا اللقاء الجيد جدا وأتمني صادقا أن تقبل هذا الجهد البسيط في تنسيق النص وليس لدي ما نع بنقله الي مكانك وأنا بدوري سوف أقوم بتعديل المشاركة -تحريرها مرة أخري وذلك حفاظا علي الباندودث
    وتسلم


    الدكتور أمين حسن عمر عضو الوفد الحكومي السوداني لـ «البيان»:2 ـ 2
    لا مجال لتخريجة فقهية حول العاصمة أسوة بفتوى القرض الربوي لسد مروي
    كان من المفترض ان ينشر هذا الحوار عشية انطلاق جولة المفاوضات الاخيرة بين
    الحكومة السودانية والحركة الشعبية التي وصلت الى طريق مسدود منتصف هذا الشهر بعد ان طرحت سكرتارية «ايغاد» مقترحات مقدمة كأساس للنقاش سارعت الحركة للقبول بها ورفض الوفد الحكومي حتى مجرد النظر فيها.ولظروف متداخلة مرتبطة بجوانب فنية تحكم اولويات النشر تأخر موعد نشر الحوار حتى بدأت جولة التفاوض وانتهت «فجأة» بالفشل، غير ان الحوار لم يفقد صلاحيته بل ان تأجيل النشر اضفى «لحسن الصدف» اهمية اكبر لمحتوى الحوار الذي ينشر على اعتاب انطلاق الجولة التالية التي تشد الان انظار كل اهل السودان ومتابعي شئونه.والحق انني منذ حين ظللت أتحين الفرصة لأدير حواراً مع الدكتور امين حسن عمر، حتى اتت الفرصة «تجرجر اذيالها» عندما أخبرني صديقي العبيد أحمد مروح الملحق الإعلامي بالقنصلية السودانية، بزيارة خاطفة سيقوم بها إلى دبي نفر من الوفد الحكومي المفاوض، بينهم الدكتور عمر فألححت عليه ان يدبر أمر إجراء حوار معه.. وقد كان..
    ولا يشغل الدكتور عمر الان منصباً وزارياً في الحكومة السودانية فهو بالكاد رئيس الهيئة القومية للاذاعة والتلفزيون، لكن يبدو ان النفوذ السياسي للرجل يفوق بكثير منصبه الوظيفي الرسمي.
    وتكفي للدلالة على ذلك الاشارة الى انه كان مستشاراً للرئيس عمر البشير وظل عضوا ثابتاً في الوفد الحكومي في اغلب جولات التفاوض مع الحركة الشعبية منذ عام 1993م فضلا عن عضويته في المكتب القيادي للحزب الحاكم.
    والدكتور عمر «الذي حاز على هذا اللقب حديثاً» انخرط عضوا فاعلا في الحركة الاسلامية منذ بواكير شبابه «ويقال انه كان شيوعيا في مرحلة ما» وبات لاحقا أحد منظري هذه الحركة وواضعي استراتيجياتها، ما يتيح له بالتالي الالمام بخفايا سياسة حكومة الانقاذ ازاء كافة القضايا وخصوصاً في قضية السلام.
    واستنطاق رجل بهذا الوزن الثقيل في دائرة السلطة الحاكمة في الخرطوم من شأنه ان يتيح لمتابعي الشأن السوداني اشارات مهمة في رصد سلوك هذه الحكومة ورسم آفاق المستقبل السياسي لهذا البلد.
    واشهد ان الرجل، كما تخيلت، يتمتع بقدر عال من الدهاء السياسي، ووضوح التفكير وملكة التعبير وقد ظهر كل ذلك جلياً في مقاطع الحوار الذي لم يخل من منحنيات حادة تبادلنا عندها الصراخ والمقاطعة حتى انه بادر الى تذكيري بانني احاور صحافياً ما دفعني الى الرد بتذكيره باننا اتفقنا في البدء على «مواجهة» صريحة.
    وعلى كل فإن محاورنا لم يبخل خلال الحوار بشيء، واشهد انه كان صريحاً، رحب الصدر، وان كان يلجأ احياناً الى تقمص دور المحاور فيمطرني بأسئلة لم اكن لاتردد في استثمارها.. فضلا عن انه كان يستكمل احيانا اجاباته باشارات من يديه او ضحكة او ابتسامة ماكرة وهذه «لازمة» عُرف بها «أستاذه» الزعيم الإسلامي الدكتور حسن الترابي العقل المدبر للانقلاب الذي أتى بالسلطة الحالية إلى سدة الحكم، إلا ان الدكتور عمر زاد عليها استخدامه المتكرر للتعابير الانجليزية.
    وفيما يلي نص الجزء الثاني من الحوار:
    ـ قلت ان الحركة رفضت التوقيع على اتفاق باجراء الانتخابات في النصف الاول من الفترة الانتقالية.. لكن وردت فقرة بهذا المعنى في «اعلان الخرطوم»..
    ـ اعلان الخرطوم صادر عن المجموعات الاخرى وليست من الحركة الشعبية..
    وبهذه المناسبة دعني اعلق على «اعلان الخرطوم» هذا بالقول: البعض للاسف ينسى ما يرد في النصوص..
    لو اطلعت على نص بروتوكول ماشاكوس وقارنته باعلان الخرطوم ستكتشف ان كل القضايا الواردة في الاعلان منقولة عن البروتوكول ماعدا موضوع العاصمة. هي القضايا نفسها المتفق عليها.. فما الداعي لضجة مثل هذه حول مواضيع سبق أن اتفقنا عليها ومقبلين على اعلانها في اتفاقية باشراف دولي؟
    اعلان الخرطوم لم يأت بجديد مختلف عما ورد في بروتوكول ماشاكوس.
    ـ وماذا عن «اعلان القاهرة»؟
    ـ هذا ايضا لم يحمل جديدا سوى مسألة العاصمة. كل شيء فيه متفق عليه. اذا تم سحب عبارة «عاصمة قومية وجاذبة» نحن مستعدون للتوقيع على هذا الاعلان. هذه الضجة الهدف منها مساندة مطلب الحركة بعاصمة علمانية. وهذا لن يكون ابدا لانه يخالف ما اتفقنا عليه واذا حدث تراجع عما اتفقنا عليه مرة فيمكن ان يحدث مرتين وثلاثة وتكر السبحة.
    ـ ما الذي يجعلكم تصرون على عاصمة بقوانين دينية؟ ما المشكلة لو اصبحت قومية كما تطالب الحركة والقوى السياسية الاخرى؟
    ـ ماذا تقصد بعاصمة قومية؟
    ـ اقصد عاصمة مفتوحة بقوانين لا دينية مثلها مثل كل العواصم العربية تقريبا، القاهرة، تونس، الرباط، عمان، بيروت، الى آخره.
    ـ وما الذي يمنع من تطبيق قوانين الشريعة في عاصمتنا؟
    ـ يتخوف غير المسلمين من ان تغمط حقوقهم.
    ـ هذه فرضية وليست حقيقة. ومن قال ان العلمانية لا تغمط المسلمين حقوقهم. لا بل لماذا تمنع المسلمين من حق الاعتقاد بالاوامر الربانية، مثلا ان الله يأمرنا الا نتعامل بالربا لماذا تفرض علينا التعامل بالنظام المصرفي الربوي؟
    ـ هذا اعتقادك انت في شأن حياتي مفتوح للاجتهاد. هنالك علماء يجيزون مسألة الفائدة المصرفية او على الاقل يطالبون باعادة النظر في حرمتها.
    ـ لم اسمع من قال بذلك.
    ـ هذا شأنك ولكن هنالك اجتهادات كثيرة في هذا المجال ليس هذا مجال
    تفصيلها..
    ـ قل هنالك «خروجات» كثيرة عن الدين اما ان تشكك في حرمة الربا المنصوص عليها بنص صريح في القرآن فهذا امر ينبغي الا نخوض فيه ودعنا من هذا المجال.
    ـ الخطير في الامر انكم تريدون ان تطبقوا على الناس فهماً معيناً للدين يخصكم انتم رغم ان للكثير من المسلمين غيركم فهماً اخر واجتهاداً لتطوير الفقه يحرض عليه حتى الدكتور حسن الترابي.
    ـ اذا كان فهمنا للدين غير صحيح فان ذلك يقرره الشعب السوداني ويعبر عن عدم رضائه باسقاطنا في الانتخابات. اذن فلنتحاكم الى الشعب الذي لديه فهم صحيح للدين. ولكن لا نريد ان نفرض على الشعب باتفاقية لا تعدل الا بأصوات 75% من النواب، ان تكون العاصمة علمانية
    ـ كل من خاضوا في جدل العاصمة لم يذكروا كلمة علمانية باستثناء الحكومة فقد تحدثوا عن عاصمة قومية، ثم الا يستحق حقن دماء السودانيين ان تبحثوا عن مخرج من هذا المأزق بتفسير ايسر للنصوص الدينية؟
    ـ اذا كان هنالك تفسير ايسر فلا نمانع ولكن لا وجود له.
    ـ ألم تجنحوا الى ذلك في اعتمادكم على «فقه الضرورة» لتمرير قرار القرض الربوي لتمويل سد مروي؟
    ـ يا أخى الافضل لك ان تتجنب الدخول معي في هذه التفاصيل الفقهية لان المجال لا يتسع لشرحها.
    ـ انا اطرح اسئلة في ذهن القاريء فأرجو الا تنزعج ويمكنك الامتناع عن الاجابة عنها. أعيد طرح السؤال عن امكانية ايجاد «تخريجة» فقهية بشأن العاصمة اسوة بما حدث في اقرار تمويل سد مروي.
    ـ التخريجات المفتعلة نحن لا نوافق عليها ودعنا نخرج من مجال الجدل الفقهي لان ليس هذا موضعه وأنا شخصياً من المهتمين بهذا الشأن وتعلم انني اقدم برنامجاً تلفزيونياً متخصصاً هو «المنتدى الفقهي».. ثم دعني أسألك لماذا لا نحتكم الى رأي الشعب؟
    ـ دعني ارد اليك السؤال: هل تقبلون باستفتاء شعبي عن وضع العاصمة؟
    ـ لن نقبل باستفتاء الآن. هذه الاتفاقية ينبغي ان تمضي كما اتفقنا عليها لان الاتفاق سبق وانجز وفيما بعد لو رغب مجلس الخرطوم التشريعي او مجلس العاصمة ان يلغي الشريعة فلا شيء يمنعه اذا تجرأ على اتخاذ هذه الخطوة.. واذا كانت هذه
    الاحزاب تريد ان تتبنى الغاء الشريعة في برنامجها الانتخابي بالعاصمة فلها ذلك.
    ـ ليس بالضرورة ان يرد في برنامجها الانتخابي الغاء الشريعة فقط لانكم ترون ان اي تفسير اخر مخالف لفهمكم يعني الغاء الشريعة.. يمكن ان يرتكز برنامجهم على عاصمة قومية تتساوى فيها الاديان ويطرحوا ما يسند ذلك من التفاسير الفقهية.
    ـ حينذاك سننظر في تفسيرهم ثم نقبله او نرفضه سنرى ما اذا كان تفسيرهم سيتوافق مع ما نعتقد، لان التفسيرات متعددة ومن المؤكد ان تفسير الصادق لا يتوافق مع تفسير محمد ابراهيم نقد مثلاً. هم مختلفون يتحدثون بلغة مختلفة ولكنهم يوقعون على ورقة واحدة فيها عبارة غامضة، لكن عندما تتحدث مع كل طرف يعطيك كل منهم تفسيراً مختلفاً. وعلى العموم نحن نقبل بكل شيء يقوله الدين.
    ـ وماذا عن حجة الجنوبيين ومخاوفهم من الا يحصلوا في العاصمة على حقوقهم؟
    ـ الجنوبيون موجودون الان في العاصمة ويحصلون على حقوقهم كاملة في ظل الشريعة المطبقة. هنالك مليون و800 الف جنوبي في العاصمة ولم يشتكوا من غمط لحقوقهم، بينهم ولاة ومن كانوا في صفوف التمرد.
    ثم ما الذي يمكن ان يضايقهم تحديداً في العاصمة؟ اذا طرحوا شيئاً نخضعه للمناقشة ونجد له حلا. اذا اشتكوا مثلا من انهم من حقهم شرب الخمر بما ان دينهم او عاداتهم لا تمنعهم فليشربوا.. واذا طالبوا بأن نسهل لهم الحصول عليه فلن نفعل وانما سنطلب منهم ان يساعدوا انفسهم.
    ـ فإذا قال احدهم ان من حقي ان أسهل على بني ملتي فأوفر الخمور وأبيعها لهم.. ماذا سيكون الموقف؟
    ـ اذا وجد من يبيع للمسيحيين او غير المسلمين فلن يسأله احد.. وهذا هو الأمر الذي يحدث الآن في الخرطوم.. فهم يتعاطونها بيعاً وشراء في حفلات الاستقبال التي تقيمها السفارات وفي انديتهم ومنتدياتهم ولا احد يسألهم.
    ـ طرحت سؤالاً وتجاوزته دون ان اسمع منك اجابة محددة.. دعني اعيده: ما الذي يمنع ان تكون العاصمة السودانية مثلها مثل أية عاصمة عربية اخرى؟
    ـ لان السودان ليس كأي دولة عربية اخرى بعد ان طبق الشريعة الاسلامية.. الخرطوم الان مثل الرياض وهذه عاصمة عربية ومثل طهران وهي عاصمة اسلامية، نحن نريد ان تظل كذلك.
    ـ الرياض عاصمة لدولة خالية تقريباً من المواطنين غير المسلمين فلماذا لا تكون الخرطوم مثل العواصم العربية الاخرى؟
    ـ لا نحن لا نريد ذلك نريدها مثل الرياض.
    ـ من «نحن» هؤلاء الذين لا يريدون ذلك « مين انتو»؟
    ـ اذا اختلفنا نحن السودانيين وتباينت الآراء فلنحتكم للشعب.. يا اخي كل الناس تعلم ان هذا هو خيار غالبية الشعب السوداني والا لما كانت هذه الاحزاب رفعت الشعارات الاسلامية مثل «الصحوة الاسلامية» التي ينادي بها الامة و«الجمهورية الاسلامية» التي ينادي بها الاتحادي الديمقراطي.
    هذه الشعارات ـ سواء كانت صادقة او كاذبة ـ ترفع لانها تمثل خيار الشعب. ومن يناطح في هذا فليحتكم الى الشعب. بعد ان تنجز اتفاقية السلام وتجرأت هذه الاحزاب الكبيرة للمطالبة بإجراء استفتاء على الشريعة فنحن مستعدون. ونحن نتحداهم. لن يتجرأوا على ذلك فليخرج الصادق او الميرغني او غيره الى الجماهير ويطالب بعرض الشريعة للاستفتاء.
    ـ اذن ما هو المخرج من جدل العاصمة؟
    ـ هذه قضية مفتعلة ولا نحتاج ان ندخل فيها حتى نخرج منها.
    ـ الا يمثل اقامة العاصمة في الجنوب مخرجاً؟ هل طرح هذا الخيار؟
    ـ نحن لا نمانع ان تقام العاصمة في الجنوب لا نمانع اطلاقاً جزئياً او كلياً.. لكن
    السؤال: هل هم موافقون؟
    ـ طالما انتم موافقون ما الذي يمنع؟
    ـ هذا السؤال يوجه اليهم.. اذا هم موافقون فلنشرع فوراً في الترتيبات واذا كانوا رافضين فاسألهم لماذا ووافينا بالاجابة!!
    ـ اعتقد ان الحوار اوفى قضية العاصمة حقها، فلننتقل الى قضية تقسيم الثروة..
    الى اين وصلتم بشأن هذا الملف؟
    ـ لا استطيع ان اعلن اننا اتفقنا تماماً حول هذه القضية، لكننا على وشك انجاز ذلك. فقد جاء خبراء من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي باطار معقول يقضي بتوزيع الثروة حسب الاحتياجات الفعلية للولايات المختلفة وبحسب الاحتياج الفعلي لاعادة الاعمار في الجنوب وفي المناطق المتأثرة بالحرب على ان يوازن هذا الاحتياج مع الامكان وان يوازن مع قضية اخرى هي ان يمكن كل مستوى من مستويات الحكم من الموارد التي تتيح لها تنفيذ مسئولياتها.
    ـ اذن اين الخلاف؟
    ـ الاطار الكلي متفق عليه لكن الخلاف في قضايا تطرحها الحركة وهي غير مقبولة من جانبنا ومن جانب المراقبين مثل المطالبة بأن يكون للجنوب مصرف مركزي.. وقد قيل لهم ليس هنالك في الدنيا مصرفان مركزيان في بلد واحد، فقد سمى مركزياً لانه واحد يتبع للمركز.
    كما تطالب الحركة بعملة خاصة للجنوب وابلغوا باستحالة ذلك لان العملة هي الاوراق المالية التي يصدرها هذا البنك الواحد المسمى «مركزي». هذه اطروحات تتمسك بها الحركة حتى الان ولكنها غير مقبولة.
    ـ هنالك حديث عن صندوق لايرادات النفط ما حقيقة ذلك؟
    ـ لا هذا غير مطروح. المطروح الان ان تقسم ما يعطى للولايات لتسيير الاعمال وفي هذا الشأن تم الاتفاق على ان يعطى الجنوب متوسط الولايات الشمالية لا يزيد ولا ينقص.
    وفيما يخص اعادة البناء او الاعمار تم الاتفاق على تعريف العملية نفسها وما هو المعيار الذي يحتاج اليه الجنوب حتى يكون في مستوى الشمال على ان يتم الاتفاق على تكلفته ويخصص على سنوات وكيف تدفع هذه التكلفة اي ان الاطار الموضوعي تم الاتفاق حوله، اما التفاصيل فمتروكة لجولة ستعقد في واشنطن في خواتيم هذا الشهر.
    ـ عودة الى بند تقسيم السلطة.. هل يشمل هذا التقسيم مستويات اخرى غير الرئاسة؟
    ـ هنالك حديث عن تمثيل الجنوب عامة على المستويات الاتحادية مثل المجلس الوطني والولايات والى اخره.. هذه قضية خلافية ولكن...
    ـ اين يكمن الخلاف.. ماذا يريدون وبماذا تردون؟
    ـ هم يطالبون كعادتهم باشياء غير منطقية.
    ـ مثل ماذا؟
    ـ يطالبون بتمثيل الجنوب بـ 40% في المجلس الوطني مع ان نسبة الجنوب اقل من ذلك بكثير بمعيار «لكل رجل واحد صوت واحد». فاذا اعطيت اقليماً ما وزناً اكثر من وزنه الحقيقي فإن ذلك لا يمت الى الديمقراطية بصلة. نحن موقفنا ان يعطى الجنوب نسبة تعادل نسبة السكان. هم يطرحون ادعاءات بشأن عدد السكان.
    ـ اليس من المناسب ان يتم حسم ذلك عبر اجراء تعداد سكاني؟
    ـ بالفعل تم الاتفاق على اجراء التعداد قبل الانتخابات وبناء على نتائجه توضح النسب. اما قبل ذلك يمكن ان تعطى نسبة للجنوب قد تكون اكثر قليلا من النسبة
    التي نقدرها حتى يجرى التعداد.
    ـ ما هذه النسبة التي تطرحونها انتم؟
    ـ نحن طرحنا تقديرنا على اساس نسبة السكان وهي 26% وهي نسبة مستقرة. فقد اجرى تعداد عام 1955م وكان نسبة سكان الجنوب 26% وفي اخر تعداد كان نسبة الجنوب 19% مع الوضع في الاعتبار ان ذلك يتعلق بالاقليم الجنوبي وان هنالك اعداداً من الجنوبيين في الشمال. يتضح من ذلك ان نسبة سكان الجنوب على وجه العموم لم تتجاوز النسب التي ذكرناها.
    علاوة الى انهم يقولون بحدوث عمليات ابادة وان الحرب قتل فيها اكثر من مليوني شخص، ما يعني ان النسبة لابد ان تكون قد انخفضت. وعلى كل حال فان الامر مرتبط بالتعداد وهذه النقطة ايضا ليست مستعصية على الحل، وسنجد حلا خصوصا وان الوسطاء يعلمون ان نسبة الـ 40% التي تطالب بها الحركة ليست منطقية ويناشدون الحكومة ان تكون اكثر اريحية وقد يأتون بحل وسط من طرفهم.
    من كل هذا يتضح ان كل القضايا المطروحة حتى الان قابلة للحل ما لم تقحم الحركة عمداً قضايا اخرى.
    ـ تحمل الجملة الاخيرة تلميحاً بالشك في جدية الحركة ازاء تحقيق السلام.. هل ترونها فعلا غير جادة؟
    ـ انا لا استطيع ان اقول ان الحركة غير جادة، لانني اذا قلت هذا بهذه الحدة فذلك يعني ان الحكومة بدورها غير جادة لانها منخرطة في مفاوضات مع طرف تعلم انه غير جاد. ولكن هنالك حالة ارتباك في تحديد موقف الحركة بسبب خطابها الاعلامي على وجه الخصوص اذ ان هذا الخطاب يثير الارتباك، اما قضايا تفاوضية كان ينبغي الاحتفاظ بها في قاعة المفاوضات او قضايا مقحمة اقحاماً على مسار التفاوض مثل قضية العاصمة.لكن هذا لا يعني بالضرورة ان الحركة غير مستعدة للسلام، واظن ان تياراً قوياً داخلها حريص جدا على التوصل لاتفاق السلام ومن الصعب جدا على الحركة ان تتخذ قراراً بالانسحاب من العملية السلمية او تعيقها بصورة تجعل قطاعات داخل الحركة تلقي باللائمة على قيادتها.واجمالا فان اتخاذ قرار بالانسحاب صعب جدا على الحركة خاصة وان آمال السلام اصبحت طاغية في الجنوب عامة وفي اوساط مجموعات مقدرة جدا داخل الحركة ترى ضرورة الوصول صفقة عادلة لاحلال السلام وان الوقت مناسب للتوصل الى هذه الصفقة.
    وهنالك ايضا دفع اقليمي ودولي قوي في اتجاه السلام. وبالتالي من الصعب جدا ان تقول ان احتمالات الفشل اكبر من احتمالات السلام. وواضح ان احتمالات تحقيق السلام اكبر من احتمالات الفشل، ورغم ذلك لا نستطيع ايضا ان نقول ان احتمالات الفشل غير واردة.
    ـ وماذا عن الأوضاع في اوساط الحكومة في هذا الجانب؟
    ـ الحكومة ايضا تواجه ضغوطاً من الداخل حتى لا تتعثر وهناك ايضا تيارات كثيرة ومجموعات كبيرة داخل الحكومة تريد السلام.
    ـ وهل هناك تيارات او مجموعات داخل الحكومة لا تريد السلام او بالاحرى ليست راضية عن مسار المفاوضات؟
    ـ لا يوجد داخل الحكومة من لا يريد السلام ولكن بطبيعة الحال اي جماعة او جهة تخوض مفاوضات تكون فيها توجهات متنوعة، هنالك البعض متشككون وحذرون اكثر من اللازم وهنالك البعض الذي يكون قلقاً، وهنالك اخرون منفتحون اكثر من اللازم وهنالك المعتدلون.. وهكذا.. وهذا وضع طبيعي.
    ـ اين تصنف نفسك بين هؤلاء؟
    ـ يمكنك ان توجه هذا السؤال للطرف الذي يفاوضنا. بالطبع هم لهم تصنيفات مثلما لنا تصنيفات.
    ـ يتردد ان هنالك تياراً قوياً جداً داخل الحكومة ضد ما يجري من اساسه هل هذا صحيح؟
    ـ هذا غير صحيح.. ودعني اكفيك عناء السؤال واقول لك ان اكثر من يشار اليه فيما يتردد هو الاخ علي عثمان (النائب الأول لرئيس الجمهورية).
    ـ بالفعل كنت على وشك ان اسأل عن موقفه بالتحديد.
    ـ الحقيقة ان الاخ علي عثمان يمكن تصنيفه من الحمائم جدا.. نعم من الحمائم جدا. ربما لو ذكرت اسماء اخرى نستطيع ان نوضح مواقفهم. اما علي عثمان فيتسم بمرونة دفعتنا نحن باتهامه بأنه لا يتحلى بحذر كبير في دفعه للسلام بقوة بعكس ما يقال عنه. أي ان اتهامنا الباطل له اشد خلافاً ونقيض للاتهام الذي يتردد حوله.
    وصحيح ان هنالك شخصيات سياسية بطبعها الحذر في هذا الطرف او ذاك.
    والطريف في الامر ان الشخصيات التي كانت اكثر تشدداً داخل الحركة اصبحت بعد بروتوكول ماشاكوس اكثر ليناً وشخصيات اخرى كانت معتدلة اصبحت متشددة اكثر!!
    ـ هذا يقودني الى السؤال عن اجواء المفاوضات وما يدور في كواليسه وخارج القاعة فيما يخص العلاقات الانسانية بين المتفاوضين.
    ـ العلاقات على المستوى الشخصي طبيعية وودية بالطبع لاننا في نهاية الامر بشر وسودانيون وظللنا نتلاقى سنوات طويلة ولا يمكن ان تكون العلاقات غير طبيعية
    الا اذا كنا شخصيات غريبة.
    العلاقات بالفعل طبيعية وودية واحياناً مدهشة للمراقبين الذين يستغربون من ان
    هؤلاء الذين امامهم يتعاملون ببساطة وتلقائية وحميمية، هم اطراف القتال.
    ـ هل سادت هذه الروح والعلاقات السلسة منذ البداية ام تدرجت؟
    ـ كلما مضى الوقت كلما ازدادت العلاقات سلاسة وحميمية من خلال المشاركة
    في الغذاء والجلوس على مائدة طعام واحدة وتبادل المجاملات العادية ولا تنسى ان
    كل هذا يتكرر منذ سنوات، فعلى سبيل المثال انا شاركت في المفاوضات لاول
    مرة في ابوجا عام 93م وانخرطت بصورة منتظمة في المفاوضات منذ اكتوبر عام
    98م. وطيلة هذه المدة ظلت غالبية اعضاء وفدي التفاوض من الطرفين هم ذات
    الاشخاص ولذلك لابد ان تنشأ علاقات طبيعية بينهم.
    اضف الى ذلك ان البعض من الطرفين تربطهم علاقات قديمة، فعلى سبيل المثال
    الاخ سيد الخطيب «الناطق الرسمي باسم الوفد الحكومي» ودينق الور درسا في
    مدرسة ثانوية واحدة وكانت بينهما صداقة، حتى ان الور كان يسأل عن الخطيب
    اذا تغيب بسبب ما!!
    اريد ان اخلص الى ان العلاقات طبيعية وهذا هو الامر الطبيعي اليس كذلك؟
    ـ لا.. ليس كذلك انا ارى العكس كيف تكون العلاقات طبيعية بين اناس بينهم
    بحور من الدم والدمار والخراب ويأتون هكذا ليأكلوا ويشربوا معا ويتبادلوا
    القفشات الا اذا كانوا يتعاركون في امر عبثي؟ الا تدور في أذهانكم وأذهانهم
    صور القتلى او الشهداء وايتامهم واراملهم الثكالى وأنتم تتواصلون بود؟
    ـ العزاء في اننا نلتقي على صعيد محاولة البحث عن حل المشكلة التي ادت الى
    كل ذلك وحتى لا يقع مزيد من المآسي.. ولا نتلقى على صعيد حسمها هنا
    بالقوة، ربما لو التقينا في الغابة يكون الامر مختلفاً!!
    ـ ذكرت قبل قليل انك منغمس في هذه المفاوضات منذ وقت طويل.. واسمح
    بسؤال ربما يكون محرجاً بعض الشيء وترددت كثيرا قبل طرحه لكني استصوبت
    المجازفة فاستميحك العذر مسبقاً وارجو الا تعتبره استفزازاً.. السؤال هو: من انت
    او حتى غيرك من اعضاء الوفد حتى تكونوا من يقرروا مصير السودان؟ كيف تم
    اختياركم؟ لماذا انت؟ لماذا سيد الخطيب؟ هل انتم افضل من في السودان لتقرروا
    مصيره؟ اقصد ما هي معايير الحكومة في اختيار اعضاء الوفد المفاوض؟
    ـ هنالك اشخاص هم الذين يتخذون القرار في اي قضية، مثلا يختارون
    الدبلوماسيين ويسمون فلاناً او علاناً ليذهب سفيرا للسودان الى المكان الفلاني،
    طبقاً لشروط وتقديرات يقدرونها.. وانا على سبيل المثال او سيد او غيرنا، تنقلنا
    طيلة المفاوضات من مواقع مختلفة، بمعنى انه لم يكن هذا التمثيل تمثيلا للموقع الذي
    يشغله الشخص، بل هو محاولة لاختيار شخص يعتقد من يختارونه انه يمكن ان
    يعبر عن الموقف المراد التعبير عنه.
    نحن «اعضاء الوفد» لا نصنع مواقف الحكومة، نحن مهمتنا ان نعرضها وندافع
    عنها، ولذلك يتم الاختيار على هذا المعيار.
    ـ ولكننا كثيرا ما نسمع من الحكومة انها اعطت وفدها المفاوض كامل الصلاحيات للتفاوض؟
    ـ اعطاء كامل الصلاحيات لا يعني ان بامكان الوفد المفاوض ان يصطنع المواقف. والعملية التفاوضية فيها مساحة حركة واسعة ولا يمكن للحكومة ان تقيد المفاوض في الحركة، ولكنها تقول له: مهما تحركت فوراءك خط احمر غير مسموح لك بتجاوزه. مثلما ان لاعب كرة القدم مثلا لديه كامل الصلاحيات في ان يتحرك في كل مساحة الملعب ولكن ليس مسموحاً له ان يخرج بالكرة الى خارج الميدان.
    ـ معنى ذلك انكم تضطرون للرجوع للمراجع العليا في الخرطوم اثناء التفاوض؟
    ـ اثناء التفاوض لا نراجع القيادة لكن قبل التفاوض تعقد اجتماعات وتناقش الخيارات واحيانا اذا عرضت افكار مفاجئة لنا نرسل الى القيادة المعنية بالعروض الجديدة مقرونة بآرائنا ونطلب الرأي الاخير. وفي كل الحالات النادرة جدا التي قررنا ان نرفعها الى المراجع العليا كان الرد يأتي بأن الموقف الذي رأيناه صحيح.
    ـ اعود الى سؤال يطرح كثيرا في منتديات السياسة السودانية.. الم يكن من الافضل ان ترتضوا باتفاق الميرغني قرنق في اواخر الثمانينيات بدلا من هذه «الشحططة» اذ كان خالياً من كل هذه التعقيدات مثل تقرير المصير والوسطاء والعاصمة.. وغيرها. هل كنتم تحتاجون لتدبير انقلاب عسكري لتخلقوا كل هذه التعقيدات؟
    ـ يا اخي.. اتفاق الميرغني قرنق لم يكن فيه حتى تفاوض على تقرير المصير لان الاتفاق كان يرهن مصير السودان كله في يد قرنق. واذا كان من يقدر ان هذا هو الخيار الامثل فنحن لا نقدره كذلك. ثم ان الانقلاب الذي حدث كان رد فعل على الخروج على الديمقراطية باستخدام القوى المسلحة نفسها والجيش نفسه.
    حيث استخدم الجيش ليقول ان هذه القوى السياسية تمثل في الحكومة وتلك القوى لا تمثل. واذا كانت جهة ما اباحت لنفسها استخدام القوات المسلحة لحسم الخيارات السياسية فان لاي جهة اخرى الحق في استخدام الطريقة نفسها.
    ـ سؤال اخر يتردد كثيراً: ما هي المشكلة لو انفصل الجنوب؟ لماذا الشمال هو الحريص على الوحدة؟ وهل الثمن الذي يدفع من اجل ذلك يساوي النتيجة المرتقبة حتى باحتمالاتها الضعيفة؟
    ـ اي دولة في العالم تحرص على وحدة ترابها ولا ترضى بتقطيع اوصالها.
    ـ ولكن اذا كان هذا الحرص سيسفر عن نتيجة اسوأ فليس من الحكمة التمسك به اليس كذلك؟
    ـ بالطبع.. اذا كانت الوحدة ستؤدي الى سفك الدماء وتبديد الاموال الى امد غير معلوم ولا محدود، فلا بأس من اتاحة الفرصة للانفصال، وهذه هي الفكرة نفسها التي قام عليها بروتوكول ماشاكوس. وهي ان نحاول جعل الوحدة هي الخيار المرغوب ولكن اذا فشلنا ان نقنع بذلك غالبية شعب الجنوب فالامر بيدهم.
    ـ من يرددون هذا السؤال يرون ان «القصة بايظة» من بدايتها لنهايتها حتى ولو تمت الوحدة الطوعية.. شعبان لا يتشابهان في شيء لا عرقا ولا ثقافة ولا لوناً ولا مزاجاً.. مختلفان في العادات والتقاليد وشكل الممارسة الحياتية اليومية، كل ذلك في ظل استعلاء واضح وممارسات من الشمال ولدت احقاداً وضغائن لا تمحى في دواخل الجنوبيين.. لماذا الاصرار على جمعهما؟
    ـ دعني ابدأ بكلمة استعلاء هذه التي استخدمتها. الـ «PREJUDICE» موجود في اي مكان في العالم وليس قاصراً على السودان وليس قاصراً على الشماليين ضد الجنوبيين. هنالك شماليون يتعالون على شماليين اخرين وهنالك جنوبيون يرون انفسهم افضل من جنوبيين اخرين وفي داخل القبيلة نفسها ترى مجموعة نفسها افضل من مجموعة اخرى وهكذا. لكن السؤال المحك هو: هل هنالك تحيز في الشمال ضد الجنوبيين في ان ينالوا حقوقهم ام لا؟
    والاجابة بالتأكيد لا.. لا يوجد تحيز ولا تمييز بمعنى ان تقرر جهة واعية تجريد الجنوبيين من حقوقهم. نعم هناك اسباب تاريخية واخطاء سياسية او غيرها ولدت شعوراً بالغبن والاضطهاد.. وهذا الشعور يمكن ان يعالج بطرق غير الانفصال واذا لم نجد معالجة على الاطلاق ففي هذه الحالة لابد من الانفصال.. ولكننا نقدر ان هناك فرصة للمعالجة وازالة التظلمات ولمعالجة الغبن والفجوة النفسية بين اهل الجنوب واهل الشمال.
    ـ انتقل الى سؤال يتعلق بالسلام ومرتبط بموقعك السياسي او قل الوظيفي.. باعتبارك مديرا لهيئة الاذاعة والتلفزيون فهاتان الوسيلتان الاعلاميتان تسيران في اتجاه مغاير لاشاعة ثقافة السلام رغم انخراطكم في المفاوضات وتتبنيان خطاباً تحريضياً مشحوناً بالعنف ويشير الكثيرون في هذا الخصوص الى برنامج «ساحات الفداء».. ما ردكم؟
    ـ المراقب المحايد لا يجد ما تقول.. ولكن لا ينتظرنّ احد الا نذكر سيرة الشهداء وان نقول انهم ماتوا، بدلا من ان نقول انهم استشهدوا. ذلك لن يحدث حتى بعد السلام، ولا يمكن ان نسكت عن تضحياتهم. وكل حلقات برنامج «ساحات الفداء» تتحدث عن ان هؤلاء هم شهداء وقدموا تضحيات ولكنها لا تتحدث عن ان الحل في الحرب وينبغي ان نحارب، ولو فعل القائمون على البرنامج هذا لالغيناه.
    اكرر لو وجد في البرنامج تحريض على الحرب كنا اغلقناه. اما ان نذكر الشهداء فهذا مباح وسنستمر حتى بعد الاتفاق.
    ـ وماذا ستطلقون على من قتلوا في صفوف الحركة بعد السلام.. شهداء ايضا؟
    ـ هم شهداء في رأي قرنق وليس في رأينا.
    ـ كيف سيكون مضمون الخطاب في التلفزيون القومي؟
    ـ مفهوم «القومي» لا يعني ان تتطابق آراء الجميع. الرأي الذي يطرح هو الرأي الذي يعبر عن الاغلبية واذا كان لشخص اخر رأي اخر فسيكفل له حق الادلاء برأيه.وهذا ما يحدث الان، على سبيل المثال يحدث احياناً ان يتصل احدهم اثناء البرنامج فيقول ان هؤلاء ليسوا بشهداء وقد يكون المتصل من الملتحين او المتدينين ويقول ان هذه ليست حرباً في سبيل الله ولذلك فقتلاها غير شهداء.. ويذاع هذا الكلام وسمعت ذلك شخصياً اثناء حلقة من حلقات برنامجي «المنتدى الفقهي».
    ـ اما انا فقد سمعت حكاية اخرى تقول ان احد الدعاة قال في برنامج تليفزيوني
    ان القتلى في الجنوب ليسوا شهداء فأوقف برنامجه واشبع ضرباً في جهاز الامن ولما عاد الى الشاشة بعد حين قال: حتى الطير الذي يموت في الجنوب شهيد.. هل سمعت بهذا؟
    ـ هذه تشنيعة وليس بالضرورة ان نعلق على كل تشنيعة.
    ـ اعتقد اني حصدت حصيلة وفيرة من حديثك فيما يخص السلام وقضاياه..
    واستسمحك في سؤال خارج اطار ملف السلام..
    ـ تفضل.
    ـ اريد ان اسأل عن الترابي.. لماذا هو معتقل؟ والى متى؟
    ـ انا لست الجهة التي يفترض ان تسأله هذا السؤال لتحصل على اجابة، خاصة وانني لست ملماً بالتفاصيل الضرورية لاعطيك اجابة وافية. انا اجيب على اسئلتك الان بصفتي عضوا في وفد التفاوض الحكومي.. واذا كنت تسأل عن مشاعر شخصية.. فأنا ارغب في ان يطلق سراح الترابي اليوم قبل غدٍ.. هذا ما اتمناه وما ارجوه وما اطالب به.
    ـ ما تطالب به فحسب؟ ام تسعى اليه؟
    ـ نعم واسعى اليه.
    ـ وما الذي يعرقل اطلاقه؟
    ـ هنالك سلطة رسمية في البلد موكلة بمسألة التقديرات الامنية وهي التي تقدر في ظروف مثل ظروف السودان ما اذا كان هنالك شخص بعينه خطرا على الامن. هذا التقدير غير ملزم للشخص الاعلى الذي يتخذ القرار.
    هذا الشخص الاعلى يمكن ان يتخذ قراراً، لذلك نحن عندما نتحدث في خلاف ذلك التقدير لا يعني اننا نتفهم هذا التقدير لكننا نقدر تقديرات سياسية اخرى.
    ونقول انه ربما كان من الافضل سياسيا ان يطلق سراح الترابي الان قبل ان يطلق سراحه بحكم الواقع بعد اتفاقية السلام.
    ـ هذا بالضبط ما يقوله المنشغلون بهذا الامر. اذن بماذا ترد الجهة المفوضة بالقرار؟
    ـ لا اتحدث عن اجابات. هذا ما اقوله انا لكني لم اسمع اجابات!!
    ـ لماذا لا تبذل سعياً واضحاً في هذا الاتجاه اذا كنت مقتنعاً بذلك؟
    ـ انا قلت هذا علناً ونشر في الصحف في السودان، قلت في احدى الصحف ان هذا هو الوقت المناسب لاطلاق سراح الترابي لانه اذا تأخر الافراج عنه فان الفضل سينسب لقرنق وليس للحكومة.
    ـ الا يمكن ان ينتظم من يرون ما ترى داخل الحكومة لطرحه بصورة ضاغطة في اتجاه اطلاق الترابي؟
    ـ اذا ناقشنا هذه المسألة فلن نحيط الصحف علماً بهذا.
    ـ هل حدثت بالفعل محاولة مثل هذه؟
    ـ اكتفي بالاجابة السابقة قلت لن نحيط الصحف علماً فكيف تريدني ان اجيب؟
    ـ في زمن ما كنت انت السكرتير الخاص للترابي.. اليس كذلك؟
    ـ بل كنت مدير مكتبه وكنت سكرتير المكتب التنفيذي الذي..

    ـ عفوا على قسوة السؤال: الا يراودك اي شعور بتأنيب الضمير وانت تشغل منصباً مهماً في نظام يسجن الرجل الذي اتى بهذا النظام؟
    ـ يا اخي في السياسة لا مجال للمشاعر الشخصية. واحدة من ميزات السياسي الناضج الا يتخذ من المشاعر الشخصية معياراً في اتخاذ المواقف والقرارات والا لفسد الامر جميعاً.
    مشاعري الشخصية تجاه دكتور الترابي ودية والصلة موجودة والصلة مع اسرته موجودة وستظل موجودة.. اما اننا اختلفنا سياسياً فهذا لم يكن سراً.. وكان علناً وقلت له اختلف معك في كذا وكذا.
    ـ فيم اختلفتم رغم انكم ـ جميعاً ـ متفقون فكرياً بل هو صاحب هذا الفكر الذي جمعكم اصلاً؟
    ـ هذا الفكر ليس هو صاحبه. لو اقتنعنا انه هو صاحب الفكر الذي جمعنا لكنا معه الان. نحن نعرف انه ليس صاحب الفكر الذي تعنيه. هذا الفكر فكر اسلامي متاح للجميع للاجتهاد فيه وهو احد الذين علمونا الاستقلالية في النظر، ولذلك لابد ان يشقى بهذه الاستقلالية التي نتمتع بها!!
    أجرى الحوار: محمد خليل كاره

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de