|
شايلوك ..تاجر البندقية ..ينادي البندرية
|
ربما يذكر البعض قصة التاجر اليهودي ( شايلوخ ) في مدينة البندقية الإيطالية ، عندما إستلف منه التاجر الإيطالي مبلغا من المال فإشترط عليه اليهودي موعدا محددا ، فإن لم يرجع فيه المبلغ إقتطع أرطالا معينة من لحم.جسمه و لسوء حظ الإيطالي ، فقد غرقت سفنه ببضائعها ، و أزف موعد السداد ، و أراد الإيطالي أن يمهله اليهودي بضعة أشهر ، و لكن المرابي اليهودي أصر على دفع المبلغ كاملا أو قطع الأرطال المتفق عليها من لحمه. و حاول بعض التجار دفع المبلغ عن الإيطالي ، و لكن اليهودي أصر على موقفه ، و عندما وقفا أمام القاضي ، أصر اليهودي على موقفه ، فما كان من محامي الإيطالي إلا أن قال لليهودي : حسنا ، إقتطع أرطالك من اللحم ، و ها هو الميزان ، و لكن إياك أن تريق قطرة دم ، أو يزيد ما تقطعه عن الأرطال التي في الإتفاق ، فهذا بشر و ليست بذبيحة ، إقطع أرطالك بالتمام و الكمال دون زيادة . و عرف اليهودي أنه لا يمكن قطع أرطاله من مرة واحدة بالتمام و الكمال ، فربما زاد عن المتفق عليه ، فكيف يعيد اللحم الزائد أو الدم المراق؟ و هنا قال : حسنا ، سآخذ المال الذي عرضه أصدقاؤه. فقال القاضي : لا ، إما اللحم ، أو فلا. فخسلر اليهودي كل ماله و خسر لذة الربا التي كان يرجوها. كم من شايلوك يصول و يجول و لكن بشروط مختلفة و ظروف مختلفة. عندما فاجأ سعد أخته البندرية ذات السبعة عشر ربيعا بأنه سيزوجها من حمدان ، لم تستوعب الخبر تماما ، و لكنها ، و كعادتها التي تأبىعليها مناقشة شقيقها الذي قام بتربيتها بعد وفاة والدهما ، طأطأت رأسها في دلالة على الطاعة العمياء، و لكنها لم تهن على سعد ، فقال لها: البندرية أختي ، أنا بصارحك بي حاجة خليها سر في بطنك. حمدان أنا مديون ليهو بي قروش كتيرة و في حاجات بيني و بينو ممكن توديني السجن. طلب مني عشان يسكت إنو أوافق على زواجك منو. قلت شنو ؟ و نظر إليها نظرة مليئة بالإستعطاف ، فترقرقت الدموع في عينيها ، و إرتمت بين أحضان شقيقها تشهق ببكاء مكتوم ، ففهم شقيقها أنها موافقة إكراما له و حفاظا على سمعة الأسرة و كيانها. فربت أخوها على ظهرها النحيل و هو يتمتم : عفيت منك يا بت أمي و أبوى ، عفيت منك. ليلة الدخلة ، كانت تجلس حائرة ، فهي لا تعرف هذا الحمدان ، غير أنه متخم بالمال ، و لم يتزوج بالرغم من بلوغه الأربعين ، حتى تهامس الناس عن سبب عزوفه عن الزواج مع أنه مقتدر ، ضخم الجثة ، له كرش تهتز أمامه كلما تحرك. عندما دلف إلى غرفة نومها ، إنخلع قلبها الصغير ، و كأنها تسمع وجيب قلبها من خلال ثوبها. و من خوفها ، لم تسمع وقع أقدامه و هي تقترب منها.ضاعت وسط خضم الخوف رائحة عطر ( الخمرة ) النفاذة ، و رائحة الصندل التي تعبق في الجو . تركز كل خوفها في الوصف الذي كانت تتناقله الفتيات عن هذه الليلة التي لابد منها و لكنها مقرونة بخوف أشبه بخلع الضرس ببنج موضعي لأول مرة. كان شفتي يا البندرية ، هو كدي غايتو .... و ترتفع وتيرة صخب البنات المتزوجات ، فتلتقط إحداهن دفة الحديث : هوى ، ما تخوفوها ، و الله يا البندرية كل البيقولنو دة مبالغات. إقترب منها و وضع يده الغليظة على أسفل ذقنها الرقيقة و رفع رأسها و هي تنظر إلى لا شيء ، و أنفاسها تحرق أصابع يده. نظر إليها مليا و قال : سبحان الخالق. إنت سمحة بالحيل يا بنية. و إزدردت ريقها الجاف بصوت مسموع. تكاد تسمع ما تفكر به داخل عقلها : يا ربي الغول دة حيسوي شنو بعد دة ؟ و لدهشتها الشديدة ، خلع ثوبه ثم عمامته و تمدد على السرير و راح في سبات عميق. و بالرغم من أنها أصابها نوع من الإرتياح ، إلا أنها كانت مرتابة ، و تقول في نفسها أن بالأمر شيئا لم تفهمه ، ربما هكذا يفعل العرسان في أول ليلة ، و يمكن ، و يمكن ، و جلست البندرية في ركن قصي تراقبه من طرف خفي ، فقد كان الإرتياب يملأ جوانبها ، فكأنه سينهض فجأة و ينقض عليها. و عند التباشير الأولى للصباح ، قام حمدان موفور العافية و الصحة ، و دون أن ينبس بكلمة ، أخرج من ( جزلانه ) إبرة ، و طعن بها أصبعه الإبهام عدة طعنات ، و غمس منديلا أبيضا في دم أصبعه و خرج للملأ من ( عواجيز الفرح ) الذين ينتظرون الدم المسفوح قربانا للشرف و العفة ، خرج إليهم بدم كذب ينظرون إليه بفرح ( سادي ) و يتناقلون المنديل بتشفي غريب و هم يزغردن و البقية تدخل على البندرية المذهولة من كل الذي يحدث أمامها ، و عجوز تقول لها : ما تتحركي يا بتي ، الفطور جاهز ، بنجيبو ليكي فوق السرير. تحتار البندرية ، و لكنها ، شيئا فشيئا تفهم الأمر ، و لكن عقلها البريء ، لا يستوعب الأمور بسرعة. يا للهول. حمدان الذي يملأ القرية ضجيجا ، و يعمل له الناس ألف حساب ، غير مكتمل الرجولة. و لكنه هاهو ينتقم منها و من شقيقها و من أنوثتها. لا تستطيع أن تبوح بشيء ، و إلا عملها حمدان ( علي و على أعدائي ). يأتي كل ليلة ، تفوح منه رائحة المنكر النتنة ، و يداعبها قليلا مداعبة المغبون، ثم يستقبل الجدار و هو يشتم و يسب و يلعن في تمتمة من تحت أسنانه كانت تخيف البندرية. ما قربتو تبقو تلاتة ؟ سؤال كان ( ينتح ) في رأس البندرية كألم الصداع النصفي. فلا هي زوجة ( بينها و بين زوجها ) و لا هي ( عذراء ) في مفهوم الناس. لو فاح الخبر و إنتشر ، سيكون حمدان كالثور الهائج في مستودع الخزف ، سيصيب الكل بغضب عارم. إزدادت البندرية نحافة ، و هو ( يتورم ) طولا و عرضا. يأكل بنهم ، و ينام قرير العين هانيها ، و هي تتململ من هذا الوضع الغريب الذي تعيشه. آه من الدنيا. كانت تحب صلاح إبن عمها الموظف البسيط. الذي مرض مرضا شديدا بعد أن علم بزواجها. هل تصارحه و تهرب معه ؟ لا ، فسيدخل أخوها السجن. أصرت والدة حمدان أن يأخذوا البندرية للطبيب في المدينة للكشف عليها و معرفة سبب عدم الحمل. ضحكت البندرية يومها في هستيرية ، و شر البلية ما يضحك. و عندما ذهبت مع حمدان للمدينة ، قالت له : حنمشي ياتو دكتور ؟ قال لها و هو يحدجها بنظرة نارية : بلاش إستهبال. و إياك تاني تستهبلي جنس الإستهبال دة. فتحي عينك زى الناس. و أخذها لحديقة الحيوانات ، و عند قفص القرود كانت البندرية تقف تتفرج ، سحبها بشدة من طرف ثوبها و هو يقول : أمشاكي من هنا ، القرود ديل ما عندهم أدب تب. فأبتسمت إبتسامة ( غتيتة ) فلكزها على رأسها. و في المساء ، سألته أمه : أها ، المشكلة من شنو ؟ قال و هو يخط بعصاه على الأرض : عندها ضعف شديد ، الدكتور قال لازم تتغذى كويس. نظرت إليه البندرية و كأن لسان حالها يقول : التربة بكرية ، الكلام على التيراب و المزارع. مر الزمان يدور على البندرية ، و الحال كما هو ، نفس الذي تصبح عليه ، تمسي عليه. فاجأتهم أمه : حمدان ، لازم تتزوج واحدة تانية. بدور أشوف ذريتك قبال أموت. دغدغت أحشاء البندرية ضحكة و قالت في سرها : يعني داير يمرق ليك ذرية الصالحين و الأولياء ؟ و في الليل ، قال لها حمدان : البندرية ، أنا حسع كدي في ورطة. لم تجب. قال منتهرا : أنا عاوز شورتك. ما تقيفي لي كدي زى الصنم. قالت : شورتي حسع بتدورا ؟ فجثا على ركبتيه ، و قال لها و هو يمسك بيديها النحيلتين : سألتك بالله و العيش و الملح ، تديني شورك. قالت أيضا في نفسها : هو غير العيش و الملح في شيتن تاني ؟ قالت له : بتسوي البقولو ليك ؟ قال : لو بينقذني من الورطة دي، طوالي بسويهو. قالت له : أول شي تقطع الورق البينك و بين سعد أخوى. تاني شي تطلقني. و ثالث شيء ، تديني قدر الإتسلفو منك أخوى. هنا أراد أن يثور و يضربها ، إلا أنها بإشارة من يدها أوقفته و قالت بثقة المتمكن من زمام الأمور : شوف ، أنا بعمل زعلانة من حكاية زواجك من واحدة تانية ، تقوم تطلقني بعد ما تشاور والدتك. أها بعد داك تحرد العرس بحجة إنو أنا عاملة ليك عمل. و حتى لو إتزوجت ، أطلق إشاعة إنو معمول ليك عمل عشان ما تقرب من مرتك. نظر إليها و قال : يا بت الجنية. لو كنت بطلب من ربنا يديني أولاد ، كنت حأطلب يديني أولاد منك يا البندرية. و قبل رأسها. و طبق الإتفاق بحذافيره ، فطلق البندرية ، و مزق أوراق شقيقها ، و أعطاها مبلغا كبيرا أعطته لشقيقها لبدء عمل تجاري. أما هي ، فقد كانت أوفر حظا من الإيطالي ، فقد رجعت بلحمها و دمها و عذريتها و إنعتاق شقيقها و مالا وفيرا.
|
|
|
|
|
|