|
النزعة العسكرية لدى الأنظمة الشمولية
|
النزعة العسكرية لدى الأنظمة الشمولية حسونة المصباحي
كيف نفسر النزعة العسكرية التي طبعت شخصية صدام حسين ودفعته الى خوض العديد من الحروب الخاسرة التي ادت في النهاية الى سقوط نظامه، هل نكتفي مثلا، بتلك التفاسير التي تقول ان صدام حسين مريض بجنون العظمة، وانه كان يطمح ان يكون خليفة لـ(نبوخذ نصر) او لصلاح الدين الايوبي، لذا خاض حروبا داخل بلاده وخارجها بغرض تحقيق مثل هذا المطمح؟ او بتلك التي يرى اصحابها ان النزعة العسكرية لديه نابعة من التربية العشائرية الخشنة التي طبعت شخصيته في البداية وظلت حاضرة بقوة في جل ممارساته وسلوكياته وافكاره؟ طبعا يمكن لهذه التفاسير ان تكشف لنا جانبا من الحقيقة، غير انها ليست كافية في نظري، لذا من الافضل ان نوسع البحث ونعقد مقارنة بين نظام صدام حسين وانظمة شمولية اخرى تشبهه، مثل الفاشية والنازية، لكي ندرك الاسباب الحقيقية للنزعة العسكرية التي شكلت العمود الفقري لسياسته منذ البداية وحتى النهاية. حتى نهاية الحرب الكونية الاولى، كانت الحرب كما حدد ذلك عالم السياسة المعروف هانس كوهن 1891 ـ1971 في نصه الشهير «الفلسفة الشمولية للحرب» الصادر عام 1939، كانت وسيلة سياسية نستعملها فقط في اللحظة الاخيرة كحل اقصى، اما السياسة فكانت فن تجنب الحرب التي كانت تعتبر امرا غير طبيعي. غير ان ظهور الفاشية، انطلاقا من مطلع العشرينات من القرن الماضي، جعل من الحرب طابعا من طوابع الوجود، ولم تعد انحرافا يعود الى خلل اخلاقي او ثقافي، كما جعل منها ايضا الوسيلة المثلى للتعبير عن القوى الحية والجمالية عند الانسان، مقابل ذلك اصبحت السياسة مجرد وسيلة لاعداد الحرب والتهيئة لها. ومنذ ذلك الحين انمحت الحدود بين الحرب والسلام، واصبحت الدولة باقتصادها ومؤسساتها ثكنة واسعة فيها يهيمن الفكر العسكري على جميع مظاهر الحياة الفردية، والجماعية وفيها ينعدم الاعتبار للفنون والآداب، وتتركز كل الجهود على صنع الجندي المحارب. وقد عبر موسيليني عن ذلك قائلا: «على الامة كلها ان تكون امة عسكرية في الحياة، لا يمكن ان تكون هناك بهجة. اعتبر ان الامة الايطالية في حالة حرب مستمرة. فبالنسبة لي الحياة جهاد ومثابرة ومجازفة. ان الفاشية تحتقر الحياة المرفهة. والعقيدة الفاشية هي البطولة». وقد حول صدام حسين المجتمع العراقي الى مجتمع عسكري، ولم تسلم من ذلك اية مؤسسة تربوية او اجتماعية او مهنية او غيرها، وخلال العقود الثلاثة الاخيرة نسي العراقيون ان بلادهم انجبت شعراء كبارا من امثال عبد الوهاب البياتي وبدر شاكر السياب وسعدي يوسف ويوسف الصايغ وحسب الشيخ جعفر وآخرين، وباتوا مجبرين على ترديد اناشيد سخيفة تمجد الحروب الخاسرة التي يخوضها صدام حسين على الجبهات الداخلية والخارجية، وانعدمت الفرحة في بيوتهم وفي حياتهم وتحولوا الى شعب كئيب يبكي موتاه ومفقوديه وابناءه ومشرديه في جميع اصقاع الارض. وفي مختلف المدن والقرى لم يتبق هناك ما يمكن ان يبهج القلب او النظر، ذلك ان صدام حسين بسط صورته البشعة على ارض العراق كلها حتى لم يعد باستطاعة العراقيين ان يروا غيرها في صبحهم وفي مسائهم، اما ثروات العراق الهائلة فقد صودرت لتهدر في شراء اسلحة لا نفع لها ولا جدوى غير مضاعفة مصاعب العراقيين واوجاعهم. وحسب منظر النازية الشهير كارل شميت، فان النزاعات السياسية التي هي بالنسبة له نزاعات وجودية «لا يمكن ان تحل لا بالوسائل العقلانية ولا الجمالية وانما بالحرب وحدها»، لذا فإن الانسان ينظر الى كل من يواجهه في طريقه الى طموحاته وشهواته وكما، لو انه عدو لدود لا بد من التخلص منه. وعلى ضوء ذلك ادار ادولف هيتلر سياسة بلاده الداخلية والخارجية، لذا كانت الحرب بالنسبة له «سمت الحياة السياسية»، كما يقول هانس كوهن، وتحت تأثير الدعاية النازية، اصبحت الاغلبية الساحقة من الالمان تمجد الحرب والجيش الالماني وترى في السلام ضعفا وخطرا على قوة الامة وسلامتها. ويتجلى ذلك من خلال الفقرة التالية الواردة في «كفاحي» حيث يقول «ادولف هيتلر» ان المانيا هي المثال الرائع لامة اسست فقط على قواعد سياسة القوة. ان بروسيا، النواة الاصلية للرايخ، انبثقت من بطولة مشعة وساطعة وليس من المعاملات التجارية والمؤامرات المالية والرايخ نفسه لم يكن الا المكافأة الاشد بهاء وروعة لسياسة القوة والشجاعة لدى المحارب امام الموت. وعندما كانت الاصوات تتعالى لتجنب حرب عالمية ثانية كانت ملامحها قد بدأت تبين في الافق، كتب موسيليني يقول: «ان الحرب بالنسبة للرجل هي بمثابة الامومة بالنسبة للمرأة. انا لا اؤمن بسلام دائم. وليس ذلك فقط، وانما انا اعتقد ان ذلك امر محبط وهو في النهاية نفي للفضائل الاساسية التي يمتلكها الرجل». مثل هذا الكلام يؤكده ايضا بيان صدر عن الحزب الفاشستي الايطالي بتاريخ 20 ديسمبر (كانون الاول) 1929 فيه ورد ما يلي: منذ نشأته وحتى هذه الساعة والحزب الفاشستي يعتبر نفسه في حالة حرب دائمة، ذلك ان الفاشية هي قبل كل شيء عقيدة تدفع الايطاليين الى العمل كما لو انهم جنود يطمحون الى كسب الحرب التي تخوضها الامة ضد اعدائها». وفي خطاب القاه يوم 25 اغسطس (آب) 1934، زاد موسيليني تأكيدا على ذلك قائلا: «سنكون امة حربية، تزداد تمتعا يوما بعد يوم بخصال الطاعة والولاء والتضحية والاخلاص للوطن. معنى ذلك ان كل حياة الامة، الاقتصادية منها والاجتماعية لا بد ان تكون ملبية لضروراتنا الحربية». ولم يكن نظام صدام حسين مختلفا من هذا الجانب عن النظامين الفاشي والنازي، فقد كانت الحرب وسيلته الوحيدة في التعامل مع الاقليات داخل بلده ومع الجيران الذين يحيطون به. وكان الجميع بالنسبة له اعداء تجب محاربتهم والتصدي لهم بالقوة لانهم يمنعونه من تحقيق اغراضه وتوسيع نفوذه. يستوي في ذلك الاكراد والايرانيون والكويتيون والغربيون، خصوصا الولايات المتحدة الامريكية، ولو عدنا الى تاريخ نظام صدام حسين منذ نهاية السبعينات حتى سقوطه لعاينا انه كان دائما يسعى الى الحرب بأية طريقة كانت، رافضا المفاوضات ذلك انه كان يعتبرها «اداة الجبناء والضعفاء». اما القوة فهي في نظره الاداة المثلى والوحيدة لحسم القضايا العالقة ولايجاد حلول للمصاعب السياسية والاقتصادية التي كانت تواجهها بلاده، وكما هو الامر بالنسبة لكل الانظمة الشمولية، كان المجتمع العراقي برمته خاضعا خضوعا تاما للدولة. وليس بامكان اي مجال اجتماعيا كان ام فرديا ان يكون متحررا من سيطرتها. والدولة هي الحزب الذي يتماهي معها ومع المجتمع ممتصا كل الادوار التي من المفروض ان يقوما بها. ولان الحرب اصبحت تطبع كل مظاهر الحياة، فإن نشاطات الجميع من عمال وفلاحين ورجال صناعة وعلماء واساتدة وغيرهم، لا بد ان تكون في خدمة المجهود الحربي. وعوض ان يستغل خبرات العلماء الذين تكونوا في ارقى الجامعات لتطوير المجتمع، وتعميق البحوث العلمية في جميع المجالات، قام النظام العراقي بتجنيدهم لخدمة اغراضه الحربية الدنيئة والعدوانية متفقا في ذلك تمام الاتفاق مع كارل شميت منظر النازية الذي يقول: «ان الحروب هي جوهر الحياة. وطبيعة الحرب الشاملة هي التي تحدد طبيعة الدولة وشكلها الشمولي». Alsharq Alawsat Newspaper Alray page 04-10-03
|
|
|
|
|
|