|
الجزء الثانى من مقال الاستاذ طه أبو قرجةالمحامى عن حرب العراق
|
الاخوان والاخوات الكرام تحية طيبة هذا هو الجزء الثانى من مقال الاستاذ طه أبو قرجة المحامى عن حرب العراق
-------------------------------------------------------------------------------- التحدي الذي يواجه العالم !! إما المجتمع الكوكبي الإنساني الواحد ، وإما الاستعمار والحرب والدمار
(2) من (3) لابد من إعادة النظر في آلية اتخاذ القرار في مجلس الأمن الدولي العالم لم ينتبه بما يكفي لخطر الموجة الاستعمارية الجديدة على دول العالم أن تقاطع دول العدوان الثلاث دبلوماسياً وتجارياً حتى تجلو وتعوض العراق
[email protected] بقلم: طه إسماعيل أبو قرجة
لقد كان السيد كوفي أنان، السكرتير العام للأمم المتحدة، حصيفاً حينما ردّ بهدوء على اتهام نائب الرئيس العراقي إياه بأنه متواطيء مع أمريكا وبريطانيا في عدوانهما على العراق بقوله: (إن مما يدعو إلى السخرية أن يوصف مواطن مستعمرة سابقة، كشأني، بأنه متواطيء مع الاستعمار).
لعل وضع السكرتير العام لا يسمح له بأكثر من هذا القول الحصيف للتعبير عن القناعة المشتركة عند كل الناس، بمن فيهم المعتدين أنفسهم الذين يشيعون غيرها، بأن هذه الحرب ليست سوى استعمار. وقد سعيت إلى تبيين ذلك في الجزء الأول من هذا المقال، وحاولت تفنيد كل الذرائع التي ساقتها الإدارة الأمريكية لتبريره.
ومن هنا فقد وجبت مواجهة هذا العدوان الاستعماري، دون أدنى اعتبار لسوء نظام صدام ودكتاتوريته. فنظام صدام سيئ ما في ذلك أدنى ريب، لكن ينبغي أن يكون واضحاً أن إزاحته هي شأن الشعب العراقي وحده. كما ينبغي أن يكون واضحاً أن دول العدوان هي أخطر من صدام، على الشعب العراقي، وعلى الشعوب المجاورة (بما فيها الشعب الكويتي)، وعلى العالم بأسره. ذلك لأنها لم تقم بالعدوان لاستنقاذ الشعب العراقي كما تحاول تضليل الناس، وإنما لتحقيق مصالحها الخاصة على حساب شعب العراق، وسيادته على أرضه وموارده، وحقه في تقرير مصيره بنفسه. ومن أجل ذلك قلت في الجزء الأول من هذا المقال أن العراق ليس سوى الضحية الأولى. وهناك قائمة طويلة من الدول التي ستروح ضحايا لهذه الموجة الاستعمارية الجديدة، ليس في الشرق الأوسط وحده، وإنما في آسيا، وإفريقيا، وأمريكا الجنوبية. فإذا كان تبرير الغزو هو تحرير الشعب العراقي من نظام دكتاتوري، فإن الدول العربية الخمس عشرة التي تقول أمريكا أنها تؤيد عدوانها على العراق ليست دولاً ديموقراطية، وستكون في ذات القائمة التي تصدَّرها العراق.
إذا صح أن هذا العدوان هو بداية موجة استعمارية تهدد دول العالم الثالث، فإن دول وشعوب العالم تقف الآن أمام أحد خيارين: إما أن تنهض فوراً لمواجهة هذه الموجة الاستعمارية وكأن هذا العدوان قد ارتكب ضدها.. وإما أن تجلس وتنتظر دورها لتعطي عندئذ دول الاستعمار ما تريد وتظل سيادتها على أرضها ومواردها شكلية، وإما أن تدافع عن نفسها منفردة مثلما يدافع شعب العراق الآن عن نفسه منفرداً أمام هذه القوى الجبارة الباطشة الطائشة.
إذا اتضح ذلك، فقد اتضح أن مواجهة هذه الموجة الاستعمارية الجديدة هي واجب الناس في كل مكان. وأحب أن أقرر منذ الوهلة الأولى أن المواجهة التي أدعو دول وشعوب العالم إليها ليست هي الحرب والعنف، وإنما هي المواجهة السلمية القوية الفاعلة، التي سأشير إلى ملامحها العامة فيما بعد. وفي تقديري أن هذه المواجهة يجب أن تتم في مستويات خمسة:- 1- مستوى منظمة الأمم المتحدة. 2- مستوى المنظمات الإنسانية العالمية والمحلية. 3- مستوى الدول. 4- مستوى الشعوب حول العالم. 5- مستوى الشعوب في دول العدوان (أمريكا، بريطانيا، وأستراليا).
أولاً : مواجهة العدوان على مستوى الأمم المتحدة : من الواضح أن الأمم المتحدة لم تتحرك بالسرعة المطلوبة. كما أنها حين تحركت بانعقاد مجلس الأمن لمناقشة الحرب بعد نحو أسبوع من بدئها، لم تكن في مستوى الفعالية المطلوبة. بل أن مجلس الأمن قد اتجه لمناقشة مسائل ثانوية، رغم أهميتها، كبرنامج النفط مقابل الغذاء. وغير خاف بالطبع أن مجلس الأمن لن يستطيع في هذه الأزمة أن يتخذ قراراً لا ترضاه الإدارة الأمريكية أو البريطانية، لأنهما ستستخدمان حق الفيتو. وقصارى ما يمكن أن يفعله مجلس الأمن هو إصدار قرارات يسيرة تتعلق بمعالجة الأوضاع الإنسانية خلال الحرب.
لقد أعادت مسألة العراق إلى السطح من جديد مسألة قديمة طالما شلَّت مجلس الأمن أوان الحرب الباردة، وهي مسألة الفيتو. فالفيتو رغم مبرراته الآنية، إلا أنه يشكِّل عيباً كبيراً في آلية اتخاذ القرار في مجلس الأمن، مما يوجب إعادة النظر في كيفية عمله، وتعديل ميثاق الأمم المتحدة على ضوء ذلك. وأقترح أن يتم تعديله آلية اتخاذ القرار في مجلس الأمن لتكون أكثر ديموقراطية، وأكثر عملية، وذلك على النحو التالي:- 1- إلغاء حق الفيتو الذي تملكه كل دولة من الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن (وهي أمريكا وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين) واستبداله بما يمكن تسميته بديموقراطية الكبار، (أو دعونا نكون أكثر واقعية فنسميها ديموقراطية الأعضاء الدائمين، لأن وصفهم بالكبار لا يليق بهم، خصوصاً في ضوء تصرفات الإدارة الأمريكية والبريطانية الأخيرة). فإذا طُرِح مشروع قرار للتصويت، تؤخذ فيه أولاً أصوات الأعضاء الدائمين، فإذا رفضته أغلبيتهم، سقط. وإذا أجازته أغلبيتهم، أخذت بشأنه أصوات الأعضاء غير الدائمين.. فإذا كانت أغلبية جملة الأصوات مع مشروع القرار، اعتبر مُجازاً من المجلس، ولا عبرة بالصوتين المعترضين من مجموعة الخمسة الدائمين.. أما إن كانت أغلبية جملة الأصوات ضده فيعتبر المشروع قد سقط. وهذا يعني أن يكون الفيتو هو اعتراض أغلبية الأعضاء الدائمين، وليس اعتراض أي واحد منهم.
2- يحسن أيضاً أن تضاف بعض الدول إلى قائمة الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن. وأقترح إضافة ألمانيا واليابان، اللذين أفقدتهما ملابسات الحرب العالمية الثانية هذه العضوية الدائمة. كما أقترح إضافة كندا وجنوب إفريقيا.
ليس من المتصور بالطبع أن تجرى هذه التعديلات الآن لتأهيل مجلس الأمن للتعامل مع الأزمة الحالية بصورة أكفأ، ولكن لابد منها لتأهيله للتعامل مستقبلاً مع القضايا الدولية بصورة أكثر كفاءة. والحق أن العدوان الحالي على العراق رغم أن مبعثه روح الظلم لدى إمبراطوريات المال الأمريكية إلا أن هشاشة آلية اتخاذ القرار لدى مجلس الأمن قد أعانت عليه.
ضرورة تصويت مجلس الأمن على مشروع قرار بشأن العدوان : إن عجز مجلس الأمن بوضعه الحالي عن معالجة هذه الأزمة يجب أن لا يجره إلى مناقشة مسائل توحي بأن أغلبيته لا ترى بأساً من العدوان الأمريكي البريطاني على العراق. فأول ما يجب على مجلس الأمن فعله، هو العمل على إصدار قرار بعدم مشروعية العدوان، حتى وإن كان من المعلوم أن أمريكا وبريطانيا ستستخدمان الفيتو. فهذا يجب أن يسجل عليهما، للتاريخ. كما أن التصويت على مثل هذا القرار سيؤكد أن أغلبية مجلس الأمن تعتبر تصرفهما عدواناً غير مشروع. ويلاحظ أن الإدارة الأمريكية والبريطانية كانتا تسعيان إلى إجراء مثل هذا التصويت رغم أنهما كانتا تعلمان أن فرنسا وروسياً ستستخدمان حق الفيتو، وذلك حين كانتا تأملان الحصول على أغلبية داخل مجلس الأمن تبرران بها عدوانهما بأن تقولا أن أغلبية المجلس تؤيد عملاً عسكرياً ضد العراق. وقد جهدتا في الرشوة والترغيب والترهيب. ولكنهما حين أدركتا أن الأغلبية ضد مشروع قراراهما، تراجعتا عن فكرة طرحه للتصويت، واتجهتا إلى السلاح. والآن يجب أن يكون العالم أذكى من الإدارتين الأمريكية والبريطانية، فيطرح مشروع القرار، ليحظى بالأغلبية، ولتسقطه الإدارة الأمريكية والبريطانية بالفيتو.
على مجلس الأمن أن لا يتورط فيما يسمى بإعادة إعمار العراق : على مجلس الأمن أن لا يقبل بالإشراف على ما يسمى بإعادة إعمار العراق، في حالة انتهاء العدوان الحالي بإزاحة نظام صدام. وذلك لعدة أسباب، منها:- 1- إن ثروات العراق وشئون العراق وإعادة إعماره هي اختصاص الشعب العراقي وحده.
2- إن وضع الدول تحت الوصاية الدولية والانتداب، على نحو ما كان الحال بعد الحرب العالمية الأولى، لم يعد لائقاً، ولا عادلاً. فليس هناك شعب من شعوب الأرض هو في حالة تبرر وضعه تحت الوصاية. فحتى رواندا التي يؤوفها التناحر العرقي الحاد، استطاع أهلها، بقليل من الاهتمام الدولي المتأخر، أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم.
3- إن إخراج الأمور المتصلة بالعراق من يد الشعب العراقي إلى أي جهة أخرى، حتى ولو كانت مجلس الأمن، هو ثمرة شجرة سامة (Fruit of a poisonous tree)، كما يقولون. فهو ثمرة العدوان الذي عبَّر المجتمع الدولي عن إدانته ورفضه.
4- إن الإدارة الأمريكية تحاول تبرير عدوانها على العراق بأنه من أجل تحرير العراقيين من صدام وتمكينهم من إدارة بلادهم. وبالتالي، فهي إن استطاعت أن تزيح صدام، فعليها أن تخرج فوراً من العراق، ليباشر العراقيون حكم بلادهم بأنفسهم. وحتى لو أصرت على بقاء جنودها بضعة أشهر لحين إجراء انتخابات، فإن هذه الفترة ليست فترة إعادة إعمار، وإنما قصاراها تأمين الحاجات الضرورية من غذاء ودواء ونحوهما للشعب العراقي. ووفقاً للقانون الدولي، فإن تلك هي مسئولية أمريكا وبريطانيا لأنهما يحتلان الأرض ويجب أن ينهضا باحتياجات السكان الإنسانية، وهما يجب أن يقوما بذلك من مواردهما الخاصة وليس من أموال العراق. كما يجب عليهما أن ينفقا على ذلك من مواردهما إن كانتا صادقتين بأنهما جاءا في مهمة نبيلة لتحرير شعب العراق. أما إن أبتا، فإن ذلك يمكن أن يتم من خلال برنامج النفط مقابل الغذاء، وبالمعونات الدولية إن كانت لها ضرورة، وأي برنامج آخر.. شريطة أن تتابع سلطة عراقية انتقالية هذه الأمور نيابة عن الشعب العراقي ريثما يتم انتخاب سلطة. أما إعادة الإعمار، فأمر يباشره الشعب العراقي فيما بعد، من خلال سلطة منتخبة، وليس من خلال سلطة مؤقتة أو دائمة تنصبها الإدارة الأمريكية أو غيرها. فالسلطة العراقية المنتخبة انتخاباً حراً هي وحدها صاحبة الحق في تحديد مشاريع إعادة الإعمار التي يريدها العراقيون ببلادهم، وكلفتها، وجداولها الزمنية، وكيفية تنفيذها، وما إذا كان العراق بحاجة إلى شركات أجنبية لتنفيذ أي جزء من تلك المشاريع، واختيار تلك الشركات وفق القوانين العراقية، بالصورة التي تحقق مصلحة العراق. ولابد من القول هنا بأن مباشرة الإدارة الأمريكية التعاقد باسم العراق على المشروعات التي تدخل فيما تسميه إعادة إعمار العراق هي في حد ذاتها تهزم الدعاوى الأمريكية بأنها تريد تحرير شعب العراق. ذلك لأن شعب العراق إن كان غير قادر على إدارة أموره بغير صدام، فهذا يعني أن صدام- على سوئه- هو أفضل خياراته.
5- إن اتجاه بعض الدول الأوروبية، ومنها بكل أسف فرنسا، إلى توريط مجلس الأمن بأن يتولى الإشراف على ما يسمى ببرنامج إعادة إعمار العراق إنما تحركه الرغبة في استغلال مجلس الأمن ليتولى تقسيم ثروات الشعب العراقي على شركات الدول الكبرى بدل أن تتولى الإدارة الأمريكية وحدها قسمة ذلك السلب فتمنحه جله للشركات الأمريكية. هذا الاتجاه المؤسف يكشف عن جانب من تلاعب الدول الكبرى بالمنظمة الدولية واستغلالها لتحقيق أغراضها الخاصة المنافية لنص وروح القانون الدولي وأهداف المنظمة الدولية.. وهو اتجاه تحركه دوافع الطمع ذاتها التي ساقت الإدارة الأمريكية إلى استعمار العراق. ويلاحظ أن التخوف من أمريكا في هذا الشأن قد حمل بريطانيا ذاتها إلى المطالبة بإحالة برنامج إعادة إعمار العراق إلى مجلس الأمن. ولعل الحكومة البريطانية تريد هذه الأيام أن تقنع أمريكا بأن عدم إحالة هذا الأمر إلى مجلس الأمن يعني أنهما سيكونان بمثابة قوى مستعمِرة. ولا ندري ماذا ستفعل الحكومة البريطانية إن أصرت الإدارة الأمريكية على الاستحواذ على موارد العراق عبر ما يسمى بإعادة الإعمار: هل ستنسحب بريطانيا عندئذ من العمليات العسكرية باعتبار أن هذه العمليات تجرى لاستعمار العراق؟ أم ستواصل الحرب وترضي بالفتات الذي قد تلقي به الإدارة الأمريكية تحت أقدامها؟
6- إن وضع برنامج إعادة إعمار العراق تحت يد مجلس الأمن لن يعني غير إضفاء الشرعية الدولية على عمل سيء، وهو تكالب أمريكا وبعض الدول المتقدمة الأخرى، التي اشتركت في الحرب والتي لم تشترك، على موارد العراق، وتحديد احتياجات العراق على النحو الذي يروق لهم، بالكلفة التي تروق لهم، وبالشروط التي تحقق مصالحهم. هو يعني أن تستأثر الدول الغنية بموارد العراق دون أن تتحمل هي المسئولية، التي ستكون نصيب مجلس الأمن. إن على مجلس الأمن أن يحذر من أن يستغل لتحقيق هذا الغرض الدنيء. فإن من أسوأ فعائل البشر، استغلال الوسائل المشروعة لتحقيق الأهداف غير المشروعة.
إن البديل عن وضع برنامج إعادة الإعمار في يد مجلس الأمن هو أن يكون في يد الشعب العراقي بالطبع، متى ما تأهل الشعب العراقي لذلك باختيار حكومة وطنية بإرادته الحرة. أما إن أرادت الإدارة الأمريكية أن تغتصب حق الشعب العراقي وتضع هذا البرنامج في يدها، فعلى مجلس الأمن أن يبين لها خطأ ذلك وأن يحاول ردها عن ذلك، لا أن يحاول ارتكاب الخطأ بدلاً عنها، أو منازعتها السلطة على أمر لا يملكه أيهما، فيعطيها بذلك الحجج والمبررات.
باختصار، إذا أرادت أمريكا أن تحوز على موارد العراق وتتصرف فيها وتدير العراق بدلاً عن شعبه تحت ما تسميه بإعادة الإعمار، فلتفعل. فإن حقوق العراقيين إن ضاعت لبعض الوقت، فلن تضيع أبدا. ذلك لأن الوقت ليس ببعيد الذي يمكن أن يقاضي فيه العراق أمريكا وغيرها من الدول المعتدية ويسترد حقوقه كاملة.. بيد أن مجلس الأمن قد يضعف موقف العراق يومئذ إن اتخذ الآن موقفاً خاطئاً من هذه القضية. ويحسن القول أيضاً أن منظمة الأمم المتحدة إن كانت لا تُقاضَى الآن على أخطائها، فسيجيء قريباً إن شاء الله اليوم الذي تُقاضَى فيه على أخطائها من جانب الأشخاص الدوليين مثلما تقاضى الحكومات الوطنية اليوم من جانب الأفراد. هذا أمر قد يبدو لبعض الناس كضرب من الحلم، ولكن عليهم أن ينظروا قليلاً أبعد من أنوفهم.
ما يجب أن يكون واضحاً في هذا الصدد أنه ليس هناك أي مبرر لأمريكا لأن تغتصب حق الشعب العراقي وتتعاقد بدلاً عنه على ما تسميه إعادة إعمار العراق. الأمور الوحيدة التي يتحتم على أمريكا فعلها هي معالجة المشاكل العاجلة الناجمة عن حالة الحرب والاحتلال، كإطفاء الحرائق في آبار النفط، لما تسببه من أضرار اقتصادية وبيئية وصحية، ومواجهة الاحتياجات الإنسانية. وحتى هذه، عليها أن تقوم بها من مصادرها المالية الخاصة كما قلت، لا من موارد الشعب العراقي التي ليس لها حق التصرف فيها. كما لا أرى لمنظمة الأمم المتحدة فرصة للمشاركة في شيء من شئون العراق إلا المشاركة في أي إشراف دولي يرتضيه العراقيون على أي انتخابات أو استفتاء في العراق إذا انتهى نظام صدام.
ثانياً : المواجهة على مستوى المنظمات الإنسانية العالمية والمحلية : إن للمنظمات الإنسانية العالمية والمحلية دوراً عظيماً حول العالم في رعاية الحقوق الأساسية للأفراد والشعوب. وهي لديها وزنها الأدبي وأساليبها في العمل. وهي تعرف دورها وقد بدأت تنهض به، واشعر بأنها ستعمل عملاً جيداً في الدفاع عن حقوق الإنسان العراقي، كحق الاستقلال وحق تقرير المصير وغيرها من الحقوق الجماعية والفردية التي انتهكت بهذا العدوان. وأعتقد أن هذه المنظمات يمكنها أن تحرك الضمير العالمي لاستنكار ورفع ما وقع من انتهاك لحقوق العراقيين بالعدوان الأجنبي المدمر. هذا بالطبع بالإضافة إلى أي مسائل أخرى تدخل في نطاق اهتمامها، كضرب العراق بالذخائر المحتوية على اليورانيوم المنضب التي ربما تسببت حتى الآن في نشر آلاف الأطنان من اليورانيوم المنضب في أراضي وأنهار العراق، تتسبب في السرطان وتلويث البيئة وتشويه الأجنة على مدى مليارات السنين. ويلاحظ أن منظمات حقوق الإنسان في العالم الثالث لم تتحرك حتى الآن بالفعالية التي تحركت بها المنظمات الدولية والمحلية الغربية.
ثالثاً : مواجهة العدوان على مستوى الدول : يلاحظ أن أكثر دول العالم قد أوفت بالتزامها بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وتعاونت على إخراج العراق من الكويت عام 1991. وهي قد تنادت يومئذ لأن العراق بلد ضعيف، ولكنها الآن تحجم لأن أمريكا قوية. وذلك أمر مؤسف بطبيعة الحال. ورغم ذلك، فإني لا أدعو الدول الرافضة للعدوان إلى مجاراة الإدارة الأمريكية في تهورها وإعلان الحرب عليها بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة على نحو ما جرى على العراق عند احتلاله الكويت. فعندي أن طريق العنف طريق مقفول، وهو لا يحل مشكلة، وإنما هو يفاقمها. وقد رأينا أن أطراف الحروب، الدولية والأهلية، يلجأون عادة بعد فشل الحرب إلى مائدة المفاوضات. وهذا يعني أن الذكاء البشري لو تقدم قليلاً، للجأ الناس إلى التفاوض والوسائل السلمية منذ الوهلة الأولى، بدون حرب. ومن أجل ذلك فإن مواجهة أمريكا وتابعتيها يجب أن تتخذ الوسائل السلمية منذ البداية، وحتى جلائهم عن العراق وتعويضهم العراقيين عن أي أضرار أحدثها عدوانهم.
إن الدول تدرك أن المواجهة المطلوبة ليست هي الشجب والإدانة والاستنكار، وإنما هي المواقف العملية المؤثرة التي تضغط على الإدارة الأمريكية والبريطانية لتردهما عن عدوانهما ومشاريعهما الاستعمارية. والدول تدرك أن المواجهة المثلى هي المواجهة الدبلوماسية والاقتصادية والإعلامية، إلا أن بعضها يخشى قوة أمريكا الاقتصادية وعقوباتها، لا سيما أن بعض الدول تعتمد على القمح الأمريكي والمعونة الأمريكية الاقتصادية. هذا في حين أن البداهة تقرر بأن الشعوب لن تموت جوعاً بسبب إيقاف القمح الأمريكي أو غير ذلك من أشكال "المعونة" الأمريكية عنها. فقد ظلت الشعوب تأكل وتعيش من قبل أن تدخل أمريكا في خريطة العالم المعروف، ومن قبل أن يزرع القمح في أمريكا.. وهي ستظل تعيش بدون القمح الأمريكي، وبدون أي شكل من أشكال المعونة الأمريكية.
ومهما يكن، فإن الموقف المبدئي هو الذي يجب وقوفه، بصف النظر عن النتائج. والموقف المبدئي هو رفض انتهاك سيادة الدول، ورفض العدوان والاستعمار، والحرص على الشرعية الدولية، ومواجهة من يخرج عنها بالحكمة والحزم اللازمين. ويحسن أن أقول هنا أن أمريكا قد تستطيع أن تنهك دولة واحدة أو دولاً قليلة بحصار اقتصادي ودبلوماسي، ولكنها لا تقوى على مواجهة دول كثيرة. ودوننا تجربة الدول الإفريقية الضعيفة في كسر الحصار الجائر الذي فرضته أمريكا على ليبيا خارج إطار الشرعية الدولية. ماذا استطاعت أمريكا أن تفعل بالدول الإفريقية؟ إن أمريكا تستطيع أن تعادي دولاً قليلة، ولكنها لا تستطيع أن تعادي العالم. ومن هنا تنبع ضرورة اتخاذ مواقف جماعية من الدول، لا مواقف انفرادية من الدول. وهذا يعني أن تتخذ الدول مواقف متفق عليها في إطار المنظمات الإقليمية وروابط الدول.
إن خوف دول العالم، وهي متفرقة، من الإدارة الأمريكية قد أغرى تلك الإدارة بها، فراحت تطلب منها طرد الدبلوماسيين العراقيين من أراضيها. مع أن التصرف المنطقي هو طرد الدبلوماسيين الأمريكيين والبريطانيين والاستراليين من أراضي تلك الدول، لأن تلك الدول الثلاث ارتكبت عدواناً على العراق، وانتهكت سيادته، وخالفت ميثاق الأمم المتحدة.
أين نصرة المستضعفين ؟ لما رجع جعفر بن أبي طالب من الحبشة التي قضى فيها نحو خمس عشرة سنة مهاجراً، سأله النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أعجب شيء رأيته)؟ فأفصح عن عمق نادر، وأسفر عن قامة شماء، بأن حكى مشهداً يسيراً قصيراً، ولكنه عظيم الدلالة.. قال: (رأيت امرأة على رأسها مكتل–سلة- طعام، فمرَّ فارس فأذراه-أي دفعه عن رأسها- فقعدت تجمع طعامها ثم التفتت إليه فقالت له: "ويل لك يوم يضع الملك كرسيه فيأخذ للمظلوم من الظالم؟")، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (كيف تقدس أمة لا يأخذ ضعيفها حقه من شديدها)!!
فالأمم إنما تقدَّس بنصرة المظلومين، وكذلك الأفراد. ومن أجل ذلك، فإن البلطجة الرسمية التي تمارسها الإدارة الأمريكية والبريطانية ضد شعب مستضعف، يجب أن تجد المواجهة من دول العالم كله، ومن المنظمات، والأفراد، بالوسائل السلمية. وهي مواجهة يجب أن تبدأ منذ الآن، وتستمر حتى لو أسقط العدوان نظام صدام وأخذ المعتدون ينهبون الثروات، مباشرة أو تحت غطاء الشرعية الدولية. ولابد أن تتدارس الدول، وخصوصاً دول العالم الثالث (أو ما يسمى حالياً بدول الجنوب)، الخطوات المناسبة التي يجب أن تتخذها للضغط على الحكومات الثلاث المعتدية لتحترم المجتمع الدولي والقانون الدولي.
وأعتقد أن هذه الخطوات يمكن أن تبدأ بتخفيض التمثيل الدبلوماسي لدول العدوان الثلاث، بطرد بعض دبلوماسييها، وذلك كمقدمة لطرد جميع دبلوماسييها وإغلاق سفاراتها. ويمكن التلميح منذ الوهلة الأولى بأن هذه الخطوات يمكن أن تمتد إلى المقاطعة الدبلوماسية الشاملة. هذه الخطوات يجب أن تتم بصورة جماعية في إطار المنظمات الإقليمية والروابط الدولية، كمنظمات الوحدة الإفريقية، والرابطة الآسيوية، ودول عدم الانحياز، وغيرها. ويمكن في وقت لاحق طرح فكرة نقل مقر الأمم المتحدة من أمريكا بسبب خروجها السافر على الشرعية الدولية. وأعتقد أن أمريكا لا تستطيع أن ترد على ذلك بطرد ممثلي تلك الدول لدى منظمة الأمم المتحدة بنيويورك، وإلا تكون بذلك قد خرقت التزامها كدولة مقر ودخلت في أزمة مع المنظمة الدولية. غير أن هذا أمر يجب أن يدرس بعناية.
|
|
|
|
|
|