في فتح مكة طلب سيدنا العباس بن عبد المطلب من الرسول ( ص ) أن يعز أبو سفيان لأنه رجل يحب الفخر ، فخاطب الرسول ( ص ) أهل مكة قائلاً : من دخل دار ابن ابي سفيان فهو آمن . رأي الناس معاوية وأمه هند بنت عتبة فقالوا لها : إن ابنك هذا سوف يسود الناس فردت عليهم : ثكلته أمه إذا لم يسود الناس وفطنة عمر بن الخطاب جعلته يتنبأ بمآل الحكم لمعاوية عندما شبه مشيته بمشية الأمير لذلك أستحق معاوية بن أبي سفيان أن يكون ملكاً علي المسلمين ، وكان محقاً عندما وصف بني أمية بقوله : سادة في الجاهلية وسادة في الإسلام ، ولذلك لم يكن حكمه للمسلمين أتي من غير قصد ، فالرجل كان يملك الكثير من المهارات في الحكم والسياسة ، وذلك غير انتمائه لقريش ودوره في كتابة الوحي ، فهو كان من الصحابة القلائل الذين يعرفون الكتابة مما جعل الرسول ( ص ) يأتمنه علي كتابة الوحي .ونحن أمام النوع الثاني من الحكام ، الذين وصلوا للسلطة بليل من غير أن تكون عندهم مهارات الحكم والسياسة ، وصعب علي الإنسان ان يجد نفسه بين عشية وضحاها رئيساً لبلدٍ تعج بالتناقضات . فيدير الحكم كما يدير مزرعته الصغيرة ، فتنفلب الأحوال من سيئ إلي أسوأ ، ومن كارثة إلي أخري أعظم منها ، لم يصدّق أهل السودان أن حرب الجنوب قد أنتهت حتى أطل عليهم المشير وهو يدعوهم لحرب دارفور ، المهر هو الدماء ، والثمن هو الأرواح ، والفارق الوحيد هذه المرة أن العدو يشارك الإنقاذ في معتنقها الروحي هو الدين الإسلامي ، ولكن قراءة القرآن لم تبطل الفنابل التي سقطت فوق رؤوس نسائنا وأطفالنا ، ورفعنا للمصاحف لم يجعل الإنقاذ تخفف من وطأتها فتوقف القتل والسحل والإغتصاب ، بل استمرت تقتل في اهلنا حتى كتابة هذه السطور ، فلم يصد عنفها دين أو تقف دونه شعيرة سماوية ، فالكراهية العرقية حربها أقسي من الحروب الدينية . هذه المقدمة تصلح للوقوف علي الأسباب التي تجعل بعضنا حكاماً وتجعل البعض الآخر منا محكومين ، وإذا أراد البعض منا الوصول إلي السلطة فما هي المؤهلات المطلوبة ؟؟ هل هي الدين حتى وإن تآمر علينا عبد حبشي ؟؟ أم أن قياس صلاحية الحاكم مرجعها الانتماء العرقي ؟؟ هذه الأسئلة أجابت عليها الأستاذة/فاطمة خالد أحمد البشير زوجة رئيس الجمهورية ، هذه السيدة علي الرغم من بساطتها استطاعت أن تنقل لنا صورةً عن طبيعة الرجل الذي يحكم السودان الآن ، وكيف أنه نجح في إخفاء نبأ الانقلاب عنها حتى سمعت صوته في الراديو ، في صباح الجمعة الموافقة للواحد من يوليو 1989م ، وقد استبعدت السيدة/فاطمة بصورة مطلقة أن يكون العميد عمر حسن البشير هو رئيس السودان ، وببساطتها البريئة شبهت الانقلاب ( بالحكاية ) ، علي الرغم أنها حرصت علي وصفه بالثورة في أكثر من مرة . تزوجها الرئيس البشير في 6 أغسطس 1970 ، بعد عودته من دورة تدريبية في القاهرة ، فالرجل علي ما يبدو كان يعيش حياة طبيعية ، ويعيش الأفراح كما يعيشها كل أهل السودان ، فإن كانت زوجته لا تتوقعه أن يكون رئيساً للسودان ، لأسباب لم تشأ أن تسردها لنا.. فماذا كان يتوقع البسطاء من حاكم وصل إلي القصر بليل مظلم وهو علي سطح دبابة ؟؟ لن يتوقع الشعب السوداني منه خيراً ، ونحن نشاهد الآن تمزق السودان لقطع صغيرة ، وربما يأتي علينا يوم من يريد الذهاب إلي الفاشر عليه الحصول علي تأشيرة دخول من القاهرة ، ومن يريد الذهاب إلي جوبا عليه الدخول إليها من يوغندا أو كينيا ، كما يحدث الآن في كردستان العراق ، فاللعب علي وتر القوميات أخضع هذا البلد العربي إلي جرف الفوضى ، ونفس السيناريو سوف يتكرر علي أهل السودان إن كان هناك من ينشد ..أنا ليهم بقول سلام ..دخلوها وصقيرا حام ، و إذا قلنا لماذا نفذ البشير انقلابه وسماه ثورة ؟؟ هذا أمر حير المراقبين ، فالثورات تقوم ضد الظلم والطغيان ، وتشتعل من أجل المطالبة بالحريات والخبز والدواء والكساء ، أما ما حدث بعد يونيو 89 كان منافياً لكل القيم الأخلاقية ومكتسبات الثورات ، وحصاد الإنقاذ كان نيفاشا التي مهدت لفصل الجنوب عن الشمال ، وغرب السودان وشرقه في ليلة الثلاثين من يونيو 89 لم يكن وضعهما بهذا السوء من الاحوال، وحكاية المبعوثين الأممين أتت في عمامة الإنقاذ ، خرجت الأزمة السودانية من خارطة الوطن الواحد ، ورحلت إلي القاهرة واسمرة وأبوجا وطرابلس ونيفاشا ، والآن استقرت في البيض الأبيض ومجلس الأمن الدولي ، فمن الذي دفع القضية السودانية نحو هذا المنعطف ؟؟ ولماذا لم يكن التدخل الدولي مطروحاً في الساحة السودانية قبل ليلة الثلاثين من يونيو 1989 ؟؟ السيدة/فاطمة خالد اعترفت بأنها تسلمت أول دعوة بعد وصول زوجها إلي السلطة من السفارة الأمريكية في الخرطوم، وأنها قامت بتلبية الدعوة الكريمة، مما يعني أن الولايات المتحدة لم تكن علي الحياد إزاء ما جري في تلك الليلة ، حاولت السيدة/فاطمة خالد أن ترسم لنا صورةً زاهية عن زوجها ، فوصفته بالكريم والطيب ولكنها وقعت في خطأ قاتل عندما وصفته ( بسعة الصدر ) ، وكل الذين عايشوا هذا الرجل وصفوه بالشراسة وحدة الطبع والعنف والتسرع في إطلاق الأحكام وتحديد المواقف ، بلغت مداها عندما هدد بقطع رأس الترابي وهو مطمئن بأن ربه لن يحاسبه علي هذا العمل !!! أو تصريحه الشهير بأن الإنقاذ لن تفاوض إلا من يحمل السلاح ، فتحولت بؤر السودان إلي مواقد للحروب ، في جنوب السودان وشرقه وغربه . اللقاء أجرته الفضائية السودانية ، والمذيعة التي أعدت الحوار كان مظهرها في غاية الروعة والإهتمام، لدرجة أنني قلت : أنها لبنانية في ثوب سوداني ، وقد كفتنا شر مذيعات ( التوالي ) اللائي زحفن علي مبني التلفزيون كالعناكب، ولكن معظم أسئلتها كانت خارج إطار الموضوعية ، وبها الكثير من السطحية ، ولا أدري لماذا تخللت اللقاء أغنية الرئيس البشير المفضلة : أنا ليكم بقول سلام دخلوها وصقيرا حام وهي نشيد يحرّض علي الكراهية والعنف ، بالإضافة إلي بعض المدائح ، فهل يعني ذلك أن زوجة الرئيس تُحرّم الغناء علي نفسها وعلي المشاهدين ، أم أن أساتذة إعلام مؤسسة الفداء أعدوا هذه الفواصل من غير علم حرم رئيس الجمهورية .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست