|
من وحي مؤتمر الإعلاميين السودانيين العاملين في الخارج
|
من وحي مؤتمر الإعلاميين السودانيين العاملين في الخارج
قرأ الرئيس الراحل السادات إحدى روايات الكاتب الكبير نجيب محفوظ ، و إن لم تخونني الذاكرة فإن الرواية المعنية كانت هي ( حكاية بلا بداية ولا نهاية ) ، وربما قرأ الكثيرون هذه الرواية ، وهي تحكي عن شابين بسيطين هما أحمد وحسين وتفاعلهما مع الوضع الاجتماعي في مصر بعد ثورة يوليو 52 ، فقد كان الأديب نجيب محفوظ يجيد الكتابة عن الطبقة المتوسطة ، بطل الرواية وهو الضابط حسين والذي كان يطمح إلي بلوغ القمة بأي ثمن ، شأنه شأن رجالات الإنقاذ ، مع العلم أن معظمهم وُلدوا في مناطق فقيرة ، وجاءوا من أماكن نائية ، فسخ حسين خطوبته من بنت الجيران الفقيرة ليتزوج من إحدى بنات الأكابر ، وفي ليلة الزفاف وصله خبر من دائرة الشرطة يخبرونه بكارثة وقعدت لأخته زينب ، ولم يدر أنها ضُبطت متلبسة في قضية دعارة ، جن جنونه وفقد صوابه ولم يكترث لأمر أخته المسكينة والظروف التي جرفتها إلي هذه الهاوية السحيقة بقدر ما كان يهمه ذهاب ماء وجهه أمام المجتمع الجديد الذي وجد نفسه فيه ، طلب من أخته أن تلقي بنفسها في نهر النيل من فوق كبري الجلاء ، فتبعته المسكينة كالنعجة ونفذت ما طلبه منها بكل هدوء ومن غير ضجة ، لم يسألها لماذا فعلت ذلك ؟؟ لأن ما يهمه كان شرفه الشخصي وليس الظروف الاقتصادية التي اقتادتها إلي هذا المنحدر ، وعندما هوت في نهر النيل وأنتشل الصيادون جثتها عاد الضمير الغائب إلي محله ، رأي جثتها وهو مسجية علي شاطئ النهر فبكي وتذكر أن أخته زينب كانت تتكفل بمصاريف الكلية العسكرية ولم يكن يسألها من أين لها هذا المال ؟؟ عرف لاحقاً أن البزة العسكرية التي يرتديها والنجوم التي تزين كتفه مصدرها المكلومة زينب وليس هذا المجتمع الجديد الذي يقدس المال والشرف ، عرف حسين أنه ليس من هذه الطينة وتحسر علي موت زينب ، وحتى يخلص نفسه من عقدة الذنب ألقي بنفسه من فوق الكبرى فمات منتحراً ، هذا هو الأدب الرائع ، يجعلك نجيب محفوظ تعيش في القرى والقفار وينقلك بعد عدة مراحل إلي دنيا الأرستقراطية ، وعندئذ يموت البطل كما حدث في ( حضرة المحترم ) و ( حكاية بلا بداية ولا نهاية ) . يفضّل نجيب محفوظ أن يموت أبطال روايته شهداء عوضاً عن تعايشهم مع وضع كاذب لا فائدة منه ، غضب السادات علي موت الضابط حسين وسأل نجيب محفوظ قائلاً : ليه ينتحر دا مفروض يعمل ثورة ..انتا مش عارف الضابط دا يعني إحنا ؟؟ رد عليه نجيب محفوظ بكل أدب : أنا في رأي أن يموت منتحراً افضل من أن يعيش ويحكم الناس بأخطائه هنا يقف الأدب قوياً ضد رغبات الساسة ، ويقف الطغاة ضعفاء أمام الكلمات القوية . متع الله نجيب محفوظ بالصحة والعافية وحفظه من كل شر وسوء ، والوقت لا يسعني إلي التطرق إلي ما جري بينه وبين الرئيس عبد الناصر حول ( قصر الشوق وبين القصرين والسكرية ) فعلاقة الأديب والكاتب مع السلطة علاقة معقدة ، وهي أشبه بأقطاب المغنطيس المتنافرة ، فالحاكم شرعيته القوة والسلاح والأمن ، والأديب سلاحه الكلمة الصادقة وحب الجماهير وإحساسه بالآم الناس وهمومهم . كان غريباً أن يدعو جهاز المغتربين الإعلاميين السودانيين العاملين في الخارج إلي مؤتمر يُعقد في الداخل ، والذي حضوره من الطيف الرسمي الحكومي أكثر من حضور السادة المدعوين ، ومن المستغرب أيضاً تلبية هؤلاء الأخوة لهذه الدعوة وحضورهم في وقت مبكر ومشاركتهم بفاعلية في هذا المؤتمر ، وأتمني أن لا يكون مدعاة حضورهم هو تكفل الجهاز بتذاكر السفر والإعاشة ، فهذا الشعب أصبح لا يحتمل المزيد من الأعباء ، ونحن الآن في أشد الحاجة إلي المال من أجل ردم البرك وبناء الخيام للذين غزتهم المياه في أرضهم ، وسط غياب تام لمؤسسات الدولة الرسمية والشعبية . تقرير أعده مراسل تلفزيون السودان الأستاذ/محمد شنيدي عن الضرر الذي وقع علي المواطنين في أمبدة من جراء الفيضانات ، تحدث فيه عن أضرار بسيطة وقعت لبعض المباني والممتلكات ، وعندما نقلت قناة العربية الحدث شهدنا دماراً هائلاً وكأن المنطقة أُصيبت بصاروخ كان يسميه صدام حسين ( هنا كانت مدينة ) ، إعلام الإنقاذ يبسط الكوارث وليس أميناً في نقل الوقائع كما جرت، وثبت كذبه وفقد المصداقية عندما صوّر أزمة دارفور بأنها صراع علي بعير ضل في الصحراء الكبرى . لذلك كانت الإنقاذ في حاجةٍ إلي لسان جديد ، ينطق في وكالة أنباء تقع خارج السودان ، حتى يتم تغليف الكذبة وتسويقها من جديد ، قالها الزهاوي إبراهيم مالك بكل وضوح في المؤتمر ، وتحدث عن حاجة الحكومة إلي من يدافع عنها في الخارج ، إذاً أصبحنا أمام مؤتمر مصالحة ومصالح الغرض منه غوث الحكومة ومساعدتها في الوقوف ضد الهجمة الإعلامية التي تتعرض لها في الخارج بسبب بعض الأخطاء التي اقترفتها في الداخل ، والذين حضروا المؤتمر يمثلون فريق إنقاذ خارجي أكثر من هم إعلاميون يهمهم الوضع المتردي في السودان . غاب عن هذا المؤتمر الدكتور عبد الله علي إبراهيم وبكري أبو بكر وخالد العويس ، وغيرهم من أبناء السودان الذين نثق في وطنيتهم وأمانتهم الصحفية . لكن سؤالي للذين حضروا وللذين غابوا لماذا أصبح معظم أصحاب الأقلام السودانية مهاجرين ويعيشون في دولٍ أجنبية ؟؟ وتركوا وطنهم الغالي وفقدوا عملهم في المؤسسات الصحفية الوطنية من إذاعة وتلفزيون وصحف ؟؟ يا تري من الذي شرّدهم وأقصاهم من وظائفهم ؟؟ أليس هو نفس النظام الذي يقدم لهم الآن علب الحلوى والجاتوه والمشروبات الغازية ويطلب منهم خوض معركة إعلامية فشلت مؤسسات الدولة في القيام بها !!!! وكلنا نعرف أن نظام الإنقاذ كان يدفع الأموال لصحفيين عرب وباكستانيين ويطلب منهم كتابة مقالات مؤيدة له في الصحف الخارجية ، ولكن هل ارتفعت أثمان هذه الأقلام المأجورة ، فعادت الإنقاذ للبديل الوطني الرخيص ، هذا ما سوف نستشفه بعد نهاية المؤتمر . سارة عيسي
|
|
|
|
|
|
|
|
|