|
ما بين مذكرة ادانة و رقيص الرئيس: قراءة في صحف الصباح
|
** مأزق الخرطوم في الصحافة العربية/الإقليمية **
تأرجح موقفنا نحن السودانيين حيال مذكرة التوقيف الصادرة بحق المشير عمر البشير ما بين رفض قاطع للمساس بسيادة رمز للدولة و بين ترحيب بقرار طال انتظاره و يُعول عليه الكثير. لن أرهق مزيدا من الحبر في القضية ذات الشجون، فقد أُشبعت رقصا و طرقعة أصابع، ومازلت أعاني من حرقة في المعدة و مشاكل القولون نتيجة تصريح الرئيس الأخير و لم تفدني أي محاليل مع أنني "مُصت" القرار و شربتو و برضو ما فاد ...
** لست بصدد التداخل بشكل شخصي في هذا البوست و سأكتفي بإيراد المقالات ذات العلاقة
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: ما بين مذكرة ادانة و رقيص الرئيس: قراءة في صحف الصباح (Re: عزاز شامي)
|
أزمة عمر البشير... وسيناريو صدام حسين!
بقلم وحيد عبد المجيد- صحيفة الحياة 15 مارس 2009 م
يكتب الرئيس عمر البشير الآن سيناريو تراجيديا جديدا قد لا يختلف في جوهره، وإن ليس في مشاهده الأساسية، عن ذلك الذي كان صدام حسين بطله والعراق ضحيته. يصر البشير على الوصول إلى حافة الهاوية عبر تصعيد متواصل لا ينتج إلا كارثة جديدة من طراز تلك التي ابُتلي بها العراق، ولكن من دون أن تشبهها بالضرورة.
يحدث ذلك بالرغم من أن موقف البشير يبدو أفضل، أو بالأحرى أقل سوءاً، عربياً وإقليمياً. فهو لا يمثل تهديداً لدول عربية مجاورة أو غير مجاورة. فضعف السودان، مقارنة بما كانت عليه العراق أواخر الثمانينات، يعتبر رصيداً له. وهو لم يشن حرباً على بلد عربي لاحتلاله، وإنما على جزء من بلده. وبالرغم من أنه متهم بارتكاب جرائم حرب ضد بعض شعبه، حين أساء إدارة نزاع عشائري- اقتصادي فجعله عرقياً- سياسياً، فالنظام العربي الرسمي لا يكترث كثيراً لعذابات ملح الأرض بمقدار ما يحفل بالحدود على الأرض.
ومثل هذا النظام في ذلك مثل بعض الدول الكبرى التي تغري مواقفها البشير بالتصلب، بالرغم من أنه لا يصح لعاقل أن يعتمد عليها. فالصين وروسيا، اللتان عرقلتا إصدار مجلس الأمن بياناً لإدانة قرار طرد منظمات إغاثة من دارفور، سبق أن شاركتا في إحالة أزمة هذا الإقليم إلى المحكمة الجنائية الدولية عبر القرار 1593 الذي أصدره المجلس نفسه في 2005.
ومع ذلك، يظل المشهد مغرياً للبشير ومشجعاً على التخندق والتصعيد، وخصوصا في ظل تعاطف شعبي عربي مفهوم في ظل «عدالة دولية» تزن بميزانين، بالرغم من أن مثل هذا التعاطف لم ينفع صدام حسين من قبل في شيء. لكن إذا كان ازدواج معايير المحكمة يبدو مستفزاً بعد أسابيع قليلة على مذابح غزة، فهو لا يجيز للبشير أن يأخذ السودان في طريق الهلاك الذي سبقه إليه صدام. وما التضحية بالسودان وتكامله الإقليمي وسلامة شعبه، إلا مكافأة لإسرائيل المستثناة من «العدالة الدولية» وللقوى التي لا يكف البشير عن اتهامها بأنها استعمارية. فكل حسم من رصيد العرب، وهو جد قليل، يمثل إضافة إلى عدوهم الأساسي.
وبالرغم من أن النظام السوداني أضاع فرصة حل أزمة دارفور في مهدها، لا يزال احتواؤها ووضعها على طريق التسوية ممكناً بعون عربي. ولكنه يتوقف على استعداد هذا النظام للارتفاع إلى مستوى المسؤولية. ولو أن البشير تعاطى بجدية مع خطة العمل التي قدمها الأمين العام للجامعة عمرو موسي في أخر تموز (يوليو) الماضي، لما بلغت الأزمة مبلغها الراهن. وما زالت هذه الخطة صالحة لتحرك على أساسها من أجل وضع أزمة دارفور على طريق الحل السلمي، بالرغم من أنها صارت أشد تعقيداً.
فأي نجاح في اتجاه حل الأزمة الأصل سيؤثر ايجابا في التعاطي مع الأزمات الناجمة عنها، بما في ذلك أزمة قرار توقيف البشير، بشرط التنفيذ الفوري للإجراءات القانونية المتضمنة في خطة الجامعة العربية. وعندئذ يمكن أن يكون التوجه إلى مجلس الأمن أكثر جدوى وإقناعا، وأن يستهدف طلب وقف الإجراءات التي اتُخذت في إطار القرار 1593 بوجه عام، وليس فقط تأجيل تنفيذ قرار توقيف البشير لمدة عام. وليس هذا مجرد افتراض أو تمني، لأن فرنسا كانت قد أبدت استعدادا للتعاون في هذا الاتجاه حال التزام النظام السوداني بخطة الجامعة العربية. كما أنه لا بريطانيا ولا الولايات المتحدة، راغبة في التورط في كارثة ثقيلة أخرى في لحظة تسعى فيها الإدارة الأميركية الجديدة إلى التخفف من أثقال تركة سابقتيها. وهي إذ تتطلع إلى الخلاص من المستنقع العراقي تخشى أن تغوص قدماها أكثر في أوحال الأزمة الأفغانية. وهذا فضلاً عن الحاجة إلى محاصرة التداعيات الاقتصادية المتزايدة للأزمة المالية العالمية.
ولذلك، فالأرجح أنها ستشجع ضمناً أي تحرك جاد لحل أزمة دارفور وأي إجراء- حتى إذا كان نصف جاد- لمحاسبة من ارتكبوا جرائم حرب وعلى رأسهم المتهمين اللذين سمتهما المحكمة الجنائية الدولية قبل أن تتهم البشير، وهما الوزير أحمد هارون والقيادي في ميلشيا الجنجاويد على كوشيب. ولكن الأرجح، أيضاً وبالمقدار نفسه من الترجيح، أن يؤدي الطريق الذي اختاره البشير إلى تصعيد أميركي- غربي تدريجي يتوسع تدريجياً باتجاه كارثة عربية أخرى من طراز ما حدث في العراق. وقد بدأت مقدمات ذلك في تلويح المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة سوزان رايس بفرض حظر جوي في إقليم دارفور، ومطالبة حركة «العدل والمساواة» بتأسيس برنامج للنفط مقابل الغذاء من أجل هذا الإقليم وأهله الذين أصبحوا لاجئين.
ويشبه ذلك ما حدث في الأزمة العراقية عقب تحرير الكويت في 1991. ويعني ذلك أن «السيناريو العراقي» ليس بعيداً عن الطريق الذي يمضى فيه البشير الآن، بل يبدو أقرب مما قد يتصور كثير من العرب. وسيزداد هذا السيناريو اقتراباً بمقدار ما تتكاثر التهديدات التي يطلقها كبار المسؤولين السودانيين، بما تنطوي عليه من شتائم يتفوق فيها البشير بمسافة بعيدة على صدام. فقد أدخل البشير «لغة» جديدة في الخطاب السياسي الهجائي العربي، وأفرط في استخدام مفردة «الحذاء» و «الجزمة»، ووضع الكثير من خصومه تحتهما. كما هدد بعصاته «الكلب وأولاد الكلب»، وقال لهم «موصوا قراركم واشربوا ميته». أما أكثر تعبيرات هذا الخطاب جدة، فهو وصف المحكمة بأنها «ناموسة في أذن فيل»، ومطالبته من يظن أنه سيمتثل لها بأن «يجرب لحس كومه»!.
وإذا مضى البشير في هذا الاتجاه، فهو يضع سيناريو كارثيا قد تكون نتائجه أفدح من تلك التي ترتبت على سيناريو صدام حسين لسببين: أولهما أن قابلية السودان للتفتت أكثر من العراق حتى دون حرب لا تبدو مرجحة في الأغلب. والثاني أن امكان محاصرة الفوضى إذا دبت في السودان يبدو أقل مقارنة بالعراق. وإذا حدثت الفوضى، مقترنة بالتفتت، سيكون الوضع شديد الخطر على المنطقة عموما، وعلى مصر خصوصاً. ولن يقتصر هذا على الإرهاب، الذي سيجد ملاذات آمنة جديدة في سودان مفتت ومضطرب وتعمه الفوضى.
وهذا ما ينبغي ألاَّ يغيب عن العرب الذين يحاولون تأجيل تنفيذ قرار توقيف البشير لعام سيمضي سريعاً باتجاه هذا السيناريو المظلم نفسه ما لم يجدوا طريقة لإقناع النظام السوداني، أو الضغط عليه، للبدء من فوره في تنفيذ خطة العمل التي قدمها عمرو موسى قبل نحو ثمانية أشهر.
_____________
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ما بين مذكرة ادانة و رقيص الرئيس: قراءة في صحف الصباح (Re: عزاز شامي)
|
Quote: لست بصدد التداخل بشكل شخصي في هذا البوست و سأكتفي بإيراد المقالات ذات العلاقة |
أستاذة عزاز تحياتي واحترامي
وكيف يكون رد فعلنا نحن معشر المتابعين إن وجدنا في المادة المنشورة ما نتفق معه أو نختلف حوله ؟؟ خاصة وأن المقالات المنشورة - حتى الآن - فيها كثير مما يحرض على التلاقح الفكري فالظن عندي أن المتداخل في بوست - أى بوست - يتوقع تعقيباً من صاحب/ة البوست إتفاقاً كلياً أو جزئياً أو معارضة صريحة . خاصة إن كان صاحب/ة البوست من الأقلام التي تشد إليها الرحال مثلك .
_______
وفي كل الأحوال جزيل الشكر على إطلاعنا على ما يكتب في الصحافة العربية عن همنا المقيم ( أبداً )
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ما بين مذكرة ادانة و رقيص الرئيس: قراءة في صحف الصباح (Re: عزاز شامي)
|
الأخ عاطف عمر، تحايا و سلامات ... أشكرك عميق الشكر على حسن الظن، ولكن أعذرني يا سيدي من مناقشة (فحوى) النصوص، فلست بكاتبتها لأحمل وزر قائليها وإن لاقت هوى في نفسي و لي أجل المناولة ليس إلا ...
و الأمر الثاني هو أن مرارتي لم تعتد تحمل حوارا في هذا الأمر، فكلما ظننت أن حكومة الخرطوم قد أفرغت ما في جعبتها من صراخ و أحذية وأن نمليتها قد فرغت من عدة و كبابي لموص القرار و توزيعه مَنقوعِه على الأحبة و الحادبين، خيب القصر الجمهوري ظني و أهداني رقصة في غير موقعها أو زيا و خطابا أقرب لاستعداء المُخاطبين منه لاستقطابهم، والغريب المفاجئ أنها تلاقي استحساننا من نفر كبير منهم و بدأت في التشكيك في قدراتي العقلية ...
أضف للأسباب عاليه فشلنا الذريع المريع في خوض مياه الاختلاف و الحوار في السياسة، في المسائل العائلية، في كرة القدم، ونسة أعمدة النور ... كلها تُصنف في فئة "حوار طرشان"
و عليه،
و رأفة مني بنفسي و بصحتي و ما تبقى من شبابي، آثرت الاكتفاء بالقراءة و نقل ما تيسر للقراء ... لأكفي نفسي طبقات من مرارة على قتلى و مشردين و مهمّشين ... و شعب سلم تلابيبه لعاطفته العمياء ورمز سيادة – جُبرنا عليه– لا يقرأ التاريخ و يؤسس لتاريخ جديد لا يكتب بل يشرب!
النبي أعفو لي يا أخوانا ... صحتي ما بتستحمل!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ما بين مذكرة ادانة و رقيص الرئيس: قراءة في صحف الصباح (Re: عزاز شامي)
|
والله لسة ما قريت البوست كويس ... لاكين ما اعتدت غلطة لغوية زى دى من عزاز شامى ....
الرئيس ... كمنصب دستورى ... هو الرمز المادى ... للسيادة الإفتراضية للدولة ....
وتصادف إنو شاغل هذا المنصب الدستورى الرامز لسيادة الدولة ... من المؤتمر الوطنى ... وإسمو البشير ...
فرفضنا أى مساس ... برمز لسيادة الدولة ... لو قاصدانا ...
... ومدة تقرى التعليق دا ... انا اكون رجعت لى باقى البوست ....
... المهم ....
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ما بين مذكرة ادانة و رقيص الرئيس: قراءة في صحف الصباح (Re: تبارك شيخ الدين جبريل)
|
رجعت لى باقى البوست .... وكفّارة وسلامتك من الحوار .... (طرشان أو سمعان!)
حالة الإكتئاب الحالية دى حالة الكل .... والمسقبل المظلم مهيمن على مخيلات الكل ... الذين ماصوا والذين رفضوا الموص! وهو ما حذرنا منه "الطرش" مراراً وتكراراً ولكن يبدو أن العيب ليس "الطرش"، بل الحياة نفسها .... فقد قال الشاعر:
لقد أسمعت إذ ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادى!
.... المهم ......
| |
|
|
|
|
|
|
Re: ما بين مذكرة ادانة و رقيص الرئيس: قراءة في صحف الصباح (Re: العوض المسلمي)
|
العزيزة عزاز ... تحياتي بمثل هذه القراءات الدقيقة لأزمة مذكرة الجنائية الدولية ، وتداعيتها الخطيرة على الواقع السوداني ، لاسيما قراءة المحلل المرموق وحيد عبد المجيد ، يمكننا أن نتلمس صوت العقل والمنطق ؛ الذي يرى من وراء الأحداث بعض الوقائع الخطيرة التي يمكن أن تحدث في السودان . للأسف كل المعطيات الواردة من الخرطوم تصب في تجاهل كبير بخطورة مايمكن أن ينتج على قرار محكمة الجنايات . وبصورة كشفت عن الطبيعة الراسخة في تعاطي النظام مع الأزمات الخطيرة كما لوكانت تحدث في الصين البعيدة . مرفق مقالي بعنوان (السودان ومذكرة أوكامبو) الذي كتبته في شهر أغسطس الماضي عقب صدور مذكرة الاتهام .
Quote: السودان ، ومذكرة أوكامبو بقلم محمد جميل أحمد الرياض التداعيات السياسية التي نجمت على خلفية ، الإدعاء في مذكرة أوكامبو ضد الرئيس عمر البشير في 14 يوليو الماضي ، لا يمكن قراءتها في إطارها الضيق المتعلق بوضع النظام السوداني فحسب ؛ بل هي تداعيات ستكون مؤشرا لتغييرات استراتيجية أخرى في المحصلة النهائية لمسيرة التفكيك الضمني لبنية الدولة في السودان ، أو ما تبقى منها ، بعد تسعة عشر عاما من حكم نظام البشير . ذلك أن المشهد السياسي الذي ستحيل عليه القراءات السريعة للحدث ، قد لا يكون هو مما كان مضطردا باستمرار إزاء نتائج كل التكتيكات والالتفافات التي كان يتعاطى بها النظام مع الأزمات في الداخل والخارج ، لكسب الوقت . كما أن المشكلة الأساسية لا تكمن في استدراك الإحساس بالذنب حيال ماجرى من فظاعات في دارفور (على ما أراد أن يوحي به النظام ، عبر الزيارة الأخيرة للبشير إلى دارفور) ولا فيما يمكن أن يؤول إليه أمر السودان من تفكك وانهيار . المشكلة كانت دائما في اختبار النظام لطريقة مناورات ظل يحسبها باستمرار فاعلة ومخلـَّصة له من المآزق ، فيما كانت هذه الطريقة تخلق أزمات ظلت تتراكم بصورة تضيق عليه الخناق لجهة استحالة حلولها بذلك الأسلوب البهلواني . والحال أن الأزمات التي كانت تتراكم ، والتداعيات التي كانت تنشأ عنها ، والسيرة السيئة لطريقة تعامل النظام في تطبيقه لاتفاقات (نيفاشا) مع الحركة الشعبية ، والاتفاقيات الهوائية التي تفوق الحصر مع حركات المعارضة السياسية في الداخل ؛ كل ذلك كان يشير في النهاية ، إلى أن طبيعة التعاطي هذه مع الأزمات لايمكن أن تتغير في عقلية النظام . وهنا تكمن خطورة النتائج التي ستنشأ عن هذه الأزمة الجديدة ؛ فطبيعة هذه الأزمة ليست من قبيل جهة تربطها حسابات سياسية كجميع الأطراف التي تعاطى معها النظام سابقا، بما في ذلك المفاوضات العسيرة بخصوص إقرار قوات (اليونوميد) في دارفور، مع الأمم المتحدة . فوجود العناصر المادية (قوات بشرية ، مصالح) لدى الأطراف التي دخلت في الاتفاقات التي عقدتها مع النظام ، كانت هي منشأ تلك الحسابات التي قد تفضي إلى تنازل ما ، أو تكون مدعاة للمناورة والتسوية. أما فيما خص مذكرة أوكامبو ، فهي تابعة لجهة مستقلة : المحكمة الجنائية الدولية ، وهذا ما يضع النظام أمام هامش ضيق وخطير للمناورة . كما أنه في حال قبول الإدعاء من طرف القضاة بعد النظر فيه ، ستكون للترتيبات الملزمة للدول الأعضاء في مجلس الأمن للتعاطي مع الحكم الصادر على البشير ؛ نتائج سيئة وأكثر تعقيدا للأزمة في الداخل السوداني . هذا في حال صدور حكم من المحكمة الجنائية الدولية . أما الوضع في الداخل وحتى قبل صدور هذا الحكم ، فسيظل مراوحا في مكانه ، كانعكاس لرأي المؤتمر الوطني الحاكم ، دون أي تأثير ، لامن طرف الحركة الشعبية الشريكة في الحكم ، من ناحية ، ولا من طرف قوى المعارضة والأحزاب التقليدية فيها خصوصا فالحركة الشعبية ، فضلا عن تبرمها من أسلوب تنفيذ اتفاقية نيفاشا من طرف المؤتمر الوطني ، لأكثر من ثلاث سنوات ، لا تريد أن تكون طرفا خصما في مواجهة المجتمع الدولي الذي تعرف دوره في الترتيبات التي أفضت إلى اتفاق نيفاشا كما أنها في نفس الوقت تضع عينها على الجنوب كملاذ مستقل في حال تدهور الأوضاع مستقبلا ، رغم اللجنة الحكومية التي تكونت أخيرا بقيادة سلفا كير لمواجهة تداعيات مذكرة أوكامبو . أما الأحزاب السياسية، فربما كان في اتفاق (التراضي) الذي تم توقيعه بين حزب الأمة بقيادة الصادق المهدي، وبين المؤتمر الوطني، ما يشير إلى أي مدى أصبح نفوذ المؤتمر الوطني مسيطرا عبر السلطة والقوة. حزب المؤتمر الشعبي بقيادة الترابي ، هو الحزب الوحيد الذي يملك القدرة على خلق تكتيكات عابرة لجسمه السياسي ، من خلال تنسيق بعض حركات دارفور وعلاقته السابقة بها ، كحركة العدل والمساواة بقيادة خليل إبراهيم . ولكن حراكه هذا نسقي ومسدود الآفاق ، فالترابي هو عراب التجربة الإسلاموية أصلا ، وتحركاته لا تأخذ معناها إلا ضمن نصاب وطني مشترك مع المعارضة ، وهذا غير موجود حتى الآن. لكن خطورة المؤتمر الشعبي بقيادة الترابي تكمن في قدرة هذا الأخير على توريط النظام أكثر في مواجهة المجتمع الدولي عبر العديد من الأوراق السرية التي يمكن أن يلعب بها الدكتور الترابي، باعتباره شاهد ملك على تاريخ هذا النظام . ورغم تدخلات الهيئات والأطراف الإقليمية كالجامعة العربية ، والاتحاد الأفريقي بدعوة من النظام ؛ إلا أن هناك رابطا خفيا ، يجعل هذه الأطراف تنشط بقوة ـ لاسيما الاتحاد الأفريقي ـ الذي استبق النكير على هذه المذكرة بدافع الإحساس الذي يضمر دفاعا خفيا عن الذات أيضا، وعلى طريقة (أكلت يوم أكل الثور الأبيض) . أما الجامعة العربية فستصطدم كل جهود أمينها العام عمرو موسى ، بتعنت النظام عبر صلفه العتيد الذي لايرى في كل الكوارث المحدقة بالسودان سوى مؤامرات خارجية ، لن تنال منه شيئا . وفي خضم هذه التداعيات ، ربما كانت تصريحات الرئيس السنغالي عبد الله واد ، هي الأكثر عقلانية وشفافية ، حتى أنها بدت كتغريد خارج السرب الأفريقي. فالرئيس السنغالي قدم نصيحة للبشير ونظامه، وأرسل إشارات واضحة بخصوص التزامه التام بقرار المحكمة في حال صدور حكم على الرئيس البشير. ورغم بعض المخارج التي تم تمريرها والإشارة إليها عبر تصريحات وزير الخارجية الفرنسي بيرنار كوشنير لاحتواء الأزمة ، والتلويح بإمكانية مخرج للرئيس البشير من المأزق في حال تسليم كل من (أحمد هارون) و(علي كوشيب) المتهمين بجرائم حرب في دارفور لمحكمة العدل الدولية بلاهاي ، إلا أن سلوك نظام الإنقاذ لايمكن أن يستجيب لمثل هذا العرض ؛ لا لأن ذلك أخف الضررين ، ولكن لأن الأمر قد يفضي إلى تسريبات ومعلومات أخرى في حال تسليم أحمد هارون وعلي كوشيب ؛ مما قد يؤدي إلى مضاعفات أخرى في مسار القضية . تبدو الآفاق كلها معتمة حيال حل عقلاني، يجنب السودان سيناريوهات أزمة كبرى . ففي ظل حكومة حولت الثوابت الوطنية إلى سقف محدود لمفهومها الأمنى الخاص ، وخلقت تلك الأزمات بيديها ضمن رؤيتها الأحادية التي أفضت إلى مثل هذه الكوارث ورأت في الحروب الداخلية ضد المعارضة جهادا ضد أعداء (الإسلام والعروبة) لايمكن أن يتوقع المراقب اختراقات ، أو توافقات تصب في رؤية إستراتيجية لمصلحة وطنية وازنة . فحين تتحول المصالح الوطنية في بنية النظام وتحركاته إلى مجازفات وانتهاكات ، فإن الذي سيحول دون رؤيتها خلال هذه الأزمة الخطيرة ، ليس فقط استجابة النظام الجوفاء التي راهنت باستمرار على حشد وتجميع الموالين في كل منعطف ، بل عجزه أيضا عن الانتباه ، ومن ثم الاستهانة ، بما يمكن أن يقدمه الشريك (الحركة الشعبية) أو قوى أحزاب المعارضة ـ على مافيها من عجز ذاتي ـ أو الهيئات الإقليمية والدولية من حلول . فالاحترازات العُصابية للنظام ، التي نهلت طويلا من إحساس يضمر عقلية المؤامرة في كل ردود الأفعال الوطنية والإقليمية والدولية التي تترتب على أخطائه ؛ تجعل من طريقته النسقية المعروفة في التعاطي مع الأزمات هي الخيار الوحيد لسلوكه . لكن مثل هكذا خيار في الأزمة الجديدة سيكون (خيار شمسون) الأخير ، خيار وأي خيار ؟!
|
| |
|
|
|
|
|
|
|