|
|
 كل جبار ظالم جاءته داهية !
|
كل جبار ظالم جاتو داهية !
حفظنا تلك العبارة منذ أن لقننا لها أستاذ الرياضيات المصري يوم كنا تلاميذ بمدرسة المؤتمر الثانوية، وهي عبارة عن وصف للنسب المثلثية الموجبة في أ ربعة أرباع الدائرة: ففي الربع الأول كل النسب موجبة تشير لها كلمة "كل"، وفي الثاني نسبة الجيب وتشير لها كلمة "جبار" ،وفي الثالث نسبة الظل وتشير لها كلمة " ظالم" ، وأخيرا نسبة جيب التمام وتشير لها كلمة جاءته! جيراننا المصريون لهم تاريخ طويل من الصبر على حكم الظالمين فلا عجب أن يبتدعوا مثل هذه العبارة الرائعة التي تحمل معنيين رائعين كلاهما يمثل قاعدة من قواعد الطبيعة وقانون الهي تقوم عليه بنية الكون والبشرية! وها نحن نرى جانبا من تجليات هذا القانون في داهية أوكامبو التي زلزلت أركان النظام.
كانت دهشتي عظيمة وأنا أستمع لخطاب رأس النظام أمام أهل الشرق عبر التلفزيون السوداني قبل أيام. كان يحوك بكلامه نسيجا رائعا خلابا حتى أنني ضبطت جزءا من نفسي الأمارة بالسوء يوشك على تصديق أنه هو الصديق وعمر الفاروق وصلاح الدين متجسدين في رجل واحد، وكدت أهتف مثلي مثل بقية الأبرياء الطيبين السذج الذين هتفوا بانفعال شديد" سير سير يا بشير" لكن بقية من عقل ما لبثت أن ذكرتني بأن من أراه على الشاشة ليس على الإطلاق أبوبكر الصديق ولا عمر بن الخطاب ولا حتى صلاح الدين الأيوبي، وتذكرت جدتي رحمها الله حينما كانت تعترض على كلام أمثاله بعبارة وجيزة " يا أبو كلاما يشبه الصحيح"، يشبه الصحيح وليس بصحيح. كونه ليس أبوبكر الصديق الذي اشتهر بالصدق كان واضحا منذ البداية : أنه رجل ترك واجبه العسكري بناء على تقرير طبي افتخر هو على رؤوس الأشهاد بأنه كان غير حقيقي وبناء عليه ذهب للخرطوم ليقود عصابة أعدتها جماعة رفضها الشعب السوداني في صناديق الانتخاب لما عرفه من كذب أهلها وتلاعبهم بالدين والأخلاق ويسلمهم السلطة بقوة السلاح، ثم يبدأ عهدا مظلما من تاريخ السودان سام فيه الشعب السوداني سوء العذاب وليس هذا بمجال استعراض ما ارتكبه نظام حكمه من فظائع. وكونه ليس عمر بن الخطاب يشهد به الآلاف ممن أحيلوا للصالح العام والآلاف الذين تشردوا وأرغموا على هجر بلادهم بسبب سياساته التي انتهت أخيرا إلى أبشع مجازر في تاريخ الشعب السوداني، وكونه ليس صلاح الدين الأيوبي كان واضحا منذ بداياته الأولى حين كان يزف البشرى بإنهاء التمرد في الجنوب عسكريا خلال مدة وجيزة فانتهى به الأمر لاتفاقية تشهد بأنه هزم هزيمة نكراء في ميادين القتال، هزيمة تكررت في دارفور حين أصبح قتل المدنيين الأبرياء واغتصاب النساء مشهدا جديدا في الواقع السوداني.
لقد نسي الكثيرون قدرة الرجل على نسج الكلام وأجبرتهم بقية من خوف في عقلهم الباطن على أن يبرروا تعاطفهم معه الذي ترفضه أرواحهم بمبررات مثل أن الرجل أصبح رمزا للسيادة و للسودان وغير سياساته وأتى بالبترول والسلام وتحسن الاقتصاد السوداني في عهده وتدفقت الاسنتثمارات الأجنبية، لكنهم نسوا أن كل ذلك هو بناء أسس على غير تقوى وأنه وإن بدا جميلا رائعا في أعين من يوسوس لهم الشيطان بالتعاطف معه فهو في عين العدالة الإلهية التي لا تقيس الأشياء بمصالح الحياة الدنيا قد لا يكون كذلك، ومثل ذلك البناء مصيره أن ينهار ولو طال الزمن.
قد لا يكون قرار المحكمة الدولية سوى حبر على ورق وعلامة احتجاج من الدول العظمى التي خدم صاحبنا مصالحها بحرص شديد حفاظا على كرسيه وسلم لها من يشهد ألا لا إله إلا الله، لتودعه السجن وبث لها العيون بين من يثق به من متطرفي المسلمين وارهابييهم لتتسقط أخبارهم، وحيث أن مصالح تلك الدول لا تزال في حاجة إليه فربما لا يكون القرار أكثر من مجرد حبر على ورق أرادت به تلك الدول أن يقدم لها المزيد من الخدمات وأن ترينا أنها حقيقة لا تقدم مصالحها على الاعتبارات الإنسانية العليا وهي في ذلك كاذبة، وحبس له داخل حدود السودان يبرر له المزيد من البطش بالشعب السوداني، لكن مجرد وصول الأمر للمحكمة بغض النظر عن قرارها هو في كل الأحوال داهية نزلت بالرجل ونظامه، وهي إن شاء الله لن تكون الأخيرة ما دام هناك مظلومون يرفعون أيديهم بالدعاء عليه، وهذا لا يمنع أبدا من أن تمتد العقوبة الإلهية لمن يهللون ويطبلون له فينزل بالبلاد بكاملها ضيق عظيم لم تشهد له مثيلا من قبل مثل حدث في بلاد أخرى.
ما أسرع ما نسي الناس أسلافه مثل مانويل نورييغا الذي انتهى به الأمر سجينا بعد أن كان حليفا، و صدام حسين الذي يكاد يكون مطابقا لصاحبنا: فقد أتت بنظام صدام مصالح الدول العظمى ليقف سدا امام انتشار الشيوعية ويزعزع أركان القومية العربية ويكون شوكة في خاصرة عبد الناصر ثم أخيرا يعاقب إيران، ثم صور له خياله أن ما قدمه من خدمات يسوغ له أن يبطش بشعبه ويقتل الآلاف من الابرياء بالأسلحة الكيماوية وغيرها، لكنه نسي أن الدول التي خدمها هي دول ديمقراطية تهمها أصوات شعوبها في انتخاباتها وأن تلك الشعوب لن ترضى عما تقوم به أجهزتها السرية من تعاون معه إذا وصل به الأمر للإفراط في ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية فكانت في ذلك نهايته. ظن صدام أنه بانقلابه على أسياده السابقين سيقبل الله أعماله ويرسل ملائكة تحارب معه لكنه نسي أنه يستطيع أن يخدع نفسه ويخدع البشر ولكن لا يستطيع أن يخدع الله فلم تنزل الملائكة ولم يأت نصر، واليوم يتكرر نفس المشهد في السودان ويحاول النظام أن يصور لنا أنه هو ظل الله في الأرض وأن الملائكة ستنزل لتقف في صفه وأن نصر الله له قريب، فأي افتراء على الله هذا!
|
|
 
|
|
|
|
|
| |
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست