الأسلحة الكيميائية وحقيقة استخدامها في السودان في منتدى ميديكس للحوار
|
عاشق البئر
|
كان عقاب أبيه صارما" هذه المرة تجاوز شفاعة أمه الحنينة له حتي أنه احتمي بجده الحبيب المبتسم دائماً ومكث وراء ظهره المقوس زمناً يرتجف ويبكي ،، حتى غلبه النعاس فنام مختبئاً خلف ظهر جده القديم الذي يئن من وطأة الزمن .
كم يعشق مراقبة الزوال عند تلك البئر يود ان يعرف مدي عمقها وويتحسس رطوبتها.. انه المكان الوحيد الذي سأتمكن فيه من مسك القمر بكلتا يدي هكذا كان يقول في سره ..
|
|

|
|
|
|
|
|
Re: عاشق البئر (Re: بابكر عثمان مكي)
|
كلما ذهب إلي البئر وقف علي حافتها و كتم أنفاسه وأغمض عينيه بشدة حتى يصاب بالدوار ثم يفتحهما فجأة وهو يسدد النظر إلي العمق دفعة واحدة فيشعر بكتلة ضوء وسط الظلام الكثيف كتلة ضوء قوية تسكن مخيلته أيام طويلة وحين تنفد يعود متسللا" إلي البئر مرة أخري ليحدق من جديد
| |

|
|
|
|
|
|
Re: عاشق البئر (Re: بابكر عثمان مكي)
|
إن لهذا التحديق سر عجيب ينبهه بمصيره القادم ويسكنه بحنين مبهم كلما نظر إلي القاع استشعر ذاك الغموض وآنس الضياع وأخضعه المصيـر إلي وحشة قدره وحزنه الفريد
| |

|
|
|
|
|
|
Re: عاشق البئر (Re: بابكر عثمان مكي)
|
كان يجلس علي حافة البئر وينزل قدميه الصغيرتين ويحمل حصواته ويرمي .. فيسمع صوت ارتطامها بالماء يحمله الصدى الرخيم .. فيخفض رأسه و يقهقه .. فلا يرتد صدي قهقهته ... يصرخ فترجع صرخته مفخمة .. كان الصوت القادم من جوف البئر صوته هو .. ينبئه بالمخاطر .. وينذره بالهلاك ..
صوت لا يأتي من ضجيج الفرح ولكن من الصراخ والأنين .
| |

|
|
|
|
|
|
Re: عاشق البئر (Re: بابكر عثمان مكي)
|
ربما يوقن بعقل طفل صغير أن القمر يختبئ هناك خجلا" من نميمة النجوم الملسنة وخوفاً من لسعات الغيوم الباردة في تلك البئر المهجورة التي لا يعرف أحد مدى عمقها ولا يقربها سوى السيل الذي لا يبلغ الربي ... ولكنه عرف تاريخها الكسيح فيما بعد وأنها حفرت منذ قدوم العرب على خيل وهم يحملون عقدهم المتناقضة مع سيوفهم وقوافلهم ثم جاء الفرنجة وزادوها عمقا بخبثهم وتبشيرهم الأناني حفروها بتلك الطريقة التي تشبه القوس المسمومة نشابها .
| |

|
|
|
|
|
|
Re: عاشق البئر (Re: بابكر عثمان مكي)
|
ومنذ ذلك الوقت كلما اقترب من هذه البئر تستوحشه الأماكن ويسلبه الانتماء للمخاطر فيرغب في اكتشاف العمق ويسترق السمع لصوت قطرات تسقط على محيط قاعها البعيد الممتلئ بالماء
| |

|
|
|
|
|
|
Re: عاشق البئر (Re: بابكر عثمان مكي)
|
كانت دائماً رطبة يستشعر رطوبتها بمجرد الاقتراب منها تفوح برائحة العشب المبتل ويخرج من جدرانها نمل أسود رائحته نفاذة .... وعلى بعد خطوات عنها ينبت نبات طفيلي غامق الخضرة وعلي حوافها تكثر أشواك (القريصاء) إلا انه كان يدهشه إخضرار العشب واستطالته كلما اقترب من حافتها النهائية ثمة ورود تنبت ايضا"من خلف سيقان النباتات الطفيلية ورود ذات ألوان ناصعة بهيجة جميلة بحيث لايمكن للمرء أن يتخيل بان في هذه المنطقة بئر سحيقة العمق كم نفقت فيها حيوانات هائمة وكم انفلت في عمقها رجال ونساء وأطفال عابرين
| |

|
|
|
|
|
|
Re: عاشق البئر (Re: بابكر عثمان مكي)
|
علق جده مرة في دلوها المتين يوما كاملا ولحسن الحظ انه تشبث عند سقوطه بالدلو فمر قطيع يتبعه راعي وأنقذه .. كان جده كلما جلس في جمع يحكي لهم عن هذه البئر وعن ظلامها الكثيف قال انه عندما تعب من الصراخ .. صار يضحك من اليأس وهو معلق بالحبل وأشار أن في البئر سر عجيب حيث لا يخرج صدى الضحكات من جوفها أبدا
| |

|
|
|
|
|
|
Re: عاشق البئر (Re: بابكر عثمان مكي)
|
لاشيء يعادل الصمت في أعماق تلك البئر سوى ضحكته التي ترتد مفعمة بالسكون . ولاشيء يعادل الحزن في أعماقه البضة سوي تلك الصرخة التي تعود مدوية بالغياب ،
تري لماذا يجبن الصدى بالصمت في وطنه علي الأفراح الصاخبة ويتجرأ بالضوضاء على الحزن المقيم ؟؟؟؟.
| |

|
|
|
|
|
|
Re: عاشق البئر (Re: بابكر عثمان مكي)
|
تسلل عند الأصيل غير عابئا" بتحذيرات أبيه المتكررة ، واخذ دربا" آخرا" بعيدا" عن الرقباء كان يسابق الشمس الراحلة ويستجديها الا تغيب حتي يصل الي البئر ..
| |

|
|
|
|
|
|
Re: عاشق البئر (Re: بابكر عثمان مكي)
|
في الطريق التقي شوق رفيقة دربه وصباه تركت مابيديها من أشغال ولوت ضفيرتها الهاربة وهرولت في اتجاهه مستبشرة بفرح طفولي معافي
سألته بحنان أين تذهب ؟؟.. .........
أخبرها بأنه يريد اكتشاف عمق البئر ....
فبكت .
| |

|
|
|
|
|
|
Re: عاشق البئر (Re: بابكر عثمان مكي)
|
إنتفض الغراب طائراً من حافة البئر منزعجا" لقدومه ووشوشت له سيقان النباتات الطفيلية تخبيء زواحفها وتفتقت الورود كأنها تود أن تحادث براءة صبي كالفراشة لا يعلم مصيره القادم .. وعند حافة البئر وقف .. أغمض عيينه وكتم أنفاسه حتى تعرق جبينه وشعر بالدوار .. هذه المرة كان الدوار اعنف بقدر غياب أنفاسه فسقط غير عابئاً بقانون الاتزان ..
| |

|
|
|
|
|
|
Re: عاشق البئر (Re: بابكر عثمان مكي)
|
كان عمق البئر قياساً مليون ميل مربع ..... ورطوبة الرحيل مائة بالمائة. وحزمة ضوء تولد من ظلام !!!! ووجه جده المبتسم وعبوس أبيه وحنان أمه وبكاء شوق ...
غير انه لا وجود للقمر الخائف من السنة النجوم .
النهاية ..
| |

|
|
|
|
|
|
|