الأخ حامد - خالد - وكل الحضور هنا
طلبت سابقا من الأخ حامد مجرد رؤية عن متحف شيكان نظراً لقلة معرفتنا عن تاريخه ويبدو أن عدم وجود المصادر التي تؤرخ لنا بصورة جيدة ولمدننا حال دون الحصول على المعلومة ولقد بحثت في الانترنت فلم أجد إلا القليل والذي لا يتعدى حفنة أسطر لا تتجاوز الأربعة أسطر وهائنذا أحاول مجتهدا لألقي الظلال على تلك التحفة التاريخية.
متحف شيكان Sheikan Museum:
إن لحظة التذكر باستعادة أحداث الماضي تمثل قراءة على أستار الأمكنة التي كنا نعيش فيها وما أجمل أن تنتقل بك عبر طيات الذكري لتعيش واقع الطفولة البريئة لتغسل أحزانك ولتزيل ضجر هذا الزمن الكدر، والتذكر شئ جميل يجعلك تدرك شساعة الفرق بين دوخة اللحظات التي مرت إسراعا. لحظة التذكر تحقق للنفس فيض الامتلاء بالسرور، كانت وستظل دوما أحلام طفولتي نبضاً لقلبي وطمأنينة تساعدني على إحداث التوازن لدى نفسي.
لقد كانت بداياتي التي صنعت طفولتي وأنا أسير بأمان قد لا يرقبه احد وأحس به أنا في ذات نفسي، حيث كنا لا نخاف إلا من أزيز العربات التي تسير في الشوارع وكنت حينما نذهب مع الوالد للسوق يصيبنا الضجر من الجلوس أمام الدكان فننطلق بجرأة لا نخاف إلا على أحلامنا من أن تطالها يد النسيان وتقبع في ذاكرة المكان لا نستطيع أن نطالها يوما ما، ولكن ذاكرتنا لم تخيب ظننا. و المكان طالته يد الزمن فلم نستطيع أن نعيش واقع أحلامنا فيه وذلك بعد غياب عن مدينتي طال لقرابة الاثنتي عشرعاماً.
حينما كنا صغارا كنا نسارع الخطى ونجري من ظل لظل حتى نصل ذلك المبنى الفخم الذي يدعى "متحف شيكان" والذي كان قمة الروعة من حيث البناء المجهز تجهيزا فخماً من خلال صالاته الأنيقة النظيفة وذلك الكم من الأدوات التراثية التاريخية التي تجسد عطاء هذا الوطن الثر والمحفوظة بصورة جيدة داخل صناديق من الزجاج - المضاءة بشكل مثالي، ولا أنسى تلكم الممرات من مدخل المتحف وحتى وصول الصالات ومدرجات الصعود للقاعات ورائحة الياسمين التي تعبق المكان ليفوح أريجه وتجعلك تدرك حقاً ان السودان هو عبق التاريخ - السودان - البلد - خزين الأمة الذي لا ينضب، وعبق الحضارة الذي يفوح شذىً تزداد غزارته كلما مرت عليه السنون. ولكن مع مرور السنين تبددت أحلامنا وضاع المكان بالإهمال المتعمد وبالأيدي التي لا تدرك قيمته ، حينما دخلت ذلك المبني دخلت كالخائف أترقب وأنا أري بداخله أربعة رجال عسكر يهمون بتناول إفطارهم. دخلت في العام 2006م لغيبة للمكان قاربت الاثنتى عشر عاما عنه وعن المدينة، خفت في البدء عسى أن يكون قد حول لمكاتب امن أو معسكر ولكنني تجرأت فالمبنى يمثل حلم طفولتي ويا لصدمتي، حينما علمت أن المبنى مغلق وان أدواته داخل المخازن ، "أنت من وين يا أخينا" ورد الثاني "ده مقفول ليه زمن" - ارتعشت أوصالي خفت أن يبتلعني المكان الذي أقف فيه فارتجعت للوراء أنشد الأمان ورف قلبي لذلك التاريخ الذي من كياني وكيان أجدادي وتمنعت رجلي اليمنى عن الحركة لأنني كنت أسندها في ذلك الزمان على مسمار في ذلك المنبر الخشبي لقصري وفقا لسني من أجل أن الحق ذلك الدفتر الكبير والذي كانتً تدون فيه الأسماء والإمضاءات للزوار. كان من اهتماماتي أن أدون أسمي في ذلك السجل الضخم ويدفعني الفضول أحيانا أن أعرف عدد الزوار وكان المسئول عن تلكم القاعة يعرف أننا نتكرم بزيارته لبعض الأيام في إجازتنا الصيفية مرارا ولكنه لم يبدئ انزعاجا منا ولم يشعرنا بأي ضيق نسببه له ويعكس هذا مدى فهمه لدور المتحف في تلقين أجيالنا تاريخ بلدهم وكنت أضحك من استدراجي لأخي الأصغر ومراوغته ومشاغلته بالحديث حتى يقف أمام ذلك التمثال الروماني لوجه القائد أغسطس وحينما يراه يلوذ بالفرار خوفا ويقف بالخارج حتى أأتيه وانا أمتلئ ضحكاً.
متحف شيكان Sheikan Museum:
لمن لا يعرفون الأبيض حقاً أو زاروها ولم يزوروا ذلك المتحف العظيم والذي يعد من أهم المتاحف في السودان ومسجل في سجلات اليونسكو ضمن متاحف السودان الهامة والتي يجب زيارتها آملين أن يعاد افتتاحه. يقع المتحف في مدينة الأبيض في ولاية شمال كردفان وأن اسمه متحف "شيكان" مشتق من موقع يقع بالقرب من الأبيض، والذي قهر فيه الإمام المهدي القوات البريطانية في معركة في العام 1880م. تمَّ تأسيس المتحف في العام 1965 ويحمل عدد من العناصر التاريخية والاثنوغرافية الجوهرية والتي تعكس المراحل المختلفة لتاريخ كردفان. بالإضافة إلى ذلك كان المتحف يعرض الأعمال الفنية الأثرية المتعلقة بالعصر الحجري وحتى مملكة الفونج الإسلامية (1505-1820) . أيضاً يحتوى المتحف على بعض الأدوات الجديرة بالاهتمام من معركة شيكان.
توجد آثار فنية جميلة ورسومات للعذراء أمنا مريم عليها السلام ورسومات تعكس الدور المسيحي في السودان وتماثيل من البرونز لقادة رومان ولا أدري مدى علاقتهم حتى اللحظة بالسودان وتوجد أدوات خاصة بالإمام المهدي وقادة المهدية من دروع ومسبحات وعصي وسيوف ومصاحف مكتوبة باليد وملابسهم الخاصة وبعض المنشورات المكتوبة بخطهم وأدوات للإنجليز الذين أبيدوا في معركة شيكان وصورهموالضريساء الحديدية التي استخدمها الانجليز لتعوق سير الأبطال السودانيون وتسممهم بالإضافة إلى المنحوتات الحجرية الجميلة منذ العصر الحجري والذي بدأ قبل 2 مليون سنة من عصرنا هذا "قارن ذلك بتاريخ السودان هذا البلد العظيم" الذي يضيع تاريخه بفعل أناس لا يعرفون عظمة التاريخ وأن إغلاق هذا المتحف لخير دليل.
بجوار المتحف يوجد حوش مبني من الحجر الخالص وهو امتداد للمتحف وتوجد بداخله نماذج للأشجار التي توجد في غابة شيكان ويدعى غابة شيكان النموذجية.