|
مــشــكلــة آيـســــكريم ..!
|
مشكلة آيسكريم ..! ............................
إنها مدينة سودانية جميلة ، والمدهش فيها أنها خالية من اكياس البلاستيك ..! تمشي في شوارعها بمتعة ، بينما تشرب عصيراً من قارورة ( كريستال ) تحملها معك ، وعندما تكمل شربها تحاول أن تبحث عن مكان تلقيها فيه ، ولكن يرتد اليك بصرك مهزوماً ! فعباقرة القرارات الحكومية الذين منعوا تداول الأكياس في هذه المدينة السحرية لم يخطر ببالهم قط أن يضعوا براميل كافية للقمامة فى الشوارع ..!
**
المشهد أعلاه واقعي الى حد بعيد ، وهو مشهد لا يلبث ان يدفع الى الذهن فوراً منظر ذلك الشخص الذي إرتدى بدلة كاملة ، أنيقة ، ولكنه إنتعل معها ( سفنجة ) ... ذات ( سير ) مقطوع كمان ..!
**
ويبدو واضحاً ان رياحاً طيبة قد هبّـت على المسئولين في تلك المدن السودانية التي تم فيها منع تداول اكياس البلاستيك ، فارتفع لديهم الوعي بالبيئة فجأة ، وقرروا ان يعلنوا الحرب العالمية الثالثة على اكياس البلاستيك المسكينة ..!
**
إن اكياس البلاستيك يا سادتي ، مجرد كائنات مسالمة ، لم تقصر في خدمة البشر ، فحملت طعامهم ، و ( تنباكهم ) وملابسهم ، ومشترواتهم ، وعندما ادت واجبها وانتهت ، ماتت مثلها مثل اى كائن حي محترم ، تجاهلها بنو البشر كعادتهم ، ولم يوفروا لها المقابر المناسبة ، رغم ان مقابرها لا تتعدى مجرد براميل قمامة صغيرة !. ولما تجد هذه الكائنات المخلصة المقابر المناسبة لها من براميل قمامة ، كان من الطبيعي ان تنتشر اجسادها الممزقة فى الشوارع ، فقرر البشر بطريقة ظالمة ان يقضوا على جنسها بكامله ، مع انهم هم الملومون بعدم توفيرهم المقابر الضرورية لها ..!
**
أكياس البلاستيك تخطيء مثلها مثل كل الكائنات الأخرى ، ولكننا لا يمكن ان نلومها فى كل الحالات ، فالأغنام التي تأكل الأكياس المنشرة فى الشوارع مثلاً ، إنما هي مسئولية صاحبها الذى لم يوفر لها طعاماً مناسباً ، وتركها تخرج الى الشوارع دون مراقبة ! ، والشخص الذي يحمل طعاماً في كيس غير نظيف لا يمكننا ان نلوم ذلك الكيس إذا تسبب له بمرض ما ، وإذا كان الطعام يحمل فى أكياس ، فما فائدة الصواني والاواني إذن ..؟!
**
الغريب في قصة الظلم الكبير الذي تعرضت له أكياس البلاستيك المسكينة تلك ، هو القول بأنها ( تشوه منظر المدينة ) ! ، وأنتم تدركون ان المسئولين الاعزاء يتحدثون عن مدينة سحرية بطبيعة الحال : تمتليء جدارانها بالملصقات الإعلانية القبيحة ، ولكنها تظل مدينة جميلة ! ، وتفتح مجاريها على اطراف شوارعها ، ولكنها تظل مدينة نظيفة ! ، وتفوح رائحة المياه الآسنة منها، ولكنها تظل مدينة عليلة النسيم ! ، وويختلط فيها الطعام بالغبار ، وتظل مدينة صحية ! ، وتغرق فى الفوضى ، ولكنها الفوضى الخلاقة طبعاً ، وتمتليء شوارع الأسفلت فيها بالحفر، ولكنها تظل مدينة جميلة ، وعندما تتكاثر فيها الاكياس الطائرة سرعان ما يتوقف السحر ... وتصبح المدينة فجاة ... خالية من الجمال !
**
وقد حملت الاخبار الواردة من تلك المدينة السحرية لجميلة ان السكان هناك قد احتجوا على مسألة حظر أكياس البلاستيك هذه ، فقررت السلطات المحلية ان تشكل لجنة لدراسة المشكلة وإيجاد الحلول المناسبة لها . وقد إجتمعت اللجنة ، حسب المصادر ، وناقشت الأمر ، ثم توصلت بعد اجتماعات كثيرة استهلكت خلالها الكثير من علب العصير ، الى ان الرأي السديد ، والحل الاكيد لمشكلة الاكياس هو ... الرجوع الى الماضي ..!
**
نعم .. قد يبدو هذا الحل غريباً ، ولكن اللجنة الموقرة أثبتت بالدليل القاطع ، والبرهان الساطع ، ان الرجوع الى الماضي هو الحل الفعال لمشكلة حظر الاكياس : فبالنسبة لمشكلة ( كيس الخضار ) مثلاً يمكن الرجوع الى الماضي .. الى زمن ( القــفــه ) ، ذلك الكائن الأسطوري الضخم ، الذي يمكنه حمل الخضروات ، واللحوم ، والجرايد كمان !. أما مدمنو ( التمباك ) فيمكنهم العودة الى الماضي أيضاً حسب رأي اللجنة ... الى زمن ( الحـقـه ) ، تلك العلبة الصغيرة ، التى غالباً ما تكون علبة كريم نيفيا ، وستسير أمورهم على ما يرام .
**
المشكلة الوحيدة التى لم تجد لها تلك اللجنة الموقرة أي حل ، هي مشكلة ( الآيسكريم ) الذي اعتاد الناس على تعبئته في أكياس مستطيلة الشكل ، ويسمونه ( الداندورمه ) .. فرغم ان تلك اللجنة قد اجتمعت لساعات طويلة ، الا انها لم تستطع ان تحدد بدقة : الى اي عصر من عصور الماضي يجب ان نرجع حتى نجد شيئاً مناسباً بديلاً عن الأكياس ، يصلح لتعبئة ذلك الآيسكريم اللذيذ ..!
.......
|
|
|
|
|
|