|
مصرف الاحتياطي الفدرالي الأمريكي في مواجهة التضخم أم الانكماش؟/ منبر الحرية واشنطن
|
مصرف الاحتياطي الفدرالي الأمريكي في مواجهة التضخم أم الانكماش؟
بقلم جيرالد بي. أودريسكول*
ما يزال شبح الانكماش (الهبوط المطرد للأسعار) يؤرق بال رئيس مصرف الاحتياطي الفدرالي، بين بيرنانكي، في الولايات المتحدة. و يُؤشر الانخفاض المذهل الذي عرفه سعر الفائدة الرئيسي يوم الثلاثاء 16 ديسمبر عن مدى تخوف بيرنانكي من ركود كبير يشابه ذلك الذي عرفه العالم في الثلاثينات من القرن الماضي. و قد خفض "الاحتياطي الفدرالي" من نسبة الأصول الفدرالية (Federal funds rate) أي سعر إعادة تمويل البنوك و هو السعر الذي تجري به كل مساء عملية إقراض و اقتراض البنوك فيما بينها داخل السوق المصرفية. وقد أصبح هذا السعر يتراوح ما بين 0% و %0.25 مما يشكل أدنى المستويات التي وصل إليها في تاريخه.
وفي نفس الوقت يرى كثير من الملاحظين أنه من المرجح أن يؤدي تراكم التأثيرات الناجمة عن هذا التخفيض و التخفيضات السابقة التي قام بها "الاحتياطي الفدرالي" إلى التضخم. وهم يذكرون في هذا الصدد بالارتفاع المستمر لأسعار الذهب كحجة تبرر أقوالهم بشان الخطر التضخمي. هل نحن متوجهون إذن نحو ركود كبير أم نحو تضخم جامح؟
لا يتوقع حدوث أي حد من هذين السيناريوهين و لكن أيضا، ولأول مرة مند عقود، لا يستبعد وقوع أحدهما تماما. في حقيقة الأمر، إن الاقتصاد الأمريكي مهدد بمجموعتين من الضغوط إحداهما تضخمية و الأخرى انكماشية، و لحد الآن تبقى كفة الانكماش راجحة إذا أخذنا بعين الاعتبار مؤشر أسعار الاستهلاك.
لكن علينا أن نقوم هنا بتحديد هام، الانكماش هو هبوط دائم للأسعار بينما هبوط الأسعار الذي شاهدناه لحد الآن هو ناتج بشكل كبير عن انفجار الفقاعة النفطية و ليس ضغطا سيستمر على المدى الطويل. فقد نزل سعر الذهب الأسود عن سقف 150 دولار ليصل إلى مستوى 41 دولار للبرميل. و أدى هذا الانخفاض إلى انخفاض السعر في محطات الوقود، مما ينتج عنه بالطبع انخفاض مؤشر أسعار الاستهلاك. صحيح أيضا أن ضعف الاقتصاد أثر سلبا على الطلب على المشتريات الكبرى كالعقار و السيارات. و لكن ومن جهة أخرى قد يجد المستهلكون طرقا ثانية لتوفير الأموال كتأجيل موعد الذهاب عند الحلاق أو عند طبيب الأسنان. كل هذه الأمثلة، بالإضافة إلى عوامل أخرى يمكن أن تعطينا تفسيرا عن التباطؤ المتزايد للاقتصاد، تباطؤ من المحتمل جدا أن يستمر خلال السنة المقبلة.
يجب أن نقوم في هذا الصدد بالوقوف عند الفرق بين ظاهرة الانكماش و هبوط الأسعار الذي تشهده الظرفية الحالية. و يبقى احتمال حدوث هذا الانكماش ضعيفا نظرا لتخوف بيرنانكي من تكرار سيناريو هبوط الأسعار الذي رافق الركود الكبير للثلاثينات. لقد درس بيرنانكي بعمق هذه الحقبة من التاريخ لذا فإنه واع تماما أن مصرف الاحتياطي الفدرالي تردد كثيرا إبان الركود الكبير في الوقت الذي كان فيه الاقتصاد ينهار. و قد أقسم بيرنانكي أنه لن يسمح بحدوث ذلك التقلص الذي عرفته الأموال والقروض خلال الثلاثينات. بالمقابل فإن"الاحتياطي الفدرالي" في عهد بيرنانكي اتخذ إجراءات استثنائية لضخ السيولة في أسواق القروض في إطار مجموعة من برامج الإقراض و من الأمثلة المذهلة على ذلك نجد شراء 600 مليار من القروض المُصدرة و المضمونة من طرف "فاني ماي" (Fani mae) و"فريدي ماك" (Fredie mac).
لقد بدأت الأزمة في القطاع العقاري لكنها لن تنتهي بعودة الاستقرار إليه. و في بيانه ليوم الثلاثاء 16 ديسمبر أعلن مصرف الاحتياطي الفدرالي أنه سيستعمل كل الوسائل لتشجيع العودة إلى نمو اقتصادي مستدام و الحفاظ على استقرار الأسعار. بعبارة أخرى أنه سيقوم بكل ما يلزم من إجراءات لمنع حدوث الانكماش.
لقد تأخرت تأثيرات "القروض السهلة" في أن تشمل كل جوانب الاقتصاد وهذا يرجع بنسبة كبيرة إلى كون عدد من المستهلكين و المالكين العقاريين و الشركات لم يترددوا في استعمال ما جنوه من عطايا ناجمة عن انخفاض سعر النفط في تسديد الديون التي تُثقل كاهلهم.
بالمقابل و مع وجود أسعار الفائدة هذه، و التي تعتبر الأكثر انخفاضا عبر التاريخ، فمن المحتمل أن يلجأ الأفراد العاديون إلى الاقتراض الذي يمكن أن يؤدي عند بلوغه حدا معينا إلى تحرير الدينامكية الاقتصادية. في الحقيقة إن إجراءات "الاحتياطي الفدرالي" قد أدت إلى خلق بحيرات من القروض، بحيرات تبقى لحد الآن محمية من الفيضان بفضل سدود مشكلة من الخوف والحذر. لكن عندما ستنهار هذه السدود سيؤدي ذلك حتما إلى إطلاق ضغوط تضخمية يصعب السيطرة عليها. و تماما مثلما فعلت أسعار فائدة 1 % في عهد غرينسبان فان أسعار 0 % في عهد بيرنانكي قد تؤدي إلى خلق فقاعة جديدة. في الوقت الحاضر يبقى هذا الاحتمال ضعيفا في نظر العديد من الملاحظين. و مع ذلك فإن سعر الذهب الذي بلغ أكثر من 50 دولار يؤشر في الحقيقة إلى تضخم و ليس إلى انكماش، تضخم قد يحدث ابتدءا من 2010.-------------------------------
www.minbaralhurriyya.org
*جيرالد بي. أودريسكول مدير سابق لتحليل السياسات في بنك سيتي جروب وهو حالياً كبير باحثين في معهد كيتو بواشنطن العاصمة.
|
|
![URL](https://sudaneseonline.com/db/blank.gif) ![Edit](https://sudaneseonline.com/db/blank.gif)
|
|
|
|