خالد الحاج: الإسلام كنظرية نقدية

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-17-2024, 11:14 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2009م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-23-2008, 05:45 AM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
خالد الحاج: الإسلام كنظرية نقدية


    بسم الله الرحمن الرحيم
    الاستاذ محمود في الذكرى الثالثة والعشرين
    محاولة للتعريف باساسيات دعوته
    (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ) سبأ 24
    الإسلام كنظرية نقدية


    مدخل:
    بعون الله، وبتوفيقه سوف يكون الاتجاه للاحتفال بالذكرى هذا العام، محاولة للقيام بمقارنة، بين الفكرة، والأديان، والأفكار، والفلسفات المختلفة.. وسيكون التركيز بصورة خاصة على الحضارة الغربية، على اعتبار أنها الحضارة السائدة، وتمثل الواقع، والتحدي الأساسي الذي يواجه أي دين يطرح نفسه، لتغيير الواقع.. وأسلوب النقد والمقارنة، هو أفضل أسلوب، لابراز خصائص الاسلام، التي تميزه، وترشحه، لأن يكون مدنية المستقبل.. والمقارنة، بالضرورة، تتضمن نقد الآخر، الذي تجري المقارنة معه.. وعن أمر المقارنة هذا، يقول الأستاذ محمود: "و التبشير بالإسلام أمر يتطلب أن يكون المبشر ، من سعة العلم بدقائق الإسلام ، و بدقائق الأديان ، والأفكار ، والفلسفات المعاصرة ، بحيث يستطيع أن يجري مقارنة تبرز إمتياز الإسلام على كل فلسفة إجتماعية معاصرة ، وعلى كل دين، بصورة تقنع العقول الذكية.."
    المقارنة، تقتضي تقويم الأفكار التي تتم المقارنة معها، وهذا التقويم هو ما اصطلح على تسميته بالنقد.. والنقد لكي يكون نقدا موضوعيا، لا بد ان يقوم على اساس واضح، وعلى منهج، وهذا ما اصطلح على تسميته ب(النظرية النقدية).. فعلى الرغم من أن النقد، من طبيعة العقل المفكر، إلا أن النظرية النقدية، لا تعني مجرد النقد، وإنما تعني النقد المنهجي، الذي ينبنى على نظرية في المعرفة، واضحة الأسس.

    الغرب والنظريات النقدية:
    هنالك إدعاء بأن البشرية لم تعرف التفكير النقدي، إلا مع الحضارة الغربية!! وهو إدعاء شديد البطلان، ونحن هنا لسنا بصدد التعرض لهذا الإدعاء، وتفنيده، وإنما موعدنا مع ذلك عندما نتحدث عن العقل والعقلانية.. نحن هنا، بصدد الاشارة، الموجزة، للنظريات النقدية في الغرب، كمدخل لحديثنا عن الاسلام كنظرية نقدية.. وسوف يكون حديثنا منصبا على النقد الفكري، و دون التعرض للنقد الفني.
    يعتبر كانط (1724 - 1804) معلما بارزا، وأساسيا، في إتجاه الفكر النقدي، في الفكر الغربي، وذلك من خلال، كتابه عن (نقد العقل الخالص)، وعند كانط العقل هو الملكة التي تمدنا بالمعرفة، ولكن وظيفة العقل ليست هي التوسع في المعرفة، وانما تطهير نفسه، والتخلص من الأخطاء ولذلك، بما ان فلسفة كانط كانت تهدف الي تصحيح المعرفة، فقد اعتبرت فلسفة عقلية نقدية .. وقد اعطي كانط للفلسفة دورين وليس دورا واحد .
    "الدور الأول باعتبارها محكمة العقل، أي الذات العارفة التي من خلالها، نفهم العالم ونفهم أنفسنا بشكل عقلاني.. وبناء على على هذا الدور الأولي يتحدد دورها الثاني، وهو أنها لا تستطيع أن تحكم على نتائج العلوم الأخري فقط، بل تقوم بتنظيمها أيضا وتحديد المكان الصحيح لكل منها، ومجال مصداقيتها، ومنهجها السليم" فالدور الثاني هذا، هو الجانب النقدي.
    لقد كان الفكر الغربي، والثقافة الغربية يقومان على أن للعقل طبيعة ثابتة في الانسان، ولقد استمر هذا التصور لفترة طويلة الى أن جاء هيجل (1770 - 1831) ليؤرخ لبداية فكر جديد، وثقافة جديدة، في الغرب، بدأ مع بداية القرن التاسع عشر.. وفي هذا الفكر حل (التطور)، و(التغيير) محل (الثبات) و(التحدد).. وقد جعل هيجل من التناقض جوهرا لفلسفته، ومنهجه الجدلي.. وواصل ماركس من بعده هذا التوجه، وإن كان على أساس مغاير.. وحسب منطق هيجل الجدلي هذا، دخل العقل في الطبيعة نفسها، وأصبح له تجلي في التاريخ.. وأصبحت العملية المعرفية، تنمو في مراحل متعددة، والوصول الى المطلق لا يكون الا في ختام هذه المراحل.. فقد هاجم هيجل المعرفة العقلية الخالصة، التي فصلت الفكر من الوجود، كما هاجم الفلسفة التجريبية الخالصة، التي أغفلت السمات العقلية للواقع.
    أما ماركس (1818 - 1883) والذي زعم أنه أوقف جدل هيجل على قدميه، فلم يجعل دور العقل قاصرا على التفسير، بل تخطاه الى التغيير، فمهمة العقل عند ماركس تحولت الى نقد الواقع وتغيير العالم.. وقد أثر ماركس على كل موجة النقد والتغيير التي اجتاحت كل التيارات الفلسفية التي أعقبته.. ولقد أعلن ماركس في (البيان الشيوعي) 1840 عن الحاجة الى "نقد قاس لكل شيء موجود".. وكان عمل ماركس هذا يعتبر البداية لنظرية نقدية للمجتمع.. ولقد تطورت الدراسات الاجتماعية، تطورا هائلا، في القرن التاسع عشر، وأوائل القرن العشرين.. وعندما جاء عالم الاجتماع ماكس فيبر (1864 - 1920) - وهو أحد منظري العقلانية الحديثة - ذهب الى أن التقدم التقني أفرز نوعا من العقلانية العلمية التي لها منهجها ووسائلها، وهو ما عبر عنه ب: عقلانية المنهج والوسائل من أجل تحديث غايات.. ولقد رأى فيبر أن العقلانية هي قانون العلم، إلا أنه ظل واعيا بحدود هذه العقلانية وأخطارها.. ومهمة العقل عنده هي: حساب العلاقة بين الوسائل والغايات.. وهو يرى أنه ليس في وسع البشر أن يتنصلوا عن مسؤولية اختيارهم.
    وعلى الرغم من ان ماكس فيبر كان عقلانيا تجريبيا، إلا أنه كثيرا ما كان يشكو من أن العقلانية العلمية، عقلانية جافة، وليست عقلانية انسانية بالقدر الكافي، إذ لم تضع في اعتبارها العلاقة الحميمة بين الانسان والطبيعة.. فالعقلانية التي كانت غايتها تحرير الانسان، وضعته في زنزانة خانقه واستعبدته بدلا من أن تحرره.. وفي تقديري هذا أهم نقد، قدمه فيبر.
    وقد استمر تيار النقد مع جورج لوكاتش (1945 – 1971)، وبعض النقاد الذين لهم صلة بالماركسية.. وظهرت مفاهيم، مثل (الاغتراب) و (التشيؤ) و(افقاد الواقع كليته) .
    وكان آرنست بلوخ (1885 - 1977) من أهم نقاد العقل، الذين أسهموا في تطور النظرية النقدية، في الغرب، ومن أهم اسهاماته، نظرته للواقع، فهو يرى أن الواقع عبارة عن حركة صيرورة لم تكتمل بعد، فهو يموج بالامكانات، وبقلق الصيرورة.. فهو يعتبر اليتوبيا حقيقة تسير جنبا الى جنب مع الواقع وتصاحبه، وهي - اليتوبيا - تتحدث بأسم الليس بعد أو المستقبل، وتحاول تشكيل نموذج لوجود حقيقي ممكن لم يتحقق بعد" .. فاليتوبيا، عنده تكشف عن كيفيات جديده في الطبيعة عن طريق العقل الخيالي، الذي يستخلص الممكن من الواقع اليومي العيني .. ولا يتم هذا إلا بالاعتراف بالواقع ورفضه في آن واحد، كما أنه ليس هناك فاصل بين الممكن والواقع لأن الواقع كان ممكنا في الماضي.
    وبعد الحرب العالمية الثانية، ظهرت (مدرسة فرانكفورت) التي عرف أصحابها بأصحاب (النظرية النقدية) وهم أكثر من جيل واحد..
    وكان ادورنو (1903 - 1969) من رواد الجيل الأول.. وهو من أهم من نقدو العقل الذي كانت حركة التنوير قد رفعت من شأنه بصورة كبيرة.. وقد أصدر مع زميله وصديقه هور كهيمر كتاب(جدل التنوير)، وهو كتاب قد تضمن فكرة التدمير الذاتي للتنوير .. فعنده الفلسفة النوعية قد أصابت التنوير بالانتكاس.. ومن أهم مقولاته النقدية هي أن العقل الأداتي غير النقدي الذي يقوم عليه العلم، اعتمد على النزعة الشكلية، فالعلم كمنهج تحليل لا يستطيع أن يضفي أي معنى أو قيمة على أي شيء غير قابل للقياس، وغير خاضع للصيغة الرياضية.. وهو يرى "أن التنوير الذي كان هدفه الأصلي هو تحرير العقل البشري من الأسطورة تحول هو ذاته الى اسطورة تخفي الهيمنة والتسلط، وتسعى الى تأييد الواقع السائد، ولم يعد يخدم قضية الحرية" .. "فالعقل الذي حرر الانسان من سلطة الطبيعة، يبرر الآن سيطرته على الانسان نفسه باعتباره جزءا من الطبيعة التي يسيطر عليها.. بل ويقوم بعملية (تكيف) مع حضارة لا انسانية.. اعتمدت على الجانب التقني فقط وهيأت (العامة) لتحمل الاستبداد وأنواع القيود التي يفرضها على الأشياء والإنسان ولم يتم هذا بفعل المناوئين للعقل بل بفعل التنوير نفسه.."
    وهو يرى أن التنوير صار ضد الحقيقة عن طريق التجريد الرياضي الشامل للواقع، وهو التجريد الذي صار مرادفا للحقيقة .. لقد تحول الفكر الى آلة رياضية يمكن أن تحل الآلة محله!! وهذا أدى الى عدم فهم الواقع الحي، ونفي واستبعد كل واقع فردي مباشر.. "إن اخضاع العقل للتجربة الحسية الحية بالانفصال عنها (وتكميمها)أدى الى افقار كل من التجربة والعقل معا ، وكان هذ ا مظهرا من مظاهر انتصار العقل الأداتي وسعيه للسيطرة على كل شيء بما في ذلك العقل والتفكر نفسه.. وهكذا اغترب الناس في المجتمع الشمولي الحديث - سواء كان رأسماليا أو شيوعيا، وبرزت الوحشية واللانسانية التي اراد التنوير في الأصل أن يحاربهما، فتحول التقدم الى تراجع.. وأصبحت لعنة التقدم المتواصل تعني النكوص المتواصل. وتعاظم اغتراب الجماهير التي تموضعت وتشيأت ووقعت، مثلها مثل حكامها ومديريها في الشبكة نفسها المخيفة التي تثبت الوضع القائم.." وواصل أدورنو نقده للعقلانية العلمية في كتابه (الجدل السلبي).. وهاجم المعرفة التصورية، من منطلق أن التصور يعزل الشيء عن ذاته فيلغي فرديته.
    في الواقع، وفي عموم الحال، يشيد الفكر الغربي بالدور الذي قام به ادورنو في نقد العقل، على اعتبار انه وضع العقل في السياق الاجتماعي كله، وأثبت ان بعض المذاهب الفلسفية، مثل البراغماتية، والوضعية، قد جعلت العقل أداة في خدمة الانتاج الصناعي، ووظفته لخدمة مصالح معينة، وعزلته تماما عن مجال القيم كالعدالة والتسامح...ألخ .. وترتب على ذلك ان العقل عندما استخدم هذا الاستخدام (الآحادي) ، نظر الى موضوعاته أيضا نظرة أحادية هي نظرة السيد للمسود، فكرس بذلك إغتراب الموضوع عن الذات، واغتراب الذات عن الموضوع.
    وبالطبع تعرض أدورنو للنقد وفي تقديري أن أهم نقد وجه له هو أنه خلط بين المعرفة واستخداماتها.. فتوظيف العقل لاستخدامات معينة، غير عقلانية وغير انسانية، هو اساس المشكلة، وليست المشكلة في العقل التصوري.. ومثل هذا النقد لا يلغي نقد ادورنو، وإنما يضبط التعبير عنه.. فالاستخدام الخاطيء للعقل، وتقيده بالنظرة الآحادية، هو الذي شكل العقل الغربي، وحدده بالمفهوم (الأداتي) الضيق.. والقضية الأساسية التي يريدها أدورنو، ومعه معظم رواد الفلسفة الحديثة في الغرب لا تتعلق بالعقل في ذاته، وإنما تتعلق باستخدامه استخداما سيئا، خصوصا من الذين يبغون المصلحةالذاتية و الهيمنة فقط.
    وفي نفس اتجاه أدورنو يسير صديقه هور كهيمر (1895 - 1973) ففي كتابه (نقد العقل الأداتي) يؤكد مقولات ادورنو، ويرى أنه لا يمكن للعقل أن يعود الى الطريق الصحيح إلا إذا اعترف بانه ليس عقلا مطلقا، وإنما هو نسبي متغير، وأصبحت له اهداف انسانية تنشد الانسجام مع العالم الخارجي.. وهو يرى أن التنوير المضاد للدين والميتافيزيقيا دمر انسجام العقل، وانسجام الإنسان مع العالم الخارجي.. وأدى الى ظهور نمطين من العقل:
    1. عقل تنويري وغايته التحرر والعدالة وإلغاء التشيؤ
    2. عقل اداتي غايته التسلط والسيطرة، ويؤدي الى المادية والعدمية.
    وهو يرى ضرورة وجود وحدة واتساق بين العقلين.. والعقل الأداتي، ليس مرفوضا رفضا كليا، فهو له أهميته ومزاياه، في مجاله، ولكن فلسفات مثل البراغماتية والوضعية الحقت به الضرر .. ففي إطار هيمنة العقل الأداتي، أصبح التقدم الفكري، يعني تقدما صناعيا.. وانفصلت المفاهيم والتصورات عن مصدرها العقلي، ولم تعد قادرة على تحقيق أهداف الحياة العليا، فالعدالة والحرية لا يمكن لهما أن تتحققا بالوضعية العلمية التي سلبت العقل كل علاقة بهما، ولم تهتم إلا بالوقائع، وأصبحت خادمة لأدوات الانتاج الموجودة، وانفصلت عن السياق الاجتماعي فلم تثمر غير الاغتراب.
    أما هربرت ماركيوز (1898 - 1979) فقد قدم نظرية نقدية موجهة بشكل أساسي ضد المجتمع الصناعي - ذي البعد الواحد، والذي اصبحت فيه الاحتياجات البشرية احتياجات لا عقلانية، ومصنوعة من الخارج، من اجل زيادة العمل والانتاج، وليست من أجل مساعدة البشر.. ويرى ماركيوز، من كتابه (الانسان ذو البعد الواحد).. "أن عقلانية المجتمع المعاصر وتقدمه وتطوره هي في مبدئها لا عقلانية"
    ويرى بعض النقاد، أن المشكلة الأساسية تكمن في أن العقل الكمي الخاضع للقياس، الذي يفصل ماهو كائن عما ينبغي أن يكون، ويقدم نفسه باعتباره متحررا من القيمة، لا يستطيع أن يفهم الواقع.. ويمارس التسلط ويبرع في جعله غير مرئي وغير محسوس - كما يلاحظ لاندمان -
    ومن أبرز أعضاء الجيل الثاني لمدرسة فرانكفورت هابرماس (1929).. وأهم ما قدمه هابرماس هو مفهوم (العقلانية التواصلية) في مقابل (العقلانية الأداتية)
    إن النظرية النقدية، عند مدرسة فرانكفورت، والنظريات الأخرى، قد قدمت نقدا جليلا للسلبيات، ولكنها عجزت عن إقامة نسق عقلي متكامل، لا يركز على شكل واحد من أشكال العقل - الذي أثبتوا له أشكالا متعددة - وهم جميعا يسعون الى هدف واحد مشترك، هو العمل على تغيير الواقع ليصبح أكثر إنسانية، وايجاد صورة العقل التي تتناسب مع هذا العقل الانساني.. فهم برغم أنهم قاموا بتشخيص ، لسلبيات الواقع الفكري، في معظمه صحيح وعميق، إلا أنهم عجزوا كل العجز، عن تقديم البديل المتمثل في تطلعاته للعقل الشامل، الاجتماعي، والتاريخي، الذي يتجاوز محدودية (العقل الأداتي)، وسلبياته، بغرض تحقيق واقع عقلاني أكثر انسانية، لا يهمل الجانب المادي للحياة، ولكن لا يقتصر عليه، بل يوظفه من خلال اعتبار (القيم) لسعادة الانسان وحريته.
    أعتقد انه لا بد لنا من اشارة، ولو موجزة لكارل بوبر.. فإذا كان هابرماس، قد سعى الى جعل الفلسفة (تفكيرا نقديا)، فإن كارل بوبر، قد سعى الى جعل النقد (اسلوب حياة).. وتأتي أهمية كارل بوبر من أنه من أهم فلاسفة العلم المعاصرين، إن لم يكن اهمهم على الإطلاق.. وبوبر، وإن كان يركز على المنهج النقدي في البحث العلمي، إلا أنه يتوسع في مفهوم النقد، ويجعله خلاصة تجربة حياته كلها.. وهو بصورة خاصة يرفض مبدأ الاستقراء ويركز على التناول السلبي، الذي يقوم على مبدأ (التكذيب) falsification - انا لا ارى كلمة تكذيب هي الترجمة المناسبة، ولكنها على كل حال هي المستخدمة - ويرى بوبر أن فائدة التكذيب تكمن في أن الهدف من العلم هو محاولة الاقتراب من القضايا الصادقة، وذلك يتأتى عن طريق استبعاد و حذف القضايا الكاذبة، بعد تكذيبها بصورة مؤكدة.. وهو يؤكد أن القضايا العلمية ليست يقينية، كما أنها ليست كاذبة، فهي في البداية احتمالية وفي النهاية إما قريبة من الصدق أو من الكذب.. ومبدأ عدم اليقين اصبح قضية مسلم بها عند جميع العلماء، ليس في مستوى نظرية هيزنبرج فحسب، وإنما فى مستوى، العلم، وفلسفة العلم، بصورة شاملة.
    أما تيار ما بعد الحداثة، فهو يمثل رد فعل عنيف، ضد عقلانية التنوير.. يقول ديفيد هارفي: "وفي الفلسفة أدى التداخل ما بين البراغماتية الامريكية التي نفخت فيها الحياة من جديد، وموجة ما بعد الماركسية، وما بعد البنيوية التي ضربت باريس بعد عام 1968، الى ما أسماه برنشتاين (موجة غضب عارمة ضد الانسانويه وتراث التنوير) وتجسد ذلك في إدانة عارمة للعقل المجرد، وكره عميق لأي مشروع يستهدف تحرير الإنسان عبر تحريك قوى التكنولوجيا والعلم والعقل".. وما بعد الحداثة، يرفض ماهو ثابت، وما هو كلي، وما هو متناسق، ويركز على التشظي، حتى أن دريدا يرى أن الكولاج/المونتاج هو الشكل الأساسي في الخطاب ما بعد الحداثي!! - كولاج تعني عندهم لتق الأجزاء أو النتف، بعضها الى بعض، من دون معيار قيمي فوقي، وهذا ينطبق عندهم على الفن والفكر والسياسة - يقول ديفيد هارفي: "إن حركة ما بعد الحداثة هي اعتراض مشروع على آحادية الرؤية الحداثية الشمولية للكون".. "وعلى نقيض ذلك، تميز حركة ما بعد الحداثة التنافر والاختلاف كعاملي تحرير في إعادة تعريف الخطاب الثقافي.. وهكذا فالتشظي، وغياب التحديد، والشك العميق في كل الخطابات الشمولية و(الكلية) كما باتت (تستعمل) هي العلامة الفارقة للتفكير ما بعد الحداثي"!!
    تقول الأكاديمية المصرية، عطيات أبو السعود: "وأخيرا نسأل: ماذا قدم لنا نقد العقل الذي امتد من كانط وهيغل وماركس الى أصحاب النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت عبر أجيالها المختلفة؟ ماذا قدم لنا بعد أن نزل العقل أو بمعنى آخر أجبر على النزول عن عرشه المتوج الى قلب المجتمع والتاريخ؟ وإلام أدى تطور مفهوم العقل منذ الأغريق وعصر التنوير وتطور آلياته ومناهجه المعبرة عنه حتى الآن؟ هل استطاع أن يحقق وضعا وحياة افضل للإنسان الذي هو هدف التاريخ وغايته، وهل أمكنه أن يحرره من القوى التي استعبدته عبر عصور طويلة، سواء أن كانت قوى طبيعية أو سياسية، ومن الظروف أو القيود التي كبلته على مدى تاريخه الطويل؟" .. وتقول: "وأخيرا يلح السؤال: هل استطاعت النظرية النقدية بالفعل انقاذ العقل من نفسه؟ وهل استطاعت أن تقترب من هدفها الأساسي، وهو تحرير انسانية الانسان وتأكيد فرديته المقهورة وإبعاد أشباح اللاعقلانية الزاحف عليه في عصرنا الحاضر بأشكال مختلفة؟ الواقع أن بعض أعضاء المدرسة - مدرسة فرانكفورت - مثل أدورنو وماركيوز لم يجدوا هذا الإنقاذ إلا في الفن وفيما ما عدا ذلك فقد غلب التشاؤم على معظم أعضاء المدرسة، ومع ذلك تظل أهمية النظرية النقدية كامنة في سلاحها النقدي، وفي تعبيرها عن صرخة العقل في مواجهة تناقضاته.. وإذا كانت هذه الصرخة قد بقيت حتى الآن - على الأقل - على مستوى الفكر الفلسفي والتأملي، ولم تستطع أن تشكل نظرية متكاملة وقادرة على توجيه العقل الإنساني على أرض الواقع، فإنها تظل تعبيرا حيا وصادقا عن أزمة العقل التاريخي والنقدي في الحياة الفلسفية المعاصرة في الغرب"
    وبعد، هذا مجرد عرض عام، وموجز جدا، قصدنا به أن يكون مدخلا لحديثنا عن الاسلام كنظرية نقدية.. وعلى الرغم من أننا ننطلق من إطار يختلف بصورة جذرية، إلا أن ما عرضناه يمثل الواقع، الذي ينبغي أن تخاطبه أي دعوة للتغيير، وتبني على إيجابياته وسلبياته.. وهنالك ملاحظة هامة، لابد من ذكرها، وهي أنه على الرغم من ان مفهوم النقد، مفهوم واسع جدا، وعميق وامتد لفترة طويلة، إلا أنه من الناحيه العملية حتى الآن لم يخرج من إطار صفوة المفكرين الغربيين، وهو ليس بأي حال من الأحوال - على الأقل حتى الآن - موضوع الجمهور العريض في المجتمعات الغربية.. إلا أن هذا الجمهور، يتأثر بصورة "موضة"، وليس فكرا، باتجاهات ما بعد الحداثة، خصوصا عبر مجالات الفنون في صورها المختلفة.. وأكثر من ذلك أن الحيرة، والاضطراب الذي لحق الفكر والمفكرين، هما عند عامة الجمهور أوكد، وأكثر تأثيرا على الحياة العامة، ليس في الغرب، وحسب، وإنما بحكم هيمنة الحضارة الغربية، في العالم أجمع.
    للمزيد من التفاصيل يمكن مراجعة:
    1. ديفيد هارفي
    حالة ما بعد الحداثة
    ترجمة د. محمد شيا
    2. كارل بوربر
    بحث عن عالم أفضل
    ترجمة د. أحمد مستجير
    3. فلسفة النقد ونقد الفلسفة
    من منشورات مركز دراسات الوحدة العربية
    مجموعة من الكتاب

    خالد الحاج عبد المحمود
    رفاعة في 20/2/2008

    التعديل لتصحيح بعض أخطاء الطباعة

    (عدل بواسطة Omer Abdalla on 02-23-2008, 02:46 PM)
    (عدل بواسطة Omer Abdalla on 02-23-2008, 02:49 PM)

                  

02-23-2008, 08:44 AM

adil amin
<aadil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 37177

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الإسلام كنظرية نقدية (Re: Omer Abdalla)

    يا سلام يا عبدالله
    درر خالد الحاج دي مهمة جدا انقلا ليه الحوار المتمدن عشان الفائدة الاعم

    وشكرا على هذه النفحة الجميلة

    تابع هذا المقال في وكتب الاستاذ ومقالات الاخوان الجمهوريين في الحوار المتمدن وانظر مدى الحفاوة التي تلقاها هناك
    www.rezgar.com
                  

02-23-2008, 11:29 AM

د.أحمد الحسين
<aد.أحمد الحسين
تاريخ التسجيل: 03-17-2003
مجموع المشاركات: 3265

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الإسلام كنظرية نقدية (Re: adil amin)

    سلام ياعمر...كلام رائع..سوف أعود
                  

02-23-2008, 11:53 AM

محمد جميل أحمد
<aمحمد جميل أحمد
تاريخ التسجيل: 03-21-2007
مجموع المشاركات: 1022

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الإسلام كنظرية نقدية (Re: د.أحمد الحسين)

    العزيز عمر عبد الله ... تحياتي
    شكرا على نقل هذا المقال المتميز والذي يحتوي على قراءة دقيقة لخلاصة صيرورة العقل الفلسفي في الغرب . ذلك أن عجز العقل على انتاج معرفة ميتافزيقية تستجيب بجدوى فاعلة لضبط الحياة الانسانية وفق صيرورة متقدمة من القيم الانسانية / الأخلاقية ، وتحقق شروط تلك القيم ومعانيها في العدل والخيروالسلام لكل البشر ؛ هذا العجز أصبح يقينا رياضيا . السؤال هو : هل تحقيق العدل الانساني بكل معانيه لكافة البشر في هذا العالم المعذب ؛ هل هذا ممكن معرفياوواقعيا ؟ ... هذا العدل في صور جزئية وبمعان جزئية تحقق ومازال في (أوربا الغربية وأمريكا الشمالية) ... وما حدث للجزء يمكن أن يحدث للكل ضرورة ـ وهذا ما ناضل من أجله كل الفلاسفة والمفكرين الكبار خصوصا هابرماس ، وتشومسكي ، وادوراد سعيد ـ ... في ظل إيمان هؤلاء الفلاسفة بإمكانية حدوث العدل الانساني بين جميع البشر معرفيا ، وإيمانهم بذلك من ناحية ، وبين ما يتجه إليه العالم الحديث في مسارات غير عادلة وما يجري فيه من ظلم وجشع وأنانية وعنف من ناحية ثانية ، في ظل ذلك ؛ أي فلسفة أو دين يستطيع أن يحقق العدل الانساني معرفيا وواقعيا ، وماهي الفكرة الأساسية التي تجعل من ذلك ممكنا في واقع العالم المعاصر ؟
    شكرا للعزيز خالد الحاج على هذه الكتابة المتبصرة والواعية ، فهي من النوادر التي يحتاج إليها هذا البورد الذي نسمع فيه جعجعات كثيرة ، ولا نرى فيها طحينا ... ونتمنى أن تواصل هذا الخيط الشيق .
    مودتي
    محمد جميل

    (عدل بواسطة محمد جميل أحمد on 02-23-2008, 11:59 AM)

                  

02-23-2008, 11:44 AM

Masoud

تاريخ التسجيل: 08-11-2005
مجموع المشاركات: 1623

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الإسلام كنظرية نقدية (Re: Omer Abdalla)

    شكرا على هذا يا عمر.
    هذا ما نحتاج له فعلا.
    ينصر دينك يا خالد.
                  

02-23-2008, 03:06 PM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الإسلام كنظرية نقدية (Re: Omer Abdalla)


    أخي الأستاذ عادل أمين
    عاطر تحياتي
    لقد قمت بإضافة الموضوع لموقع الحوار المتمدن حسب اقتراحك
    أرجو أن تتيسر له أسباب النشر
    يبدو ان عنوان الموقع قد تغير الى http://www.ahewar.org/debat/nr.asp
    شكرا لمتابعتك
    عمر
                  

02-23-2008, 04:12 PM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الإسلام كنظرية نقدية (Re: Omer Abdalla)


    عزيزي دكتور أحمد
    في انتظار عودتك والعود أحمد
    تحياتي وأشواقي
    عمر
                  

02-23-2008, 04:19 PM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الإسلام كنظرية نقدية (Re: Omer Abdalla)


    أخي الأستاذ محمد جميل
    تحيتي وإعزازي
    لقد سررت كثيرا بمداخلتك العميقة وأسئلتك الحصيفة والتي اتوقع أن تتعرض لها مقالات الأستاذ خالد الحاج بالتفصيل ..
    دعني أثبتها هنا مرة أخرى ودعنا جميعا نفكر فيها بصوت عال ونحاول الاجابة عليها ..
    Quote: السؤال هو : هل تحقيق العدل الانساني بكل معانيه لكافة البشر في هذا العالم المعذب ؛ هل هذا ممكن معرفياوواقعيا ؟ ... هذا العدل في صور جزئية وبمعان جزئية تحقق ومازال في (أوربا الغربية وأمريكا الشمالية) ... وما حدث للجزء يمكن أن يحدث للكل ضرورة ـ وهذا ما ناضل من أجله كل الفلاسفة والمفكرين الكبار خصوصا هابرماس ، وتشومسكي ، وادوراد سعيد ـ ... في ظل إيمان هؤلاء الفلاسفة بإمكانية حدوث العدل الانساني بين جميع البشر معرفيا ، وإيمانهم بذلك من ناحية ، وبين ما يتجه إليه العالم الحديث في مسارات غير عادلة وما يجري فيه من ظلم وجشع وأنانية وعنف من ناحية ثانية ، في ظل ذلك ؛ أي فلسفة أو دين يستطيع أن يحقق العدل الانساني معرفيا وواقعيا ، وماهي الفكرة الأساسية التي تجعل من ذلك ممكنا في واقع العالم المعاصر ؟

    أرجو أن تتابع معنا

    عمر
                  

02-23-2008, 04:24 PM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الإسلام كنظرية نقدية (Re: Omer Abdalla)


    أخي الأستاذ مسعود
    تحيتي ومحبتي
    كنت اعلم ان مثل هذا "الشَرَك" سيقبضك آجلا أم عاجلا فأنت دائما تبحث عن الثمين المفيد وسط تبن التهريج الذي يملأ صفحات هذا المنبر ..
    أرجو أن تطيب لك الإقامة والمتابعة ..
    تحياتي للأسرة الكريمة
    عمر
                  

02-23-2008, 07:43 PM

عثمان عبدالقادر
<aعثمان عبدالقادر
تاريخ التسجيل: 09-16-2005
مجموع المشاركات: 1296

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الإسلام كنظرية نقدية (Re: Omer Abdalla)

    Quote: وهم جميعا يسعون الى هدف واحد مشترك، هو العمل على تغيير الواقع ليصبح أكثر إنسانية، وايجاد صورة العقل التي تتناسب مع هذا العقل الانساني.. فهم برغم أنهم قاموا بتشخيص ، لسلبيات الواقع الفكري، في معظمه صحيح وعميق، إلا أنهم عجزوا كل العجز، عن تقديم البديل المتمثل في تطلعاته للعقل الشامل، الاجتماعي، والتاريخي، الذي يتجاوز محدودية (العقل الأداتي)، وسلبياته، بغرض تحقيق واقع عقلاني أكثر انسانية، لا يهمل الجانب المادي للحياة، ولكن لا يقتصر عليه، بل يوظفه من خلال اعتبار (القيم) لسعادة الانسان وحريته.

    لله درّك أخي خالد فقد هززتها حتى خرج منها سمناً نقيّاً لذةً للآكلين .
    وشكراً أخي عمر على هذه الخلاصة التي أتمنى أن يتنبه لها إخواننا في الدين ورحلة الحياة ليكون الحوار والجدل بيننا وبينهم محصوراً في أيّ الوسائل والمناهج أكثر نفعاً وجدوى.

    أبوحمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــد
                  

02-24-2008, 09:53 AM

adil amin
<aadil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 37177

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الإسلام كنظرية نقدية (Re: عثمان عبدالقادر)

    الاخ العزيز عمر
    تحية طيبة
    نقلت الموضوع للحوار المتمدن ولكن للاسف اسقطو اسم خالد الحاج عن المقال رغم تنويهي لهم باني احيانا انقل مقا لات اخرين


    والموضوع في هذا الرابط


    http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=125834
                  

02-24-2008, 03:48 PM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الإسلام كنظرية نقدية (Re: adil amin)


    أخي العزيز الأستاذ عادل أمين
    تحية طيبة
    لقد اسقطوا حتى توقيع الأستاذ خالد في ذيل المقال وبذلك هضموا حقه الأدبي .. أرجو ان تتصل بهم لتصحيح ذلك ..
    الغريبة أنني حاولت نشر المقال هناك باسم الأستاذ خالد الحاج واستخدمت عنوان بريده الالكتروني ولكنه لم ينشر بعد
    عمر

    Quote: الاخ العزيز عمر
    تحية طيبة
    نقلت الموضوع للحوار المتمدن ولكن للاسف اسقطو اسم خالد الحاج عن المقال رغم تنويهي لهم باني احيانا انقل مقا لات اخرين


    والموضوع في هذا الرابط


    http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=125834
                  

02-24-2008, 03:44 PM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الإسلام كنظرية نقدية (Re: عثمان عبدالقادر)


    أخي الأستاذ أبوحمد
    شكرا على المرور الزاهي وأرجو معك أن "يكون الحوار والجدل بيننا وبينهم محصوراً في أيّ الوسائل والمناهج أكثر نفعاً وجدوى" فهذا هو عين ما يفيد ..
    عمر
                  

02-24-2008, 10:08 AM

على عمر على
<aعلى عمر على
تاريخ التسجيل: 12-13-2003
مجموع المشاركات: 2340

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الإسلام كنظرية نقدية (Re: Omer Abdalla)

    تحية اليك ياهوارى
    وتحية لاخانا الاكبر خالد الحاج
    وتحية أخص بها
    الاخوان والاخوات الجمهورين
    عندما تستمع الى عمنا أحمد العجب تسمع العجب!!
                  

02-24-2008, 03:52 PM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الإسلام كنظرية نقدية (Re: على عمر على)


    أخي العزيز الأستاذ على عمر
    عاطر تحياتي لك ولجميع من حولك
    والحمد لله انكم وجدتم فرصة للاستماع للأستاذ أحمد العجب فهو من المعاصرين لقدر كبير من تاريخ الحركة الجمهورية ويحفظ لها الكثير من المواقف والحكايات الشيقة ..
    شكرا على المرور والتعليق
    عمر
                  

02-25-2008, 03:51 PM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الإسلام كنظرية نقدية (Re: Omer Abdalla)

    فوق
                  

04-01-2008, 01:49 AM

Masoud

تاريخ التسجيل: 08-11-2005
مجموع المشاركات: 1623

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الإسلام كنظرية نقدية (Re: Omer Abdalla)

    Up
                  

04-01-2008, 05:17 AM

Masoud

تاريخ التسجيل: 08-11-2005
مجموع المشاركات: 1623

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الإسلام كنظرية نقدية (Re: Omer Abdalla)

    أين الأسلام كنظرية نقدية ؟
    ما زلنا ننتظر خالداً !
                  

04-02-2008, 03:26 AM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الإسلام كنظرية نقدية (Re: Omer Abdalla)


    عزيزي الأستاذ مسعود
    عاطر التحايا
    تسرني متابعتك وهاقد وصلتني الحلقة الثانية من المقال .. سأنشرها تباعا .. فابق معنا
    عمر
                  

04-02-2008, 03:31 AM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الإسلام كنظرية نقدية (Re: Omer Abdalla)


    بسم الله الرحمن الرحيم
    الاستاذ محمود في الذكرى الثالثة والعشرين
    محاولة للتعريف باساسيات دعوته
    (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ) سبأ 24

    الاسلام كنظرية نقدية

    لقد عرضنا في المدخل، مفهوم النظرية النقدية وبعض مدارسها في الغرب، دون التعرض لتقويمها.. وكان غرضنا، من ذلك، إعطاء تصور عام لمفهوم النظرية النقدية في الغرب، والاشارة للأسس العقلانية التي تقوم عليها الحضارة الغربية، التي تمثل الواقع الحضاري السائد، كما انها هي موضوعنا الأساسي، في الدراسة التي سنجريها حول مقارنة الاسلام بالفلسفات والأديان والأفكار الأخرى.
    إن نقطة الانطلاق، والقضية الأساسية، بالنسبة لأي نظرية نقدية، هي الأساس الذي تقوم عليه.. وهذا الأساس لابد من أن يقوم على تصور مبدئي للكون، وللطبيعة البشرية.. وعلى هذا التصور تنبني النظرة الأساسية، لطبائع الأشياء، ومنها: طبيعة العقل نفسه، الذي هو وسيلة النقد والتقويم الأساسية.. فصحة النظرية النقدية، تتوقف على صحة الأساس - الأنطولوجي والمعرفي - الذي تقوم عليه.. وهذا يقتضي أن نعطي تصور الاسلام، كم نراه في هذين المجالين بصورة موجزة.
    الأساس الذي يقوم عليه التصور الاسلامي، في جميع المجالات، هو (التوحيد)، وهذا الأساس هو الذي يميزه، عن جميع الأديان، والفلسفات، والأفكار الأخرى كم سنرى.. والتوحيد، يتعلق بتصور طبيعة الكون، وقانونه، وغايته، وبطبيعة النفس البشرية، وطبيعة العقل.. كما يتعلق بالحياة وغايتها وضوابط السلوك فيها.. فالتوحيد يرد جميع الأمور الى أصل واحد.. ونحن لما كنا، هنا، معنيين، بالجانب المتعلق بالنظرية النقدية، فقط، فسنشير، فقط، الى قضايا التوحيد المتعلقة بهذا الجانب، ولكن الجوانب الأخرى، ستضح من خلال المقارنات التي سنجريها.. ومن أهم قضايا التوحيد التي تعنينا هنا، قضية وحدة الفاعل، فعليها يقوم إطار التوجيه، ونموذج الإرشاد الذي عليه يقوم تقويمنا، ونقدنا للأفكار، وللواقع.. كما عليها أيضا، يقوم منهج السلوك، الذي بالعمل وفقه، يستطيع العقل ترويض نفسه، بالصورة التي تعطيه المقدرة على التمييز بين قيم الأشياء.

    القرآن ووحدة الفاعل:
    إذا نظرنا للفلسفة الماركسية، مثلا، نجد أنها في نظرتها النقدية، تعتمد اعتمادا كليا، على المادية الديالكتيكية، وتطبيقها على المجتمع، في: التطور المادي للتاريخ.. وهذا بالنسبة لها، يشكل الأساس، الذي عليه تنبني ايجابياتها، وسلبياتها.. ولا يكون هنالك اختلاف بين الماركسيين، فيما بينهم، إلا في فهم هذا الأساس، والمقدرة على استخدامه، في تقويم القضايا المختلفة.. وصحة الماركسية، وخطئها، بصورة عامة تتوقفان على صحة أو خطأ هذا الأساس الذي يشكل المرجع لها.. أما بالنسبة للاسلام فالقرآن هو الأساس والاطار المرجعي الشامل.. والقرآن كله يقوم على مبدأ (التوحيد) .. وقاعدة التوحيد، في التصور النظري، وفي الجانب السلوكي التطبيقي، هي (وحدة الفاعل)، وهي تعني: لا فاعل لكبير الأشياء ولا صغيرها إلا الله.. وهذا هو معنى كلمة التوحيد (لا إله إلا الله).. وحول كلمة التوحيد هذه يدور القرآن كله.. وعلى ترسيخها في الفكر، وفي الحياة، يقوم السلوك الديني عند الأفراد.. ومستويات التوحيد الأخرى تتبع.
    القرآن كلام الله - هذا لا خلاف حوله بين جميع المسلمين - لكن الاختلاف بين المسلمين، حول دلالاته، واسع جدا.. وكل الاختلاف في هذا المجال، هو اختلاف في مفهوم التوحيد، وفي تحقيق التوحيد.. الله تعالى، في ذاته، لا يتكلم بجارحة، ولا يتكلم بلغة، عن ذلك تعالى الله علوا كبيرا.. وإنما كلامه، في الحقيقة خلق.. فالأكوان جميعها، مخلوقة له تعالى، فهي كلماته.. والكون جميعه، هو كتابه.. أما القرآن، بين دفتي المصحف، فهو صورة لفظية وصوتية وعلمية، لكلام الله.. وهو قد جعل في هذه الصورة، ليتيسر الفهم لنا نحن البشر، الذين نفهم عن طريق العقول، والتي هي بدورها تفهم عن طريق اللغة.. ففي ذلك يقول تعالى: (إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون * وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم).. فالأكوان هي تنزل الله لمنطقة الفعل - هي تجسيد إرادة الله - هي قدرته.. والإرادة والقدرة متنزلتان عن العلم، ولذلك يمكن القول أن الأكوان هي علم الله متجسدا.. وهذه الحقيقة التوحيدية، هي جوهر علاقة الفكر بالواقع!! وقد عبر الأستاذ محمود عن هذه الحقيقة بقوله: "من مادة الفكر صنع العالم".. "فالعالم هو تجسيد علم الله - هو تجسيد فكر العقل الكلي، المحيط، والمطلق، في ذلك - وإنه لحق أن العالم قد صنع من مادة الفكر، ومن أجل ذلك جاءت كرامة الفكر.. ولم يجعل الله هاديا في شعاب ظلمات العالم غير نور العقل القوي الفكر.. وإنما من أجل تقوية الفكر أرسل الله الرسل، وأنزل القرآن، وشرع الشرائع.. قال تعالى: (وأنزلنا إليك الذكر، لتبين للناس ما نزل إليهم، ولعلهم يتفكرون).. فكأن العقل، إذا روض، وأدب بأدب الشريعة، وأدب الحقيقة، (أدب الوقت) أصبح شديد القوى، دقيق الفكر، نافذه.. ".. فالأكوان، وأحداثها، في جميع أحوالها، وفي سيرورتها السرمدية، هي كلام الله الخلقي.. والقرآن بين دفتي المصحف هو قصة هذه الأكوان مصبوبة في قوالب اللغة العربية، لعلة أن نعقل عن الله (لعلكم تعقلون)، كلامه في الأكوان - القرآن الخلقي - وفي القرآن بين دفتي المصحف.. وسبيلنا الى ذلك أن نتخلق بالقرآن.. وسبيلنا إلى التخلق بالقرآن هو تقليد المعصوم عليه أفضل الصلاة، وأتم التسليم، والذي (كانت أخلاقه القرآن) .. بذلك أصبح عندنا، ثلاثة صور للقرآن: الصورة الأولى، الطبيعة وأحداثها - القرآن الخلقي - والصورة الثانية، القرآن بين دفتي المصحف - القرآن اللفظي - والصورة الثالثة، القرآن مجسدا في اللحم والدم، عند المعصوم - القرآن كحياة - ولذلك قلنا أن حياة محمد صلى الله عليه وسلم، هي مفتاح القرآن.. القرآن بين دفتي المصحف هو جماع التجربة الدينية وخلاصتها النهائية، ولذلك به ختمت النبوة.
    وما يعنينا هنا، ونحن نتحدث عن النظرية النقدية في الاسلام، هو أن القرآن هو الأساس المتين الذي تقوم عليه هذه النظرية، سواء في نقد الفكر، أو نقد الواقع - وكلاهما فكر!! فالقرآن هو الميزان الذي وفقه يتم التمييز الدقيق بين قيم الأشياء.. يقول تعالى، في ذلك: (وانزلنا إليك الكتاب بالحق، مصدقا، لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه..).. فالقرآن مهيمن، على كتاب الأكوان وأحداثها جميعها، لأنه صورة لها.. وأحداث الأكوان هذه تشمل جميع الكتب، التي خطها، أو يمكن أن يخطها بشر!! فهي لا تخرج عن القرآن الخلقي، أو بمعنى آخر لا تخرج عن فعل الله، الذي لا فاعل في الوجود غيره تعالى.
    وهذا يقودنا إلى موضوع وحدة الفاعل - وقد حعلنا عنواننا الجانبي القرآن ووحدة الفاعل - قلنا في بداية حديثنا، هذا، أن وحدة الفاعل هي أهم قضايا التوحيد التي تعنينا هنا، لأن عليها يقوم إطار التوجيه، ونموذج الارشاد، الذي عليه يقوم تقويمنا، ونقدنا، للأفكار وللواقع.. وكلمة التوحيد في الاسلام هي: "لا إله إلا الله" وهي تعني أن الله هو الإله.. والإله تنزل الله الى مرتبة الفعل، ولذلك هي تعني: لا فاعل لكبير الأشياء ، ولا صغيرها إلا الله.. فكلما يدخل في الوجود هو فعل الله.. فالله تعالى هو وحده الموجود بذاته، وكل من عداه، وما عداه موجود به تعالى - قيوميته بالله، لا بذاته - وهذا يعني أن الحقيقة واحدة هي الذات الإلهية المطلقة، وكل ما في الوجود هو مظهر لها، وتعبير عنه.. فالمعنى، الجامع والشامل، لكل الوجود، هو الله.. فكلمة معنى، تعني ما يشير إليه الشيء، ويدل عليه.. فكل شيء في الوجود، يشير الى الله، ويدل عليه، وهذا هو تسبيحه (وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم).. فالقضية الأساسية في المعرفة في الاسلام، هي: الحقيقة من حيث الوجود واحدة!! ومن هذه الحقيقة يتبع ، أن الفاعل الحقيقي في الوجود واحد.. وأمر وحدة الفاعل هذه، هو أمر الاسلام كله!! فالاسلام، يعني الاستسلام لله.. فالوجود في الحقيقة، كله مسلم لله، خاضع لارادته، كان ولا يزال، ولن ينفك، يقول تعالى، مثلا: (أفغير دين الله يبغون، وله أسلم من في السموات والأرض، طوعا، وكرها، واليه يرجعون).. ولكن الوجود دون مستوى الانسان غير واع بهذا الاسلام، فهو مسلم كرها.. وبدخول الانسان، ودخول العقل، في المسرح أحدث مسألة أساسية هي ظهور الإرادة البشرية.. وأصبح الانسان يتوهم أنه صاحب إرادة مستقلة، بالترك وبالعمل.. وأصبحت هنالك إرادتان: الإرادة الإلهية المحققة، والإرادة البشرية ، المتوهمة.. وقد جاء الاسلام الخاص - اسلام العقول - من لدن آدم، والى محمد عليهم جميعا أفضل الصلاة، وأتم التسليم، كخطاب للعقل، ليسوقه عن رضا وقناعة، ليسلم إرادته المتوهمة، للمريد الواحد، فتصبح بذلك ، إرادة حقيقية، لتطابقها مع الإرادة الحقيقية.. فبظهور العقل، بدأ تصور التعدد، والثنائية، التي بدأت ببروز الخلق.. وأصبحت هنالك الحقيقة كما هي في الواقع، والحقيقة كما يتصورها العقل، ومن هنا جاء مصطلح الحقيقة والشريعة، الذي سبق أن تحدثنا عنه..
    فالمسلم، عندما يتعامل، مع أي شيء في الوجود، لا يتعامل مع شيء خارج الاسلام، بمعناه العام أو بمعناه الخاص، وهذا من وجوه معنى أن القرآن مهيمن على كل كتاب - على كل شيء!!
    فالقرآن كله، يدور حول (لا اله الا الله) فهي (خير) ما في القرآن، وتسوق الى (أعظم) ما في القرآن - الله - وهي الميزان الذي جاء به القرآن، وعليه يقوم أساس النقد في الاسلام، والى ذلك الاشارة بقوله تعالى: (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات، وأنزلنا معهم الكتاب والميزان، ليقوم الناس بالقسط)، فالميزان هنا، هو ميزان (التوحيد)، الذي شعاره (لا اله الا الله)، وقد جاء بها جميع الرسل، قال المعصوم: "خير ما جئت به أنا والنبيون من قبلي (لا اله الا الله) "

    يتواصل ...

    خالد الحاج
    رفاعة - مارس 2008
                  

04-03-2008, 00:25 AM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الإسلام كنظرية نقدية (Re: Omer Abdalla)


    الحق والباطل:
    إن القضية الأولى، والأساسية، بالنسبة للنظرية النقدية في الاسلام، هي أن الحقيقة واحدة، هي الذات الالهية - وهذه الحقيقة التوحيدية الكبرى، تفيد بأنه تعالى، مرجعية كل شيء في الوجود.. فمن هذه الحقيقة ينبثق كل شيء، واليها يعود.. فالوجود مصدره واحد، وطبيعته واحدة، وقانونه واحد، وطريقه واحد، ومصيره واحد.. هذه (الوحدة) هي أهم ما يميز التصور الاسلامي.. وعندما نأتي لمناقشة الحضارة الغربية، سنرى، أن جميع مشاكلها الكبيرة، ناتجة عن الربكة والقصور، في تصورها للحقيقة.. والخلل، في أي قضية من قضايا هذه الحضارة، مرجعه الأساسي، للقصور، والخلل المبدئي في تصور الحقيقة!!
    وبما أن الحقيقة واحدة، وهي مصدر الوجود الحادث، كله، فإن الباطل المطلق لا وجود له.. الباطل المطلق لا يدخل الوجود.. فالباطل باعتبار الحقيقة - اعتبار وجهة نظر الله للوجود - لا وجود له!! وإنما وجود الباطل وجود عقلي، يقوم على ظاهر الأشياء.. كما سبق أن قررنا أن كل شيء يدخل الوجود، إنما يدخل بإرادة الله، وإرادة الله حق، يقول تعالى: (وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا، ذلك ظن الذين كفروا، فويل للذين كفروا من النار). فالسموات والأرض حق في ذاتها، وخلقت بالحق، فالباطل هو الوجه البعيد عن الحقيقة، والحق هو الوجه القريب منها.. فالكفر، مثلا، دخل بإرادة الله (من آمن فقد آمن بقضاء وقدر، ومن كفر فقد كفر بقضاء وقدر).. فالكافر (مسلم)، من حيث الاسلام العام، الذي لا يخرج عنه خارج، ولا يشذ عنه شاذ!! ولكنه كافر من حيث الشريعة.. والحق هو القانون الذي يسير الله تعالى به الوجود اليه..وهو، هو الارادة الالهية.. يقول تعالى: (وما خلقنا السموات والأرض، وما بينهما، إلا بالحق، وأجل مسمى، والذين كفروا عما أنذروا معرضون) أو يقول: (وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين * ما خلقناهما إلا بالحق، ولكن أكثرهم لا يعلمون).. فالوجود كله، خلق الله، وخلق الله لا يكون لغير حكمة.. وهذه الحكمة هي الحق وراء الباطل في اي صورة من صوره. وهذه الحكمة ايضا، هي الحق وراء الشر والعذاب في أي صورة من صورهما.. فالحق نسبي، والباطل نسبي، وهما يأخذان نسبيتهما من قربهما أو بعدهما عن الحقيقة وهما مقيدان بحكم الوقت.. فكل حق، هو حق بالنسبة لوقته، فإذا جاء حكم وقت جديد، أصبح باطلا، وانتقل الحق الى ما هو أكمل منه، حسب حكم الوقت الجديد.. والحق والباطل مرتبطان بما ينفع الناس أو يضرهم.. وما ينفع الناس أو يضرهم، مرتبط بقانون الوحدة - مرتبط بخيري الدنيا والأخرى معا.
    من كل ذلك، نخلص الى أن الله تعالى، هو الفاعل الحقيقي، لكل ما يحدث في الوجود.. وهو تعالى، يفعل بذاته، ويفعل بالأسباب.. وفعله بالأسباب، يعني أن هنالك فاعل مباشر.. والنظرة التي تقوم على التوحيد تقتضي رؤية الفاعل الحقيقي والفاعل المباشر في وقت واحد.. وهذا هو موضوع السببية وهو أهم مواضيع الفكر البشري، في جميع مجالاته، في الدين، وفي الفلسفة، وفي العلم، وفي الفكر، وفي الحياة.. ولما كان فعل الله تعالى في الوجود، لا يكون إلا لحكمة، فإن كل ما يحدث في الوجود له غاية محددة، ولا شيء على الاطلاق يحدث صدفة، أو لغير غرض أو حكمة.. وهذا هو موضوع الغائية الكونية، وهو موضوع المعرفة الحقيقية، وعليه ينبنى كل شيء، فيما يتعلق بالقيم والأخلاق بالذات، كما عليه ينبني مفهوم النظرة التاريخية التي وفقها يتم احقاق الحق وابطال الباطل - كما سنرى.. وأهم ما يعنينا هنا، عن الغائية الكونية، هو أن الانسان، في الاسلام، هو الغاية، من جميع الأكوان، ومن جميع ما يجري فيها.. فالكون كله مسخر لانجاب الانسان (وسخر لكم ما في السموات والأرض، جميعا منه..) وهذا ينطبق على الانسان نفسه، فغايته هي نفس الغاية الكونية، وهي تحقيق انسانيته.. وعلى ذلك، فإن غاية الأكوان وغاية الانسان، هي غاية واحدة.. وتحقيق انسانية الانسان، يعبر عنها في الاسلام بصور مختلفة.. ومن ذلك، أنها تعني، رجوع الانسان الى المقام الذي عنه صدر، وهو صورة (أحسن تقويم)، التي كانها في الملكوت، في عالم الأرواح، يحققها هنا في عالم الأجساد..وهذا يعني العودة الى الفطرة الأساسية التي فطره الله عليها (فطرة الله التي فطر الناس عليها، لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم، ولكن أكثر الناس لا يعلمون).. وهذه الفطرة ثابتة، لا تتغير، وهذا معنى قوله تعالى: (لا تبديل لخلق الله) ولكنها تتغطى وقد تغطت بالفعل، عبر التجربة في صراع الحياة.. ووظيفة المنهاج في الاسلام، هي ازالة الحجب التي حجبت الانسان عن فطرته الأصيلة، حتى يتمكن من الرجوع اليها.. وهذه هي وظيفة القرآن، ووظيفة، منهاج (طريق محمد) عليه أفضل الصلاة، وأتم التسليم.. وتحقيق انسانية الانسان، يعبر عنها أيضا، بتحقيق، خلافة الانسان لله في الأرض، والتي قال عنها تعالى: (إني جاعل في الأرض خليفة).. ويعبر عنها، بتحقيق العبودية لله.. فكل هذه المعاني، تعبر عن موضوع واحد، من زوايا مختلفة.. وتحقيق انسانية الانسان، إنما تكون بالترقي في الفكر، وفي القيم، وفي الحرية، طلبا لتحقيق الحياة الانسانية، والفكر، والقيم، والحرية، في الاسلام، هي أيضا وجوه مختلفة، لموضوع واحد، ولا يمكن الفصل بينها - وهذا ما سيتم بيانه لاحقا.
    وأكبر نقائص الحضارة الغربية، والنقص الذي يقضي عليها بالفشل النهائي، هو أنه لا توجد فيها أي غائية كونية!! وهذا ما جعل هنالك، خللا، وقصورا، في جميع قضاياها الأساسية، خصوصا في مجال القيم، فمن المستحيل أن تكون هنالك مرجعية ثابتة للقيم، دون وجود غائية كونية، وهذا ما سنبينه، في موضعه، عند نقد الحضارة الغربية.. وحتى السببية، فإن تصور الحضارة الغربية لها، قاصر أشد القصور، فهي تهمل السبب الحقيقي، وتتعامل فقط مع الأسباب الظاهرة.. وحتى الأسباب الظاهرة، تصور الحضارة الغربية لها، تصور مضطرب جدا.. وسنرى ذلك بصورة خاصة، عندما نتحدث عن السببية في العلم المادي التجريبي، والذي هو من أهم أطر المرجعية، في الحضارة الغربية.
                  

04-12-2008, 02:41 AM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الإسلام كنظرية نقدية (Re: Omer Abdalla)


    الواقع .. والنظرة التاريخية:
    النظرة للواقع، والتعامل معه، من أساسيات، النظرية النقدية.. لقد ذكرنا، أن الواقع في جميع أحواله، هو فعل الله.. فالله تعالى، يخاطبنا بأحداث الواقع، كما يخاطبنا بآيات القرآن.. وهو في خطابه لنا، يريدنا أن نفهم عنه، ونعمل وفق مرضاته، كما تتبدى من خلال الواقع، ولا نخالفها، وهذا ما اصطلح على تسميته ب حكم الوقت) .. (وأدب الوقت).. وهذا يعني أننا عندما نتعامل مع الواقع، نتعامل مع الله، في تجليه في الزمان والمكان المعينين، وما يدور فيهما، وهذا هو الواقع.. وهو نفسه كلام الله الذي ينبغي أن نفهمه عنه، ونعرف حكمته وراءه، ونتصرف وفق هذه المعرفة.. ولما كان التجلي متجددا دائما، فإن الواقع ، واقع متحرك، دائما.. والحركة دائما حركة هادفة، تقوم على الغائية كما سبق أن ذكرنا.. وفي هذه الحركة، هنالك دائما شيء جديد تتم ولادته، وظهوره، وشيء قديم يفنى.. والذي يفنى دائما هو الباطل، والذي يبقى أو يتولد دائما، هو الحق، حسب حكم الوقت، وهذا يجري في صيرورة، وسيرورة دائمتين!!
    ولقد سبق أن ذكرنا أن الحق والباطل، كلاهما، لا يدخل إلا بإرادة الله.. والحق والباطل كلاهما يفنى، ومعنى يفنى، يتحرك، ويتغير، يطلب الحقيقة، ولكن فناء الباطل أسرع من فناء الحق، والحق لا يفنى إلا إذا جاء حق أكمل منه، وأكثر منه مناسبة للوقت، بالصورة التي تجعله باطلا، ولذلك يصح أن نقول أن الذي يفنى هو الباطل وحده، لأن الحق الذي يفنى، يكون قد أصبح باطلا، بسبب مجئ حق أكمل منه.. والباطل لا يفنى لمجرد ظهور الحق، ولكن يفنى عندما يستعد المحل تماما لتلقي الإذن الالهي بالحق الجديد.. وهذا قد يأخذ بعض الوقت، وهذا يختلف من موضوع لآخر، حسب طبيعة كل موضوع، وحسب الحكمة الالهية في التغيير.. وعن أمر الحق والباطل، يقول تعالى: (وقل جاء الحق، وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا) .. ويقول: (.. كذلك يضرب الله الحق والباطل، فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض، كذلك يضرب الله الأمثال) .. ويقول: (إذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم، وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم، ويريد الله أن يحق الحق بكلماته، ويقطع دابر الكافرين * ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون).. فمن صفات الباطل الأساسية أنه زاهق، وزاهق تعني أنه زائل، ممحي (ويمحو الله الباطل، ويحق الحق بكلماته) ، ولكنه لا يزول أو يمحى، إلا بعد أن يخدم غرضه الذي من أجله أدخله الله تعالى الوجود.. وهذا الغرض، دائما هو، وجه، من وجوه خدمة مصلحة الانسان، الذي هو محور الغائية الكونية.. فإذا خدم الباطل هذا الغرض حتى استنفذه، فقد انقضى أجله، فهو لا بد زائل.. وهو لا يزول، حين يزول، إلا بعد أن يكون تعالى، قد أعد المحل، عن طريقه، لتلقي المنة بالحق الذي يناسب حكم الوقت الجديد.. فالباطل حسب المثل الذي ضربه تعالى كالزبد، يذهب جفاء.. أما الحق - وهو ما ينفع الناس - فيمكث في الأرض.. ومما يمكث في الأرض، من الحق الزاهق، هو ما يحققه الله تعالى، عن طريقه، من استعداد المحل، لتلقي الحق الجديد، مما ينفع الناس، حسب حكم الوقت الجديد.. وهو دائما، صورة أكثر لطفا، من الصورة السابقة لها.. فالحركة كلها حركة من الكثافة، الى اللطافة، قائمة على المحو والاثبات (يمحو الله ما يشاء، ويثبت، وعنده أم الكتاب).. والقاعدة الأساسية تتمثل في قول الأستاذ محمود: "وكل الذي بدأ وكل الذي ينتهي، هو الصور الغليظة للأشياء".. فالأصل ثابت، والفرع متحرك يطلبه.. فالخير أصل، والشر فرع، موظف لخدمة الخير، عبر التجربة.. فالشر زائل، متحرك دائما، من الكثافة الى اللطافة، يطلب الخير المطلق.. وكذلك العلم أصل، والجهل فرع، فالجهل زائل: متحرك دائما يطلب الأصل - العلم المطلق.. وهكذا بالنسبة لجميع الأصول والفروع.. فدائما، الكثيف يلطف، واللطيف يزداد لطافة.. فاللطف دائما، مصاحب للمشيئة (إن ربي لطيف لما يشاء، إنه هو العليم الحكيم) سورة يوسف 100
    حسب التوحيد، كل حدث، يحدث في الوجود، موقوت.. فلا شيء على الاطلاق، يمكن أن يحدث قبل وقته، أو بعد وقته.. فالزمن بعد أساسي في إحقاق الحق، وإبطال الباطل.. هذا بالنسبة للكون، وأحداثه، وبالنسبة للمجتمع البشري، وأحداث حضارته.. وأساس هذا الموضوع، هو القضاء والقدر.. فالوجود كله موجود في منطقة القضاء، ولكنه لا يبرز في منطقة القدر، في الزمان والمكان، إلا على مكث.. يقول تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ * وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ).. فالقضاء هو هذا الأمر الواحد الذي يخرج عن الزمان والمكان، وهذا معنى عبارة (كلمح بالبصر).. والقدر هو تنفيذ القضاء وابرازه في حيز الزمان والمكان، على مكث، وفي تطور.. وفي آية أخرى يقول تعالى: (يمحمو الله ما يشاء، ويثبت، وعنده أم الكتاب).. فعبارة (يمحو الله ما يشاء ويثبت) تشير الى القدر، وهي تشير الى التطور بتعاقب صور الكائنات.. وعبارة (وعنده أم الكتاب) إشارة الى القضاء.. وفي قوله تعالى: (وإن من شيء إلا عندنا خزائنه، وما ننزله إلا بقدر معلوم).. فعبارة (وما ننزله إلا بقدر معلوم) تعني القدر!!، في حين أن عبارة(وإن من شيء إلا عندنا خزائنه) تعني القضاء.. وما يعنينا هنا، بصورة خاصة، أن القدر محكوم بالزمان والمكان، وهو في منطقة الثنائية.. ولذلك ما يدخل بالإرادة، يشمل الخير والشر.. والإرادة والرضا. فالله تعالى، قد يريد شيئا، ولا يرضاه!! فإرادة الله تعالى، لا تعصى، ولكن الله تعالى يريد أن ينقل الخلائق من طاعة، مايريد، الى طاعة ما يرضى.. وعن كونه تعالى، يريد شيئا لا يرضاه يقول تعالى: (إن تكفروا فإن الله غني عنكم ، ولا يرضى لعباده الكفر، وإن تشكروا يرضه لكم).. ففي الارادة يدخل الكفر والايمان، ولكن بالرضا لا يدخل إلا الايمان.. فمنزلة الرضا منزلة خير، الشر فيها غايب، ومنزلة الإرادة منزلة خير الشر فيها أكثر منه في منزلة الرضا.. والدين كله عمل في الخروج من الارادة الى الرضا.. فقد ارسل الله تعالى، الرسل ليعينوا العقول لتخرج مما اراده الله الى ما يرضاه الله.. فالعقول هي مصفاة الرضا من الارادة.. وهي لتقوم بذلك ، عليها أن تقوم بترويض نفسها، على التمييز بين قيم الأشياء، وهذا هو النقد، في أدق مستوياته!!
    فالإرادة الإلهية القاهرة ، هي دين الاسلام العام، أما الرضا الإلهي اللطيف فهو دين الاسلام الخاص، يقول تعالى: (وهو الذي في السماء إله، وفي الأرض إله، وهو الحكيم العليم..).. فإله الأرض، هو إله الإرادة، وهو الرحمن.. وإله السماء، هو إله الرضا، وهو الله.. وإنما هما إله واحد: (قل ادعوا الله، أو ادعوا الرحمن، أيا ما تدعوا ، فله الأسماء الحسنى.. ولا تجهر بصلاتك، ولا تخافت بها.. وابتغ بين ذلك سبيلا).
    أعتقد أنني، فيما تقدم، أعلاه، وضعت الصورة العامة، لأساسيات نظرة الاسلام للواقع - طبيعة ما يتشكل فيه ، وعبره، والقانون الذي يحكمه، وعلاقات التغير والثبات، والغاية التي يستهدفها - وأهم القضايا، في كل ذلك: السببية، والغائية الكونية، ووحدة القانون الذي يحكم الأكوان، والإنسان، ومجتمع الانسان.. ووحدة الغاية بالنسبة للأكوان والانسان.. وما تقدم أيضا، يضع الأساس للنظرة التاريخية، في الاسلام، وعلاقتها بالنظرية النقدية. وما ينبغي ملاحظته، أن التطور حسب الاسلام، ليس خطيا، وإنما هو أشبه بسير الموجة، أو بسير الانسان، يقول الأستاذ محمود: "وكما أن الزمان، على كوكبنا هذا، يسير على رجلين، من ليل ونهار - من ظلام ونور - وكما أن الانسان يسير على رجلين من شمال ويمين، فكذلك الحياة تتطور على رجلين من مادة وروح.. وعندما يقدم المجتمع البشري، في ترقيه، رجل المادة ، ويثبتها، ويعتمد عليها، يكون في حال تهيؤ ليقدم رجل الروح، وهو لا بد مقدمها: (كان على ربك حتما مقضيا) ذلك أن تقدم الحياة لا يقف اطلاقا، ولا يتأخر، ولا يكرر نفسه، وإنما يسير قدما في مدارج مراقيه، حيث تطلب الحياة أن تكون كاملة في الصور، كما هي كاملة في الجوهر.. وهيهات!!
    أو قل سير الحياة، في مراقيها، كسير الموجة، فهي لا تنفك بين سفح وقمة، وهي عندما تكون في السفح إنما تحتشد لتقفز الى القمة، وإنما يمثل السفح التقدم المادي للمجتمع البشري، وتمثل القمة تقدمه الروحي، والذين لا يرون صورة سير المجتمع مكتملة، وإنما يرونها بالتفاريق، ينعون عليه تقدمه المادي، ولا يعتبرونه إلا انحطاطا، ويحسبونه رجسا من عمل الشيطان، والله هو المسير الحياة اليه، على هذين الرجلين، من المادة والروح. وفي الحق، أنه لدى التوحيد، إنما المادة والروح شيء واحد، ولا يقع بينهما اختلاف نوع، وإن وقع بينهما اختلاف مقدار.." وفي موقع آخر يقول الاستاذ محمود: "يقولون أن التاريخ يعيد نفسه، وهذا حق، ولكنه ليس كل الحق، ذلك بأن التاريخ لا يعيد نفسه بصورة واحدة، وإنما يعيدها بصورة تشبه من بعض الوجوه وتختلف من بعضها عما كان عليه الأمر في سابقه، فالمكان ليس كرويا، ولا الزمان، تبعا لذلك بكروي وإنما هما لولبيان، يسيران من قاعدة الى قمة، تشبه فيهما نهاية الحلقة بدايتها، ولا تشبهها"
    هنالك نقطة أساسية، وهامة جدا وهي أن ادراك تطور الحياة لايقوم على فهم الماضي، والحاضر وحدهما، وإنما أهم من ذلك أنه يقوم على اعتبارات المستقبل.. فالحياة مشدودة الى غايتها، ومسيرة اليها ، تسييرا لا تملك عنه فكاكا (هو الذي يصلي عليكم وملائكته ، ليخرجكم من الظلمات الى النور) والعنصر الأساسي في تطور الانسان، هو عنصر الخيال.. يقول الاستاذ محمود: "الانسان حيوان متطور، وإنما جاءت مقدرته على التطور من مقدرته على التخيل - تخيل الأشياء المقبلة"..
    ومعرفة المستقبل أمر ممكن، وقد نشأ في الغرب علم خاص بالمستقبل - وقد ناقشنا هذا الأمر بشيء من التفصيل، في كتاب (السلام)، ويمكن الرجوع اليه - يقول الأستاذ محمود: "لأن المعلم واحد فإن النهايات ظاهرة في البدايات، ولكن ظهورها يحتاج منا الى إعمال فكر"!! ففي النواة، توجد الشجرة كاملة، يمكن أن تراها عين العقل، وإذا تهيأت، البيئة الضرورية والمناسبة، ظهرت للعيان.. وكذلك الحال بالنسبة للمستقبل، فهو موجود الآن في الحاضر ويمكن لعين العقل أن تراه، ومتى ما اكتملت العناصر الأساسية، الضرورية، لظهوره، ظهر للعيان، وأصبح هو الحاضر الجديد.. ومن هنا تأتي الأهمية، الكبيرة جدا للغائية الكونية فمن دونها يكون السير في التيه.. ونحن نزعم أنه لا سبيل للرؤية الصحيحة، للمستقبل، إلا سبيل التوحيد، فحسب التوحيد "ما من شيء كان، أو سيكون، إلا وهو كائن الآن"، كما يعبر الأستاذ محمود.. وفي عبارة أخرى يقول الأستاذ: "من الناس من لا يرى الى أبعد من أنفه، ومنهم من تنجاب عن بصيرته سحب الظلمات ، وحجب الأنوار، فيرى ورود الحياة، وصدورها، ويرى سيرها فيما بين ذلك.."
    الناس - كل الناس - في حياتهم اليومية، يتعاملون مع الحاضر، من أجل مستقبل أفضل.. فمن الناحية العملية المستقبل، موجود دائما، في تفكير الناس، وسلوكهم، وهو الغاية، فالجميع يعملون، ليوفروا لأنفسهم ، ولمن يهمهم أمرهم حياة أفضل، وهذا أمر طبيعي.. ولكن الخلل، الأساسي، يأتي من القصور في تصور الحياة الأفضل!! ومن الأسباب الأساسية، للقصور في تصور الحياة الأفضل، أن هذا التصور يمليه الخوف، بأكثر مما يمليه الفكر السليم.. وهذا الخوف، منه ما هو موروث من تجربة الحياة الطويلة، والتي عانت ضمن ما عانت من الجوع، والموت جوعا، كما تمليه تجربتنا في الحياة الحاضرة.. فالكل يريد أن يحتاط ضد العوز، والمرض، والشيخوخة، والموت، وهذا التحوط لا يكون، كما أوهمنا الخوف، إلا بضمان الحياة الوحيد، المال!! وقد عمق، نمط التفكير الرأسمالي، من هذا الخوف، والذي هو أساسا نتيجة له، فأصبحنا في حياتنا كلها، نكدح، ليل نهار، في سبيل المال، وهكذا ضيعنا الحياة في سبيل العيش!! ثم لا مفر من الموت!!
    علينا أن نعمل من أجل حياة أفضل في الحاضر، وفي المستقبل، بل لا بد لنا من ذلك، ولكن عملنا، لن يكون منه طائل، بل قد يسبب لنا الشقاء بدل السعادة، إذا لم نتخلص من إملاءات الخوف، الموروث والمكتسب، لنعمل وفق رؤية يمليها العقل الصافي، والقلب السليم!! فمن أجل الحياة الأفضل، في الحاضر، وفي المستقبل، القريب، والبعيد - والبعيد هذا يشمل ما بعد الموت - علينا أن نعمل، قبل كل شيء، وفوق كل شيء، على تحصيل العقل الصافي، والقلب السليم، هذا واجبنا الأول والأساسي.. وكل الخلل هو خلل في تصور الواجب!!
    ونحن لم نبعد عن قضيتنا، فالعقل الصافي والقلب السليم، هما الشرط الأساسي، للنقد السليم.. وإطار التوجيه، والمنهاج اللذان يوفرانهما، هما ما تقوم عليهما، النظرية النقدية في الاسلام.
    نرجع مرة أخرى الى موضوع الزمن.. فقد قررنا، أنه في التصور الاسلامي، لكل شيء في الزمان وقته.. فأمة المسلمين، التي نبشر بها، ونزعم أنها البديل للحضارة الغربية السائدة - بعد ان ادت دورها التاريخي، حتى استنفدته - هذه الأمة لها وقتها، والذي نرى أنه قد أظل: (ولكل أمة أجل، فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة، ولا يستقدمون).. وقد جاء أجل الأمة الموعودة، وتهيأت الأرض لها بالطاقة بها، والحاجة اليها، وتمت جميع الأشراط المادية، لظهورها، ولم يبق إلا الإذن الالهي بها، ومجيء رسولها - أحمد - يقول تعالى: (ولكل أمة رسول، فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط، وهم لا يظلمون).. ورسول الأمة القادمة أحمد(المسيح) - ونحن لنا الى ذلك عودة.
    لا نزال في إطار الحديث عن الزمن، فالعقل الناقد، ينبغي أن يعرف طبيعة المرحلة التاريخية التي يتحدث عنها، أو يتحدث عما يجري فيها من فكر، ليقومه، وينقده.. فالحق والباطل، كما سبق أن بينا، مرتبطان بحكم الوقت.. ففي أي وقت من يوم الدنيا نحن؟؟ الاجابة، عند الأستاذ محمود - والتي تحمل في طياتها، البشارة، والخبر عن النبأ العظيم – هي أننا في الثلث الأخير من ليل الوقت!! فهو يقول: "نحن نعيش في أخريات الثلث الأخير من ليل الوقت، وقد آذن الصبح بانبلاج. والثلث الأخير من ليل الوقت، كالثلث الأخير من ليل اليوم، منصوص على مدحه وتفضيله.. فكما أن الثلث الأخير من ليل اليوم برزخ بين الليل والنهار، فكذلك الثلث الأخير من ليل الوقت، فإنه برزخ بين الدنيا والأخرة".. ويقول: "نحن، بشرية القرن العشرين!! نحن بشرية الثلث الأخير من ليل الدنيا!! ومعلوم قيمة الثلث الأخير من ليل اليوم: (إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلا).. بنفس هذا القدر يجب أن نعلم قيمة الثلث الأخير من ليل الدنيا، وقيمة البشرية التي تعيشه.. فهذه البشرية هي الموعودة بتحقيق جنة الأرض، في الأرض: (وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الأرض حيث نشاء فنعم أجر العاملين).. هذه البشرية المعاصرة، هي بشرية اليوم الآخر، الذي من أجل تحقيقه ارسل الرسل، وأنزلت الكتب، وشرعت الشرائع، في جميع حقب هذه الحياة الدنيا"
    من المؤكد، أن هذا الذي ذكرناه، هو إطار عام للنظرية النقدية، في الاسلام، ويحتاج الى بعض التفاصيل.. ولكنه كاف لاعطاء الصورة العامة، التي نرمي اليها.. وسترد بعض التفاصيل، إن شاء الله، عندما نتحدث عن فلسفة التاريخ.. المهم الآن أن ندخل الى الحديث عن العقل الوسيلة الأساسية للنقد، وفيما تقدم وضحنا اطار التوجيه في الاسلام، الذي يقوم عليه هذا العقل، وبقي أن نربط بين هذا الإطار كمفهوم انطولوجي، وما يقوم عليه من معرفة عملية

    خالد الحاج
    رفاعة - 27 مارس 2008
                  

04-12-2008, 03:33 AM

Masoud

تاريخ التسجيل: 08-11-2005
مجموع المشاركات: 1623

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الإسلام كنظرية نقدية (Re: Omer Abdalla)

    شكراً عمر.
    شكراً خالد.
                  

04-15-2008, 02:46 AM

Sabri Elshareef

تاريخ التسجيل: 12-30-2004
مجموع المشاركات: 21142

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الإسلام كنظرية نقدية (Re: Omer Abdalla)

    سلام علي استاذ خالد الرجل المفكر
    له سلاسة لغة تنفذ الي القلب

    له الحب والسلام
                  

04-17-2008, 04:30 AM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الإسلام كنظرية نقدية (Re: Omer Abdalla)


    الأعزاء مسعود وصبري
    عاطر التحايا وجزيل الشكر على المتابعة وتسجيل الحضور
    عمر
                  

04-17-2008, 04:32 AM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الإسلام كنظرية نقدية (Re: Omer Abdalla)

    إطار التوجيه والنقد الذاتي


    النقد أمر طبيعي، وتلقائي، بالنسبة للعقل.. فحياة الكائن البشري كلها، تقوم على تمييز العقل بين قيم الأشياء، والسلوك وفق هذه القيم. ولكن هذا، لا يجعل كل انسان، صاحب تفكير نقدي، بالمعنى الاصطلاحي.. فالتفكير النقدي هو التفكير الذي يقوم على نظرية في الكون، توجه الفكر، وتعطيه الموازين، التي يزن بها قيم الأشياء بدقة، ويحدد وفقها الوسائل والغايات، ويحدد الصحيح من الخاطيء، والحق من الباطل، والنافع من الضار، بالصورة التي تعين على توجيه العمل البشري، الوجهة الصحيحة المطلوبة، وتعين على خلق اطار عام، يجعل الحوار بين البشر ممكنا.. هذه النظرية عند الماركسية، مثلا، هي المادية الديالكتيكية، وفي الاسلام هي التوحيد.. ولكن هنالك، صورة من النقد السلبي، الذي يقوم على مجرد معرفة الأخطاء، وتصحيحها، مثل هذا التفكير، هو ما نجده عند كارل بوبر، وهو نقد لا يصلح إلا في اطار محدود، هو إطار العلم المادي التجريبي.. وحتى في هذا المجال، هو يقوم على اطار paradigm توجيه .. العقل لا يمكن أن يعمل دون إطار توجيه، يحدد وفقه أسس الخطأ والصواب، والضار والنافع.. قد يكون هذا الإطار صحيحا أو خاطئا.. وقد يكون واضحا ومحددا، عند صاحبه، أو غير واضح ولا محدد، لكنه في جميع الحالات هو موجود، حتى عندما يكون هذا الإطار، هو مجرد المصلحة الذاتية، التي يقيس وفقها عقل الفرد، ما هو صحيح وما هو خاطيء، وما هو نافع وما هو ضار.. فلذلك ليست القضية نظرية أو لا نظرية، وإنما القضية: أي نظرية!؟ فالنقد، بل والتفكير كله، تتوقف صحته، من خطأه، على صحة أو خطأ النظرية، التي توجه العقل، وتعطيه الموازين التي يزن عن طريقها الأشياء، ويحدد قيمتها.. ومن هنا، تأتي الأهمية القصوى للنظرية و إطار التوجيه، الذي تعطيه للفكر والحياة، فصحة التفكير وخطأه، وصحة النقد أو خطأه، يعتمدان، بصورة جوهرية، على صحة النظرية أو خطئها.. وصحة النظرية - أي نظرية - تتوقف على تصورها لطبيعة الكون، والقانون الذي يحكمه، وعلى الطبيعة البشرية، وانعكاس ذلك، على تحديد علاقة الفرد بالكون، وعلاقة الفرد بالمجتمع.
    والحضارة الغربية، على الرغم من أنها، لا تقوم على مذهبية واضحة، ومحددة، إلا أنها تقوم على إطار توجيه، لا يخرج من القضايا التالية:
    1. الطبيعة المادية: وهي تمثل إطار التوجيه العام الأساسي.. فالحضارة الغربية، بصورة عامة، تقوم على غلبة التصور المادي للكون.. وغلبة التصور المادي للحياة.. وهذا لا يعني بأية حال، الغياب التام للجانب الروحي - هذا في تقديري أمر مستحيل - وإنما يعني أن الغلبة والهيمنة للتفكير المادي والحياة المادية.. وحتى لو كانت هنالك أغلبية تؤمن بالله، وبالدين، وبالقيم الروحية، فإن هذا الإيمان دوره ضعيف جدا في توجيه سلوك الناس وتفكيرهم، حتى بالنسبة لأولئك الذين ينتمون للأديان السماوية الكبرى مثل الاسلام، والمسيحية، واليهودية.. فجميعهم يغلب على تفكيرهم وسلوكهم الجانب المادي.. فالعبرة بالإطار الذي يوجه التفكير والسلوك، في الحياة اليومية، وهذا قطعا، بالنسبة للحضارة السائدة، ليس الدين وقيمه، وإنما هو المادية.
    2. العلمانية: العلمانية تقوم على توكيد الحياة الدنيا، وتوكيد العقلانية وحرية الفكر، بمعنى أن يكون العقل هو الحكم الفيصل في كل قضايا الفكر والمعرفة.. وأن يكون العقل حرا، في تناول هذه القضايا، دون حجر عليه، ودون الحاجة للإعتماد على شيء خارجه.
    3. المنهج العلمي: والمقصود به منهج العلوم المادية التجريبية.. فالعلم، ومنهجه، هو أعظم انجازات الحضارة الغربية، وهو صاحب الأثر الأكبر على تفكير الناس.. فعليه يقوم تصور الكون، والقوانين التي تحكمه.. ومنهج العلوم التجريبية، كان يعتبر، والى حد كبير لايزال، المنهج العلمي الوحيد، وكل منهج غيره، لا يتصف بصفة العلمية.. وتطبيق هذا المنهج في الحضارة الغربية، ليس قاصرا، على مجال العلوم الطبيعية، فهو عندهم يحكم التفكير العلمي الصحيح بصورة عامة.. وهذا المنهج، هو الذي زاد من توكيد مادية الحضارة.. وتطبيقاته، وما تم عبرها من انجازات أخصبت الحياة البشرية، هي صاحب الدور الأكبر في هيمنة الجانب المادي، على حياة البشر..
    4. اللبرالية: إن أهم الأسس التي تقوم عليها العلاقات الاجتماعية في الحضارة الغربية، هي: اللبرالية ، والديمقراطية، والرأسمالية.. وثلاثتها محكومة بأطر التوجيه المذكورة في النقاط الثلاثة، أعلاه.. واللبرالية، هي توكيد للفردية، والحرية الفردية، والملكية الفردية.
    هذه هي أساسيات اطار التوجيه في الحضار الغربية.. وجميعها ، لها وجهها من الحق، ولكنها جميعها أيضا، تقوم على خلل، وقصور، أساسيين، بصورة تجعل الحضارة الغربية، حضارة فاسدة في جوهرها ، وهذا ما سنبينه في موضعه، عندما نتحدث عن الحضارة الغربية.. جميع مصطلحات الحضارة الغربية، الأساسية، مرتبطة، ببعض هذه الموجهات، ومحكومة بها، وينبغي النظر إليها في إطارها.. فجوانب الصحة، وجوانب الخطأ، في هذه المصطلحات، يرجع بصورة اساسية الى إطار التوجيه، الذي يقوم على النقاط الأربعة المذكورة.. وهذا ، ما سنتناوله ، بالنقاش، عند نقد الحضارة الغربية.
    إن أهم ما نود الإشارة اليه هنا هو أن أهم ما يميز الاسلام كنظرية نقدية، الى جانب التصور الذي يعطيه التوحيد للكون وللطبيعة البشرية، والقانون الذي يحكمهما، هو أن إطار التوجيه في الاسلام ليس تصورا خارجيا فقط، وإنماهو أساسا تحقيق داخلي!! فالتوحيد، الذي هو إطار التوجيه الأساسي، هو صفة الموحد (بكسر الحاء) - صفة الانسان. وهذا يجعل الميزان الذي وفقه تتحدد قيم الأشياء ليس هو العقل الخام - العقل المجرد - كما هو الحال، عند جميع النظريات النقدية الأخرى، وإنما هو عقل المعاد.. وعقل المعاد، هو نفس عقل المعاش، ولكن بعد أن يتم تأديبه، وتهذيبه، عن طريق المنهاج، منهاج (طريق محمد) عليه أفضل الصلاة، وأتم التسليم.. وهذا التهذيب عمل في النقد الذاتي، وفقه يتم الانتقال من عقل المعاش الى عقل المعاد، والتسامي في مراقيه.

    النقد الذاتي هو أساس النقد وجوهره
    النقد الذاتي، في الاسلام، هو عمل دائم، يستوعب الحياة جميعها، في كل تفاصيلها.. والى ذلك الاشارة بقوله تعالى، لنبيه: (قل إن صلاتي، ونسكي، ومحياي، ومماتي لله رب العالمين، لاشريك له وبذلك أمرت، وانا أول المسلمين).. والنقد الذاتي وسيلة لتحقيق كمال حياة الفكر، وحياة الشعور.. هو وسيلة لتحقيق انسانية الانسان.. وهذه هي غاية الانسان، وغاية الأكوان.. وقد سبق أن ذكرنا، أن في الاسلام، ليست هنالك غاية في ذاتها إلا الانسان.. وكل شيء في الوجود، إنما هو وسيلته.. فتحقيق انسانية الانسان هو جماع التكليف الديني، في جميع أكوان وجود الانسان.. في هذه الحياة الدنيا، وفي دنيا البرزخ، وفي النار، وفي الجنة.. والنقد الذاتي، الذي يقوم عليه منهاج (الطريق)، غرضه تحقيق هذه الغاية.. فالسالك وفق هذا المنهاج، عمله يكون صحيحا، بالقدر الذي به يتغير في اتجاه تحقيق انسانيته، فإذا لم يحدث التغيير المطلوب، أو توقف من النمو، فلا بد أن هنالك خطأ ما، في تطبيق المنهاج، فعلى السالك تصحيح هذا الخطأ، عن طريق النقد الذاتي، والذي يقوم على معرفة عيوب النفس، ومعرفة عيوب العمل، لتصحيحهما والانطلاق في مراقي الانسانية.. وعمل المنهاج كله، يقوم على التجربة، في الخطأ والصواب، بالصورة التي تعين العقل على القوة والاستحصاد، حتى يكون على الاستقامة، ويقود النفس الى الاستقامة.. وبذلك يتم الانتقال المتدرج، من الحياة الحيوانية - الحياة الدنيا - نحو الحياة الانسانية - الحياة العليا أو الأخرى.. أو من النفس الأمارة بالسوء الى النفس الكاملة.. وقد سبق أن ذكرنا أن الانسان، ما دامت تسيطر عليه صفات الحيوان، خضع لها أو قاومها، فهو في الحياة الدنيا.. فالحد الأدنى، من تحقيق انسانية الانسان هو تجاوز صفات الحيوان، بصورة تامة.. وهذا يعني، ضمن ما يعني، أن يكون ما يسير الانسان في جميع حياته، الفكر، بدل الغريزة التي كانت تسيره في مرحلة الحيوانية.. فالانسان، هو برزخ بين الملائكة والأبالسة، وهو نقطة التقاء النور والظلام - العقل والشهوة - وقد أمر العقل في الإنسان، بترويض الشهوة.. وعلى هذا قام التكليف، وبه ظهر الإنسان.. فانسانية الانسان تحدد بدخول ( القيمة) في حياته.. تلك القيمة التي جعلته يفارق خط الحيوان، حيث الغرائز والشهوات هي التي تسيره، الى خط الانسان، حيث الغرائز تخضع لسيطرة وتوجيه العقل.
    فالنقد الذاتي يهدف، أول ما يهدف الى تحرير الفكر.. فالنفس العليا التي أشرنا اليها، إنما هي النفس الخاضعة في شهواتها لمقتضيات العقل القوي المستحصد.. والنقد الذاتي، الذي يقوم عليه المنهاج، إنما هو عمل في اعانة العقل على هذه القوة والاستحصاد.. ولكي تتحرر النفس من ربقة الحيوانية، وتستقيم، لا بد أن يستقيم العقل أولا، حتى يفكر التفكير المستقيم.. فالفكر موؤف بأفات لا حصر لها، وسببها جميعها، الخوف.. والطمع طرف من الخوف.. والهوى صنو الخوف.. وعمل المنهاج هو التخلص من آفات الفكر، بالتخلص من الخوف، ومن اتباع الهوى .. فالمنهاج كله عمل في ترويض العقول على دقة التفكير.. يقول الأستاذ محمود: "وإنما من أجل رياضة العقول على أدب الحق وأدب (الحقيقة)، حتى تقوى على دقة التفكير ، جاء الاسلام، وأنزل القرآن، وشرعت الشريعة.. فأنت إذا سُئلت عن الاسلام فقل لهم: انه منهاج حياة، وفقه تراض العقول، لتقوى على دقة التفكير.. والله تبارك وتعالى، يقول في ذلك: (وأنزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم ولعلهم يتفكرون).. قوله تعالى: (وأنزلنا اليك الذكر) يعني القرآن المحتوي على الحقيقة، كلها، وعلى الشريعة كلها .. الحقيقة التي أعلى من مستواك، والحقيقة التي في مستواك، والحقيقة التي في مستوى أمتك.. وعلى الشريعة التي هي في مستواك، والشريعة التي في مستوى أمتك - قوله تعالى: ( لتبين للناس ما نزل إليهم) يعني لتفصل لهم الشريعة التي يحتاجونها، وطرفا من الحقيقة التي يطيقونها، مما يزيد في فهمهم، واحترامهم للشريعة.. قوله تعالى (و) من قوله تعالى: (ولعلهم يتفكرون) يعني مرهم أن يعملوا بالشريعة، بعقول مفتوحة، وقلوب حاضرة.. قوله تعالى: (لعلهم يتفكرون) هو المعلول، وراء كل العلل، والمطلوب وراء كل المطالب، والمقصود وراء كل المقاصد.. يتفكرون في ماذا؟ في السماوات والأرض؟ لا!! ليس فحسب!! فإنما هذا تفكير مقصود لغيره.. مقصود بالحوالة!! أما التفكير المقصود بالأصالة فهو تفكيركم في أنفسكم.. قال تعالى: (وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنفُسِكُمْ!! أَفَلا تُبْصِرُونَ؟؟) .. "
    منهاج (الطريق) كله، في عباداته، وفي معاملاته، يقوم على (التقوى)، التي تثمر (الفرقان) .. والفرقان هو التفكير الدقيق، والتمييز السليم، بين قيم الأشياء، وهذا هو ميزان النقد.. وهذا ما جعلنا نقول، أن النقد الذاتي هو أساس النقد وجوهره.. يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ، إِن تَتَّقُواْ اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً، وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ، وَيَغْفِرْ لَكُمْ، وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) قوله تعالى: (يجعل لكم فرقانا) يعني يجعل لكم مقدرة في عقولكم بها تفرقون بين الحق والباطل.. يعني يجعل لكم مقدرة في عقولكم، بفضل التقوى، بها تقوون على التفكير الدقيق، والتمييز السليم.. فالتقوى (شجرة) والفرقان (ثمرة) .. وكلما تدق التقوى، يدق الفرقان، ويقوى.. والتقوى مستويات، والفرقان مستويات.. وأغلظ مستويات التقوى ما يكون عند المؤمن العادي، وهو مستوى الحلال البين والحرام البين.. ثم يتم التسامي في مراقي التقوى، بصورة منهجية، الى مرتبة الورع، فصاحب اليمين، فالبر، فالمقرب، ثم صاحب الاستقامة، وهو يقابل النفس الكاملة.. وليس للكمال نهاية، وكذلك ليس للإستقامة نهاية.
    إن غرض النقد الذاتي، الذي يجري بهذه الصورة التي ذكرناها، هو ترويض العقول على التواضع، وعلى المحايدة، وعلى البراءة من الغرض، حتى تستطيع أن ترى حقيقة الأمر على ما هو عليه، وبذلك تملك الميزان الدقيق والسليم، الذي به تزن قيم الأشياء، دون أي تدخل، من الذات يفسد هذا الوزن، بعد أن تكون الذات قد تخلصت، بفضل الله، ثم بفضل العمل بالمنهاج، من كل الانحيازات.. وههنا يكون الفكر، ليس تعملا، وإنما هو طبيعة، قد تصفت من جميع أسباب التواء الفكر، وضعفه، وقلته..
    نحن هنا لسنا بصدد التفاصيل فيما يتعلق بالنقد الذاتي، كما هو في منهاج (الطريق)، وإنما أردنا فقط توكيد أهمية التربية العقلية السليمة، التي يقوم عليها الاسلام، كنظرية نقدية.. وهذا، أمر غائب تماما، في جميع النظريات النقدية الأخرى، الأمر الذي أدى، ويؤدي الى اضطرابها وعجزها.. ومن يحب أن ينظر في التفاصيل، نحيله الى كتاب (تعلموا كيف تصلون).

    خالد الحاج عبدالمحمود
    رفاعة في 8/4/2008[/size]
                  

06-07-2008, 02:29 AM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الإسلام كنظرية نقدية (Re: Omer Abdalla)


    بسم الله الرحمن الرحيم
    الاستاذ محمود محمد طه في الذكري الثالثة والعشرين
    محاولة التعريف بأساسيات دعوته


    (وإنا أو إياكم لعلي هدى أو في ضلال مبين)
    الإسلام كنظرية نقدية
    نقد الواقع


    إن ما يحدد نظرتنا للواقع، وتعاملنا معه، هو موقفنا من الحقيقة.. بل إن موقفنا من الحقيقة، هو الذي يشكل جميع تفكيرنا، وحياتنا .. وفي الاسلام - كما سبق أن ذكرنا - الحقيقة واحدة، ومطلقة.. وهي الذات الالهية .. ولأن الحقيقة مطلقة، فلا شئ في الوجود، يمكن أن يقوم من دونها، أو يكون على غير صلة بها .. فكل شئ في الوجود هو وجهها (واينما تولوا فثم وجه الله) .. فهي مهيمنه على الوجود هيمنة مطلقة .. وهذه الهيمنة، هي دين الاسلام العام، الذي لا يخرج عنه خارج، ولايشذ عنه شاذ .. فأي نظرة، لأي شئ في الوجود، دون اعتبار هذه الحقيقة، هي نظرة قاصرة، ومنبتة!! ولما كانت الحقيقة هي صاحبة الفاعلية المطلقة في الوجود، فكل مايحدث في الوجود هو تجلي لقدرتها - تجسيد لهذه القدرة - وهذا هو الواقع .. والقدرة هي تنزل عن الارادة، والارادة تنزل عن العلم، ولذلك قلنا ان الواقع هو تجسيد علم الله، فهو مصنوع من مادة الفكر.. وقد أوردنا قول الأستاذ محمود في هذا الصدد، ونعيده هنا، فهو قد قال من كتابه (القراّن ومصطفي محمود والفهم العصري).. "فالعالم هو تجسيد علم الله – هو تجسيد فكر العقل الكلي، المحيط والمطلق في ذلك - وانه لحق ان العلم قد صنع من مادة الفكر ومن اجل ذلك جاءت كرامة الفكر .. ولم يجعل الله هادياً في شعاب ظلمات العالم غير نور العقل القوي الفكر.. وانما من أجل تقوية الفكر أرسل الله الرسل، وأنزل القرآن، وشرع الشرائع .. قال تعالى: (وأنزلنا اليك الذكر، لتبين للناس، ما نزل إليهم، ولعلهم، يتفكرون) .. فكأن العقل إذا روّض، وأدب بأدب الشريعة، وأدب الحقيقة، "ادب الوقت"، اصبح شديد القوى، دقيق الفكر، نافذه .." ولوأن الواقع والفكر بينهما اختلاف نوع، لما أمكن للفكر، ان يتعامل مع الواقع .. فكون الواقع، مصنوع من مادة الفكر، هو جوهر العلاقة بين الفكر والواقع، كما هو جوهر تميز الانسان على جميع خلق الله .. وهو الذي أعطى الانسان إمكانية، ان يكون خليفة الله، وجعل هذا واجبه الاساسي بل وقدره المقدور.
    وفي حين ان الحقيقة واحده، ومطلقة، فإن الحق والباطل، متعددان ونسبيان .. فالباطل ليس اصلاً، في الوجود، وإنما هو فرع .. فالباطل لاوجود له في الحقيقه، وانما وجوده وجود عقلي، وجود شرعي، وذلك لان كل مايدخل الوجود، لايدخل إلا بارادة الله .. وإرادة الله، لا تكون باطلاً، عن ذلك تعالى الله علواً كبيراً .. وإنما هي دائما تكون لحكمة، وهذه الحكمة الالهية، هي وجه الحق الذي في الباطل.. فالباطل هو وجه الحق البعيد من الحقيقة، في حين ان الحق هو الوجه القريب منها .. وكلاهما متحرك يطلب الحقيقة، ونسبيتهما، هي نسبة قربهما، أو بعدهما من الحقيقة.
    وأمر هذه الثنائية، هو امر ضروري جداً، لادراك العقول البشرية، فهي لا تدرك الأشياء الا بضدها، ولذلك خلق الله تعالى الازواج .. قال تعالى: (ومن كل شئ خلقنا زوجين، لعلكم تذكرون * ففروا الى الله، اني لكم منه نذير مبين).. فالحكمة من خلق الازواج هي تمكين العقول من الادراك: "لعلكم تذكرون" والتذكر عملية مزاوجة بين طرفين: الذاكرة والخيال .. قوله "فروا الى الله" يعني فروا من التعدد الذي يقوم عليه ظاهر الواقع، الى الوحدة، التي تقوم عليها الحقيقة .. أو فروا من الادراك الشفعي - إدراك العقول - الى الادراك الوتري – ادراك القلوب!!
    لقد سبق ان ذكرنا، أن الواقع هو تجلي الله .. والتجلي هو ظهور "الأمر" في الزمان والمكان يقول تعالى: (كل يوم هو في شان) وشأنه تعالى، هو ابداء ذاته لخلقه ليعرفوه .. ويومه هنا، هو لحظة التجلي، وهي تدق حتى تخرج عن الزمن .. والزمن هو اكبر خلق الله، على الاطلاق، والمكان هو مظهر الزمان، وللوحدة بين الزمان والمكان، اصبح يعبر عنهما في العلم الحديث بالزمكان .. ومايظهر في الزمان والمكان - الواقع - يشمل النور والظلام، الخير والشر، الحق والباطل .. الخ، ولكن هذه الثنائيات ليست متساوية، فدائماً أحدها أصل، والثاني فرع، والاختلاف بينهما اختلاف درجة .. فالنور أصل، والظلام فرع .. والخير اصل والشر فرع.. والحق اصل والباطل فرع ..الخ وجميعها متحركة، والحركة دائماً من الفرع، نحو الاصل، والاصل نفسه متحرك، يطلب الحقيقة – وقد سبق الحديث عن ذلك .. ومانريد ان نؤكده هنا هو أن الحركة في الواقع هي حركة هادفة، وليست عشوائية .. وغايتها النهائية هي الحقيقة .. وهي في سيرها نحو هذه الغاية، في كل وقت جديد تنزل منزلة جديدة.. وهذه المنازل وفقها يتحدد الحق والباطل .. وهذا مايسمي "حكم الوقت" وهو أمر هام جداً، ولا يمكن من دونه قراءة الواقع، قراءة صحيحة .. هذا الذي ذكرناه، من ان الحركة في الكون، حركة هادفة، هو مايعبر عنه ب "الغائية الكونية "، وهو أمر غائب تماماً في الفكر الغربي، وهذا من اكبر صور قصور الحضارة الغربية – كما سنري في موضعه .. المهم أن القراءة الصحيحة للواقع، لاتقوم على مجرد رؤية أحداث الواقع، وانما تقوم على رؤية الحكمة من وراء هذه الاحداث ..وإذا لم يكن هنالك ايمان، بوجود حكمة، وراء احداث الواقع - وهذا ما عليه الفكر الغربي في معظمه – فلا يمكن ان تكون هنالك قراءة صحيحه للواقع، وانما ينظر الى أحداثه كأحداث عشوائية، اعتباطية، وهذا جوهر ما يقوم عليه فكر مابعد الحداثة.
    علينا أن نصطحب هذه النقطة معنا، دائماً، لانها تشكل جوهر الاختلاف بين الفكر الاسلامي، والفكر العلماني..

    حكم الوقت:
    تتحدث بعض مدارس الفكر الغربي، عن النظرة التاريخية أو التاريخانية .. وهي تعني في تبسيط، تأثر الفكر والحياة، بالظروف التاريخية، فلا يمكن مثلاً، ان تسبق الاشتراكية الرأسمالية، ولا أن تسبق الرأسمالية الاقطاع .. فظروف التاريخ، ومايحدث فيه هي التي تحدد طبيعة المرحلة .. وفي الغالب، تقوم هذه النظرة على مفهوم تطوري .. ما يقابل هذه النظرة من الاسلام هو مفهوم "حكم الوقت" وهو، وإن كان يسير في نفس إتجاه النظرة التاريخية إلا أنه اكمل منها بما لا يقاس .. وإنما يجئ الاختلاف الجذري، بين النظرتين، من أن مفهوم "حكم الوقت" يقوم على "الغائية الكونية" وهي بدورها، تقوم على أن وراء احداث الكون، إرادة مدبرة حكيمة، تضع كل شئ في موضعه .. ويمكن فهم مرامي هذه الارادة المتفردة، وحكمتها عن طريق العمل بالمنهاج الذي وضعته للبشر وهو منهاج، في جملته، يعمل على خلق الصلة بمصدر هذه الارادة، والتلقي عنه ومعرفة حكمته، وراء فعله، والعمل وفق هذه المعرفة وهذا ما يعرف في الدين ب- "أدب الوقت" .. فعن طريق العمل بالمنهاج، والتأدب بادب الوقت نعرف حكم الوقت، فتظهر لنا حكمة الله الباطنة وراء فعله الظاهر، ونكون على بينة من الامر، في الفكر وفي السلوك .. وهذا لا يوجد له أي مقابل، في الفكر الغربي .. بل ان مجرد، مفهوم "الغائية الكونية" في هذا الفكر غائب .
    جل ما نريد أن نقرره هنا، هو أن قراءة الواقع، واحقاق الحق وإبطال الباطل، لا يمكن أن تعرف في وقتها، إلا بمعرفة حكم الوقت، وهو ببساطة: الحكمة وراء ما اظهره الله في الوقت.. وهذا لا يتم الا عن طريق العقول المؤدبة بادب الوقت (فالعقل، اذا روض، وادب بادب الشريعة، وادب الحقيقة "ادب الوقت"، اصبح شديد القوى، دقيق الفكر، نافذه)، فهذا العقل هو الذي يدرك القراءة الصحيحة للواقع، فيعرف ماهو باطل حسب حكم الوقت، فهو زائل .. وماهو حق حسب حكم الوقت، فهو باق، ونام .. وبذلك يقوم، بتصفية الرضا من الارادة . والواقع بالطبع درجات، فهنالك الواقع الذي يمثله التجلي اللحظي، والواقع بالنسبة لكل فرد، في كل جزيئات حياته .. والواقع بالنسبة للمجتمع المعين، أو الدوله المعينة، والواقع للحضارة ككل .. وكل هذه المستويات متداخله، ومتكاملة.. ونحن ما يعنينا هنا هو الواقع الحضاري بالذات، وهو مؤثرعلى جميع صور الواقع الاخرى .. ولمزيد من البيان، وحتي تكتمل الصورة، سنعرض نماذج من قراءة الأستاذ محمود للواقع، وهي بالطبع قراءة تقوم على تطبيق منهج الاسلام الذي يدعو له .
                  

06-13-2008, 04:25 AM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الإسلام كنظرية نقدية (Re: Omer Abdalla)


    نماذج من قراءة الواقع
    لقد ذكرنا أن الوجود، يحكمه قانون واحد، هو الارادة الالهية المتفردة .. وقلنا ان الوجود كله سائر الي الله، أو مسير اليه، وفق هذا القانون الواحد .. وهو وجود طبيعته واحدة، ليس فيه اختلاف نوع، وإنما كل إختلاف فيه هو اختلاف درجة .. والحركة في الوجود حركة، تطورية، من الجهل الى العلم، ومن الباطل الى الحق، ومن التعدد الى الوحدة، ومن الكثافة الى اللطافة.. فكل الذي يفنى في الوجود، هو الوجه الغليظ من الاشياء .. وغاية الوجود، هي تحقيق الانسان – الخليفة - وهي غاية تتحق، في مراحل، أو دورات لولبية .. وكل ذلك ذكرناه، وهو مما يعين، إعانة فعالة، على قراءة الواقع ، ومعرفة حكم الوقت .
    والمنهج الاساسي، في معرفة حكم الوقت، وفي المعرفة عموماً هو "الكشف" ويجب الا يكون هنالك غموضاً، في استخدام المصطلحات.. فالكشف ببساطة هو ظهور الحقائق، من العقل الباطن الى العقل الواعي .. والعقل الباطن، في الدين، هو القلب .. وكل المعرفة، سواء دينية أو غير دينية، هي تقوم على هذا الكشف .. وكل ما هنالك، ان للدين منهاج علمي و عملي لا يتوفر في المجالات الاخري .. ومنهاج الدين في المعرفة، يقوم علي قوله تعالى: (واتقوا الله، ويعلمكم الله، والله بكل شئ عليم) .. وأهم مايقوم عليه هذا المنهاج، هو انه لا يفصل الاشياء، عن بعضها البعض – كما تفعل الحضارة الغربية – وانما هو يعمل على توحيدها .. واهم مايعمل على توحيده هو الزمن نفسه .. فهو يوحد الزمن كله، في اللحظه الحاضرة، فهي وحدها الزمن الحقيقي، وكل ماعداها هو زمن باعتبار الحكمة .. وخلاصة هذا التوحيد، هي أن الكون كله موجود في كل جزء منه .. والزمن كله موجود في اللحظه الحاضرة .. ولذلك، المستقبل موجود في الحاضر، في صورة جنينية، يستطيع العقل ان يراها، وهذه من أهم جوانب معرفة الواقع.
    إن الواقع الذي يعنينا هنا، كما سبق أن ذكرنا، هو الواقع الحضاري، والمستويات الاخرى، بما فيها الواقع الفردي، تتبع، ولذلك سنجعل حديثنا قاصراً عليه

    نماذج من قراءة الواقع الحضاري:
    نقد الواقع يقتضي التمييز بين ماهو في طور الفناء منه، ولم يعد مما ينفع الناس، وما هو في طور التشكل، وينتظر ان تكون له السيادة، بل وينبغي ان تكون له السيادة، لانه الحق حسب حكم الوقت الجديد، ولانه مما ينفع الناس .. بل في بعض الحالات لا يمكن لحياة الناس ان تستقيم من غيره.. وهذا الاخير – الذي لا يمكن لحياة الناس ان تستقيم من غيره – هو الأهم .. ونحن هنا سنورد بعض النماذج لقراءة الأستاذ محمود، للواقع، وهي قراءة تقوم على التوحيد، والمعرفة بحكم الوقت، ثم هي منطقية وواضحة، للعقول المختلفة .
    إن اهم مرتكزات، قراءة الأستاذ محمود للواقع الحضاري، يمكن أن تلخص في النقاط التالية:
    1/ إن حكم الوقت يقضي على البشرية، على مستوي الكوكب الارضي أن تتوحد .. وهذا يحدث لاول مرة في التاريخ، وهو يشكل التحدي الأساسي، لاي فكر او دين يطرح نفسه، كما هو يشكل التحدي الاساسي للحضارة القائمة .
    2/ وحدة البشرية، تقتضي، ان يلتقي الناس على ما يجمع بينهم وهو العقل والقلب، أو الفكر والخلق، وان يتجاوزوا تماماً ما يفرق بينهم، وأهم مايفرق، اعتبارات: العنصر والجنس، والعقيدة، واللون، والتفاوت في الحقوق والواجبات، خصوصاً في السياسة والاقتصاد .
    3/ إن جوهر ماتقتضيه الوحدة البشرية هو السلام .. السلام الفردي، والسلام في المجتمع .. والسلام، يقتضي كل ماذكر في النقطة الثانية، واكثر!! وهو يقتضي بصوره خاصة زوال جميع اسباب الحرب، والعنف، والعدوان، في النفس البشرية، وفي المجتمع البشري.
    4/ الحضارة الغربية، ادت دورها التاريخي .. أدته حتى استنفدته .. ودورها التاريخي، الذي قامت عليه حكمة دخولها الوجود، هو اخصاب الحياة المادية، الحياة الدنيا، وتوفير الوسائل العلمية والتكنولوجية الضرورية، لهذا الامر .. ثم رفع وعي الافراد بالصورة التي تجعلهم يتطلعون الى إشباع حاجاتهم الفكرية والروحية، وتحقيق انسانيتهم .. وقد فعلت الحضارة الغربية كل ذلك، ولم يعد عندها ماتقدمه، خارج الاطار المادي، والاطار المادي لم يعد وحده كافياً، فلابد من حضارة جديدة، تستجيب لتحديات الواقع الجديد .. ونذكر بالقاعدة الاساسية في التغيير، وهي: كل الذي يفني هو الصور الغليظة للاشياء، ومايبقى هو ماينفع الناس .. ونعتقد أن الحضارة الغربية بلغت نهاية تطورها، في النصف الثاني من القرن العشرين.. ثم أخذت – بمقياس تحقيق أنسانية الانسان، وحل مشكلاته - تتدهور وتفشل كل يوم جديد .. بل اخذت تتخلى عن بعض قيمها الايجابيه، وبدلاً عن حل المشاكل أخذت تخلق مشاكل جديدة، سواء بالنسبة للفرد البشري، أو للمجتمع البشري .. وهذا كله سنبينه في موضعه..
    5/ ما يقال عن الحضارة الغربية، كحضارة مادية، يقال عن الدين، وبصورة أوكد.. فالدين بصورته التاريخية، التقليدية، والتي تقوم على العقيدة والاذعان فقط، لا مجال له في الواقع الجديد، ولا يستجيب للحد الأدنى من تحديات هذا الواقع.. فالدين لا يمكن ان يستجاب له، إلا إذا اقنع العقول الذكية المعاصرة، وإلا إذا قدم حلولا عملية لمشكلات الانسانية، وهذا يقتضي أن يرتفع من مستوى مجرد العقيدة، الى العلم.. مع ملاحظة أن الايمان هو المقدمة الطبيعية، لأي علم، مادي أو روحي، ديني أو دنيوي..
    6/ خلاصة قراءة الواقع تقول ان البشرية المعاصرة، وصلت الى قمة تطورها البشري، وهي قد تهيأت لدخول عهد انسانيتها. وهذه هي الغاية الكونية، التي يعمل لها الكون كله، وليس الحياة فقط.. يقول تعالى: (وسخر لكم ما في السموات والأرض، جميعا، منه) ويقول: (ولله جنود السموات والأرض).. فقوى الخير، وقوى الشر جميعها، مسخرة للإنسان، مسخرة له، لتحقيق انسانيته، وليبرز الى مقام عزه، كخليفة لله في الأرض.. وقد استعدت الأرض لهذا النبأ العظيم، وليس لها عنه مندوحة فإن الله بالغ امره .
    والآن لنرى، من أقوال الأستاذ محمود ما يؤكد هذه النقاط الخاصة بقراءة الواقع الحضاري، وما تقتضيه هذه القراءة.. أو بعبارة أخرى نقد الواقع.

    وحدة الكوكب الأرضي ومقتضيات هذه الوحدة:
    لقد تحدث الأستاذ محمود، عن وحدة الكوكب الأرضي، بوقت طويل قبل ظهور مصطلح (العولمة).. وعلى كل، هنالك اختلاف جذري بين رؤية الأستاذ لهذه الوحدة، ورؤية العولمة لها.
    لقد جاء من كتاب الأستاذ محمود (رسائل ومقالات الأول) قوله: "هذا الكوكب الصغيرالذي تعيش فيه الانسانية، وحدة جغرافية، قد ربط تقدم المواصلات الحديثة السريعة بين اطرافه ربطا ألغى الزمان، والمكان، الغاء يكاد يكون تاما، حتى لقد اصبحت جميع اجزاء المعمورة تتجاوب في مدى ساعات معدودات للحدث البسيط يحدث في اي جزء من اجزائه.. يضاف الى ذلك ان هذا الكوكب الصغير معمور بانسانية متساوية في اصل الفطرة وان تفاوتت في الحظوظ المكتسبة من التحصيل والتمدين.. فينبغي والحال هذه، بل انه في الحقيقة، ضربة لازب ان تقوم فيه حكومة واحدة، تقيم علائق الامم على اساس القانون كما تقيم حكومات الامم - كل في داخليتها - علائق الافراد على اساس القانون.. فذلك امر مستطاع، بل هو امر لا معدى عنه.. فان المتتبع لتطور الحياة يعلم جيدا ان مسالة الوحدة العالمية مسألة زمن فقط".. وهذا المعنى ورد بصور مختلفة، في مواقع عديدة جدا، من كتابات الأستاذ، وأقواله، ونحن لا نحتاج لمتابعتها، ولكن يمكن ايراد بعض النماذج الأخرى، فقد جاء من كتاب (التحدي الذي يواجه العرب) الصادرة طبعته الأولى في سنة 1967 قوله: "بايجاز فإن التحدي الذي يواجه البشرية اليوم هو أن الكوكب الذي نعيش فيه قد اكتملت له الوحدة المكانية، وقد اصبح يتطلب من البشرية التي تعيش فيه، أن تحقق الوحدة الفكرية بين افرادها، حتى يستطيعوا أن يتعايشوا في سلام - إن لم نقل يعيشوا في سلام - مع اختلاف ألوانهم، ولغاتهم، وعاداتهم، وعقائدهم، فإن هم عجزوا عن ذلك فسيكون مصيرهم مصير كل الأحياء الذين عجزوا عن أن يوائموا بين حياتهم وبين بيئتهم - وقد جرت بذلك سنة الأولين .. وتوحد البشرية عن طريق الفكر - وليس هنالك من طريق سواه - يتطلب مدنية تعطي منزلة الشرف للفكر".. ولقد جاء من كتاب (مشكلة الشرق الأوسط) اكتوبر 1967 في الفصل الأول تحت عنوان (صور الأشياء) قوله: "هنالك ثلاثة امور لابد من استيقانها:-
    أولها: أن حكم الوقت يقضي على هذه البشرية التي تعمر هذا الكوكب أن تتوحد
    وثانيها: أن هذه البشرية لكي تتوحد، لا بد لها من السلام.
    وثالثها: أنها من أجل السلام لا بد لها من المدنية التي تنشر حكم القانون العادل".. وقد جرت تفاصيل في كل هذه الجوانب، ويمكن لمن يشاء أن يرجع اليها.
    ويقول الأستاذ محمود، عن مقتضيات وحدة الكوكب الأرضي، ما نصه: "بفضل الله، ثم بفضل هذه الكشوف، أصبحت الانسانية تعيش في بيئة طبيعية جديدة .. بيئة صغيرة موحدة.. ولكي توائم الانسانية بين مذاهبها الاجتماعية، وبيئتها الطبيعية هذه الموحدة، أصبح لزاما، أن تبرز الى حيز الوجود، مذهبية اجتماعية، عالمية، موحدة، أيضا، عندها تلتقي الانسانية جمعاء، التقاء اصالة، بصرف النظر عن اختلاف اللون واللسان والموطن.
    وبنفس القدر الذي به اصبحنا نعيش في بيئة، واحدة، فقد وجب علينا أن نفكر تفكيرا جديدا، تفكيرا يتسم بالأصالة، وبالشمول، وبالدقة.. ووجب علينا أيضا أن نعيد النظر فيما تواضع عليه الناس، في العهود السوابق، من مفاهيم ومدلولات"
                  

09-11-2008, 08:22 PM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الإسلام كنظرية نقدية (Re: Omer Abdalla)


    الحضارة والمدنية
    ومما له صلة أساسية، بمفهوم الواقع، ما سبق أن ذكرناه، في الحلقة الثانية، من أننا نعيش في اخريات الثلث الأخير من ليل الوقت.. فمن لا يرى جيدا، تغلب عليه رؤية ظلام الليل، فيتوهم أن لها السيادة.. أما من يرى جيدا، فيرى أن ظلام الليل، يوشك أن يزول، فهو في حالة فناء.. أما ما يوشك أن يولد فهو اليوم الجديد، الذي بدأت تظهر تباليج فجره، ولن يلبث طويلا، حتى يطلع. وهذا اليوم هو - اليوم الآخر - الذي ظلت جميع رسالات السماء تستهدفه، وتبشر به، وتدعو له، وللإيمان به، حتى أنه أصبح ركنا من أركان الإيمان الديني.. هذا الثلث الأخير من ليل الوقت، هو قمة (الحضارة) البشرية، على الأرض - وقد ميزنا بين الحضارة والمدنية، فليراجع في موضعه - بل ما نعيشه هو (الحضارة) المعرفة بالألف واللام، وكل صور الحضارات السابقة، هي تمهيد واعداد لهذه الحضارة، ومقدمة طبيعية لها.. وانسان هذه الحضارة، هو قمة البشرية، أو (خاتم البشر) كما عبر بعض المفكرين الغربيين، ولكن بمعنى غير الذي عنوه.. وهذه الحضارة وصلت الى نهايتها، وتوشك أن تفضي الى عصر (المدنية) المعرفة بالألف واللام.. مدنية (اليوم الآخر)، التي كانت جميع المدنيات، والحضارات، الأخرى السابقة، مقدمة لها، وإعداد للأرض حتى تجعل ظهورها ممكنا.. وهذه الحضارة، لكي تتحول الى مدنية، هنالك العديد من صور التغيير الهامة، التي لا بد أن تتم فيها، بالنسبة للفرد البشري، وبالنسبة للمجتمع البشري.. وأساس التغيير كله، هو التحول من مرحلة قمة البشرية، الى مرحلة الانسانية.. وهو يعني التحول من الحياة الدنيا، الى الحياة العليا - الأخرى - والتحول من عقل المعاش، وقيمه، الى عقل المعاد، وقيمه - ولقد سبق لنا أن ذكرنا، أن الانسان طالما سيطرت عليه النزعات الحيوانية، قاومها، أو خضع لها، فهو في الحياة الدنيا - فنحن على الرغم من أننا خرجنا من الغابة، منذ وقت طويل، إلا أننا خرجنا والغابة داخلنا، فهي وإن يك قد حدث لها تلطيف في الخارج، إلا أنه في الداخل، لا يزال الحيوان هو المسيطر، لم ينله إلا القليل جدا، من التهذيب، والأنسنة.. والبيئة الجديدة، وهي تفرض علينا السلام، تقتضي التخلص من جميع النزعات الحيوانية فينا، والتحول نحو النزعات الإنسانية.. وهذا يعني السيطرة التامة للفكر، والقيم، على الغرائز، بدلا عن سيطرة الغرائز، كما هو الحال عند الحيوان، والى حد كبير عندنا نحن، حتى الآن.. ولأن حكم وقتنا الجديد، يقتضي السلام، فإن أهم ما ينبغي أن نتحول عنه، من نزعاتنا الحيوانية، هو (العدوانية)، والتي تعبر عن نفسها، بصور عديدة، أهمها، وأخطرها، الاتجاه الرهيب جدا، والمكلف، والخطير جدا، الى التسلح وعسكرة الحياة، والذي يسود جميع دول العالم!! فعلى الرغم من أننا فقدنا المخالب، والأنياب، التي كانت لنا في الغابة، إلا أننا لم نتخلص منها، وإنما استعضنا عنها، بمخالب وأنياب، أكثر فتكا، بكثير جدا من تلك التي كانت لنا ونحن في الغابة!!
    رغم كل التطور الخارجي، إلا أن قانون الغابة لايزال هو السائد - صحيح أن هنالك الكثير من التلطيف - لكن لم يتم تجاوز قانون الغابة، في مجتمعنا هذا المتحضر!! والقاعدة الاساسية في قانون الغابة هي أن القوة تصنع الحق وتتقاضاه..
    فللقوي حق طبيعي على الضعيف يستحقه لمجرد قوته..ويتقاضاه بقوته.. هذه هي شريعة الحيوان، ولا نزال نحن نعتقد فيها، ونعمل بها.. ولا يزال اسلوب الهيمنة، الذي يقوم عليه مجتمع الحيوان، في الغابة، هو الأسلوب السائد في مجتمعنا المتحضر!! ولا تزال، في مجتمعنا، الحيوانات الصغيرة، والضعيفة، عليها أن تعيش على فضلات الحيوانات القوية!!

    نهاية الحرب:
    لقد خدمت الحرب الحضارة البشرية، خدمة جليلة، ما كان يمكن أن تتم من دونها.. أما اليوم فقد استنفدت الحرب حكمة دخولها في حياة البشر، وفارق فيها الرضا الإرادة، وأصبحت عاجزة عن أن تقدم اي شيء ايجابي للبشر.. وقصارى ما يمكن أن تؤديه، هو أن تقود المتحاربين الى طاولة المفاوضات.. وهذا امر يمكن أن يصلوا إليه دون الحرب.. ولكن حتى الآن، لم يتم فهم هذه الحقيقة، رغم وضوحها، ورغم أنها ظهرت منذ وقت طويل.. فهي قد ظهرت منذ الحرب العالمية الثانية!! يقول الأستاذ محمود: "هنالك اعتبارات جدت في تجارب البشرية جعلت الحرب غير ذات موضوع، ذلك بأنه قد ظهر جليا أنها لا تحل مشكلة، في عالم اليوم وانما تعقد المشاكل. ودلت تجربة بريطانيا أن من يكسب الحرب قد يخسر السلام فكأنه حارب لغير هدف".. وقد عبرعن هذا الوضع، عالم الاستراتيجية، الميجر فللر FULLER ، عندما اختار لحديثه عن الحرب العالمية الثانية، عنوان (الهزيمة عبر النصر) وقد كان ونستون شرشل يرى ان هذا التحول قد بدأ منذ الحرب العالمية الأولى، فهو قد قال: "إن هذا الانتصار الغالي، والعزيز، الذي تحقق، لا يكاد يتميز عن الهزيمة"!! .. ومنذ ذلك التاريخ والى اليوم، لا تزال الحروب دائرة، ولا يزال فشلها في حل المشكلات مستمرا!! ومن أبرز المعالم: حرب فيتنام، وحروب الشرق الأوسط، وحروب السودان الداخلية..الخ.. وقد كان يعتقد أن أمريكا، قد استفادت من تجربة، فيتنام، إلا أنها عادت وكررت التجربة في العراق، ولم تختلف النتيجة كثيرا.. والقاعدة: كل تجربة، لا تورث حكمة، تعيد نفسها، بصورة من الصور، يقول تعالى: (أو لا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة، أو مرتين، ثم لا يتوبون، ولا هم يذكرون!؟)
    ولقد ادرك، هذا التحول الخطير، المؤرخ الكبير آرنولد توينبي، فأعلن نهاية، عهد (المنقذ بالسيف).. فاليوم، لا انقاذ إلا بالسلام.. ولكن عمليا، الحرب لن تبارح موقعها بصورة تامة، إلا بعد مجيء بديلها.. الحرب اصبحت الباطل الزاهق، والسلام هو صاحب الوقت الجديد، فهو الحق الذي باكتماله، يكتمل، باطل الحرب، فتزهق (جاء الحق، وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا)..هذا أمر يفرضه الواقع، ولن يكون عدم الاستجابة له بلا ثمن!! أعتقد انه اصبح مفهوما، أننا عندما نتحدث، عن الواقع، أنما نتحدث عن الارادة الإلهية، فالواقع من حيث هو لا يفرض شيئا، ولكن الارادة الإلهية، من وراءه هي التي تفرض..ونحب أن نذكر هنا، بموضوع الفاعل المباشر والفاعل الحقيقي!! والله تعالى يسير الحياة اليه، من خلال قانون المعاوضة في الحقيقة، وقانون المعاوضة في الشريعة.. فمن لا يستجب لقانون المعاوضة في الشريعة، والذي يقوم على مخاطبة الفكر، يحتاج الى حديث النفس، بدلا عن حديث العقل، وحديث النفس يقوم على الألم.. فاللجوء للعنف والحرب في الوقت الحاضر، لا يؤدي إلا للمعاناة، والألم، ثم هو دون طائل، وسيكون الأمر كذلك، إلى أن يتم الفهم، واللجوء للعقل، وللغة الحوار والسلام.. فمن لم يسر الى الله بلطائف الاحسان (العقل) قيد اليه بسلاسل الامتحان.. فويلات الحرب غير المجدية، هي سلاسل الامتحان، التي تقود الى لطائف الاحسان.. فمن الخير للبشرية، جمعاء، ولكل فئة من فئات المجتمع البشري، اللجوء مباشرة الى اساليب الفكر، والحوار الفكري، واساليب السلام، لحل المشكلات، وإلا فإنهم سيعانون، أشد صنوف المعاناة، دون طائل، ثم لابد لهم من السلام، وقيم السلام.. فكما يقول تعالى، في الحديث القدسي، لسيدنا داؤود: "فإن لم تسلم لما اريد، أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما اريد"!!

    لغة الأحداث والاستجابات القاصرة:
    إن الأحداث التي تجري في الواقع هي خطاب.. خطاب مباشر للعقل، وخطاب للعقل عن طريق النفس، عندما لا يفهم العقل مباشرة.. إن الواقع يفرض على الفكر البشري، وعلى الحياة البشرية تحديا يجعل من المستحيل أن يكون هنالك استقرار، ما لم تكن الاستجابة في مستوى التحدي.. فالاستجابات القاصرة، لا يمكن إلا أن تفشل، وهي لا تضيف للبشر إلا مزيدا من المعاناة، فمن الخير للبشرية أن تفشل سريعا.. ولقد تحدث الاستاذ محمود عن حتمية فشل بعض التجارب القاصرة، مثل الماركسية والقومية العربية والاسلام السلفي، وفي النهاية الحضارة الغربية بشكل عام.. ونحن هنا نورد بعض المقتطفات، في هذا الصدد.. فقد كانت حركة الجمهوريين، تعتبر الشيوعية الدولية هي الخطر الماثل، على السلام العالمي، ولذلك ركزت على كشف هذا الخطر تركيزا شديدا، كما ركزت على محاربة دعوة القومية العربية، كدعوة متخلفة، ولما تقوم به من دور في خدمة الشيوعية الدولية، خصوصا على يدي السيد جمال عبد الناصر في مصر.. وقد تحدث الأستاذ محمود، عن ذهاب عبدالناصر في كتابه مشكلة الشرق الأوسط 1967م، وضمن ما جاء من أقواله: "إن أعمال جمال عبدالناصر الآن، وكتابات محمد حسنين هيكل جميعها، تستهدف تبرير زعامة جمال بإيجاد كباش الفداء الذين يحملون وزر الهزيمة، ثم يمضي جمال زعيما كما كان.. فإن جاز هذا التضليل فإن العرب مقبلون على نكبة رابعة، ما من ذلك بد.. ولكن هذا التضليل لن يتم، ولن يجوز، لأن جمال عبد الناصر قد أنى له أن يذهب.. وهو ذاهب، ما في ذلك ريب، مهما شق هذا الأمر على الشيوعية الدولية، ومهما حاولت هذه الشيوعية أن تضلل الشعوب العربية عن حقيقة قصور زعامة جمال عبدالناصر.. جمال ذاهب لأن حكم الوقت الحاضر يتطلب ذلك.." .. "وجمال عبدالناصر، وهو داعي، ومفلسف للقومية العربية، يقف اليوم كأكبر عقبة في سبيل عودة الاسلام الى الأمة العربية - ذلك بأن باطل القومية العربية يشبه الحق و لا يسهل كشفه، ولا الاحتراز منه، وجمال بنى مجده، وبطولته، وشعبيته على باطل القومية العربية، ومن أجل ذلك أصبح ذهابه ضرورة تمليها مصلحة العرب خاصة، في المكان الأول، ومصلحة البشرية عامة، في المكان الثاني. فليذهب، وليبارك الله له وللعرب في ذهابه، وفي عواقب ذهابه.. فقد كان حسن النية، ولكن حسن النية وحده لا يكفي لاسعاد الشعوب. فلا بد من سعة الثقافة، ودقة الفكر، وقوة الخلق."
    أما عن تصدع الاتحاد السوفتي، وانهياره، فققد جاء من كتاب (السادات) الصادر في يناير 1982م مانصه: "ويعمل السوفيت على التوسع والهيمنة، بدوافع خطيرة!! فهم لن يستطيعوا أن يصمدوا طويلا أمام الحرب الباردة، التي دخلوا فيها مع الغرب، والتي لم تخف وطأتها إلا لفترة الوفاق القصيرة.. وحال السوفيت في العجز عن الصمود إنما هو دائما حال الدكتاتوريات في مواجهة الديمقراطيات، حيث تفتقر الأوليات الي تماسك جبهتها الداخلية..".."ورد الفعل الطبيعي لتصدع السوفيت الداخلي هو اندفاعهم وبسرعة جنونية للسيطرة على مناطق النفوذ الاستراتيجية في العالم، وذلك مع غياب المسئولية الاخلاقية، عندهم، نحو السلام العالمي.. وذلك مما قد يعجل بالمواجهة المباشرة بينهم وبين الغرب.. غير أنهم مقضي عليهم بالإنهيار، سالموا أو حاربوا"!!
    أما الفكر الاسلامي السلفي، والغرب الرأسمالي، والحضارة الغربية عموما، فسينصب جل نقدنا عليهما، ولذلك نرجيء الحديث عنهما، الى حينه.

    المادة والروح:
    إن من أكبر، وأهم، المتغيرات، والتي سينبني عليها الكثير جدا، والهام جدا، التغيير الذي يتعلق بالنظرة المادية للكون، وللحياة.. فالحضارة الغربية حضارة مادية، في جوهرها، وقد ظل التفكير المادي، سائدا فيها، منذ عصر النهضة، والى اليوم.. وقد تأثر هذا التفكير، بتطور العلوم الطبيعية، تأثرا كبيرا، منذ نيوتن، وحتى نسبية اينشتاين.. وقد كانت النظرة العلمية السائدة للكون، قبل اينشتاين، هي النظرة الميكانيكية، التي تنظر الى الكون كآلة كبيرة، تحكمها قوانينها الداخلية، المنتظمة، والحتمية.. وتحت سيادة هذه النظرة جاء رد لابلاس على نابليون، عندما سأله عن موضع الله، في تصورهم هذا للكون، فقد رد لابلاس بأن الله، فرضية، لا توجد حاجة اليها!! ولكن كل ذلك قد تغير بصورة جذرية، بعد نظرية النسبية، ونظرية الكم.. ولكن هذا التغيير الأساسي في مجال العلم، لم ينعكس حتى الآن، بصورة ايجابية، على مجال الفكر، ومجال الحياة.. وأهم ما يعنينا هنا، نظرية اينشتاين، عن التكافؤ بين المادة والطاقة، فهي قد اثبتت بصورة علمية، نهائية، أن المادة ليست أصل الكون، ليس ذلك فقط، وانما اكثر منه، انها هي نفسها اساسا غير موجودة بصورتها المعروفة، إلا في الظاهر، الذي يقوم على وهم الحواس!! وهي مظهر لشئ وراءها، هو الطاقة.. والطاقة هي الروح بالنسبة للمادة يقول الأستاذ محمود، في هذا الصدد: "إن العلم التجريبي الحاضر قد خدم البشرية على هذا الكوكب خدمات لا تحصى، ولكن هناك خدمة لم نتفطن، الى الآن، الى حقيقة عظمتها، وتلك هي انه باطلاق الطاقة الذرية، بتفتيته للذرة، فقد لفت نظرنا الى أن البيئة التي عاشت فيها الأحياء، قبلنا، ونعيش فيها نحن اليوم، ليست في حقيقتها مادية، وإنما هي روحية ذات مظهر مادي.. بل إن المادة، كما نعرفها، ونألفها، ليست هناك، وإنما هي وهم من أوهام الحواس، وعندما ردها العلم الحديث الى أصولها الأولية انقلبت الى طاقة تدفع وتجذب في الفضاء، والعلم الحديث قد عرف خصائص هذه الطاقة، ولكنه عجز عن معرفة كنهها، ووقف عند عتبة الكنه عاجزا لايبدي، ولا يعيد، ولا يدعي، لأنه أحق من يفهم أن مقامه عند هذه العتبة، وأنه لا يستقيم مع كرامة نفسه عنده، أن يدعي لها ما لا يكون ابدا.
    البيئة التي نعيش فيها الآن، إذا، قد برهن العلم المادي التجريبي الحديث نفسه على أنها ليست مادية وإنما المادة مظهر لشئ وراء المادة. وهذا الشئ الذي وراء المادة يعبر الاسلام، عن أدنى منازله من المادة، بالروح، أو إن شئت التعبير الحديث، قل بالفكر.. فالبيئة التي نعيش فيها فكرية، تجسدت فيها الأفكار، واتخذت مظهرا نسميه نحن المادة.. ومن ثم فالوحدة البشرية التي تطلب البيئة الجديدة الى الانسانية تحقيقها انما سبيلها الفكر.. فالناس يختلفون في اللون، وفي الاقليم، وفي اللغة، وفي العنصر، وفي العقيدة، ولكنهم، كلهم، يلتقون في العقل. فإن الانسان في أدنى مراتبه من منازل الحيوان، قد تميز عنه بالعقل، وهو لا يدخل حظيرة الانسانية الا به - فيما عدا الحالات الطارئة" كتاب مشكلة الشرق الأوسط اكتوبر 1967م -
    إن الفهم الجديد للبيئة، يطلب منا أن نتوائم مع ظاهرها المادي، وباطنها الروحي، في آن معا، على أن نعلم أن الروح هي الأصل، والمادة فرع، وهذا الفهم وما ينبني عليه من توائم مع البيئة، هو ما لا يمكن أن توفره الحضارة الغربية، وذلك لأنها حضارة ذات بعد واحد، هو البعد المادي.. وهذا يشكل السبب الأساسي في فشلها، ويجعلها في أشد الحاجة، لنفخ الروح، في هيكلها المادي العملاق.

    الإنسان أولا:
    يقول الأستاذ محمود: "ويجمل بنا هنا أن نقرر حقيقة، كثيرا ما قررناها، ولكن تكرار تقريرها مرجو الفائدة دائما.. تلك الحقيقة هي: أن ليست هناك غاية في ذاتها إلا الإنسان.. وكل شئ في الوجود إنما هو وسيلته، بما في ذلك القرآن، والاسلام، والتشريع"..ويقول: "إن حكم الوقت يجعل آيات النفوس، أهم من آيات الآفاق". ويقول: "إننا نعيش في عصر العلم، والفكر - في عصر التكنلوجيا، وعصر الفضاء، وعصر دقائق العلم بخواص المادة، ونستقبل، كل يوم، مزيدا من دقائق العلم بكل أولئك - وليس هذا العلم هو حاجتنا بالأصالة، وإنما هو حاجتنا بالحوالة.. وما حاجتنا بالأصالة إلا للعلم بدقائق النفس البشرية.. نحن نبحث عن أنفسنا - نريد أن نجدها، وأن نعرفها، وأن نكون في سلام معها - هذا هو العلم الحقيقي الذي سيتوج العلم المادي الحاضر ويوجهه.."..إذا فالانسان أولا، وقبل كل شئ، وبعد كل شئ.. ومعادلة التغيير، التي تقتضيها تحديات الواقع، لا تكون سليمة إلا إذا اتجهت الى تغيير الانسان نفسه، قبل كل شئ، وأي عمل لايتجه الى تغيير الانسان، يكون عملا في معالجة أعراض المرض، دون المرض نفسه.. أو المحاولة لتقويم الظل، والعود أعوج!! يجب أن يكون هدفنا ومعيارنا الأساسي، في التغيير، هو العمل على تحقيق انسانية الانسان.. هذا هو واجب كل فرد، وواجب كل مجتمع.. وينبغي أن يكون هو المعيار الأساسي للتقدم.. إننا نتحدث كثيرا عن الحقوق، ولا نكاد نحقق شيئا مما نتطلع اليه منها، والعلة الأساسية في ذلك، هي أننا نهمل الواجب!! بل أن مجرد تصورنا النظري للواجب، قاصر أشد القصور.
    هذا عرض عام، موجز، للأسس التي يقوم عليها تصور الاسلام للواقع، وللأساس الذي تقوم عليه قراءة الواقع، مع بعض النماذج الأساسية، لقراءة الواقع الحضاري السائد، وما يفرضه من تحديات أساسية.. والحديث على قصره، وتركيزه على القضايا الأساسية وحدها، إلا أنه، قي تقديري، كاف، لوضع الأساس، لنقد الواقع، وبيان ما هو متحول نحو الزوال، وماهو منتظر، أن تكون له السيادة، في الواقع الجديد المقبل، والذي يتشكل الآن في رحم الواقع الحاضر.. والتفاصيل ستتضح في الحلقات القادمة.. وما نحب أن نختم به هو، إن من لا يستطيع أن يقرأ الواقع قراءة صحيحة، يستحيل في حقه أن يستجيب لتحديات هذا الواقع، استجابة سليمة.. وهذا يصلح أن يكون اساسا، لنقد الأفكار، التي تطرح نفسها للتطبيق، في إطار الواقع القائم، أو التي هي مطبقة بالفعل.


    خالد الحاج عبد المحمود
    رفاعة في 25/5/2008
                  

09-11-2008, 09:37 PM

Masoud

تاريخ التسجيل: 08-11-2005
مجموع المشاركات: 1623

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الإسلام كنظرية نقدية (Re: Omer Abdalla)

    شكراً يا خالد.
    شكراً يا عمر.
    رمضان كريم!
                  

09-15-2008, 09:12 PM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الإسلام كنظرية نقدية (Re: Masoud)


    أخي الأستاذ مسعود
    تحية طيبة ورمضان كريم
    تسعدني متابعتك
    عمر
                  

09-15-2008, 09:49 PM

عبداللطيف حسن علي
<aعبداللطيف حسن علي
تاريخ التسجيل: 04-21-2008
مجموع المشاركات: 5455

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الإسلام كنظرية نقدية (Re: Omer Abdalla)

    وين هو الاستاذ خالد الحاج ؟
                  

09-16-2008, 10:51 PM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الإسلام كنظرية نقدية (Re: عبداللطيف حسن علي)


    أخي الأستاذ عبد اللطيف
    تحية طيبة
    Quote: وين هو الاستاذ خالد الحاج ؟

    الأستاذ خالد موجود في رفاعة وهو يكتب من هناك
    شكرا على السؤال والإهتمام
    عمر
                  

09-15-2008, 09:38 PM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الإسلام كنظرية نقدية (Re: Omer Abdalla)

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الاستاذ محمود محمد طه في الذكري الثالثة والعشرين
    محاولة للتعريف باساسيات دعوته
    (( وإنا أو إياكم لعلي هدى أو في ضلال مبين.)) صدق الله العظيم

    "والتبشير بالإسلام أمر يتطلب أن يكون المبشر ، من سعة العلم بدقائق الإسلام ، و بدقائق الأديان ، والأفكار ، والفلسفات المعاصرة ، بحيث يستطيع أن يجري مقارنة تبرز إمتياز الإسلام على كل فلسفة إجتماعية معاصرة ، وعلى كل دين، بصورة تقنع العقول الذكية.. "
    الأستاذ/ محمود محمد طه

    إلاسلام كنظرية نقدية
    نقد الواقع


    الواقع من حيث الدين
    لقد ظل الدين عبر تاريخ البشرية الطويل، العنصر الأساسي، في تشكيل حياة الناس، وتوجيهها، وهو سيظل كذلك، ما بقي في الأرض بشر.. والإنسان متدين بطبعه، فهو لا يستطيع إلا أن يكون على دين ما.. ونحن هنا سنتحدث عن الدين بمعناه العام.. الدين كعقيدة في إطار توجيه ما، وموضوع عبادة ما.. هذا بالنسبة للتوحيد أمر واضح جدا.. فوفق الإسلام العام، لا يوجد مخلوق يمكن أن يخرج عن الدين.. فجميع الخلائق مسلمة لله، خاضعة لإرادته.. أما بالنسبة للإنسان ـ على المستوى الخاص ـ لا يوجد إنسان ـ بين عقله الواعي وعقله الباطن ـ يخلو من الإيمان.. فالكافر ليس معدوم الإيمان، وإنما هو من من يغلب كفره على إيمانه، يقول تعالى: (بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون).. فموضوع الكفر والإيمان دائما موضوع نسبي.. فلأن جميع الخلائق قيوميتها بالله، فلا يمكن أن يكون هناك غياب تام للإيمان!! يقول تعالى: (وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه)، وهذا قضاء نافذ في القدر، الآن، وفي كل آن، كل ما هنالك أن معظم الناس يتوجهون بعبادتهم، إلى تجلي من تجليات الله، فيعبدون الله، في مظهر من مظاهر قدرته.. فعبادة غير الله، في الحقيقة، أمر مستحيل تماما، وذلك لسبب بسيط، هو أنه، في الحقيقة، لا يوجد غيره!! فكل ما يدخل الوجود يدخل بإرادته تعالى، وإرادته ليست غيره.. فمن يتوجه بعبادته، لتجلي من تجليات الله، دون ذاته ، هو يحجب الذات بمظهر من مظاهرها، وهذا هو الكفر ـ الحجب أو التغطية ـ فالعبادة الحق، ينبغي أن تتوجه إلى الذات، وكل ما عداها، هو في مقام الوسيلة.. فالإسلام دين، والكفر دين.. يقول تعالى لنبيه، من سورة الكافرون: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ* لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ) .. الى أن يقول: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِين).. فللنبي الكريم دين وللكافرين دين!! والاختلاف الأساسي بين الدينين، في "التوحيد".. فالألوهية هي اصل أي دين، وكل دين.. فالمؤمنون إلههم الله، والكافرون إلههم غير الله.. وقد يكون إله الكافرين (الهوى).. يقول تعالى: (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلا) (الفرقان 43).. المهم أن كل ما عدا الذات وسيلة إليها، فينبغي أن يتخذ كوسيلة، ولا ينظر إليه كغاية أو كغير، فيكون حجابا .. والوسائل بعضها أكمل من بعض، وأقرب من بعض، في التوسل بها إلى الله، يقول تعالى: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ..)
    فالقضية، كما يقول اريك فروم، ليست دين أولا دين، وإنما القضية أي دين!؟ فالدين سلاح ذو حدين.. وهذا ينطبق على جميع الأديان.. أديان الكفر وأديان الإيمان في ذلك سواء.. وكلا الحدين، خطير جدا، في فعاليته وفي آثاره.. فالحد السلبي، إذا استخدم يكون خطيرا جدا، في تدمير الفكر، وتدمير الحياة، وانحطاطها.. والحد الايجابي إذا استخدم، يكون خطيرا جدا في آثاره الايجابية، في تنمية الفكر، والارتقاء بالحياة، وبالقيم الانسانية.
    عن تعريف الدين، بمعناه العام، يقول المفكر الأمريكي إريك فروم: "إنني أفهم الدين بأنه أي مذهب للفكر والعمل، تشترك فيه جماعة ما، ويعطي الفرد، إطارا للتوجيه، وموضوعا للعبادة".. ويقول: "لا توجد بكل تأكيد حضارة في الماضي، ويبدو أنه لا يمكن أن توجد حضارة في المستقبل، دون أن يكون لها دين بهذا المعنى الواسع الذي يذهب اليه تعريفنا، ومهما يكن من أمر، فلسنا بحاجة الى الوقوف عند هذه العبارة الوصفية وحدها، ذلك أن دراسة الإنسان تسمح لنا بإدراك أن الحاجة الى مذهب مشترك للتوجيه، وإلى موضوع للعبادة، هذه الحاجة تضرب بجذورها عميقا في أحوال الوجود الانساني".. ويقول أيضا: "ولأن الحاجة الى مذهب للتوجيه وللعبادة جزءا جوهريا من الوجود الإنساني، يمكننا أن نفهم عرامة هذه الحاجة. والحق لا وجود في الإنسان لمصدر للطاقة، أقوى من هذا المصدر. فليس الانسان حرا في أن تكون له مثل عليا، أو لا تكون له، ولكنه حر في الاختيار بين ضروب المثل العليا المختلفة: بين أن يكرس نفسه لعبادة القوة والتدمير أو العقل والحب.. الناس جميعا (مثاليون)، هم يتطلعون الى شيء ما وراء الحصول على الإشباع الجسدي، ولكنهم يختلفون في أنواع المثل العليا التي يؤمنون بها" .. الى أن يقول: "وما قلته عن نزعة الانسان المثالية تصدق ايضا على حاجته الدينية، فلا وجود لإنسان بغير حاجة دينية.. حاجة أن يكون له إطار للتوجيه وموضع للعبادة، بيد أن هذا القول لا يخبرنا عن سياق خاص، تتجلى فيه هذه الحاجة الدينية، فقد يعبد الانسان الحيوانات أو الأشجار أو الأصنام من الذهب والحجارة، أو الها غير منظور، أو انسانا مقدسا، أو زعماء شياطين، وربما عبد أسلافه، أو أمته، أو طبقته أو حزبه، أو المال أو النجاح، وقد يؤدي به دينه الى تطوير روح الدمار أو الحب، الى التسلط أو الإخاء، أو ربما ضاعف من قوة عقله، أو أصابها بالشلل، وقد يدرك أن مذهبه مذهب ديني، يختلف عن المذاهب الدنيوية، أو قد يظن أنه لا يملك دينا، وأنه يكرس نفسه لأهداف دنيوية مزعومة كالقوة أو المال أو النجاح، ليست شيئا سوى اهتمامه بالعمل والمنافع، والمسألة ليست دينا أو لا دين، بل (أي نوع من الدين)، هل هو من النوع الذي يساعد على تطور الانسان، وعلى الكشف عن قواه الانسانية الخاصة به كإنسان، أم هو النوع الذي يصيب القوة بالشلل"!!
    هذا التمييز بين النوعين من التدين، ينطبق على كل دين، سواء أن كان دينا سماويا، أو أرضيا.. ونحن للتمييز بين النوعين، سوف نستخدم للحد السلبي من الدين و(الذي يصيب القوة بالشلل)، مصطلح (الهوس الديني)، مقابل (الدين) للحد الايجابي، الذي (يساعد على تطور الانسان، وعلى الكشف عن قواه الانسانية الخاصة به كانسان).
    وكملاحظة عامة، إن السائد في وقتنا الحاضر، هو الحد السلبي للدين (الهوس الديني)، وهذا ينطبق على الأديان السماوية، كما ينطبق على الأديان الأرضية.. فما هو سائد بين جميع أصحاب الأديان الكتابية، هو الهوس الديني.. وما هو سائد بين جميع أصحاب الأديان الأرضية، هو الهوس الديني، وكنموذج لهذا الأخير، يمكن أن ننظر في اليمين السياسي المتطرف، وتحالفاته مع الهوس الديني المسيحي واليهودي.. ونحن لما كنا سنناقش الحضارة الغربية، كموضوع أساسي لكتابتنا هذه، فسنترك موضوع الهوس الديني فيها، الى وقته.. وسيكون تركيزنا هنا على الهوس الديني، بالنسبة للأديان السماوية ـ الأديان الكتابية ـ وبصورة خاصة الاسلام.
    بالنسبة للأديان السماوية، الناس يكونون في حالة من حالتين: إما عهد (بعثة) أو عهد (فترة).. عهد البعثة، تكون فيه السيادة للدين الايجابي، وعهد الفترة، هو وقت انحطاط الدين، وتكون فيه السيادة للهوس الديني.. ويلاحظ أنه في عهد الفترة، وبصورة عامة، عبر التاريخ، يكون الذين يمثلون الدين الرسمي، أكثر انحطاطا من غيرهم، بمقاييس الدين، فهم في غالب أحوالهم، إما يسعون للسلطة الدنيوية، والثروة، باسم الدين، أو تستخدمهم السلطة لإعطاء غطاء ديني، لتجبّرها وظلمها الناس.. وموضوع زمن البعثة، والفترة، مأخوذ من قوله تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ).. ( المائدة 19 ) .. (على فترة من الرسل)، يعني فترة انقطاع من ارسال الرسل، وهي الجاهلية.. فالحياة البشرية، من حيث الدين، دائما تكون بين سفح وقمة، وهي عندما تكون في السفح إنما تحتشد لتقفز الى القمة، وتكون القفزة بقدر هذا الاحتشاد في السفح.. وإنما يمثل السفح التقدم المادي للمجتمع البشري، وتمثل القمة تقدمه الروحي.. فالله تعالى يسير الحياة اليه من خلال رجلي المادة والروح، وهما شيء واحد، ليس بينهما اختلاف نوع، وإنما اختلاف مقدار.. ويشهد وقتنا الحالي، أكبر عملية احتشاد، عبر التاريخ البشري، فقد قدمت الحياة في اطار الحضارة الغربية، رجل المادة، واعتمدت عليها، وهي توشك أن تقدم رجل الروح، بقيام عهد بعثة جديد، يتناسب مع عهد الفترة القائم.. ولما أصبحت ضرورة الميلاد الجديد أمرا مشعورا به، فقد كثرت الدعاوى الكاذبة، واستشرى الهوس الديني، وتزايد عهد الأنبياء الكذبة.. وهذا أمر طبيعي، فقبيل الفجر الحقيقي، لابد من الفجر الكاذب.
    فالواقع من حيث الدين، أو من حيث تقديم رجل الروح، أمره واضح جدا.. فالهيمنة لرجل المادة، بصورة تكاد تكون مطلقة.. وقد فارقت الأديان السماوية قيمها عند الناس، ولم يبق منها إلا الهوس الديني.. والأديان السماوية التي لها وجود، مؤثر في الأرض، هي الأديان الكتابية: اليهودية، والمسيحية والاسلام.. وجميع أصحاب هذه الأديان، إلا ما رحم ربي، قد تحولوا من الدين الى الهوس الديني، على تفاوت بينهم في ذلك.. فهم جميعا، قد نصلوا عن دينهم الحق منذ زمن طويل، ولم يبق لهم منه إلا القشور- المظاهر والطقوس.. أما القيم السائدة بينهم، فهي قيم الحضارة الغربية المادية.. قيم السوق!! فالمتدينون، يظهرون الدين، ويبطنون الدنيا، وينطلقون في معاملاتهم، على أساس من الدنيا.. وقد أدركتهم النذارات التي أنذر بها المعصوم، عليه أفضل الصلاة، وأتم التسليم، هذه الأمة في أخريات أيامها.. نورد من هذه النذارات قول المعصوم: (لتتبعن سنن من كان قبلكم، شبرا، بشبر،وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب خرب لدخلتموه!! قالوا: أأليهود والنصارى؟؟ قال: فمن) يعني من غيرهم.. وقد أوردنا هذه النذارة بالذات، لأنها تشمل أصحاب الأديان الكتابية الثلاثة.. فاليهود والنصارى، بحكم أسبقيتهم الزمانية، سبقوا المسلمين، في النصول عن دينهم، والآن لحق بهم المسلمون، فأصبحوا جميعا في مركب واحد ليس لديهم من الدين إلا الهوس..
    ونحن هنا، سنجري مقارنة، بين دعوة الأستاذ محمود للإسلام، وبين المسيحية، والفرق الاسلامية المختلفة.. وستكون هذه المقارنة من خلال منظور الدين، والهوس الديني، أو الدين في حده الايجابي، وفي حده السلبي.. والمعيار الذي سنتخذه للدين، هو حياة النبي محمد عليه أفضل الصلاة، وأتم التسليم، التي تجسد قيم الدين في الفكر وفي الحياة، في قمة.. والهوس الديني بصورة عامة، هو كل تجمع أو نشاط، يتم باسم الدين، وهو مفارق لقيم الدين، التي نموذجها حياة المعصوم.. والموضوع يدور حول محورين أساسيين: التوحيد، والمعاملة والقيم، وهما وجهان لشيء واحد.
    وأعتقد أننا، بجعلنا حياة محمد، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، هي معيار الدين الحق، نكون منصفين، خصوصا بالنسبة للفرق الاسلامية، التي تشترك جميعها في العقيدة حول النبي الكريم، أوهكذا ينبغي أن يكون الأمر .. ثم إننا عندما نرفع النموذج النبوي، فنحن ننسجم مع دعوتنا، التي تعتبر النبي أعظم تجسيد للدين الإنساني، وهو عندنا، يجسد خلاصة تجربة الدين في الأرض منذ أن كان الدين، ولذلك دعوتنا تقوم أساسا، على دعوة كل الناس، لاتباع طريقه.. وعلينا نحن تقع مسئولية الايضاح في هذا الأمر.
    والمقارنة بين الدين، والهوس الديني، تنطلق من الواقع الحضاري، وتحدياته.. فالدين لا يبعث في فراغ، وإنما في إطار واقع محدد، له امكانات محددة، ومشاكل محددة، لا يمكن أن يتم بعث ديني، دون مراعاتها.. فمن أكبر، وأهم مظاهر الهوس الديني، الى جانب ضعف التوحيد، وضعف القيم، العجز الفاضح عن تصور تحديات الواقع، وبالتالي العجز عن الاستجابة لها.. فتحديات الواقع هي المعيار الأساسي، في التمييز بين الدين والهوس الديني.. ويستحسن أن نصطحب معنا، في هذا الصدد، عبارات الأستاذ محمود، التي يقول فيها: "وفي الحق، أن الدين، سواء أن كان مسيحية أو اسلاما، إن لم يستوعب كل نشاط المجتمع، ونشاط الأفراد، ويتولى تنظيم كل طاقات الحياة الفردية والجماعية، على رشد وعلى هداية، فإنه ينصل من حياة الناس، ويقل أثره، ويخلي مكانه لأي فلسفة أخرى، مهما كان مبلغها من الضلال، ما دامت هذه الفلسفة قادرة على تقديم الحلول العملية لمشاكل الناس اليومية، أو حتى ما دامت قادرة على تضليل الناس، الى حين، باسم خدمة مصالحهم المعيشية، فإن الناس، ما داموا أصحاب معدات وأجساد، يجب ألا تهمل دعوتهم الى الفضيلة حاجة معداتهم وأجسادهم، بل إن المعرفة بطبائع الأشياء تقضي بأن تكون دعوتهم الى الفضيلة عن طريق معداتهم وأجسادهم.. "

    خالد الحاج عبدالمحمود
    رفاعة في 4/9/2008
                  

09-15-2008, 10:44 PM

نادر

تاريخ التسجيل: 11-27-2002
مجموع المشاركات: 3427

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الإسلام كنظرية نقدية (Re: Omer Abdalla)

    تحية وسلام أخي عمر عبد الله وزوار بوستك الممتع
    ثم بعيدا عن هذا الموضوع الدسم وقريباً من الأستاذ المفكر خالد الحاج، فقد حظيت بلقائه في رفاعة قبل عام من الآن، ولم تسعفني الظروف للجلوس معه طويلاً فقد كانت جلسة عامة للأخوان الجمهوريين، وكان هو على عجلة من أمر يخصه بعدهافانصرف، وها أنا ذا التقيه عبر هذه المقالات الرائعة ولساني حالي يقول "أيخرج كل هذا الفكر الثاقب من ذاك السوداني البسيط جدا الذي يرتدي جلباباَ عادياً ويتجول بين الأخوان في تواضع جم وبساطة مدهشة" لله درك يا خالد الحاج وتحياتي من البعد آملاً أن تسعفني الظروف في لقائك مرة أخرى
                  

09-16-2008, 11:00 PM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الإسلام كنظرية نقدية (Re: Omer Abdalla)


    الوريف نادر
    التحايا النواضر ورمضان كريم
    الإستماع للأستاذ خالد وهو يتحدث تجربة فريدة أرجو ان تتاح لك الفرصة للأستمتاع بها في مقبل الأيام ..
    وتجدني سعيد بمتابعتك واستمتاعك بهذا الخيط فهي كتابة فكرية عميقة وجادة ولا تجد رواج الكتابات السريعة والخفيفة التي تزاحم صفحات المنتدى ..
    يمكنك الاستماع لمحاضرة شارك في تقديمها الأستاذ سعيد الطيب شايب عليه رضوان الله ورحمته وسلامه والأستاذ خالد الحاج من الوصلة التالية:
    http://alfikra.org/talk_view_a.php?talk_id=56
    تحياتي لبنت الحسين وللصغير محمود
    عمر
                  

09-18-2008, 09:16 PM

Hamza Abdelghani

تاريخ التسجيل: 02-22-2008
مجموع المشاركات: 210

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الإسلام كنظرية نقدية (Re: Omer Abdalla)

    الاخ عمر

    فعلا حديث القلب للقلب.
    تحياتنا للاستاذ خالد الحاج و يقدم المعني الحقيقي للاسلام في زمن ارتبط فيه اسم الاسلام بكلما هو عنيف ومتلف.
    الاستاذ خالد تحدث عن ان الغايه من الوجود هو الانسان.
    ممكن لو سمحت اخ تقدم تفاصيل حول النقطة ده
                  

10-13-2008, 05:07 AM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الإسلام كنظرية نقدية (Re: Hamza Abdelghani)


    Quote: الاخ عمر

    فعلا حديث القلب للقلب.
    تحياتنا للاستاذ خالد الحاج و يقدم المعني الحقيقي للاسلام في زمن ارتبط فيه اسم الاسلام بكلما هو عنيف ومتلف.
    الاستاذ خالد تحدث عن ان الغايه من الوجود هو الانسان.
    ممكن لو سمحت اخ تقدم تفاصيل حول النقطة ده


    أخي الأستاذ حمزة
    عاطر تحياتي
    أولا شكرا على كلماتك الطيبات ..
    وثانيا اعتذر عن الغياب الطويل من المنتدى ومن ثم التأخر في الرد على تساؤلك ..
    المقصود من عبارة ان "الغايه من الوجود هو الانسان" هي أن الوجود بجميع عوالمه هو وسيلة الإنسان لتحقيق انسانيته حتى الأديان فهي ليست غاية في ذاتها وانما هي وسائل لترقية الانسان ليحقق الكمالات المقدورة له وفي قمتها العبودية التامة لله (أو قل الحرية الفردية المطلقة) .. إقرأ معي هذا الشرح من كتاب "تطوير شريعة الأحوال الشحصية":


    هذا بحث في آصل أصول الدين.. بحث في كرامة الإنسان.. والإنسان هو قمة هرم المملكة.. فإن المملكة مكونة هكذا:-
    في القاعدة الغازات ثم السوائل، والجمادات.. (بما فيها، وفي قمتها الطين والماء)، ثم النباتات، ثم الحيوانات، ثم البشر (بنو آدم)، ثم الإنسـان.. قال تعـالى في كرامـة بني آدم: ((ولقد كرمنا بني آدم، وحملناهم في البر، والبحر، ورزقناهم من الطيبات، وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا)).. وبنو آدم ليسوا قمة الخليقة، وإنما هم مرحلة من مراحل تطور الخليقة في المملكة نحو مرتبة الإنسان.. بنو آدم بالنسبة للإنسان كالحيوان بالنسبة لبني آدم.. وفي حين أن بني آدم مفضلون على كثير من المخلوقات ((وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا)).. فإن الإنسان مفضل على سائر المخلوقات.. وإنما من أجل الإنسان خلقت الأكوان، وما خلق الإنسان إلا من أجل الله.. قال تعالى في معنى خلق الأكوان من أجل الإنسان ((هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب، ومنه شجر فيه تسيمون * ينبت لكم به الزرع، والزيتون، والنخيل، والأعناب، ومن كل الثمرات.. إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون * وسخر لكم الليل، والنهار، والشمس، والقمر، والنجوم مسخرات بأمره، إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون * وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه، إن في ذلك لآية لقوم يذكرون * وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحماً طرياً، وتستخرجوا منه حلية تلبسونها، وترى الفلك مواخر فيه، ولتبتغوا من فضله، ولعلكم تشكرون * وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم، وأنهاراً، وسبلا.. لعلكم تهتـدون * وعلامات، وبالنجم هم يهتـدون))..
    وفي معنى خلق الإنسان من أجله قال تعالى: ((وذكر!! فإن الذكرى تنفع المؤمنين * وما خلقت الجن، والإنس، إلا ليعبدون * ما أريد منهم من رزق، وما أريد أن يطعموني * إن الله هو الرزاق، ذو القوة المتين)).. وقال تعالى في حق موسى ((واصطنعتك لنفسي)).. وإنما من هذه الآيات ومن تلك، قال العارفون عن لسان الحق: ((جعلت الأكوان مطية للإنسان، وجعلت الإنسان مطية لي)) وهو قول يفرع أيضا على الحديث القدسي: ((ما وسعني أرضي، ولا سمائي، وإنما وسعني قلب عبدي المؤمن)).. وعلى الآية الكريمة: ((سنريهم آياتنا، في الآفاق، وفي أنفسهم، حتى يتبين لهم أنه الحق.. أولم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد؟؟)).. ولم يكن الإنسان غائبا عن الأكوان، وإنما كان دائما طليعتها، ورأس سهم تقدمها، من لدن الغازات.. ولا يزال التقدم يطرد به، ولما يبرز لمقام عزه بعد.. قال تعالى عن تقلب الإنسان في الصـور البدائية، في الآماد السحيقة: ((هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً؟؟ * إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج، نبتليه، فجعلناه سميعاً بصيراً * إنا هديناه السبيل: إما شاكراً، وإما كفوراً)) وقوله (هـل) هنا تعني (قـد).. قد أتى الإنسان دهر دهير لم يكن فيه مذكوراً في ملكوت الله، لأنه لم يكن، خلال هذا الدهر الدهير، يتمتع بعقل التكليف.. وإنما من ههنا سقط ذكره - ((لم يكن شيئاً مذكوراً)).. وهذا الدهر الدهير يوقت تقلبه في الصور الدنيا، من أسفل سافلين حيث رد، صاعداً إلى أحسن تقويم حيث خلق.. قال تعالى: ((لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم * ثم رددناه أسفل سافلين)) و ((أسفل سافلين)) هذه هي نقطة أدنى صور تجسيد المادة.. وتسخير الأكوان له إنما معناه إعانته في سيره هذا الطويل من منفاه في البعد إلى مقامه في القرب عند الله.. كل شئ سخر لهذه الغاية.. إبليس، وذريته، والملائكة الأطهار، والرسل، والكتب، والشرائع، والقرآن بصورة خاصة.. ذلك بأن طريق الرجعى به قد بين احسن تبيين.. وهو بصورته التي بين دفتي المصحف قد نزل مؤخرا على خاتم النبيين، ولكنه، في حقيقته، ما بدأ نزوله، ولا انقطع نزوله، وإنما هو مستمر النزول، ولن ينفك.. هو في صورته التي بين دفتي المصحف قد نزل ليوجه تطور البشرية نحو الإنسانية - ليستخلص الإنسان من البشر.. وليرسم طريق رجعته إلى وطنه الذي قد طال اغترابه عنه.. انظر كيف تحكي هذه الآيات الكريمات بداية هذا الطريق، ونهايته: ((حم * والكتاب المبين * إنا جعلناه قرآناً عربياً، لعلكم تعقلون * وإنه، في أم الكتاب لدينا، لعلي حكيم)).. عبارة ((لدينا)) تعني عند الذات، حيث لا عند.. وهذه تمثل خط السير في المطلق.. والآية: ((إنا جعلناه قرآناً عربياً، لعلكم تعقلون))، تحكي طرف هذا الطريق الذي لامس أرض الناس، حيث قامت الشريعة لتنظيم حياة الأفراد، من رجـال، ونسـاء، تنظيماً يوفق توفيقاً دقيقا، ومتساوقا بين حاجة الفرد من رجل، وامرأة، إلى الحرية الفردية المطلقة، وحاجة الجماعة إلى العدالة الاجتماعية الشاملة..
    http://alfikra.org/book_view_a.php?book_id=23

    عمر
                  

10-13-2008, 05:13 AM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الإسلام كنظرية نقدية (Re: Omer Abdalla)


    بسم الله الرحمن الرحيم
    الاستاذ محمود محمد طه في الذكري الثالثة والعشرين
    محاولة للتعريف باساسيات دعوته
    (( وإنا أو إياكم لعلي هدى أو في ضلال مبين)) صدق الله العظيم
    Quote: "والتبشير بالإسلام أمر يتطلب أن يكون المبشر ، من سعة العلم بدقائق الإسلام ، و بدقائق الأديان ، والأفكار ، والفلسفات المعاصرة ، بحيث يستطيع أن يجري مقارنة تبرز إمتياز الإسلام على كل فلسفة إجتماعية معاصرة ، وعلى كل دين، بصورة تقنع العقول الذكية.. "
    الأستاذ/ محمود محمد طه


    إلاسلام كنظرية نقدية
    نقد الواقع

    الواقع من حيث الدين
    المسيحية

    المسيحية، واليهودية هما آخر ديانيتين كتابيتين، قبل الاسلام.. فقد بعث سيدنا موسى، عليه السلام، حوالي ثلاثة عشر قرنا، قبل السيد المسيح، في حين أن النبي صلى الله عليه وسلم، بعث في القرن السابع الميلادي، حوالي ستة قرون بعد السيد المسيح.. ولد صلى الله عليه وسلم في 22/ ربيع الأول عام الفيل، حوالي أغسطس 570 ميلادية، ولحق بالرفيق الأعلى في 12/ ربيع الأول للسنة الحادية عشر من الهجرة، حوالي يونيو632 ميلادية.. ومنذ ذلك التاريخ، والى اليوم ـ حوالي أربعة عشر قرنا ـ لم يتم بعث ديني، فقد نصل معتنقوا الديانات الثلاث عن دينهم، كما رأينا، وأصبح الدين الجديد السائد دين الحضارة الغربية، الذي بدأ في القرن الخامس عشر، واكتملت له السيادة، في القرن العشرين، الذي يعتبر، بحق قرن الحضارة الغربية.. ودين الحضارة الغربية، دين أرضي، دين مادي.. وهو حسب المصطلح الديني (عهد فترة) .. وهو أعظم الأديان الأرضية، على الإطلاق، وخلاصتها، وفيه لأول مرة في تاريخ الحضارة البشرية يصبح أهل الأرض جميعا، أهل دين واحد.. وهم بالطبع يتفاوتون كثيرا، في مدى تشربهم لهذا الدين.. وسيادة الدين الجديد، لا تعني أن عقائد، وطقوس الأديان السابقة، قد انتهت تماما، وإنما يعني أن الأديان القديمة، وإن وجدت كعقائد، وطقوس شكلية، لم تعد توجه حياة الناس، وإنما الذي يوجه حياة الناس هو الدين الجديد ولكن معظم أهل الأرض لا يزالون ينتسبون لأديانهم القديمة.. والآن، فإن الدين الجديد نفسه، قد أصبح موضع تساؤل، ولم يعد أصحابه على نفس صمامة العقيدة، وعلى نفس الثقة في دينهم، التي كانوا عليها، فهم لم يجدوا السعادة التي كانوا يطمحون اليها، وبدأ ينجلي بصورة كبيرة، أن الدين الجديد، رغم أنه حقق الكثير جدا، من الفتوحات العلمية، ومن الوفرة ورغد العيش، إلا أنه عجز عجزا بينا، عن حل مشكلات الانسان، بل أكثر من ذلك أضاف اليها العديد من المشكلات الجديدة، والخطيرة!! وفي الحق أن الدين الجديد لم يقصر عن تحقيق دعوته، فهو منذ البداية، كان دينا علمانيا، دعوته كلها تتعلق بالحياة الدنيا، والقيم المادية، ولكن أصحابه، كانوا ينتظرون منه أكثر مما وعد به، ومما تعطيه طبيعته، فحلموا، في إطاره، بفردوس أرضي، فيه تحل جميع مشكلات الانسان، الوجودية، والمعرفية، والحياتية، ولم يجدوا من ذلك شيئا تطمئن له نفوسهم، فكانت خيبة الأمل.. وكما فعل أصحاب الأديان السماوية السابقة، تفرق أصحاب الدين الجديد، الى فرق عديدة، متطاحنة، يكفر بعضها البعض، وقد دارت بينها حروب ضروس، لم يشهد لها مثيل، في تاريخ الأديان، ولا تاريخ الحضارة، ومن بينها، حربان وصفتا بأنهما عالميتان!! ولا تزال الحروب تدور.. وأشدها ضراوة تلك التي داخل الأفراد.
    ولما كان الدين الجديد، هو آخر الأديان، ولم يظهر حتى الآن بديل له، يستوعب الطاقات الجديد، ويحل المشكلات، فقد تمسك به أهله، بعد أن اهتزت عقيدتهم فيه بصورة كبيرة، وأصبح الكثيرون منهم يتطلعون الى خلاص، والى مخلص.. بعضهم ينتظر الخلاص من داخل الدين السائد نفسه، بأن يأتي من مسيحه المخلص ـ العلم المادي التجريبي ـ والبعض الآخر، اتضح له أن المخلص لابد أن يكون من خارج الدين السائد.. والأغلبية الساحقة انكفأت على عبادة العجل، وأغرقت نفسها، بطقوس الانتاج والاستهلاك.. مزيد من الانتاج، مزيد من الاستهلاك، وهكذا دواليك.. ولأن عبادة الانتاج والاستهلاك عبادة مكلفة نفسيا، وعائدها من حيث الطمأنينة ضعيف جدا، ووقتي، فقد تمت الاستعانة، بشتى صنوف المسكنات: الطبيب النفسي والعصبي، والتسلية الهروبية، التي تفننت في انتاجها الرأسمالية، ضمن ما تنتج من سلع، فكانت شبكة الانترنت، وقنوات التلفزيون، وما تبثه من فن وبرامج هروبية، الى جانب الخمر والمخدرات، والجنس، والمقامرة، التي أصبحت في إطار البورصة والمضاربات الرأسمالية، سمة أساسية للاقتصاد!! لقد أصبح ثالوث الدين السائد: عمل، استهلاك، قتل الوقت.
    أصبحت البشرية في مفترق طرق، وتوكدت الحاجة للخلاص بصورة كبيرة، وهي حاجة تلح كل يوم جديد بصورة أكبر.. وعند الأزمات التي تنبهم فيها السبل، وتطبق الحيرة، تزداد التطلعات الى الغيب، في انتظار مخلص يأتي من قبله.. البعض لا يزال، له بقية من ايمان بالمخلص الجديد، الذي أصبح قديما ـ العلم!! أما إننا وقد وصلنا الى الجينوم فما الذي يمنع من خلال فك شفرة خريطتنا الجينية، من معرفة سر الحياة، والموت، والمرض، والعجز، فنقضي بذلك على نقصنا، وعجزنا ومرضنا وموتنا، ونحقق الخلود الذي نصبو اليه! ؟ ولكن هذه العقيدة، أصبحت ضعيفة جدا لأن مخلصها، ـ العلم ـ لكثرة معجزاته في ميدانه، والتعود عليها، اصبحت تقليدية، لا تبهر.. وأخطر من ذلك، اتضح أنه مخلص، متقلب، مجنون!! فبضربتين فقط، قضى على كل صور اليقين التي أعطاها، حتى القرن التاسع عشر، وذلك عندما تم اكتشاف نظريتي النسبية، والكوانتم، التي انتجت نظرية عدم اليقين، وبذلك انقضى عهد المادية، والحتمية العلمية، وبدأ عهد عدم اليقين العلمي!! والنسبية العلمية، والنسبوية الثقافية، والتشكيك في العقل، الذي انزل من عرشه، الذي وضعه فيه عصر التنوير، فبدأت إدانته بأثر رجعي.. ولكل ذلك بدأ عصر سيادة الشك، وعدم الانتظام.. وقد أصبح دين ما بعد الحداثة، هو اللاعقلانية، والشواش chaos، وعدم الاتساق، والتعدد الفوضوي ـ الكولاج.. الى آخر الأصنام الجديدة.. وليس في ذلك خلاص، وانما هي ظواهر تؤكد الحاجة للخلاص.
    ومن الجانب الآخر، وفي إطار هذا الواقع، نفض بعض سدنة الأديان القديمة، الغبار عن جلابيبهم القديمة.. وتتطاولوا، متوهمين أن الوقت قد حان لدورة جديدة، من عصر الكهنوت والوصاية باسم الدين، فادعوا أنهم يملكون الحل، وهو العودة الى الماضي الجميل!! .. ماضي السلف من الأباء والأجداد.. في الماضي وحده، يكمن حل المشكلة، مشكلة الحاضر والمستقبل!! ولكن كيف! ؟ هذا السؤال يكرهونه!! فهم يريدون تسليما بلا كيف!! وعندما يضطرون للإجابة، يظهر عجزهم فاضحا، فيلجأون الى القول المبهم، والى التعميم، دون طائل.
    لابد من خلاص.. فهل يملك أصحاب الأديان التقليدية، في دعواتهم السلفية هذا الخلاص! ؟ أم أن الدين الجديد ـ الذي أصبح قديما، هو الذي يملك الخلاص! ؟ وكيف! ؟ هذا ما نحن بصدده، ولا نحتاج الى كثير حديث عن اليهودية والمسيحية.. فاليهودية بطبيعتها، ليست دينا عاما لكل الناس، واليهود ليسوا حريصين على أن يدخل غيرهم في دينهم.. أما المسيحية، فهي أقرب للوصايا الأخلاقية، ولا تملك أي تشريع جماعي، خلاف ما جاءت به اليهودية، وقد ذكر السيد المسيح، أنه إنما جاء ليكمل.. فالسلفية الاسلامية هي ما تعنينا بصور أساسية.. ولكن لما كانت المسيحية صاحبة عقيدة في الخلاص، فسنـتعرض لها بإيجاز، ولا حاجة لنا في الحديث عن اليهودية.

    اختلاف المصادر:
    كل المسلمين، بحكم دينهم، يؤمنون برسالة سيدنا موسى، وبكتابه التوراة، ويؤمنون برسالة سيدنا عيسى، وكتابه الانجيل.. وهذا الايمان، مكون اساسي، من مكونات العقيدة الاسلامية، إذ عليه تقوم أركان الايمان.. ولكن ما نؤمن به نحن المسلمين، عن اليهودية، والمسيحية، لايتطابق مع ما عليه أصحاب هاتين الديانتين اليوم، بل هنالك اختلافات أساسية.. فإيماننا باليهودية والمسيحية يقوم على القرآن والأحاديث النبوية، وليس على الكتاب المقدس، كما هو موجود، الآن.. والاختلاف بين المصدرين كبير جدا.. فاليهودية والمسيحية، حسب القرآن من أكبر ديانات التوحيد، بعد الاسلام.. ولكن المسيحية، حسب الكتاب المقدس، الذي بين أيدي الناس اليوم، ليست كذلك!! فلذلك نحن رغم ايماننا بالمسيحية إلا أننا نرفض، أساسيات المسيحية، السائدة اليوم، والتي خرجت من أن تكون دين توحيد.. ويمكن القول بحق، أن المسيحية السائدة، ليست هي مسيحية السيد المسيح، وإنما هي مسيحية بولس!! فلقد شهدت المسيحية تحولا أساسيا، عندما انتشرت في اوروبا، وتم تغيير أساسي في عقائدها، وفي المصدر الذي تقوم عليه ـ الكتاب المقدس.
    فالكتاب المقدس، حتى عند اهله، ليس مثل القرآن، عند أهله.. فالقرآن النص والمعنى موحى بهما من الله، وليس كذلك الكتاب المقدس.. بل هو ليس مثل الأحاديث القدسية، بل حتى لا تتوفر له الوثوقية، التي للأحاديث النبوية.. ولقد تمت دراسات نقدية واسعة جدا، من الغربيين، ومؤخرا من المسلمين، للكتاب المقدس، أظهرت كمية هائلة من التناقض، في التوراة و الأناجيل.
    ولإعطاء صورة عامة في التغيير الذي حدث في الأناجيل، نورد هنا ما نقله أحمد ديدات ـ وهو من المسلمين المتخصصين في دراسة الكتاب المقدس، دراسة نقدية، وهو في اسلامه أميل للوهابيةـ يقول ديدات تعليقا على مايكل. هـ . هارت: "لا أستطيع مقاومة موافقة هارت، فأكثر من 27 كتابا من العهد الجديد، أكثر من نصفها كان المسؤول عنها بولس، وفي المقابل ، لم يكتب المعلم كلمة واحدة من السبعة والعشرين كتابا، إذا استطعت أن تضع يديك على ما يسمى (الكتاب المقدس بالحروف الحمراء)، فستجد كل كلمة يزعم أنها قيلت بواسطة عيسى (عليه السلام) بالخط الأحمر، والباقي بالحبر الأسود العادي، ولا تصدم عندما تجد أن في هذا الملقب (انجيل)، أي أنجيل عيسى، فيه أكثر من 90% من مجموع ال 27 كتابا من العهد الجديد طبعت بالحبر الأسود"!!
    والقضايا التي أضافها بولس للمسيحية، هي قضايا العقيدة الأساسية عند المسيحيين.. وهي ما نختلف نحن كمسلمين، معهم حولها، اختلافا أساسيا.. وهي تتمثل في:
    1. الوهية السيد المسيح
    2. كون المسيح بن الله
    3. عقيدة التثليث: الأب، الابن، الروح القدس
    4. مفهوم الفداء المسيحي: كون السيد المسيح مات على الصليب فداء للانسانية عن الخطيئة الأساسية ـ خطيئة آدم وحواء.
    5. مفهوم الخلاص المسيحي، وهو يقوم على أن تؤمن بالسيد المسيح مخلصا، وبذلك يتم خلاصك..
    وهذه تشكل جوهر المسيحية عند المسيحيين، وهي نفسها تمثل جوهر مفارقة المسيحية، كما جاء بها السيد المسيح، في نظر المسلمين، وحسب مصادرهم الدينية ـ القرآن والأحاديث النبوية.
    ويتبادر الى الذهن أن المسيحيين في هذه النقاط، إنما يعنون معنى مجازيا، خصوصا فيما يتعلق بألوهية السيد المسيح وبنوته لله، ولكن هذا غير صحيح، فهم يؤكدون المعنى الحرفي!! فهم، مثلا، من كتاب (الكاتشيزم) الذي يوضح عقيدتهم يقولون: "أن عيسى إله فعلي من إله فعلي، مولود من الأب، مولود وليس مخلوق"!!
    وجميع هذه النقاط التي تقوم عليها العقيدة المسيحية، أورد النقاد للأناجيل ما ينفيها، ومن نصوص الأناجيل نفسها!!
    والاختلافات بين الفرق المسيحية، اختلافات كبيرة.. وتحت ضغط العلمانية، هنالك مراجعة مستمرة للمسيحية، من رجال الدين أنفسهم.. وهنالك تشكيك من قبل بعض الكنائس، في امور بالنسبة لنا نحن المسلمين، غير قابلة للشك، لأن الخبر بها ورد في النص القرآني الصريح، ومن ذلك مثلا معجزات السيد المسيح مثل: ولادته من غير أب واحيائه للموتى.. مثلا، أورد ديدات أن في استفتاء للأساقفة الأنجيليكانيين يونيو 1984 (كشف أن 31 أسقفا من مجموع 39 أسقفا يعتقدون أن معجزات المسيح، وهي ميلاده من عذراء، وإحياء الموتى، ربما لم تحدث تماما كما وصفها الكتاب المقدس).
    والكتاب المقدس فيه من الأقوال، بحق كبار الأنبياء، ما لا يجرؤ المسلم على ترداده!! وفيه من القصص الأسطورية، ما ليس له شبيه، إلا حكايات القصاصين عند العرب المسلمين.. ولكن رغم ذلك، وبمقياس القرآن والسنة، فإن الكثير من نصوصه، نصوص دينية واضحة، بل إن من نصوصه ما يكاد يتطابق مع بعض الأحاديث النبوية.. وفي تقديري، أن خلاصة القيم الدينية، في الكتاب المقدس، تمثلت في الوصايا العشر وموعظة الجبل.
    أما عن المنهج، فليس في المسيحية، ما يستحق أن يقال.
    قلنا أن المسلمين، يؤمنون برسالة سيدنا عيسى، وجميع أنبياء بني اسرائيل، الوارد ذكرهم في القرآن.. وهذا بخلاف الحال بالنسبة لليهود والنصارى، الذين لا يؤمنون برسالة سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.. وحسب المعراج، سيدنا عيسى وابن خالته سيدنا يحي في السماء الثانية.
    والمسيحيون، أكثر ما ينكرون على المسلمين، الحرب، على اعتبار انهم دعاة سلام!! وهذه أكبر مغالطة، إذا تحاكمنا الى التاريخ.. فأتباع الدين المسيحي، هم أكبر مثيري الحروب في تاريخ الحضارة البشرية كلها.. فحروبهم تفوق حروب جميع أصحاب الديانات الأخرى، وبآماد بعيدة، من حيث عددها، واستمراريتها، وعنفها وكثرة ضحاياها، وضعف مبرراتها.. وهذا في الفترة التاريخية التي انتشرت فيها المسيحية ـ الفترة التي تلت فترة الاضطهاد الروماني للمسيحيين، الذي تم إيقافه على يد قسطنطين 313 ميلادية والى اليوم.. والمسيحية، على الرغم من أنها في اصلها، وكما هي عند السيد المسيح، مبشرة بالسلام، إلا أنها من الناحية العملية، أكثر دين سماوي فلسف للحرب، ومارسها، باسم الرب، وباسم الدين.
    إن حروب المسيحيين فيما بينهم، كمذاهب مسيحية، حروب كثيرة، وطويلة، منها حرب استمرت مائة عام، ومنها حرب الثلاثين المشهورة، والتي استمرت ثلاثين عاما من 1618 الى1648.. ويرى جونثان ريلي، أن مبادئ الحروب الصليبية "تبلورت في أن الكنيسة، ممثلة في البابوية، تتمتع بالحق الإلهي الذي يخولها سلطة الدعوة لشن حرب مقدسة في سبيل الله" ونتيجة للإصلاح الديني أصبح هناك اعتقاد عام هو أن لعامة المسيحيين، رسالة عليهم القيام بها، وقد تقتضي هذه الرسالة ضرورة حماية الكنيسة والذود عنها.. وهذه الحماية ليست بالضرورة حربا دفاعية، وهي عمليا لم تقتصر على الحروب الدفاعية.. فقد استمر هذا المفهوم الرسالي، بصورة معلنة أو مستترة إلى اليوم، وآخر مظاهره الحرب على العراق.
    وقد دعا العديد من البابوات للحرب، ومارسوها، وقادوا الجيوش.. فمثلا، في سنة 1053م قاد البابا ليو التاسع بنفسه جيشا ضد المورساه في ايطاليا، وبعد هزيمة ذلك الجيش، أخذ البابا على عاتقه مهمة تأبين الشهداء الذين سقطوا في المعركة وكان جيشه جيشا بابويا، ويعمل تحت راية بابوية، وصدرت اليه الأوامر بالتحرك للقتال بأمر البابا، وأعلن البابا لجنود ذلك الجيش منحهم الغفران على ما تقدم من ذنوبهم وخطاياهم.. وقد تعاظم الاتجاه الى شن الحروب، في عهد البابا جيروجوري السابع 1073-1085 ، الذي حارب الملك هنري الرابع.. والمبررات التي استخدمها البابوات، ورجال الدين ترجع الى أقوال آباء الكنيسة، وعلى رأسهم القديس أوغسطين.
    وعندما اعلن البابا اوريان قيام الحملة الصليبية في 1095 كان يعتبر نفسه صاحب حق ديني في شن الحرب، بحكم سلطاته البابوية.. وقد استمرت الحروب الصليبية حوالي قرنين من الزمان!!
    فإذا كان هنالك نشر للدين بالسيف، فالمسيحية هي ما ينطبق عليها هذا الأمر.. فقد قام شارلمان 742-814 بفرض المسيحية على السكسونيين بالسيف.. وفي الدنمارك استأصل الملك كنوت cnut الديانات غير المسيحية من بلاده بالقوة.. وفي بروسيا فرضت جماعة اخوان السيف المسيحية بالسيف، وكذلك فعل فرسان المسيح في ليغونيا.. وفي جنوب النرويج ذبح الملك اولاف الكثيرين من الذين رفضوا اعتناق المسيحية، وقطع أيدي وأرجل آخرين، ونفى آخرين، حتى انفردت المسيحية بالمنطقة.. وفي روسيا فرض فلادمير سنة 988 المسيحية على كل الروس، ولم يتم الاعتراف بتعدد الأديان، في روسيا إلا في سنة 1905 .. وفي الميجر أرغم الملك شارلي روبرت سنة 1340 غير المسيحيين على التنصر أو النفي من البلاد.. وفي مصر قتل جستنيان الأول 527 – 595 مائتي ألف من القبط في مدينة الاسكندرية وحدها، وذلك لأنهم كانوا يعاقبة!! ، وحتى يسود مذهب الأرثوسكس.. وفي الحبشة قضى الملك سيف أرعد 1342- 1370 باعدام كل من أبى الدخول في المسيحية أو نفيه من البلاد.. وفعل نفس الشيء في الحبشة الملك الجون في أواخر اقرن التاسع عشر.. وكذلك شهدت اسبانيا نفس التعامل مع غير المسيحيين، قبل فتح المسلمين لها، وبعد جلاء المسلمين منها على يدي فردناند وايزابيلا.. وكما هو واضح، جرى هذا على بقعة واسعة من الأرض، وعلى مدى طويل من التاريخ، وما ذكرناه مجرد اشارات.. وكل هذه الأعمال ترتكز على مفاهيم دينية، تجد سندها عند كبار رجال الكنيسة.. فالقديس توماس هو صاحب النظرية الشهيرة عن الحرب المشروعة، فهو قد وضع ثلاثة شروط تجعل الحرب مشروعة يرضى بها الله.. وهي شروط مبهمة الى حد كبير، وتتمثل في:
    1. سلطة الأمير
    2. سبب مشروع
    3. الهدف الحنيف..
    وقد رأينا كيف أن معظم حروب المسيحية هي حروب هجومية.
    ففي الحروب المسيحية، التي أشرنا اليها، والتي لم نشر اليها، وما شنشير اليه بعد قليل، ارتكبت فظائع وأهوال، لم يشهدها تاريخ الحرب، حتى عند التتار!! ليس ذلك فقط، وانما أخطر من ذلك، أن الأعمال الوحشية من المسيحييين ضد خصومهم، كانت تجد الاعجاب، والاطراء من مسيحيين مرموقين!! فقد اورد لنا، مثلا، بوتول في كتابه (الحرب) ما نصه: "كتب ريمون داجيل كاهن كنيسة بوي puy في موضوع الاستيلاء على القدس فقال: رأيت اشياء كثيرة تـثير الاعجاب.. كان يرى في الشوارع، وعلى ساحات المدينة أكوام من الرؤوس، والأيدي والأرجل. ولقد كان الناس والفرسان يجوسون خلال الجثث من كل جانب، وفي الهيكل والرواق كان الناس يمشون ممتطين صهوات جيادهم ويخوضون في الدماء حتى ركب الفرسان، وأعنة الخيل.. لقد كان عادلا ، ومثيرا للاعجاب ، حكم الله، الذي اراد أن يتلقى هذا المكان نفسه دم هؤلاء الذين سبهم الدين نجسه، أمدا بعيدا. إنها مشاهد سماوية، في الكنيسة، وفي كل المدينة كان الشعب يشكر الرب"!!
    نورد هنا بعض أقوال أنثروبلوجيا الشهيرة، مانسفيلد، حول المسيحية والحرب.. فهي عندما سألت: كيف كان في ظهور المسيحيين تغيير في الحرب؟ أجابـت: "المسيحية تنطوي على مفارقة.. والثقافة المسيحية هي في آن واحد، أكثر سلمية في مقصدها، وأشد عنفا في فعلها من أي ثقافة أخرى وجدت من قبل، وقد كان المسيحيون الأوائل يبغضون الحرب، وذلك لأن الجيوش الرومانية كانت تؤدي الطقوس الوثنية من ناحية، ولأن المسيحيين كانوا يظنون أن نهاية العالم وشيكة الوقوع فلا وقت لديهم للحرب، من ناحية أخرى.. ولكننا في (الرسل) ـ سفر من اسفار العهد الجديد ـ نشهد ثورة أخرى في فهم الحرب. فقد يعاني الناس في الحرب لا لأنهم مذنبون، أو لأنها عقوبة الهية، ولكن لمجرد أنها جزء من التناهي الانساني.. فالحرب واحدة من الآثار الجانبية للخطيئة الانسانية نتيجة للانفصال عن الله، وعلى المؤمنين أن يتحملوها، وبقدر ما نفهم الله على أنه محبة، تفقد الحرب صفتها الاسطورية من حيث هي عقاب.
    ففي عهد أوغسطين عادت الى الظهور الفكرة الرواقية عن الحرب القويمة أو العادلة. وأنكر أوغسطين أن يستطيع المسيحيون اشعال حرب هجومية، ولكن دافع عن حقهم في الدفاع عن أنفسهم، ضد المعتدي.. وما دام أغسطين يذهب الى أن الرجل الصالح (يجب أن يخوض حربا عادلة، فإنه يقترب من اضفاء القداسة على مثل هذه الحرب).. وحول السؤال: المشكلة بالنسبة للحروب العادلة أنها تصبح في النهاية حروبا غير عادلة!؟ أجابت مانسفيلد "أو أسوأ من ذلك، فقد تصير حروبا مدنسة ولما أصبحت المسيحية هي الديانة الرسمية، وجدت الكنيسة نفسها متورطة في الحرب، على نحو متزايد، وسمي المحارب المسيحي ملاكا منـتقما يعيد قوى الظلام، بما يمارسه من قتل، الى منزلها الحقيقي في الجحيم"
    إن الصورة أشد سوادا مما ذكرنا بكثير، فنحن لم نشر الى الارهاب الواسع لمحاكم التفتيش في القرون الوسطى، ومواكب الضحايا الذين كانوا يلقون بهم في أتون النيران المتأججة، ذلك العمل البشع الذي استمر الى القرن التاسع عشر!! ولم يوقفه في اسبانيا، إلا نابليون، في عام 1820 .
    ولكن كل هذا ماذا يساوي مع حروب الاستعمار الغربي المسيحي، البشعة، والتي استخدمت فيها الأسلحة النارية ضد الشعوب المسالمة في اوطانها، لا لشئ إلا لاستعبادها واستغلال خيرات ارضها، وهي لا تملك سوى الأسلحة التقليدية!! ولقد شاركت الكنيسة ورجالها مشاركة فعالة، في تلك الحروب، والتي بررتها بأنها وسيلة لادخال تلك الشعوب، في الحياة المتمدنة، بنشر المسيحية بينهم.. ولقد شملت تلك الحروب رقعة واسعة.. شملت أفريقيا، وجزء كبير من آسيا، وجزرها، وأمريكا الشمالية، والجنوبية، وجزر الكاريبي، واستراليا ونيوزيلندة، أو معظم العالم خارج أوربا.. كما امتدت تلك الحروب طويلا في التاريخ.. وبعض الشعوب، التي زعموا انهم أرادوا إدخالها في المدنية، أبادوها ابادة شبه تامة، وبأساليب بشعة، يقشعر لذكرها، الحس الانساني السليم.. ومن الذين ابيدوا: السكان الأصليين لأمريكا الشمالية، والوسطى، والجنوبية، وكذلك السكان الأصليين لأستراليا.
    أما أفريقيا، فلم تعاني فقط، من الاستعمار المسيحي الغربي، ومظالمه وويلاته، وإنما كانت هناك نكبة أخرى خاصة بها، وهي ما عرف ب(تجارة الرقيق عبر الأطلنطي) تلك التجارة البشعة التي تسببت في العديد من الحروب بين القبائل الأفريقية فيما بينها، وفي ما بينها وبين تجار الرقيق.. ويقدر عدد الذين قامت تلك التجارة بتحويلهم من أفريقيا الى الأراضي الجديدة بحوالي الثلاثين مليونا، نصفهم مات في الطريق، وكثيرون منهم ماتوا بعد أن وصلوا، بسبب المعاملة القاسية، والاختلاف في المناخ، وبسبب الأمراض.. وقد كان تجار الرقيق في البداية يأخذون الشباب الذكور فقط.. وقد أدت هذه الحروب الى هبوط حاد في تعداد المواطنين في افريقيا!!
    والحرب العالمية الأولى، هي حرب الشعوب، والدول، التي تنتمي للعقيدة المسيحية، وكذلك الحرب العالمية الثانية، ونحن قد أشرنا للحربيين في اطار حديثنا عن العلمانية، ولكن العلمانيون في الغرب يدينون بالدين المسيحي.. ومشاركة، الشيوعيون الروس، والنازيون الألمان في الحرب الثانية، لا تقلل كثيرا من دور المسيحيين فيها.. فروسيا، هي الوطن الأم للمذهب الأرثوزكسي، وألمانيا من أكبر دول اوربا تمسكا بالمسيحية.. ونسبة لكثرة الدول المسيحية المشاركة، حتي لو أبعدنا روسيا وألمانيا، فإن ذلك لا يؤثر على حقيقة أن الحرب العالمية الثانية، حرب مسيحية، إلا تأثيرا طفيفا.
    والمسيحيون هم الوحيدون في تاريخ الحضارة البشرية، الذين استخدموا الأسلحة الذرية في الحرب!! ولا يستطيع أحد، أن يزعم أن الشعب الأمريكي ليس مسيحيا.. فالمسيحيون هم الأغلبية الساحقة جدا، من الشعب الأمريكي.. بل ان الأمريكيين يعتبرون أنفسهم شعب متدينا.. واذا كان التدين يقاس بمجرد الايمان بالله، والانتماء لدين، فهم كذلك فعلا.. ولكن التدين، عندنا، أبعد من ذلك بكثير!!
    والمسيحيون، هم أيضا، أكبر من استخدم في الحروب اسلحة الدمار الشامل، دون الأسلحة الذرية.. وهم الآن يملكون أكبر ترسانة أسلحة، جاهزة للاستخدام، في العالم، ولا توجد أي نسبة بين ما يملكون من سلاح، وبين ما يملك العالم غير المسيحي.. وبحكم سيادة الدول التي ينتمون اليها، وتفوقها ، عسكريا، يمكن أن نقول أن أي حرب في المستقبل، لا يمكن أن تكون لا صلة لها بأصحاب العقيدة المسيحية.
    إن الخيال المسيحي، يعجز عن مجرد تصور عالم بلا حرب.. فحتى مجيء المخلص عندهم، مرتبط بحرب(هرمجدون) و(المعصرة)!!
    فإذا بعد كل ذلك، اتهم المسيحيون غيرهم، بالدعوة للعنف، واثارة الحروب ـ وهذا ما يحدث فعلا ـ فإن هذا ليس مجرد مغالطة، وإنما هو عدم حياء!!
    لقد ركزنا، في تناولنا للمسيحية على الحديث عن موقفها النظري والعملي، من الحرب، لعدة اعتبارات، منها: إننا نرى أن حاجة الانسانية الأساسية، اليوم، هي للسلام.. ففي اطار هذه الحاجة، تدور كل حاجات الانسانية الأخرى.. ونحن نرى أن جوهر الدين، منذ أن كان الدين، هو السلام، وقيم السلام.. أضف الى ذلك أن المسيحيين، هم أكثر أصحاب الأديان، ظهورا، بالدعوة للسلام.
    نحن في الحلقة السابقة وضعنا ثلاثة معايير اساسية للتفريق بين الدين الحق، والهوس الديني، الذي هو (قلبة) الدين الحق وهذه المعايير هي:
    1. التوحيد
    2. تحقيق القيم الدينية ـ الانسانية
    3. الاستجابة لتحديات العصر
    وفق هذه المعايير، هل المسيحية، كما هي اليوم، عند معتنقيها، دين أم هوس ديني!؟ لا اعتقد أن الأمر يحتاج الى مزيد من الايضاح.. فبالنسبة للتوحيد، فالمسيحية، منذ بداية انتشارها في الغرب، فارقت خط التوحيد، الذي كان يدعو له السيد المسيح، وقامت على افكار بولس غير التوحيدية.. ومن حيث القيم، المسيحيون هم أكثر أصحاب الأديان تأثرا بالقيم الدنيوية (العلمانية) وهم أكثر أصحاب الأديان بعدا عن قيم السلام، وهذا يجعلهم أكثر أصحاب الأديان بعدا عن الاستجابة لتحديات العصر، وحل مشكلاته، التي تتمثل في الحاجة للسلام، وقيم السلام.
    بقي أن نقول أن للمسيحية تصور خاص، للخلاص والمخلص، سنتحدث عنه، عندما نتحدث عن فكرة المخلص، في الأديان، وفي التراث البشري.
    أرسلهم رسولهم ليكونوا حملانا بين الذئاب، فأصبحوا ذئابا بين الحملان.. قال لهم: من لطمك على خدك الأيمن، فادر له الآخر أيضا، واوصاهم بأن يحبوا أعدائهم، فاستجابوا للوصية باشعال حروب لا تنطفي نيرانها، وإبادة شعوب من المسالمين.. قال لهم: لا تجعلوا لكم كنوزا في الأرض، حيث السوس والصدأ، وحيث يسرق السارقون، ولكن أجعلوا كنزكم في السماء، لأنه حيث يكون كنزك يكون قلبك أيضا، فسمعوا الوصية، وعملوا بعكسها!! فجعلوا كنوزهم كلها في الأرض ونسوا كنز السماء!! فهل يفلح قوم عملوا بعكس ما وصاهم به رسولهم؟! لا والله، ما هم بمفلحين.


    خالد الحاج
    رفاعة في 17/9/2008
    الموافق 17/رمضان/1429

                  

10-14-2008, 06:52 PM

noon
<anoon
تاريخ التسجيل: 02-11-2002
مجموع المشاركات: 684

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الإسلام كنظرية نقدية (Re: Omer Abdalla)

    up

    thanks
                  

10-24-2008, 07:27 PM

noon
<anoon
تاريخ التسجيل: 02-11-2002
مجموع المشاركات: 684

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الإسلام كنظرية نقدية (Re: noon)

    **
                  

10-26-2008, 04:59 AM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الإسلام كنظرية نقدية (Re: Omer Abdalla)


    الأخت الأستاذة نون
    عاطر التحايا
    جزيل الشكر على المتابعة ورفع البوست
    سأواصل عرض بقية الحلقات
    عمر
                  

10-26-2008, 05:18 AM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الإسلام كنظرية نقدية (Re: Omer Abdalla)


    بسم الله الرحمن الرحيم
    الاستاذ محمود محمد طه في الذكري الثالثة والعشرين
    محاولة للتعريف باساسيات دعوته
    ((وإنا أو إياكم لعلي هدى أو في ضلال مبين.)) صدق الله العظيم

    Quote: "والتبشير بالإسلام أمر يتطلب أن يكون المبشر، من سعة العلم بدقائق الإسلام، و بدقائق الأديان، والأفكار، والفلسفات المعاصرة، بحيث يستطيع أن يجري مقارنة تبرز إمتياز الإسلام على كل فلسفة إجتماعية معاصرة، وعلى كل دين، بصورة تقنع العقول الذكية.. "

    الأستاذ/ محمود محمد طه

    إلاسلام كنظرية نقدية
    نقد الواقع

    الواقع من حيث الدين
    الدين والهوس الديني


    لقد ميزت الفكرة الجمهورية، منذ وقت طويل بين الدين والهوس الديني، وهو تمييز هام جدا للدين وللحياة.. والدين بمعناه العام، ظل الرفيق الدائم للبشر منذ أن برزت فيهم العقول، وأصبحوا يعيشون في مجتمع، وسيظل كذلك، ما وجد على الأرض بشر.. وللدين، منذ أن كان، رسالة واحدة أساسية، هي تحقيق انسانية الانسان، أو تحقيق الكمال الانساني.. وهذه الرسالة، حسب الاسلام، هي تحقيق قوله تعالى: (إني جاعل في الأرض خليفة..) فحركة التطور كلها، هي في سبيل تحقيق هذه الغاية.. وبالطبع لم تكن الصورة واضحة في البدايات كما هي واضحة اليوم.. وحتى اليوم، وضوح الصورة، ليس في مستوى واحد عند البشر.. فحركة الدين ظلت دائما في صعود وهبوط، ومد وجزر، وفي الحالتين الحركة سائرة الى الأمام لتحقيق الغاية المرجوة منها.. فالدين سلاح ذو حدين.. حد ايجابي، وحد سلبي، وكلاهما، في اطاره حد خطير.. الحد الايجابي نسميه الدين، والحد السلبي، نسميه الهوس الديني.. والمقصود بالهوس الديني، الوجه الآخر للدين، مثل الوجه الآخر للعملة .. الهوس الديني هو (قلبة) الدين.. هو دين في الشكل فقط.. وكما يقول فروم: "المسألة ليست (دينا أو لا دين) بل أي نوع من الدين، هل هو من النوع الذي يساعد على تطور الانسان، وعلى الكشف عن قواه الانسانية الخاصة به كانسان، ام من النوع الذي يصيب القوة بالشلل".. فالدين هو الذي يساعد على تطور الانسان، والهوس الديني، هو الذي يصيب قوى الانسان بالشلل.. فحركة التطور البشري، من منظور ديني، دائما بين دين، وهوس ديني.. وهذا ما يعبر عنه في المصطلحات الاسلامية، بعهد (بعثة)، وعهد (فترة)، فعهد البعثة، هو العهد الذي يسود فيه الدين بصورته الايجابية، وعهد الفترة هو العهد الذي يسود فيه، الحد السلبي للدين ـ الهوس الديني.. عن معنى كلمة الهوس، جاء في المنجد: هوس ـ هوِس ـ هوساً: وقع في اضطراب، وحيرة، وفساد.. وجاء ايضا (هوس) مبالغة، (هوس) كذب.. هوسا: فتنة واضطراب.. ونحن نستخدم كلمة هوس، استخداما اصطلاحيا يتضمن المعنى اللغوي ويخصصه، ويربطه بمجال الدين، بالصورة التي ذكرنا.. فالمهووس الديني، فردا، أو جماعة، يظهر التدين، وقد يتشدد فيه في الظاهر، ولكنه تدين يقوم على (اضطراب وحيرة وفساد) حسب المعنى اللغوي.. ومن أهم سمات الهوس المبالغة في الظهور بالتدين، والكذب.. وربما يكون الكذب اهم سمات الهوس الديني.. بصورة عامة واساسية.. الهوس الديني يظهر الدين، والتعلق بالمظاهر الدينية، ويبطن الدنيا، والتعلق بها خصوصا السيادة، والسلطة، والتسلط، والثروة في أشكالها المختلفة.. فالمهووس عبد دينار تسيره أهواءه ورغائبه، التي يسعى الى تحقيقها بكل سبيل، ولكن السبيل الأول عنده هو الظهور بمظهر الدين لأكل دنيا الناس.. والمهووس ليس دائما على وعي بحقيقته، فإن نفسه غالبا ما تخدعه عن حقيقته، ولكن كثير من المهووسين، الكبار منهم خاصة، يكونون على وعي بأنهم إنما يستغلون الدين لأغراض الدنيا، فيخططون لأغراضهم.
    والهوس الديني دائما يكره المتدينين، ويستفزه مجرد وجودهم، ويعتبرهم عقبة، في سبيل طموحاته، ويسعى الى ازالتهم عن طريقه بشتى السبل، بالتآمر عليهم، وبتحريض الحكام الذين يتملقهم، ويبرر لهم حكمهم باسم الدين، ويعمل جاهدا على تبرير ظلمهم، وتجبرهم، ويصور للحكام أن المتدينين يشكلون خطرا على سلطتهم، ويحرضهم على التخلص منهم بكل سبيل.. وهم قد يستخدمون وسائل، قد تبدو ساذجة، ولكنها في الحقيقة ماكرة، فمثلا قوم لوط طالبوا بطرد لوط ومن معه، بقولهم الذي يحكيه القرآن (أخرجوهم من قريتكم، إنهم أناس يتطهرون).. في الظاهر، كونهم يتطهرون، يبدو وكأنه ليس خطرا عليهم، ولكنه في الحقيقة، بالنسبة لهم، هو الخطر الحقيقي، فمجرد وجود المتطهرين، أمر يستفزهم، ثم اذا انتشر هذا المظهر، فإنه يقضي على نمط حياتهم التي يعيشونها، ويريدون أن يستمروا في معيشتها، دون وجود ما يكدر.
    وإذا نظرنا في التاريخ القديم كله، نجد أن هنالك دائما كهنة ورجال دين، يقفون الى جانب الزعماء القبليين، والملوك والسلاطين، يدعمون سلطتهم، ويبررون استبدادهم، واستغلالهم للناس، باسم الدين.. وهؤلآء الكهنة، يشكلون بطانة الحكام، يتآمرون معهم، ويتآمرون عليهم، اذا وجدوا عرضا أفضل، وضمنوا السلامة.. وسلوك هؤلآء الكهنة، ورجال الدين، دائما، في جوهره، واحد، عبر اختلاف الأزمنة والأمكنة.. هم في الغالب كانوا يكتفون بما يجدونه من فتات من موائد الملوك والسلاطين، وما يجدونه من مظاهر الأبهة والعظمة، ومن فرص للتسلط على العامة، ولكنهم في بعض الحالات كانوا يطمحون في أن تكون السلطة لهم، دون غيرهم.. وهذه الظاهرة، ازدادت مؤخرا، وأصبح من سمات الهوس الديني الأساسية، إنه يطلب السلطة لنفسه، ويستخدم الدين لأغراض السلطة: الوصول اليها، والمحافظة عليها.. ونحن هنا سنعرض صورة موجزة جدا، لتاريخ الهوس الديني، في المراحل الأخيرة.. من الحضارة، منذ اليهودية والى اليوم.

    (عدل بواسطة Omer Abdalla on 12-17-2008, 11:49 PM)

                  

10-26-2008, 05:19 AM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الإسلام كنظرية نقدية (Re: Omer Abdalla)


    اليهودية:
    اليهود هم أكثر الأمم التي بعث فيهم انبياء ومرسلين.. وقد فضلهم الله تعالى على العالمين، في وقتهم، وتوهموا أن هذا التفضيل حق طبيعي ودائم، وعصوا رسله، وقتلوا بعضهم، وهم يزعمون، أنهم دون بقية خلق الله، هم أبناء الله، وأحبائه.. ويتصورون أن الله تعالى، منحازاً إليهم وفي خدمة مصالحهم، فأخلدوا الى الأرض، وفرطوا في الدين، وأقاموا على الهوس.. وقد كانوا دائما ينتظرون مسيحا من نسل داؤود، يعيد بناء الهيكل ويحقق لهم طموحاتهم الأرضية، في السيادة والسؤدد.. فلما بعث فيهم عيسى بن مريم عليه السلام، رفضوه لأنه ساواهم بالأمم، وكذلك رفضوا محمدا عليه أفضل الصلاة والسلام.. وقد عانى المسيح منهم معاناة شديدة، خصوصا من كهنتهم، الذين كانوا يمثلون قمة الهوس الديني في وقتهم.. وقد قال عنهم السيد المسيح عبارات شديدة تبين بيانا واضحا، مضمون الهوس الديني، وصفات المهووسين، في ذلك العهد، وفي كل عهد.
    قال السيد المسيح عن الكتبة والفريسين: "ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون، المرآؤون، لأنكم تغلقون ملكوت السموات قدام الناس، فلا تدخلون أنتم، ولا تدعون الداخلين يدخلون. ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون، المرآؤون، لأنكم تأكلون بيوت الأرامل، ولعلة تطيلون صلواتكم، لذلك تأخذون دينونة أعظم. ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المرآؤون لأنكم تطوفوا في البحر، والبر، لتكسبوا دخيلا واحدا، ومتى حصل تصنعونه ابنا لجهنم اكثر منكم مضاعفا. ويل لكم أيها القادة العميان، القائلون من حلف بالهيكل ليس بشيء، ولكن من حلف بذهب الهيكل يلتزم. أيها الجهال والعميان أيهما أعظم الذهب ام الهيكل؟! الذي يقدس الذهب، ومن حلف بالمذبح ليس بشيء، ولكن من حلف بالقربان الذي عليه يلتزم. أيها الجهال والعميان أيهما أعظم القربان أم المذبح الذي يقدس القربان؟! فإن من حلف بالمذبح فقد حلف به وبكل ما عليه. ومن حلف بالهيكل فقد حلف به وبالساكن فيه. ومن حلف بالسماء فقد حلف بعرش الله وبالجالس عليه. ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المرآؤون لأنكم تعشرون النعناع والشبت والكمون، وتركتم أثقل الناموس، الحق والمرحمة والإيمان. كان ينبغي أن تعملوا هذه، ولا تتركوا تلك. أيها القادة العميان، الذين يصفون عن البعوضة، ويبلعون الجمل. ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون، لأنكم تنقون خارج الكأس والصحفة وهما من الداخل مملوءآن اختطافا ودعارة. أيها الفريسي الأعمى، نقي أولا داخل الكأس والصحفة، لكي يكون خارجها أيضا نقيا. ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المرآؤون لأنكم تشبهون قبوررا مبيضة، تظهر من الخارج جميلة، وهي من الداخل مملوءة عظام أموات، وكل نجاسة. هكذا أنتم أيضا من الخارج تظهرون للناس أبرارا، ولكنكم من الداخل مشحونون رياء وإثما. ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المرآؤون لأنكم تبنون قبور الأنبياء، وتزينون مدافن الصديقيين، وتقولون لو كنا في أيام آبائنا لما شاركناهم في دم الأنبياء. فأنتم تشهدون على أنفسكم بأنكم أبناء قتلة الأنبياء. فأملأوا أنتم مكيال أبائكم.. أيها الحيات أولاد الأفاعي، كيف تهربون من دينونة جهنم.. لذلك ها أنا أرسل اليكم أنبياء وحكماء وكتبة، فمنهم تقتلون وتصلبون، ومنهم تجلدون في مجامعكم، وتطردون من مدينة الى مدينة. لكي يأتي عليكم كل دم زكي سفك على الأرض، من دم هابيل الصديق الى دم زكريا بن برخيا الذين قتلتموهم بين الهيكل والمذبح. (انجيل متى، ألاصحاح الثاني والعشرون).
    وقال:
    • إن كان أعمى يقود أعمى يسقطان كلاهما في حفرة
    • متى صليت فلا تكن كالمرائين فانهم يحبون أن يصلوا قائمين في المجامع وفي زوايا الشوارع لكي يظهروا اللناس
    • ومتى صمتم فلا تكونوا عابسين كالمرائين، فإنهم يغيرون وجوههم ليظهروا للناس صائمين
    • لا تكنـزوا لكم كنوزا على الأرض، حيث يفسد السوس والصدأ وحيث ينقب السارقون ويسرقون. بل اكنـزوا لكم كنوزا في السماء حيث لا يفسد سوس ولا صدأ، وحيث لا ينقب سارقون. لأنه حيث يكون كنـزك هناك يكون قلبك ايضا.
    • لا تدينوا لكي لا تدانوا، لأنكم بالدينونة التي بها تدينون تدانون. وبالكيل الذي به تكيلون يكال لكم. ولماذا تنظر الغذى في عين أخيك، وأما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها؟! .. يا مرائي تخرج أولا الخشبة من عينك. وحينئذ تبصر جيدا أن تخرج الغذى من عين أخيك
    لقد وضع السيد المسيح علامة فارقة وواضحة، بين الدين والهوس الديني حيث قال: "احذروا من الأنبياء الكذبة الذين يأتونكم بثياب الحملان، ولكنهم من الداخل ذئاب خاطفة، من ثمارهم تعرفونهم. هل يجنون من الشوك عنبا، أو من الحرسك تبنا. هكذا كل شجرة جيدة تصنع اثمارا جيدا. وأما الشجرة الرديئة فتصنع أثمارا رديئة. لا تقدر شجرة جيدة أن تصنع أثمارا رديئة، ولا شجرة رديئة أن تصنع اثمارا جيدة. كل شجرة لا تصنع ثمرا جيداً تقطع وتلقى في النار، فإذا من ثمارهم تعرفونهم" .. (متى الاصحاح السابع).
    وفي نفس المعنى جاء في قول المعصوم، في وصيته لابن عمر حيث قال: "دينك، دينك، يا بن عمر، ولا يغرنك ما كان مني لأبويك، خذ من من استقاموا، ولا تأخذ ممن قالوا".
    في العبارات التي أوردناها من اقوال السيد المسيح، عن الكتبة، والفريسيين، وضع علامات واضحة في التمييز بين الدين والهوس الديني، وهي فوارق أساسية، قائمة في كل زمان ومكان وتنطبق على كل الأديان، سماوية كانت أم أرضية.
    ولم يصبر أتباع السيد المسيح على الدين كثيرا، فسرعان ما تحولوا الى هوس ديني، وعملوا بعكس ما أوصاهم به رسولهم، وتفوقوا في الهوس، على فقهاء اليهود، وكان خطرهم وشرهم أكبر..
                  

10-26-2008, 07:18 AM

Masoud

تاريخ التسجيل: 08-11-2005
مجموع المشاركات: 1623

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الإسلام كنظرية نقدية (Re: Omer Abdalla)

    شكرا يا عمر على عودة الأخ خالد و تحياتي له ولكل الجمال الذي بطرفه.
                  

10-27-2008, 00:05 AM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الإسلام كنظرية نقدية (Re: Omer Abdalla)


    أخي الأستاذ مسعود
    عاطر التحايا لك ولجميع من حولك في مونترى الجميلة
    ستصل تحياك الى الأستاذ خالد ان شاء الله
    جزيل الشكر على المتابعة

    عمر
                  

10-27-2008, 00:06 AM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الإسلام كنظرية نقدية (Re: Omer Abdalla)


    المسيحية:
    منذ البداية عندما انتشرت المسيحية في اوربا طغى الهوس الديني على الدين.. وكانت المخالفات لوصايا السيد المسيح صارخة، ولغياب المنهج الواضح، أصبح تطبيق الدين، ومعيشته، في المسيحية، أمر صعب، إن لم يكن مستحيلا.
    لقد كان السيد المسيح، انسانا بسيطا، وكذلك كان حواريوه .. ولكن انتشرت المسيحية في أوربا مرتبطة ارتباطا تاما بالكهنوت، المتمثل في المؤسسة الكنسية، فأصبحت المسيحية، على يدي بولس دين يقوم على رجال الدين، فاتخذوا زيا خاصا، وبنوا الكنائس الفاخرة، وتفننوا في المراسم والطقوس الكنسية، واحتكروا الدين، فجعلوا فهم الانجيل، وتفسير نصوصه قاصرا عليهم، ومنعوا منعا باتا ترجمة الانجيل الى اللغات المحلية حتى يتيسر للعامة فهمه، واشتركوا مع الاقطاع في ارهاق المواطنين، الفقراء بالضرائب، وعاشوا حياة ترف.. لبسهم الحرير، وآنيتهم من الفضة والذهب، وحاربوا الفكر والمفكرين بصورة شرسة، ومنظمة، لم يسبق لها مثيل في التاريخ.. فوضعوا قائمة بتحريم كل الكتابات والأفكار التي ترى الكنيسة أنها مخالفة للعقيدة المسيحية، وتشمل القائمة حتى نصوص التوراة والأناجيل التي لا توافق عليها الكنيسة، الى جانب كتابات كبار المفكرين، أمثال فولتير، ديكارت، جوتة، ميل.. ألخ وأنشأت محاكم التفتيش الشهيرة، والتي كانت تعاقب من تريد الكنيسة معاقبتهم، من المفكرين، ومن تتهم بالسحر، بقتلهم حرقا بالنار.
    لقد استولت الكنيسة على السلطة الزمنية، مع السلطة الدينية، هذا هو الهدف الأساسي للهوس الديني.. مركزية الهوس الديني السلطة.. هو دائما يـبحث عن السلطة الزمنية، لتحقيق أغراضه الدنيوية، عن طريق الارهاب.. الارهاب عن طريق السلطة، والارهاب عن طريق الدين ـ الارهاب باسم الله.. فالارهاب سمة اساسية من سمات الهوس الديني، في جميع حقب التاريخ والى اليوم.. وهذا الارهاب، سمة في سلوك الأفراد، والجماعات، كما هو سمة للسلطة الزمنية، التي يقوم عليها الهوس الديني اذا وصل الى السلطة.. والسبب الأساسي، لهذا الارهاب، عند جماعات الهوس الديني هو غياب الفكر من جانب، وادعاء هذه الجماعات، أنها تتحدث باسم الله، وهذا أخطر جانب.. فمن يخالف جماعة الهوس الديني، لا يعتبرونه يخالفهم هم، أو يخالف أفكارهم، وإنما هو يخالف الله، ويخالف الانجيل أو القرآن فيما بعد، فهو يعاقب أسوأ العقوبات، بتهمة مخالفة الرب.. فالسلاح الأساسي لدى الكنيسة هو الاتهام بالهرطقة ـ الكفر ـ الذي ينبني عليه الحرمان الكنسي.
    لقد وصفت القرون الوسطى في اوروبا بالقرون المظلمة، وكان للهوس الديني المسيحي الدور الأساسي في هذا الظلام.
    حتى عندما قام الاصلاح الديني، وظهر البروتستانت لم يحدث تغيير هام، من زاوية الهوس الديني، فقد اشتعلت الحروب الدينية والسياسية، بين المسيحيين فيما بينهم، وبين المسيحيين وغيرهم. لقد سمي العصر الذي أعقب هيمنة الاقطاع والكنيسة بعصر النهضة أو الريناسانس، وهي تعني الميلاد الجديد. فقد ولدت أوروبا جديدة، وعالم غربي جديد قام بالتخلص من هيمنة الكنيسة، والاهتمام بالحياة الدنيا، فجاءت العلمانية كدين جديد، قامت عليه حضارة عالمية.. ولم يكن لهذه الحضارة أن تقوم لولا أن تم التخلص من هيمنة الكنيسة، ولذلك كان هنالك حذر من هذه الهيمنة، وأعطوا الكنيسة سلطة زمنية في قطعة صغيرة من الأرض، اعتبرت دولة، هي الفاتيكان، وأصبح موضوع الدين شأن فردي، وظهر ما عرف بفصل الدين عن الدولة، فهو يعني تجريد الكنيسة من السلطة الزمنية.. ومن الناحية العملية تم ابدال دين بدين آخر، هو دين العلمانية، الذي أصبحت له الهيمنة، وتدريجيا، بعدت المسيحية عن توجيه حياة الناس، ولكنها كعقيدة ظلت قائمة وإن ضعفت، وأصبحت مسألة شكلية تقوم على الانتماء وممارسة بعض الطقوس.
                  

10-27-2008, 08:08 PM

Hamza Abdelghani

تاريخ التسجيل: 02-22-2008
مجموع المشاركات: 210

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الإسلام كنظرية نقدية (Re: Omer Abdalla)

    " الهوس الديني يظهر الدين، والتعلق بالمظاهر الدينية، ويبطن الدنيا، والتعلق بها خصوصا السيادة، والسلطة، والتسلط، والثروة في أشكالها المختلفة.. فالمهووس عبد دينار تسيره أهواءه ورغائبه، التي يسعى الى تحقيقها بكل سبيل، ولكن السبيل الأول عنده هو الظهور بمظهر الدين لأكل دنيا الناس.."
                  

12-17-2008, 03:27 AM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الإسلام كنظرية نقدية (Re: Omer Abdalla)


    الأخ حمزة
    والاخوان والاخوات المتابعين
    تحية طيبة وكل عام وأنتم بخير
    نعود بعد انقطاع لمواصلة نشر مقالات الأستاذ خالد الحاج .. هذه المرة سيتحدث الأستاذ خالد عن الهوس الديني في الأسلام وسيكون هناك تفصيل عن "فكر" وحركة "الوهابية" ..
    عمر
                  

12-17-2008, 03:29 AM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الإسلام كنظرية نقدية (Re: Omer Abdalla)


    الاسلام:
    عندما ظهر الاسلام، في القرن السابع الميلادي، أحدث تحولا هائلاً في جزيرة العرب، وما جاورها، وكانت أوروبا وقتها لا تزال في القرون المظلمة.. وكان الاسلام منذ البداية يختلف اختلافا جوهريا، عن اليهودية والمسيحية، على الرغم من أنهما يشتركان معه في أنهما ديانتا توحيد.. فقد وجد المسلمون منذ البداية فرصة هائلة للتربية، على يدي النبي العظيم، وبإشرافه المباشر، فتخرج جيل فريد ليس له ضريب من الأديان السابقة وكذلك وجد جيل التابعين فرصة نادرة في التربية على يدي الأصحاب، الذين رباهم المعصوم بنفسه، وهذا جعل العقيدة، والتربية، أشد رسوخاً عند المسلمين، عنها في الأديان السابقة، يضاف الى ذلك أن الأديان السابقة كانت أقدم عهدا من الاسلام.
    وما يتميز به الاسلام، أن عقائده واضحة، وشعائره بسيطة يمكن أن يتلقاها الانسان في جلسة واحدة، ومنذ البداية لم يكن فيه رجال دين ولا كهنوت، ولم تلحق به هذه المظاهر، إلا مؤخرا عندما نصل المسلمون عن دينهم.
    لقد كان التحول، من الدين، الى الهوس الديني، بالنسبة للاسلام تدريجيا، وقد عبر عنه المعصوم، بقوله: "خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم" .. وبقوله: "كل عام ترذلون".. وكانت البداية مع مجرد انتقال النبي الى الرفيق الأعلى، وقد عبر عن هذا التحول أنس، بقوله: "لما كان اليوم الذي قدم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، أضاء منها كل شيء، فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء".. وقال: "ما نفضنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الأيدي حتى أنكرنا قلوبنا".. والتحول بالنسبة للأفراد يتفاوت في سرعته، وفي مداه، أما التحول بصورة عامة، فبدايته ما عرف في التاريخ بالفتنة الكبرى.. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم، منذ البداية، قد قال: "خيرت بين أن أكون نبياً ملكا، ونبياً عبداً فاخترت أن أكون نبياً عبداً".. وبذلك وضع حدا فاصلاً بين الدين والهوس الديني، فيما يتعلق بالسلطة.. وكل من يطلب السلطة ويسعى اليها، باسم الدين، وتحت غطاء الدين، هو من الهوس الديني، وليس من الدين.. فقد قال المعصوم: "الخلافة بعدي ثلاثون عاما، ثم تصبح ملكاً عضوضا".. وقد بدأ التحول الأساسي مع معاوية.. ولقد كان الصراع بين علي ومعاوية، في جوهره صراع بين الدين والدنيا.. بين الدين والهوس الديني.. فقد كان علي يمثل الدين بصورة واضحة، لا مجال للاختلاف حولها، ومعاوية يمثل الدنيا، ولا يوجد أحد يشك في ذلك، وتعبر عن ذلك، أحسن تعبير المقولة: الصلاة خلف علي أتم، وطعام معاوية أدسم.. وقد استشار عمرو بن العاص ولديه فأشار له أحدهما بالانضمام لعلي، والآخر بالانضمام لمعاوية.. فقال عمرو لمن نصحه بالانضمام لعلي: أنت أردت لي الدين.. وللذي نصحه بالانضمام لمعاوية قال: أنت أردت لي الدنيا.. وقد اختار عمرو الانضمام لمعاوية.. وقد كان علي رضي الله عنه يريد أن يرد الناس لعهد الشيخين، ويقول ذلك.. وبما أن الناس قد توسعوا في الدنيا، فلم يكونوا يريدون الرجوع الى عهد الشيخين، فنصروا معاوية ـ نصروا الدنيا، نصروا الهوس الديني على حساب الدين.. بمعايير الدين، كان علي هو المنتصر، فقد التزم قيم الدين، ولم يتخل عنها قيد أنملة، ولم تغوه الدنيا والسلطة، فيجعل الدين وسيلة اليهما، كما فعل معاوية.. وقد اعتبر بعض المؤرخين الغربيين، أن معاوية رجل دولة أكثر من علي، وهذا غير صحيح، إلا في إطار قيم الغرب.. وفي الحق أن عليا كان يستطيع مثل تلك الحيل التي يلجأ اليها معاوية، ولكن قيمه تمنعه من أن يلجأ اليها. فالاختلاف بين الرجلين هو اختلاف في درجة التدين، وقد انتصر كل منهما في مجاله، فكل منهما ميسر لما خلق له.. وقد انحسم الأمر بين الرجلين، بفعلة أشقاها، وبذلك ظهر وجه آخر من وجوه الهوس الديني.. وفي الحق هذا الوجه، بدأ، مع رفع المصاحف في فتنة التحكيم، تلك الفتنة التي ولدت الشقاق بين أنصار علي أنفسهم.. لم تنطل الحيلة على علي فعنده تحكيم المصحف لا يكون برفعه وإنما بمعيشته، والتخلق بقيمه، ولكن الحيلة انطلت على الكثيرين من أنصار علي، وظلت الى اليوم تنطلي.
    لقد وضع الصراع بين علي ومعاوية، أساسيات الهوس الديني، المتعلق بالدنيا وبالسلطة، وأضاف اللاحقون، بعض الجوانب، وأهم هذه الأسس:
    1. الهوس الديني أكبر همه الدنيا، وهو يعلم أن أيسر السبل اليها هو الجمع بين الدين والسلطة، كوسيلتي ترغيب وترهيب.. فعند الهوس الديني، الدين وسيلة الدنيا، على عكس ما عليه الدين
    2. لاستغلال الدين، لا بد من رفع شعاراته، مهما كان العمل بخلافها.. لا بد من رفع المصاحف، حسياً ونظرياً والمطالبة بالتحكيم ـ تحكيم شرع الله ـ أو التنـزيل، الى آخر الشعارات.
    3. رفع الشعارات يخدم غرضين، ويمكن من كسب ولاء فئتين
    (أ‌) المحبين للدين من البسطاء والسذج، يتوهمون أنهم بمساندة من يرفع شعار التحكيم، يبرءون ذمتهم مع الله، وعليه هو عمله، فإن صدق فبها، وإلا فحسابه على الله.. ومن يخالف شعار التحكيم، إذا كان واعياً، فهو يتم ارهابه، باتهامه، أنه لا يريد تحكيم شرع الله، ويمكن أن يبطش به على هذا الأساس.
    (ب‌) طلاب الدنيا، شعارهم الدائم "طعام معاوية أدسم"، فهؤلآء يتم إغراءهم بالدنيا، ويوظفون لخدمة مشروع الهوس الديني، ومن ضمن هذا التوظيف، استخدامهم في الدعاية الدينية للمشروع، وتبريره من منطاقات دينية.. وهذا أدى الى ظهور مدرسة جديدة من مدارس الهوس الديني، لم تكن موجودة قبل ذلك، هي مدرسة الفقهاء ـ فقهاء السلطان بالذات.
    إن السبب الأساسي، في نصرة الناس لمعاوية، وخذلانهم لعلي، هو أنهم كانوا طلاب دنيا.. وكان حكم الوقت مع الدنيا، فالدين في تنازل والدنيا في صعود.. الله تعالى اراد للدنيا ان تتسع، ولم يكن اتساعها في ذلك الوقت ممكنا بغير الانشغال بها، وبتنظيمها، وهذا لم يكن في ذلك الوقت ممكنا، إلا على حساب الدين.. ومن هنا جاء انتصار اهل الدنيا، من اصحاب معاوية، ومن خلفوه، والذين كانت الدنيا أكبر همهم ومبلغ علمهم.
    هنالك ملاحظة هامة، يجب التفطن اليها، وهي أن سيدنا علي كان يريد أن يرد الناس الى عهد الشيخين أبوبكر وعمر، ولم يمض عليه إلا أقل من ثلاثة عقود، ولكن رغم قصر المدة، لم يكن الرجوع ممكنا، والسبب الأساسي، في ذلك، أن هنالك وقت جديد، له حكم جديد ـ ارجو مراجعة حديثنا عن حكم الوقت ـ ومن اراد أن يرد الناس الى عهد الشيخين، هو علي رضي الله عنه، بقامته السامقة، التي لا خلاف حولها، ولا ينازع فيها حتى خصومه!!
    ومع ذلك، ورغم مرور أربعة عشر قرنا، فإن الهوس الديني اليوم، يزعم أنه يريد أن يرد الناس الى عهد الشيخين!! ومن هؤلآء الذين يريدون أن يردوا الناس الى عهد الشيخين؟! ما هي قامتهم؟! هل منهم من هو في قامة ابن أبي طالب رضي الله عنه؟! لا والله، المقارنة أساسا ليسبت قائمة!! ولكن رغم ذلك الادعاء قائم!!
    المهم، أنه بعد انتصار معاوية، اصبح امر الدنيا غالبا على أمر الدين، وأصبحت السيادة للملك العضوض.. وقد عهد معاوية بأمر المؤمنين الى ابنه يزيد، وجعل الأمر وراثة في عقبه.. وبعد أن قتل علي في عهد معاوية، قتل الحسن ابن علي.. وعلى يدي رجال يزيد ابن معاوية، قتل الحسين ابن علي ومعه العديد من آل البيت.. وهكذا، لم يزل أمر الدنيا عاليا، وامر الدين منحطا بين الناس وكلما قام لنصرته قائم من ابناء علي خذله الناس ونصروا عليه اعداءه من الأمويين ثم من العباسيين، حتى استيأس انصار الدين من صلاح امر الناس، ففروا بدينهم الى المغاور، والكهوف، والفلوات، يقيمونه في أنفسهم، وينشرونه بين الراغبين فيه ممن حولهم، من غير أن يتعرضوا لمنازعة السلطة الزمنية، فنشأ بذلك التصوف الاسلامي، فظهر مشائخه ممن أخذوا أنفسهم بتقليد سيرة النبي الكريم، فحفظوا بذلك الدين.. الى أن انحط التصوف مؤخرا.
    أما اصحاب الدنيا، أصحاب معاوية، فقد اخذوا ينظمون دنياهم وفق الشريعة الاسلامية، وعندما تشعبت، وزاد اقبالهم عليها، وزادت حاجاتهم فيها، نشأ الفقه الاسلامي وأخذ يستنبط ويقيس ويجتهد، حتى أسرف على الناس في أخريات الأيام، وبعد بهم عن المعين، واهتم بالقشور وفرط في اللب، وأصبح صورا تحكي الدين بلا دين، وقد كان من الفقهاء الأوائل رجال يهتمون بأمر دينهم، ولا يبيعونه بثمن بخس، الى أن جاء الفقهاء الذين يعيشون للدنيا، ويأكلونها باسم الدين، فتحول الدين على يديهم الى هوس ديني.
    وقامت بعد العباسييين، جماعات، ودول تستغل الدين لأغراض الدنيا، ورغم كل ما حدث من انحطاط في الدين، كان الأمويون والعباسيون، متقدمين على غيرهم من الأمم المعاصرة لهم، بصورة واضحة.
    ونحن هنا لسنا بصدد التاريخ، وانما اردنا فقط أن نشر الى المنعطف الأٍساسي في الانحطاط عن الدين، وغلبة الدنيا، وفي جميع عهود الانحطاط هذه، ظل الدين يستخدم كوسيلة للدنيا! ـ السلطة والثروة ـ وظلت اساليب الهوس الديني هي نفسها، في الجوهر، مع الاستفادة من امكانات الحضارة الجديدة.
    فمدرسة الفقه كواحدة من مظاهر الهوس الديني، توسعت وتشعبت، وانتشرت في العالم الاسلامي، الى أن جاءت المؤسسات التعليمية الدينية المتخصصة، في مستوياتها المختلفة، من التعليم العام والى الجامعي، فقامت مؤسسات مثل: الأزهر أو الجامعات الاسلامية والمعاهد الدينية، المنتشرة في مختلف أنحاء العالم الاسلامي، خصوصا في باكستان، ومصر، والسودان مؤخرا.. واصبحت، هذه المؤسسات، صاحبة دور أساسي، في تفريخ الهوس الديني، وأدت الى توكيد ظاهرة رجال الدين التي لم تكن اساسا موجودة في الاسلام، واتخذوا لهم زيا خاصا، يتميزون به، فظهرت ظاهرة الكهنوت في العالم الاسلامي، وأصبحت له مؤسسات شبيهة باليهودية والمسيحية.. واعتبر هؤلآء أنفسهح أصحاب سلطة دينية، وعملوا على احتكار المعرفة الدينية، وسموا أنفسهم (العلماء) وأصبحت لهم شهادات شرعية، من مؤسساتهم هذه، تضفي عليهم شرعية دينية علمية (الشهادة العالمية)، فتحجروا، وحجروا العلم والمعرفة.. وبسبب الانحصار في الاطار الضيق الذي وضعوا أنفسهم فيه، أصبحوا خارج التاريخ.. المهم عندنا هنا، أن هؤلآء أصبحوا الرصيد الجاهز للهوس الديني، ووجد فيهم طلاب السلطة باسم الدبين ضالتهم، وكذلك فعل غيرهم من الحكام، فاستغلوهم في تخدير وعي الشعوب، ووضع هؤلآء أنفسهم في خدمة الحكام يفتون لهم يما يريدون، ويبررون لهم حكمهم، ويعينونهم على ظلم المحكومين.
    ونحن هنا نورد بعض النماذج، لأقوال، وفتاوى رجال الدين الى الحكام، وبخاصة رجال الأزهر، وبالطبع هنالك بعض منهم لهم تاريخ ناصع، ولكن ما يهمنا هو المبدأ العام.. ففي عهد الاستعمار الفرنسي، ساند علماء الازهر الفرنسيين ضد الثروة الشعبية، وأصدروا البيانات في تهدئة الثورة، ومن أقوالهم (نصيحة من كافة علماء الاسلام بمصر المحروسة.. نعوذ بالله من الفتن، ما ظهر منها وما بطن، ونبرأ من الساعين في الأرض بالفساد) الى قولهم (فعليكم أن لا تحركوا الفتنة، ولا تطيعوا المفسدين، ولا تسمعوا كلام من لا يقرأون العواقب، لأجل أن تحفظوا أوطانكم وتطمئنوا على عيالكم، وأديانكم، فإن الله سبحانه وتعالى، يؤتي ملكه لمن يشاء، ويحكم بما يشاء، ونصيحتنا لكم بأن لا تلقوا بأيديكم الى التهلكة) تاريخ الجبرتي.
    أما في عهد الاستعمار الانجليزي في مصر، فقد جاء من كتاب(حوليات مصر السياسية) الجزء الأول، تأليف أحمد شفيق باشا.. أن الانجليز (لجأوا من باب زيادة الحيطة، الى الاستعانة بهيئة كبار العلماء بالديار المصرية، فاستصدروا منها في 16/11/1914 رسالة الى العامة، تدعوها فيها الى السكون ـ وتفادي الفتن، واطاعة الحكومة، وكان على رأس كبار العلماء صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر، الشيخ سليم البشري شيخ الجامع الأزهر والشيخ بكري عاشور، مفتي الديار المصرية ـ ولم يترك أصحاب الفضيلة العلماء آية من آيات الذكر الحكيم، أو حديثا من الأحاديث النبوية تحث على عدم المخاطرة أو عدم القاء الأنفس الى التهلكة، أو ابتغاء الفتنة، أو البعد عن تدخل المرء فيما لا يعنيه، إلا أتوا به في هذه الرسالة).
    أما عن تملق الحكام، ومسايرتهم، نورد مثلاً، قول مجلة الأزهر في الاحتفال بعيد الملك فاروق، فقد جاء فيه: "نهض الشيخ محمد المصطفى المراغي شيخ الأزهر، فألقى خطبة جمعت، فأوعت في مناقب حضرة صاحب الجلالة الملك فاروق" ووما قاله: (أنه مثال من مثل الخير العليا، وصورة كاملة من صور الفضيلة المحببة للنفوس".. أما أحمد حسن الزيات، رئيس تحرير مجلة الأزهر، فمن أقواله في عدد 25/5/1952 "وبهدي صاحب الرسالة محمد صلوات الله عليه، لسان الوحي ومنهاج الشرع، ومعجزة البلاغة، وبعطف صاحب الجلالة الفاروق، ناصر الاسلام، ومؤيد العروبة، وحامي الأزهر، أعز الله نصره، وجمل بالعلوم والآداب عصره".. وبعد قيام ثورة يوليو 1952 ومساندة للثورة، التي خلعت فاروق، قال الزيات 1960 عن فاروق، مناقضا قوله الذي أوردناه، قال: "وكان آية من آيات ابليس في الجراءة على دين الله، إنه كان كما حدثني أحد بطانته المقربين اليه، إذا اضطرته رسوم الملك أن يشهد صلاة الجمعة، خرج اليها من المضجع الحرام، وصلاها من غير غسل ولا وضوء، واداها من غير فاتحة ولا تشهد، وكان يقول أن أخوف ما أخافه، أن يغلبني الضحك وأنا اتابع الامام في هذه الحركات العجيبة. وبلغ من الجراءة، على الحرمات، أنه كان يغتصب الزوجة ويقتل الزوج، ويسرق الدولة"!!
    أما عن مساندة عبد الناصر فقد جاء من أقوال الشيخ محمود شلتوت" فعلى المسلم السمع والطاعة، فقد عرف أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وواجب المسلم لايختلف، ولا يقل نحو حكومته ما دام كل عملها في المصلحة العامة.. " الى أن يقول" وما دامت اوامرها لا تخالف أوامر الله أو أوامر الرسول، لا فرق في ذلك بين حكومة علمانية أو حكومة دينية"
    ووصل النفاق حدا، لا يصدق، في حديث الزيات عن ميثاق عبد الناصر، فقد قال في مجلة الأزهر بتاريخ 2/6/1962 "إن ميثاقك الذي عاهدت الله الوفاء به، وعاهدك الشعب على اللقاء عليه، حروف من كلمات الله، لم يؤلفها أحد قبلك في أي عهد، لا في القديم، والحديث، لا في الشرق، والغرب" وفي يناير 1963 قال في مجلة الأزهر" وسينتشر ضوء ميثاقك المحكم الهادي، في كل نفس، وفي كل أرض، انتشار كلمة الله، لأنه الحق الذي وضعه الله في شرعه والنهج الذي سنه لجميع خلقه"..
    والأزهر من أهم المؤسسات الدينية التي رسخت ظاهرة التكفير، ودوره في ذلك يحاكي دور الكنيسة في القرون الوسطى، فقد كفر الشيخ علي عبد الرازق، ومحمد رشيد رضا، وطه حسين، وقاسم أمين.. وقام بعض العلماء بوصم عمر لطفي المحامي بالالحاد لدعوته لاقامة الجمعيات التعاونية، واتهمت جماعة أخرى، على رأسها الشيخ عليش جمال الدين الأفغاني بالالحاد ووصفوا الشيخ محمد عبده بالزندقة لأنه قال أن لبس البرنيطة حلال ـ راجع كتاب (زعماء الاصلاح) لأحمد أمين.
    إن فتاوى العلماء هذه وتملقهم للحكام، وتكفيرهم لخصومهم، أو من يريد الحكام ارهابهم، متوفرة في جميع أركان العالم الاسلامي.. ونحن سنقتصر على النماذج التي أوردناها، ونتناول غيرها عندما نتحدث، عن بعض الفرق الاسلامية.
    هذه نظرة تاريخية عامة، قصدنا منها، بيان الجذور التاريخية للهوس الديني.. ولكن الذي يعنينا بصورة خاصة، هو الهوس الديني المعاصر، وبصورة أخص الذي يسعى الى السلطة ـ الاسلام السياسي .. وسنتناول هذا الموضوع في إطار الفرقتين الكبيرتين: السنة، والشيعة، وسيكون حديثنا مقتصرا على الجانب السياسي.. كما سنتناول جماعة الوهابية، مع أنها جماعة لا قيمة لها ولا وزن، ومرتبطة ارتباطا تاما بالنظام السعودي، ولكن، رغم تخلفها الشديد، إلا أن لها بعض الاتباع، وبعضهم من الذين تلقوا تعليما مدنياً!! وهذا ما يجعلنا نتعرض لها.
    والأسس التي يقوم عليها الهوس الديني واحدة، والعبارات التي أوردناها من أقوال السيد المسيح، فيها تلخيص وافٍ لهذه الأسس، إلا أن الهوس الديني المعاصر، ارتبط بالسياسة وهو يعمل في ظروف تاريخية مختلفة، تجعل التناقض بينه وبين الواقع الحضاري، وانجازاته، تناقضاً حاداً. ونحن هنا سنلخص في نقاط محددة، المعالم الأساسية للهوس الديني، كظاهرة تمثل الوجه الآخر للدين، والوجه السلبي: ـ
    1. إن جوهر الدين الاسلامي هو التوحيد، وما يقوم عليه من تصور للكون وطبيعته، والقانون الذي يحكمه.. والانسان وطبيعته، وطبيعة حياته، ومصدره ومصيره، وأهدافه وغاياته، والوسائل المفضية لهذه الغايات.. وكل ذلك يقوم على القرآن، ككتاب توحيد وكتاب تسليك.. ومفتاح القرآن هو حياة محمد صلى الله عليه وسلم، الذي جسد القرآن في حياته كقيم، حقق بها انسانيته في قمة رفيعة.
    2. جوهر الهوس الديني، واختلافه الأساسي مع الدين أنه يقوم في الأمور المذكورة اعلاه، على المظهر، ويكاد يفرط تفريطاً تاماً في الجوهر.. فخلله الأساسي في التوحيد، وينسحب هذا الخلل بصورة أساسية، علي الموقف من النبي صلى الله عليه وسلم، بصورة تفقد العمل بالمنهاج الديني قيمته، فيصبح طقوساً شكليةً، لا تؤثر على العقول والقلوب، فلا تثمر إلا قيما سلبية.. فالهوس الديني يهتم بالشكل، ويهمل المضمون.
    3. وأخطر ما في الهوس الديني موقفه من الوسائل والغايات.. فهو يعكس الأمر عكساً، فيجعل الدين وسيلة للدنيا، وهذا ينطبق على الأفراد، كما ينطبق على الجماعات، والتنظيمات والأحزاب.
    4. مع أن التكليف في الدين أساسا تكليف فردي، فالله تعالى يقول: "عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم"، إلا أن الهوس الديني، يقوم على أنه صاحب رسالة في تطبيق الدين على الآخرين.. وهي رسالة لم يكلفه بها أحد، وإنما هو من نفسه، يعتبر أنه صاحب حقٍ فيها.. فعليه أن يقيم الدين في الآخرين، وينسى إقامته في نفسه.. ولذلك المهووس، فردا أو جماعة، نفسه منه في راحة، وغيره منه في تعب، على عكس المتدين!! نفسه منه في تعب، وغيره منه في راحة.
    5. المهووس بما أنه يعتبر نفسه صاحب رسالة، تقوم على حق منوط به، فهو دائما يعتبر نفسه وصيا على الآخرين، عليه أن يحملهم على الدين.. وهذه الوصاية هي امتياز خاص به بحكم انتمائه للجماعة التي ينتمي اليها، فهو وجماعته دائماً على حق، وغيرهم دائما على باطل.. هم حزب الله، والآخرون حزب الشيطان.. ولذلك موقف المهووس من الآخرين، موقف عدواني دائما.. فالآخر دائما موضع شك، ومظنة ضلالة، ويحتاج الى التقويم.
    6. الهوس يطابق بين نفسه وبين الاسلام.. ويسمي نفسه الاتجاه الاسلامي ـ الجماعة الاسلامية.. ألخ.. وأي تخطئة له، أو خصومة معه، هي تخطئة للاسلام، وعداوة للاسلام، وخروج عليه، وليست تخطئة للجماعة المعينة.
    7. بما أن جماعة الهوس المعنية، تعتبر نفسها الاسلام، الذي لا اسلام غيره، فجميع من هم خارج حظيرة هذه الجماعة، هم خارج حظيرة الاسلام، ولا يستحقون من المعاملة إلا ما يليق بمن هم خارج الاسلام.. فالتكفير هو سلاح الهوس الأساسي الذي يشهرونه في وجه المخالفين من المسلمين.. وهو تكفير قاصر على المخالفين من المسلمين، فقط، ولا يتعداهم لغير المسلمين.
    8. يرافق التكفير دائماً، الجهاد بالسيف.. فالعنف سمة اساسية من سمات الهوس، وهو عنف يُعطى مبررات دينية، فهو جهاد ضد الكفار، والكفار هؤلآء دائما من المسلمين.
    9. أكثر صور الهوس الديني خطرا، هو الهوس الذي يقوم عليه الاسلام السياسي.. والمركزية التي يقوم عليها الاسلام السياسي هي السلطة.. السلطة هي المركزالذي يدور حوله جميع نشاط جماعات الاسلام السياسي.. النشاط في التنظير، وفي التنظيم، وفي العمل.. السلطة هي المقابل للتوحيد في الدين.. فدين الهوس الديني، في مجال الاسلام السياسي: هو السلطة.. هي المطلب والغاية.. وهي، بما هي كذلك، تشكل مادة تفكيرهم، وتحدد نمط سلوكهم، وهو تفكير، وسلوك، يمكن أن يكون أي شيء إلا الدين.
    10. شهد التكفير موجات مدٍ وجذر، فكان من أعلى موجات التكفير ما تم في القرون الوسطى، على يد الكنيسة.. والآن ظهرت موجة جديدة عالية، ولكن هذه المرة في العالم الاسلامي، وفي ظروف تاريخية مختلفة جدا، في درجة الوعي، وفي القيم، وفي الترابط العالمي.. والتكفير في حد ذاته ارهاب، ديني وينبني عليه ارهاب مادي بشع.. فجماعة الهوس الديني، إذا بطشوا ـ وهم كثيرا ما يبطشون ـ بطشوا جبارين، شأن كل خائف.
    11. لقد كانت جماعة الهوس الديني في السابق، يمكن أن يصنفوا أنهم من جماعة معاوية.. ولكن جماعة الهوس المعاصر ليسوا كذلك، فمعاوية ومن معه، كانوا على دين.. وجماعة الهوس المعاصر، هم أتباع موسليني ـ وميكفللي .. هم اتباع لموسليني في التصور العام لسياسة والدولة، فعندهم، كما عند موسليني ليس هناك معنى انساني أو معنى روحي ـ بل وأقل من أقل من ذلك، فليس هناك أي معنى ذا قيمة يمكن أن يكون خارج الدولة.. .والدولة (الاسلامية) بوصفها تعبيرا شاملا، عن شرع الله هي الحق وهي صانعة الحقوق.. وهم تلاميذ لميكفللي، من حيث اساليب العمل، وتبريراتها.. فالغاية عندهم دائما تبرر الوسيلة.. لا يوجد نقد، ولا محاسبة للنفس، ولذلك لا يوجد خطأ.. فالخطأ دائما يبرر، ويعطى مسوقات دينية.. الكذب، والخداع، والتآمر إلخ، دائما تعطى مبررات مثل: الحرب خدعة، فقه الضرورة وغيرها.. فالمهووس لا يرى له عيوباً، ولا يرى لعمله عيوباً، ولا لفكره، فهو أساساً لا ينظر للداخل.
    12. النص الديني هو أخطر أسلحة الهوس الديني.. ويمكن أن يقال، بحق، أنه السلاح الأساسي!! فجميع الخلل، في تفكير وسلوك المهووسين، يرجع الى خلل في تفسير النص.. فهو الذي يجمد الفكر، ويخمد الفطنة، وينمي قوى الشر عند المهووسين.. وتفسير النص هو الذي يحدد الخصوم، ويبرر الأعمال الدموية البشعة، التي تتم بدم بارد، على اعتبار أنها دين، وهو الذي يوظف في تجنيد الشباب، في القيام بمثل هذه الأعمال، دون أن يسألوا أنفسهم ما هذا الذي يفعلونه؟! ولماذا يفعلونه؟! إن للنص سلطة غريبة في غسيل الأدمغة ـ غسيل أدمغة أصحابه، وأدمغة من يستغلونهم ـ فالنص يمكن أن يستخدم لتبرير كل شيء، مهما كانت مناقضته لقيم الدين الأساسية بما في ذلك قتل الأبرياء المسالمين، الغافلين، من المسلمين أنفسهم!! إن الانسان ليعجب، لماذا يقتل شاب عاقل، وربما متعلم، الأبرياء من بني وطنه، من المسلمين، ممن ليس لهم غرض في الصراع السياسي؟! أكثر من ذلك، قد يقتل نفسه أيضاً، يتم كل ذلك وهو طائع مختار ـ في الظاهر !! من المؤكد أن الإجابة ليست بسيطة، بل معقدة أشد التعقيد، ولكن الطرف الظاهر منها، هو أن هنالك غسيل للأدمغة، وسيطرة عليها، يتم عن طريق النص الديني!! كيف يتم هذا الغسيل، أمر تصعب الاجابة عليه، ولكن من المؤكد أن الشحن العاطفي، الذي يقوم على العزف على وتر العقيدة، بالصورة التي تغيب الفكر، وتنمي الجانب الانفعالي، أمر أساسي، ولكنه وحده، ليس كافياً، في تفسير الظاهرة. إن من أهم ما يلعب عليه، الاسلام السياسي، فيما يتعلق باستخدامه للنص، موضوع ثنائية النص القرآني، المتمثلة في الناسخ والمنسوخ.. فهم تارة يستخدمون النصوص الناسخة، وتارة أخرى النصوص المنسوخة، حسب أغراضهم.. فإذا أرادوا العنف والحرب والعدوان ـ وهذا خطهم العام ـ استخدموا آية السيف، وإخواتها، والأحاديث التابعة لها، والآية تقول: "فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم.. ."، ولها مقابل من النصوص في التعامل مع أهل الكتاب، وإزالة المنكر، مثل حديث"من رأى منكم منكراً، فليغيره بيده.. .إلخ".. ودائما المستهدفون هم المسلمون من المخالفين، ولكي تنطبق عليهم النصوص، هم أولاً يكفرون، ويعتبرون من المشركين.. والكفار الحقيقيين، لايسألونهم، إلا في حالات نادرة، ويمكن أن يتعاملوا معهم، ويوادوهم، حسب المصلحة، وكل ذلك يبرر باستخدام النص.. ومن الجانب الآخر، عندما يحتاجون للمسالمة، كعمل تكتيكي، يرفعون آيات"وقل الحق من ربكم، فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر".. و"ادعوا الى ربك بالحكمة .. " و"عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل" إلى آخر هذه الآيات، والأحاديث، التي تقوم عليها، وهي كثيرة جداً.. كل هذا يتم، ولا يشيرون، مجرد اشارة الى قضية الناسخ والمنسوخ، ولا يحددون موقفهم منها، ولا يتحدثون عن حكمة ظاهرة النسخ!!
    لضعف التوحيد، والغياب شبه التام للسلوك الديني، لا يوجد أساس ديني سليم، عند الهوس الديني عامة، والاسلام السياسي منه خاصة.. ففي الدين النص يأخذ دلالته من التوحيد وحياة النبي، وليس من ظاهر اللغة وحدها.. ولما كان أمر التوحيد، وحياة النبي الكريم، يكادان يكونان، مغيبان، الى حدٍ كبير، فإن فهم النص عندهم، يقوم على اللغة وحدها، وحتى في اطار اللغة، يتم لَي لأعناق النصوص حتى تخدم الأغراض الدنيوية والسياسية، المرغوبة، وهذا يتم بوعي، خصوصاً عند القادة السياسيين، وفي كثير من الحالات، يتم من غير وعي، خصوصاً عند الأفراد في القاعدة.
    13. التربية الدينية ليست من أولويات الهوس الديني، مع أنها أساس الدين كله.. (الدين المعاملة).. (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).. فالغاية عندهم هي التي تحدد الوسائل، وتبررها.. والغاية ـ عند الاسلام السياسي بالذات ـ هي السلطة.. وهم قد فهموا أن السياسة لعبة قذرة، فلم يسعوا الى تنظيفها، وتغيير أسسها، فإن ذلك لا يفضي الى الغاية المطلوبة ـ السلطة .. ولذلك، دخلوا معترك السياسة، وفق شروطها القائمة، وانشغلوا بها تماماً.. فليس في عقول جماعات الهوس الديني، ولا قلوبهم، أي مساحة للتربية، والوقت عندهم اثمن من أن يهدر في هذا الجانب العويص من الحياة.. والمبررات متوفرة، فإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.. فالتربية أمر لاحق، وليس من الضروري عندهم، أن يكون السلطان نفسه على تربية!! الأمر في موضوع التربية أخطر من ذلك بكثير، فهو ليس فقط غياب التربية الدينية الصحيحة، وإنما هو تربية مضادة!!
    14. التخليط بين الحقيقة والشريعة، من أكبر مظاهر مفارقة الدين، وهو سمة أساسية، من سمات الهوس الديني، خصوصاً السياسي منه، وهو من وسائل التبرير المهمة، ومن وسائل الضلال والتضليل المهمة. لقد تقسمت الأمة الى ثلاث وسبعين فرقة، كما اخبر بذلك المعصوم، وفرقة واحدة هي الناجية.. ومن حق أي فرقة أن تدعي أنها هي الفرقة الناجية، ولكن الإدعاء ليس به عبرة.. المسؤولية مسؤولية خطيرة جدا.. فرقة واحدة فقط في جانب النجاة، واثنين وسبعين في جانب الهلاك!! والمسؤولية فردية، وواجب كل فرد أن ينشغل بأمر نفسه أولاً، فيمحص وضعه في جد، ولا يكون مجرد تابع، إمعة، مستغل لخدمة مصالح آخرين.. والمحك الأساسي، والمعيار، هو الثمرة.. الشعارات، والمظاهر، قد تخدع الناس، لكنها لا تخدع الله.. فمن لا يجد ثمرة لتدينه، فعليه أن يراجع أمره ب(بثمارهم تعرفونهم)، هذا هو الميزان، فالشجرة الطيبة، لا تثمر شجراً خبيثاً، والشجرة الخبيثة، لا تستطيع أن تثمر ثمراً طيباً، إذاً فبثمارهم تعرفونهم.. ابحث عن القيمة، والاستقامة.. ولتتذكر عبارات السيد المسيح(لا تقدرون أن تخدموا الله والمال)، وجميع الرسل، ورد عنهم في القرآن، القول (لا أسألكم عليه من أجر، إن أجري إلا على الله)، لذلك المال هو المحك.. فمن همه الدنيا، هو مفرط في دينه، ومن يطلب الدنيا بالدين، لا دين له.
    هذه مجرد خطوط عريضة، حول ظاهرة الهوس الديني، كمقابل للدين، وهي تنبني عليها تفاصيل كثيرة، في الفكر وفي السلوك.. وعلى ضوء هذه الخطوط العريضة، نحن سنتناول، جماعات الهوس الديني، بخاصة المرتبطة بالعمل السياسي.. سنتناول الاسلام السياسي السني، والشيعي، وفرقة ثالثة هي الوهابية.. لقد سبق أن وضحنا الأسس التي يقوم عليها النقد، في الحلقة التي تحدثنا فيها عن الاسلام كنظرية نقدية.. ونحن لن نحتاج الى تكرار ما ذكرناه هناك فنرجو أن نصطحبه معنا.. نحن نبني على ثلاثة محاور أساسية هي: التوحيد، والنبي صلى الله عليه وسلم ـ وعلى ضوئهما تتحدد القيم ـ والمحور الثالث هو تحديات العصر .. فالخطاب الديني، ليس خطاباً مجرداً، وإنما هو مرتبط ديناً، ومن حيث الواقع العملي، بالواقع الذي يخاطبه، وهذا ما أسميناه حكم الوقت، وقد سبق الحديث عنه.
    ونحن سنبدأ حديثنا بالوهابية، على اعتبار أنهم اقل الفرق اهمية، ويمثلون قاع الفرق الاسلامية، ولكن لأن لهم قضايا أساسية، يختلفون فيها مع بقية المسلمين، فسنعطيهم في كتابتنا هذه، المساحة المناسبة، لعرض ومناقشة تلك القضايا.


    خالد الحاج عبدالمحمود
    رفاعة في 9/ اكتوبر/2008
                  

12-17-2008, 04:28 AM

emad altaib
<aemad altaib
تاريخ التسجيل: 12-27-2007
مجموع المشاركات: 5300

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الإسلام كنظرية نقدية (Re: Omer Abdalla)

    ــــــ
    Quote: الاسلام:
    عندما ظهر الاسلام، في القرن السابع الميلادي، أحدث تحولا هائلاً في جزيرة العرب، وما جاورها، وكانت أوروبا وقتها لا تزال في القرون المظلمة.. وكان الاسلام منذ البداية يختلف اختلافا جوهريا، عن اليهودية والمسيحية، على الرغم من أنهما يشتركان معه في أنهما ديانتا توحيد..


    الأستاذ الفاضل ,,, عمر عبد الله تحيات طيبة ,,, وعبرك مثلها للأستاذ/خالد الحاج عبدالمحمود.


    في الحقيقة كنت متابع منذ بداية البوست بكل إهتمام مني من أجل المعرفة حتي اللحظة , وكثير ما حاولت الدخول , لكن لم يحدث , إلا الأن فلدي أستفسارات لوسمحتم لي متفضلين عليّ بالرد ؟!
    ما هو الجوهر الذي يختلف فيه الإسلام مع اليهودية والمسيحية ؟! ألم يكن الجوهر هو التوحيد ؟!
    بالنسبة إلي (الإسلام) ألم يكن أنبياء اليهودية والمسيحية عليهم الصلاة والسلام هم مسلون ؟! ألم يكن إبراهيم حنيفياً مسلماً ؟! فقد كانو مسلمون لله إسلاماُ بالقلب والوجه ..
    سوف أورد إليكم الأيات القرانية :
    (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)
    سورة البقرة
    (قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ )
    سورة البقرة
    (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)
    سورة آل عمران
    (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)
    آل عمران , في تلك الأيات (الجوهر)
    (أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ )
    سورة آل عمران
    (لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ )
    سورة الأنعام
    (فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ )
    سورة يونس
    (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ )
    سورة النحل
    (وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ )
    سورة النمل
    (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ )
    سورة العنكبوت
    (وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ )
    سورة الزمر
    (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ )
    سورة فصلت
    (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)
    سورة الأحقاف
    وكل الأنبياء الذين ورد ذكرهم في القرأن كانوا من المسلمين من خلال تتبعي للقران .

    أتمني منك إفادة في الأسئلة سابقة الذكر

    ـــ
    وشكراً لكما .
                  

12-17-2008, 04:47 AM

emad altaib
<aemad altaib
تاريخ التسجيل: 12-27-2007
مجموع المشاركات: 5300

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الإسلام كنظرية نقدية (Re: emad altaib)

    ـــــ
    عفواً أساتذتي :

    الأسباب التي تجعل اليهودية والمسيحية متفقتنا في الإشتراك أي مشتركان كما أوردتم مسبوقة الجملة بالرغم مختومة أنهما ديانتا توحيد؟! ألم يكن يحدث تحريف لدي كتبهم السماوية؟!
    ألم يكن الإسلام الدين المنزل من الله علي النبي محمد صلي الله عليه وسلمً يأمرنا أن نؤمن بالكتب الأخري شرطاً وعقيدة ؟! لماذا أهل ديانة اليهودية والمسيحية لا (يعترفون) بالإسلام كدين مرسل علي خاتم الأنبياء ؟!

    ـــ
    شكراً لكما
                  

12-17-2008, 06:38 AM

emad altaib
<aemad altaib
تاريخ التسجيل: 12-27-2007
مجموع المشاركات: 5300

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الإسلام كنظرية نقدية (Re: emad altaib)

    ــــ
    Quote: هنالك نقطة أساسية، وهامة جدا وهي أن ادراك تطور الحياة لايقوم على فهم الماضي، والحاضر وحدهما، وإنما أهم من ذلك أنه يقوم على اعتبارات المستقبل.. فالحياة مشدودة الى غايتها، ومسيرة اليها ، تسييرا لا تملك عنه فكاكا

    وهنا الماضي والحاضر لإدراك التطورمتبوعاً لشيءٍ أهم يذكرني بكتاب كارل بوبر "عقم المذهب التاريخي 1957م" , وخاصة الفصل الذي يقول (هل للتطور قانون) فقد إتضحت فيه نظرية التطور التي يؤيدها بوبر ويقرنها بالتسليم بشرط ألا يخضع التطور لقانون يؤدي إلي نتائج بالمعني الإستقرائي الذي يرفضه ومن المعروف سلفاً صاحبها "تشارلز داروين"1859م
    Quote: يقول الاستاذ محمود: "الانسان حيوان متطور، وإنما جاءت مقدرته على التطور من مقدرته على التخيل - تخيل الأشياء المقبلة"..B]

    السؤال عن مقولة الأستاذ محمود محمد طه هل من الدين أم من الفلسفة؟! وإذا كان الإنسان حيوان فمن أين جاء بالعقل الذي يعول عليه كاتب المقالات كثيراً ؟!
    وكيف أمتلكه أثناء التطور ؟! فقد وجدت في مطلع البوست موجودة الأية(وخلقنا الإنسان في أحسن تقويم) ..! فكيف الخروج من هذا التناقض ؟!
                  

12-18-2008, 01:43 AM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الإسلام كنظرية نقدية (Re: Omer Abdalla)


    أخي الإستاذ عماد الطيب
    تحية طيبة وشكرا على اثراء البوست بهذه الأسئلة الحية والعميقة والتي سأقوم بايصالها للأستاذ خالد الحاج بعد أن أدلو بدلوي فيها ..
    عن قول الأستاذ خالد الحاج:
    Quote: وكان الاسلام منذ البداية يختلف اختلافا جوهريا، عن اليهودية والمسيحية، على الرغم من أنهما يشتركان معه في أنهما ديانتا توحيد..

    جاءت تساؤلاتك كالآتي:
    Quote: ما هو الجوهر الذي يختلف فيه الإسلام مع اليهودية والمسيحية ؟! ألم يكن الجوهر هو التوحيد ؟!
    بالنسبة إلي (الإسلام) ألم يكن أنبياء اليهودية والمسيحية عليهم الصلاة والسلام هم مسلون ؟! ألم يكن إبراهيم حنيفياً مسلماً ؟! فقد كانو مسلمون لله إسلاماُ بالقلب والوجه ..

    وأجدني متفقا معك في ملاحظاتك هذه فجوهر هذه الديانات الثلاث هو التوحيد وهي لا تختلف الا اختلاف مقدار في مستوى مخاطبتها وتشريعاتها لأممها .. وكما ذكرت أنت فجميع الأنبياء مسلمون وقد قال عنهم النبي المعصوم "الأنبياء أبناء أم واحدة" (أى اخوان في التوحيد) ولكن أممهم غير مسلمة في ذلك المستوى .. فسيدنا عيسى مسلم وأمته النصارى وسيدنا موسى مسلم وأمته اليهود وسيدنا محمد مسلم وأمته المؤمنون .. بل حتى تشريعات هذه الأمم تجد تداخل فيما بينها وقد قال عيسى عليه السلام "لم آت لأهدم الناموس وانما جئت لأتمم" .. ولذلك ساستفسر الأستاذ خالد عما يعنيه بالاختلاف الجوهري ..

    قولك:
    Quote: الأسباب التي تجعل اليهودية والمسيحية متفقتنا في الإشتراك أي مشتركان كما أوردتم مسبوقة الجملة بالرغم مختومة أنهما ديانتا توحيد؟! ألم يكن يحدث تحريف لدي كتبهم السماوية؟!
    ألم يكن الإسلام الدين المنزل من الله علي النبي محمد صلي الله عليه وسلمً يأمرنا أن نؤمن بالكتب الأخري شرطاً وعقيدة ؟! لماذا أهل ديانة اليهودية والمسيحية لا (يعترفون) بالإسلام كدين مرسل علي خاتم الأنبياء ؟!

    التحريف يحدث بطبيعة الحال ولكنه لا يغير شيء في حقيقة الأديان .. هذه التحريف سببه الأساسي اختلاف الفهم وبعد الناس من جوهر الدين الذي يأتي عادة نتيجة لعامل الزمن ولعل هذا هو السبب في ارسال الله للرسل برسالة التوحيد كلما طال العهد .. النبي الكريم قال "تفرقت اليهود الى واحد وسبعين فرقة .. وتفرقت النصارى الى اثنين وسبعين فرقة .. وستتفرق أمتى الى ثلاث وسبعين فرقة كلها هالكة الا واحدة" .. ونفس الأسباب التي جعلت اليهود لا يعترفون بالمسيح عيسى بن مريم ورسالته هي نفسها ما جعلت اليهود والنصارى لا يعترفون بسيدنا محمد ورسالته وهي الغرابة التي صاحبت ارتفاع عمود التوحيد عند ظهور هذه الرسالات .. والإسلام نفسه سيعود بقامة أخرى في التوحيد تجعله محط استنكار أمة المؤمنين نفسها كما بشر النبي حين قال "بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء .. قالوا: من الغرباء يا رسول الله؟ قال: الذين يحيون سنتي بعد اندثارها ..."
    وعن مقولة الأستاذ محمود عن أن "الانسان حيوان متطور، وإنما جاءت مقدرته على التطور من مقدرته على التخيل - تخيل الأشياء المقبلة"
    جاءت تساؤلاتك:
    Quote: السؤال عن مقولة الأستاذ محمود محمد طه هل من الدين أم من الفلسفة؟! وإذا كان الإنسان حيوان فمن أين جاء بالعقل الذي يعول عليه كاتب المقالات كثيراً ؟!
    وكيف أمتلكه أثناء التطور ؟! فقد وجدت في مطلع البوست موجودة الأية(وخلقنا الإنسان في أحسن تقويم) ..! فكيف الخروج من هذا التناقض ؟!

    الأستاذ منطلقه الفكري ديني وليس فلسفى ولذلك يمكن أن تعزى كل اقواله للدين .. والدين عند الأستاذ محمود لا يتناقض مع العلم التجريبي بل يكمله ويسد ثقراته .. الإنسان خلق كاملا في عالم الملكوت (عالم الأرواح) ثم رد الى عالم المادة في أدنى صورها (ولقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم * ثم رددناه أسفل سافلين) ولقد ذكر الأستاذ محمود في كتبه (بخاصة "رسالة الصلاة" حيث تحدث باسهاب عن مراحل تطور الإنسان) ذكر أن الانسان رد في سلم التطور الى ذرة غاز الهايدروجين (وهي المشار اليها بأسفل سافلين) ومن هناك بدأت رحلة عودته مرورا بجميع المراحل الحياتية التي يمثل الحيوان قمتها ثم جاءت القفزة بدخول العقل في مسرح الحياة .. العقل هو "الأمانة" التي عرضت على السموات والأرض فأبين أن يحملنها وذلك لأنه مدار التكليف ولأن من خلاله يتطور الإنسان في رحلة عودته الى "أحسن تقويم" حيث يلقى الله (وان الى ربك الرجعى) (وإن الى ربك المنتهى) ولا منتهى .. فليس هنالك تناقض في الصورة وانما هي نظرة توحيدية ترى البدايات والنهايات وما بينهما ..
    عمر
                  

12-18-2008, 02:48 AM

emad altaib
<aemad altaib
تاريخ التسجيل: 12-27-2007
مجموع المشاركات: 5300

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الإسلام كنظرية نقدية (Re: Omer Abdalla)

    ـــــــ
    الأستاذ: عمر عبد الله أتمني لك طيب الأوقات .

    أشكرك بعمق للإهتمام وسرعة الرد بخاصتك , وفي إنتظار رد الأستاذ خالد الحاج إن كان في الإمكان ذلك دون إزعاج له , وإن كان كل هدفي "معرفي" الذي في رأي يتطلب الأدب والترتيب .

    عليه سوف أأجل تعقيبي عليك حتي يأتي رداً الأستاذ خالد الحاج له كل التحايا.


    أضف شكري لك مجدداً.
                  

12-19-2008, 04:16 AM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الإسلام كنظرية نقدية (Re: Omer Abdalla)


    بسم الله الرحمن الرحيم
    الاستاذ محمود محمد طه في الذكري الثالثة والعشرين
    محاولة للتعريف باساسيات دعوته
    (وإنا أو إياكم لعلي هدى أو في ضلال مبين) صدق الله العظيم

    "والتبشير بالإسلام أمر يتطلب أن يكون المبشر ، من سعة العلم بدقائق الإسلام ،
    و بدقائق الأديان ، والأفكار ، والفلسفات المعاصرة ، بحيث يستطيع أن يجري مقارنة
    تبرز إمتياز الإسلام على كل فلسفة إجتماعية معاصرة ، وعلى كل دين،
    بصورة تقنع العقول الذكية.. "
    الأستاذ/ محمود محمد طه

    إلاسلام كنظرية نقدية
    الوهابية

    مقدمة تاريخية:
    الوهابية هي دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب بن سليمان المولود بقرية العيينة 1703 م والمتوفي 1792م، وقد عاش ابن عبد الوهاب حوالي التسعين عاما.. كان والده يعمل قاضياً، وقد تلقى محمد على يدي والده الفقه على مذهب الامام أحمد، وتردد على مكة والمدينة، طلباً للعلم، وأخذ على عدد من العلماء، من بينهم الشيخ محمد بن سليمان الكردي، والشيخ محمد حياة السندي.. وزار ابن عبد الوهاب البصرة، وعاد منها مطروداً، حسب رواية بن بشر مؤرخ الوهابية.
    وقد تحالف الشيخ مع أمير العيينة، عثمان بن حمد بن معمر، وقد أورد مؤرخ الوهابية عبد الله فليبي في كتابه "تاريخ نجد"، أن الشيخ قال لأمير العيينة (إن نصرتني ملكت نجد) وفي رواية (إني آمل أن يهبك الله نجداً وعربانها).. وهذه القولة تشير بوضوح أن للشيخ طموحات محددة، يسعى الى تحقيقها، بالتحالف مع الحكام والأمراء.. وقد توكد ذلك، فيما بعد، عندما تحالف مع آل سعود، ولقد زوج أمير العيينة، ابنة عمه، الجوهرة بنت عبد الله بن معمر لابن عبد الوهاب.. وقد قام الأمير عثمان بن حمد بطرد بن عبد الوهاب، وتشير المصادر الوهابية، الى أن السبب في ذلك، وقوع أمير الدرعية تحت ضغوط من الأمراء المجاورين، في الاحساء، وقطيف، وحريملاء، والبصرة.. وفيما بعد تمكن ابن عبد الوهاب من قتل عثمان بن حمد.
    إن عمليات الطرد المتكررة لابن عبد الوهاب، تشير الى أن دعوته كانت تثير الاضطرابات والقلاقل، بين المواطنين في المناطق التي يحل بها، وكثير من سكان المنطقة كانوا من الشيعة، ومجاورين للعراق، الموطن الكبير للشيعة، وكان بن عبد الوهاب منذ بداية دعوته يهاجم التصوف، والتشيع، وما يعتبره أعمال شرك، وبدع، من أعمال هاتين الفئتين، ويتضح ذلك من اقوال مؤرخي الوهابية، الذين يصفون البيئة التي نشأ فيها بن عبد الوهاب بأنها بيئة (غارقة في الجهل، ونشأ فيها الشرك، وكثر الاعتقاد في الأشجار والأحجار والقبور، والبناء عليها، والتبرك بها، والنذر لها، والاستعاذة بالجن، والذبح لهم، ووضع الطعام لهم في زوايا البيوت لشفاء المرضى، ولنفعهم وضرهم!!) وقد أصبحت محاربة هذه المظاهر، هي جوهر دين الوهابية، ولايكاد يوجد عندهم شيء خارج هذا الاطار!! ولما كانت هذه المظاهر تنسب للشيعة والصوفية بوجه عام، فقد اصبحت كل دعوة الوهابية، تقوم على معاداة التصوف والصوفية، وتكاد تقتصر على ذلك.
    لم يواصل الشيخ تعليمه، بسبب العداوات والقلاقل التي أثارها، وبسبب انشغاله بالتحالفات السياسية.. وحسب رواية بشر "وقع بينه وبين ابيه كلام، وكذلك وقع بينه وبين الناس في البلد (يقصد حريملاء)، فأقام على ذلك سنين حتى توفي أبوه عبد الوهاب في سنة 1153هـ ثم أعلن دعوته"
    كان تحالف بن عبد الوهاب الثاني، والأهم، مع أمير الدرعية محمد بن سعود، وذلك سنة 1158هـ، وقد تمت بين الرجلين بيعة، تقوم على أن يكون لابن سعود السلطة السياسية، ولابن عبد الوهاب السلطة الدينية.. وكانت أهم بنود هذه البيعة تتمثل فيما يلي:
    1. تكون الامارة في يد محمد بن سعود وأولاده.
    2. يكون للشيخ وتلامذته المشيخة والقضاء ، أي الشئون الدينية
    3. أن يلتزم الشيخ بالبقاء تحت راية بيت آل سعود فلا يخرج داعياً الى غيرهم ولا يرتحل عنهم
    4. أن لا يعترض الشيخ على ما يأخذه ابن سعود من أموال من الدرعية وغيرها من الذين يخضعون لسلطانه..
    وقد حدث خلاف بين المؤرخين حول موافقة بن عبد الوهاب على هذا البند الأخير، ولكن أقره بن بشر وهو ثقة بالنسبة للوهابية.
                  

12-19-2008, 04:20 AM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الإسلام كنظرية نقدية (Re: Omer Abdalla)


    الجهاد والهجرة:
    لقد ارتبطت الوهابية، منذ البداية، مع آل سعود، بالعمل الحربي.. وكان الشيخ - على الأقل في البداية - هو شخصياً من يجهز المقاتلين، وكانت أول سرية للوهابية، حسب مؤرخها عثمان بن يشر النجدي، بأمر الشيخ، يقول بن بشر: "ثم أمر الشيخ - أي محمد بن عبد الوهاب - بالجهاد وحضهم عليه فامتثلوا، فأول جيش غزا، سبع ركائب، فلما ركبوها واعجلت بهم النجائب في سيرها سقطوا من أكوارها لأنهم لم يعتادوا ركوبها، فأغاروا أظنه على بعض الأعراب ففتحوا ورجعوا سالمين"
    وقد طلب بن عبد الوهاب من الذين دخلوا في مذهبه الهجرة اليه، يقول ابن بشر: "ولما هاجر من هاجر الى الدرعية، واستوطنوا، كانوا في اضيق عيش، وأشد حاجة.. " ويقول: "وكان الشيخ - رحمه الله - لما هاجر اليه المهاجرون يتحمل الدين الكثير في ذمته لمؤونتهم وما يحتاجون اليه"
    ومن المناطق التي هاجمها بن عبد الوهاب، موطنه الأصلي العيينة، فخرب القرية، وقتل الكثير من أهلها، من بينهم الأمير عثمان بن حمد الذي مر ذكره، وقد اتهمه ابن عبد الوهاب بالشرك، وهو الذي كان قد آواه قبل ذلك!! وكان مال بن عبد الوهاب، الذي ينفق منه هو الذي يأتيه من الغنائم.
    وتاريخ الوهابية، بعد تحالفهم مع آل سعود، هو تاريخ حركة آل سعود، وحروبهم التي شنوها على مختلف أراضي الجزيرة العربية.. فبعد وفاة محمد بن سعود 1179هـ خلفه عبد العزيز بن محمد بن سعود على حكم الدرعية، واستطاع أن يفتح الرياض 1187 هـ واستمرت حروبه حتى 1202 هـ ، وفتح الأحساء، ومكة، والطائف، بعد حروب طويلة مع الشريف غالب بن مساعد، شريف مكة.. وغزا عبد العزيز جنوب العراق، ودخل كربلاء، وهدم ضريح قبر سيدنا الحسين، واخذ الكنوز التي كانت عند الضريح، وهذا مما جعل أحد الشيعة، يقوم بطعن عبد العزيز وقتله عام 1218هـ .. وقد خلف عبد العزيز ابنه سعود، وواصل الفتوحات، بعد أن توصل الى صلح مع الشريف غالب.
    وبعد حروب طويلة، آلت معظم الجزيرة العربية، لآل سعود وسموا المنطقة التي سيطروا عليها (المملكة العربية السعودية) وأقاموا فيها ملكاً وراثياً.. وقد قويت المملكة، وصارت دولة ثرية، بعد اكتشاف البترول بها، ووجدت الحماية الدائمة، من الدول الغربية، المستفيدة من البترول.. وقد ظل التحالف السعودي الوهابي، قائماً، منذ ذلك التاريخ والى اليوم.. فلآل سعود السلطة السياسية، ولآل الشيخ - محمد بن عبد الوهاب - السلطة الدينية، بالطبع تحت هيمنة الملوك والأمراء من آل سعود.. وأصبح الوضع ملكاً وراثياً، يدعمه دينياً، ويبرره آل الشيخ، مقابل امتياز ديني وراثي هو الآخر.. وقد قامت الدولة السعودية، الثالثة عام 1913م وهي مستمرة الى اليوم.
    وفي اطار دعم نفوذهم، وتأمين سلطتهم، اتجه السعوديون الى استغلال الدين، مستعينين على ذلك، بالثروة الطائلة التي وفرها لهم البترول، ولم يقتصر استغلالهم للدين على الداخل فقط، وإنما سعوا لأن تكون لهم مكانة خاصة بين الدول العربية والاسلامية بحكم سيطرتهم على الأماكن الاسلامية المقدسة، فعملوا على نشر المذهب الوهابي خارج السعودية، وفي مختلف دول العالم العربي والاسلامي، معتمدين في ذلك على ثروتهم الطائلة، وعلى نشاط حلفائهم، واتباعهم، من الوهابية، ذلك النشاط الذي يقوم أساساً على أموال الدولة السعودية في تجنيد الأتباع للدعوة.. فمن هذا الجانب، الدعوة الوهابية، هي دعوة جماعة وظفت نفسها، لقيام، وحماية واستمرارية نظام معين، هو نظام الأسرة السعودية، المالكة.. وارتبطت هذه الجماعة ببيعة ملزمة لها، تضمنت هذه البيعة ألا تسأل اسرة آل سعود عما تفعل في الجانب السياسي، وعملياً التزم الوهابيون بذلك، وظلوا طوال تاريخهم والى اليوم هم السند الديني الذي يبرر حكم آل سعود، ويعطيه الغطاء الديني.. ولم يحدث في تاريخ الوهابية، كجماعة، أن أشاروا ولو مجرد اشارة لصور الفساد الكثيرة، التي ظلت تجري في حكم النظام السعودي، طوال تاريخه.. فمن هذا الوجه، الوهابية، ليست أيدولوجية حزب، وإنما هي أيدولوجية أسرة!! وهذا أمر يتفردون به، وليس له أي شبيه.. فالأمويون، أو العباسيون، كانوا يستغلون الدين في حكمهم، لكن لم تكن لهم فرقة دينية ذات مذهب محدد، توظفه لهذا العمل، مثل جماعة الوهابية.

    الدعوة الوهابية والتوحيد:
    الدعوة الوهابية قامت منذ البداية على محاربة ما اعتبره ابن عبد الوهاب شركا، وهذا الذي اعتبره شركاً، يتمثل في: بناء القباب، وزيارتها، وزيارة القبور، والتبرك بها، والتمائم، الى آخر هذه الصور من النشاطات التي يقوم بها الصوفية، والشيعة.. وعمل الوهابية في هذا الجانب - اذا استثنينا العمل في تبرير النظام السعودي - هو النشاط الأساسي للجماعة، بل يكاد يكون نشاطهم الوحيد!! فالتوحيد، عند الوهابية، هو محاربة تلك الصور من النشاط الشيعي الصوفي، التي اعتبرها الوهابية شركاً.. فالتوحيد عندهم هو ترك البدع والشرك، المتمثل في تلك المظاهر، اعتماداً على الله.. ولكن من هو الله، في نظر الوهابية!؟ هذا ما سنراه بعد قليل.. نحب أن نقرر هنا، مسألة هامة جدا ًبالنسبة للوهابية، وهي أن الدعوة الوهابية دعوة سلبية تماماً!! بمعنى أنها تدعو لترك اشياء معينة في العقيدة، وفي الممارسة، وهي اشياء جانبية جداً، في حياة البشر اليوم.. أما من الجانب الايجابي، فالوهابية، لا تدعو لأي شيء!! هي لا تملك أي رأي - خطأ أو صواب - حول القضايا الانسانية، في السياسة والاقتصاد، والتربية والفن، والعلم والمعرفة.. الخ.. فالوهابية دعوة للترك، وليس للعمل.. حتى موضوع التوحيد، هم لا يذكرون للناس، رأيهم في قضاياه الأساسية، بل كثير من الوهابية، لا يعرفون رأيها في هذه القضايا!!
    الوهابية كدعوة دينية، تعتبر نفسها دعوة سلفية، وتعتمد اعتماداً تاماً، على فكر بن تيمية، ثم بن القيم، وبعض كتابات بن عبد الوهاب، وبعض كتابات أنصار الدعوة اللاحقين، التي هي ليست أكثر من تعبير عن فكر بن تيمية.. وفكر الوهابية، وشيخهم بن تيمية، فكر (ظاهراتي)، يقوم على الأخذ بظاهر النص القرآني، دون أي تأويل.. فهم في أخذهم بالظاهر، لا يعتبرون حتى موضوع المجاز اللغوي.. وهذا الأخذ بالظاهر، جعلهم فيما يتعلق بالله وأسمائه وصفاته، من (المجسمة) فطبيعة الله عندهم طبيعة مادية، فيها، ذات الله، محددة، ومحدودة، بالزمان والمكان، حسب ما ورد ، في ظاهر النص!! عن ذلك تعالى الله علواً كبيراً.
    ونحن هنا لكثرة المادة الواردة في هذا الموضوع، سنورد بعض النصوص، الواردة في المصادر المعتمدة عندهم، خصوصاً، بن تيمية، مع الاشارة الى هذه المصادر.
    نحن نشير الى كتاب ابن تيمية (مجموع الفتاوى) بكلمة (فتاوى) مع ذكر رغم المجلد والصفحة..
    يقول بن تيمية: (إن محمداً رسول الله يجلسه ربه على العرش معه) فتاوى 4 ص 374.. وفي تبرير تجسيد الله، يذهب ابن تيمية الى أنه كون الإله ذو جسم أو جسد، ليس مما يعيب، بدليل أن الله تعالى، لم يعب، على بني اسرائيل في اتخاذهم العجل، ان العجل له جسم او جسد فهو يقول: ".. . الوجه الثالث وهو أنه سبحانه قال: ألم يروا انه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا، فلم يذكر فيما عابه كونه ذا جسد، ولكن ذكر فيما عابه به أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا، ولو كان مجرد كونه ذا بدن عيبا ونقصا لذكر ذلك، فعُلم أن الآية، تدل على نقض حجة من - يحتج بها على أن كون الشيء ذا بدن عيبا ونقصاً.. " 5/220
    أما أبا يعلي، وهو من المعتمدين عند الوهابية، فيقول: (والله عز وجل على العرش والكرسي موضع قدميه) كتاب (طبقات الحنابلة) - طبعة دار الكتب العلمية ط 1 سنة 1997م ص 32 ويقول حافظ الحكمي (قال النبي: إن الله ينزل الى السماء الدنيا وله في كل سماء كرسي، فإذا نزل الى السماء الدنيا جلس على كرسيه، ثم مد ساعديه) من كتاب (معارج القبول) - طبعة دار الكتب العلمية - ط 1 ص 235 .
    ويقول محمد زينو (إن الله فوق العرش بذاته منفصلا عن خلقه) من كتابه (مجموعة رسائل التوجيهات الاسلامية لاصلاح الفرد والمجتمع) طبعة دار الصُميعي بالرياض ص 21 .
    وفي كتاب عثمان بن سعيد الدارمي في الرد على بشر المريسي يقول الدارمي: (إن كرسيه وسع السموات والأرض، وأنه ليقعد عليه فلا يفضل منه إلا قدر أربع أصابع، وأن له أطيطا كأطيط الرحل الجديد إذا ركبه من يثقله) طبعة دار الكتب العلمية ص 74 ويقول من ص 85: (وقد بلغنا أنهم حين حملوا العرش وفوقه الجبار في عزته وبهاءه ضعفوا عن حمله، واستكانوا ، وجثوا على ركبهم حتى لقنوا لا حول ولا قوة إلا بالله، فاستقلوا به بقدرة الله وإرادته، ولو لا ذلك ما استقل به العرش ولا الحملة، ولا السموات والأرض، ولا من فيهن، ولو قد شاء، يعني الله - لاستقر على ظهر بعوضة فاستقلت به بقدرته، ولطف ربوبيته، فكيف على عرش عظيم)!!
    وفي كتاب رد الدارمي المصدر السابق ذكره جاء قوله: (كل شيء هالك إلا وجه نفسه الذي هو احسن الوجوه، واجمل الوجوه، وأنور الوجوه.. وأن الوجه منه غير اليدين، واليدين منه غير الوجه) ص 159
    يقول بن تيمية: (وجمهور المسلمين يقولون أن القرآن العربي كلام الله، وقد تكلم به بحرف وصوت) فتاوى 5 ص 556 .. ويقول العيثيمين، من كتابه (فتاوى العقيدة) طبعة مكتبة السنة ط1 1992م (في هذا اثبات القول لله، وأنه بحرف وصوت، لأن أصل القول لا بد أن يكون بصوت، ولو كان قولاً بالنفس لقيده الله كما قال تعالى "ويقولون في أنفسهم لو لا يعذبنا الله" [المجادلة]، فإذا أطلق القول فلا بد ان يكون بصوت) ويقول أبو يعلي (وكلم الله موسى تكليماً من فيه - يعني فمه - وناوله التوراة من يده الى يده) من كتاب (طبقات الحنابلة) ج 1 ص 32 ـ33 الصادر من مطبعة دار الكتب العلمية. ويقول الدارمي من المصدر الذي سبق ذكره ص 75 (ولو قد قرأت القرآن وعقلت عن الله معناه، لعلمت يقيناً، أنه يدرك بحاسة بينة في الدنيا والآخرة، فقد ادرك موسى منه الصوت في الدنيا، والكلام هو اعظم الحواس)
    ويقول الدارمي ص26 من المصدر المذكور (فأكد الله لآدم الفضيلة التي كرمه وشرفه بها، وآثره على جميع عباده، اذ كل عباده خلقهم بغير مسيس بيد وخلق آدم بمسيس) ويقول ص 35 (عن ميسرة إن الله لم يمس شيئاً من خلقه غير ثلاث؛ خلق آدم بيده، وكتب التوراة بيده، وغرس جنة عدن بيده) ويقول من ص 30 (فلما قال خلقت آدم بيدي، علمنا أن ذلك تاكيد ليديه، وأنه خلق بهما) وفي (كتاب التوحيد) لابن خزيمة، يقول محمد خليل هرّاس المعلق على الكتاب: (فإن القبض إنما يكون باليد الحقيقية لا بالنعمة، فإن قالوا إن الباء هنا للسببية اي بسبب إرادته الانعام ، قلنا لهم بماذا قبض؟ فإن القبض محتاج الى آلة، فلا مناص لهم لو أنصفوا من أنفسهم إلا أن يعترفوا بثبوت ما صرح به الكتاب والسنة) ص 63 .. ويقول من ص 64: (هذه آية صريحة في اثبات اليد فإن الله يخبر فيها ان يده تكون فوق أيدي المبايعين لرسوله، ولا شك أن المبايعة إنما تكون باليد لا بالنعمة ولا بالقدرة) ويقول العثيمين: (وعلى كل فإن يديه سبحانه اثنتان بلا شك وكل واحدة غير الأخرى).. ومن كتاب (فتاوى العقيدة)، يقول العثيمين: (إن الله يأتي اتياناً حقيقياً للفصل بين عباده يوم القيامة على الوجه اللائق) ص 112 .. ويقول من ص 114 (فإن ظاهره ثبوت اتيان الله هرولة، وهذا الظاهر ليس ممتنعا عن الله، فيثبت لله حقيقة). أما محمد خليل هرّاس فيقول من كتابه[شرح نونية ابن القيم] مانصه: (فهو صريح في فوقية الذات، لأنه ذكر أن العرش فوق السماوات، وهي فوقية حسية بالمكان، فتكون فوقية الله على العرش كذلك ولا يصح أبدا جعل الفوقية هنا على فوقية القهر والغلبة ) ص 249 .
    هذه بعض النصوص أوردها سامي قاسم امين في كتابه (الوهابية)، الذي نشرته مكتبة مدبولي، وهو لم يورد سوى ما ورد في المصادر التي نشرها الوهابية بأنفسهم من دور النشر التابعة لهم، في السعودية ومصر، أو التي يتعاملون معها في بيروت.. والنصوص جميعها من كتابات الثقاة من مفكري الوهابية، وعلى رأسهم، بن تيمية، مفكرهم الأساسي، ومن كتابه الأساسي (مجموع الفتاوى)، وابن خزيمة، ومحمد بن صالح العثيمين، والدرامي، وابي يعلي، ومحمد زينو ، وحمد خليل هرّاس.. وبالطبع من غير الممكن أن تقوم دور النشر السعودية أو تلك التي يملكها الوهابية، خارج السعودية، بنشر شيء يخالف عقيدتهم.
                  

12-23-2008, 11:21 PM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الإسلام كنظرية نقدية (Re: Omer Abdalla)


    الوهابية، في النصوص المنقولة أعلاه، يؤكدون تجسيد الذات، ويعتبرون ذلك من بدائه الأمور التي لا يقبل العقل غيرها، فعندهم، بداهة، القبض لا يكون إلا بيد، فلا معنى عندهم لتأويل اليد في حق الله تعالى، فنقول نعمة أو قدرة أو غيره، وقد أوردنا قولهم (ولا شك أن المبايعة تكون بالأيدي لا بالنعمة ولا بالقدرة) ويقولون (فإن القبض إنما يكون باليد الحقيقية لا بالنعمة) ويقولون (فبماذا قبض، فإن القبض محتاج الى آلة فلا مناص لهم لو أنصفوا من أنفسهم إلا أن يعترفوا بثبوت ما صرح به الكتاب والسنة) ولكن ما هو الفرق في هذه الأمور الحسية بين الذات الالهية والخلق!؟ فللنظر في قول ابن باز - أحد أكبر علمائهم - الذي أورده سامي قاسم ص104 - 105، والذي جاء فيه وهو يرد على الصابوني، صاحب (صفوة التفسير) فجاء من أقوال بن باز: (ثم ذكر الصابوني، هداه الله - تنـزيه الله سبحانه عن الجسم والحدقة والصماخ واللسان والحنجرة وهذا ليس بمذهب أهل السنة، بل هو من اقوال أهل الكلام المذموم وتكلفهم، فإن أهل السنة لا ينفون عن الله إلا ما نفاه عن نفسه أونفاه رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يثبتون له إلا ما اثبته لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، ولم يرد في النصوص نفي هذه الأمور ولا اثباتها، فالواجب الكف عنها وعدم التعرض لها لا بنفي ولا باثبات).. الواقع أن الاثبات، ورد في، النصوص، وهو موضوع الخلاف.. فالوهابية يؤكدون ظاهر النص وغيرهم يؤلونه.. يقول ابن باز في موضع آخر، من نفس النص، مناقضاً نفسه: (اقول: ان الأخ الصابوني - هداه الله - قد جمع في هذا الكلام حقا وباطلا يعلمه كل صاحب سنة، فإليك أيها القارئ المؤمن التفصيل في ذلك: أما الوجه، واليدان والعينان والساق والأصابع فقد ثبت بالنصوص من الكتاب والسنة الصحيحة، وقال بها اهل السنة والجماعة، وأثبتوها لله سبحانه على الوجه اللائق به سبحانه.. وهكذا النـزول والهرولة جاءت بها الأحاديث الصحيحة، ونطق بها الرسول صلى الله عليه وسلم، واثبتها لربه عز وجل على الوجه اللائق به سبحانه من غير مشابهة لخلقه ولا يعلم كيفية هذه الصفات إلا هو سبحانه).. إذا فالصفات ثابتة، بالنص، وهذا أمر لا يمكن الاختلاف حوله، وإنما الاختلاف حول المعنى.. الوهابية يرون أنها تُؤكد كما يعطيها ظاهر النص دون أي تأويل، والصابوني، وبقية المسلمين، يرون أنه لا بد من التأويل، لأنه هو (ما يليق به سبحانه فهو غير مشابه لخلقه).. والوهابية، يرون أن تأويل ظاهر الصفات، هو انكار لها!! ويعتبرون ذلك، انكاراً على النبي، وانكارا على الله، لأنها وردت بنصوص القرآن والسنة.. يقول ابن باز: (فإنكار الصابوني هذه الصفات انكاراً على النبي صلى الله عليه وسلم، بل انكاراً على الله عز وجل، لأنه سبحانه ذكر بعضها في كتابه العزيز وأوحى البعض الآخر لنبيه)!! بمثل هذا الالتواء، يكفر الوهابية جميع المسلمين.. الاختلاف ليس في ورود الصفات، أو عدم ورودها، وإنما الاختلاف في معانيها، هل هي صفات حسية؟ كما يزعم الوهابية، ويصرون على زعمهم أم الجانب الحسي فيها يحتاج الى تأويل، ليستقيم مع (الوجه الذي يليق به سبحانه)!؟
    إن عبارات مثل (الوجه الللائق به سبحانه) (وغير مشابهة لخلقه)، عند الوهابية، عبارات لا معنى لها، فهم كما راينا من النصوص، يثبتون الصفات المادية، بصورتها المادية، حسب ظاهر النص، ويوكدون ذلك توكيداً شديداً، ويعتبرون من يخرج عنه خرج من الدين.. فالاختلاف بين الله تعالى، وخلقه بالنسبة للصفات الحسية عندهم، اختلاف قائم، ولكن يقع في اطار الطبيعة المادية.. فالله تعالى عندهم، فوق العرش حسياً (إن الله تعالى فوق العرش بذاته، منفصل عن خلقه).. وهو تعالى عندهم له يد يحس بها (خلق آدم بمسيس).. واليد، والوجه، والعينين وكذلك الحس، والسمع، والنظر، والحركة، كلها، عندهم أمور حسية،كما هو ظاهر من النصوص التي أوردنا بعضها.. فلا مجال، للاختلاف بين الله تعالى، وخلقه، حسب تصورهم هذا، إلا أن يكون اختلافاً في اطار نفس الشيء.. وأسوأ من ذلك الوهابية، يرون أن ظاهر النص يحكم المعنى ويحدده، دون الحاجة الى أي تأويل، وهذا في نظرهم في اطار ما يليق به تعالى.. وأهل التأويل، يرون أن ما يليق به تعالى، وبكماله، تجاوز ظاهر النص، ومحدوديته، الى ما وراء ظاهر النص، فالتوحيد هو الذي يحكم النص، ويعطيه دلالته، لا العكس، كما هو الحال عند الوهابية.. فإذا قال تعالى (جاء ربك) فالاختلاف بينه تعالى وبين خلقه، ليس في صفة المجيء، حتى نقول المجيء يتم، ولكن بصفة، تختلف عن مجيء الخلق، وإنما الاختلاف في طبيعة المجيء.. فالمجيء، حسب ظاهر اللغة، لا يكون إلا لغائب، والله تعالى في ذاته، ليس بغائب، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
    إن مشكلة الوهابية كلها، مردها، الى مبدئهم الأساسي، الذي يقوم على الأخذ بظاهر النص بحرفية، دون تأويله.. فهذا المبدأ يلغي الفكر، إذ يجعل المعاني جاهزة، ولا تحتاج الى أي اعمال فكر، ويجعل ظاهر النص هو الذي يحكم المعنى، ويحدده، دون أي فرصة للتسامي في ادراك المعاني، وكل ذلك مما يحجر الفكر، ويجعلهم عبدة نصوص.
    وعلى كل، التأويل، وارد في ظاهر النص، من كتاب وسنة، فقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم، دعا لابن عباس بقوله: "اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل".. وجاء في القرآن الكريم، قوله تعالى: "هل ينظرون إلا تأويله، يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل، قد جاءت رسل ربنا بالحق، فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا، او نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل، قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون".. فالوهابية من "الذين نسوه من قبل" وممن "خسروا انفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون".. هم ممن يفترون على الله.
    الوهابية، أمام هذه الآية، إما أن يقبلوها على ظاهرها، كما هي دعوتهم، فيقبلوا بذلك مبدأ التأويل، فيهدموا مذهبهم كله.. أو يؤلوها، فيهدموا ايضاً مذهبهم كله.
    إن تصور الوهابية للألوهية، يقع دون قامة أطفال العصر بكثير!! ومع ذلك يخاطبون العصر الذي هم خارجه!! وقد جعلهم الاعتماد على الأخذ بظاهر النص، ينكرون امورا هي من بديهيات، حقائق العصر، ويدركها حتى الأطفال، من ذلك مثلاً انكار بن باز دوران الأرض حول الشمس، وتكفير من يقول به!! وقد جاء من اقواله، في كتابه: (الأدلة النقلية والحسية على امكان الصعود الى الكواكب، وعلى جريان الشمس وسكون الأرض) المطبوع بمطبعة الجامعة الاسلامية في المدينة المنورة سنة 1395هـ ، جاء ما نصه: (أما بعد، فلقد شاع بين كثير من الكتاب والمؤلفين والمدرسين في هذا العصر، أن الأرض تدور والشمس ثابتة، وراج هذا على كثير من الناس، وكثر السؤال عنه، فرأيت أن من الواجب أن اكتب في هذا كلمة موجزة ترشد القارئ الى ادلة بطلان هذا القول، ومعرفة الحق في هذه المسألة).. الى أن يقول: (فمن زعم خلاف ذلك، وقال أن الشمس ثابتة لا جارية، فقد كذب، وكذّب كتابه الكريم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنـزيل من حكيم حميد.. ومن قال هذا القول فقد قال كفراً وضلالاً، لأنه تكذيب لله، وتكذيب للقرآن، وتكذيب للرسول صلى الله عليه وسلم، لأنه عليه الصلاة والسلام قد صرح بالأحاديث الصحيحة، أن الشمس جارية، وأنها اذا غربت تذهب وتسجد بين يدي ربها، تحت العرش، كما ثبت في الصحيحين من حديث أبي ذر رضي الله عنه، وكل من كذب الله سبحانه، أو كذب كتابه الكريم أو كذب رسوله الأمين عليه الصلاة والسلام فهو كافر، ضال، مضل، يستتاب، فإن تاب وإلا قتل كافرا، مرتداً، ويكون ماله فيئاً لبيت مال المسلمين كما نص على هذا أهل العلم) يمكن الرجوع للنص والكتاب في الموقع binbaz.org.sa
    هذا النص بكل ما فيه من جهالة جهلاء، هو ينسجم تماما مع فكر الوهابية، فطالما أن المبدأ الأساسي، هو الأخذ بحرفية النص، فكل وهابي ملزم بأن يرى ما رأى بن باز، لأنه يقوم على المبدأ الأساسي للوهابية.
    وبالطبع القضية من أساسها مطروحة، طرحا خاطئاً، فمن يقولون أن الأرض تدور حول الشمس، لا ينفون حركة الشمس، ولا يرون دوران الأرض حولها يقتضي ثباتها، بل لا يرون أي شيء ثابت في الكون الحادث.. هذه أمور قامت بذهن بن باز، لجهله الفاضح، بأوليات علم الفلك.. ومثل هذه القضايا العلمية، التي تتناقض، مع فهم بن باز الذي يقوم على ظاهر النصوص، أكثر بكثير مما يخطر بذهن بن باز، وجميع أهل الأرض، تقريبا، يؤمنون على الأقل بعدد منها، بالطبع ما عدا بن باز وجماعته.. وعلى ذلك جميع أهل الأرض في نظر بن باز وجماعته، كفارا كفرا مركبا، ومتعددا، بحسب عدد القضايا التي يؤمنون بها، فتكفرهم، وفق منهج بن باز وجماعته.
    التكفير، وسلب الأموال، والقتل، عند بن باز وجماعته قاصر على المسلمين فقط.. أما غير المسلمين، وهم كفار أصلا، بالاضافة الى أنهم يعتنقون نفس الأفكار التي يكفر بها بن باز المسلمين، فهؤلاء لا يتجرأ بن باز وجماعته أن يتعرضوا لهم بكلمة، ولا حتى ان ينصحوا حكومتهم أن توقف استغلالهم لها وللمسلمين.
    وكلام بن باز يثير العديد من الأسئلة: طالما أن الجري مثل القبض لا يتم إلا بآلة، فما هي آلة الشمس في جريها، هل هي أرجل أم عجلات!؟ وماهي هيئة سجود الشمس!؟ وكيف تسجد الشمس بين يدي ربها تحت العرش، وهو فوق العرش!؟.. إن الخطاب النبوي يقوم على الحكمة الواردة في قول المعصوم: "نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم"
    لا أعتقد أننا في حاجة للحديث عن الصفات المعنوية، فمبدأ الوهابية، في التعامل معها، هو نفس المبدأ: الأخذ بحرفية ظاهر النص.. فالله تعالى عندهم: يمكر، ويخدع، ويمل .. .الخ، وفق المعنى الذي يعطيه ظاهر الكلمات!! عن ذلك تعالى الله علوا كبيرا.. كل الاختلاف، عندهم، أن هذه الصفات المذمومة، هي في حقه تعالى محمودة.. يقول العثيمين، مثلا (لا يوصف الله بالمكر إلا مقيدا، فإن قيل كيف يوصف الله بالمكر مع أن ظاهره مذموم، قيل أن المكر في محله محمود) من كتاب (فتاوى العقيدة) طبعة مكتبة السنة ص 50 .. فهم لا يقبلون أن تأول صفة المكر، في حق الله، لتصبح دلالتها محمودة، وإنما يصرون على أن يكون نفس المكر الذي يعطيه ظاهر النص، ويقولون أنه محمود!!
    إن المفارقات لأمر التوحيد عند الوهابية، كثيرة جداً، ولكن ما تقدم يكفي، فهو يعطي تصوراً لغيره.
    الوهابية يزعمون أنهم أنصار السنة فما موقفهم من السنة، وبالذات من صاحب السنة، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.. هل هو أفضل من موقفهم من التوحيد!؟ سنرى أنه أسوأ بكثير!!

    يتبع

    خالد الحاج عبد المحمود
    رفاعة في 31/10/08
                  

12-26-2008, 06:04 AM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الإسلام كنظرية نقدية (Re: Omer Abdalla)


    بسم الله الرحمن الرحيم

    الاستاذ محمود محمد طه في الذكري الثالثة والعشرين
    محاولة للتعريف باساسيات دعوته

    ((وإنا أو إياكم لعلي هدى أو في ضلال مبين.)) صدق الله العظيم
    "والتبشير بالإسلام أمر يتطلب أن يكون المبشر ، من سعة العلم بدقائق الإسلام ، و بدقائق الأديان ، والأفكار ، والفلسفات المعاصرة ، بحيث يستطيع أن يجري مقارنة تبرز إمتياز الإسلام على كل فلسفة إجتماعية معاصرة ، وعلى كل دين، بصورة تقنع العقول الذكية.."
    الأستاذ/ محمود محمد طه

    إلاسلام كنظرية نقدية
    الوهابية


    الموقف من النبي الكريم
    على التوحيد يقوم أساس الدين كله، فأي خلل في هذا الأساس تتصدع له جميع أركان الدين.. والعقيدة الوهابية، تقوم على فساد حقيقي في التوحيد، أدى الى فساد حقيقي في عقيدتهم في النبي صلى الله عليه وسلم.. وفساد العقيدة الوهابية، مرده كله، الى الأساس الذي تقوم عليه دعوتهم، وهو التمسك بحرفية النص.. وهم لشدة تمسكهم، بهذا المبدأ الفاسد، يعمون عن حقيقة أمرهم، ويتهمون من يقول بخلاف قولهم، بفساد العقيدة: وحجتهم في ذلك، أن الصفات الإلهية وردت في القرآن، فمن يأولها إنما يحرف دلالتها!! فلنسمع الى كاتبهم د. صالح بن فوزان، من كتابه (عقيدة التوحيد) ، كيف يجادل في هذا الأمر.. والكتاب من المصادر الهامة التي تستخدمها الجماعة في نشر دعوتها، ويقول عنه، صاحبه، في المقدمة: (هذا كتاب في علم التوحيد، وقد راعيت فيه الاختصار مع سهولة العبارة، وقد اقتبسته من مصادر كثيرة من كتب أئمتنا الأعلام، ولا سيما كتب شيخ الاسلام ابن تيمية، وكتب العلامة ابن القيم، وشيخ الاسلام محمد بن سليمان، وتلاميذه من ائمة هذه الدعوة المباركة) فهو يشير الى الصفات، والنصوص المتعلقة بها، فيقول: (فقد اخبرنا سبحانه أن له وجها.. وأن له يدين.. وأنه يرضى ويحب ويغضب ويسخط الى غير ذلك مما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم) ص 6 .. ثم يذهب ليقول عن مذهب أهل السنة والجماعة: (انهم يثبتون اسماء الله وصفاته، كما وردت في الكتاب والسنة، على ظاهرها، وما تدل عليه ألفاظها من المعاني، ولايأولونها عن ظاهرها، ولا يحرفون ألفاظها ودلالاتها عن مواضعها) !! ص 63 وهو يعتبر من لا يرى رأيهم الباطل هذا ممن ينكر الأسماء والصفات!! وهو يزعم أنه يرد عليهم من عدة وجوه، فيقول (الوجه الأول: أن الله سبحانه وتعالى أثبت لنفسه الأسماء والصفات، وأثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم فنفيها عن الله أو نفي بعضها، نفي لما أثبته الله ورسوله، وهذه محادة لله ولرسوله) ص 66.. فهو يعتبر تأويل الصفات، وتفسيرها على الوجه الذي يليق بالله تعالى نفي لها، ومحادة لله!؟ ويقول في الوجه الثاني (أنه لا يلزم من وجود هذه الصفات في المخلوقين، أو من يسمي بعض المخلوقين بشيء من تلك الأسماء، المشابهة بين الله وخلقه، فإن لله سبحانه أسماءً وصفاتاً تخصه، وللمخلوقين أسماء وصفات تخصهم، فكما أن لله تعالى ذاتا لاتشبه ذوات المخلوقين، فله أسماء وصفات لا تشبه أسماء وصفات المخلوقين، والاشتراك في الاسم والمعنى العام لايوجب لاشتراك في الحقيقة، وقد سمى نفسه عليماً، حليماً، وسمى بعض عباده عليما) !! ص 66 .. إن هذا النص كله، يناقض اساسيات التوحيد، ويقوم، على جهل فاضح.. وأخطر ما فيه أنه يجعل للمخلوقات ذوات، بازاء ذات الله!! (أن لله سبحانه وتعالى ذاتا لا تشبه ذوات المخلوقين) !! إن هذا القول الفاسد، يجعل في الوجود ذواتا متعددة ـ ذات الله ـ وذوات المخلوقات!؟ وهذا قمة الشرك.. وما عليه التوحيد، ان المخلوقات، ليست لها ذوات بإزاء الذات الالهية، فالمخلوقات من حيث ذواتها عدم، لا تستطيع أن تقوم بذاتها ولو للحظة، وهذا هو معنى الاسم (القيوم) – أي الذي تقوم به الأشياء.
    فالمخلوقات ليست موجودة مع الله، حتى تكون لها ذوات إزاء ذاته، وإنما هي موجودة به.. وليست معه!! هذا القول الفاسد يجعل الحقيقة في الوجود متعددة، وهذا منتهى البطلان.. فالحقيقة، في الوجود واحدة هي: ذات الله، وكل ما عداها ومن عداها، هو مظهر لإرادة الذات الالهية، وليس له وجودا ذاتياً مستقلاً عنها.. وهذا هو معنى افتقار المخلوقات، فهي من حيث وجودها واستمرارية وجودها تفتقراليه تعالى، بصورة مطلقة، فلا تستطيع أن تقوم بذاتها ولو للحظة حتى يكون لها ذات مع الله، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا!! ومن هذه الجهالة، تنبع كل الجهالات الأخرى.. فهو يقول من النص أعلاه (فإن لله سبحانه أسماء وصفات تخصه وللمخلوقات أسماء وصفات تخصهم) !! ثم يمضي فيقول: (وكذلك وصف نفسه بصفات، ووصف عباده بنظير تلك الصفات، مثل قوله (ولايحيطون بشيء من علمه) ، فوصف نفسه بالعلم، ووصف عباده بالعلم فقال: "وما أوتيتم من العلم إلا قليلا..) ص 66لاحظ كلمة (نظير) !! إن من أوليات التوحيد أن علم الخلق ليس (نظير) علم الله، بل وليس له وجود بإزاء علم الله، وإنما هو منه!! العلم واحد، هو علم الله، يُعلّم منه، من خلقه، ما يشاء!! ولا يوجد، ولا يمكن أن يوجد، علم بخلاف علم الله، الذي لا علم غيره!! وأن معنى النصوص التي أوردها بنفسه، مثل (ولا يحيطون بشيء من علمه) ، فالعلم منسوب اليه تعالى، فالإحاطة بشيء منه تمتنع، إلا إذا شاء الله، (إلا بما شاء) وهذا معنى الآية الآخرى: "وما أوتيتم من العلم إلا قليلا"، فنحن لا نعلم من عندنا، وإنما نعطي العلم (وما أوتيتم) .. إن الكلمات مثل: ـ سبحانه، وتنـزه، وعدم المماثلة،عند الوهابية، مجرد كلمات، أقوالهم تناقضها بصورة جلية.
    الذين يأولون الأسماء والصفات، لا ينفونها، كما يزعم الوهابية، وإنما يؤكدونها، ويفسرونها بالصورة التي تستقيم مع كمال الله ـ وهذا هو معنى التأويل ومقتضاه.. هم ينفون المعنى الذي يقوم على الظاهر، والذي يؤكده الوهابية.. فالقول بأنهم ينفون ما أثبته الله، هو اتهام بالباطل، وتحريف للقول.
    يقول صاحب الكتاب: (إن من يأولون الأسماء والصفات، يفعلون ذلك للشبهة التي بنوا عليها جميع مذاهبهم وهي: الفرار من مشابهة الله لخلقه، بزعمهم) !! وهو يقول أنهم التزموا حيال ذلك أحد أمرين:
    1. إما تأويل نصوص الأسماء والصفات عن ظاهرها، كتأويل الوجه بالذات، واليد بالنعمة.
    2. وإما تفويض معاني هذه النصوص الى الله، ويقولون الله أعلم بمراده منها، مع اعتقادهم أنها ليست على ظاهرها) ص 65 ...ثم يذهب ليلحقهم بالكفار الذين قال الله فيهم: "وهم يكفرون بالرحمن"!!.. ويذهب ليرد على هؤلاء المأولين الذين نسبهم لسلفهم من الكفار، فيقول (إن اثبات الصفات كمال ونفيها نقص..) .. وهذا لا علاقة له بالموضوع، فالاختلاف ليس حول الاثبات والنفي، وإنما حول الأخذ بالظاهر أم تأويله.. ثم يقول (إن تأويل الصفات عن ظاهرها، لا دليل عليه، فهو باطل.. وتفويض معناها يلزم منه أن الله خاطبنا في القرآن بما لا نفهم معناه، مع أنه امرنا أن ندعوه بأسمائه، فكيف ندعوه بما لا نفهم معناه؟..) واضح جدا التهافت في الحجج فالتأويل لا (يلزم منه أن الله خاطبنا في القرآن بما لا نفهم) وإنما العكس هو الصحيح، فالتأويل هو الفهم عن الله برد الأمور اليه، والأخذ بالظاهر هو تغييب للفهم، ورفض مبدئي له.
    والغريب أن صاحب الكتاب، يأول سجود الكائنات بالخضوع، فيقول: (وسجود الكائنات المقصود به الخضوع) ص 26 ويرفض أن تأول اليد بالنسبة لله تعالى، فيقال مثلا، المقصود بها قدرته!! ويعتبر من يقول مثل هذا القول هو ممن يحاد الله، ويحرف الكلم، ويسير على نهج سلفه من الكفار!!
    والوهابية، كما رأينا، من أقوال صاحب الكتاب، في النقطة (2) يرفضون مجرد تفويض العلم لله، بالنسبة للأسماء والصفات، ويفترضون أن هذا يلزم منه أن الله خاطبنا في القرآن بما لا نفهم..وهذا يعني أنهم يعتبرون فهمهم السقيم هو الفهم الوحيد، والواضح، بالصورة، التي لا يحتاج معها تفويض العلم لله.. وقولهم هذا، يعني عندهم، أن كون الله أنزل إلينا، ما نفهم، يعنى أننا نستطيع فهمه ابتداءً، ولا نحتاج أن نفوض فهم شيء منه الى الله!!
    أجدني قد أطلت في هذا الموضوع، لأنه شيء أساسي جدا، بالنسبة لدعوة الوهابية، وخلاصة ما أريد قوله هو: بالنسبة للأسماء والصفات، وبالنسبة للقرآن عموما، إما أن نأخذ بظاهر النص أو بالتأويل.. والأخذ بظاهر النص، وبصورة حرفية، هو ما تقوم عليه دعوة الوهابية جميعها فهو اساس هذه الدعوة، فإذا صح صحت الدعوة، وإذا بطل بطلت.. وهو، كما أرى، شديد البطلان، وبطلانه أمر يلحق بالبداهة.. فالظاهر، أي ظاهر، هو بالضرورة محدود ومتعدد ـ وهذا هو معنى الظهور.. وأي قول للوهابية، عن كمال الله، وتنزيهه، طالما أنه مرتبط بتصورهم الأساسي عن الظاهر، هو قول باطل، شديد البطلان، لأنه مقيد بالظاهر والله تعالى، من حيث ذاته، تعالى عن كل قيد.
    واذا انتقلنا الى الحديث عن موقف الوهابية من النبي صلى الله عليه وسلم، نجد أن فساد عقيدتهم في النبي صلى الله عليه وسلم، لا يقل عن فساد عقيدتهم في الله تعالى، فالأصل الذي تقوم عليه عقيدتهم واحد، هو حرفية الأخذ بالظاهر.. وبفساد التوحيد، يفسد كل شيء، في الدين، كما سبق أن ذكرنا.
    في كتاب (عقيدة التوحيد) ، المذكور أعلاه، يجيء قولهم عن النبي صلى الله عليه وسلم: (وفي الشهادة له بهاتين الصفتين: نفي الافراط والتفريط في حقه صلى الله عليه وسلم، فإن كثيرا ممن يدعي أنه من أمته، أفرط في حقه، وغلا فيه، حتى رفعه فوق مرتبة العبودية الى مرتبة العبادة من دون الله، فاستعان به من دون الله، وطلب منه ما لا يقدر عليه من قضاء الحاجات وتفريج الكربات..) ؟! أرجو ملاحظة أنهم دائما يضيفون من عندهم، عبارة (من دون الله) لتجريم الاخرين بالباطل.. وعبارة (وطلب منه ما لا يقدر عليه إلا الله) تفيد بأنهم يعتقدون، أن هنالك اشياء يقدر عليه الخلق، وأشياء لآ يقدر عليها إلا الله!! وهذا هو الشرك الحقيقي، والذين يستغيثون بالنبي صلى الله عليه وسلم، يعلمون ابتداء، وهو من أوليات الايمان، أنه (لا حول، ولا قوة، إلا بالله..) وأنه، لا فاعل في الحقيقة، لكبير الأشياء، ولا صغيرها، إلا الله، وهذا هو معنى الألوهية الحقيقي.. فهم، لشركهم، يتوهمون أن هنالك شيء يقدر عليها الانسان، من ذاته، وأشياء لا يقدر عليها إلاالله.. إن ما يقوله الوهابية عن غيرهم، من الشرك، ينطبق عليهم هم بالذات..ويقول من نفس المصدر ايضا: (من يجعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة، ويتوكل عليهم، فإنه يكفر إجماعاً) ص 47 وهنالك ملاحظة اخرى، وهي أنهم دائما، ينسبون آراءهم، التي يخالفون فيها بقية المسلمين الى اجماع المسلين!؟ المهم أن قضية (الوسائط) هذه، أو قضية التوسل، من أهم واشهر قضايا الوهابية، ومذهبهم.. والتوسل عندهم على نوعين: توسل مشروع، وتوسل غير مشروع.. اما التوسل المشروع، فهو: التوسل الى الله باظهار الضعف، والتوسل بدعاء الصالحين الأحياء، والتوسل بالاعتراف بالذنب، والتوسل الى الله بأسمائه وصفاته، والتوسل الى الله بالايمان والأعمال الصالحة.. المصدر السابق ص 142..أما التوسل الذي لا يجوز فهو: طلب الدعاء من الأموات (لأن الميت لا يقدر على الدعاء كما كان يقدر عليه في الحياة) .. ومن التوسل غير المشروع عندهم، التوسل بجاه النبي،يقول المصدر السابق (والتوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم أو بجاه غيره لا يجوز) ص 143 .. ويذكر المصدر الحديث (إذا سألتم الله فاسألوه بجاهي، فإن جاهي عظيم) ويقول حديث مكذوب، ويستدل على ذلك، بشيخه ابن تيمية في مجموع الفتاوى 1ـ 318 ـ319 .. ويواصل المصدر ليقول: (والتوسل بحق المخلوق لا يجوز) ص 144 .. وهنا لم يقيد المخلوق بأنه حي أو ميت!! ويواصل فيضيف، لأنواع التوسل غير المشروع (الاستغاثة والاستعانة بالمخلوق، فيما لا يقدر عليه إلا الله، والاستغاثة والاستعانة بالأموات والاستغاثة بالأحياء، والاستعانة بهم فيما لا يقدر عليه إلا الله، من شفاء المرضى، وتفريج الكربات، ودفع الضرر، فهذا النوع غير جائز وهو شرك أكبر) ص 146 وهو يقول عن الشرك الأكبر (يخرج صاحبه من الملة، ويخلد صاحبه في النار، اذا مات ولم يتب منه) ص 77 . فالاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم، عندهم شرك أكبر (يخرج صاحبه من الملة ويخلد صاحبه في النار اذا مات ولم يتب عنه) !!هذا، وفي نفس الوقت قتل المؤمن، عندهم، كفر أصغر لايخرج صاحبه من الملة، ويورد المصدر، الحديث النبوي: "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) والحديث الاخر (لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض) ولكنه يصنف القتال، والقتل هنا ضمن الشرك الأصغر، مع الحلف بغير الله!!راجع ص 82 ـ 83 .
    في الواقع الوهابية، يرفضون التوسل بالنبي في حياته وليس فقط، بعد انتقاله، الى الرفيق الأعلى، فها هو شيخهم الأكبر يقول مثلا: (وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله".. ولم يقل سلني، ولا استعن بي.. وقد قال تعالى: "فإذا فرعت فانصب والى ربك فارغب") ..المنهاج 4/243-244 وقد اورد كتاب تاريخ المذاهب الفقهية ص 458 أن ابن تيمية (نـهى أن يستغاث إلا بالله فلا يستغاث بأحد من عباده ولو كان نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم)
    إن موقف الوهابية من النبي الكريم، كله يقوم على سوء الأدب مع الجناب النبوي، وهو سوء أدب في بعض الحالات، يتردد الانسان من مجرد نقله، حتى من أجل الرد عليه، ومن ذلك ما أورده أحمد بن زيني دحلان عن بن عبدالوهاب وتلاميذه بقوله: (كان ينعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم كثيرا بعبارات مختلفة، ويقول أن قصده المحافظة على التوحيد ومنها أنه يقول: إنه"طارش"، وهو في لغة المشرق بمعنى الشخص المرسل من قوم الى آخرين، ومراده أنه صلى الله عليه وآله وسلم حامل كتب، أي غاية أمره أنه كالطارش الذي يرسله الأمير أوغيره في أمر للناس ليبلغهم اياه ثم ينصرف.. حتى أن بعض أتباعه كان يقول عصاي هذه خير من محمد لأنها ينتفع بها في قتل الحية ونحوها، ومحمد قد مات، ولم يبق فيه نفع أصلا، وإنما هو طارش وقد مضى) كتاب (الدرر السنية في الرد على الوهابية) ص .. 145 إن مثل سوء الأدب هذا في حق الجناب النبوي، عند الوهابية كثير جداً ومتكرر، وعندنا في السودان، سمعنا روايات كثيرة عن الوهابية، في هذا الصدد، ونفس عبارة العصى أوردها د. محمود السيد صبيح، في كتابه (أخطاء ابن تيمية في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته) ..وصور سوء أدب الوهابية مع الجناب النبوي، عديدة ومتنوعة، منها أنهم ينهون عن عبارة (سيدي) في حق النبي الكريم، وينهون عن زيارته، ويعتبرونها بدعة، وقد أورد أحد دعاة الوهابية وهو محمد ناصر الدين الألباني، في كتابه (مناسك الحج والعمرة) العديد من النقاط لما أسماه (بدع الزيارة في المدينة المنورة) .. وهي تزيد على العشرين نقطة!! منها التوسل به صلى الله عليه وسلم، وطلب الشفاعة منه ـ راجع سامي قاسم أمين كتاب (الوهابية) ص 23 ـ 26 .. وبالطبع معروف عن الوهابية، أنهم يعتبرون الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، من البدع والضلالات.
    إن الذين يتوسلون بالنبي الكريم، وحتى بمن هم دونه من الصالحين، يجدون بركة ذلك بصورة جلية، لا يشكون فيها، والتجارب في هذا المجال لا حصر لها، ولكن الوهابية بسبب من .حرمانهم، ينكرون عليهم ما يجدونه، ويدفعهم الغلو، الى المبلغة في الانكار، وقد وصل الغلو بابن تيمية أن ينكر الرؤية النبوية، ويصف صاحبها بنقص الايمان!!فقد حدث هذا في تعليقه، على حكاية العتبي، والحكاية يرويها العتبي بقوله: (كنت جالسا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فجاء اعرابي فقال السلام عليك يا رسول الله، سمعت الله يقول "ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم، جاءوك، فاستغفروا الله، واستغفر لهم الرسول، لوجدوا الله توابا رحيما"، وقد جئتك مستغفرا لذنبي، مستشفعا بك ربي، ثم أنشأ يقول:
    يا من دفنت بالبقاع أعظـمه فطاب من طيبها القاع والأكم
    الفداء لقبر أنت ساكـــنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم
    ثم انصرف الأعرابي، فغلبتني عيني، فرأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في النوم، فقال: "يا عتبي الحق الأعرابي فبشره، أن الله قد غفر له
    عن هذه الحكاية، جاء قول بن تيمية، من كتابه (قاعدة في المحبة) 1ـ 191ـ192 ما نصه: (وأما ما ذكره بعض الفقهاء عن حكاية النبي عن الأعرابي الذي أتى قبر النبي وقال: ياخير البرية إن الله يقول: " ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم، جاءوك، فاستغفروا الله، واستغفر لهم الرسول، لوجدوا الله توابا رحيما".. وأنني جئت، وأنه رأى النبي في المنام، وأمره أن يشر الأعرابي فهذه الحكاية ونحوها، مما يذكر في قبر النبي، أو غبره من قبور الصالحين فيقع مثلها لمن في ايمانه ضعف وهو جاهل بقدر الرسول، وبما أرسل به..) !! هكذا رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، عند بن تيمية تقع لمن في ايمانه ضعف وهو جاهل بقدر الرسول!؟.
    والعنتبي، هذا الذي يتطاول عليه ابن تيمية، بهذه الصورة السمجة، هو من شيوخ الامام الشافعي.
    وابن عبدالوهاب، ينهى عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الآذان ويعتبر ذلك يدخل في الآذان ما ليس منه!! هذا مع أن الصلاة على النبي تكون بعد نهاية الآذان.. وحسب رواية أحمد زيني زحلان، وصل الأمر بابن عبدالوهاب أن قتل من يخالفه، في هذا الأمر!! يقول دحلان في رواية عن بن عبدالوهاب (أنه قتل رجلا اعمى كان مؤذنا صالحا ذا صوت حسن، نهاه عن الصلاة على النبي وآله وسلم في المنارة بعد الآذان، فلم ينته، وأتى بالصلاة على النبي وآله وسلم، فأمر بقتله، فقتل، ثم قال: (إن الربابة في بيت الخاطئة: الزانية أقل اثما ممن ينادي بالصلاة على النبي في المنابر..) ) !!كتاب (عنوان المجد) 1ـ 15
    إن الوجوه لمحاولة الوهابية، التقليل من شأن النبي صلى الله عيه وسلم، عديدة، ومتنوعة، ونحن لسنا في حاجة لمتابعتها، فما ذكرناه كاف جدا لبيان فساد عقيدتهم، وسوء ادبهم مع الجناب النبوي.. ومما لا شك فيه، عندنا، أن سوء الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم، يحبط العمل. وسنرى ذلك.. ومع هذا الفساد في العقيدة، وسوء الأدب، فإن أي كلام للوهابية، عن اتباع النبي، ومحبته، هو مجرد خداع لأنفسهم، ولغيرهم.
    وبالطبع للوهابية، العديد من المواقف، والآراء في محاربة الأولياء والصالحين، والتجني عليهم، وهذا ما اشتهروا به طوال تاريخهم، وما يقوم عليه، جل العمل في دعوتهم، ونحن لا نحتاج لمتابعة آراءهم ومواقفهم في هذا الصدد، فمن يكون سيء الأدب مع سيد الأنبياء والمرسلين، طبيعي أن يكون موقفه كذلك، مع من هم دونه، من السائرين على نهجه.
                  

12-26-2008, 12:36 PM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الإسلام كنظرية نقدية (Re: Omer Abdalla)


    الأخ عماد الطيب
    لقد وصلني رد الأستاذ خالد الحاج على تساؤلاتك وهو يعتذر عن التأخير بسبب العطل الذي ألم بالشبكة في الأيام الفائتة (بسبب انقطاع الكيبل البحري عندهم):

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الأخ الأستاذ عماد الطيب
    خالص تحياتي، كل عام وأنتم بخير
    لك الشكر الجزيل، على المتابعة، وعلى المشاركة في اثراء الحوار.
    بالنسبة لسؤالك الأول، لا يوجد خلاف بيننا، فكل ما قلته أنت نحن نتفق معه.. ربما الاشكالية جاءت من التعبير.. فنحن وأنتم على اتفاق تام على أن جوهر الاسلام والمسيحية واليهودية، واحد، هو التوحيد.. ربما تكون عبارتي(الاسلام منذ البداية مختلف اختلافا جوهريا عن اليهودية والمسيحية)، جعلتك تعتقد أنني أقول بأن هنالك خلاف في الجوهر بين الأديان الثلاثة..في تقديري عبارة (اختلاف في الجوهر) تختلف عن عبارة (خلاف جوهري)..فاختلاف في الجوهر، تتحدث عن طبيعة الاختلاف، واختلاف جوهري، تتحدث عن درجة الخلاف.. فالعبارة الثانية تعني، انه على الرغم من أن الجوهر واحد، إلا أنه في اطار هذا الجوهر الواحد، هنالك اختلاف أساسي (جوهري)، وهذا ما تفيده عبارة (على الرغم انهما يشتركان معه في أنهما ديانتا توحيد) فكون الأديان الثلاثة، أديان توحيد، مقررة في نفس النص.. وإذا كنت ترى أن تعبير (اختلاف جوهري) غير مناسب فلا ضير من تغييره الى أي تعبير آخر، كأن يقال، (اختلاف أساسي) أو أي عبارة أخرى.
    كل ما ذكرته أنت، وأوردت فيه النصوص، هو نفس ما ذهبنا اليه نحن، في حلقة (المسيحية)، حيث ورد القول :"كل المسلمين بحكم دينهم، يؤمنون برسالة سيدنا موسى، وبكتابه التوراة..ويؤمنون برسالة سيدنا عيسى، وكتابه الانجيل.. ولكن ما نؤمن به نحن المسلمين عن اليهودية والمسيحية، لا يتطابق مع ما عليه أصحاب هاتين الديانتين اليوم، بل هنالك اختلافات أساسية.. فايماننا باليهودية والمسيحية يقوم على القرآن، والأحاديث النبوية، وليس على الكتاب المقدس كما هو موجود الآن.. والاختلاف بين المصدرين كبير جدا.. فاليهودية والمسيحية، حسب القرآن، من أكبر ديانات التوحيد، بعد الاسلام.. ولكن المسيحية، حسب الكتاب المقدس، الذي بين أيدي الناس اليوم، ليست كذلك!! ولذلك نحن رغم ايماننا بالمسيحية، إلا أننا نرفض أساسيات المسيحية السائدة اليوم، والتي خرجت من أن تكون دين توحيد..ويمكن أن نقول بحق، أن المسيحية السائدة، ليست هي مسيحية السيد المسيح، وإنما هي مسيحية بولس).. إذا المسيحية واليهودية، عندنا ، في الأصل( من أكبر ديانات التوحيد) بعد الاسلام، ولكن المسيحية واليهودية، من حيث الواقع، ليستا ديانتا توحيد، خصوصا المسيحية، وذلك بسبب التحريف الذي تم فيهما.. وهذا التحريف قد تم قبل بعث النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك عندما حاء الاسلام، كان يختلف بصورة جوهرية عن هاتين الديانتين، اللتين تم تحريفهما عن أصلهما التوحيدي.. كما أنه يختلف عنهما حتى في أصلهما التوحيدي، لأنه رفع عمود التوحيد الى مستوى أكبر منهما بكثير.. والاختلاف الجوهري بين الاسلام والمسيحية واليهودية كديانتي توحيد، يتمثل في نقاط أهمها:
    1. (الكتاب المقدس، حتى عند أهله، ليس مثل القرآن، عند أهله.. فالقرآن النص والمعنى موحا بهما من الله، وليس كذلك الكتاب المقدس) راجع حلقة المسيحية.
    2. المسيحية واليهودية على أحسن أحوالهما تقفان عند مرحلة الايمان، في حين أن الاسلام يذهب الى مراحل الايقان
    3. اليهودية والمسيحية تقومان على رسالة مرحلية، في حين أن الاسلام للناس كافة
    لمتابعة بعض التفاصيل، في أمر التحريف بالنسبة للكتب السماوية الخاصة باليهود والنصارى، أرجو الرجوع لحلقة ( المسيحية)
    إنكار اليهود والمسيحيين لرسالة الاسلام، له أسباب عديدة، لا أجد الفرصة لمتابعتها، ولكن من أهمها، الوهم عند اليهود بأنهم شعب الله المختار بصورة دائمة، الأمر الذي جعلهم يرفضون أن يكون النبي الخاتم من غيرهم.
    إن نظرية التطور، كما هي عند الغرب، سواء عند دارون أو لامارك، أو من خلفهما من المحدثين، نظرية خاطئة في جوهرها، لأنها تقوم على التفكير المادي، وتهمل عامل التطور الأساسي ـ الارادة الإلهية .. نعم للتطور قانون هو الارادة الإلهية، التي تحكم الوجود كله وتحكم مسيرته.. ومن الأخطاء الأساسية للمفهوم المادي للتطور أنه ينكر الغائية الكونية، ويبني على الصدفة في التحولات الأساسية.. ومن هنا يأتي خطأ فهم بوبر عن المذهب التاريخي من أنه يتحدث عن تصور معين للتاريخ، وفلسفةالتاريخ، وهو تصور يختلف كثيرا عن تصور الاسلام، ونحن على موعد إن شاء الله مع كتابة مفصلة عن الاسلام وفلسفة التاريخ.
    بالنسبة لسؤالك الأخير، أنا اتفق مع رد الأخ عمر، ولكني شعرت أنك تتوقع مني رداً.. بصورة مبدئية، العقل جاء من النفخ الالهي ( فاذا سويته، ونفخت فيه من روحي فاقعوا له ساجدين).. فالعقل موجود بالامكان حتى في المادة غير العضوية، والنفخ الالهي هو الذي أبرزه من الامكان للواقع في مراحل، عبر مسيرة التطور.. والعقل موجود دائماً، لأنه الأصل الذي صدر منه الوجود الحادث، وفي ذلك يجيء قول المعصوم:" أول ما خلق الله العقل" و"أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر" وهذا هو مقام( أحسن تقويم) الذي تم عنه الرد الى(أسفل سافلين)..وفي أسفل سافلين، لم ينعدم العقل، وإنما أصبح كامناً، وأخذ يبرز بالنفخ.. وفي قوله تعالى:" هل أتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكوراً" يعني قد أتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا لأنه لا عقل له.. والانسان، رغم بروز العقل، لم يتخلص بعد من الحيوانية تماما، فسلوكه، في الكثير من جوانبه لا يزال حيوانياً.
    بقول هويمارفون ديتفورت، من كتابه (تاريخ النشوء: في البدء كان الهيدروجين).."مهما كانت هذه الفكرة غير اعتبارية، فإنني لم أعد أشك، أن النظرة الموضوعية الى تاريخ الطبيعة بدون أحكام مسبقة، ترغمنا اليوم، على الاعتراف أنه يوجد عقل بدون دماغ"!! ويقول:"إذا كانت هذه النقطة صحيحة، فإن هذا يعني اذن أن الذكاء والخيال والقدرة على الاختيار المتفحص الواعي بين الامكانات المتوفرة، وكذلك الذاكرة، والخواطر الخلاقة، هي أقدم من جميع الأزمنة.. قد يناقض هذا تصوراتنا المعتادة بدرجة كبيرة، غير أننا كلما تعمقنا في دراسة ما نعرفه اليوم عن تاريخ الطبيعة، كلما ازداد لدينا اليقين بأن الأمور تسير على هذا النحو"
    إن الأمر الغائب عند علماء الطبيعة، هو اعتبارات العقل الكلي الذي يسير الطبيعة، ويظهر من خلالها، وما يغيب عنهم، كما جاء في حلقة (الاسلام كنظرية نقدية) "الغائية الكونية، ووحدة القانون الذي يحكم الأكوان، والانسان، ومجتمع الانسان، ووحدة الغاية بالنسبة للاكوان والانسان" فهذه مجالها الدين، وليس علوم الطبيعة، وفي الدين حركة التطور مشدودة الى غايتها، وليست فقط مدفوعة من الخلف، حسب التصور المادي للتطور الذي يقوم عليه الفكر الغربي، ولا يملك كارل بوبر أي تصور خلافه.. في تقديري أن بوبر من أذكى المفكرين الغربيين، ولا يوجد خلاف حول أنه من أكبر فلاسفة العلم، وأهم رواد المدرسة النقدية في الغرب، لكن في فكره فجوات كبيرة، تظهر بصورة خاصة في كتابيه (اسطورة الاطار) و(عقم المذهب التاريخي).. والسبب الأساس في هذه الفجوات: اطار التوجيه الذي يقوم عليه فكره..
    مع خالص تحياتي
    خالد الحاج
                  

12-26-2008, 01:00 PM

emad altaib
<aemad altaib
تاريخ التسجيل: 12-27-2007
مجموع المشاركات: 5300

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الإسلام كنظرية نقدية (Re: Omer Abdalla)

    ــــ
    شكراً الأخ عمر عبد الله


    وشكراً للأستاذ خالد الحاج





    سوف أعود ..
                  

12-29-2008, 04:36 PM

emad altaib
<aemad altaib
تاريخ التسجيل: 12-27-2007
مجموع المشاركات: 5300

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: خالد الحاج: الإسلام كنظرية نقدية (Re: emad altaib)

    ــــ
    ما جاء في رد الأستاذ خالد الحاج بالنسبة للأديان وضحت الرؤية وأوضحت بجلاء ردك أستاذ عمر عبد الله مشكوراً .
    Quote: إن نظرية التطور، كما هي عند الغرب، سواء عند دارون أو لامارك، أو من خلفهما من المحدثين، نظرية خاطئة في جوهرها، لأنها تقوم على التفكير المادي، وتهمل عامل التطور الأساسي ـ الارادة الإلهية .. نعم للتطور قانون هو الارادة الإلهية، التي تحكم الوجود كله وتحكم مسيرته.. ومن الأخطاء الأساسية للمفهوم المادي للتطور أنه ينكر الغائية الكونية، ويبني على الصدفة في التحولات الأساسية..

    أما هنا أحب أن أضيف شيء قليل فهو الخطألم يكن للبوبر وحده , وأيضا خطأ الأيديولوجيا الماركسية التي تتفق مع نظرية "لامارك" التطورية التي تقوم علي التحليل الجدلي والمادية التاريخية ونظرية فائض القيمة ,والأهم المادية التاريخية ومؤداها أن القوي الحقيقية التي تحكم التطور التاريخي في جميع حالاته تأتي من تحديد سلوك الإنسان الذي يعمل متأثراً بالدوافع التي يخلقها الوضع الإقتصادي في المجتمع ..الخ
    Quote: بقول هويمارفون ديتفورت، من كتابه (تاريخ النشوء: في البدء كان الهيدروجين).."مهما كانت هذه الفكرة غير اعتبارية، فإنني لم أعد أشك، أن النظرة الموضوعية الى تاريخ الطبيعة بدون أحكام مسبقة، ترغمنا اليوم، على الاعتراف أنه يوجد عقل بدون دماغ"!! ويقول:"إذا كانت هذه النقطة صحيحة، فإن هذا يعني اذن أن الذكاء والخيال والقدرة على الاختيار المتفحص الواعي بين الامكانات المتوفرة، وكذلك الذاكرة، والخواطر الخلاقة، هي أقدم من جميع الأزمنة.. قد يناقض هذا تصوراتنا المعتادة بدرجة كبيرة، غير أننا كلما تعمقنا في دراسة ما نعرفه اليوم عن تاريخ الطبيعة، كلما ازداد لدينا اليقين بأن الأمور تسير على هذا النحو"

    هنا يبدو لي من قول هويمارفون ديتفورت مصطلحان هما ( العقل واليقين ),ربما يحتاجان توضيح المفهوم وأضف إليهم الفطرة , فقد عرفت عنهم من الإمام الغزالي وضح اليقين بإستفاضة تامة والفطرة لكن في العقل وضحة شرف العقل وحقيقتة وأقسامه مرتبطاً بالعلم المعامله ولم يخوض فيه من علم المكاشفة بحكم غرضه في كتابه إحياء علوم الدين الجزء الأول.
    وقفت في تلك الأية من سورة الأعراف ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذُريتهم وأشهدهم علي أنفسهم ألست بربكم قالوا بلي ) فلماذا كان الإشهاد علي النفس بدلاً من العقل ؟! مع الإيمان بوجوده .

    الشيء الأخير ,كيف يتم فهم الأية (أسفل السافلين) هو عالم الذرة أو التكوين مع الإستثناء الذي يأتي بعدها (إلا الذين آمنو وعملوا الصالحات) ؟!

    لقد فهمت الكثير مشكورين

    وتحياتي لكما
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de