الفاتح جبرا .. في ذمة الله
نعى اليم ...... سودانيز اون لاين دوت كم تحتسب د. الفاتح يوسف جبرا فى رحمه الله
|
Re: الخفاض.. تاريخ الأخطاء وفرص التصحيح (Re: Yaho_Zato)
|
في بداية ثمانينات القرن المنصرم، قامت جامعة الأحفاد بحملة مناهضة للخفاض، وكان أن أقيم يوم توعية ودراسات عامة للموضوع في الجامعة نفسها، حضره الأستاذ محمود محمود طه ومجموعة من تلاميذه، وعاد منه مستاء من الصورة التي يحاول بها المثقفون والمثقفات التعامل مع هذه القضية الحساسة، بصورة تقليدية للأسلوب الغربي القديم، جليب المستعمر، في التعامل معها، وكانت هذه هي الحادثة التي خرج إثرها كتيب الجمهوريين عن الخفاض الفرعوني (أكتوبر 1981).. وفي الفترة الأخيرة، تحت حكم جماعة الإنقاذ الوطني، نحا الكثير من عموم أهل اليسار العريض، داخل السودان وخارجه، إلى تصعيد هذه الحملة ضد الخفاض الفرعوني بنفس الصورة الغربية القديمة وأكثر، بالتشنيع بها ثقافيا، كعمل شيطاني، في مواجهة خيال البسطاء من ممارسيها (الذين لا يحسبون أنهم يؤذون بناتهم ولا يرضون أن يوصفوا بذلك)، وبتحريض المؤسسات الغربية على السلطة في السودان بسبب هذه العادة (وليت السلطة الحالية كانت هي من اخترعت هذه العادة، أو أنها من يمكن أن توقفها)، وبمخاطبة أجهزة الحكم لإصدار قوانين فوقية لإبطال العادة أكثر من مخاطبة الشعب منهجيا لتوعيته بمضار العادة.. إن ظلال الهدف السياسي المقصود من هذه الحملة، في تشديد الضغط العام على الحكومة الحالية على شتى الأصعدة، واضح، والعيب ليس فيه، إذ من المؤكد أننا هنا لا نشير لعدم أهمية مواجهة قضية الخفاض، واضطهاد المرأة عموما، على المستوى السياسي كما الاجتماعي، لكننا نشير لضرورة الحكمة في التعامل والتحليل الاجتماعي الواقعي للبيئة السودانية، حتى حين الفعل السياسي.
إلا أن الاتجاه الأخطر هو ما آلت له الحكومة الحالية في السنوات الأخيرة، فهي قد دعمت هذه العادة بوسائل عدة، قصدا أو بغير قصد؛ إذ قامت بإفساح سبل الدعاية لمؤيديها في أجهزة الإعلام الرسمية، وهي اتجاهات ترويجية للخفاض باسم الدين، لتضع قداسته درعا لعادة اجتماعية ضارة (وهي عادة تمارسها شعوب عديدة متباينة الأديان، حول العالم وفي السودان نفسه).. المؤسسات الدينية المدعومة، ماديا وإعلاميا، من الحكومة يتخذ كثير منها موقفا مؤيدا للعادة، برغم الموقف العام المذاع للحكومة في معارضة الخفاض وتصريحات وزير الصحة عام 2003 في اتجاه الوعود بمحاربة الحكومة للعادة بالقانون والتوعية معا، ففي مايو 2005 صدرت فتوى عن مجمع الفقه الإسلامي التابع لرئاسة الجمهورية تقول إن "ختان السنة مستحب وواجب، وإذا تم فهو فعل مأجور" [12]. أثارت مؤخرا قصة الطفلة انعام، التي ماتت في ديسمبر من عام 2005 جراء التهاب حاد نتيجة لخفاضها، موجة إعلامية كبيرة مناهضة للعادة، بصور شتى، ليس من جانب أجهزة الإعلام الرسمية في الدولة، بل من جانب قنوات التعبير الحديثة التي صارت بمتناول الكثير من فئات المجتمع خارج إدارة الدولة، خصوصا منتديات الحوار والصحف الالكترونية في الانترنت.
نواصل.. _________ [12]موقع العربية. 2006 (4 ابريل). "90% من النساء السودانيات مختونات: فتيات ينزفن حتى الموت جراء الخفاض الفرعوني في السودان".
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الخفاض.. تاريخ الأخطاء وفرص التصحيح (Re: Yaho_Zato)
|
أود التعليق على (الفذلكة التأريخية) كما أسماها قصي صاحبي
و دعواه أن الجمهوريون كان موقفهم المعارض لقانون الخفاض في السودان الانجليزي/المصري في ديسمبر 1946، دافعه هو حفظ كرامة السودانيين و ليس دفاعهم عن الخفاض
و يستشهد همرور بالبيان الذي فاتحته أنهم لا يدافعون عن عادة الخفاض.. ما يضايقني جدا هنا أنهم ربما لم يدافعوا عن الخفاض و لكنهم لم يقفوا ضده و كان بإمكانهم ذلك..
بل أن إستثمارهم لغضب المدافعين عنه و محاولة توجيهه لمحاربة الإستعمار فيه شئ ميكافيلي..
فالخفاض عادة متخلفة و ضارة و القانون كان فرصة جيدة للقضاء المبكر عليها
و ربما لولا معارضة الجمهوريون للقانون لأبقينا على حياة الآلاف من الصغيرات اللائي فقدن حياتهن تحت أمواس الخافضات بعد هذا القانون بعشرات السنين..
و قول الأستاذ محمود بأن الإنجليز ليسوا أحرص على صحة بناتنا منا تشوبه عندي الشوائب.
فكم من السنين أستغرق الأستاذ ليصدر قوله الواضح في معارضته للختان.. و كم من الضحايا حصدت تلك السنين..
ثم أن الدوافع الأخرى تتعارض مع الكثير من مبادئ الجمهوريين ..
فدافع أن المرأة السودانية الشريفة لم تتعرض للسجن قبلا فيه تعالي على المرأة و إنقاص لقدرها..
المرأة ليست أقل من الرجل و جريمتها تستحق عليها العقاب تماما كجريمة الرجل التي يستحق عليها العقاب ..
فالمساواة تكون في الحقوق و الواجبات..و العقاب و الثواب..
راجع ليك يا فردة
.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الخفاض.. تاريخ الأخطاء وفرص التصحيح (Re: Siddig A. Omer)
|
فاضلابي.. مرحب بيك يا صاحب ومرحب بتعليقاتك، وأشكرك جدا على النقد لأنه يعطيني الفرصة لتوضيح موقفي أكثر، كما انه من المؤكد سيعينني على اكتشاف مناطق الخلل في موقفي إن كانت هناك.
قبل الرد، لا بد من تصحيحات.. تقول "ثم أن الدوافع الأخرى تتعارض مع الكثير من مبادئ الجمهوريين.. فدافع أن المرأة السودانية الشريفة لم تتعرض للسجن قبلا فيه تعالي على المرأة و إنقاص لقدرها".
التصحيح هنا إن الحديث أعلاه ليس حديث الجمهوريين، بل هو منقول من جريدة الرأي العام، عن تحرير الجريدة حيث قررت التضامن مع ثوار رفاعة (راجع النص أعلاه).
حسنا.. نأتي بعدها لنقاطك النقدية يا محمد..
(1) تقول يا محمد "وقول الأستاذ محمود بأن الإنجليز ليسوا أحرص على صحة بناتنا منا تشوبه عندي الشوائب. فكم من السنين أستغرق الأستاذ ليصدر قوله الواضح في معارضته للختان.. و كم من الضحايا حصدت تلك السنين".
لكن الأستاذ لم ينتظر ليقول رأيه في موضوع الخفاض، بل قاله منذ البداية وأكد عليه، ومن ثم كانت حياته كلها في سبيل رفع الجهل ونصرة المرأة حتى تزول جميع أسباب اضطهادها، ومن ضمنها الخفاض.. الأستاذ محمود لم يقل إنه حريص على البنات السودانيات فحسب، بل هو أثبت ذلك بالفعل، ومواقفه الفكرية والعملية في نصرة المرأة لم تتأخر منذ بداية الحركة الجمهورية.
ربما انت تختلف مع موقف الأستاذ هذا، لكن ذلك ليس كافيا ليجعلك تسيء الظن في حرص الأستاذ على صحة السودانيات!
(2) تقول: "بل أن إستثمارهم لغضب المدافعين عنه و محاولة توجيهه لمحاربة الإستعمار فيه شئ ميكافيلي.. فالخفاض عادة متخلفة و ضارة و القانون كان فرصة جيدة للقضاء المبكر عليها"
لكن يا محمد، يمكنك العودة لتاريخ بلدان افريقية كثيرة لم تعارض قوانين المستعمر كما عارضها الأستاذ محمود في ثورة رفاعة، فهل تراها اليوم تركت هذه العادات أو حتى أنقصتها؟
المشكلة التي أحب أن ألفت لها نظر الناس هنا هي أن قانون المستمعر لم تكن فيه أي فرصة لمناهضة الخفاض مناهضة حقيقية، فالغايات الصحاح لا يتوسل لها بالوسائل الدنيئة، ولا بد لنا أن نقرأ التاريخ جيدا (إن لم يكن تاريخنا فتاريخ الشعوب الأخرى) لنعرف كيف أن هذه القوانين الفوقية لم تكن يوما لمصلحة الشعوب المحتلة.. إن هؤلاء الانقليز يا محمد هم أنفسهم الذين ضيقوا الخناق على المبادرات الاولى لتعليم المرأة السودانية في عهدهم، وهم وهم، فكيف نظن انهم فجأة صاروا يهتمون بأمر السودانيات؟
الخلاصة يا محمد: قانون الخفاض لم تكن فيه أي فرصة للتخلص من العادة، والدليل هو ان القانون استمر، واستمرت حكومات العهد الوطني بعده في مسار القوانين المضادة للخفاض، لكن لليوم لم تتغير نسبة المخفوضات في السودان! الأستاذ استثمر غطرسة الانقليز ليقلبها ضدهم، فهل هذا "ميكافيلية" أم عمل وطني شريف؟
(3) يا محمد، إن الوقوف ضد عادة الخفاض يعني الوقوف ضد مسبباتها الأساسية، وبهذا الفهم فإن الجمهوريين بذلوا كل حركتهم في سبيل الوقوف ضد الخفاض وغيره من العادات الضارة عند الشعب السوداني.. من السهل جدا أن نقول عن الناس أنهم "لم يفعلوا ولم يفعلوا"، لكن الصعب هو مواجهة التاريخ لنرى من خلاله أين كان الجمهوريون من قضية المرأة على طول تاريخهم.. هل كانوا غافلين عنها أم حاضرين دوما؟
يا محمد، قانون الخفاض أول ما بدأ تطبيقه بدأ بإذلال المراة السودانية، فهل نتوقع منه أن يكون حقا في سبيل صحتها وكرامتها؟
ثم إن الناس أحيانا تكون عاطفية بعض الشيء، ومن ثم يغيب عن ناظرها المنهج التاريخي لبعض الوقت.. في تلك الأيام يا محمد كانت هناك اولويات مختلفة عن اولويات اليوم، وهذه الأولويات كانت معروفة على امتداد العالم الثالث والشعوب المستعمَرة والمضطهدة حول الأرض.. تلك الاولويات كانت أولويات مناهضة المستعمـِرين والمضطـِّدين، ليس في افريقيا فقط، بل في أمريكا اللاتينية وفي آسيا وفي الكاريبي وحتى داخل أوروبا وأمريكا.
أرجو أن تتابع معي الورقة، ففيها الكثير من الإجابات على نقاط شبيهة بنقاطك.
مع خالص مودتي
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الخفاض.. تاريخ الأخطاء وفرص التصحيح (Re: د.نجاة محمود)
|
تحياتي وشكري يا د. نجاة
هناك مسلمات راسخة عند الشعوب التي تمارس الخفاض، وهي مسلّمات تاريخية غائرة في القدم، ومن المعروف علميا وتاريخيا أن تغيير مثل هذه العادات الراسخة لا يمكن أن يكون بالقوانين الفوقية.. أنا بطبيعة الحال أعارض أن تصدر الدولة فرمانا يؤيد ممارسة الخفاض، بأي شكل من أشكاله، لكني أيضا ضد أن تصدر الحكومة فرمانات تجرّم فيها شعبها!
هناك أيضا مسلّمات راسخة عند معظم مثقفينا بخصوص سعيهم لقضايا حقوق المرأة والطفل والإنسان عموما، وهذه المسلّمات، للأسف، معظمها "مستورد".. نعم مستورد، ويجعل هؤلاء المثقفين يقفون في حيرة أمام شعوبهم، فلا هم يعرفون كيف يتواصلون معهم بصورة مؤثرة لتغيير مفاهيمهم، ولا هم يريدون الاعتراف بفشل مسلّماتهم المستوردة على أرض واقعهم، ولهذا نراهم يلجؤون لسلاح القانون ضد عادات شعوبهم، وهذا ليس إلا "استجارة من الرمضاء بالنار".
مهمة التوعية هي الأصعب، وهي التي تتطلب مثابرة حقيقية وتواضعا كبيرا في مخاطبة بسطاء الشعب، ومعايشة لصيقة لهم لفهم دوافعهم وتطمين مخاوفهم، ولهذا فخيار القانون هو الخيار الأسهل عند الكثير من حركات مجتمعنا المدني اليوم.
نواصل..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الخفاض.. تاريخ الأخطاء وفرص التصحيح (Re: Yaho_Zato)
|
قراءة تحليلية
إن قضية الخفاض لهي أحد الأمثلة القوية على ضرورة التعامل العلمي الرصين مع واقع التراث المحلي في عملية تغيير مثالبه، بدون التعرض غير الحكيم وغير مدروس الجرعات، للعقل الجمعي للشعوب في قضاياها الحساسة التي تحتاج مبضعا ماهرا، يعالج الجروح دون تشويه الجسد، فهناك مسائل في تراث الشعوب تقوم على أسسها نواة مجتمعاتهم، كالقوانين والعادات المرتبطة بالعلائق الجنسية في المجتمع، ولهذا تظهر حساسية المجتمعات تجاه التغيير فيها أكبر من حساسيتها تجاه القضايا الأخرى بكثير، ويكفي أن ننظر لتاريخ الغرب الحديث لنعرف كيف أحدثت الاتجاهات الجديدة، والتي ظهرت تدريجيا، في التعامل مع علائق الجنس، تغييرا واضحا لصيغ تلك المجتمعات، في كل أنماط تفكيرها وممارساتها، فلم يعد الغرب بعد سقموند فرويد وويلهيلم رايخ وسيمون ديبوفوار كما كان، بل ولم يعد العالم كله كما كان.. لكن، هل يعلم الناس مقدار التسلط الذكوري على جسد المرأة الغربية اليوم، مما تجلى ويتجلى يوميا للآن في صور الرقابة الذاتية للمرأة لتطابق مواصفات النظرة التسليعية لها في المجتمع الغربي الذكوري، ما أتى بصور جديدة من الأمراض والآلام الجسدية والنفسية التي تعانيها المرأة في الغرب اليوم جراء ضغوط المجتمع على جسدها ونمطي حياتها وتفكيرها؟ الغرض من ذكر هذا هو أن الموضوع معقد ومتشابك، ويتصل بقوانين المجتمع التي يفرضها على أفراده من الجنسين، وبالتالي فإن الحكمة تقتضي أن نعمل على حل مشاكلنا في سياقاتها، لا باستيراد حلول اجتماعية من مجتمعات مغايرة.
هل قضية الخفاض قضية عاجلة؟ نعم! وأليس وضع المرأة في السودان عموما، عبر تاريخه، موسوم بالاضطهاد والتجني؟ بلى! وهل ينبغي أن نقوم بفعل ينهي هذه الأزمة بأسرع ما يمكن؟ بالتأكيد! لكن الحديث هنا عن السؤال الصعب.. عن "كيف؟".. أدناه سنحاول عرض تحليل قد يفيد في الإجابة على هذا السؤال.
لمحة من التاريخ
إن الخفاض موروث من تاريخ قهر الجماعة للفرد، والذي كان ضروريا في بدايات تاريخ المجتمع من أجل الحفاظ على نسيجه، وقد كانت الغريزة الجنسية أولى الغرائز التي جرى تنظيمها بصرامة شديدة، ذلك لأنها مربوطة بمسألة الغيرة الجنسية الموروثة عند البشر منذ بدايات التطور، ونجدها ماثلة لليوم في مجتمعات الحيوان.. وهنا يحسن التطرق لمسألة فكرية مهمة، مرتبطة في أذهان كثير من اليساريين بأصل الغريزة الجنسية، ومن تحليلها الخاطئ تظهر بعض المنهجية الخاطئة اليوم في التعامل مع القوانين المرتبطة بالجنس في المجتمع، كما هو الحال في قضية الخفاض.
يرى فريدرك إنجلز [13]، والماركسيون من بعده، ومن تأثر بهم عموما، في مسألة الغيرة الجنسية ورغبة الاستحواذ بالشريك الجنسي دون الآخرين أنها ظهرت في المجتمعات البشرية بعد ظهور الطبقات والصراع على وسائل الإنتاج، ما أدى لإنتاج نظم اجتماعية تنظم العلاقة الجنسية بصورة أكثر حزما مما كانت عليه في المجتمعات المشاعية، وذلك لغرض حفظ المصالح المادية للطبقات والفئات المتناحرة، والتحكم في الإنتاج البيولوجي للمرأة من قبل مؤسسي المجتمع الأبوي.. حقيقة الأمر أعمق من هذا التحليل، وهي أن الغيرة الجنسية ظهرت قبل المجتمعات البشرية بكثير، منذ مرحلة المجتمعات الحيوانية، وصور الغيرة الجنسية واضحة جدا في المجتمعات الحيوانية، خصوصا تلك القريبة للإنسان في سلم التطور (كالقردة العليا والحيوانات الداجنة، ثم الثديات عموما)، وقد ورثها البشر متأصلة فيهم بمجرد ظهورهم على سطح المعمورة، رجالا ونساء، ولهذا كانت أهم أسس تشكيل قوانين مجتمعاتهم (ولكل مجتمع قانون، حتى في الغابة)، منذ بداياتها، لأن تنظيمها كان السبيل الوحيد لقيام المجتمع، والتاريخ يرينا صورا متعددة في أشكال هذا التنظيم الجنسي، وذلك مما لا ينفي أهمية التنظيم بل يشير إلى تنوعه واختلافه بحسب البيئة والتجارب الموروثة المتعددة التجليات (حتى في نفس مراحل الإنتاج المجتمعية، بخلاف ما يشير له إنجلز من أن تعدد شكل التنظيم الجنسي يعود أصلا إلى المرحلة التاريخية الإنتاجية للمجتمع).
نستمر بعد هذا فنقول إن القهر الجنسي على الفرد في المجتمع تم على الجنسين، لكنه في المجتمع الأبوي كان على المرأة أكثر، لأنها مخزن النسل الذي كان هناك حرص على وضوح سلسلته، كما ان استثمار المرأة كان، وما زال، في العلاقة الجنسية أكبر من استثمار الرجل فيها، فالمرأة هي التي تتحمل نتائج الممارسة الجنسية ليوم واحد على مدى تسعة أشهر من الحمل، وبعدها أكثر من ذلك من الرضاعة والعناية المباشرة بالطفل، وكل ذلك يجعلها في حالة استنزاف وقت وطاقة عظيمين ((وهْنـًا على وهن))، ما يجعلها ضعيفة ومعتمدة جدا على من حولها في تلك الفترة، خصوصا رجال الأسرة والقبيلة الذين يوفرون الغذاء والمسكن والحماية لها، فمعظم النساء الأخريات يعشن عموما تحت وطأة نفس الاستنزاف.. لأسباب كهذه، وهي كثيرة ومتشابكة، كان قانون المجتمعات الأبوية حاسما تجاه الممارسة الجنسية للمرأة أكثر منها للرجل، وساعيا لضبطها بكل الحيل الممكنة، فكان الخفاض إحدى تلك الحيل.
هناك أيضا عوامل ثقافية أخرى ساهمت في توطين العادة على مدى التواريخ المتوارثة، مثل ضرورة مرور الأفراد – رجالا ونساء – بطقوس تتطلب نزيف الدم كشرط وعلامة للانتماء العشائري (والطقوس الدموية، طقوس العبور، معروفة في القدم).. عليه يتضح أن مشكلة الخفاض تكمن في الملابسات الاجتماعية التاريخية التي أدت لظهوره وبقائه.
نواصل.. _________ [13]فريدرك إنجلز. 1884. "أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة".
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الخفاض.. تاريخ الأخطاء وفرص التصحيح (Re: Yaho_Zato)
|
الأثر النفسي
هناك قضية مهمة أخرى تتعلق بفهم أثر الخفاض على المرأة، فبالرغم من الأضرار الجسدية التي تصحب العادة غالبا (وهي تتفاوت حسب الظروف البيئية التي تجري فيها العادة)، إلا أن الضرر النفسي هو الأعظم، فالحق أن الألم الجسدي في عملية الخفاض له ما يشبهه، شبها غير قليل، في عادات شعوب كثيرة تمارس على الرجال أيضا، مثل وشم الجسد كاملا بالآلات الحادة، والتي تؤدي لإفراز كميات خطرة من الدم ولتلوث الجروح لمراحل قد تصل للموت، وعادة الوشم هذه ممارسة كثيرا عند عدد من القبائل الافريقية المعاصرة، وبطقوس متنوعة تفيد ضرورة مرور الفتيان بهذه التجربة ليصبحوا رجالا في نظر مجتمعهم القبلي، ما يشكل ضغطا نفسيا يجعل الفتى وأهله يصرون على العادة رغم خطورتها.. هذا علاوة على أن الألم الجسدي الذي يواجهه الذكور في عملية الختان، بالأدوات البدائية، معروف، ويؤدي لمضاعفات صعبة قد تؤدي لعاهات مستديمة أحيانا كثيرة، وربما لأخطر من ذلك.. لا نقصد هنا بالطبع استسهال الآلام الجسدية المزمنة للخفاض، إنما نقصد فقط أن الألم الجسدي ليس ما يميز عادة الخفاض، برغم خطورته، خصوصا في الظروف البيئية البدائية.
الأثر النفسي الغائر عند الفتاة المخفوضة هو أن الخفاض إعلان لدونيتها الإنسانية، وكأنه يقول لها ان أهميتها، في نظر المجتمع، ليست في وعيها أو مشاعرها أو قيمها أو مهاراتها، بل في جسدها، كما هو إعلان للشك في قدرتها على العفة وحفظ قيم مجتمعها بوازع شخصي، برغم أنها موكلة منذ البداية لحمل عبء شرف الأسرة والقبيلة.. بهذا فإن المرأة واجهة عِرْض الأسرة، وهو مقام خطير، وفيه فخر (فهذه المجتمعات تفخر أكثر ما تفخر بعفة نسائها وشجاعة رجالها)، لكن الفتاة رغم ذلك مصدر شك من البداية، بدليل أن عفتها تحتاج لضمان الخفاض! بهذا فإن المجتمع يضع المرأة في وضع "الجسد" المشكوك فيه والمحذور منه من البداية، ويعلن لها أنها تحت الوصاية الغليظة، والرقابة المشددة، لضمان الأخلاق، سواء التزمت بها بوازع شخصي أو بدونه.
وعليه يتضح أن الخفاض في الأساس ليس المشكلة، بل هو نتيجة من نتائج المشكلة، أما المشكلة الأصلية فتكمن في نظرة المجتمع للمرأة، وإعادة إنتاج هذه النظرة عبر الأجيال حتى من قِبل النساء الكبريات اللائي مررن بنفس مراحل المحنة وتقبلنها بعد ذلك كضرورة اجتماعية، ومن ثم نرى اليوم كثيرا منهن أكثر إصرارا من الرجال أحيانا على خفض البنات الصغيرات، وهي أعمق مراحل الاضطهاد تلك التي وصلنها جدّاتنا السودانيات، حيث يصبح المضطـَّهد نفسه حارسا أمينا لأسباب اضطهاده، لأنه لم يعد يعرف احتمالا آخر للحياة خارج مؤسسة الاضطهاد.. من هنا يستبين أن حل مشكلة الخفاض يكمن في حل مشكلة المرأة عموما بإزالة الظروف التي أدت لظهور العادة، فالطبيب الماهر يعالج أصل المرض ولا يعالج أعراضه الظاهرية فقط.. ويجب أن نعرف أن محاربة عادة الخفاض لا تعني بالضرورة محاربة اضطهاد المرأة عموما، فهناك مجتمعات، تاريخية ومعاصرة، لم تعرف نساؤها الخفاض، لكن عرفن الاضطهاد جيدا وما زلن يتعرضن له يوميا.. في بادرة من بوادر الفهم الأوضح لهذه المشكلة، تقول الدكتورة ناهد فريد طوبيا:
"إن ما قيل عن الخفاض في العشر سنوات الأخيرة [أي من 1985 إلى 95]، وخاصة من قبل الإعلام الغربي والمنظمات الدولية، قد خلق جوا من الحساسية تجاه الموضوع من قبل بعض الجهات المختصة في مجتمعاتنا. فقد تعامل الغرب مع ظاهرة الخفاض وكأنها اكتشاف لوباء خطير قاموا وحدهم بالاستدلال عليه ثم حولوه إلى موضوع الساعة في الأوساط الدولية للمرأة بمساعدة الإعلام الغربي. كما صوروه على أنه دليل واف على بربرية وبشاعة بعض المجتمعات المتخلفة بل أصبح دليلا ضمنيا على تخلف العرب والمسلمين والأفارقة في آن واحد" [14].
وتواصل الدكتورة بعد ذلك في سرد المضار النفسية والجسدية لموضوع الخفاض، مصطحبة أثر الضغط والفهم المجتمعي الذي يجعل من الصعب تغيير هذه العادة في المجتمع بعصا سحرية، سواء كانت في شكل قانون رادع أو تناول صفوي لا يقترب كفاية من واقع الأهالي، وتقول إن اختيار ممارسة هذه العادة يكون أحيانا تضحية في سبيل إمكانية البقاء المجتمعي، إذ أن الفتاة تفقد فرصتها في الزواج ومن ثم فرصتها في الحياة في مجتمع لا قيمة فيه للفتاة بدون زواج، فالمشكلة مجتمعية قبل أن تكون طبية، ولهذا لا بد من مواجهتها مجتمعيا لا طبيا فقط، ولا يكون التغيير الاجتماعي بإصدار القوانين الفوقية.. تقول ناهد:
"أما من الناحية النفسية والجسدية (للمرأة السودانية) نفسها وإمكانية نمو الوعي بحقوقها ومطالبها بأعضاء جسدها فذلك صعب دون خلق ذلك الوعي من الخارج. فالمرأة السودانية لم تعرف في تاريخها القريب أي حالة أخرى يمكن أن تكون عليها سوى أن تكون مخفوضة (...) إذن يجب أن نعود للتفكير في كيفية تغيير مفاهيم العائلة الموسعة والجماعة ولا نكتفي بأساليب الإقناع الفردي العقلاني فهو ضعيف أمام ضغوط الجماعة. يجب أن نوجه مجهوداتنا لخلق لغة تخاطب مع المجتمع ككل وإيجاد فوائد لدعواتنا تعود على الجماعة وليس على الفرد فقط ذلك بجانب مخاطبتنا أيضا لعقلية الفرد المثقف المتميز الذي يستطيع أن يساهم في التغيير" [15].
يمكن القول ان الفرق الزمني بين تاريخ دراسة الدكتورة ناهد أعلاه واليوم جعل هناك صورة مجتمعية جديدة نسبيا، تتطلب تعاملا مختلفا بعض الشيء، كما يمكن أن نقول نفس الشيء عن موقف الجمهوريين في إطاره الزمني السابق (والجمهوريون دعوا لاستمرار تجديد مستويات التعامل، وساهموا فيه)، إذ الواقع اليوم يشير لأن الكثير من المجتمعات المتعلمة نسبيا في السودان قد خطت خطوات طيبة في تجاوز موضوع الخفاض وصارت تتجه لتركه بالنسبة لأجيالها المعاصرة، لكن هذا لا ينطبق بعد على أغلبية سكان السودان في معظم المناطق البعيدة عن تأثير تيار التوعية الاجتماعية.. تصبح هناك إذن حاجة لخطة عمل عامة جديدة نسبيا، ضمن خطة العمل الكبيرة في التغيير الاجتماعي عموما، وفي تغيير وضع المرأة خصوصا.
نواصل.. _________ [14]ناهد فريد طوبيا. 1995 (سبتمبر). "المشكلات الصحية للمرأة السودانية الناتجة عن وضعها الاجتماعي والثقافي". مجلة كتابات سودانية، العدد السادس، الصفحات من 43 إلى 44 [15]ناهد فريد طوبيا. مصدر سابق
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الخفاض.. تاريخ الأخطاء وفرص التصحيح (Re: قلقو)
|
Siddiq A. Ommer wrote
Quote: دائماً يتحدثون عن "خفاض"...الاإناس....لماذأ ...لا يتحدثون...عن خفاضنا...نحن الذكور.....فقد خلقنا الانسان فى أحسن "تقويم"....صدق الله العظيم |
Thank you for bringing this point that many Muslims do not want to address.
mohamed elgadi
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الخفاض.. تاريخ الأخطاء وفرص التصحيح (Re: Mohamed Elgadi)
|
Quote: ظهر قانون الخفاض في السودان الانقليزي/المصري في ديسمبر 1946 [2]، بصورة فوقية من السلطة، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وبداية نفاذ وثيقة الأطلنطي التي تكفلت بتقرير المصير للشعوب المستعمرة الجاهزة للاستقلال [3].. عارض الجمهوريون القانون منذ صدوره، واتهموا الاستعمار بأنه لم يسن القانون اهتماما بالمرأة السودانية، بل لإذلال الشعب السوداني |
محاولة بائسة لتغطية الأخطاء التي تسبب فيها الجمهوريون بقيادة الاستاذ محمود محمد طه
لولا معارضة زعيم الجمهوريين و من معه لقانون الخفاض في ذلك الحين , لكانت هذة العادة
في طي النسيان منذ نهاية الاربعينات , ثم ما الخطوات التي قمت باتخازها بعد الاستعمار لمحاربة
هذة العادة ؟؟؟؟
الجواب لا شيئ , بل بفضل تعاليم زعيمكم و معارضته لقانون الخفاض تمارس هذة الظاهرة الى الآن
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الخفاض.. تاريخ الأخطاء وفرص التصحيح (Re: سناء عبد السيد)
|
تحياتي للجميع وشكرا للمتابعين
الأخت سناء.. أعتقد أني تناولت نقطتك هذه بالتحديد، ليس في الورقة وحسب، بل أيضا في ردي على صديقي محمد أعلاه.
وعلى العموم فمن السهل جدا أن نلقي اللوم على أي جهة ما دمنا لا نوضح المعايير الموضوعية لذلك اللوم (ولومك هذا ليس بالجديد، فقد قيل من قبل ورد عليه الجمهوريون بموضوعية موثقة من قبل)، كما من السهل جدا أن نجرد الآخرين من تاريخ مجهوداتهم الفعلية والفكرية الموثقة، في نصرة قضايا المرأة عموما وغيرها، ما دمنا أيضا لا نرتكن للتاريخ بل للعواطف الجمعية غير المؤسسة (أي ببساطة، إما أن تكوني غير محيطة بتاريخ نضال الجمهوريين والجمهوريات من أجل قضايا المرأة ومناهضة جميع العادات القاهرة لها، بما فيها الخفاض، أو تكوني محيطة بهذا التاريخ ورافضة له، وفي كلا الحالتين أنا غير مسؤول عن تغيير موقفك).
لذا ليست عندي الآن رغبة في الاستمرار في رد هذه الاتهامات، لأني أرى أني رددت عليها بما يكفي، ولك أن تعتبري حديثي أو لا تعتبريه، مع الاحترام لرأيك.
نواصل..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الخفاض.. تاريخ الأخطاء وفرص التصحيح (Re: Yaho_Zato)
|
هنا يستحسن، للمزيد من التمحيص، أن نتطرق لمواقف المنظمات العالمية بخصوص الموقفين أعلاه (تطبيب الخفاض ومنعه بالقانون).. تقف اليونسيف ومنظمة الصحة العالمية ضد تطبيب الخفاض، لنفس الأسباب التي ذكرنا آنفا، كما تدعو هيئة الأمم المتحدة الحكومات عموما إلى اتخاذ خطوات رسمية وقانونية لتوعية الشعوب توعية واسعة النطاق ومتعددة السبل لترك الخفاض، وأيضا تدعو لاتخاذ خطوات لمنع الخفاض قانونيا، لكنها لا تحدد نوع تلك القوانين وعقاب من يخالفها.. من ناحية أخرى فإن اليونسيف تدعو اليوم، بعد تجارب عدة، للتوعية الصبورة غير الإجبارية للشعوب لترك العادة [17] (نلاحظ هنا التناقض الواضح بين ما تدعو له هيئات الأمم المتحدة بمنع الخفاض قانونيا وما تدعو له من التوعية غير الإجبارية، فالقانون العقابي وعدم الإجبار لا يمكن أن يكونا خطين متسقين في نظام واحد إلا لو اعترفنا ضمنيا بأن القانون لن يجد الاحترام المطلوب ولن يجد مساحة واقعية للتطبيق).. نقول هنا إننا بالطبع نتفق مع هذه المنظمات في قضية أهمية دور الحكومات في مناهضة الخفاض بدعم حملات التوعية وتسخير أجهزة إعلام الدولة لذلك، لكننا، كما هو واضح، لا نتفق معها في عدم تطبيب الخفاض وفي منعه بالقانون، خصوصا بالسودان، وقد ذكرنا أسبابنا للاثنين أعلاه بصورة وافية.
ما نريد الإشارة له هنا هو أن منظمات الأمم المتحدة تركز على دور القانون بطبيعتها لأنها تتعامل مع الحكومات أكثر من تعاملها مع المجتمع المدني (والحكومات تتحدث لغة القوانين)، فهيئات الأمم المتحدة لا تمارس أنشطتها في أي بلاد بغير تنسيق مع حكوماتها أولا، ما يجعلها تضطر للحديث مع الحكومات بلغة القانون، أما المجتمع المدني فيشمل نواح ثقافية/دستورية أكبر من القانون بكثير، ولهذا فإن عمل المنظمات المدنية المحلية قد يكون أكثر حكمة من توجيهات هيئات الأمم المتحدة أحيانا، ومن المعروف تاريخيا أن هيئات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية تتبنى مواقف شاملة لعلاج القضايا المتعلقة بشعوب متعددة حول العالم، فهي لا تصنع استراتيجيات خاصة لكل شعب حسب سياقه الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، ولهذه فمواقفها كثيرا ما تكون توفيقية عامة أكثر من كونها عملية تفصيلية، وهو أمر واضح في تناقض مواقفها المذكورة أعلاه.
إن السودان من أسوأ حالات انتشار الخفاض في العالم، ما يعني أن وضعه متميز، فهل يعقل أن نرسم له استراتيجية حل عامة مشابهة لتلك التي نرسمها، مثلا، لكينيا وتنزانيا واليمن؟ [18] لأن هذا هو ما تفعله هذه المنظمات حين تضع استراتيجيات عالمية كهذه، لا مجال فيها لاعتبار خصائص المشكلة في البلدان المختلفة.. لا نريد بهذا أن نهدم مصداقية هذه المنظمات، فهي تؤدي دورا مهما، ولكن يجب ألا نجعل لآرائها واقتراحاتها قداسة في غير موجب، فالتجارب السياقية لكل شعب، حسب ظروفه الخاصة، تسمح للكثير من أهله الواعين بأن يتوصلوا لحلول أكثر حكمة وعملية لمشاكلهم من تلك المقترحة من هذه المنظمات.
وعلى العموم فمن الواضح أن الخط العام والأهداف مشتركة، ويبقى التباين فقط في تفاصيل الاستراتيجيات المتبعة للوصول لهذه الأهداف.. لهذا نصر، بناء على استنتاجاتنا، على موقفنا من تطبيب الخفاض والمنع القانوني، خصوصا في ظروف السودان الحالية، ويتغير موقفنا بتغير هذه الظروف التي دعت له.. وعلى العموم أيضا فمن الواضح في تقاريرها أن المنظمات العالمية هذه تعول أكثر على الحركة الاجتماعية وقدرتها على التغيير وسبله، وعلى أن التغيير الأقوى يكون عندما يأتي من داخل المجتمع وليس بالقوانين الفوقية، وعلى أن تكون هذه القضية مرتبطة مباشرة بعموم قضايا حقوق المرأة والطفولة وليس بمعزل عنها، وهو ما نعول عليه أيضا.. الصحيح عندنا هو العمل على نطاقات ثلاثة:
1. توعية الأوساط الممارسة لعادة الخفاض لأن الغرض منها، كما تتصور تلك الأوساط، لم يعد مخدوما، وأن المفاهيم السابقة التي قالت بجدواه خاطئة، ومن ثم فهو لا يأتي اليوم بغير الألم والمزيد من المشاكل الاجتماعية.. هذا الاتجاه يختص بالخطاب الاجتماعي الشامل، وباستثمار تأثير الزعامات المحلية في وعي الشعوب، مثل الرسالة التي وقع عليها حوالي 30 من زعامات الطرق الصوفية في السودان، عام 2004، والتي تجرد الخفاض من أي مشروعية دينية، من أجل إزالة وهم الارتباط لدى ممارسيه بالدين [19] .. لهذا الاتجاه العام في العمل الاجتماعي الكبير أثر مشهود وتجارب يمكن التعلم منها، فقد أعلنت جراءه بعض القرى والبلدات في غرب افريقيا التزامها جماعيا بترك الخفاض [20].
2. توعية الأسر للأضرار الجسدية والنفسية البالغة للخفاض وتشجيع هذه الأسر على مواجهة مفاهيم المجتمع المتخلفة من أجل صحة بناتها.. من المهم ألا نتجاهل قدرة الأسرة على الوقوف في وجه المجتمع أحيانا كثيرة، كما من المهم أن نستثمر شبكة العلائق الأسرية في مشروع التوعية نفسه، فتأثير الأسر بعضها على بعض قوي وفعال، والأسر الواعية تستطيع أن تؤثر على آراء الأسر الأخرى من حولها في الحياة العامة.
3. آخر النطاقات، وأوسعها، هو تبني برنامج كبير، متعدد الأنشطة والمجالات، لتوعية وتعليم المرأة في السودان بصورة شاملة لإعدادها لمواجهة جميع صور الاضطهاد، داخل الأسرة وخارجها.. يجب أن يكون واضحا لنا أن القضية الأساسية هي قضية المرأة ككل، منذ طفولتها المبكرة، وأن العمل الذي لا يتكامل مع الاتجاه العام للقضية محكوم عليه مسبقا بالفشل.
وفي النطاق الثالث هذا يكمن الصراع الكبير الذي تحسم نتائجه ما يكون عليه الشكل العام للمجتمع، ولهذا فهو يشتمل على أصعدة متعددة، من أهمها، في نظرنا، إعادة تنظيم علائق العمل داخل الأسرة، نواة المجتمع، وإعادة التقييم المنصف لإنتاج المرأة، داخل وخارج محيط الأسرة، مع وجوب مشاركة الرجل لها في جهد رعاية الأطفال، وما إلى ذلك من المقاربات التي تعيد للمرأة كرامتها المعنوية والمادية في المجتمع، فالواقع المعاش أن عمل المرأة الإنتاجي، في الأسرة وفي المجتمع، لا يقل قيمة عن عمل الرجل، إن لم يزد عليه، لكن أنظمة الاقتصاد الرأسمالي المعاصرة تجعل قيمة الأعمال التي يقوم بها الرجال عادة أكبر من تلك التي يقوم بها النساء عادة، كما انها، بالاشتراك مع ثقافة المجتمع الأبوي، تعمد لإبقاء النساء بعيدا عن مواقع صنع القرار التنموي (الاقتصادي/اجتماعي والسياسي) وعن وسائل إعادة تقييمهن أنفسهن لدورهن التنموي المستدام، قديما وحديثا، وبالتالي يصبحن محصورات في نفس الأعمال المهمشة والمستمرة برتابة تضعف قدرتهن على التجديد الخلاق.. يكفينا، دليلا على كل هذا، الإحصاءات التالية من الدول النامية [21]:
• تمثل مساهمة المرأة الإنتاجية 66% من ساعات العمل في العالم، بينما تكسب فقط 10% من الدخل العالمي وتمتلك فقط 1% من الممتلكات على مستوى العالم. • تقضي النساء في المتوسط 6.5 ساعة أسبوعيا في سحب وحمل الماء. • في المتوسط تعمل المرأة 63 ساعة في الأسبوع في الأعمال مدفوعة وغير مدفوعة الأجر، مقارنة بالمتوسط بين الرجال حيث يبلغ 50 ساعة في الأسبوع. • تقضي المرأة الريفية في إنجاز الأعمال المنزليه 8 أضعاف الوقت المبذول من الرجل. • تصل نسبة الأسر التي تعولها امرأة حوالي 21% وترتفع في بعض المناطق الي 33%. • تشكل المرأة 80% من منتجي الغذاء بافريقيا بينما تتلقى 2% إلى 10% فقط من الخدمات الإرشادية.
نواصل.. _________
[17]UNICEF. 2006. Previous source [18]نسبة المخفوضات في كينيا وتنزانيا واليمن، بين عمري 15 و49، هي 32% و18% و23% على التوالي (اليونسيف 2006، مصدر سابق)، وكما نرى فلا مقارنة بين أي من هؤلاء وحالة السودان التي تصل لنسبة 90% في أكثر مناطقه السكانية كثافة.
[19]UNICEF. 2006. Previous source [20]موقع البي بي سي (القسم العربي). 2008 (27 فبراير). "الأمم المتحدة تدعو لوقف ختان الإناث". [21]محمد مجذوب فضيل. 2006 (يوليو). "قضايا الجنسين والتكنولوجيا: تجربة منظمة براكتكال آكشن". منظمة براكتكال آكشن/ السودان.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الخفاض.. تاريخ الأخطاء وفرص التصحيح (Re: Yaho_Zato)
|
خاتــــمـة
وبعد، فإن الرأي المعروض هنا قد يستدعي ردود فعل متفاوتة، لا نستطيع التنبؤ بمستوياتها، لكن حسبه أنه طرح يسعى لحل عملي جوهري لهذه المشكلة، ضمن إيمان راسخ بأن هذه العادة إلى زوال بلا شك، لكن يبقى العمل من أجل إسراع زوالها.
من غير البعيد أن يقول البعض، لسبب أو لآخر، بأن هذا الرأي يعتبر مهادنة زمنية في قضايا المرأة الملحة، وهي غير قابلة للتجزئة.. الإجابة عليهم هي أن قضايا المرأة فعلا ليست عرضة للتجزئة، لكنها عرضة للترتيب الأولوي الحكيم، كسائر قضايا التغيير الاجتماعي الواعي الذي يتبنى خط الثورة المتزنة (فلا هو بطيء متردد ولا هو عجول مضطرب).. ليتنا نستطيع الاستيقاظ غدا لنجد جميع مشاكلنا الاجتماعية قد حلت، بقوانين فوقية أو بغيرها، لكن ذلك من غير مشاهد الواقع المعاش الذي لا بد لنا من التعامل معه.
بهذا الاتجاه المعروض هنا نرى أن الخفاض يمكن التخلص منه في مدة لا تتجاوز الجيل الواحد فعلا في السودان (بخصيصة الحركة الدينامية المذكورة آنفا)، كما هو الطموح العالمي الذي ظهر مؤخرا بصوت هيئة الأمم المتحدة، في إطار التخلص من جميع أشكال اضطهاد المرأة قريبا جدا، إذ هذه المدة هي التي سيصبح فيها الجيل القادم في صدارة الحركة الاجتماعية في البلاد، فإن كان مسلحا بالمعرفة والوعي الكافيين فذلك سيعني بداية عهد جديد للمرأة، وعهد جديد للمجتمع ككل، فتموت عادة الخفاض موتا طبيعيا.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الخفاض.. تاريخ الأخطاء وفرص التصحيح (Re: Yaho_Zato)
|
هناك معلومات مصنفة أكاديميا ومعروفة ضمن المنظمات الدولية، أشك أحيانا في أن الكثير من مثقفينا (من الجنسين) المتصدين لقضية الخفاض على علم بها (لا أقول كلهم)، وذلك لأن هذه القضية كلما ذاعت في فترة من الفترات نجد الكثير منهم يطلقون الأوصاف الحانقة والتجريمات البشعة لفاعليها، ويظنون أنهم بذلك استوفوا واجب التقدمية وحماية حقوق الإنسان.
من أجل هذا، سأضع بعض المعلومات العامة أدناه، وهي معلومات لن يحتاج لها الجميع، لكنها تفيد عموما:
(1) مثقفونا يصرون على عبارة "ختان الإناث" كثيرا، ولعل هناك نوع من التوجس من عبارة "الخفاض" لا أعرف كنهه، فالخفاض في اللغة العربية يعادل "الختان" بالنسبة للذكور تماما.
لكن ليست هذه المشكلة طبعا، وإنما هي أن المعادل الانقليزي لختان الإناث هو Female Circumcision.. هذا المصطلح مكروه الاستعمال في عرف المنظمات الدولية، لأنه في رأيها يعطي العملية نوعا من الشرعية بوصفها ختانا، حيث ان الختان طقس له مؤيدون كثر في الساحات الطبية بخصوص الذكور، ولذا فإن عبارة "ختان الإناث" تعطي هذه العملية ظلا من التأييد المعاصر لختان الذكور.. لهذا ظهر مصطلح "تشويه العضو الأنثوي" (Female Genital Mutilation) كبديل لـ"ختان الإناث"، حتى يكون المصطلح دليلا على "الجرم" كما تراه تلك المنظمات.
لكن وبعد فترة قصيرة من استعمال المصطلح الجديد، ظهرت ردات فعل قوية من جانب المجتمعات التي ما تزال تمارس العادة، وأدت ردات الفعل هذه إلى قطيعة بين هذه المجتمعات عموما وبين ناشطي مناهضة العادة، من المنظمات الدولية وغيرها من الجهات التي تبنت المصطلح.. بطبيعة الحال هذا الوضع ليس في مصلحة البنات ضحايا العادة، فالعائلات لا ترضى أن يقال عنها إنها تشوه أعضاء بناتها، ذلك ببساطة لأنها لا ترى أنها تفعل ذلك! (بل إن منها من يرى أن هذه العملية تجميلية في الأصل، لأنهم ورثوا هذا الفهم عن تاريخ طويل).. هنا شعرت المنظمات الدولية بضعف موقفها، وأدركت أنها بحاجة لأن تتنزل من عليائها تجاه البسطاء ولا تصف عاداتهم بما يحلو لها، وهنا ظهر مصطلح "قص العضو الأنثوي" (Female Genital Cutting).
هذا المصطلح الأخير (واختصاره FGC) يمثل خطوة من خطوات الاعتراف بالخطأ من جانب المنظمات الدولية، وهي خطوة ضمن خطوات أخرى عدة صارت هذه المنظمات تخطوها في الفترة الأخيرة، ببساطة لأنها أيقنت من التجربة أن التعامل الفوقي مع الشعوب لن يجعلها تغيّر عاداتها، بل قد يؤدي لنتائج عكسية في كثير من الأحيان مما يضر ضحايا العادة أكثر، ومن ضمن تلك الخطوات أن هذه المنظمات صارت تركـّز في تقاريرها الدورية، في السنوات الأخيرة، على أهمية عمليات التوعية والتعامل مع المجتمعات الممارسة للعادة بحساسية ثقافية، لأن القوانين التجريمية والتشنيعات الوصفية أثبتت أنها لا تؤدي فتيلا.
هذا بعض مما يجري في الساحات الأكاديمية والمنظمات العالمية المشغولة بقضية "الخفاض"، فهل يعلم مثقفونا المناهضون لهذه العادة بهذه المجريات؟ وماذا سيكون موقفهم إذا جاء يوم واعترفت هذه المنظمات العالمية جهارا بأن استراتيجياتها تجاه الخفاض لم تنجح لعدة عقود لأسباب كثيرة، من ضمنها ضعف الحساسية الثقافية لديها؟ وهو على العموم أمر غير مستبعد، إذ يمكن أن يحصل قريبا، ووقتها لا ندري هل سيغير مثقفونا موقفهم، بحكم تغير موقف المنظمات العالمية، أم سيبقون على إصرارهم على تجريم الخفاض والتشنيع به والسعي وراء إصدار القوانين الفوقية.
(2) شئنا أم أبينا، الواقع هو أن المنظمات الدولية، وعلى رأسها منظمة الصحة العالمية، تقر بأن هناك أنواعا للخفاض، وتقر بأن هذه الأنواع ليست متساوية في الضرر.
هناك ثلاثة أنواع معروفة أكاديميا وعالميا للخفاض، أخطرها هو الخفاض الفرعوني (ويسمى أيضا infibulation)، وأخفها ما هو معروف عندنا بخفاض السنة، وهناك نوع رابع تقع ضمنه ممارسات عدة ومتنوعة، تتفاوت في مدى خطورتها وأماكن وجودها الجغرافية ونسبة انتشارها، غير أنها عموما – أي هذه الممارسات ضمن النوع الرابع – محدودة الممارسة في جميع الأرض، كمّا وكيفا.. هذا السرد ليس للمزايدة، إنما لتوثيق ما هو كائن فعلا في الساحات الأكاديمية والطبية العالمية، حتى نكون على أقل مستوى مطلوب من إدراك جوانب القضية التي نتصدى لها.
بطبيعة الحال هذا لا يعني أن أي من هذه الأنواع "مستحب" أو "جائز" كما يدعي تجار الدين، فجميعها ضار ومرفوض، لكنه يعني من الناحية الطبية أن بعضها أكثر ضررا من الآخر، وأحيانا بصورة كبيرة، كما ان بعض الأنواع (مثل النوع الأول) قابل في بعض الأحيان للإزالة (أي أن تجرى عملية تزيل أثره وتعيد العضو الأنثوي لشكله الطبيعي او قريبا جدا منه).. هذا علاوة على أن اليونسيف مثلا (وهي منظمة للطفولة) تتناول هذه القضية فقط بخصوص الطفلات اللائي يتعرضن للخفاض وهن في سن صغيرة، يجعلهن غير واعيات بما يجري لهن، لكن من حيث الممارسة على أرض الواقع فإن هناك شعوبا كثيرة (بعضها في السودان) تقوم بعادة الخفاض للبنات بعض أن يدخلن مراحل البلوغ، أو على الأقل بعض أن يصلن مرحلة عمرية يكن مدركات فيها بما يجري لهن، ويقبلن به لأنهن مقتنعات به كطقس ضروري من طقوس العبور في ثقافتهن.
ومنظمة الصحة العالمية تذكر في بعض تقاريرها الأخيرة أن هناك ممرضات متدربات طبيا يجرين عملية الخفاض "في وضع طبي آمن"، إلا أن الأغلبية من القابلات الشعبيات لا يفعلن ذلك، لواقع جهلن التشريحي ولواقع تلوث البيئة التي يقمن فيها بالعملية (راجع المصدر المذكور في الورقة أعلاه)، كما ان الممرضات المتدربات يملن أكثر لإجراء نوعي الخفاض غير الفرعوني.. إذن هناك تفاوت واضح ومعترف به عالميا، سواء كان في نوعية العملية أم في نوعية الظروف التي تقام فيها.. مرة أخرى أكرر إن هذا الحديث ليس للمزايدة، إنما لتوضيح الوقائع.
كل هذه معلومات يجب أن تكون معروفة، على أقل تقدير، حتى نتصدى لقضية الخفاض بصورة وافية.. والبحث في تنويعاتها سيسوقنا، عاجلا أم آجلا، لأن ندرك أن هذه المسألة غير قابلة للأحكام الحاسمة والشمولية، فهي متنوعة بطبيعتها وتتطلب سياسات متنوعة، إلا أن المظلة الكبيرة هي مظلة التوعية، فالتوعية بطبيعتها عملية واقعية، تتعامل مع الظروف حسب معطياتها ولا تطلق أحكاما مسبقة وشمولية. _________ للمزيد من التفصيل يمكن النظر في الوصلة أدناه، وفيها أيضا وصلات لمصادر أخرى (كما يمكن الاطلاع على بعض المصادر المذكورة في الورقة أعلاه): http://en.wikipedia.org/wiki/Female_genital_cutting#Type_IV:_Other_types
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الخفاض.. تاريخ الأخطاء وفرص التصحيح (Re: Yaho_Zato)
|
Quote: إن العلاقة بين القانون والتوعية ليست دوما علاقة تكاملية، بل هي أحيانا تكون متشاكسة ومتصادمة حسب المستوى الظرفي من كل جهة.
القانون القطعي يعطي ستارا واضحا لاستمرار العملية تحت الأرض، وهذا أمر له شواهد تاريخية كثيرة، وحين تصبح العملية "تحت أرضية" فإن هذا يجعل مهمة التوعية أصعب بكثير، لأن أجهزة الإعلام الرسمية تصبح أمام موقفين لا ثالث لهما: 1. إما أن تتعامل مع أغلبية المواطنين البسطاء كمجرمين، بصفتهم يخالفون قانون الدولة. 2. او تمضي في حملة توعية هزيلة تعترف فيها بضعف جهاز القانون وضعف تأثيره على حيوات الناس اليومية. وفي كلا الموقفين أعلاه هزيمة للقانون ولأهداف التوعية معا.
نحن لا نقول إن التركيز على التوعية يعني تجاهل القانون، لكننا نقول إن مجهودات المجتمع المدني الحالية تركز على تمرير قوانين صارمة وحاسمة، وهذا خطأ من ناحيتين: 1. الناحية الأولى هي ذرف مجهود كبير من التنظيم والتمويل كان يمكن أن يُصرف على أهداف التوعية، بدل المؤتمرات والورش والتوصيات التي تخاطب الحكومة بدل الشعب. 2. والناحية الثانية هي أن القوانين الصارمة تقفل باب الحوار بين من يتبنونها وبين من يعارضونها في إطار الدولة، وبهذا فنحن نخسر الأرضية المطلوبة لمخاطبة بسطاء شعبنا (حتى من قبل بداية الحوار).
الحل: التركيز على التوعية، ثم على التوعية، ثم على التوعية، بكافة مجالاتها، مع القليل من ضبط القانون.. هذا حل مرحلي يتناسب مع حجم المشكلة وطبيعتها المعاصرة، ويتطور من هذه النقطة حتى نصل فيه لمرحلة يكون فيها المنع القانوني منطقيا.
قصي همرور المصدر: قرار خطير اصدره مجلس الوزراء بالامس !!
|
ماذا نعني بالتركيز على التوعية مع "القليل من ضبط القانون"؟
نعني به أن القوانين التجريمية قوانين فاشلة، وغير ممكنة التطبيق أساسا.. تجريم الخفاض يعني ضمنيا واحد من الآتي (او تشكيلة): 1. إما نسجن أغلبية المواطنين السودانيين، وهذا إن كان معقولا منطقيا فهو غير معقول لوجستيا، لأننا لا نملك في السودان من الموارد الاقتصادية ما يكفي لبناء سجون تفي بهذا العدد من الناس! 2. أو نقتلع الطفلات المخفوضات من الأسر كعقاب، وهذا يعني أيضا أن نفتح دور رعاية لمعظم طفلات السودان، وهو إن كان معقولا منطقيا فهو غير معقول لوجستيا، لنفس السبب الخاص ببناء السجون في النقطة "1".. هذا علاوة على أننا هكذا نجعل من البنات المخفوضات يتيمات أيضا، فصارت مصيبتهن مصيبتين بعد أن كانت واحدة. 3. نضع قانونا تجريميا يقتضي دفع غرامة مثلا، ورغم خطل هذا الرأي وعدم جدواه الواضحة، نقول باختصار إننا لن نستفيد منه أي شيء على أي حال بخصوص توقيف العادة، سوى أنه قد يرفع من ميزانية الدولة (وربما يجعل الحكومة "مبسوطة" بهذا الوضع الذي يدر عليها الأموال، فتكسل بذلك عن دعم جهود التوعية).. كل هذا علاوة على ان جمع الغرامات من المجتمعات الممارسة للخفاض سيكون لوجستيا أصعب حتى من عملية جمع الضرائب، خصوصا في الريف، وهو بالتالي استنزاف لجهد موظفي الدولة في غير محله. 4. أما الخيار الرابع فهو أن نضع قانونا "فُرجة" لا سلطة فعلية له على أرض الواقع، لان الناس لن تلتزم به على أي حال (فهي لم تلتزم به حين كان موجودا في العقود الماضية على أي حال)، أو أن نطبق القانون على بعض الناس فقط ولا نطبقه على الجميع، وهذا أسوا لأنه يهدم مصداقية جهاز العدل في الدولة، كما يحرض أكثر وأكثر على إجراء الخفاض بصورة سرية "تحت أرضية" تؤدي لعواقب صحية وخيمة على الضحية.
التركيز على برامج التوعية مع القليل من ضبط القانون هو الحل، وفي هذا يمكن أن نتحاور ونتشاور لنخرج بصيغة جيدة تمثل استراتيجية عامة (وسأحاول وضع المزيد من الاقتراحات العملية قريبا).. الدولة مطلوب منها التواجد القوي في مناهضة الخفاض، ولكن ليس بالقانون الجنائي، إنما عن طريق السياسة العامة.. هناك فرق بين "القانون"(Law) وبين "السياسة العامة" (Public Policy)، وسأحاول تبيان هذا الأمر قريبا.
نواصل..
| |
|
|
|
|
|
|
|