|
Re: رسائل (تفتح بمعرفتها فقط) – 2 (Re: هشام آدم)
|
__________ الرسالة السادسة عشر:
وما زلت يا حبيبتي في دوائر الأحزان أمارس هواية النساء العواجيز ، أفلت بكرة خيط ملوّنة ثم أعود ألملمها مرة ثانية. أنسج كنزة من الصوف بحجم كف ثم أعود أحرر الصوف من العقد. وبين كل فتلة وأخرى نفس شهقة مرعبة لا تخرج إلا عندما تكتمل الدورة التنفسية! الأفق صار أقرب من جدار غرفتي الصغيرة ، هذا يعني أنني في نهاية العالم أو مبتداه. أنا لم أعد كسابق عهدي على أي حال. تتناوشني مناقير الذكريات تنهش جلدي وتترك اللحم ! لست أدري على وجه الدقة ماذا أريد.
قبل أيام أوقفني شرطي بينما أنا أعبر الشارع إلى الجهة الأخرى عائداً من عملي بعد العاشرة مساءً . سألني عن هويتي ، فناولتها له في برودٍ روتيني ، وضع الهوية إلى جواره ثم قال لي اركب معنا. إنها سفينة نوح التي لا تحمل معها من كل جنسية إلا زوجاً واحداً. أردت أن أسأله عن السبب أردت أن أعترض ، ولكنني ركبت معهم بكل خشوع ، فلا طائل من الكلام ولم تكن لي رغبة في (المناكفة) فأشرطته اللامعة التي يعلّقة على كتفه كفيلة بأن تنهي الحوار لصالحه. نحن يا حبيبتي في هذه محض (أجانب) رغم أننا أفصح منهم لساناً !! وفي مخفر الشرطة جلست على كرسي خشبي طويل أزرق اللون. مخفر الشرطة عالم مجنون تماماً كعالم الخارجي ، غير أنه أشد دكنة أو زرقة. بعد ساعة مرّ عليّ أحدهم (شرطي فضولي) سألني بلهجته التي تشبه إلى حد بعيد صوت اصطكاك باب حديد قديم : وش عندك؟ فرفعت رأسي – في خشوع - : لا أدري !! حاول الشرطي أن يستشف من ملامحي علامات استخفاف غير أنّه لم يجد غير وجه بائس حزين ومتعب ، فانصرف.
بعد ساعة أخرى ، جاء (كبيرهم الذي علّمهم السحر) دخل فوقف الجميع ، إلا (الأجانب) قال بصوتٍ آمر: أدخلهم الواحد تلو الآخر. ولأن (الأجانب) مصنّفون في هذه البلاد حسب أبجدية اللغة العربية فقد كنت أولهم. دخلت عليه لأجده شاباً لا يتجاوزني إلا بسنتين على الأكثر. رفع عينيه دون أن يرفع رأسه وسألني نفس السؤال بنفس النبرة الحديدية : وش عندك؟ فأجبته نفس الإجابة ، غير أنه أعاد السؤال ، فأخبرته أنني كنت في طريقي إلى البيت عائداً من عملي ، فالتقطتني سيارة الشرطة دون أن أعرف سبباً لذلك. عندها أمر بالشرطي وسأله عن مخالفتي فقال له : إقامته منتهية !!! تفحّص الضابط هويتي جيداً فلم يجدها كذلك .. فقال بكل سماجة: الله يهديك بس .. التجديد في الورقة من الخلف !! سلّمني الضابط هويتي وهو يقول بذات السماجة: اتوكل ع الله يا زول !!! هكذا بكل هذه البساطة؟ كانت الساعة تدق الواحدة صباحاً وأنا لم أنم ولم أرح جسدي منذ أن استيقظت صباحاً عند الساعة السابعة. عقدة الحكاية أنه كان عليّ أن أعود على قدمي حيث يندر مرور عربات الأجرة في ذلك المكان.
أتعرفين ماذا يعني هذا يا حبيبتي؟ يعني أننا في هذه البلاد محض دمى لها ورق ثبوتيّة. وقتنا لا قيمة له عندهم، كرامتنا لا قيمة لها عندهم، نحن أنفسنا لا قيمة لنا عندهم. وجدتني عندها أتدحرج في دائرة حزنٍ أكبر. اكتشفت في نهاية الأمر أن الشرطي (أصلحه الله) كان يمسك بهويتي بالمقلوب فلم يتمكن من قراءة التاريخ الصحيح. لا بد أن اللوم يقع عليّ دون شك كان يجب أن أعطيه الهوية من الجهة الصحيحة.
عدت إلى غرفتي ولا ألوي على شيء .. حتى أنني لم أشأ أن أتذكر تفاصيل ما حدث ، كل ما أردت أن أفعله هو أن أضبط ساعتي وأنام حاضناً صورتك التي أنزلتها من الجدار فوق سريري.
في الصباح كان كل شيء يعيد ترتيب نفسه ، الألوان .. الروائح .. الوقت .. الطقس .. زجاج نافذتي الذي شاب بفعل الرطوبة .. كل شيء إلاّ أنا وأنت داخلي!! قلت في نفسي : طالما أننا لا نتغيّر فهذا يعني أن عنصر الإناسة داخلنا مازال يعمل ولم يتعطّل بعد. فحمدت الله سراً وخرجت.
عن الخبر السار الذي وعدتك به ، فلقد ضاع الحلم كما يضيع الزبد في الماء يا حبيبتي .. وبلغة المحاكم (يظل الحال على ما هو عليه وعلى المتضرر اللجوء إلى القضاء) ولا راد لقضاء الله !!! لا بأس فمازال عنصر الإناسة حياً يرزق داخلنا .. ولن يخبو الأمل حتى تفارق الروح هذا الجسد.
تحياتي إلى أسرتك الكريمة وإلى الجميع .. وإليكِ قبلاتي الحارة والأشواق الطازجة.
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
رسائل (تفتح بمعرفتها فقط) – 2 | هشام آدم | 05-13-06, 10:36 AM |
Re: رسائل (تفتح بمعرفتها فقط) – 2 | هشام آدم | 05-13-06, 11:23 AM |
Re: رسائل (تفتح بمعرفتها فقط) – 2 | هشام آدم | 05-13-06, 04:23 PM |
Re: رسائل (تفتح بمعرفتها فقط) – 2 | هشام آدم | 05-14-06, 11:57 AM |
Re: رسائل (تفتح بمعرفتها فقط) – 2 | هشام آدم | 05-14-06, 05:25 PM |
Re: رسائل (تفتح بمعرفتها فقط) – 2 | Rasha Hatim | 05-14-06, 05:37 PM |
Re: رسائل (تفتح بمعرفتها فقط) – 2 | هشام آدم | 05-15-06, 11:02 AM |
Re: رسائل (تفتح بمعرفتها فقط) – 2 | هشام آدم | 05-15-06, 01:59 PM |
Re: رسائل (تفتح بمعرفتها فقط) – 2 | هشام آدم | 05-15-06, 04:33 PM |
Re: رسائل (تفتح بمعرفتها فقط) – 2 | هشام آدم | 05-16-06, 12:02 PM |
Re: رسائل (تفتح بمعرفتها فقط) – 2 | هشام آدم | 05-16-06, 03:34 PM |
Re: رسائل (تفتح بمعرفتها فقط) – 2 | هشام آدم | 05-17-06, 02:16 PM |
|
|
|