يوم حلو ويوم مر

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-05-2024, 08:49 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة هشام ادم(هشام آدم)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-21-2006, 09:16 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: يوم حلو ويوم مر (Re: هشام آدم)

    يوم مر

    ( وإنه لقسم لو تعلمون عظيم )



    النقطة السوداء التي قد تعكر حتى نهر الجنة ، تكون معلقة كاللافتات التذكارية في جانبٍ ما من دواخلنا ، وتطل فجأة عندما نسلم أنفسنا لبعض الصمت ، ونملئ الرئتين بالهواء الثقيل . تمر عليك الشخوص والألوان والأماكن والروائح تجرحك بموس الرغبة في الانتقام ، فلما لن تستطيع – إذا كنت شفيفاً كما أراد الله لك – سوف تنزل منك دمعة ثقيلة أيضاً ، ثقيلة ربما بحجم مرارة ما تحمله اللافتة من مشاهد لا تريد أن تراها ، مشاهد تريد أن تقتلها ، أن تنقلها إلى ذاكرة غيرك. تتمنى أن لو كانت الذكريات صوراً فوتوغرافية تنتهي بمجرد أن تمزقها. ولكنها لا تتمزق ، بل تظل عالقة على جدار الذكريات ، وتعرض عليك بين كل لحظة وأختها لتجرحك بذات الموس ، ذلك الموس الذي لا يصدأ ولا يخون حرفة الجرح . ربما نحتفظ ببعض المشاهد غير المرغوب فيها كما هي ، محنطة محتفظة بكل تفاصيلها الحيوية: الأصوات ، الروائح ، الزمان ، الألوان .... كل شيء. كأن الأشياء التي لا نرغبها تعرف أننا لا نرغبها فتعمد إلى تعليب نفسها ذاتياً مختزلة نفس المرارة ثم تسكن في مكانٍ ما في الذاكرة.

    هل تمنيت ذات يوم أن تكون شخصاً آخر غير نفسك ؟ أن ترى تلك اللافتات فتتمنى أن لو لم تكن أحد أبطالها ؟ هل مر عليك يوم احتقرت فيه نفسك ؟ نعم .. أنت نفسك وليس شخصاً آخر ؟ إذا لم يحدث لك ذلك ، فقد حدث لي. وفي كل موسم شتوي تتساقط على نيوتني الآني تفاحات المشاهد الفاسدة فألعن نفسي ألف مرة.

    في هبة سبتمبر المجيدة – أظن أنها كانت في العام 96م – عندما خرجت جموع الطلاب تهتف بكل حيوية الشباب ، وبكل طموحها في المستقبل النظيف. وكل واحد منا قد ارتسمت في عينيه أمه أو أحد أخوته. حاملين في قلوبنا عصارة الوطن طازجة كما أرضعتها لنا أمهاتنا أول مرة. هتفنا ( لا تعليم في وضع أليم ) . كان الحماس يجعلنا نتبارى فنرفع أصواتنا ونهتف من صدورنا لا من أفواهنا ، كطيور القيامة غير أننا لسنا عرايا ولكننا كنا شخصاً واحد شباباً وشابات. كلنا لنا حلم واحد ، وهتاف واحد ، ومسيرة واحدة. صدقاً شعرنا بأن الحكومة دمية في يدينا ، وأننا ذاهبون بها إلى مزبلة التاريخ (مزبلة الدمى) سوف نخلص جسد هذه البتول (الوطن) من الورم السرطاني الذي أثقل كاهلها طويلاً، سوف نثأر لهذا الشعب: لعم إبراهيم وآراب الذي فقد وظيفته للصالح العام ، وضاعت وراءه عائلة كاملة من ثمانية أشخاص ، لمحمد عبد السلام الذي مات برصاص الكلاب داخل مسجد جامعة الخرطوم ولم يثنهم عن قتله أنه احتمى ببيت الله ، للخالة كوثر بائعة الجبنة التي قتلوا زوجها في الميل أربعين ، لأجوك التي فقدت إحدى ساقيها في صيف العبور ، لعاطف خديجة الذي ضيعته ثورة التعليم العالي ، لبنات الديم وشباب السجانة ، لباعة البرنجي والورنيش ، لعمال السكة حديد ، ولطالبات الإنمائية وشحاذي العاصمة القومية. سوف نثأر لهم اليوم دون شك. ومرّت رصاصة خبيثة اخترقت صدر هذا الحلم فتداعى وترنح ثم سقط على وجهه. تفرقت الحشود والرصاصاتمن نسل ذات الطبنجة ما زالت تلاحق صدور المقبلين ، وظهور المدبرين. وعرفنا أن يد السلطة فوق يد الحلم الهزيل. ونقطة ما حول (كبري الحرية) حاصرتني الكلاب وانهالت علي ضرباً بالأنياب الكهربائية ، وعصبوا عيني واقتادوني إلى مكانٍ أشك أنه قريب جداً من الجامعة ، فلقد كنت قادراً على سماع أصوات القاطرات بشكل واضح. وهناك….

    هناك عند أول الدخول ، يجبرونك أن تدخل منحنياً ومصحوباً بقبلات الترحيب (الحارة) من شفاه البسطونات. تساءلت كثيراً: كيف يمكن لهؤلاء أن يسمحوا لأنفسهم أن يسكبوا كرامتنا بهذه الصورة فوق نجيلة الأمن العام!!!! أكثر من نيف وثمانين معتقل بين شاب وفتاة ، هم حصيلة الجرد النضالي لذلك اليوم. وبعد الإجراءات التي استمرت حتى الليل وجدت نفسي في (وطن) ، نعم وطن بحجم (متر × متر) أرضية صلبة وباردة ، جدران قاتمة ، لا نوافذ ، لا أثاث ، لا مصابيح ، لا شيء. أنا الإضافة الوحيدة لتلك الغرفة. انزويت في ركن ما ، ولم تمض بضع دقائق حتى دخل أحدهم. لم استطع أن أحدد شكله بفعل العتمة ، ولكنني سمعت صوت (جردل) مصحوباً بصوت (كشح) ماء. فنهضت ولم أستطع أن أجلس مرة أخرى!! لقد كانت الغرفة صغيرة لدرجة أن ملء جرد ماء قد يغرقها تماماً. وكان الماء بارداً لدرجة أننها تتسلل من بين ثقوب الحذاء إلى الأطراف. فتعلمت النوم واقفاً !! لقد أرهقونا جميعاً فكنت أنظر إلى وجوه الجميع مصابون بالبرودة والتعب.

    ذات يوم (بعد المغرب قليلاً) دخل أحدهم واقتادني إلى مكتب آخر ، طلبوا مني أن أعترف بأني شيوعي، فلم أفعل. سألوني عما إذا كنت شيوعياً أم gay ، فلم أجب. ولم يكن بوسعك ألا تجيب: أخبرتهم أنني لست بشيوعي ولست بـgay بل رجل كامل الرجولة. فتبسم الكلب ابتسامته الصفراء التي لن أنساها وهو يقول: نشوف الرجالة بتاعتك دي. عرفت حينها أنني سوف أموت في هذا المكتب دفاعاً عن نفسي وعن كرامتي وعن (شرفي) !!!! فودعت أمي وأبي وأخوتي سراً . أشار الكلب لكب آخر برأسه فالتفت متحفزاً لقتال. غير أنه تركني وغادر المكتب في هدوء ، بينما جلس الآخر وراء مكتبه. وما هي إلا بضع دقائق حتى عاد الكلب ومعه خمسة كلاب يقتادون فتاة لا أعرفها. فتاة تبدو أنها لم تنم جيداً منذ أربعة أيام. كانت الفتاة في حالة يرثى لها: شعرها الأشعث ، ملابسها المهترئة ، حافية ، تحمل في يدها طرحتها الممزقة. سألوها: بتعرفي الشيوعي ده؟ فالتفت إلي بصعوبة بالغة حاولت أن تركز علي بشدة ولكني لم أكن متأكداً من وضوح الرؤية لديها. وعندما صرخ الكلب مكرراً السؤال ، ارتجفت خوفاً وهي : لا لا لا أول مرة أشوفو.

    - تفاصيل لا داعي لذكرها -

    انتبذت الفتاة منزوية غير بعيد ، بينما يتقدم إليها ذلك الكلب الذي لن أنسى شكله ما حييت ، وكلبان آخران عاتيان يوثقاني ، أمسك الكلب (وبرفقته كلب آخر) بتلابيب الفتاة وشدها بقوة حتى تمزق ثوبها العلوي وانكشف صدرها فصرخت بقوة: لاااااااااااا وضاعت صرختي في صرختها: يا كلاااااااااااب. حاولت أن أنفك من وثاق من أمسكوا بي نجحت وفشلت، نجحت وفشلت، نجحت وفشلت فبدأ القتلة بضربي بأعقاب طبنجاتهم بينما ظل أحدهم ممسكاً بالفتاة ومقيداً يديها الاثنتين من الخلف. وخارت قواي لدى مشارف صرخاته البكرية المخيفة. وعندها ضربني أحدهم بعقب طبنجته على مؤخرة رأسي فسقطت مغشياً علي ، ولم أفق إلا على برودة ماء تلك الغرفة الوطن. لم أعرف كم مدة استغرقت حتى أفيق ، ولكنني وجدت نفسي في بركة من الماء البارد مختلطة بالقليل من الدماء التي لم أعرف مصدرها – خمنت أنني كنت أرعف ، وربما ساعد الماء البارد في وقف الرعف – لم أستطع النهوض على قدمي أبداً فجلست القرفصاء وبكيت ، بكيت كثيراً .

    بعدها بثلاثة أيام خرجت ، وأنا لا أستطيع أن أنظر إلى أي فتاة تسير في الشارع ، ولم أعرف مصير تلك الفتاة المسكينة ، لقد شعرت بأنني خنت أخواتي بذلك الموقف، ولكن صدقوني حاولت أن أنقذها ولم أستطع. أحسست أنني مطالب بالتبرير لما حدث ، وبأنني لست أملك الشجاعة الكافية حتى أن أتذكره مرة أخرى. ولكن كل ما زال عالقاً بذاكرتي هو صرخة تلك الفتاة التي ما زالت تدوي في أذني حتى اليوم. خرجت وأنا أحمل في صدراً مليئاً بالكره. لقد سلبونا كرامتنا ، وسلبونا إنسانيتنا ، وسلبوا منا ذلك الشعور الجميل بالحب. فلعنتهم مرة لأنهم حمّلوني هذا الكره ، وشكرتهم ألف مرة لأنهم علموني كيف أحب الحياة. ولا بد أن يأتي يوم الثأر ولو طال الانتظار ، سنصلبهم عرايا على بوابة التاريخ، ونجعل أطفالنا يبولون على رؤوسهم. وعندها أقسم أن أقتص لتلك الفتاة ممن امتدت يدهم إلى جسدها الغض. وإنه لقسم لو تعلمون عظيم!!!!!!!!

    (عدل بواسطة هشام آدم on 01-21-2006, 09:18 AM)
    (عدل بواسطة هشام آدم on 01-21-2006, 09:18 AM)

                  

العنوان الكاتب Date
يوم حلو ويوم مر هشام آدم12-24-05, 12:44 PM
  يوم مر lana mahdi12-24-05, 01:25 PM
    Re: يوم مر هشام آدم12-24-05, 01:38 PM
  Re: يوم حلو ويوم مر هشام آدم12-24-05, 01:26 PM
    Re: يوم حلو ويوم مر هشام آدم12-24-05, 02:21 PM
      Re: يوم حلو ويوم مر هشام آدم12-25-05, 11:20 AM
        Re: يوم حلو ويوم مر هشام آدم12-25-05, 11:29 AM
          Re: يوم حلو ويوم مر هشام آدم12-25-05, 01:30 PM
  Re: يوم حلو ويوم مر يوسف السماني يوسف12-26-05, 07:34 AM
    Re: يوم حلو ويوم مر هشام آدم12-26-05, 10:59 AM
      Re: يوم حلو ويوم مر هشام آدم12-26-05, 11:03 AM
  Re: يوم حلو ويوم مر نهال كرار12-26-05, 01:04 PM
    Re: يوم حلو ويوم مر هشام آدم12-31-05, 09:17 AM
      Re: يوم حلو ويوم مر هشام آدم01-01-06, 09:56 AM
        Re: يوم حلو ويوم مر هشام آدم01-01-06, 10:04 AM
          Re: يوم حلو ويوم مر هشام آدم01-01-06, 01:51 PM
            Re: يوم حلو ويوم مر هشام آدم01-01-06, 02:06 PM
              Re: يوم حلو ويوم مر هشام آدم01-03-06, 02:30 PM
                Re: يوم حلو ويوم مر هشام آدم01-04-06, 12:19 PM
                  Re: يوم حلو ويوم مر هشام آدم01-04-06, 12:31 PM
                    Re: يوم حلو ويوم مر هشام آدم01-09-06, 03:45 PM
                      Re: يوم حلو ويوم مر هشام آدم01-12-06, 04:27 AM
                        Re: يوم حلو ويوم مر هشام آدم01-13-06, 10:58 AM
                          Re: يوم حلو ويوم مر هشام آدم01-20-06, 11:10 AM
                            Re: يوم حلو ويوم مر هشام آدم01-21-06, 09:16 AM
                              Re: يوم حلو ويوم مر هشام آدم01-22-06, 10:58 AM
                                Re: يوم حلو ويوم مر هشام آدم01-29-06, 10:37 AM
                                  Re: يوم حلو ويوم مر هشام آدم01-31-06, 03:50 PM
                                    Re: يوم حلو ويوم مر هشام آدم02-02-06, 06:48 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de