|
Re: يوم حلو ويوم مر (Re: هشام آدم)
|
يوم حلو
( الكمساري التفتيحا . . . وناس ورا )
ذات صباح، من صباحات الخرطوم الغافلة غفلة العروس يوم زفافها، كانت الساعة حوالي السادسة والنصف تقريباً وأنا أقف في موقف الكلاكلة اللفة في انتظار الباص متجهاً إلى الجامعة - كالعادة - ولكن ما لم يكن اعتيادياً ذلك اليوم هو أنني ذاهب إلى امتحان واحتاج إلى أن أصل إلى الجامعة في أقرب فرصة - كالعادة - ولكن مالم يكن اعتيادياً هو أن جيوبي كانت خارج الخدمة مؤقتاً ( مفلس 1000 ) بالعربي الدارجي، وعلى بلاطة. ولم تكن لدي أدنى فكرة عن كيف أتصرف وماذا أفعل. خطر في بالي أنني قد أصادف أحد الأشخاص الذين أعرفهم ولكن ( طلع نأبي على شونة ) الشوارع مزدحمة إلاّ من الذين أعرفهم. لم يكن بين أحدهم شخص يشبه شخصاً أعرفه.
كل الناس في الشوارع: بتاع الورنيش، بتاع السجائر ، بتاع الكارو، بتاع الحليب، بتاع البصل، بتاع التفاح المغشوش كلهم كانوا هناك ولكن أصدقائي اختفوا فجأة في ظروف غامضة. ولكنني عقدت العزم على أن أخوض غمارة المغامرة المحفوفة بالمخاطر سوف أركب أول باص أو دفّار يصادفني فلا وقت لدي لكي أضيّعه. وبالفعل كانت الأمنية الأسرع للتحقق هو وصول دفّار من الطراز القديم، تسلّق الدفار وهو متحرك، وفجأة وقبل أن يقف الدفار قفزت منه تاركاً له واصطنعت نسياني لشيء مهم ( هذه الحركات طبعاً لؤلئك الفضوليين الذين يتابعون كل صغيرة وكبيرة تحدث في الشارع من حولهم) ولكن الحقيقة هي أنني لمحت فتاتين من ( بنات القدح ) أي بنات أهلي في نفس الباص، لم يكن من المعقول ان أكون أنا وإياهن في نفس الباص فبالتأكيد سوف اضطر لأن أدفع عنهم، وأنا لا أملك حتى أن أدفع لنفسي. فآثرت النزول واتجهت إلى باص آخر.
كمساري هذا الباص كمساري محترف جداً. فالحرفة تتقافز من عينيه وشكله يوحي بما لا يقل عن 10 سنوات خبرة في هذا المجال، يمتلك مواصفات رهيبة تؤهله أن يصبح بالفعل كمساري نمبر ون على الخط، وكان ذلك يظهر حتى في وجه سواق الباص الذي كانت أوداجه منتفخة زهواً بما لديه من كمساري ( لا يضاهى ) وكما يقول المثل ( الحلّة بصل ، والفول زيت ، والباص كمساري ) نظرت إلى هذا الشخص ملياً وعرفت أن يومي لن يعدي على خير.. ولكن ما شجعني أن أتجرأ وأركب الباص هو أن الباص كان مزدحماً جداً. ركبت الباس ووقف ( شماعة ) في المنتصف تقريباً. هنالك الألوف من أمامي والألوف من ورائي أحدهم ( يبدو ) تضايق من أحد الأشخاص الواقفين شامعة فصرخ في وجهه ( ياخي ما تقف عديل .. ده شنو ده؟ ) ولكن تلقائي الشارع السوداني تتجلى في مثل هذه المواقف إذ ردّ الآخر عليه فقال له ( أقف عديل؟ انحنا واقفين في طابور وله شنو؟ كان ما عاجبك أمشي اركب تاكسي )
المختصر المفيد... أنني كنتُ غارقاً في التفكير، ليس في قدمي اللتان كانتا تحت وطأت رجل منّ الله عليه ببعض الصحة والعافية، وليس في الامتحان الذي ربما لن ألحق به، وليس في سخانة الجو، ولكن كنت أفكر كيف سوف اتصرف مع الكمساري الذي بدأ في الاقتراب بصوت ( طقطقته ) المألوفة ( أرح يا أبو الشباب!! ) وكلما أقترب أشعر نفسي وكأنني تلميذ يتقرب دوره في تسميع صورة عبس وتولى التي عجز عن حفظها ليلة البارحة:
- أرح يا أبو الشباب .. * في شنو؟ - الحساب يا معلّم * الحساب ورا ...
لقد ألهمني الله هذه الفكرة في غمضة عين.. ( ورا ) هو مصطلح لمن له ظهر في الباص واللي ليهو ظهر ما بينضرب على بطنو .. ولكني لم أملك ظهر .. ولا يهم فمن المؤكد أنه سوف ينسى الأمر بعد حيث فهنالك عشرات الآلاف ورائي ( وهو مخ البني آدم ده شنو .. دفتر؟؟ ) أكيد حينسى .. هكذا بدأت أصبّر نفسي بهذا الكلام. وغادر الكمساري في سلام وهو ( يطقطق ) للآخرين. لا يهم .. على أقل التقديرات .. فقد ظمنت بقاي في الباص مدة أطول .. وبعد قليل انهمك الكمساري في ( التخليص الجمركي ) من الناس الـ( ورا ) ونزل من الباب الخلفي للباص وصعد من الباب الآخر وبدأت دورة الحياة تتكرر مرةّ أخرى فمن المؤكد أن المحطات التي سبقت نزل منها ركاب وصعد منها ركاب آخرون. هذا الشيء أكّد لي أنه لن يتذكرني أبداً وبالفعل هي عملية شائكة جداً كيف لك أن تتذكر من دفع لك ومن لم يدفع؟ من الحكمة أن يكون قد نسي الأمر. ولكني فوجئت به يقف أمامي بصوته المألوف ( أرحل يا أبو الشباب ) وتلك الطقطقة المقيته التي لا أحبها .. افتعلت الطرش .. فلا بد أنه لا يقصدني .. إنه يبحث ( عشوائياً ) عن الذين لم يدفعوا .. ولكنه كان مصراً بشكل غريب فاصطنعت الغضب:
- مالك يا زول ما تُقعد تـ(طقطق) لينا جوّا أضانا * مالك يا أبو الشباب ما تخلصنا .. - أخلّصك أعمل ليك شنو يعني ؟؟ * أدينا حسابنا يا معلّم
( لا بُد أنه يمزح أما زال يتذكرني؟؟ )
- يا زول حساب شنو؟ * مش قلتا لي ورا؟ - آآآآآي * مافي زول دفع ليك حاجة يا معلمي من ناس ورا..
(كان لابد من تصرف سريع وحكيم) .. سريع نعم!! ولكن (حكيم) لا أعتقد!!!
- أها وناس ورا ما ادوك؟ * لا ما أدوني - خلاص ناس قدام بيدوك
وعينك ما تشوف إلاّ النور .. .... ... كمّل الباقي من خيالك.
نصيحة: إذا كنتَ مفلس .. فامكث في منزلك
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
يوم حلو ويوم مر | هشام آدم | 12-24-05, 12:44 PM |
يوم مر | lana mahdi | 12-24-05, 01:25 PM |
Re: يوم مر | هشام آدم | 12-24-05, 01:38 PM |
Re: يوم حلو ويوم مر | هشام آدم | 12-24-05, 01:26 PM |
Re: يوم حلو ويوم مر | هشام آدم | 12-24-05, 02:21 PM |
Re: يوم حلو ويوم مر | هشام آدم | 12-25-05, 11:20 AM |
Re: يوم حلو ويوم مر | هشام آدم | 12-25-05, 11:29 AM |
Re: يوم حلو ويوم مر | هشام آدم | 12-25-05, 01:30 PM |
Re: يوم حلو ويوم مر | يوسف السماني يوسف | 12-26-05, 07:34 AM |
Re: يوم حلو ويوم مر | هشام آدم | 12-26-05, 10:59 AM |
Re: يوم حلو ويوم مر | هشام آدم | 12-26-05, 11:03 AM |
Re: يوم حلو ويوم مر | نهال كرار | 12-26-05, 01:04 PM |
Re: يوم حلو ويوم مر | هشام آدم | 12-31-05, 09:17 AM |
Re: يوم حلو ويوم مر | هشام آدم | 01-01-06, 09:56 AM |
Re: يوم حلو ويوم مر | هشام آدم | 01-01-06, 10:04 AM |
Re: يوم حلو ويوم مر | هشام آدم | 01-01-06, 01:51 PM |
Re: يوم حلو ويوم مر | هشام آدم | 01-01-06, 02:06 PM |
Re: يوم حلو ويوم مر | هشام آدم | 01-03-06, 02:30 PM |
Re: يوم حلو ويوم مر | هشام آدم | 01-04-06, 12:19 PM |
Re: يوم حلو ويوم مر | هشام آدم | 01-04-06, 12:31 PM |
Re: يوم حلو ويوم مر | هشام آدم | 01-09-06, 03:45 PM |
Re: يوم حلو ويوم مر | هشام آدم | 01-12-06, 04:27 AM |
Re: يوم حلو ويوم مر | هشام آدم | 01-13-06, 10:58 AM |
Re: يوم حلو ويوم مر | هشام آدم | 01-20-06, 11:10 AM |
Re: يوم حلو ويوم مر | هشام آدم | 01-21-06, 09:16 AM |
Re: يوم حلو ويوم مر | هشام آدم | 01-22-06, 10:58 AM |
Re: يوم حلو ويوم مر | هشام آدم | 01-29-06, 10:37 AM |
Re: يوم حلو ويوم مر | هشام آدم | 01-31-06, 03:50 PM |
Re: يوم حلو ويوم مر | هشام آدم | 02-02-06, 06:48 PM |
|
|
|