المنبر الاتحادي " منبر الشهيد الشريف حسين الهندي"

Quote: العدد رقم: 1051 السوداني 2008-10-17 مصنع الرجال (3 - 5) تحرير وتصوير: إشراقة مكي علي فيصل حماد توفيق: البيت عنوان سودانية والدي التي أنكرها البعض لم أكن أتوقع بمجرد دخولي هذا الإرث ان تستقبلني كل هذه الذكريات بهذه الضخامة والحميمية، فالفضول وحده الذي دفعني لمعرفة من وراء صيانة منزل المرحوم حماد توفيف بالفعل لم اجده بذاكرة التاريخ وابنه فيصل مجرد جدران بل هو نضال واسره ومبادئ وقدوة متمثلة في كادح لم يضعف ولم يتنازل حتى انتقل الى ربه. * الاستاذ فيصل حماد توفيق يروي هنا عن والده وعن جده حماد مهران للمرة الاولى، مؤكداً سودانية والده التي طعن فيها منافسوه في اول انتخابات سودانية، مبيناً ان هذا البيت امتحن مبادئ والده وآراءه وما يؤمن به فلم يستغل وظيفته او معارفه ليتحصل على هذا البيت عندما عرض بواسطة المالكة للبيع، بل لجأ الى اخوته ولكن بشرط!! لهذا يقول: تاريخ البيت وعمره والتطور الذي مر به مرتبط بصاحبه وعائلته التي كبرت واتسعت وتخطت اسوار بيت الموردة. * من هو حماد توفيق: * يقول فيصل: الوالد هو حماد توفيف حماد مهران موسى من مواليد حي الركابية ام درمان 1906م التي نشأ بها ومن مدينة ود مدني، وتلقى تعليمه بالكتاب والابتدائي وكلية غردون وهو من اصل عربي من قبيلة الهوارة بدنة المجانين التي تقطن شمال كردفان بمنطقة المزروب. وعمل جده (موسى الهواري) بتجارة الإبل بين شمال كردفان ومصر عن طريق دنقلا درب الاربعين وكانوا يمرون بدار الشايقية والدناقلة فتزوج حماد مهران من احدى نساء الشايقية تعرف من اسرة ود المنسف تقطن الكرفاب غرب مروي وانجب منها توفيق ومحمد احمد وابنتين، وعندما كان عمر موسى المشهور بعمر آغا حاكماً لمنطقة مروي من عهد التركية خلفه في عمودية مروي واستقر له المقام وتزوج للمرة الثانية من قبيلة الدناقلة وأردفها بأخرى من مدينة ارمنت بالقرب من أسوان بمصر وانجب منها عدداً من البنين والبنات. * بعد وفاة الجد حماد مهران استقر والده توفيق بام درمان منضماً الى أهله وابناء عمومته حسن عمر آغا واخوانه واقترن بابنة عمه مهدي عمر آغا وانجب منها حماد واخواته. * ويقول فيصل فيما يبدو ان عادة التنقل لم تنطفئ جذوتها باسرة حماد، إذ كان والده توفيف يعمل بالتجارة بين ام درمان والمسلمية وودمدني وسنار والرصيرص فطاب له المقام بمدني التي تزوج فيها ايضا للمرة الثانية من آل ابي روف من المسلمية وثالثة من قرية العكورة من آل ابوعشرين حيث كان يعمل بالزراعة واعمال اخرى. * يقول فيصل نعود الى والدي الذي تلقى تعليمه الأولى بمدينة ودمدني والثانوي بكلية غردون ودرس المحاسبة وتخرج فيها ليعمل بالحكومة واهتم بدراسة المالية والاقتصاد لهذا تدرج متنقلاً بين الخرطوم وودمدني الى ان تمت ترقيته الى درجة D.S مديراً للحسابات وهي أعلى درجة يترقي اليها سوداني ونسبة لانشغاله بالسياسة تم تقديمه لمجلس محاسبة مخيراً بين الحكومة والسياسة فاختار العمل بالسياسة وفصل من الخدمة، وبخروجه من مجلس المحاسبة استقبله جمهور غفير احتشد يهتف بسقوط الاستعمار وحياة المناضلين: فخاطبهم بقولته المشهورة الان (خير لي ان اكون ضحية للاستعمار لا مطية له) وكان ذلك في عام 1946م. * وعن حياة حماد توفيق السياسة: أحد الأعضاء المؤسسين لمؤتمر الخريجين وابرز اقطابه الذي شغل منصب السكرتير العام لفترة، كما ترأس هيئة تحرير مجلة المؤتمر وكان احد كتابها. ويعتبر من الرواد الاوائل للجمعية الادبية بمدني، وجمعية ابو روف التي كانت تضم نخبة من اقرانه منهم حسن وحسين عثمان الكد وابراهيم يوسف سليمان واسماعيل العتباني والهادي ابوبكر وغيرهم وعليه يجب الانتباه ومعرفة ان هذه الجمعيات الادبية بمدني وام درمان قامت قبل مؤتمر الخريجين وكانت نظيرهم جمعية الهاشمباب والتي كان من روادها الاوائل محمد احمد مجحوب ودكتور عبد الحليم وحمد وعشري الصديق وعرفات محمد عبد الله وغيرهم اما جمعية ود مدني الادبية التي عمت شهرتها الآفاق كان روادها هم احمد خير المحامي وعمر عبد الله الكارب ويوسف ومحمد عبد الله الكارب والهادي احمد يوسف وعبد الرحيم ابوعيسى ومصطفى ابو شرف وصالح مصطفى الطاهر وغيرهم. وعليه كل هؤلاء الرواد من النخب المستنيرة في السياسة والثقافة والادب والفنون، كانوا يدمنون الكتابة والقراءة وتلخيص الكتب والدراسات والصحف والمجلات العربية والانجليزية، وكانت هذه الجمعيات مدارس متقدمة خرجت فطاحلة اصبحوا قادة للمجتمع السوداني ليشار اليهم بالبنان خاصة الاستاذ رحمي محمد سليمان (لقد اختاروا لأنفسهم في ذلك الزمان البعيد الذي يتوارى الآن خلف اكثر من خمسة عقود مكانة فكرية رفيعة غاية في السمو تعلو كثيراً عن مستويات زماننا الراهن. لقد اعتنقوا عن يقين اشتراكية جماعة الفابيانز البريطانية (Fabina) الذين كانوا يمثلون الدعاية السياسية لحزب المؤتمر الهندي وتعاليم المهاتما غاندي التي أسست التبشير بالحكم الذاتي والعصيان المدني ونبذ العنف.. وكذلك فلسفات جواهر لال نهرو ومحمد علي جناح واترابها وتوسموا في العلاقة بين مصر والسودان ان تكون بين دولتين اتحاديتين اي اتحاد مشترك. * وماذا بعد الاستقالة: تفرغ للنضال، خاصة بعد ان تفرعت الاحزاب من مؤتمر الخريجيين قام مع زملاء له بتأسيس حزب الاتحاديين ممن كانوا من الجمعية الادبية (جماعة ابو روف) منهم ابراهيم يوسف سليمان وخضر حمد وعبد الله ميرغني وحسن وحسين عثمان الكد والهادي ابوبكر وآخرين وظل يعمل هذا الحزب، كحزب قائم بذاته له دستوره واهدافه التي كان أبرزها الاتحاد مع مصر. * للحديث بقية.. يؤكد الاستاذ فيصل حماد ان حياة والده دروس وعبر، وليس مجرد منزل ضم أواخر ايامه يتجدد الآن، ويحيي الذكريات التي لم تمت موضحاً ان حياة هؤلاء الرواد يجب ان توضع لها الأولوية ويستفاد من مجهوداتها الوطنية، خاصة ان والده رفض البكوية التي أُنعمت عليه ولماذا كوَّن حزب الشعب الديمقراطي..