|
Re: تصويف السياسة أم تسيس التصوف (1) ؟! ... فتحي الضو (Re: Elmontasir Abasalih)
|
تحياتي يعتبر الصوفية حب الرئاسة أكبر عيوب النفس البشرية وأشدها تمكنا من الانسان لدرجة أنه يعتبر آخر حجاب يجتازه الانسان للوصول للنفس الكاملة والارتقاء في المعارف الإلهية، ولذلك حرص الزهاد الأوائل عن البعد عن الحكم والمناصب وأما المتأخرين كصوفية العصور الوسطى في مصر مثلا فنجد في طبقات الشعراني وصفه لقيام الكثير من الصوفية بالتوسط للمظلومين لدى الحكام. وبالنظر للشعبية الهائلة التي كانت لدى أمثال هؤلاء الزهاد كثيرا ما كان الحكام يحاولون خلع العطايا عليهم و التقرب اليهم استدرارا لرضا الشعب على حكمهم وهو توجه قوبل برفض العطايا والهبات من جانب الكثير من المتصوفة أو قبولها وتوزيعها فورا على الفقراء والمحتاجين.
على أن هناك مصيبة أخرى أصابت التصوف: فالتصوف منهج تربوي يقوم فيه شيخ واصل بتربية انسان عادي وترقيته روحيا وعقليا لمرحلة الشهود والوصول إلى الله وهي رحلة من أشد الرحلات قسوة وتتطلب اشرافا مباشرا من الشيخ على المريد ورجوع المريد لشيخه باستمرار وفي مثل هذا الوضع لا يمكن للشيخ أن يربي الكثيرين لدرجة الكمال بل يربي عددا محدودا من المريدين. ولكن في العصور المتأخرة وتحول المنهج الصوفي لطرق صوفية أصبح يتم اعطاء الطريق للآلاف وليس من الواضح هل الهدف من ذلك هو التبرك أم السلوك فالسلوك يحتاج للأشراف المباشر من الشيخ. كما تبنت الطرق الصوفيه مبدأ أن الولاية والمشيخة قابلة للتوريث وهو أمر غير منطقي لذلك كان من الطبيعي أن تظهر مصائب استغلال الطريق الصوفي لأغراض دنيوية سواء من جانب الحكام أو من جانب من ورثوا ألقاب المشيخة وهم ليسوا بمشايخ.
وفي ذلك يقول خليفة التيجانية محمد ود دوليب في قصيدته الشهيرة:
57-ومنشأ الفساد من أهل الطرق فهم معادن البلايا وحمق
58- لأنهم انتدبوا عبادا مع جهلهم فزادهم إبعادا
59- وجمعوا من هؤلاء الجهال مجامعا منها فساد الحال
60- حتى تشوقوا لكرسي السلطنه وزهدت نفوسهم في المسكنة
61- ونبذوا أحوال أهل الله ورغبوا في حال ذي الملاهي
62- فسيرهم بعكس نص الشرع ودهرهم قابل كل بدعي
63- ترى حمارا راكبا حمارا منافقا وفاجرا كفار
64- فإنهم كلاب دنيا زايلة قد بدلوا آجالهم بالعاجلة
65- فبذلوا المال لنيل الجاه ويضربون نوبة الملاهي 66- ويجمعون بين النساء والرجال وذاك منشأ الفساد والضلال
67- ينتسبون كهداة الأمة لا ريب هم أعداء للأئمة
68- حاشا مقام المجد والإجلال تدوسه أخامص الجهال
69- بعدا عن القوم فيافي قطعوا وبالمعاصي عنهم قد قطعوا
70- لو يعلموا بحالهم ولاتنا لهدموا عليهم المساكنا
71- ولو رأوا الأمر الي حل بهم لبذلوا الهمة في إصلاحهم
72- وبذلوا الأهوال للمعلم وألزموا الجهال بالتعلم
73- والأخضري نص حين قال في حقهم وأوضح الأحوال
74- ويشهقون الشهق كالحمير ويذكرون الله بالتغيير
75- وينبحون النبح كالكلاب مذهبهم ليس على صواب
76- فما دعى من حالهم مثقال نصحا وتبكيتا إلى أن قال
77- لم يبق من دين الهدى إلا اسمه و لا من القرآن إلا رسمه
78- فليبك داعي الحق ما استطاعا عليه وليسترجع استرجاعا
79- والعلماء باتباع العلم هم أولياء باختصار الرسم
80- والعلم يهدي من هداه الله وليس يجدي للذي شقاه
81- متى تراهم سلكوا سبيل الهوى فعدهم والأغبياء سوى
82- والذل لا ينفك عن أعناقهم حتى يصيروا حاملي أغلالهم
83- تحملهم محبة الدينار لفعل ما يهوى بهم في النار
84- فيجعلون علمهم وسيلة لجلب الدنيا فبئس الحيلة
85- قد بيننا شرعا أتانا واضحا من زاغ عن ذاك الطريق افتضحا
86- من لم يسر به فلا ولاية له و لا تقوى و لا هداية
87- اللهم اجعلنا من الذين بهدي خير الرسل مهتدين
88- ولطريق الشرع سالكين ولجموح النفس مالكين
آمين!
|
|
|
|
|
|
|
|
|