الدكتور الترابي أنكرها في عام 1995.. شهادات. فظائع. توجد أفلام..

Quote: معاملة الأسرى: لعل من المثير للدهشة في وقائع أو نتائج الحرب الدائرة في جنوب البلاد، منذ قرابة نصف القرن، ما يخص أمر الأسرى، أو الأشخاص الذين يقعون في قبضة أحد طرفي القتال قبل أو أثناء أو بعد القتال المسلح أو المعارك أو الإعداد لها. فمن المعروف أن قوانين الحرب، وعلى وجه الخصوص اتفاقيات جنيف الأربعة لسنة 1949، والتي سبقت الإشارة إليها في الفصل الأول، تنص بوضوح على التزامات أطراف القتال فيما يخص أسرى الحرب، حتى وإن لم يعترف الطرفان أو أحدهما بحالة الحرب. فاتفاقية جنيف بشأن معاملة أسرى الحرب تعرف "أسرى الحرب" لتشمل أفراد القوات المسلحة والمليشيات والوحدات المتطوعة التي تشكل جزءاً من القوات المسلحة، وأعضاء حركات المقاومة المنظمة التي تحمل السلاح ولها شارة مميزة وتعمل تحت قيادة معروفة، والمرافقين للقوات المسلحة ومعاونيهم، وكان الأراضي المحتلة. وهذا يشمل بصورة واضحة أفراد القوات المسلحة وقوات الدفاع الشعبي ومعاونيهم من المدنيين، كما يشمل جنود الحركة الشعبية والمعاونين لهم. تلزم اتفاقية معاملة أسرى الحرب معاملة إنسانية في جميع الأوقات، ويحظر على الطرفين ارتكاب أي فعل أو إهمال يسبب موت أسير في عهدتها، ولا يجوز تعريض الأسير للخطر أو التشويه البدني، ويجب حمايتهم ضد جميع أعمال العنف أو التهديد أو السباب أو فضول الجماهير، والحفاظ على احترام أشخاصهم وشرفهم، ومعاملة النساء بكل الاعتبار الواجب لجنسهن، وإعاشتهم ورعايتهم الطبية دون مقابل. إضافة إلى توفير مقتضيات الغذاء، والكساء، والراحة، والعبادة، والرفاهية، والعمل للأسير، وعلاقته مع الخارج، والإجراءات التأديبية وإجراءات التسليم وإعادة الأسير إلى بلده أو منطقته، وغير ذلك من تفاصيل أخرى شملتها الاتفاقية. ليس سراً أن السلطات الحكومية السودانية ظلت طوال فترات الحرب المختلفة تحرص على إحاطة الجماهير علماً بالمعارك التي تخوضها في الجنوب، و"البطولات" التي تحققها في المعارك واسترداد المدن والقرى والحاميات، وأعداد القتلى من العدو والمعدات الحربية والأسلحة والذخيرة التي تغنمها في تلك المعارك. ربما هذه الأمور ضرورية وتعتبر في عرف القوات المسلحة بـ "التوجيه المعنوي" لرفع معنويات المقاتلين، وحثهم على الاستمرار في القتال والسعي لتحقيق الانتصار "القريب"، ولكسب تأييد الرأي العام من خلال أجهزة الإعلام المختلفة. لكن الأمر الغريب بالفعل أن تلك البيانات العسكرية لم يحدث أن أشارت إلى أسر أي عدد من ضباط أو جنود أو قوات أو معاوني حركة التمرد. ومن غير المعروف حتى الآن إذا ما كانت القوات السودانية تحتفظ في رئاستها بالخرطوم أو في أي سجن من السجون أو المعسكرات أو الحاميات أو الوحدات العسكرية في أي جزء من أنحاء البلاد بأي عدد من الأسرى من أبناء الجنوب، وهذا بالقطع أمر غير معروف للرأي العام بصفة مطلقة. تفيد التقارير أن القوات المسلحة أو قوات الدفاع الشعبي تقوم بتصفية أو إعدام أي أسير أو بالأحرى أي مستسلم أو جريح يقع في قبضتها أثناء المعارك، ويبدو أن ليس هناك من تفسير آخر لعدم وجود أي عدد من الأسرى بعد تلك السنين الطويلة من الاقتتال، وبعد "الانتصارات" التي تحققها القوات المسلحة، حسب ما يرد في بياناتها من خلال أجهزة الإعلام المختلفة. كما حرصت الحكومة على رفض أي تعاون في شأن الأسرى مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، الجهة ذات الاختصاص في هذا الأمر. في هذا السياق يذكر تقرير المقرر الخاص إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورة انعقادها الخمسين، ما يلي: "تلقى المقرر الخاص في أثناء البعثة التي قام بها مؤخرا لتقصي الحقائق شهادات شهود تؤكد التقارير السابقة التي تشير إلى أن أسرى الحرب هم الحالة المستثناة من القاعدة العامة في الحرب الدائرة في جنوب السودان. فالذين يعقون في الأسر يعذبون ويعدمون بإجراءات موجزة. وهذا ما حدث ويحدث حالياً، وتسود هذه الممارسة بوجه خاص في حالة الزعماء المحليين والجنود المنتمين إلى فصائل ثورية مختلفة، والمدنيين المشتبه في تعاونهم فعلياً مع حكومة السودان أو مع إحدى الفصائل المنافسة. وإذا وقع أحدهم في الأسر ورفض تغيير انتمائه الحزبي، عذب بوحشية وأُعدم" [هامش: مذكرة الأمين العام للجمعية العامة للأمم المتحدة A/50/569 بتاريخ 16 أكتوبر 1995، ص 5]. كما أن تقريراً لمنظمة العفو الدولية يقول: "ولا يوجد أسرى في أي من هذه الحروب، فلا تكاد الحكومة تحتجز لديها أحداً من مقاتلي "الجيش الشعبي لتحرير السودان" الذين يقعون في الأسر أثناء المعارك. وتشير الأدلة المتوفرة إلى أن الأسرى يعدمون خارج نطاق القضاء بصورة روتينية، إما في ميدان القتال أو بعد الاستجواب والتعذيب". ويقول تقرير لمنظمة العفو الدولية "ولا يبدو أن ثمة أسرى حرب في جبال النوبة، شأنها شأن سائر مناطق الحرب في السودان، على الرغم من مرور ثماني سنوات على بداية الصدام في المنطقة" [هامش: منظمة العفو الدولية "دويلات الحرب" مرجع سابق، ص 4.]. ويشير المقرر الخاص إلى تقارير حصل عليها تفيد أنه في الثامن من يونيه 1994، قامت مجموعة من قوات الحكومة قامها سبعة وثلاثون جندياً بترحيل ثلاث وسبعين أسرة من منطقة جبل لوكا، واقتيد أربعة وعشرون رجلاً منهم إلى ثكنات لوكا واستجوبوا فور وصولهم، وتعرضوا للضرب بدعوى مشاركتهم أو تعاونهم مع الحركة الشعبية وتم إعدام سبعة منهم لرفضهم التعاون مع الحكومة هم جيمس داني، وديفيد لوباي، وصمويل داني، موريس لوباي، سمسون جوما، دينغ إيدل، ومورو جوما [هامش: مذكرة الأمين العام للجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 16 أكتوبر 1995، مرجع سابق، ص 5.]. نختم الحديث بما ورد في وصف منظمة العفو الدولية لموضوع الأسرى: "دخل جندي جريح من الجيش الشعبي لتحرير السودان بيتاً في ضاحية مونيكي بمدينة جوبا، وكان بالبيت امرأة توسلت له أن ينصرف؛ لأن لديها أطفالاً، فقال الجندي الجريح أنه سينصرف تحت جنح الليل. أرسلت المرأة إلى صديق راجية أن يتحصل على مساعدة طبية، فذهب ذلك الصديق إلى الجيش مباشرة. حاصر الجيش البيت، ونادوا المرأة، فلما فتحت الباب ضربوها، ودخلوا البيت ثم جروا الجندي للخارج، ثم أطلقوا عليه النار، وظل جثمانه في العراء لمدة يومين أو ثلاثة قبل أن يجرؤ الناس على دفنه". كانت هذه كلمات شاهد شهد بعينه قتل أحد جنود الجيش الشعبي لتحرير السودان في يوليو 1992 م. "ولا تكاد توجد أية معلومات واضحة عن مصير المقاتلين الذين يؤسرون في مناطق النزاع. بيد أن هذه الحرب تتميز بعدم وجود أسرى في المعتقلات، وسبب هذا فيما يبدو هو أن الحكومة درجت على إعدام المقاتلين الذين يقعون في الأسر، إلا ذا اتضح أنه يمكن الاستفادة منهم في مجال الاستخبارات. أما جنود "الجيش الشعبي لتحرير السودان" الذين يستسلمون طوعاً للقوات الحكومية فهم أقل عرضة لخطر الإعدام فيما يبدو. "ففي يونيو / حزيران 1992 عُذِّب سبعة جنود جرحى من "الجيش الشعبي لتحرير السودان" في مبنى يقع قرب رئاسة الجيش، ويعرف باسم "البيت الأبيض" ثم قُتلوا رمياً بالرصاص، وكان هؤلاء الجنود الجرحى قد أُسروا في جوبا. وقد قيدت أذرعهم وسيقانهم خلف ظهورهم، ثم عُلقوا من السقف، وتُركوا معلقين هكذا بعض الوقت، ثم دُعك مسحوق "الشطة" الحار في جروحهم وضربوا ضرباً مبرحاً" [هامش: دموع اليتامى، مرجع سابق، ص 67.]. ويفيد المقرر الخاص أن آلاف المدنيين قتلوا بواسطة القوات الحكومية بتلك الطريقة وأن دوافع مرتكبي تلك الانتهاكات تمثلت في أن مناطق سكن أو الانتماء العرقي أو الديني اعتبرت سبباً كافياً لافتراض أن الضحايا يساندون قوات التمرد، الأمر الذي يستوجب عقابهم بصورة جماعية [هامش: تقرير المقرر الخاص إلى لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في دورتها الـ 50 E/CN/1994/48 بتاريخ 1 فبراير 1994.]. بالمقارنة فإن فصائل التمرد المختلفة، خاصة الحركة الشعبية لتحرير السودان، ظلت تعلن منذ بداية الحرب في سنة 1983 م أنها تحتفظ بأعداد من الأسرى، وقامت بالفعل بإطلاق عدد منهم بتسليمهم إلى الصليب الأحمر وإلى المعارضة الشمالية، غير أن هذا لا يعني بالضرورة أن الحركة لم تقم بتصفية أي من عناصر الجيش أو قوات الدفاع الشعبي التي وقعت في يدها، ويبقى هذا أيضا مطروحاً للتحري والتحقيق وربما تكون لدى الحكومة معلومات تؤيد تورط الحركة الشعبية في إعدام الأسرى أو الانتهاكات التي تحدث في إطار النزاعات بين فصائل التمرد، وهناك تقارير دولية تذكر بعض هذه الانتهاكات.