|
قصائد سارت بها الركبان
|
علو في الحياة وفي الممات ... مرثية الانباري الخالدة !
أطعم أبي طاهر ابن بقية، وزير عز الدولة، المساكين والفقراء، وأكرم العلماء، فحنق عليه عضد الدولة بعد ذلك وحسده، واحتال عليه، حتى قتله بطرحه للفيلة وصلبه سنة 238 هـ، وعمره نيف وخمسون سنة رحمه الله وكان جوادا كريما ذا مروءة محبوبا من الناس. فلما ارتفع على الخشبة مصلوباً، وقفت الأمة كلها بوقوفه، فطافت به قلوب المحبين.
نامت بغداد على أصوات البكاء ، فترجل أبو الحسن الأنبا ري الشاعر عن فرسه شعرا وتقدم إلى خشبه الصلب شعرا ، وسلم على الجثمان شعرا ، ورثاه بـهذه القصيدة التي هي من أعظم المراثي على الإطلاق في تاريخ الشعر العربي ومن لم يحفظها ففي تذوقه للشعر نظر كما قيل ولم يسمع بمثلها في مصلوب حتى أن من صلبة الخليفة عضد الدولة ( تمنى )أنها قيلت فيه وهو المصلوب فقال الناس سبحان الله حسده حيا وميتا وكما قال المثل السوداني (( يحسدوا أب صلعة علي شعر الحواجب))
ثم أصبحت خشبة ابن بقية بعد مسرحاً، تلقى عليه قصائد المادحين، وخطب المثنين، وقد خلد أبو الحسن الأنباري الموقف خير تمثيل وسرت أبيات القصيدة أمثالا وأصبحت (علو في الحياة وفي الممات) على كل لسان فمع الأبيات:
علو في الحياة وفي الممات لحقٌ أنت إحدى المعجزات
كأن الناس حولك حين قاموا وفود نَداك أيام الصلات
كأنك قائم فيهم خطيبا وكلهم قيامٌ للصلاة
مددت يديك نحوهم احتفاءً كمدهما إليهم بالهبات
ولما ضاق بطن الأرض عن أن يضم علاك من بعد الوفاة
أصاروا الجو قبرك واستعاضوا عن الأكفان ثوب السافيات
لعظمك في النفوس تبيت ترعى بحراسٍ وحفاظ ثقات
وتوقد حولك النيران ليلا كذلك كنت أيام الحياة
ركبت مطيةً من قَبْلُ زيدٌ علاها في السنين الماضيات
وتلك قضية فيها أناسٌ تباعد عنك تعيير العداة
ولم أر قبل جذعك قط جذعا تمكن من عناق المكرمات
أسأت إلى النوائب فاستثارت فأنت قتيل ثأر النائبات
وصير دهرك الإحسان فيه إلينا من عظيم السيئات
وكنت لمعشر سعدا فلما مضيت تفرقوا بالمنحسات
غليل باطن لك في فؤادي يخفف بالدموع الجاريات
ولو أني قدرت على قيام بفرضك و الحقوق الواجبات
ملأت الأرض من نظم القوافي وبحت بها خلاف النائحات
ولكني أصبر عنك نفسي مخافة أن أعد من الجناة
ومالك تربة فأقول تسقى لأنك نصب هطل الهاطلات
عليك تحية الرحمن تترى برحمات غواد رائحات
|
|
|
|
|
|