|
|
 غابات أبوظبي الاستوائية...وتصحّر القطينة
|
غابات أبوظبي الاستوائية ..... وتصحر القطينة
إجازتي الصيفية الأخيرة – قبل أقل من عام – قررت تمضيتها في دولة الإمارات العربية المتحدة ، ، وحتى أوفر قيمة تذاكر الطيران للحصول على مزيد من المشتريات من دبي ، أقنعت الشباب وأمهم أن السفر برا هو الأجدى ،، لم يترددوا ، فقد كانوا متعطشين للسفر ، خاصة وأن العيال كانوا ينظرون إلى دبي على أنها مدينة الإعلام ، وقناة سبيس تون ، وبرج العرب ، والسيتي سنتر ،،
الطريق طويل لكنه لم يكن طريقا مقفرا ، بل العكس تماما ، كان مليئا بالتسلية والمحطات ، كما أن التوقف في نقطتي الجمارك وإجراءات الخروج والدخول من بلد إلى بلد كانت كلها تمثل نقاط تسلية وراحة مع شئ من ملل الانتظار ..
في بداية دخولنا لدولة الإمارات لم نلاحظ شيئا جديدا ، لكن ما أن تقدمنا في الطريق قليلا حتى بدأ الطريق يتسع كثيرا ، وبدأنا وكأننا نسير بين ملوط وواو ،، الأشجار المزروعة عمدا تحيط بالطريق من جانبيه ، كما تفصل بين الاتجاهين ،، وتتمدد أنابيب الري على طول الطريق لتروي الأشجار المخضرة فتمنحنا متعة النظر ، ومتعة الإحساس بأننا نسير وسط مزرعة كبيرة ، وتلطف جو الصيف الملتهب فترتاح سيارتنا وأخواتها من حولها ،، الأشجار على طريق أبو ظبي ليست صفا واحدا منفردا ،، بل غرست الأشجار في عدة صفوف تجعلك تشعر وكأنك تتوسط غابة استوائية ،، والفرق بين أشجار طريق أبو ظبي وأشجار الغابة الاستوائية أن الأولى أشجار مدللة يأتيها رزقها رغدا صباح مساء ،، وأن كل ما حولها نظيف وأنيق ،، ما كنت أبدا أتصور أن الإنسان يمكن أن يغرس أشجارا بهذه الكثافة ويمنحها هذا الاهتمام لتتمدد على جانبي ، ووسط طريق يبلغ طوله ما يقارب الخمسمائة كيلومترا ،،
توقفت عند بزوغ الفجر لأداء الصلاة ، وشرب الشاي بالحليب كعادة لم أتخلص منها مهما حاولت أن تبتلعني المدنية ،، ومدت الشمس خيوطها لتنير الطريق ولتجعل أشجار طريق أبوظبي تمد ظلها للمسافرين رحمة ورأفة بهم وبسياراتهم .. سألت الله أن يوفق دولة بذلت كل هذا الجهد ، وازدادت ثقتي بالإنسان الذي يمكن أن يمنح الأرض الصحراوية ، الجافة ، القاسية ، وجها أخضر يمتد لمسافات مثل تلك المسافة ..
لكن خاطرة سريعة مرت بذهن زوجتي ردتنا بها إلى طريق النيل الأبيض ( الخرطوم ... ربك ) ،، ذاك الطريق الضيق الذي ينطلق موازيا للنيل الأبيض ويقترب منه في كثير من الحالات حتى يلامسه ،، هذا الطريق لا يصل طوله إلى مائتين وخمسين كيلومترا ، وهو مؤهل بشكل طبيعي لتقام حوله غابة كثيفة من الأشجار التي يمكن أن تكون مرتعا للقرود والغزلان والأرانب البرية ،، كما أنها يمكن أن تمنح مواشي النيل الأبيض ظلا ظليلا ومرعى لا ينقطع ،، وكانت ستوفر مداخل جميلة للقرى المتناثرة حول جانبي الطريق وتمنح محطاتنا واستراحاتنا المتخلفة نوعا من الجمال الطبيعي يريح المسافرين ، ويخلق مواقع نزهة لسكان القرى ،، انطلقنا نتذكر ما نفعله في بلادنا من اغتيال للطبيعة ونقارن ذلك بالمجهودات الجبارة التي يبذلها الاخوة في دولة الإمارات في إنعاش الصحراء الجرداء وتحريك الحياة فيها ،،
وبحكم أنني انتمي لمنطقة غرب الجزيرة المحاذية لمنطقة النيل الأبيض فقد اعتدت السفر عبر طريق النيل الأبيض وأتركه عادة عند محطة أبوحبيرة ( مشرع الدويم ) ثم أتجه شرقا إلى البدايات الغربية للجزيرة ، وأنبه الزائرين لهذه المنطقة أن مشرع الدويم من أكثر المناطق التي تشدني لأنه امتدت إليه يد الرصف والتجميل وغرست به الأشجار الظليلة ،، وفيه يمكنك مراقبة أعشاب النيل الطافية في اخضرارها الزاهي فوق صفحة مياه النيل الأبيض تتفتح أزهارها دون انتظار لموسم ،، هذا بالرغم من أنك ربما تتضايق من رائحة الفسيخ ، خاصة عندما يصلك مختلطا برائحة الكمونية والكبدة المنطلقة من أكشاك المشرع ،، لكنك وأنت عائد إلى الخرطوم تمر على قرى عديدة ، أشهرها ، ودالزاكي ، نعيمة ، ثم تلج إلى القطينة ،، وهي بلدة في شكل مدينة وأهلها غاية في ( الفلهمة ) وينظرون إلى كل من حولهم على أنهم ( عرب شرابين روب ) وإليها ينتمي عدد من مثقفي السودان وسياسيه ، ومن أشهر من ينتمي إليها ، محمد إبراهيم نقد ، عبد الباسط سبدرات ، المرحوم البروفيسور محجوب عبيد ، الفريق بشير محمد علي رئيس هيئة الأركان أيام نميري ،، ومن المستحيل أن تعد مثقفي القطينة في بوست كهذا ،،
ما أن تخرج من القطينة وأنت متجه صوب جبل الأولياء حتى تداهمك غابة طبيعية من الأشجار الشوكية التي ظلت سنين طويلة تقاوم الجفاف ، وجور الإنسان والحيوان ،، هذه الغابة لو تم الاهتمام بها لأصبحت متنفسا لسكان الخرطوم ولجعلت من مدينة القطينة موقعا سياحيا هاما ،،
وفي إحدى سفراتي تلك بين الخرطوم ومنطقة غرب الجزيرة وأنا عائد من أهلي ،، أعدت لنا الحاجة ، الله يطول في عمرها ويديها الصحة ،، كمية من اللحم المحمر ، ورغيف حار قامت بصنعه في فرن البيت ، وترمستي شاي بالقرفة ،، فقررنا أن لا نتوقف إلا في غابة القطينة ونجلس إلى ظل شجرة لنستمتع بالأكل هناك ،، وفعلا أقدمنا على المخاطرة ، لكننا فوجئنا بأن علينا أن نبذل جهدا كبيرا في تنظيف الموقع وتحسينه لنتمكن من الجلوس وتناول وجبتنا تلك ،، لكن المسافرين لم يعتادوا أن يروا أسرة تجلس بهذا الشكل في هذا الموقع ،، فكثير منهم كان يوقف سيارته ، ثم يترجل منها ليسألنا هل نطلب مساعدة ؟ وعندما نقول له شكرا إنما نحن نمارس نوعا من الفسحة ونحاول الاستمتاع بالطبيعة ، وندعوه لمشاركتنا طعامنا ، نرى الامتعاض في وجهه وكأنه يقول لنا ( والله عالم مجانين ) ،،
لماذا لا يتم تشجير الطرق في بلادنا خاصة الطرق المحاذية للأنهار ، والخيران ، والأودية ، وهي امتدادات طويلة في السودان ؟ لماذا لا يتم تهذيب وتطوير البيئة الطبيعية المتوفرة أصلا ، والغنية جدا والتي لا تتطلب مجهودا كبيرا لتحيل بلادنا إلى جنة الله في الأرض ،، والله لو أرادوا أن يغرسوا أشجار المانجو على امتدادات كل طرق السودان لكان هذا أمرا ميسورا ..
لماذا تتحول صحراء الإمارات العربية المتحدة إلى غابة استوائية ، وتتحول الغابة الاستوائية في السودان إلى صحراء قاحلة ؟
|
|
 
|
|
|
|
|
| العنوان |
الكاتب |
Date |
| غابات أبوظبي الاستوائية...وتصحّر القطينة | ودقاسم | 03-10-04, 10:42 PM |
| Re: غابات أبوظبي الاستوائية...وتصحّر القطينة | Osman Hamad | 03-10-04, 11:27 PM |
| Re: غابات أبوظبي الاستوائية...وتصحّر القطينة | Mandela | 03-11-04, 00:13 AM |
 Re: غابات أبوظبي الاستوائية...وتصحّر القطينة | HOPEFUL | 03-11-04, 08:07 AM |
| Re: غابات أبوظبي الاستوائية...وتصحّر القطينة | ودقاسم | 03-11-04, 09:43 AM |
| Re: غابات أبوظبي الاستوائية...وتصحّر القطينة | ودقاسم | 03-11-04, 08:48 AM |
| Re: غابات أبوظبي الاستوائية...وتصحّر القطينة | ودقاسم | 03-11-04, 08:05 AM |
| Re: غابات أبوظبي الاستوائية...وتصحّر القطينة | Omer54 | 03-11-04, 08:30 AM |
| Re: غابات أبوظبي الاستوائية...وتصحّر القطينة | ودقاسم | 03-11-04, 11:52 AM |
| Re: غابات أبوظبي الاستوائية...وتصحّر القطينة | Omer54 | 03-11-04, 01:36 PM |
| Re: غابات أبوظبي الاستوائية...وتصحّر القطينة | Alsawi | 03-11-04, 10:34 AM |
| Re: غابات أبوظبي الاستوائية...وتصحّر القطينة | ودقاسم | 03-11-04, 04:28 PM |
| Re: غابات أبوظبي الاستوائية...وتصحّر القطينة | ibnomar | 03-11-04, 12:32 PM |
| Re: غابات أبوظبي الاستوائية...وتصحّر القطينة | mohamed elshiekh | 03-11-04, 03:26 PM |
| Re: غابات أبوظبي الاستوائية...وتصحّر القطينة | ودقاسم | 03-11-04, 10:49 PM |
| Re: غابات أبوظبي الاستوائية...وتصحّر القطينة | ودقاسم | 03-11-04, 07:12 PM |
| Re: غابات أبوظبي الاستوائية...وتصحّر القطينة | ودقاسم | 03-11-04, 07:13 PM |
| Re: غابات أبوظبي الاستوائية...وتصحّر القطينة | NEWSUDANI | 03-11-04, 05:36 PM |
| Re: غابات أبوظبي الاستوائية...وتصحّر القطينة | theNile | 03-11-04, 07:37 PM |
| Re: غابات أبوظبي الاستوائية...وتصحّر القطينة | ودقاسم | 03-13-04, 08:25 AM |
| Re: غابات أبوظبي الاستوائية...وتصحّر القطينة | ودقاسم | 03-12-04, 09:43 AM |
| Re: غابات أبوظبي الاستوائية...وتصحّر القطينة | essam&amal | 03-11-04, 07:59 PM |
| Re: غابات أبوظبي الاستوائية...وتصحّر القطينة | ودقاسم | 03-13-04, 08:36 AM |
 Re: غابات أبوظبي الاستوائية...وتصحّر القطينة | Yasir Elsharif | 03-12-04, 10:54 AM |
| Re: غابات أبوظبي الاستوائية...وتصحّر القطينة | ودقاسم | 03-13-04, 09:37 AM |
 Re: غابات أبوظبي الاستوائية...وتصحّر القطينة | Yasir Elsharif | 03-12-04, 11:41 AM |
| Re: غابات أبوظبي الاستوائية...وتصحّر القطينة | essam&amal | 03-12-04, 04:50 PM |
 Re: غابات أبوظبي الاستوائية...وتصحّر القطينة | Yasir Elsharif | 03-12-04, 08:06 PM |
| Re: غابات أبوظبي الاستوائية...وتصحّر القطينة | essam&amal | 03-12-04, 08:25 PM |
| Re: غابات أبوظبي الاستوائية...وتصحّر القطينة | ودقاسم | 03-13-04, 11:07 AM |
| Re: غابات أبوظبي الاستوائية...وتصحّر القطينة | معتصم دفع الله | 03-13-04, 00:44 AM |
| Re: غابات أبوظبي الاستوائية...وتصحّر القطينة | ابو جهينة | 03-13-04, 09:07 AM |
| Re: غابات أبوظبي الاستوائية...وتصحّر القطينة | ودقاسم | 03-13-04, 11:56 AM |
| Re: غابات أبوظبي الاستوائية...وتصحّر القطينة | ودقاسم | 03-13-04, 10:41 AM |
| Re: غابات أبوظبي الاستوائية...وتصحّر القطينة | كبسيبة | 03-13-04, 11:21 AM |
| Re: غابات أبوظبي الاستوائية...وتصحّر القطينة | ودقاسم | 03-14-04, 11:37 AM |
| Re: غابات أبوظبي الاستوائية...وتصحّر القطينة | الزنجي | 03-14-04, 09:55 AM |
| Re: غابات أبوظبي الاستوائية...وتصحّر القطينة | DEEK_ALJIN | 03-14-04, 11:21 AM |
| Re: غابات أبوظبي الاستوائية...وتصحّر القطينة | ودقاسم | 03-14-04, 07:01 PM |
| Re: غابات أبوظبي الاستوائية...وتصحّر القطينة | ودقاسم | 03-14-04, 03:51 PM |
| Re: غابات أبوظبي الاستوائية...وتصحّر القطينة | شتات | 03-14-04, 04:55 PM |
|
| |
ودقاسم
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست