|
|
 العبيط يفتح النار على نفسه ،، أمدرمان تلتهم الجيران
|
المدن ، التجمعات السكانية الضخمة ، من أين يأتيها التضخم السكاني ؟ من أين يأتيها الشبع الثقافي الذي يتخمها فيجعلها تباهي به في كل حين ؟ هذه الأسواق المتسعة ، الرائجة ، من يبيع لها ومن يشتري منها ؟ هؤلاء البشر الذين لا يزرعون ولا يحصدون ولا يرعون ولا يحلبون من أين يأتيهم الغذاء ؟ مصانعهم وورشهم ، من أين أتى رأسمالها ، ومن يأتيها بالخام ، ولمن تصنّع ولمن تبيع ؟ حدائقهم ، شوارعهم ، مجاريهم ، بلاط منازلهم ، من يعمل فيها ، من يصينها ، من يهتم بها ؟
نمو المدن والتجمعات السكانية الضخمة :
المدن بالطبع لا تنشأ هكذا فجأة ، لكنها تنمو عبر أزمان طويلة ، حيث تكتسب كل مدينة أطرافا وهوامشا يسكنها الفقراء والكادحون الذين ينتقلون إلى المدينة لأسباب أذكر منها ما يلي :
1. عدم امتلاك أراضي زراعية في مناطقهم أو لضيق الأراضي الزراعية .
2. التمرد على ضعف العائدات في تلك المناطق .
3. التمرد على النظام الاجتماعي الاقتصادي الريفي برمته .
4. البحث عن الوظائف أو الترقي الوظيفي الناتج عن التعليم .
5. الوفرة النسبية للخدمات بالمدينة .
6. أسباب أخرى نفسية واجتماعية .
وهناك بالطبع الزيادة الطبيعية في عدد السكان والتي يتبعها مزيد من التوسع ، ومزيد من الحاجة للخدمات ، ومزيد من الحاجة للغذاء ، وشيئا فشيئا تتمدد المدينة في اتجاه الهوامش وتقترب الهوامش نحو المدينة ، لتصبح جزءا منها ، وتقوم هوامش جديدة ،، ويزيد من ذلك أن المدينة لا تتجه للريف إلا لتبتلعه ، فلا توجد هجرة عكسية من المدينة إلى الأرياف باعتبار أن الريف يمثل بيئة غير جاذبة لسكان المدن ،،
اقتصاديات المدينة وطفيليتها على الريف :
المدينة السودانية لا تسهم كثيرا في الانتاج ، إذ يعمل غالبية سكانها في الوظائف الإدارية والخدمية ، وبالرغم من أهمية العمل الإداري والخدمي إلا أن الترهل الذي يصيب قطاعا كهذا ، والإهمال ، والفساد الذي يضرب أطنابه داخل دولابه يحوله إلى إسهام سلبي تتضرر منه البلاد أكثر من استفادتها منه .. وتعتمد المدينة كليا على ما ينتجه سكان الريف من ذرة وقمح وخضر وفواكه ولحوم وألبان وغيرها من المنتجات الغذائية . كما أن اليد العاملة الريفية يتم استدراجها للمدينة لأنها الأرخص ، فتجد أبناء الريف يعملون في المهن الهامشية والمهن التي تحتاج مجهودا عضليا ، والمهن ذات المردود المادي الأضعف ،، ويتضرر الإنتاج الزراعي والرعوي كثيرا بما تفرضه عليه المدينة من أنظمة الشر وقوانينه ، فالضرائب ، والأتاوات الأخرى ، والنقص في الخدمات ، والسياسات الجائرة ، كلها تنطلق من المدينة لتضعف اقتصاديات الريف وتنهك أهله ، وهذه السياسات يكون مبعثها دائما جشع المدينة وحرصها على الاستحواذ على النصيب الأكبر من عائدات الإنتاج في السودان ،، وبفرض القوانين الجائرة ، وفرض علاقات الإنتاج غير المتوازنة على الريفيين ، وباستغلال طاقاتهم الإنتاجية يتم تكوين رأس المال الذي يحرك اقتصاديات المدينة والذي نشأت عنه المصانع والورش الضخمة بمقاييسنا والتعيسة بالمقاييس التجارية العالمية ،، وبهذا يتم استقطاب رأس المال لصالح سكان المدن ويتحول سكان الريف إلى بائعين لطاقاتهم الإنتاجية التي لا تحقق لهم قيمة الطاقة التي ينفقونها في العمل ،، ومن يغتني من أبناء الريف يتم استدراجه للمدينة بمنطقية القوانين الاقتصادية الرأسمالية التي تفرضها المدينة على الريف ، فلا تتوفر في الريف قوة شرائية ، ولا يتوفر مستهلكين ولا تتوفر طاقة إنتاجية كما لا تتوفر طرق لنقل الإنتاج بسهولة ويسر لمناطق الاستهلاك فيضطر رأس المال الريفي للانتقال إلى المدينة ..
احتكار الثقافة والنشر والترفيه :
تحتكر المدينة كل الأنشطة الثقافية ، وتحتكر وسائل النشر والتوزيع ،، فمن المدينة تنطلق الإذاعة والتلفزيون ، وفيها تطبع الصحف والمجلات والكتب ، ، وفيها أيضا تنعقد الندوات والمؤتمرات ، وتقام الليالي السياسية ،، وتحتكر المدينة المسارح ودور السينما ودور الرياضة ،، وقامت منشآت ضخمة في المدن وحرم منها أهل الريف تماما .. والمدارس والمعاهد والجامعات الحكومية والأهلية كلها استولت عليها المدن ولم تترك للريف إلا الفتات ،، وقد امتدت بعض المدن لتبتلع الأرياف من حولها وتسلبها شخصيتها وتدخلها في كنفها ، فامتدت أم درمان لتبتلع وادي سيدنا ، وامتدت الأبيض لتحتوي خورطقت ، وامتدت مدني لتحتوي حنتوب ،، والخرطوم تمددت حتى وصلت إلى جبل الأولياء ، وبحري تمددت حتى بلغت الجيلي والكباشي والعيلفون ،، وتآمرت المدن على أبناء الأرياف من المثقفين فاستدرجتهم وجعلتهم ينتقلون إليها طوعا أو كرها ، ببساطة لأنهم لا يجدون متسعا لأكل العيش ولا متسعا للتثاقف وتطوير القدرات الفردية في الريف ، فأصبحوا جزءا من المدينة رغم عدم اندماجهم الكامل وعدم ذوبانهم في مجتمع المدينة .
سكان المدن يمارسون الاستعلاء :
ينظر سكان المدينة لأنفسهم على أنهم مميزون على غيرهم من أبناء بلادهم ، فهم ينظرون إلى أنفسهم وكأنهم المالكين للثقافة والوارثين لها ، وأن غيرهم مهما اكتسب من ثقافة فإنه يظل ريفيا في نظرهم ، والريفية عندهم تعني واقعا اجتماعيا وثقافيا من الدرجة الدنيا ،، وهم ينظرون إلى أبناء الأرياف كوارثين للتخلف ، وكأن التخلف شيء يجري في دماء هؤلاء كما يفترضون أن التحضر يجري في دماء أبناء المدينة ،، فتجد أبناء الريف الذين يعيشون في المدينة محشورون في واقع اجتماعي ثقافي ضيق ، وفي حدود لا يسمح لهم بتعديها ، وتمارس ضدهم التفرقة الثقافية والاجتماعية في أبشع صور ة ، ويتم قمعهم بوسائل سلمية ، مثل التهكم بهم ، واستصغارهم ، والتحقير من لغتهم ولهجاتهم ، واحتقار أزيائهم ،، ويحرص أبناء المدن على إبقاء الوضع على ما هو عليه ، أي سيطرتهم على كل سمات التطور وما يؤدي إليه ، وحرمان أبناء الأرياف من هذا التطور ، فيظل الريف أبدا ينتج الهامشيين المتخلفين ، وتظل المدينة أبدا تنتج المركزيين المتطورين ..
|
|
 
|
|
|
|
|
| العنوان |
الكاتب |
Date |
| العبيط يفتح النار على نفسه ،، أمدرمان تلتهم الجيران | ودقاسم | 05-11-04, 08:13 PM |
| Re: العبيط يفتح النار على نفسه ،، أمدرمان تلتهم الجيران | TahaElham | 05-11-04, 09:01 PM |
| Re: العبيط يفتح النار على نفسه ،، أمدرمان تلتهم الجيران | ودقاسم | 05-12-04, 09:37 AM |
| Re: العبيط يفتح النار على نفسه ،، أمدرمان تلتهم الجيران | ابو جهينة | 05-12-04, 10:27 AM |
| Re: العبيط يفتح النار على نفسه ،، أمدرمان تلتهم الجيران | ودقاسم | 05-12-04, 03:28 PM |
| Re: العبيط يفتح النار على نفسه ،، أمدرمان تلتهم الجيران | ودقاسم | 05-13-04, 09:52 AM |
| Re: العبيط يفتح النار على نفسه ،، أمدرمان تلتهم الجيران | ودقاسم | 05-14-04, 09:04 AM |
| Re: العبيط يفتح النار على نفسه ،، أمدرمان تلتهم الجيران | Yasir Elsharif | 05-14-04, 09:19 AM |
 Re: العبيط يفتح النار على نفسه ،، أمدرمان تلتهم الجيران | Bakry Eljack | 05-14-04, 05:54 PM |
| Re: العبيط يفتح النار على نفسه ،، أمدرمان تلتهم الجيران | omer almahi | 05-14-04, 08:23 PM |
| Re: العبيط يفتح النار على نفسه ،، أمدرمان تلتهم الجيران | Bakry Eljack | 05-21-04, 12:49 PM |
| Re: العبيط يفتح النار على نفسه ،، أمدرمان تلتهم الجيران | ودقاسم | 05-21-04, 01:00 PM |
|
| |
ودقاسم
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست