|
كيف تصطاد سمكة في بابنوسة
|
يلفت نظري أن السودانيين يقبلون على تناول الأسماك بمستوى جيد ، فكلما زرت سوق الأسماك في الرياض أجد أن السودانيين يمثلون نسبة لا بأس بها من زواره .. لكن يلاحظ أنهم لا يقبلون على كل المأكولات البحرية من جمبري واستاكوزا وكافيار ،، كما أنهم يحصرون طلبهم في أسماك البلطي والأسماك المشابهة من حيث الشكل أو الطعم ،، قبل عدة سنوات بدأت بعض المزارع في السعودية في إنتاج الأسماك ،، وذهبت مرة لزيارة إحدى هذه المزارع ، وهي تبعد عن الرياض حوالي 80 كيلومترا ،، ووجدت صعوبة في الدخول إلى المزرعة ، إذ أن الحارس قابلني بتكشيرة وصرامة وجه لكني أكدت له أنني جئت لأشتري أسماكا ولم آت إلى المزرعة متنزها أو متجسسا ،، فسمح لي بالدخول ،، لأفاجأ بأن المدير الفني للمزرعة سوداني من منطقة بابنوسة ،، كنت سعيدا بلقائه ، وكان هو كذلك ،، وسألته من أين له بالتعامل مع الأسماك وهو من بابنوسة ،، كنت أتوقع أن ينتمي الرجل إلى جيران النيل من منبعه إلى مصبه ، وظننت أن أهل بابنوسة يمكن أن يعملوا فقط في إنتاج الألبان ومشتقاتها أو في تجارة المواشي وتربيتها ،، لكن أن يربوا الأسماك فهذا ما لم أكن أتوقعه .. قدم لي ذلك الشاب معلومات غزيرة ، وأفادني بأنه درس علوم تربية الأسماك وتخصص فيها ، وذلك بالسودان في معهد تابع لمصلحة مصايد الأسماك وهو بالشجرة في الخرطوم ،، وشجعني الرجل أن ألج هذا المجال ، وأفادني أن الأسماك من الحيوانات التي لا تصيبها الأمراض إلا نادرا ، وان احتياجات تغذيتها وإنتاجها بالسودان متوفرة ومتيسرة ، وأفادني أن مصلحة مصايد الأسماك يمكن أن تقدم عونا كبيرا في هذا المجال لمن يريد أن يدخله ،،، مصايد الأسماك في السودان هي المصايد الطبيعية ، وهي توفر إنتاجا لا يكفي حاجة الناس داخل السودان إلى هذا الجزء من اللحوم البيضاء ،، كما أن طرق الصيد في السودان ما تزال تقليدية إن لم نقل أنها متخلفة ،، ويعتمد الصيادون في السودان على الأنهار كمصادر للأسماك ، كما أن هناك مصايد أخرى على ساحل البحر الأحمر ، والبحيرات ،، وهناك بعض السكان ممن يعيشون في مناطق المشاريع المروية يصطادون الأسماك من قنوات الري ( الترع ) .. هناك ضعف كبير في إنتاج الأسماك من حيث ضعف الكميات التي يتم اصطيادها ، وهو ناتج عن عدم تطوير الوسائل والمصادر ،، فشباك الصيد مثلا هي شباك تقليدية لا تراعي مسألة عمر أو حجم الأسماك التي يتم اصطيادها ، وبالرغم من أن هناك مواصفات محددة لشباك الصيد إلا أن الرقابة ليست فاعلة ، بل تكاد تكون معدومة ،، كما أن المصادر الطبيعية تعتبر دائما معرضة للتناقص والنضوب إذا لم تتم مراقبتها بدقة ،، وعلى مستوى التوزيع هناك سوء توزيع في إنتاج الأسماك ، فتجد الأسماك متوفرة في بعض مناطق القطر ، ومنعدمة في مناطق أخرى ، وتجدها رخيصة الثمن في بعض المناطق ، ومكلفة جدا في مناطق أخرى ،، كما أن طريقة عرض الأسماك تعتبر طريقة بدائية ومتخلفة ، على المستويين النيئة منها والمطهوة ،، وفي كثير من الأحيان تعرض الأسماك النيئة على قط الخيش الموضوعة على الأرض ، هذا إن لم يتم وضعها فوق الرمل بصورة مباشرة ، كما أن الأسماك المعدة للأكل ترص على طاولات قديمة مهترئة وتوضع تحتها أوراق الجرائد ، ويتم تقليبها باليد مباشرة ، ويسمح للزبون كذلك بتقليبها كما يشاء ويستخدم لطهيها زيت غالبا ما يتم استخدامه لعدة أيام .. كما أن كل الأسماك يتم طهيها في السودان بالطريقة الأسوأ وهي بالقلي ( التحمير ) ولا توجد مطلقا أسماك مشوية ، كما أن طهو الأسماك بالفرن يعتبر نادرا أيضا ، وطريقتي الشواء والفرن هما الأفضل من الناحية الصحية ،، وفي اعتقادي أن من أكثر معوقات تطور إنتاج الأسماك في السودان هو وجود البديل المتمثل في توفر اللحوم الحمراء والتي هي - حتى الآن - أرخص من اللحوم البيضاء ، وكان يجب أن يكون الحال معكوسا تماما ،، كما أنه من الطبيعي أن نقول أن الصيد من المصادر الطبيعية أقل تكلفة من التربية ، لكن المصادر الطبيعية محتاجة للصيانة والمراقبة والتطوير ،، كما أن مشكلة التوزيع والعرض ، تعتبر مسألة هامة باعتبار الأسماك من اللحوم الأسرع عطبا وتلفا ، وهي بهذا تحتاج إلى ترتيبات محددة وضرورية تستدعي التبريد الفوري ومنع الملوثات ،، إضافة إلى ضرورة تطوير طرق الطهو وعرض الأسماك المعدة للأكل ، لدرجة أن الأسماك في بلد اشتهر بطول أنهاره تعتبر أمرا مرتبطا بالسياحة ، كأن يستمتع السياح بوجبة سمك وهم مطلين على النيل بكامل امتداداته في السودان ، ثم لابد من إدخال طريقتي الطهو بالشواء والأفران باعتبارهما طريقتين صحيتين ومشهورتين عبر بلاد الدنيا ،، وينقص إنتاج السودان من الأسماك عمليات التجميد ، والتعليب ، والتجفيف ،، والأخيرة بالرغم من أنها موجودة إلا أنها تمارس بطرق متخلفة وموغلة في البدائية ،، أعتقد أنه من السابق لأوانه الدخول في مجال تربية الأسماك في السودان بطرق تجارية ، لما ستضيفه من تكلفة ناتجة عن الإدارة والتشغيل والتغذية والصيد والتسويق ، كما أن الناس سينفرون عن الأسماك التي تتم تربيتها في مقابل الأسماك القادمة من المصايد الطبيعية ،، كما أن مصايد الأسماك الطبيعية نفسها يمكن تطويرها وزيادة إنتاجها عبر إدارتها بطريقة حديثة ومراقبتها بدقة لمنع الصيد المدمر ،، ومن المهم جدا أن يفهم المستهلك السوداني أن اللحوم البيضاء أكثر فائدة للجسم ، وأسهل هضما ، وأقل ضررا من ناحية الكوليسترول ،، كما أنها تعتبر الأرخص إذا تم إنتاجها والتعامل معها بطرق متطورة ،،
|
|
|
|
|
|
|
|
|