|
وفي أمريكا أيضا عصيدة وحلو مر
|
منذ أكثر من نصف قرن وأنا أعيش على هذه البسيطة ، العصيدة هي العصيدة ، والتقلية هي التقلية ،، في حالة الغنى ، في حالة الفقر ، في رمضان أو في غيره ،، والحلو مر ، هو الآخر لم يتغير ، لونه الداكن ، نكهة القرفة والزنجبيل والقرنجان ، وطعم الزرّيعة ،، حتى رائحة ( البرش ) الذي يوضع فوقه الحلو مر ليجفف ، أكاد أشمها ضمن النكهة الكلية للحلو مر ،، لماذا نتغير نحن ، تتغير أفكارنا وتتجدد ، نتنقل في مراحل العمر المختلفة ، نتنقل في بلاد الدنيا ، لكنا نظل مصرين على العصيدة والحلو مر ، بنفس النكهة ، بنفس الطعم ، بنفس الشكل .. لماذا نصر أن يصلنا الحلو مر في كل مرة من مصادره الأصلية ، ونصر على أن تصلنا مكونات التقلية من مصادرها ، ونصر على نفس القالب للعصيدة ، ونفس الزبدية ( الكورية ) للتقلية .. تعلمت أنا شرب الحلو مر لأنني عشت طفولتي وصباي في بيئة لا تعرف عصيرا غير الحلو مر ،، لكن كيف أدمن أولادي شرب الحلو مر ؟ كيف أصبحوا يفضلونه على غيره من العصائر المركزة والطازجة ومن كل أنواع الفواكه ؟ من قال لهم أن العصيدة هي الطبق الوحيد الذي نتقبله في رمضان ؟ أنا أنحدر من أعماق الريف ، لكني حاولت إحداث بعض التطور في تعاملي مع العصيدة ،، منذ سنوات وأنا آكلها بالملعقة ، لكن زوجتي التي تنتمي إلى المدينة تصر أن العصيدة تكون أحلى حين تؤكل باليد . جئنا إلى هنا ، ولاحظنا أن أهل هذه الديار يحبون الأرز ، ويطبخونه مع اللحم ويسمونه ( كبسة ) . في كثير من الأحيان ننتقدهم في أكلهم المستمر للكبسة وحبهم لها ،، وننسى كليا حبنا وإدماننا للعصيدة والحلو مر ،، هنا توجد بدائل عديدة ، أطعمة ، ولحوم ، وخضر ، وفواكه ، ومخبوزات ، لكن العصيدة تظل سيدة الموقف ، تسيطر على عقليتنا الغذائية التاريخية والحاضرة وتترصدنا في المستقبل ،، وفي أستراليا ، ونيوزيلندة ، و سنغافورة ، و إندونيسيا ، و ماليزيا ، و بريطانيا ، و اسكندنافيا ، وألمانيا ، وأمريكا وكندا وفي كل بلاد الدنيا ، تعيش أعداد من السودانيين ،، أصبحنا نحن الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس ،، لكن هل كل هؤلاء يأكلون العصيدة ويشربون الحلو مر ؟ وإن لم تتوفر لديهم العصيدة والحلو مر ، هل يحنّون إليهما ؟
|
|
|
|
|
|