|
في أمر الإحالة للصالح العام ( إن خير من استأجرت القوي الأمين )
|
إن خير من استأجرت القوي الأمين ( في أمر الصالح العام ) عند وصول الإنقاذ إلى السلطة ابتدعت شأنا جديدا هو ، الإحالة للتقاعد للصالح العام ،، والتقاعد عندنا كان نوعان ،، تقاعد بسبب بلوغ السن القانوني للتقاعد ، أو تقاعد مبكر يختاره الإنسان اختيارا حر بعد أن يعمل في الخدمة المدنية سنوات محددة ،، لكن تقاعد الشباب ، والشابات ، وأنصاف الكهول ، لم يشهده وطننا إلا على أيام الإنقاذ .. وقد تحدثت أدبيات الإنقاذ في غير ما مرة حول ( التمكين ) وهي مسألة تعني تمكين عضوية حزب الجبهة الإسلامية للإمساك بكل مجريات الأمور في الوطن ، وبالطبع إبعاد أو تهميش الآخرين . وقد شهدنا المدراء الشباب ، والوكلاء الشباب ، والوزراء الشباب ، والسفراء الشباب ، ،، وكثير من كبار المسئولين اليوم هم من خريجي التسعينات ،، في حين أن كبار السن من أهل الجبهة أنفسهم ركزوا على قيادة العمل السياسي في مستوياته المختلفة .. ولكي تكتمل عملية التمكين كان لابد أن يكون وجهها الآخر تفكيكا للخدمة المدنية وتشريد العديد من الموظفين ، واستحداث خلخلة في هياكلها ليتحول المرؤوسين إلى رؤساء فيضيق بهم هؤلاء فيتقدموا باستقالاتهم ، أو على الأقل ترتفع درجة تقبلهم لقرار تصفية وظائفهم وإحالتهم للتقاعد .. وكان الأساس الذي اعتمدت عليه الجبهة الإسلامية أساسا دينيا في ظاهره ، دنيويا وسلطويا في جوهره ،، فكثيرا ما استمعنا إليهم يكررون ( إن خير من استأجرت القوي الأمين ) ، وهم بذلك يريدون أن يقولوا لنا أنهم يطبقون مبدأ ( وضع الرجل المناسب في المكان المناسب ) وهو مبدأ يشرحه الماوردي في الأحكام السلطانية بقوله : ( استكفاء الأمناء وتقليد النصحاء ، فيما بفوضه الحاكم إليهم من الأعمال ، ويكله إليهم من الأموال ، لتكون الأعمال بالكفاءة مضبوطة ، والأموال بالأمناء محفوظة ) ، واعتبر كثير من المفكرين الإسلاميين هذا المبدأ أحد مسئوليات ووظائف الدولة ،،، وإذا تساءلنا : هل القوة والأمانة والكفاءة تولد مع بعض من يكمتلكها ، أم أنها أمور يكتسبها الإنسان بتربيته ومعايشته وخبرته ؟ هل الانتماء لحزب معيّن يمنح الإنسان صفات معيّنة ولا تكون هذه الصفات متاحة لعضوية الأحزاب الأخرى ؟ إذا كانت الدولة ترى ان مواطنا ما ليس كفؤا ، أو غير أمين ، أو غير قوي ، فهل مسئوليتها تنحصر في إقصائه أم أنها مسئولة عن تدريبه وتطويره وتنويره ؟ هل من مصلحة المجتمع أن يحيل أفراده من منتجين إلى عاطلين ؟ هل للدولة الحق أن تقول لمواطن ما أنه غير جدير بالوظيفة العامة ، وأنه من الأفضل للمجتمع أن يبحث له عن مكان آخر ؟ كم من الناس تأثروا بعملية الإحالة للتقاعد للصالح العام ، وكم منهم من أصيب بانهيار عصبي بسبب مغادرته القسرية لوظيفته التي اعتاد أن يعول منها أسرته ، وكم أسرة فقدت وظيفة عائلها الأساسي وأصبحت لا تجد أمامها فرصة لعمل بديل ، وكم أسرة اضطر أطفالها ، ونساؤها للعمل بسبب فقدان العائل الأساسي للوظيفة ، وكم موظف محترم تحول إلى متسول يسأل الناس إلحافا ؟؟؟؟ وتساؤلنا الكبير : ما الذي استفاده السودان من عملية الإحالة للصالح العام ، وهل فاحت رائحة الأمانة وقوة الأداء وظهرت كفاءة الذين حلّوا محل هؤلاء المحالين للصالح العام ؟؟ وتساؤلنا الأخير : ما الذي يعيد لهؤلاء حقوقهم ، وهل ستتجاوزهم عمليات التصالح والوفاق الجارية الآن ، أم أنهم مجرد ظاهرة تجاوزها الزمن ؟؟
|
|
|
|
|
|
|
|
|