|
ابنة خالتي تغازلني من شرفة قطيّتها
|
بيتان متجاوران ، أطفال صغار يلعبون مع بعضهم ، لا يفهمون فرقا بين أنثى وذكر ، بيوت الطين ، جمع العشب ، مطاردة الفراشات ، ينتهي يومنا ونحن في قمة التعب ، فننام كالجنائز ، ونستسلم لأهلنا وهم يدهنوننا بزيت السمسم من شعر رؤوسنا حتى أخمص أقدامنا ، ،، ونهبّ صباحا لنواصل مشوارنا ، ، أينما نجد الأكل نأكل ، في بيتنا ، في بيت خالتي ، في بيت عمي ،، لا يهم . ...... ثم يتقدم الزمن ، يشارك الأطفال أهليهم في الرعي ، في الفلاحة ، في شئون البيت ، في المراسيل للدكان ، ولبيت العم والعمة والخال والخالة ، ،،، وفي ألعاب المساء انفصل الأولاد عن البنات ، لكن حلقتيهما متجاورتين ، ،، أسمع البنت الطويلة التي تترأس فريق البنات تقول لها منشدة : أحمد غائب في الركائب جانا كلب سنونو صفر حلب الناقة في المحّارة كرررج يا بت الجارة ( وتقرصها في فخذها ) عريسك منو ؟ تضحك بنت خالتي ضحكة طفولية ، وتبدي استحياءها ، لكن صويحباتها يضغطن عليها : يا بت ما تقولي ، نحن عارفنو . تقول بعد تردد : محمد ..... ود خالتي . فيضحكن جميعا ، وأضحك أنا من مكاني في فريق الأولاد ، فيرقبني بعض الخبثاء ، ويقولون : بختك ، والله بت خالتك دي سمحة سماحة شديدة خلاص ، يغضبني هذا التغزل العلني في بنت خالتي ، لكن يبدو أن جمال بنت خالتي كان جمالا لا يعين الآخرين على الصمت ، ولا يعينني على تجنب المعارك اليومية التي تنشب بيني وبين المتغزلين في بنت خالتي ،، زوج خالتي رجل رفيع القامة ، عالي الهمة ، ممتلئ الجثة ، يتمتع بقوة الشخصية وحلاوة المعشر واللسان ، كان يقول علنا أن ابنته جميلة ، وأنها لن تكون إلا لمحمد ابن خالتها ، ،، ما كنت أستطيع أن أقيم قدراتي ، ولا كنت أعلم لم اختارني هذا الرجل المهاب لأكون بعلا لابنته الجميلة تلك ،، المدرسة كانت حظي ، والبيت والحقل والمرعى هم حظ ابنة خالتي ، ،، كلما تقدمت بنا الأيام ، اقترب أنا أكثر من فئة المتعلمين ، ويزيد التصاق بنت خالتي أكثر بحياة البداوة ، ،،، ثم انتقلت من بيتنا لأعيش في المدرسة البعيدة ، لبست البنطلون ، والشورت ، ونسيت ربط التكة ، وتمردت على لبس العراقي ، ،، أصابتني عدوى الاستحمام اليومي ، وعدوى استخدام المنشفة ( البشكير ) ،،، وحلقت شعري ( كري ) ، وأصبحت لي حقيبة ملابس خاصة بي ، ولي كتب وأقلام وأدوات هندسة ، ،، نسيت كرباجي الذي كنت أسوق به غنمي ، ونسيت كورة التيراب ، ونسيت ذاك اليوم الذي ( دقتنا ) فيه المطرة أنا وبنت خالتي ونحن نرعى أغنامنا ، ،، يومها اضطررنا للاختباء تحت الكباش الغليظة ، وجاء أهلنا يبحثون عنا تحت المطر وهم يتدثرون بالخيش ، ،، وأنا وابنة خالتي ما كنا نبالي بكل هذا ، ،، لا أعلم لماذا لم نكن نناجي بعضنا ، ونتبادل كلمات الحب والغزل ، ،، كلانا بدأنا نفهم ونعرف ، وأنا كنت أغتاظ من الذين يغازلونها ، لكني مطلقا ما فكرت في مغازلتها ،،، ولماذا الغزل ، ولماذا التناجي ، ولماذا الكلام المعسول ؟ يبدو أنه لم تكن بنا حاجة لذلك ، فنحن محجوزان لبعضنا ، ،، وفقط ننتظر يومنا الذي نزف فيه لبعضنا أمام الناس الذين يعرفون تماما أننا مخطوبان منذ مهدنا ،،، أعود مختلفا عن أقراني ، وأمر على بيوت القرية بيتا ، بيتا ، أسلم على الناس ، كبيرا وصغيرا ، ذكرا وأنثى ، ،، وتسلم عليّ بنت خالتي باستحياء ، فتقول أمها : يا بت انتي مالك جنيتي ؟ ما ده محمد ود خالتك ،، كدي قومي سوي ليهو كباية شاي . تأتيني كباية الشاي ، وأنا أجلس بين خالتي وزوجها ، أرشف منها ، وأستمتع بنكهة حطب القطن التي تميز كل ما يوضع فوق النار عند أهلي ،، يكلمني زوج خالتي : أها ، شنو ليك ، البت كبرت ، وشاهيها ضقتوا بي خشمك . ما تكمّل لينا عمرك كلو قراية ، وتكمّل لي بتي بطانها ( فرصتها في الإنجاب ) ،، أضحك في براءة ، وأنصرف ،، ويوم الخميس ذاك ، أتيت كعادتي ، فإذا بي أرى أهلي متجمعين أمام القرية ، جوار الحفير ، وفي ظل أشجارها ،،، الأمر واضح بالنسبة لي ،،، هو سيرة ( أي زفة عرس ) ،،، سلّمت على من قابلني ، وأنا أتجه إلى بيتنا ،،، قال لي : الليلة أهلك كلهم في بيت العرس . قلت : عرس منو ؟ قال : ها زول ، إت ماك عارف ؟ قلت : لا والله ما عارف . قال : عرس بت خالتك . اتجهت نحو بيت خالتي ، فوجدتها وأمي ، وبعض نساء لا يفضلن المشاركة في السيرة ظنا منهن أنها للشباب فقط ، استقبلتني أمي وخالتي بالأحضان ، ،، ثم حضنتا بعضهما ، وزرفتا دمعا غزيرا ، ،، زوج خالتي بدا مشغولا ، وسلم عليّ في عجل ، وهو يقول لي : يا زول ما في مشكلة ، بديك البت الصغيرة ،، دخلت داخل القطية ، وسلمت على بنت خالتي ، ، ، فقابلتني بحيائها نفسه ، لكن هذه المرة مدت إلى يدها وقد رسمت عليها الحناء ، ومنحت جسدها لون فاقعا من أثر الدلكة والدخان ، ووضعت فوق كتفيها الفركة القرمصيص ، وسرحت مسائرها لتكملان دائرة وجهها الذي شد إليها شباب القرية ،،، الغريب أنني لم أسأل عن العريس ، ولا أعرف من هو ، إلى أن اقتربت السيرة من بيت خالتي ،،، ووقف المشاركون أمام البيت ، يرفعون أصواتهم أكثر بالغناء ، واستقبلهم أهل العروس بالزغاريد والفرح العلني ، وخرج إليهم زوج خالتي يناديهم بأعلى صوته : اتفضلوا ،، أدخلوا ، ،، دخلّوا النسوان ديل ،، لمحت ابن خالي الذي يكبرني بسنتين يركب على حمار أبيض عال ،، يلبس جلابية بيضاء ، ويربط حول رأسه منديلا ملونا ثبت في مقدمته هلال ذهبي ، ويضع في منتصف رأسه ضريرة ، ويلبس حول معصمه حريرة وضعت فيها خرزة زرقاء كبيرة ، ويحتذي مركوبا فاشريا أحمر ،، في تلك اللحظة عرفت من هو العريس ،، نزل ابن خالي ، سلّمت عليه ، وقلت له : مبروك ،، قال الله يبارك فيك ياخوي ، وعقبالك .. لكن الله لم يستجب دعاءه إلا بعد سنين طويلة ، غازلتني خلالها ابنة خالتي عدة مرات ، وراودتني عدة مرات ، لكن لا لنفسها ، إنما لابنتها الكبرى ، ظلت ابنة خالتي تحبني ، وترغب في إقامة رباط بيني وبينها ، وهي ما زالت تقول : أنا ما كانوا خاتنّي ليك ، ابتسم وأقول لها : وبعدين مشيتي وخليتيني ،، وجيتي تاني درتيني لي بتك .
|
|
|
|
|
|
|
|
|