|
لو أنّ الخاتم كان موجــــــودا بالوطن !
|
بكينا في هذا المنبر زميلنا وابن وطننا الخاتم عدلان ، بكيناه ، وبكاه الوطن كله ،،، والخاتم علم من أعلام السياسة في بلادنا ، لكنه قضى سنوات عزيزة من عمره خارج البلاد ... ولم يكن الخاتم ابتعاد الخاتم عن أرض الوطن إلا جزءا من ظاهرة عامة استشرت وتمددت فاستجاب لها كثير من مثقفي السودان ، ومفكريه ، وعلمائه ، وعمّاله وزرّاعه ، ورعاته ... الكل خرج لاهثا ، أو محتميا ، أو باحثا عن ملاذ ، حين عزّ الملاذ في الوطن ... الخاتم كتب في السياسة والفكر ، وترجم في السياسة والأدب ، وخاطب الندوات ، والجلسات ، والليالي السياسية ، وأرسى دعائم عمل سياسي امتدت جذوره إلى الداخل ... وبالطبع كثير منّا حقق مصالح ذاتية تتراواح بين المادية والعلمية واكتساب الخبرة ... لكن ماذا كانت ستكون إنجازات الخاتم لو أنه لم يخرج من الوطن ؟ لا أحد يمكن أن يتكهّن بنتائج مثل هذا الافتراض ، لأنه افتراض لم يكن ، ولن يكون . لكني أرى أن كل منّا لو بقي في الوطن لكان إنجازه الوطني أكبر بكثير ،،،، فالخاتم كسياسي ومفكر انتمى لليسار وشارك – حين كان طالبا – في العمل العام في فترة الستينات والسبعينات ، وهي فترة قدّم فيها اليسار أعمالا جليلة في التثقيف والتنوير وترقية الذوق العام ، وكان ذلك عن طريق النشر ، والعمل الجماهيري ، والقوافل التي تجوب أنحاء البلاد . وكان يمكن أن يستمر هذا العمل تحت مسميات شتى وبوسائل شتى . البروفيسور البنغالي محمد يونس ، أستاذ الاقتصاد في بنغلاديش ، أعلن في بداية السبعينات تمرده على فكرة تدريس النظريات ، واعتبرها أمرا نظريا ينتهي فقط عند قاعات التدريس ، لكنها ليست لديها المقدرة في إطعام جائع واحد . فاتجه نحو الريف البنغالي ، وهو من أفقر البلدان في الدنيا ، والتقى الفقراء هناك ، وقدم لهم سلفيات من جيبه الخاص ، وراقب التجربة ، فإذا بها تثمر ، ويتغير حال هؤلاء الذين استلفوا منه ، فنقل الفكرة إلى البنك المركزي في بلاده ، لكنّ الجهات الرسمية سفهت كلامه واعتبرته جنونا اقتصاديا أن يتم تسليف الفقراء الذين لا يمتلكون الحد الأدنى من الضمانات . لكن البروفيسور محمد يونس واصل ، ووضع الأسس العلمية لمشروعه ، وبدأ في تنفيذ فكرته في حدود ضيقة ، إلى أن اقتنعت الحكومة بنتائج مساعيه ، فتبنت فكرته ، وكانت النتيجة بنك ( جيرامين ) وهو بنك الفقراء الذي أخرج الملايين من أبناء تلك البلاد من حالة الفقر المزري ،،، وأصبحت التجربة تجربة إنسانية معاشة ومطبقة في بلدان أخرى ,,, موت الخاتم خسارة كبيرة ، وبقاء الخاتم وأمثاله خارج جغرافية الوطن خسارة أكبر ،،، وأم الخسائر أن لا يجد الراغبون في العمل أرضية لتطبيق ما يعلمون على الواقع ...
|
|
|
|
|
|
|
|
|