ما عارف أقول ليكم شنو

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-10-2024, 11:49 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة محمد قاسم(ودقاسم)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-08-2003, 01:23 PM

ودقاسم
<aودقاسم
تاريخ التسجيل: 07-07-2003
مجموع المشاركات: 11146

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
ما عارف أقول ليكم شنو

    عند بلوغي سن الخامسة والخمسين أفادتني دائرة العمل في مرفأ الاغتراب في خطاب مقتضب للغاية بلوغي سن التقاعد . وقد كان هذا قمة ما يحلم به المغترب من أبناء وطني ، أن يستمر في العمل في مغتربه حتى بلوغه هذه السن ، حيث يتأثر الكثير منهم ببرامج توطين الوظائف ، فيفقد وظيفته مبكرا لصالح أحد مواطني البلاد . ولا أحد يرى سبيلا للعودة إلى الوطن رغم الرغبة العارمة في هذه العودة والحنين المستمر لهذا الوطن . ذلك الخطاب الذي استلمته من دائرة الخدمة لا يتناسب أبدا والجهود التي ظللت أبذلها في عملي هنا طيلة خمس وعشرين سنة استسلمت فيها لكل ما تفرضه الغربة من أدبيات ، وقوانين وأعراف . لكن توقيت الخطاب جاء ليؤكد لي أنني ظللت مرغوبا بي طيلة الفترة حتى بلوغي هذه السن .
    بدأت رحلة العودة دون تردد بالرغم من كل المحاذير التي منعتني من هذه العودة طيلة هذه السنوات التي مرت والتي تمثل ما يقارب نصف عمري . يساورني شعور غريب جعلني أضع في حساباتي أن هذا العود ليس بأحمد ، لكن الاستمرار في الاغتراب بعد هذه السن ، وبعد هذا الكم من السنوات كان يمثل لي مشروع موت بطيء لا أحتمله وأقل ما فيه أنه يقلل من قيمة الإنسان بصفة مستمرة ، ويمنحك عوائد مادية ضعيفة ، وربما هزيلة ، وقد ينتهي بك الأمر إلى اللجوء لسفارة بلادك ، أو الاستنجاد بالجمعيات التي يقيمها السودانيون في مغتربهم .
    الخرطوم كانت البداية ، حيث ضمني أنا وزوجتي وأولادي منزل من طابقين ، امتلكنا أرضه وبنيناه من عرق وهموم الغربة . رغم صغره إلا أنه كان منزلا جميلا ومريحا طالما أنت جالس في داخله ، حيث أعددناه لمثل هذا اليوم وشرعنا في تأثيثه منذ عدة سنوات ، كلما حانت عطلة جئنا نحمل إليه جزءا من متاع . وإذا خرجت من بوابته فأنت مرغم على العيش في الوضع العام ، جوا ، ومجتمعا ، هذا الجو وهذا المجتمع اللذان ظللنا نحلم بمعايشتهما والانتماء إليهما ، لكنهما ظلا يخذلاننا دائما . نزلنا لنستقر في بيتنا ، لكننا ما كنا نعرف إلا القليل عن جيراننا وسكان الحي ، فلا أنا ولا زوجتي ننتمي إلى الحي ، لا عرقيا ، ولا جغرافيا ، ولا تاريخيا . والجيران لم يختلطوا بنا خلال إجازاتنا المحدودة التي كنا نقضيها في منزلنا هذا ، فلم يكن لدينا الوقت الكافي لهذا الاختلاط ويبدو أنهم كانوا يتهيبون الاختلاط معنا باعتبار أننا قوم لا محالة راحلون .
    أولادنا الستة كلهم كبروا ، وتخرجوا من الجامعات ما عدا أصغرهم الذي مازال يدرس في إحدى كليات الزراعة رغبة منه في تشغيل المزرعة التي أمتلكها في أطراف الخرطوم ، والتي ظللت أدفع تكلفة حراستها لسنوات عديدة بالرغم من أنها كانت تتعرض للسرقة باستمرار وهي تحت هذه الحراسة . وقد تحملنا تكاليف باهظة لتعليم أولادنا في الجامعات السودانية التي فرضت عليها وزارة التعليم العالي الاعتماد على مواردها الذاتية ، وأعانتها على أن تقتطع من الدرجات التي حصل عليها أبناء المغتربين لتضعفها وتخرجها من المنافسة فيلجأ آباؤهم لما أطلق عليه القبول الخاص ، أي الدراسة على حسابهم بمصاريف تحددها كل جامعة بمفردها . لكن الأولاد حتى بعد تخرجهم لم يكونوا يستطيعون الاعتماد على أنفسهم . وقد رفضنا أنا وأمهم تركهم لتجربة الغربة ومعاناتها خاصة وأن عوائد الغربة ما عادت مجدية لمثل هؤلاء الشباب .
    الخرطوم تغيرت وتبدلت كثيرا ، يزداد فيها عدد السكان باستمرار، وتتضاءل الخدمات ، وتضيق بهم الشوارع ، وتمتد الأحياء السكنية امتدادا أفقيا بلا حدود . البلاد كلها تتآكل ، والحكومة تأخذ ولا تعطي . تشعر أن الغالبية العظمى من الناس يعيشون على الهامش ، وهو هامش ضيق يدفع الكثيرين إلى الكذب والنفاق والتسول والسرقة والرذيلة . أعرف أن البدائل أمامي محدودة للغاية ، خاصة وأنه منذ فترة ليست بالقصيرة لم تعد الحياة بالخرطوم تعجبني . ظللت أراقبها وأنا أزورها في عطلاتي السنوية وأمكث فيها الجزء الأكبر من تلك العطلات ، فلا هي تمثل مدينة مريحة تتوفر فيها الخدمات والرفاهية ، ولا هي بالقرية التي تمنحك الهدوء والسكينة .
    الحصيلة المادية للغربة لم تكن كبيرة كما كنا نتوقع ونحلم ، إلا أنها أيضا لم تكن ضعيفة . فقد تمكنت من توفير مبلغ لا بأس به من المال إضافة للممتلكات الثابتة . فلم يكن المال هما من همومي ، لكن استثمار ما توفر لدي كان هو الهم الأكبر . فلا أعرف بالضبط ماذا سأفعل بهذا المبلغ وبهذه الممتلكات ، كيف سأنميها ؟ هل سأتركها تتآكل وتتناقص ؟ أم أضعها في البنك في حساب للاستثمار وأعيش من عوائدها ؟ ومن المؤسف أنني بالرغم من سنوات الغربة الطويلة الصارمة ، لم أكن أحمل خطة عمل للفترة القادمة ، حيث أنني بالرغم من محاولاتي المستميتة لوضع خطة ما ، فقد توصلت فقط إلى إقناع نفسي بسعة الصدر لقبول الفشل في وضع هذه الخطة ، مثلي في ذلك مثل كل أبناء بلادي المغتربين ، لا يجدون أرضية صلبة ثابتة يمكنهم بناء خططهم عليها ، ومن يجازف ويضع خطة على الأرضية الهشة المتوفرة فإنه سرعان ما يداهمه فشل المشروع نظرا لأن ما هو منظور يعد أقل كثيرا من غير المنظور ، وهذا يجعل الانهيار أمرا حتميا يصبح معه حصاد الغربة كقبض الريح .
    ما كنت أستطيع أن أقضي أسبوعا بأكمله في منزلي بالخرطوم حين عودتي لقضاء الإجازة السنوية دون أن أشد الرحال إلى أهلي في مسقط رأسي ، رغما عن قرب المسافة إلا أن السفر فيه مشقة وقسوة ، غير أنني أستعذب ذلك واستمتع به . حتى أولادي كان يعجبهم ويشدهم ذلك المشوار وذلك الجو الريفي الهادئ . كنت أنطلق وحدي أو برفقة أولادي عبر طريق النيل الأبيض المتجه نحو مدينة ربك ، لكننا ندلف يسارا لنتجه نحو بدايات الجزيرة من جهتها الغربية في طريق زراعي متعرج وغير معبد ، فيطول الطريق أكثر من حساب الكيلومترات ويزداد طوله كلما دخل فصل الخريف .
    هذه المرة بقيت في الخرطوم فترة طويلة باعتبار أن عودتي هذه المرة مختلفة عن سابقاتها ، فأنا أعود عودة نهائية من غربة طويلة ، وأحتاج إلى أن أرتب الكثير من الأمور الخاصة ببيتي وأولادي ، خاصة وأن البيت كان – نظرا لبعدنا عنه – في حاجة إلى بعض الصيانة ، وكذلك السيارة البيجو التي امتلكتها ورضيت بها سيارة دائمة لي ولأسرتي نظرا لاتساعها ومقدرتها على التحمل . ابني الأصغر أيضا كان لابد من تجديد تسجيله بالكلية وإفادة الكلية بأننا لم نعد مغتربين ، كما أن أولادي الكبار كانوا أيضا بحاجة إلى العديد من الترتيبات ليتمكنوا من الدخول إلى الحياة الواسعة في بلد لا تتوفر فيها الوظائف لكل مواطنيها ، وإذا توفرت فإنها لا تمنحهم ما يكفي معيشتهم . والمزرعة أيضا تنتظر مني زيارة ، وربما صيانة ، وبعض الأمور الإدارية الأخرى المتعلقة بالحارس والعمال الآخرين .
    زارني بعض اخوتي وأقاربي في منزلي ، لكني رغم هذا وذاك ظللت مشغول البال تقلقني رغبتي في زيارة أهلي ولقائهم ، وأعرف مدى حساسيتهم تجاه بعدي عنهم ، خاصة وأنهم دائما يعتبرون زوجتي سببا لهذا البعد ، إذ أن أهلها أصلا من الخرطوم ، وكأنها - في نظرهم - هي التي جعلتني وحقيقة الأمر كانت زياراتي لهم كلها عبارة عن زيارة ضيف لا أكثر ولا أقل ، إلا أنهم كانوا يتقبلونها على كل حال ويودون زوجتي وأولادي ودا ظاهرا وباطنا . أبني بيتا هناك لأعيش فيه بعيدا عنهم . وحقيقة الأمر كانت زياراتي لهم كلها عبارة عن زيارة ضيف لا أكثر ولا أقل ، إلا أنهم كانوا يتقبلونها على كل حال ويوادون زوجتي وأولادي ودا ظاهرا وباطنا .
                  

العنوان الكاتب Date
ما عارف أقول ليكم شنو ودقاسم06-08-03, 01:23 PM
  Re: ما عارف أقول ليكم شنو ودقاسم06-09-03, 06:42 AM
  Re: ما عارف أقول ليكم شنو Raja06-09-03, 02:20 PM
  Re: ما عارف أقول ليكم شنو خضر حسين06-09-03, 08:27 PM
  Re: ما عارف أقول ليكم شنو ودقاسم06-10-03, 06:54 AM
  Re: ما عارف أقول ليكم شنو lana mahdi06-10-03, 06:58 AM
  Re: ما عارف أقول ليكم شنو ودقاسم06-10-03, 07:23 AM
  Re: ما عارف أقول ليكم شنو lana mahdi06-10-03, 07:31 AM
  Re: ما عارف أقول ليكم شنو ودقاسم06-10-03, 08:01 AM
  Re: ما عارف أقول ليكم شنو ودقاسم06-10-03, 08:01 AM
  Re: ما عارف أقول ليكم شنو lana mahdi06-10-03, 08:24 AM
  Re: ما عارف أقول ليكم شنو ودقاسم06-10-03, 09:42 AM
  Re: ما عارف أقول ليكم شنو ahmad almalik06-10-03, 11:10 AM
    Re: ما عارف أقول ليكم شنو قرشـــو06-10-03, 11:26 AM
      Re: ما عارف أقول ليكم شنو ودقاسم06-10-03, 02:17 PM
    Re: ما عارف أقول ليكم شنو ودقاسم06-10-03, 01:33 PM
  Re: ما عارف أقول ليكم شنو Alsawi06-10-03, 11:48 AM
    Re: ما عارف أقول ليكم شنو ودقاسم06-10-03, 02:41 PM
      Re: ما عارف أقول ليكم شنو ابو جهينة06-10-03, 02:58 PM
        Re: ما عارف أقول ليكم شنو abuguta06-10-03, 09:22 PM
          Re: ما عارف أقول ليكم شنو ودقاسم06-11-03, 07:47 AM
        Re: ما عارف أقول ليكم شنو ودقاسم06-11-03, 07:12 AM
  Re: ما عارف أقول ليكم شنو ودقاسم06-11-03, 09:44 AM
  Re: ما عارف أقول ليكم شنو ودقاسم06-11-03, 03:13 PM
    Re: ما عارف أقول ليكم شنو Tumadir06-11-03, 05:10 PM
      Re: ما عارف أقول ليكم شنو abuguta06-11-03, 05:28 PM
        Re: ما عارف أقول ليكم شنو ودقاسم06-12-03, 07:11 AM
      Re: ما عارف أقول ليكم شنو ودقاسم06-11-03, 09:29 PM
  Re: ما عارف أقول ليكم شنو ودقاسم06-13-03, 06:56 AM
    Re: ما عارف أقول ليكم شنو HOPELESS06-13-03, 07:02 AM
      Re: ما عارف أقول ليكم شنو أبكر آدم إسماعيل06-13-03, 07:54 AM
      Re: ما عارف أقول ليكم شنو ودقاسم06-13-03, 09:25 AM
  Re: ما عارف أقول ليكم شنو ودقاسم06-14-03, 08:11 AM
    Re: ما عارف أقول ليكم شنو ابو جهينة06-14-03, 08:35 AM
  Re: ما عارف أقول ليكم شنو ودقاسم06-14-03, 10:37 AM
  Re: ما عارف أقول ليكم شنو ودقاسم06-14-03, 11:12 AM
  Re: ما عارف أقول ليكم شنو ودقاسم06-14-03, 04:21 PM
    Re: ما عارف أقول ليكم شنو أبكر آدم إسماعيل06-14-03, 08:25 PM
  Re: ما عارف أقول ليكم شنو ودقاسم06-15-03, 07:02 AM
    Re: ما عارف أقول ليكم شنو أبكر آدم إسماعيل06-15-03, 07:22 AM
  Re: ما عارف أقول ليكم شنو ودقاسم06-15-03, 08:52 AM
    Re: ما عارف أقول ليكم شنو أبكر آدم إسماعيل06-15-03, 10:15 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de