دراسة نقدية في شعر سارة حسبو

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-15-2024, 07:34 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-10-2008, 09:48 AM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: دراسة نقدية في شعر سارة حسبو (Re: هشام آدم)

    _______________________

    الله في نصوص سارة حسبو:

    للوهلة الأولى يبدو النص وكأنه رسالة موجهة إلى الله (إلى أمكنته .. وردة إلى الإله) هذا ما يبدو في ظاهر النص، وفي كثير من المقاطع التي جاء فيها ذكر الله أو الآلهة بنص صريح، ولكن يجب ألا نغفل الرمزية التي تغطي الفكرة الشعرية في نصوص حسبو أبداً، فالله قد لا يكون الله المعبود الذي يعبده ملايين المتدينون، قد لا يكون غير وطن أو غير فكرة إله، أو قد لا يكون غير ضمير المجتمع باعتباره قانوناً يخضع له الجميع. فعندما نقرأ :

    والعالم بكل آلهته:
    أخرس

    أو عندما نقرأ مقطعاً كهذا :

    غنوا لهذا المجيد

    أو قولها :

    ولا حرج يا ربي سوى أنك تشاهد

    وكذلك قولها:

    أنت الضخم، حري بألوهيتك – تهوري

    والأوضح من ذلك قولها:

    الفانيات مني هاكها
    لا أفطنها
    كونك ربي – ربها

    وربما الأكثر وضوحاً في مناجاتها قولها:

    يا رب .. لك طيورك مداها المشروخ بنداء الوليف

    كل هذه التلميحات وأكثر من ذلك لاسيما في المقاطع الأخيرة من قصيدة (إلى أمكنته .. وردة إلى الإله) تنبأنا أن المخاطب في هذا النص هو الإله الواحد الذي يعرفه الجميع، ولكنه بالنسبة إليها إله آخر .. إله شديد الخصوصية، إله يأخذ من فكرة الإله المشاعية الكثير، ولكنها تحلم به فكرة كفكرة الوطن التي اعتبرتها من قبل. هي لا تنسى أنّ الله يعني القانون، ويعني القسر بقدر ما يعني الخلاص والملاذ الآمن، ولكنها في سيرورتها في فنتازياها السحرية، تستشعر مرارة أن يكون هذا الإله مخيفاً إلى الحد الذي يجعلها تخشى مناجاته، أو ربما العكس تماماً هو ما استشعرته.

    لا مقدس في اللغة، ولا في المخيّلة الإبداعية، لا مقدّس في العشق بين إله وبين عابد، يهيم بإلهه حباً، لأن القداسة تطيل المسافة بين الحبيبين. أجل إنها علاقة حب لا تتساوى مع المقاييس التي يتعامل بها البشر، وهي في ذلك إنما تسمو على مستواها البشري لتصل إلى حد خرافي، خرافي كخرافية الإلهة نفسه، تسمو فتصبح هي الأقرب إليه، وعندها لا تضير أن تتسامر معه لا أن تناجيه، فيكون مستوى الحديث أقل قداسة كما في قولها:

    في صباح، أي صباح
    تأخذ الشاي بالحبهان على موائد من أخذتهم
    (قوتهم المرة تنز حقول قمصانهم)
    هاك فنجاناًً لا يضر

    وفي الحقيقة فإن الكلام عن قداسة المجردات والمتداولات في الشعر أو في الأدب عموماً فهو كلام يطول شرحه والحديث عنه، كذلك فإن الكلام عن الأدب الملتزم وعكسه، وهنا أرى أن إيراد ما قلته من قبل في حواره أجرته معي الأديبة والناقدة ريم بدر الدين البزال حول هذه النقطة ضرورة لا بد من المرور عليها، إذ قلت في إجابة على سؤالها: "في رأيي لا يوجد شعر ملتزم وآخر غير ملتزم. إذ لا يمكن وضع معيار لما هو ملتزم وما هو غير ملتزم. فالالتزام معيار ذاتي جداً يرتبط ببيئة وثقافة الشخص نفسه سواء المتلقي أو الشاعر على حدٍ سواء. وفي حين يرى الكثيرون أن قصيدة مثل قصيدة "الأميّات" للشاعر المصري نجيب سرور قصيدة سيئة إلا أنني لا أجدها كذلك، وبالتأكيد فإنه نفسه لم يكن يجدها كذلك، بل أن بعض النقاد ذهب إلى تصنيف القصيدة على أنها قصيدة ثورية. وهكذا يصبح وضع معيار للأخلاقي واللاأخلاقي في النصوص الأدبية هو أمر صعب بل غير محبّذ على الإطلاق لأنه يخنق الإبداع. فللأدب مطلق الحرية في تناول أي موضوع بأية طريقة طالما أن المبدأ الإنساني يُتيح لنا حرية التعبير عما نراه وما نؤمن به. فيتناول الجنس كما يشاء ويتناول الدين كما يشاء ويتناول القضايا المجتمعية كما يشاء والقضايا السياسية كما يشاء وهكذا. وربما كانت رواية "شيفرة دافنشي" للقاص الأمريكي دان براون أكبر دليل على ذلك. فهو رغم أنه مسيحي، إلا أن مسيحيته لم تمنعه من الخوض في تفاصيل تراها الكنيسة على أنها هرطقات. لا ينفع أبداً أن يتم حبس الأدب تحت أي شعار سواء كانت هذه الشعارات دينية أم أخلاقية أم غيرها. وإلا فسوف يفقد الأدب معناه والشعر جنس أدبي بلا شك ينطبق عليه الشيء ذاته."

    لا شك أن نص سارة حسبو يتناول جانباً فلسفياً هاماً ينتقل بنا بين ما هو أخلاقي وما هو غير أخلاقي، وللخوض في هذه التفصيلة فلا بد أن نعود إلى السؤال الأكثر وجوباً (ما هي الأخلاق؟) ومن قبل فإنني أجبت على هذا التساؤل وعدة تساؤلات فلسفية في ذات الحوار الوارد جزء منه أعلاه، وأرى أنه من الضروري طرح كل ما قيل حول هذه النقطة هنا كذلك، لأن الأمر أراه وثيق الصلة بنصوص سارة حسبو، فقد قلت: "فيما يتعلق بالأسئلة الفلسفية الرائعة التي طرحتها فهي كلها تستدعي بعضها وتلتف حول بكرة واحدة. ولنبدأ بسؤالك حول ما هو صحيح وما هو غير صحيح. في البدء علينا أن نعرف ما هي "القِيم" وكيف تتشكل هذه القيم؟ إن الخوض في قضايا الوجود بشكل عام تتطلب توفر حد أدنى من المعرفة بالكون والطبيعة. وتكون هذه المعرفة هي المادة الأساسية للتأملات الفلسفية ومنذ بدء الخليقة بدأت تتجمع في ذاكرة البشر المشاهدات المنفردة الخاصة ببعض الظواهر الكونية مثلاً كالفصول الأربعة وفيضان الأنهار وكسوف الشمس ... إلخ. وبناء على هذه المشاهدات كان الإنسان يضع لهذه الظواهر التخمينات التي يراها مناسبها حول نشوء هذه الظواهر وعلل نشوء الحياة والطبيعة وبدأت هذه التأملات الفلسفية تقود الإنسان إلى السؤال حول بداية الكون والإنسان ونحوه. ولكن الإنسان الأول ظل لفترة طويلة عاجزاً عن تعميم هذه المشاهدات المنفردة لأن عقله لم يكن مهيئاً لوضع تصورات عامة عن الأشياء ولم يكن بالتالي قادراً على التجرد من الخصوصيات الجزئية. فنحن مثلاً نعرف أن "الخير" من المجردات أي أنه مفهوم عام تم تكوينه نتيجة تعرفنا على كثير من الأناس الخيّرين وعلى العديد من التصرفات الخيّرة الملموسة.

    وحين نصوع هذا المفهوم نكون وكأننا تجردنا عن جوانبه الثانوية غير الهامة وأبرزنا الأمر الأساسي فيه. إذاً فلا وجود للخير أو حتى أي من المجردات في هيئة كائن عياني ملموس فالخير والشر مجرد جانبين أو صفتين لأناس عيانيين ولتصرفاتهم الملموسة. ولكن الإنسان الأول لم يكن بوسعه التجرّد أو الابتعاد عن تصّور هذه المجردات بمعزل عن التمثيل العياني لها فكانوا يصوّرون الخير والشر في هيئات وأشكال عيانية. وعندما نرجع إلى أسطورة باندورا نجد هذا التمثيل العياني لمجردة مثل الشر. فتقول الأسطورة أن أبيماتوس كان يحتفظ في بيته بالشر في آنية ويحكم إغلاق الآنية، حتى دفع الفضول زوجته باندورا إلى فتح الآنية التي انكسرت من يدها وانتشر الشر في كل الأرجاء وبهذا ظهر الشر في العالم. ونفس هذا التصور العياني للمجردات نجده موجودة في معظم الشعوب والثقافات القديمة، فشعب أشانتا مثلاً كان له تصور عياني للحكمة حيث تحكي أسطورتهم أن العنكبوتة أنانسي كانت تطوف المعمورة بحثاً عن حبوب الحكمة وكانت تجمعها في إناء أيضاً حتى امتلأت الآنية عن آخرها وفي يوم ما عندما غضبت على ابنها أمسكت بالآنية ورمته بها فوقعت الآنية وانكسرت وتناثرت حبوب الحكمة في كل مكان وبدأ الناس يأخذون منها ومن لم يأخذ منها ظل جاهلاً بقية عمره.

    ولحقب زمنية طويلة جداً لم تكن لغة البشر تعرف كلمة تدل على السمات العامة المشتركة بين الأشياء وعمليات العالم المحيط ، فبعض الشعوب لم تكن لديهم كلمة "قتل" كما أن هنالك شعوب لم تعرف كلمة "كذب" أريد أن أقول في النهاية أن ملكة التعميم تتطلب القدرة على فرز الضروري عن العرضي وفصل السبب عن النتيجة وهذه الملكة نفسها لم تتكون دفعة واحدة. فالإنسان البدائي كان يرى التشابه بين الأشياء أو الظواهر كان يخلص إلى الاستنتاج بأن ثمة صلة وثيقة بينها. فمثلاً بعض قبائل الهنود الحمر كانوا يعتقدون أن النساء فقط من يجب أن يشتغلوا في البذار فبما أن المرأة تلد فإن الأرض تعطي محصولاً جيداً إذا كانت يد المرأة هي التي تنثر البذور وإلى اليوم هنالك قبائل أفريقية تعتقد أن عقم المرأة يستدعي عقم الأرض. ولم يكن الإنسان الأول قادراً على أن يفصل نفسه عن الطبيعة وكان ينظر إلى الطبيعة ذاتها على أنها مسكونة بكائنات شبيهة بالبشر تحمي الماء والنار والهواء والتراب وغيرها. وثمة بقايا من هذا اللون من أنسنة الطبيعة لدى بعض القبائل الأفريقية إذ يتصورون العالم كله في هيئة كائنات يسمونها "جوكات" والجوك في ثقافتهم كائن ملموس تماماً حتى أنهم يذهبون إلى أن الإنسان عندما يموت فإنه يصبح جوكاً هو الآخر. كل الشعوب بلا استثناء مرّت بهذه المرحلة من التطور التي تتسم ببدائية أدوات العمل فقط كان الإنسان البدائي ينفق ساعات طويلة من العمل المضني والشاق ليحصل على قوته. وكانت حياته رهناً بالطبيعة وأهوائها. ولذا فقد كانت الأرواح التي اخترعها الفكر البدائي ذات هدف عملي فكان بالإمكان أن يطلب منها فعل شيء نافع. ولذا راح الإنسان البدائي يصوّر الغابات والحقول والأنهار على أنها مسكونة بما لا حصر له من عرائس الغابات كما في الفكر اليوناني الديم أو العفاريات وبنات البحر كما في الفكر الروسي أو حتى الجوكات في الفكر الأفريقي.

    لذا فقد كان عجز الإنسان في مواجهة قوى الطبيعة وغياب المعارف والمؤهلات والخبرة وراء ظهور الفكر البدائي أما السعي للإبقاء عليه في أيامنا هذه فهو يعني إعاقة تطور الثقافة ومسيرة التقدم. وبالتالي فإن القيم والموروثات تظهر في شكل اتفاق جمعي بين مجموعة من البشر يحملون فكراً ووعياً مشتركاً وتكون هذه القيم الجمعية قيماً ملزمة للمجموعة وبهذه الطريقة تنشأ المبادئ والقيم ، وهي بالتالي تتطور بناء على تطور العلم وتقدم الإنسان المستمر. وتختلف هذه القيم باختلاف المجتمعات البشرية ومدى وعيها وتطورها وتقدمها، وبالتالي فإنه لا يمكن القول بأن هنالك عمل أخلاقي وآخر غير أخلاقي حتى المستوى الأدنى منه إلا في إطار المجتمع المحدد وما يتفق عليه من أعمال خيّرة وأخرى شريرة.

    ولا توجد حقيقة مطلقة أبداً فالكون بكل محتوياته من إنسان وكائنات وطبيعة وقوانين وعلوم متغيّرة ومتجددة ومتطورة، وربما لفترة طويلة كان يقال أن الموت هي الحقيقة الوحيدة ، وحتى هذا أصبح مع العلم وتطورّه أمراً مشكوكاً فيه، فما الموت إلا حياة أخرى لها قوانينها ونظامها الذي يختلف عما هو قوانين وأنظمة عالمنا هذا وبالتالي أصبح الموت نفسه ليس حقيقة مطلقة إلا إذا كنا نقصد الموت كفعل وليس كنتيجة أو مرحلة. أما المعرفة فهي منظومة الوعي القادم إلينا من خبرات جمعية سابقة بذل فيها الأولون الكثير والكثير من الوقت والجهد والمعاناة ربما حتى تصل إلينا وننعم بها. وما المعرفة إلى نتيجة لحاجة الإنسان لها والتي كانت في بداية ناتجة عن خوفه من الطبيعة ولا تتأتى هذه المعرفة إلى عند طريق البحث والتساؤل المستمر وإن توقف الإنسان يوماً عن التساؤل والبحث فإننا سنصبح بلا معرفة ويمكن أن نشبّه المعرفة وعملية البحث عنها بالآيسكريم التي تحتوي على طبقات من الفاكهة فكلما أكل الإنسان طبقة ظهرت له طبقة جديدة وكلما أكلها ظهرت له الطبقة التي بعدها وهكذا، وإن توقف الإنسان في أكله أو بحثه عند طبقة معينة فإنه لن يكتشف الطبقة التي تليها حتى وإن كانت ألذ وأطيب من الطبقة السابقة لها. ولا حدود للمعرفة أبداً لأن هذا الكون مليء بالأسرار ومغرٍ للتساؤل والبحث. وغريزة الفضول لدى الإنسان هي التي تدفعه للبحث ولمواصلته، فبينما هنالك أناس يخترعون أجهزة تمّكنهم من الغوص لمسافات أعمق داخل المحيطات لكشف أسرارها ، هنالك آخرون يحاولون الوصول إلى أبعد كوكب يمكن أن يصل إليه الإنسان بل ويبحثون عن إمكانية وجود حية عليها.

    لذا فإن لا حدود أبداً للمعرفة والعلاقة بين الإنسان والمعرفة هي علاقة طردية كلما توهم الإنسان أنه بلغ حدّه في المعرفة اكتشف بأنه لم يزل أمامه الكثير للبحث والاستزادة من المعرفة. وفي الحقيقة فإن حقيقة (أن لا شيء مطلق) هي الحقيقة الكاملة في نظري لأنها تفتح للإنسان آفاقاً من المعرفة وللبحث الدائم والمتواصل لأنه عندما يضع هذه الحقيقة في حسبانه فإنه يظل في عملية بحث دائمة وهي التي تجعله في كل مرة يكتشف ويعرف أكثر وأكثر، فبينما اكتشف الإنسان الأول أن الأرض مسطحة وبُنيت على هذه الحقيقة علوم ومعارف كثيرة ، جاء الاكتشاف الثاني الأكثر خطورة أنها ليست منبسطة بل وأنها تدور وبنيت على هذه الحقيقة علوم جاءت بما هو أعجب بكثير من ذلك، وبالتالي فإن كل علم او حقيقة تأتي تؤدي بنا إلى ما يليها من علوم وأسرار واكتشافات أقرب إلى الدقة ، ولكنها كلها تظل عاجزة عن الكمال لأن الكمال يعني نهاية البحث والمعرفة. وبالتالي يمكننا القول باطمئنان أنه لا يمكن البرهنة على أي شيء حتى الحقائق المؤكدة فطالما أن الإنسان ما يزال في بحثه فهذا يعني أننا لم نصل بعد إلى الحقيقة الكاملة بعد. أما الحديث عن "العالم الخارجي" فقد نجد فيما قلت عن عجز الإنسان الأول لفصل نفسه عن الواقع أو عن الطبيعة لخوفه من مواجهة الطبيعة أو عجزه عن وضع تصورات مجرّدة للأشياء إجابة عن ذلك، فالعالم الخارجي هو من وحي خيال الإنسان وبالتالي فإنه كان ولا زال يوعز كل ما يخشاه وما يخاف منه وما يعجز عن إيجاد إجابات عنه بالقوى الخفية والقوى العظمى والفوقية وما إلى ذلك من النعوت والأوصاف التي أطلقها عليه هو بنفسه.

    أما عن سؤالك المتعلّق بالأشياء الموجودة فعلاً وطبيعتها وعن علاقة العقل بالجسم، فهذا موضوع طويل جداً ، وهو في أساسه كان المسألة الفلسفية التي شغلت الفلاسفة منذ زمنٍ طويل. والمسألة الفلسفية الأساسية هي مسألة العلاقة بين الروح والطبيعة أو بلغة الفلسفة العلاقة بين (الوعي) و (الوجود) فمن ظهر أولاً الوعي أم الوجود؟ وهل بوسع الوعي أن يوجد بحد ذاته خارج الدماغ البشري؟ وهل يمكن للطبيعة أن توجد بدون تدخل مبدأ روحي ما؟ يقول كانط أن أحد أهم الأسئلة التي يجب على الإنسان طرحها هي ( ماذا عليّ أن أفعل؟) وبعبارة أخرى ما هي القواعد والمعايير التي ينبغي أن يسترشد بها الإنسان في حياته ويكون من واجبه اتباعها؟ إذاً فهو يتكلم عن مسألة السلوك الأخلاقي للإنسان ولكن لكي يفهم الإنسان كيف ينبغي أن يتصرف لا بد أولاً من إدراك ما هي الأخلاق، ولم يدافع الإنسان مثلاً عن شرفه وكرامته ويلبي نداء ضميره ويؤدي واجبه. ولو لاحظتِ فإن هذه النقطة مرتبطة بالسؤال السابق لك عن القيم وكيفية تكوّنها.

    ولدى الإجابة عن هذه الأسئلة يترتب علينا بالتأكيد تفسير كيف ولماذا ظهرت عند الإنسان مشاعر الواجب والعدالة والخير والشرف .... إلخ. فهل جاءت من ظروف حياتنا وبصورة مستقلة عن رغبتنا ووعينا وإرادتنا؟ أم أنها ثمرة اتفاق واعٍ بين الناس؟ وأخيراً فهل هذه الأحاسيس الأخلاقية ذات منشأ غيبي رباني؟ وهكذا نجد أننا رجعنا مجدداً إلى مسألة العلاقة بين الوعي والوجود ولذا فإن هذه المسألة هي أعم مسائل الفلسفة ويتعذر بدون حلها الاشتغال بحل المسائل الخاصة والجزئية. ولكن هل يعني هذا أن الفلاسفة على مرّ العصور قد اقتصروا على الاشتغال بهذه المسألة الأساسية فقط؟ إذا التفتنا إلى مختلف التيارات والمدارس والنظريات السالفة منها والحاضرة رأينا بعضاً منها يدرس عملية المعرفة العلمية وآخر يعنى بمشكلة الحرية البشرية ويكرس طرف ثالث كل حياته لاثبات وجود الله وثمة طرف رابع يشتغل بقضية تنشئة الإنسان وهنالك من ينصرف إلى الفن ويصوّره الموضوع الوحيد الجدير بالاهتمام. ولكن الفلاسفة وإن كانوا ينطلقون من مواقع مختلفة ويشتغلون بمشكلات متباينة فإنه يلتقون بطريقة أو بأخرى حول مشكلة محورة ألا وهي علاقة الإنسان بالعالم (الروح بالطبيعة) وليست الفلسفة فقط من تبحث عن إجابة لأسبقية الوعي والوجود بل حتى العالم الذي يعمل لحل مشكلة عملية معقدة كالوقوف على لغز جديد من ألغاز الكون كاكتشاف نجم جديد مثلاً يكون على قناعة بأن هذا النجم ليس ثمرة خياله وإنما يتواجد فعلياً بصورة مستقلة عن الوعي أي بصورة موضوعية ولو كانت قناعته مغايرة لذلك لما شرع بتحضير الأجهزة المعقدة التي تساعده في دراسة مواقع الأجرام السماوية ولاكتفى بخياله.

    وهكذا يشكل حل المسألة الفلسفية الأساسية مقدمة هامة لأي بحث علمي. وكذلك الفنان حين يرسم لوحة واقعية لحياة أناس ملموسين أو يطبع حشداً من الخطوط والبقع اللونية يحل هو الآخر المسألة الفلسفة الأساسية ففي الحالة الأولى ينظر إلى العالم الواقعي المحيط به على أنه مصدر إبداعه أما في الحالة الثانية فيعتقد أن الشيء الوحيد الجدير بالتصوير هو حياته الداخلية: مزاجه وعواطفه التي هي غير مرتبطة بعالم الأشياء الواقعية. واعتماداً على الأبحاث المعاصرة يمكن القول أن نفسية الإنسان والحيوان لا يمكن أن تقوم بحد ذاتها وأنها مرتبطة بالعمليات الجارية في الدماغ وهذا في حدّ ذاته ربط بين الوعي والوجود على صعيدٍ آخر. فقد بيّنت تجار ديلغادو أنه بواسطة زراعة الالكترودات في دماغ الإنسان يمكن مساعدة الذاكرة على استعادة أمور منسية أو استثارة أحاسيس معينة او هلوسات عديدة وثمة ارتباط وثيق بين مضمون أفكارنا ومشاعرنا وبين الواقع المحيط فكل ما يشكل عالمنا الروحي إنما يتكوّن نتيجة التجربة والخبرة بفضل الاحتكاك مع العالم الخارجي وكما برهن علماء النفس فإنه حتى الأحلام مهما بلغت من الخيال فهي إنما تضرب في الحياة الواقعية. وبالتالي يمكننا القول أن الوجود أسبق من الوعي .

    ورغم نجاحات الممارسة البشرية التي أكدت أسبقية المادة أو الوجود على الوعي فإنه لا تزال تصادق إجابات معاكسة على هذه المسألة تتناقض مع الإنجازات العلمية ولكنها تستجيب لمصالح اجتماعية معينة. ولهذا يجب العودة دائماً إلى المسألة الفلسفية الأساسية والبرهان مجدداً وتبعاً لانقسام الفلاسفة إلى مؤيدين لأسبقية الوعي على الوجود أو العكس فإن الفلسفة انقسمت إلى شقين أساسيين هما : المادية والمثالية. وباختصار فالماديون هم الذين يرون أن الوجود أسبق على الوعي ، والمثاليون هم الذين يرون العكس ويبررون كل الموجودات ويوعزونها إلى قوى فوق طبيعية يسمّونها العلّة الأولى وهو الله. وهنا تأتي الإجابة على جانب من سؤالك حول وجود الله. وفي الحقيقة فإن ثمة ثلاثة مواقف متباينة من الله أو من وجوده ، فهنالك الملحدون الماديون الذين يقولون أن الله غير موجود ويقدّمون دلائل على صحة زعمهم، وهنالك المؤمنون الذين يؤكدون وجود الله ولهم ادلتهم التي تدعم إدعائهم هذا. هنالك قسم اللاأدريون وهم يقفون موقفاً وسطياً بين الشك القاطع واليقين القاطع وهم حائرون بين أدلة النفي وأدلة الإثبات. والبحث عن الله من أقدم المباحث البشرية التي عرفها الإنسان فقد كان البحث عن الله من أولويات الإنسان منذ قديم الزمان.

    فأما الذين يقولون بوجود الله فهم لا يتجرأون على تقديم دليل مادي على وجوده لأنه غير مادي أصلاً وهم بذلك يقدمون أدلة غير مادية وهو الشيء الذي يرفضه الماديون تماماً. ومن الأدلة التي يقدمها هؤلاء: وجود الكون نفسه لأن لكل حادث محدث فهم يرون أن الكون ناتج عن قوى أقوى وأسبق وهذا يتطلب بالضرورة الاعتقاد بأن العلّة السابقة للكون لها وجود واقعي لا سيما إذا كان الكون لا أزلياً وهم يرون في نظام الكون الدقيق أصدق دليل وبرهان على وجود خالق وإله منظّم لهذا الكون، فقد يعترفون بأن الكون نشأ عن لا شيء ، ولكن كيف يمكن لهذا اللاشيء أن يخلق كوناً منظماً ودقيقاً بهذه الصورة؟ فهو بذلك يتصورون وجود علّة أولى عاقلة ومنظّمة للكون. كما يعتمدون على الغرض الحقيقي من وجود الإنسان في هذه الحياة إلى أن الحكمة تقتضي عدالة الجزاء والثواب ويرون في ذلك دليلاً آخر على وجود الله. وباختصار فإن أغلب المؤمنين بوجود الله لا يملكون دليلاً مادياً واحداً على وجوده وإنما يقدمون أدلة عاطفية لا أكثر على هذا الوجود بل أن بعضهم ينصح بضرورة الجزم العمياني بمسألة وجود الله هذه لأن هذا من أصل الإيمان ولقد اجتهد البعض في إثبات وجود الله في نظريات لا صلة لها بالنظرية بمعناها العلمي أبداً ومنها النظرية الأخلاقية والنظرية الكونية وغيرها من النظريات. بينما يذهب الملحدون الماديون على أن الله ما هو إلا اختراع بشري لحوجته الدائمة لوجود علّة كبرى فوقية يلجأ إليها لضعفه في مواجهة قوى الطبيعة وإنه ينزع دائماً إلى الاعتقاد بالأشياء غير الموجودة واعتبارها أكثر قوة وأكبر دراية فهو ومنذ عصور سحيقة جداً يؤمن بوجود مخلوقات غير مرئية كانت هي السبب في المصائب التي تحل على البشرية وفي ذات الوقت كانت هي السبب في إصابتها بالرخاء وما ذلك إلا لارتباط المصائب والرخاء بالحالات المزاجية لهذا الإله، وهم بفهمهم البدائي حاولوا ربط هذه المزاجية بما يقومون به من أعمال ففسر بعضهم أن ما يحدث من مصائب هو غضب من الرب على فئة من الناس لأنهم يفعلون الموبقات والعكس كان صحيحاً لذا فقد بدأوا يتقربون إلى هذا الله غير المرئي بالقرابين والأعمال الصالحة، ومن هنا نشأت الجماعات التي بدأت تتخصص في التعامل مع الله ومعرفة ما يرضيه وما يغضبه وهم رجال الدين ومع مرور الزمن اكتسب هؤلاء قدسيتهم من ارتباطهم بالله وبالتالي أصبحت لهم سيطرة على الناس وبدأوا يسنون الشرائع التي يرون أنها تقرّب إلى الله فيأمرون بها ويحرّمون المنكرات التي يرون أنها تغضب الله. ولقد كان الإنسان القديم أكثر دقة في وصف إلهه الذي يؤمن به قد جعل إلهاً للخصب وإلهاً للحرب وإلهاً للبحر وآخر للمطر وآخر للحقل وآخر للحب .... إلخ حتى استطاع أن يجمع هؤلاء الآلهات في إله واحدٍ تجتمع فيه القدرات الخارقة من خصب وخير وشر وقوة ولين وعطف ورحمة وعقاب ..... إلخ.

    وعليه فإن الملحدون يرون أن الله ما هو إلا اختراع بشري كان لا بد له لأنه دائماً وأبداً بحاجة إلى أن يحس به. والصحيح في نظري ان الله موجود وجوداً منطقياً لا يمكن معه إثبات وجوده من عدمه. ويقدم البعض أدلة وهمية لإثبات وجود الله وذلك بتلفيق بعض القصص والتي ما نزال نراها حتى هذه الأيام كالسمكة التي تحتوي على كلمة التوحيد والشجر الراكع والأشجار التي تشكل كلمة التوحيد والسحاب الذي يشكل لفظ الجلالة في السماء والصورة التي ألتقطت للشمس ويظهر فيها اسم الله وغير ذلك من الخزعبلات التي أثبت آخرون أنها ملفقة وهي تعكس ميل الإنسان للخرافة وولعه بذلك وهم بذلك يثبتون العكس من حيث لا يدرون. والله في فكر المؤمنين بوجوده مسبوغ عليه صفات لا يمكن حصرها ومن تلك الصفات أنه لا يمكن وصفه ولا يمكن تخيّله ولا يمكن حدّه وهم بذلك يحاولون وضع حدود لأسئلة من قد يتساءلون عنه بوضع موانع للخوض في هذا الموضوع. والبعض الآخر يرون أن الخوض في ذات الله أمر لا يُستهان به ويستنكرونه مضفين على الأمر قدسية لا يمكن تجاوزها وذلك بالتقليل من شأن العقل الذي هو ميزة الإنسان الأولى والأعظم. ويبقى الأمر مثاراً للجدل مثله مثل المسألة الفلسفية ( الوعي – الوجود) أيهما أسبق. أما سؤالك عن العقل فأعتقد أن العمل الحديث قد قدّم إجابات شافية حول الدماغ وعمله وآلية أو مكانيكية عمل الدماغ وبالتالي لم يعد العقل أو العمليات العقلية لغزاً كما في الماضي بل أصبح بمقدورنا التحكم بهذه العمليات العقلية وفي أحيان كثيرة توجيه هذه المقدرات والعمليات."

    الله في نصوص سارة حسبو، ما هو إلا فكرة للإله الذي تريده ، بغض النظر عن ماهية الإله الحقيقي الموجود في أخيلة المتدينين، هي إنما تحاول أن تصوغ في نصوص نسقاً من العلاقة تنتفي فيه القداسة ليس بدافع إجرامي، إنما بدافع المحبة لا غير. وأرى أنها أجادت كثيراً في مناجاتها تلك في تقديم صورة من العلاقة غير ذات الإطار التقليدي، وهذا بالضبط ما تريد الوصول إليه.
                  

العنوان الكاتب Date
دراسة نقدية في شعر سارة حسبو هشام آدم06-09-08, 03:28 PM
  Re: دراسة نقدية في شعر سارة حسبو هشام آدم06-09-08, 03:34 PM
    Re: دراسة نقدية في شعر سارة حسبو هشام آدم06-09-08, 03:38 PM
      Re: دراسة نقدية في شعر سارة حسبو هشام آدم06-09-08, 03:56 PM
        Re: دراسة نقدية في شعر سارة حسبو هشام آدم06-10-08, 09:48 AM
          Re: دراسة نقدية في شعر سارة حسبو هشام آدم06-10-08, 09:51 AM
            Re: دراسة نقدية في شعر سارة حسبو هشام آدم06-10-08, 09:53 AM
  Re: دراسة نقدية في شعر سارة حسبو Osama Mohammed06-10-08, 10:15 AM
    Re: دراسة نقدية في شعر سارة حسبو معتصم محمد صالح06-10-08, 10:34 AM
    Re: دراسة نقدية في شعر سارة حسبو هشام آدم06-10-08, 11:04 AM
      Re: دراسة نقدية في شعر سارة حسبو هشام آدم06-10-08, 01:10 PM
        Re: دراسة نقدية في شعر سارة حسبو هشام آدم06-12-08, 06:31 AM
          Re: دراسة نقدية في شعر سارة حسبو هشام آدم06-12-08, 06:34 AM
            Re: دراسة نقدية في شعر سارة حسبو هشام آدم06-12-08, 06:41 AM
  Re: دراسة نقدية في شعر سارة حسبو zumrawi06-12-08, 07:47 AM
    Re: دراسة نقدية في شعر سارة حسبو هشام آدم06-12-08, 08:27 AM
  Re: دراسة نقدية في شعر سارة حسبو محمَّد زين الشفيع أحمد06-12-08, 08:07 AM
    Re: دراسة نقدية في شعر سارة حسبو هشام آدم06-12-08, 09:13 AM
  Re: دراسة نقدية في شعر سارة حسبو NGABY AJOOZ06-12-08, 09:18 AM
    Re: دراسة نقدية في شعر سارة حسبو هشام آدم06-12-08, 11:34 AM
      Re: دراسة نقدية في شعر سارة حسبو هشام آدم06-16-08, 08:27 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de