أقسم بالله غير حانث، أنه إذا قدر لى أن أحكم السودان، عبر حزب وفى ظل ديمقراطية منتخبة، أن أسعى بكل قوة لحل القوات المسلحة السودانية، وأن أحيل القيادة العامة الى حديقة مفتوحة على غرار حديقة "هايد بارك". فتلك المؤسسة الاستهلاكية لم يجن منها الشعب السوداني إلاّ الخراب والدمار، برغم أن من أوجب واجباتها حماية الدستور، وصوّن أراضى الوطن. إلا أنها تمكنت وفى إغفاءة من الزمن أن تقوض الدستور وتثير الحرب ضد الدولة ثلاثة مرات فى نوفمبر 58 ومايو 69 ويونيو 89. كيف يستقيم عقلاً، أن يدفع الشعب السودانى من حر ماله لتعليم نفر من أبنائه، ليصيروا ضباطاً وجنوداً فى القوات المسلحة، ولشراء عتادهم الحربي ليحموا به الدستور ويصونوا تراب الوطن ووحدة أراضيه، فإذا بهم يستعملون هذا العتاد لتقويض الدستور، وإثارة الحرب ضد الدولة وتقتيل شعبها. لقد قتلت القوات المسلحة السودانية من الشعب السودانى ما يفوق جميع من لاقوا حتفهم فى ظل الاستعمار بما فيهم شهداء كرري. وتتفوق "الإنقاذ" كثيراً على الجميع بأنها صاحبة الرقم القياسى فى ذلك. فقد غررت بالآلاف وساقتهم للموت فى جنوب الوطن دفاعاً عن مشروع وهمي. هذا غير عشرات الألوف الذين أبادتهم وما تزال، فى دارفور. ولنترحم على من دفنتهم أحياء فى رمضان 90، والإيفاع عن الذين غدرت بهم صباح العيد فى كجبار وأمرى وبورتسودان و"القائمة" تطول. إن الغالبية العظمى من الذين يدخلون الكلية الحربية، يضعون نصب أعينهم حكم السودان، حالما يصلون الى رتبة معينة. فعلى الذين يتولون أمر الكلية الحربية، أن يعيدوا النظر فى المناهج والعلوم التى تُدرس بها، وأن يركزوا على قضية مهمة بل وبالغة الأهمية، وهى أن الضباط لم يخلقوا أساساً لحكم الشعوب، وأن الديمقراطية هى أنسب الصيغ لسياسة الشعوب، وعليهم أن يركزوا كثيراًعلى مناهج تشرح الدساتير وتؤكد على إحترامها وعدم السعى لتقويضها. عليهم أن لا يركزوا كثيراً فى "البيادة" و "ظفر مجرى الفشنك" و"التِتِك" و" الحزية" و "نيشان كراع كديس"، فتلك أشياء يتعلمها الطالب الحربى فى فترة أقصاها إسبوع. ولكن عليهم يجهزوا رجال ليحمونا ويحموا دستورناـ لا ليقتلونا ويشردونا فى منافى الدنيا. وإذا كانت أمور الحرب لا تُترك للعساكرـ فكم بالحرى الحكم وسياسة الناس، وكيف يستقيم عقلاً أن يكون لدى القوات المسلحة فرعاً للقضاء، فرغم جهلى التام بالقانون والقوانين الاّ أنه من وجهة نظرى المتواضعة، أعتقد أن القانون لا يتجزأ، وأن يترك القضاء العسكرى ليحكم فى بعض الأشياء البسيطة كألتاخير فى المواعيد أوعدم إداء التحيةالعسكرية. ولكى أكون أكثر تحديداً، فلا يجب ترك الأحكام التى تصل الى السجن والإعدام فى أيدى ضباط القضاء العسكرى. والحقيقة أن هذا الفرع من القوات المسلحة يلمع نجمه فقط عند حدوث إنقلاب عسكرى، فى ظل نظام عسكرى قائم، عندها يمكن أن نسميه بلا مواربة القضاء الإنتقامى. لأن السلطة القائمة تعهد اليه أو توجهه لإصدار العقوبات اللازمة لقطع دابر كل من تسول له نفسه إنتزاع سلطتها، التى إنتزعتها بليل. ولنا فى ذلك تجارب مريرة، لايمكنأن ينساها الشعب السودانى، ومجزرة الشجرة 71 تقف شاهداً على تلك البشاعة. ولم يقتصر الأمر على العسكريين بل تعداهم الى المدنين، ونجوم تلك المجزرة،"غفر الله لهم"، العميد احمد محمد الحسن، والمقدم صلاح عبد العال، و"زميل كلية الحرب العليا" عبد الوهاب البكرى. وهذا الأخير ظل مطموساً طوال أكثر من ثلاثة عقود من الزمن، لم يكن يعرفه سوى من تابعوا هذه المجزرة، عن كثب. ولكنه وبلا ذرة من ضمير يخرج علينا بالكفر بعد صمت السنين، ويقول بأنه كان راضياً كل الرضا عن دوره فى تلك المجزرة. أما الإنقاذ فقد تجاوزت مايو ولم تمنح كل ضباط رمضان 1990 سوى ثلاثة دقائق بعدها كان سعيد الحظ من قتله الرصاص العشوائى، قبل أن يُهال التراب على بعض الأحياء منهم. ولأن شر البلية ما يضحك، فقد سألت "مجلة اليمامة" العميد عمر البشير فى أوائل انقلابه المشئوم، عن مدى تعاطفهم مع مدبري إنقلاب مايو بعد أن أطلقت "الإنقاذ" سراحهم. وحقاً كان البشير منطقيا فى لامنطقيته لأنه قال أنه وجّه بإطلاق سراحهم إذا لم يكونوا متهمين فى موادٍ، ذكر أرقامها. وياللهول فقد كانت هذه المواد (تقويض الدستور و إثارة الحرب ضد الدولة)، لأن مدبرى إنقلاب يونيو فعلوا نفس الشئ. نادر فايز بخيت
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة