|
|
 Re: المؤتمر العلمى الخامس للروايه السودانيه.. = عالم على الرفاعى الروائى (Re: salah awad allah)
|
ثم نتابع.... : -
" لكن صوت مدني أخرجه من تأملاته تلك" أما ظللت أقول لكم أن هذه الخواجيه تخفي سراً؟ هذه الخواجيه جاسوس يرفع تقاريره الى رئيسه؟ أين حمارتك ياقاسم يجب أن أبلغ الشرطة فوراً..." (ص 118).
وهنا تتصاعد الأحداث الى أعلى هرم الرواية باتجاه تتكشف فيه الفكرة الأساسية بل والمركزية التي تأسس عليها هرم الرواية وتبدأ الحكاية بالنمو على مستوي الفعل... أي الحدث وتتوالي *** تصاعد الفعل الدرامي لتتضح ماهية " الخواجيه/ جوهانا، والخواجه مستر نعمان حسون نعمان" بصورة أوضح في المشهد التالي:-
المأمون الى جوهانا:- حين كان المأمون يهذي تحت وطأة الملاريا ويرطن رطانه غير مفهومه، كان اسم أندرسون يتردد خلال رطانته بين الحين والآخر... ضحكت الخواجيه وقالت له:- مجرد هذيان ربما أندرسون أحد أصدقاء مستر نعمان" (ص123).
وفي المشهد السابق تلتقط هذا التصوير بإشاراته التي تؤول الى أحداث قادمة حول هوية "جوهانا و اندرسون"... كما يلي:-
المأمون:- هل تعرفين شخصاً يحمل أسم اندرسون؟
الخواجيه:- أندرسون!! لفظت الاسم وكأنها تلفظ عقرباً لسعتها في لسانها، لكنها على الرغم من ذلك تابعت حديثها:- ما أهمية أن أعرف... الى.. وضعت الخواجيه رأسها بين يديها" (ص123).
ومن السمات البارزة في "قبيلة من وراء خط الأفق" هو نمو وتصاعد بنائها الدرامي على أحداث غرائبيه نادرة الحدوث وارتباط نمو الحدث تصاعدياً تجاه الذروة.. قمة هرم النص.. بثنائيه (فرح + موت) كما في زواج الحجرة بت محمد صالح، وزواج العبيد ود النور وكذلك زواج التازي... لتحيل إلى الفرح الناقص والحزن الذي يأتي لكي لا تكتمل فرحة القرية...
وكذلك في المستوي الغرائبي كما بظهور التمساح المخنث صباح حضور الخواجه والخواجيه لقرية قوز قرافي المكان المركزي في النص والذي يبسط سلطته الحميمة على مناخات الرواية منه وإليه تبدأ وتنتهي الأحداث وتنمو الحكايات الصغيرة بسخريتها اللاذعة وتهكمها المر محشوة برؤى فلسفية تتناثر هنا وهناك من موقع النقد الرجوازي الذي يقدم مواقفه في كل شئ من موقعه التطهري كسمة من سمات التفكير البرجوازي الصغير والذي لا يقدم حلولاً بل تهكماً وسخرية من الواقع والماضي ونظره سوداوية إلى المستقبل!!؟؟
ومن الغرائبي كذلك أن يهطل المطر ليلة زفاف التازي!!
" بالله عليك هل رأيت قريباً مثل هذا اليوم ؟! سنوات والمطر لم ينزل بقوز قرافي وينزل اليوم.. يوم زواج التازي!" (ص124).
وفي ثنائية الزواج المتزامن مع الموت المتكررة.
" صمت الرعد قليلاً"
وتواصل الحديث بين العجوزين:-
- ولكن.. أتسمعين؟ ألا تسمعين زغاريد حزن ايضاً؟
- الجدران تغير الأصوات.
ولقد كانت هبة نسيم باردة كافيه لأنامة العجوزين، فلم تسمعا النبأ إلا في صباح اليوم التالي، فقبل زغاريد الحزن التي سمعتها إحدي العجوزين بلحظات، كان عبيد يضع إبنه في حجره ويضاحكه ، وبغتة جرى الطفل إلى أمه وهو يضحك (أمي.. أمي، أذهبي وانظري إلى أبي.. نام وهو يضحك معي)(ص125) ويسترسل الحكي ليتصاعد أعلى قمته في تراجيديا مفزعه:-
" وعندما وصلت الخواجيه إلى مكان عبيد، وجدته قد نام فعلاً.. نام نومه لا قومة بعدها.. أنامته السكتة القلبية، وعادت إلى قواعدها سالمة، لقد مات عبيد الذي تأخر زواجه كثيراً بسبب خوفه من إزعاج الأطفال.. مات وهو يلاعب طفلاً، لقد صمت في عروقه ضجيج الحياة وهو يلاعب طفلاً، هو الحياة، بكل ضجيجها رغماً عن أنفه وعن أنف الطفولة.. رغماً عن أنف ذكرياته الماضية كلها، لقد ووري عبيد التراب الندي، وفي نفس حاج الصافي نداء خفي:
(بالله عليك أنظر إلى قدرة الله! عبيد تزوج يوم وفاة عوض الكريم، ومات يوم زواج التازي! .." ص (125).
*ويتصاعد مد الأحداث في الرواية بإعلان مستر نعمان حسون نعمان نبش قبر أبيه حسون ود النعمان...
"هناك شخص تؤكدون أنه ميت ومدفون بجانبه تور القوز وأوكد أنا أنه حي.. أنا أيضاً في خطر، أن أريد تأكيد انتمائي.. أريد أثبات أن هنالك رجلاً واحد لشخصية حسون ود النعمان، الذي هو أبي ، والذي هو الآن من أعظم علماء الكيمياء والفيزياء في العالم ، ويعيش في لندن ، وليس مدفوناً بجبانة تور القوز ، قال الخواجه ذلك وخطف مجرفاً من الأرض ، وبدأ متأهباً للذهاب إلى المقابر" ص (132)
وتتعقد الأحداث في زروتها:
"متى إستلمت هذا الشريط يا مأمون: - إستلمته اليوم داخل طرد صغير مرسل بالبريد، عليه إسمي وعنواني بخط حسون ودا لنعمان نفسه، وعلى الطرد طوابع بريد إنجليزيه مختومه، وفجأة أصابت المامون حالة غريبه، إذا صار يضحك ثم يبكي...
المأمون: بل يسرد حسون، بكل تفصيل كيف هرب ليلة زفافه حين رأى قاريقا ترقد عريانة كالسمكة، فتمثلت أمامه صورة مارغريت وهي ترقد أيضاً عريانة كالسمكة، وقارن بينهما..." في تلك الليلة رحل حسون ، كما جاء بصوته ، من قوز قرافي" ص (137)
وتنتقل ليلى عبيد أو جوهانا ريد ومستر نعمان أي اندرسون بسبب تفاقم الحالة الصحية للخواجة عائدين إلى بلادهم مخلفين ورائهم قدر مهول من الأسئلة وتلال من علامات الاستفهام تدور وتدور في أذهان سكان قوز قرافي... حيث ينفتح لحظتها فضاء جديد ويرتحل المكان الى مكان مغاير يكاد أن يكون مسرحاً عادياً لأحداث لاحقة وليست له نفاذية وسلطة قوز قرافي بحميميته وثرثرته رغم تصحره وفقره وشحوبه..
* "حين بات السفر أمراً لا مناص منه بسبب حالة مستر نعمان، سافرا بالبصات...." (ص 141).
والرواية في خواتمها لا مناص لها غير أن تتعري بعد أن مارست توهاناً على القارئ يؤكد فكرة أن كاتبها له خيال لاحدود تحده وقدره فائقه في رسم مسار الأحداث وهكذا تكنيك لم يأت هنا بصفة مجانية ..وأنما نمو وتطور الأحداث فقط أتى هنا مغايراً لما رسمته "رواية الحقبة" في الذاكرة الجمعية للقارئ...
وبالتالي كانت قدرة المؤلف (على الرفاعي) في مواراه الأحداث في النص بالمستوى الذي لا يتمكن منه القارئ اقتراح نهايات بعينها للرواية وهنا تتجلى القدرة الإبداعية للمؤلف في تشيد عوالمه الروائية بعيداً عن جنوح خيال القارئ، وهذا امتياز إبداعي لا يتوفر إلاّ في قليل من الأقلام السائدة الآن التي تتعجل الإنتاج قبل إن تتشيد ذخيرتها المعرفية.....
وعليه تمكن المؤلف حتى من إخفاء شخصيات مركزية ظلت متوارية وهي تصنع الحدث كمستر مايكل حيث ذكرت جوهانا ريد في أول رسالة لها للمأمون بعد سفرها :-------------
(فالرجل صاحب عقلية من أكبر العقليات في أوربا، فهو طبيب بارع، لا تخلو مجلة أو نشرة طبية من أسمه...) ص 144
كما نطالع في رسالة (جوهانا) والذي أراد بها الكاتب نقد الراهن المحلي:
"أليس غريباً أن تأتي إنجليزية لتكتب سيرة أبن من دفن أحد أجدادها في طين جدول ساقية (حامد)...
هل تصدق يا مامون أن ارفع جائزه في الكيمياء في بريطانيا هي باسم حسون النعمان... الخ" (ص 148).
كما نطالع وفي الرسالة ذاتها التي وظفها المؤلف للكشف عن حقيقة مسار الأحداث وما يكتنفها من غموض..
"عند زيارة دكتور مايكل لقوز قرافي اتفقنا على كل ما يجب تسجيله على الشريط... الخ"
إن الخواتيم الصوفية ذات البعد الديني في الرواية مرتبطة مع تفسيرات لنظريات علمية أعطت النص مناخاً غير محايداً بما يحيل الخطاب الإبداعي الى خطاب رسالي لكننا لا نرى على المستوى الجمالي. اتجاه الى التقريرية أو المباشرة بل ظل السرد في ايقاعه وظلت اللغة في بساطتها.
دون إحتفاء بجماليات المفردة وان رافقتها احتفاء عال بالوصف وببراعة دقته مما أتاح للجمل الوصفية مساحة اكبر كما أشرنا في بداية تتبعنا للنص.الرواية...
و نطالع إلى أي مستوى وصلت الأحداث فيه إلى ذروتها :-
" فقد أجتمع البرلمان الأنجليزي وناقش مسألة دفن عظام حسون في إحدى مقابر العظماء ببريطانيا وكان أمام البرلمان اقتراحان:-
اقتراح يقضي بمنح حسون الجنسية الإنجليزية حتى يتسنى دفن عظامه في إحدى تلك المقابر، واقتراح يقضى بأن يكون حسون مزدوج الجنسية.. يحمل الجنسية الإنجليزية وفي نفس الوقت يحتفظ بجنسيته السودانية، لكن الحكومة الإنجليزية عقدت جلسة خاصة، وقررت بالإجماع منح حسونة الجنسية الإنجليزية، وإسقاط جنسيته السودانية عنه.. " ص (167)
عموماً كلما تؤول إليه أحداث الرواية يتمدد إلى رصيفتها الأخرى.. رواية "كي لا يستيقظ النمل" والتي تمثل الجزء الثاني من " قبيلة من وراء خط الأفق" حيث يمكننا أن نتنين الآتي:-
أن اللغة ظلت لغة مبسطة في مفردتها ولا يميل المؤلف إلى صنيعة الاحتفاء العالي بجماليات اللغة ولكنه يستخدم الجمل الوصفية بترف صارخ ويتميز الرفاعي بخلو قاموسه اللغوي من الأخطاء النحوية والإملائية رغم ما يعج به من مفردات غارقة في المحلية والبداوة وانه يتميز بقدره هائلة في دقة الوصف وبناء مشهد درامي يمكنه خلق الدهشة من دقة التصوير ومطلقاً طاقته الجبارة لخيال مدهش...
إنها الكتابه المسئولة والتي تعرف ماذا تريد وكيف ومتى..
إنه يببشر هنا بولادة عالم آخر عالم موازي للآخر الغربي ومعلناً قدوم جيل جديد للرواية السودانية يتميز بصرامة الحكي والخيال اللامتناهي واللغة الملتزمة بمحمولها وأهدافها الفكرية والمعرفية.
==============================================================================================
أنتهت
|
|
 
|
|
|
|
|
| |
salah awad allah
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست