(ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة)..

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-14-2024, 11:23 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-19-2008, 08:14 PM

Tragie Mustafa
<aTragie Mustafa
تاريخ التسجيل: 03-29-2005
مجموع المشاركات: 49964

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. (Re: Tragie Mustafa)

    Quote:
    1- موضوع الطاقات الثورية للفئات الوسطى في ظروف حرية السوق:

    للفئات الوسطى مجوعتين من المصالح الأساسية العامة والشخصية في ذات الآن تتمثل أولاً في مجموعة ضمانات حقوق العمل والأجور التي تكفل لها حياة كريمة تليق بإجتهادها في التعليم والتدريب وفي تقديم عمل أو خدمة مائزة لمجتمعها وتتمثل ثانياً في مجموعة ضمانات عامة لعيشها عيشاً كريماً مثل إستقرار الأسعار العام او توازن الأسعار والأجور، إضافة إلى حقوق التعبير والتنظيم والنشاط الضروري للدفاع أو حتى للهجوم لأجل تحقيق مصالحها.

    وككل الطبقات تحتوي الطبقة الوسطى على طاقات وعناصر محافظة، وطاقات وعناصر قلقة وتغييرية، وطاقات وعناصر ثورية، مثلها مثل طاقات وعناصر الطبقة الرأسمالية المالكة أوالمسيطرة على وسائل إنتاج المجتمع لضرورات عيشه وحياته، ومثلها تماماً مثل طاقات وعناصر الطبقة العاملة والكادحة و إن كانت الطبقة تفوقها بخمسة أحوال على الأقل في حيويتها الثورية .

    الظروف العامة لتحقق مصالح الطبقات والفئات والشرائح ونوعية التنظيم والتسييس وطبيعة نظم فعل ورد فعل كل من الدعاية الثورية والدعاية المضادة تلعب دوراً مهماً إما في تقوية عوامل الجسارة والإقدام والبذل والتضحية والمواجهة والفداء والتقدم والنجاح، أو في تقوية عوامل القعود والإحباط والإنقباض والإنكفاء والفشل الذريع في تغيير بعض النقاط الأولية او المتوسطة في نظام العمل والحياة.

    إن التعويل على وجود أو بقاء الطاقات الثورية في هذه الطبقة أوالفئة أو الشريحة بتناسب ما موجب أو سالب مع قوة الظروف لا يكفي لمواجهة موضوعية لظروف التعطيل عن العمل، وضعف الفرص والأجور والضمانات في القطاع الخاص، وضعف الضمانات العامة في القطاع العام بما فيه من بيروقراطية ضارة ومهددات سياسية، ولمواجهة حالة الإحباط الناتجة عن حالة التكاثر في عرض السلع الكمالية وفقر إمكانات مواجهة الطلبات التي تحدثها في الأسرة والمجتمع. الأفضل من هذا التعويل الذي أبداه مشروع التقرير هو تقديم مقترحات محددة بتأسيس وحدات صغيرة ومتوسطة من الشراكات والتعاونيات والشركات تعمل من الخارج وفق القانون العام، بينما تقوم في الداخل بتقسيم عائداتها ثلاثة أقسام: قِسم كدخل للعاملين عليها وقِسم لتجديد أدواتها وإستثماراتها، وقسم تهبه للعمل النضالي والثوري وفق تنظيم عام تختلف تفاصيله حسب الحالة العامة لكل وحدة، بحيث يندمج التقدم السياسي بالتقدم الإقتصادي الإجتماعي لمنسوبيه.

    الوضع الحاضر للعمل السياسي والنضال الثوري هو وضع مأزوم يقلل ويضعضع القوى والطاقات الثورية أكثر مما يسمح بالتعويل على طاقة خارقة لهذه الطبقة أو تلك الفئات، ففيه يتقدم العمل السياسي والثوري بـ(الخسارة): خسارة سنوات دراسة أو خبرة أو خسارة حرية أو خسارة صحة أو خسارة روح أو أسرة أو خسارة النفس لذاتها بإنقلاب صحي أو سياسي. وبعض ما بإمكان عمله للإصلاح وعلاج بعض أسس وصور هذا الوضع الأزوم هو البدء بإنهاء نسبي بسيط لحالة الإنفصال والفصام بين طبيعة معيشة وحياة المناضلين في المستوى المادي وطبيعة القيم التضامنية والتعاضدية التي ينادون بها في المستوى النظري. هذا من ناحية القيم أما من ناحية العمل فإن دمج النشاط السياسي بالنشاط المعيشي في وحدة إشتراكية واحدة يخلق بعض أو كثير الإشكالات الصغرى والكبرى، ولكنه على المستوى العام ينقل مقومات الصراع الطبقى من حالة عامة عفوية في غالبها إلى حال منظوم في جانب منه خارج إطار التملك والقطاع الخاص بكل إجحافه، وخارج نطاق القطاع العام بكل ما فيه من ظلامات وفصل عسفي عن العمل، كما ينقل إجتماعات الحزب من حالة التباعد والرتابة إلى حالة من التقارب والإنتظام والنشاط والإبداع. أما على المستوى القومي فان هذا الإجراء الإصلاحي يكسر كثيراً من الحواجز الطبقية والعنصرية والدينية، ويجعل هذه المقاربة تتقدم وتقترب بفعل ديمقراطيتها الداخلية وحيوية تواصلاتها وعلاقاتها لأن تشكل أساساً حياً إجتماعياً سياسياً لمستقبل أكثر إشتراكية وأكثر ديمقراطية يفوق الحالة الحاضرة للتملك الفردي للموارد بما فيه من كنز ومن سفه للثروات وإستغلال وتهميش للناس وموارد عيشهم وحياتهم تتفاقم بفعل تركيز الثروة وتركيز السلطة ولوكانت ليبرالية.

    بمثل هذا الإصلاح بإمكان معالجة كثير من أزمات العضوية والإنتظام في حزبنا الشيوعي السوداني وتحريره من طوائل الفقر والعسف.


    2- التواشج والتمايز بين الطبقة العاملة القديمة والطبقة العاملة الجديدة :

    يقول مشروع التقرير: ((فالتغيرات البنيوية في تركيب الطبقة العاملة لن تغير من طبيعة الاستغلال الرأسمالي، ولا من الرسالة التاريخية للطبقة العاملة الجديدة وحلفائها لإقامة المجتمع الاشتراكي))

    وحسب رأي المشروع هناك طبقتان أو طبقة واحدة ذات نطاقين أو سمتين: "قديمة" تنتابها تغييرات نوعية في تركيبتها و"جديدة" فيها بعض القديم وشيء ما من سمات الطبقة الوسطى (غالباً)، وبطبيعة الطبيعة الإجتماعية لا بإمكان وضع خط فاصل دقيق زماني أو إجتماعي أو سياسي يمسك كتلة عناصر عن الإختلاط بغيرها، لكن بالإمكان الإشارة إلى مجموعة من الخطوط التي توضح الطبيعة الطليعية للطبقة العاملة الصناعية في شكلها القديم أو الحديث داغمين معها الفئات المتقدمة من المزارعين وعموم الكادحين الداخلين في كتلتها العامة في الحياة وذلك على النحو الآتي:



    1- أسباب وعوامل الطبيعة الطليعية للطبقة العاملة الصناعية بأشكالها:

    1- الطبيعة النوعية - العددية لوجود العمال ونشاطهم الصناعي في مجتمع رعوي وزراعي متخلف وريادة تقدمهم له.

    2- النوعية المتقدمة لإنتاجها وتخديمها الآلي للموارد الخام ومضاعفتها الهائلة للدورة الإقتصادية (نفط، ذهب، طاقة، منتجات نقل).

    3- تقدم وعيها بالإمكانية الثورية والسياسية لحل أزماتها دون إمكانات دينية طائفية أو قبيلية أو عائلية أو تعليمية أخرى.

    4- الثقافة والطبيعة التعاضدية العميقة لإدارة تنظيماتها وأمورها بتجرد من أغراض الربح وتميز الفرد على حساب المجموعة.

    5- تمتعها لزمن طويل بصفات وطنية وأممية التنظيم والممارسة النقابية والسياسية والنشاط الشيوعي في العالم وداخل كل بلد.

    هذه العوامل كما هو واضح عوامل موضوعية مستقلة في وجودها عن أي رغبة حزبية او شخصية، أي عن إمكان قبولها أو رفضها.

    2- الفوارق بين الطبقة العاملة الصناعية القديمة والجديدة:

    أ‌- الفرق الكبير يظهر في أن إدخال الفئات الممتهنة من الطبقة الوسطى في عملية الإنتاج الرأسمالي وحشرها كيفما إتفق في عداد الطبقة العاملة يضعف تماسكها لأنها تدخل في تركيبتها كأرستقراطية عمالية، وحتى لو أرادت الإندغام فيها فإن رأس المال والحكومة وقياداتها تستحوز لها على وضع تمييزي خاص بين العمال: دالة إلى ذلك بعض خلاصات من مشروع دراسة أعدها عن جوانب من تطور الطبقة العاملة في إنجلترا منذ أوآخر القرن السابع عشر إلى بداية القرن 21 الحاضر: فطول ذلك الزمان 300 سنة كان تركيب الطبقة العاملة دوماً تركيباً متجدداً بفعل إستمرار إختراع وإدخال الآلآت الجديدة وما تتطلبه من تغيير في نوعية العمل والعمال.
    وإن ظلت كثير من أنواع العمل مستمرة في موقعها من السياق العام للإنتاج إلا إنها كانت ولم تزل تتبادل التقدم والتأخر في هذا السياق بداية من الحرفة التي تتحول صناعة والصناعة التي تتراجع متحولة إلى حرفة خاصة. وفي كل تغير وتغيير كان الإضطراب الموضعي والموضوعي في المهنة المعينة كالحلج أو الغزل والنسيج أو الطباعة أو المناجم أو صناعة الأدوات والأجهزة والآلآت أو صناعة الأحذية أو الشحن والتفريغ أو صناعة الطوب..كان كل تغير يواشج إضطراباً إجتماعياً إقتصادياً وثقافياً ونقابياً وسياسياً، مما لم ينخفض تأثيره إلا بأثر زيادة النشاط الشيوعي للنشاط النقابي والعكس، أما النشاط الإصلاحي والتقدمي العام فتخالفت فيه المصالح .

    ب- الأنجع لتوسيع إمكانات الطبقة العاملة بكل فئاتها القديمة والجديدة وحلفائها هو زيادة النشاط الشيوعي في تشكيلاتها، لا تقليله فدون نشاط شيوعي فعال في إلغاء التملك المفرد الخاص لوسائل إنتاج المجتمع لضرورات عيشه حياته يضفر نضالات المدينة والريف ويكربها لأجل تحقيق هذا الهدف فأن مصير عملية تدمير التنظيم الرأسمالي في أضعف نقاطه وبداية إقامة المجتمع الإشتراكي كعملية هندسة إجتماعية ستخلو من دور المهندس صاحب التأهيل والمصلحة والقدرة على رسم خريطة مواقع الإنهيار ومواقع البناء وتحديد وتوفير كثير من لوازمه في حاضر الحركة الإجتماعية لحظة إحتدام تناقضاتها .

    المجتمع الإشتراكي لا يؤسس بإبعاد عملية التغيير الإشتراكي من التصورات الواقعية وتحويل هذه العملية إلى أفق بعيد ، كما إن الإسلوب الموضوعي لطرح عملية تغيير الحالة الرأسمالية للمجتمع كان يتطلب في مشروع تقرير سياسي مقدم لمؤتمر حزب شيوعي أن توضح القيمة الموضوعية لضفر الحزب الشيوعي لنضالات الطلائع الثورية لملايين المُستَغَلين والمُهَمَشين في المدن والريف لخلاصهم من طبيعة العيش والحياة تحت خط الضنك وظروف النقص والجوع والتكالب فيها على الموارد إلى حياة مفعمة بتعاضدهم وإشتراكهم في أصول ووسائل إنتاجهم ضرورات عيشهم وفي جهود هذا الإنتاج وثمراته إشتراكية علمية متقدمة بحكمهم الشعبي المحلي تبدد أسس تركيز السلطة والثروة وتنفي بشكل موضوعي مفاقمة هذا التركيز لعمليات الإستغلال والتهميش.

    ولكن إيضاح القيمة الموضوعية لضفر نضالات الريف والمدن والعالم والنشاط الثوري للتغيير الوطني الديمقراطي الشعبي لأسس المظالم العامة وإبدالها بأسس فعالة للإشتراكية ومافيها من عدل إجتماعي، يكرس الأبنية المادية في طريقة الإنتاج وتوزيع الموارد والخدمات حسب الحاجة والقدرة كان افضل لإيضاح الفكرة الإشتراكية من الإطلاق العاطفي لقول السياسي على عواهنه مثل الذي اوردته سطور مشروع التقرير في نصها: (( الرسالة التاريخية للطبقة العاملة الجديدة وحلفائها لإقامة المجتمع الاشتراكي)). فالتخديم العاطفي لهذه العبارة لا يفيد بأي أسس أو عوامل أو موضوعية لجدارة الطبقة العاملة والحزب الشيوعي لتحقيق وجودهما نأهيك عن بلوغ أي أفق..إلا أن تكون هذه العبارة قد وردت بهذا الشكل البائس الفقير من الموضوعية بعد كل هذا العدد الكثير من الهجومات الإستضعافية على تاريخ ووجود الإشتراكية في مشروع التقرير لغرض ما قد يكون تسهيل شطبها في حضرة أي مؤتمر لأي حزب تقدمي غير الحزب الشيوعي السوداني بدعوى إنها تعبرعن جزء بسيط من الإتجاه العام "للمناقشة العامة"!!
















    11 - هل بالإمكان حل الأزمة القومية والوطنية الديمقراطية والإقتصادية دون حل الأزمة الطبقية؟

    يحاول مشروع التقرير السياسي للجنة "المناقشة العامة" حل المشكلة القومية وفق ترتيب سياسي يطلب الفكاك من النظم الشمولية وديكتاتوريتها وعنصرياتها في "قاع المجتمع"؟! والتحول منها إلى حكومات شعبية محلية حسب واقع الحال والقيسمة العادلة للسلطة والثروة وإنجاز التحول الديمقراطي بحل ديمقراطي للمسألة القومية سياسياً وإقتصادياً!! يقول: ((الحل الديمقراطي للمسألة القومية والإثنية بما يقود للوحدة الراسخة والطوعية في إطار التعدد والتنوع. فالإثنية ليست لعنة أو قدراً مسطراً لا فكاك منه، وفي الواقع لعبت الإثنية دوراً كبيراً في معارك التحرر من السيطرة الاستعمارية المباشرة في الكثير من البلدان الأفريقية. غير ان السياسات الخاطئة للأنظمة الشمولية، وخاصة قطع الطريق أمام التحول الديمقراطي في قاع المجتمع، والكيل بمكيالين في التعامل مع الاثنيات والجهويات كالمحاباة من جانب والتهميش من الجانب الآخر قاد لان تتحول الاثنية إلى بؤرة ملتهبة للفرقة والشتات والنزاعات المتواصلة.)) وبعد هذا التقريع للأنظمة الشمولية يضيف( وتتحول الاثنية إلى مصدر قوة ووحدة باعتماد صيغ الحكم اللامركزي والفدرالية والحكم الذاتي حسب واقع الحال والاقتسام العادل للسلطة والثروة، وانجاز التحول الديمقراطي. أي بالحل الديمقراطي للمسألة القومية سياسياً واقتصادياً)) وهذا النص يتجاوز وجود الأزمات القومية في أوربا الليبرالية بنفس السمات العنصرية-الإقتصادية الإدارية وردود الفعل التحرريية المواشجة في أكثرها لكل أشكال النضال السياسي سواء السلمي منه أو بعضه العنيف بكل حالاته في كورسيكا فرنسا أو في بريطانيا في آيرلاند لغاية 2007 حين إنسحب الجيش البريطاني منها ومايتصل بذلك في أسكوتلاند وويلز، بل حتى بين شمال وجنوب إنجلترا، وفي مستعمرات بريطانيا في بحار أمريكا وأستراليا وأفريقيا وأوربا وحتى في هونغ كونغ قبل عقد بسيط، وكذا في الباسك شمال أسبانيا وفي مقاطعة كاتالونيا في الجنوب، وفي تشيك|سولفاكيا، وبين المجر والنمسا، وفي ملدوفا وحتى في بلاد (الحنان) السويد والنرويج وفنلاند والدنمارك نجد الشعوب الأصيلة (الأسكيمو) تعاني إضطهاد الأوربيين، كذلك الأزمة بين قومية شمال إيطاليا النمساوي الألماني الصناعي وقوميات جنوبها الزراعي سردينيا وصقلية، وفي أفينون الفرنسية الإيطالية، وكذا الأزمة الصامتة بين مناطق نهر الراين وبعض مناطق جنوب ألمانيا، كذلك تضارب وإنقسام بلجيكا الحاضر بين فلمنكييها الهولانديين وفرنسييها، وكذلك ما في المرحلة الليبرالية من تاريخ المدرسة القومية الكبرى في البلقان وعموم جمهوريات يوغوسلافيا وفي عموم روسيا وجمهوريات الإتحاد السوفييتي التي كانت بنظمها الإشتراكية الفعلية – رغم شوفينية قوميات الصرب والروس على صرف إمكاناتهم على شعوب وبلاد اخرى- كانت دولاً ناجحة في تنسيق الحاجات والقدرات والقومية بلا تطفيف أو تبخيس ولكن ما إن (تحولت) تلك البلاد من النظام الإشتراكي إلى النظام الإنفرادي حتى تضاربت هذه الحاجات والقدرات في كثير من انحاءها وإتقدت حساسياتها وإشتعلت عنصرياتها .

    كذلك فإن الحديث يطول لو تناولنا تاريخ وحاضر الأزمة القومية وأشكالها في دولة (الولايات) أو (الدول) المتحدة الأمريكية، وكيفية (نجاحها) في القضاء عليها أو في تهدئتها؟ بداية من معارك وحروب الإبادة ثم حروب الإستقلال و(الوحدة) ثم حروب (الإتحاد) ثم عملية نهب قوى الشمال للسكان الأفارقة وتحويلهم من خدمة المزارع في الجنوب إلى خدمة المنازل والمحلات في الشمال بـ(دعوى تحريرهم) وواشج ذلك حروب إستعمار المكسيك وتحويل ملايين من أهلها من أصحاب مزارع صغيرة إلى خدم محلات ومنازل ومزارع، ثم معارك 1964 -1966 لإقرار التساوي بين الناس في حقوق الإنسان حيث وافقت الحكومة الليبرالية عليه لإرسال الافارقة جنوداً إلى محرقة فيتنام، كذلك الحرب الداخلية ضد "الإرهاب" بمعنى الشرق أوسطيين، وضد "المهاجرين" وهم هنود المكسيك أهل البلاد الأصليين، وحدث بحرج كذلك في موضوع بلاد ليبرالية اخرى كأستراليا ونيوزلاند واليابان. او كليبرالية "التنمية المستقلة" التي كانت سائدة في (إتحاد) جنوب أفريقيا أو حتى الأزمة القومية في ليبرالية إسرائيل، ففي كل هذه الدول الليبرالية الأصيلة كانت الحروب ثم عمليات القهر هي السائدة في التعامل بين القومية الساحقة والقوميات المسحوقة، فالليبرالية بتركيزها الثروة والسلطة تعزز العنصرية.


    الحل الموضوعي للأزمة القومية في السودان إضافة للإقرار الصريح بالمظالم التاريخية التي نكبت اهله على الأقل منذ سنة 1504 يتطلب التوسيع الأفقي والرأسي لإمكانات إشتراك الناس في تملك وسائل إنتاج ضرورات عيشهم وحياتهم وفي تنظيم جهودهم في هذا الإنتاج وإشتراكهم في التمتع بثمرات كدحهم وكدهم عليه، وهذه الإمكانية المتعلقة بحريتهم كطبقات ينتمي غالبها إلى قوميات ومناطق معينة تتصل أيضاً بحق مناطقهم في حيازة قراراتها ومواردها بالإستقلال بشؤونها وبالتعاضد في ما بينها في سد نواقصها جمهوريات إتحادية تقوم كينوناتها بوحدات ديمقراطية شعبية تنسق في كل وحدة منها بشكل تصاعدي راق رأي التشكلات الثلاث الرئيسة في الحياة الإقتصادية الإجتماعية والثقافية السياسية رأي القرية والمنطقة المدينة، ورأي القطاعات المنتجة، ورأي القطاعات الجماهيرية .

    بشيئ من هذا النوع العميق من الحكم الشعبي المحلي ومن الإختيار الطوعي للإتحاد بين (جمهوريات) السودان وتسييره ونظامه وفق تبادل متوازن نسبية للمصالح الموضوعية لطبقات السكان والمصالح العامة لمناطقهم، يوازن بين الحاجات العامة والخاصة والإمكانيات المحلية و العامة اللازمة بشكل إقتصادي-سياسي-ثقافي مخطط منظوم لسدها وتنميتها وتقويمها بإمكان حل أزمة الشكل القومي للأزمة الطبقية في السودان بأبعادها المتصلة بالتكالب والعنصرية والحروب، أما الحديث عن أهمية التغيير الليبرالي لحل الأزمة القومية فهو نوع من تعطيل الحل الإشتراكي للأزمة القومية والديمقراطية التي نشأت أصلاً على أساس إنفرادات التملك، والحلول الليبرالية تمثل تعطيل للحل الإشتراكي لأن الانجع بناء إتفاق طبقي- شعبي يبدأ من كل وحدة أساسية عامة في المجتمع بدلاً عن الإتفاقات التي تبدأ من التقويم الأعلى مترجة إلى ماهو ضروري وأساسي فالبناء دائماً -ولو كان من لون المعمار الحديث- يبدأ من الأرض .



    12 - هل هناك قواسم مشتركة بين مشروع اللجنة والمشروع الامريكي لـ(الإصلاح) في الشرق الأوسط؟

    الرأي الذي (يعتني به) مشروع التقرير السياسي من نقاش لم يكتمل يفيد بالجواب: نعم، ففي التقرير يُطفَأ و يُغَيَب فعل التغيير الإشتراكي وتجحف موضوعيته ونظريته وتطبيقاته ويهان تاريخه الموضوعي وُيشوه تقديم الأحداث الظاهرة في هذا التاريخ، وبين كل هذا وذاك يستخف مشروع التقرير بعرض حاجات وقدرات ومصالح قوى التغيير الإشتراكي لصالح عبارات إحالية صرفية وإنصرافية من نوع "الأفق الإشتراكي" و"المؤتمر الجامع"!! فإن لم يكن التغييب الفعلي للنضال الإشتراكي قاسماً مشتركاً بين تقرير لجنة تسيير "المناقشة العامة" وإعلاءها الإتجاه إلى حل الحزب والمشروع الأمريكي لـ(الإصلاح) في بلاد الشرق الأوسط فماذا يكون؟ يقول
    (( إن المشروع الأمريكي للإصلاح الديمقراطي في بلدان الشرق الأوسط يظل فوقياً وخارجياً وضعيف المردود دون قيام مثل هذه التحالفات الشعبية العريضة . )) إن العلاقة التي تجمع بين تحول الحزب الشيوعي السوداني وتغيره من المبادرة والطليعية إلى سياسة تنظيم "المؤتمر القومي الدستوري" وتكوينه بشكل تصاعدي راق من ممثلي النقابات والقوى العسكرية وممثلي الأحزاب وأهل الرأي والفكر وإنحداره من ذلك – مماشاة للقوى الليبرالية- إلى سياسة "المؤتمر الجامع" الذي ينحدر إلى لجان ولجان لجان، وصياغات عامة وناقصة ومتضاربة، تحكمها الإرادة الدولية تجعل القول بأن سياسة الحزب للتأمين في هذا العهد العولمي العنيف كانت سياسة تراجع طبقي ووطني ودولي كان الأنجع منها هو توطيد علاقة الحزب بنضال الريف والمدينة وبالنضال الأممي،لأنه دون "مؤتمر قومي دستوري" تبقى إتفاقات السلام في بلاد نقض المواثيق والعهود مجرد كلمات وتواقيع وجاهة لاتساوي قيمة الحبر الذي كتبت به.







    13 – لماذا لا يتعامل السودان علانية مع السلطة الفلسطينية ومع إسرائيل وقد إعترف بها الفلسطين والعرب؟

    إسرائيل دولة عدوانية غاشمة، تؤدي بنجاح دور (القاعدة) أو دور (الأمن) لكثير من التعاملات الإقتصادية والسياسية الدولية، مثل دور يهود المدينة قبل توقيع العقوبات الجماعية القاسية ضدهم التي أخذت البرئي منهم بجريرة المذنب، مما لا سبيل إلى إصلاحه الآن، لكن في ظل إتساع ما يسمى "التفاهم الإسلامي- اليهودي"، ومؤتمرات "الأحبار والأئمة" (الصحافة 5 يناير 2005) ألا بإمكان لحزبنا الإسهام بصياغة موقف سوداني جديد يعزز بشكل عملي إمكانات التضامن المباشر مع الفلسطينيين، ويقوي معسكر اليسار والسلم في إسرائيل؟
    إن الشكل السياسي والديبلوماسي العلني المضاد بشفافه لعملية الإزواج والتخفي والتقية والبهلوانيات التي تمارسها السلطات الخليجية والمصرية والإيرانية والتركية، والفلسطينية، والسودانية أفضل في التعامل مع مصالح الشعب الفلسطيني من التضامن مع حقوق هذا الشعب ومآسيه في العلن والتعاقد مع المصالح الإسرائيلية بأشكالها في الخفاء.

    ومادام إتجاه مشروع التقرير كان إلى جهة المرونة في التعامل مع المصالح الطبقية والقومية السودانية والدولية فلم لم يستمر في هذه المرونة في تعاملاته مع مواضيع العلاقات الإسرائلية لروسيا والهند والصين وباكستان والبرازيل، وكيف يرى مشروع التقرير وضع إسرائيل في خضم نضال شعبنا؟ أفمثلما يشتري الفلسطيني أبذخ صناعات الإتصالات الإسرائيلية، فلماذا لا ندخل أحسن جهاز إتصالات عامة في العالم؟ شكلاً كانت الإجابة (لا) إذ يصيح التقرير مردداً الشعارات القومية المعروفة، فمع (مرونته) في كل مجال من مجالات التقرير بقى -من حيث الشكل- صلباً صلداً في موضوع "إسرائيل"، ولكنه مضمونه يحي -بشكل موارب- مواقفها السياسية على حساب الشعب الفلسطيني يقول التقرير عن تطور الحالة الفلسطينية بفعل رقي نضال الشعب الفلسطيني ودعم شعوب العالم له ((هذا تحركت آليات الشرعية الدولية، فكان القرار رقم 242 والقرار 338 وكانت مدريد 1991 واوسلو1993 ثم خارطة الطريق التي ترعاها الأمم المتحدة وأمريكا وروسيا والاتحاد الأوربي))

    بالطبع هناك فرق كبير أغمضه التقرير ببن طبيعة وتوازانات آليات الشرعية الدولية عهد القرار "242" وطبيعة وآليات وتوازنات الشرعية الدولية فيما بعد ذلك: ففي عهد ذلك القرار 242 الملتبس الصيغة- كان الإتجاه العام هو الشكل التجميعي للقضايا وحصرها من البسيط إلى المعقد في مؤتمر سلام (مباحثات جنيف) ثم كان الخلاف في تكوين ووضع وعمل لجان ذاك المؤتمر المؤود: أن تكون اعمال اللجان أصلاً لأعمال الموتمر أم تكون تابعة لأعماله؟.(لاحظ تاريخ تكوين لجان المؤتمرات في الحزب الشيوعي وأثرها في مضاعفة إنقساماته) حتى تم تجاوزه بالضغوط الإسرائيلية الامريكية عبر إتفاقات القاهرة وكامب ديفيد، أما قرارات مجلس الأمن الأخرى التي أشار لها مشروع التقرير فتعكس إنقلاب عملية السلام وتحوله من حال التفاهم إلى حالة الضغط الإسرائيلي الأمريكي العربي والرضوخ الفلسطيني، وكان تخفيض أسعار النفط ونشاط الحركات الأصولية و(الحماية منه) هي أداة الضغط الإسرائيلية الأمريكية على الحكام العرب ليضغطوا الفلسطين، وكانت بداية تلك الشرعية الدولية بمراسم رئاسية مشتركة ومنفصلة مع كل واحدة من الدولة العربية المجاورة لفلسطين، ثم تتوزعها لجان ولجان لجان دهورت تماسك القضية الفلسطينية محولة إياها إلى كسور عشرية وإلى بواقي حسابية ميتة سواء كان ذلك بخارطة طريق أو بدون خارطة ولكن بإسم الشرعية الدولية! وقد زاد هذا الأمر القضية دماً على سيل الدماء فيها وعوق وحدة ووجود القضية الفلسطينية سواء بتمرير جدران الفصل أو بسياسات التمييز بين الفلسطينيين مما فرقهم أيدي سبأ. وبهذا التمييز وهذه التفرقة صار توحيد الجبهة الداخلية أمراً فرطاً ضيعت به الحقوق بتقسيم البلاد وبإنقسام الفلسطينيين، لذا كان الأفضل لمشروع التقرير الإشارة لتناقضات هذا الوضع بدلاً لإستغراق ذاته في "الشرعية الدولية" ثم صياحه بشعارات قومية رصينة.





    14- العرب! العرب!! العرب!!! أو محاولة تفعيل النزعة القومية دون عوامل طبقية؟

    في إستضطراد ضعيف بعيد عن تعريف: من هو العربي؟ يواصل التقرير السوداني نواحيه الليبرالية القومية العربية يقول:
    (( تفعيل دور الجامعة العربية ليشمل إلى جانب استنفار كل الجهد القومي الممكن، التضامن مع الشعوب العربية ضد الأنظمة الانقلابية ومع سجناء الرأي والضمير والأقليات الدينية والعرقية، وتحرير المواطن العربي من ربقة الفقر والجهل والمرض باستثمار عائدات البترول العربية في التنمية في البلدان العربية.)) وملخص إنتقاد هذه السطور إنه يطالب دول جامعة الدول العربية بالوقوف ضد كل أنظمة الحكم غير الملكية في الدول العربية!!!!!!!!!!، ثم يطالب هذه السلطات الإستبدادية التي تمور عسفاً أن تبادر إلى الوقوف مع سجناء الرأي والضمير والأقليات الدينية والعرقية !؟ ويزيد مشروع التقرير أمنياته مطالباً إياها بتحرير المواطن من الفقر والجهل والمرض بإستثمار عائدات النفط لتنمية البلاد العربية ولكن مع علمه التام بان كل دولة منها لا تثتمر أموالها في بلادها فعلى أي أساس يطالبها المشروع بالإستثمار في البلاد العربية؟؟؟







    15 – الأزمة الطبقية في إضعاف الإشتراكية بدعاوى التراث وبدعاوى تنقية الماركسية من الشوائب:

    يواصل المشروع أمانيه القومية موضحاً المهام الآنية في العالم العربي بصورة عامة يقول ((وبصورة عامة فإن المهام الآنية في العالم العربي هي النضال من أجل التحول الديمقراطي والتضامن بين الشعوب العربية.))، والأصح عبارة في اللغة أن "النضال لأجل كذا وكذا" وليس (من أجل كذا) ولكن، الأهم هو تقويم السياق السياسي لمشروع التقرير: وفي هذا التقويم الإنتقادي لا بد من توكيد ان مهمة التحول الديمقراطي الشعبي لا تنجز دون تغيير إشتراكي والتغيير الإشتراكي يلزم ألا يكون قاعدة موضوعية لإشتراك الناس في السلطة والثروة فحسب بل إن هذه القاعدة تتطور ذاتياً وموضوعياً لتضحى محوراً لعملية إتحاد مجتمعاتهم بل وإتحاد دولهم، فدون تغيير إشتراكي لا توجد حرية تقرير مصير من هذه النظم الفاشية العميلة، ودون تغيير إشتراكي يحقق حرية وكرامة الشعوب المضطهدة قد لا توجد إمكانية موضوعية للوحدة بين بلاد لا تملك مستعمرات أو خزائن إستعمار.

    لذا كانت موضوعية الشعار النبيل القديم: "الإشتراكية الحرية الوحدة" ( عرب بحشر مفردة "الإشتراكية" بين مفردة "الحرية" ومفردة "الوحدة") بإعتبار الشكل التقليدي الخطي المراحلي للعمل الثوري بداية بالحرية من الإستعمار ثم بناء الإشتراكية كقاعدة لإنجاز الوحدة الوطنية والقومية"، فقد تضعضع هذا الخط بفعل ثلاثة عوامل:

    أ - تحول الإستعمار من شكله العسكري المباشر إلى شكل حديث، يتحكم تماماً في سيرورة كل بلد بداية من سيطرته على ضمانات وسعر عملتها وطبيعة تمولاتها وليس نهاية بسيطرته على تمويلها وأسعار صادراتها ووارداتها

    ب‌- فك الإرتباط السياسي والإقتصادي بين المصالح الطبقية العمالية والشعبية والمصالح الوطنية

    ت‌- ربط بناء الإشتراكية والبناء الوطني بما يسمي "تحقيق مصالح كل الطبقات" بإفتراض إمكان وجود رأسمالية وطنية تكون أرباحها دون إستغلال مباشر أو مضاف وتتعامل مع السوق العالمي بشروطها!!

    وكان شيء من هذا التضعضع وتبديل المصالح الطبقية قد ظهر في عنفوان الثورة الشعبية التي أسست الجمهورية في بريطانيا القرن السابع عشر وفي الثورة الشعبية الفرنسية في القرن الثامن عشر حيث بدلت قوى ومصالح البرجوازية مواثيقها وحرفت إصطلاحات "الطبقة العاملة والكادحين" البروليتياريا "الشعب" بإصطلاح "المواطنين" والأمة، وعدل تمثيل البرلمانات من تمثيل أفقي ورأسي لطوائف قوى العمل وسنديكات العاملين في كل منطقة إلى تمثيل جغرافي هلام يختلط فيه الحابل والنابل ذي شروط شخصية ومالية تجعل حق الترشيح إلى البرلمان حكراً على صفوة المجتمع البرجوازي مع بعض ألوان التجميل في القمة والقاعدة. ورغم إن ثورة أكتوبر الإشتراكية الأولى في التاريخ والعالم سارت بقيادة لينين وإستالين ضد هذا النهج التصفوي لقضية الكادحين وبنجاح مضطرد لحوالى 40 سنة فقد إستغرق التغيير المنشفي ضدها وحرفه لكينونة علاقاتها الإنتاجية-الإستهلاكية حوالى 40 سنة لتصل بمجتمعاتها إلى المرحلة الزيف التي تحقق بآلية الإستغلال والتهميش ما يسمى بـ"مصالح كل الطبقات"

    كذلك كان الأمر في كل الأشكال الخاصة للإشتراكية: العربية والأفريقية منها والإسلامية التي نشأت تاريخياً بين ضغطين دوليين: الضغط الأول هو ضغط سيطرة المناشفة على الحزب والإتحاد السوفييتي. والضغط الثاني هو ضغط الحرب الباردة والساخنة بقيادة الديمقراطيات الليبرالية ضد التحولات والتغييرات الإشتراكية التي بادرت إليها البلدان المتطلعة إلى بناء أسس مادية لحرية مجتمعاتها من حالة نقص ضرورات العيش والحياة، ولتحقيق العوامل الموضوعية لحياة كريمة لهذه المجتمعات بإتجاه لارأسمالي وبفعل ذلك الإتجاه الضعيف نبتت مشروعات "الإشتراكية المستلهمة من التراث" ضعيفة مبتسرة في تكوينها الطبقي فكانت تحاول ضبط الأسعار والأسواق دون القيام بضبط متناسق لعملية التملك المفرد لوسائل الإنتاج وفوضى توزيعها جهوده وموارده وحكرها ثمراته!

    ومن هذا التباين في طبيعة مستويات وعلاقات الإنتاج والإستهلاك تناقضت المصالح وتشابكت بالصراعات المحلية والقومية والدولية القديمة والمعاصرة وضعفت أوضاع تلك المجتمعات وتضعضعت مع إختلاف بعض الظروف المحلية أو الدولية التي كانت تسندها وإنتهت آيديولوجياتها ومشروعاتها الهجين إلى جيوب الرأسمالية وعمليات الإنفتاح والتنمية المشوهة فالديون ثم الخصخصة وليس نهاية بالحروب الأهلية وبإتفاقات ومفاعيل الشراكة (الحراسة) الإستراتيجية في نسخ متنوعة.

    وكثير من هذا الفصل بين المصالح الطبقية والمصالح الوطنية كان ولم يزل سائداً في جهات البرنامج القديم الحاضر لحزبنا الشيوعي السوداني وفي القسم الأعظم من إتجاهه السياسي العام مما جعل حزبنا مفارقاً في نشاطه لنشاط بنية الظروف الموضوعية العامة وبالطبع الظروف الذاتية الخاصة للتغيير الإشتراكي في بلادنا والعالم بما فيها عجزه عن ضفر نضالات المهمشين والمستغلين وعموم المستضعفين في الريف والمدينة، وربط هذا الضفر بمشروع حركي تغييري متعدد الأنماط مما أنجز جانب من علاجه في عمل منفصل بعنوان: " نقاط في مشروع دستور وبرنامج ولائحة الحزب" .











    16- طبيعة الدور القيادي للطبقة العاملة في المجتمعات المتخلفة:

    مرة أخرى تثار بشكل ضعيف ملتبس مسألة "الدور القيادي للطبقة العاملة" كان الأفضل منه تقديم هذا الدور بصورة موضوعية، إذ أن مشروع التقرير الذي وضعته لجنة تسيير "المناقشة العامة" يشير لطليعية الطبقة العاملة في التاريخ والمجتمع بقول عمومي خفيف لايفصح عن الأسباب والعوامل الموضوعية التي تجعل للطبقة العاملة الصناعية الدور الطليعي في التغييرات العامة في كل بلد، يقول: (( الدور القيادي للطبقة العاملة هو قضية نضالية تحسمها في نهاية الامر القناعات الشعبية ويحكمها مسار الصراع السياسي والاجتماعي وازدياد وزن الطبقة العاملة في التركيب الاجتماعي للسكان بأثر التنمية.)) بينما كان مهماً إيراد العوامل الموضوعية لتميز دور هذه الطبقة الأساسية في الحياة الحديثة وأهمها:

    1- المزيات العملية والسياسية لتشكل هذه الطبقة في تاريخ عملية الإنتاج وتحوله من الفردية والآلة البسيطة إلى الآلآت المُجَمعَة والإنتاج الجماعي الصناعي الذي يعيد تشكيل الخامات المعدنية والزراعية والحيوانية البسيطة الى بضائع وسلع مهمة في الحياة،

    2- أثر العناصر الذاتية والموضوعية لعمليتي الإستهلاك والإنتاج داخل الطبقة العاملة يدفع بتطور قوى ومستويات الإنتاج الصناعي وبالتالي يدفع تطور المستويات العامة الأخرى للإنتاج في التنقيب والزراعة والتدجين والأعمال الهندسية ويطور مستوى الخدمات العامة وحتى الخدمات المالية والتجارية، فتطور حاجات وجهود الطبقة العاملة الصناعية خلال عملية الإنتاج يزيد تطور الصناعة والإقتصاد وعموم أشكال تعاملات العيش والحياة بصورة أكثر فاعلية فيها من أثر حاجات وجهود الطبقات والفئات الأخرى.

    وبالإمكان تعديد نقاط الأهمية والطليعية الفعلية للطبقة العاملة الصناعية في البلاد المتخلفة والدول التابعة للمراكز الرأسمالية، ومنها:
    1- الطبيعة النوعية-العددية العامة لوجود العمال ونشاطهم الصناعي في مجتمع رعوي وزراعي متخلف وريادة تقدمهم له.
    2- النوعية المتقدمة للإنتاج وتخديمها الآلي للموارد الخام ومضاعفتها الهائلة للدورة الإقتصادية (نفط، ذهب، طاقة، منتجات نقل).
    3- تقدم وعيها بالإمكانية الثورية والسياسية لحل أزماتها دون إمكانات دينية طائفية أو قبيلية أو عائلية أو تعليمية أخرى.
    4- الثقافة والطبيعة التعاضدية العميقة لإدارة تنظيماتها وأمورها بتجرد من أغراض الربح وتميز الفرد على حساب المجموعة.
    5- تمتعها لزمن طويل بصفات وطنية وأممية التنظيم والممارسة النقابية والسياسية والنشاط الشيوعي في العالم وداخل كل بلد.

    إن مسألة طليعية الطبقة العاملة تتجاوز نسبية قبول جماهير الطبقات الأخرى لها فهي مسألة موضوعية مستقلة عن حالة وعي الناس لها.












    17- في الفرق بين وجود حزب جماهيري و وجود حزب للتغيير الإجتماعي والميقات الملائم لذلك الوجود:

    في عملية إطلاق الشعارات السياسية تبدو ضرورة الإنتباه إلى الشروط الموضوعية لنجاح الشعار في تحقيق الهدف من إطلاقه، بما في ذلك مراعاة ملائمة الشعار السياسي وإستجابته للظروف الدقيقة والظروف العامة للمرحلة التاريخية أو للفترة التاريخية والطبيعة الإجتماعية لها، ملائمة وإستجابة موضوعية، تختلف بعواملها المادية والتاريخية عن طبيعة الإستساغة والإستسهال والنزعة الشعبوية وإتجاهات اللم والخم ونزعة الكثرة، فلكل مرحلة شعاراتها التي يجب موضوعيةً أن تناسب الحالة المعينة للصراع الطبقي في كينونة مكانه وزمانه، مناسبة تتضمن المبادئي السياسية والنفسية الإجتماعية والإعلامية التي تضبط كيفية إسهام الشعار السياسي الطبقي العمالي والشعار الشيوعي في تحريك مفردات توازن القوى الطبقية لمصلحة التغيير الإجتماعي مما يتعلق بنقاط معينة لإضعاف الخصم الطبقي مادياً ومعنوياً ونقاط أخرى لتقوية عنصر أو عناصر التغيير تقوية معنوية ومادية. فدون هذه النقاط ذات الأبعاد الإتصالية والثقافية واللغوية المختلفة قد يختل حساب عملية إطلاق الشعار السياسي ويصير مجرد "أكلشيه" وعلامة أو ماركة تجارية تضيع مع أو وسط غيرها من العلامات أو الماركات وتستهلك في سوق تتحكم فيه مع قوى الإعلان والدعاية والإغراء قوى الفقر والجوع والخوف والإرهاب، بأبعادها المحلية والدولية وأصولها وأشكالها الطبقية والثقافية.

    ولكن بعيداً عن موضوعية هذا التقدير وجهة الإيجاب فيه يتجه مشروع التقرير بشكل سالب إلى جانب معين من الإعلام السياسي والشعارات تم إستهلاكه مما تعلق به عملياً من سياسات واحداث أدت لإطفاء حماس الحركات المنظمة للجماهير مع قيام ذلك النوع من الشعارات المستهلكة بتغبيش وعيهم وصرفه عن الطبيعة الطبقية والعنصرية لأزمات عيشهم وحياتهم وتغبيشه إمكانات إنتظامهم الطبقي والنوعي أفقياً ورأسياً لأجل تغيير الميزان الطبقي والسياسي المطفف والمبخس لوجودهم. مما يتضح في الشعار الذي إعتنى به المشروع:
    ((الشرط الموضوعي الذي لا محيد عنه لتحوله الى حزب جماهيري. وهو شرط ربط طروحاته بجذور عميقة بكل ما هو ثوري في مجرى تراث شعب السودان الحضاري)) و بطبيعة الأوضاع المعيشية في النظام الطبقي لم يحدث في التاريخ الحديث إن توفرت نسبة كبرى من عدد السكان في عملية التنظيم والجدل السياسي وصراعاته المتنوعة المخاطر، وفي جل التاريخ لم يحدث إن بدأ عمل (سياسي) بمجموعة تزيد على أصابع اليد الواحدة وقد كان عدد أعضاء الحزب البلشفي الذي أنجز بداية الثورة الإشتراكية العظمى قليلاً إلا ان فعالية لينين-إستالين وحزبهم الشيوعي في تنظيم العمال الروس في المناطق الصناعية حيث الإستغلال، وفي تنظيم الكادحين في مناطق قوميات المسلمين حيث التهميش ووشج الكتلتين معاً في كتلة ثورية واحدة جمعت قضاياهم وقواهم وحركاتهم أدى ضد النظام الإقطاعي الرأسمالي وشيج الإستعمار نفس المهمة التي تؤديها بضعة قطرات من الماء تسقط على لوحة توزيع الكهرباء داخل جهاز إليكتروني ولو كان جهازاً ضخماً. مما يدفع إلى وإتجاه الجدل بين منطق العمل السياسي ومنطق العمل الثوري بالسؤآلين الآتيين:

    1- هل الظروف الحاضرة والآجلة في أنحاء البلاد تحتاج إلى حزب جماهيري أم تحتاج إلى حزب للتغيير الثوري؟

    التركيبة الطبقية العنصرية (العرقية والدينية) للأزمة في بلادنا تجعل من العملية المسماة بناء حزب جماهيري عملية تتضمن إلتفافاً على الصراع الطبقي بمحاولة جمع الضحايا والجلادين في حزب أو تجمع أو مؤتمر جامع لتجنب مشاق ومآسي الثورات غض النظر عن التغييرات الجذرية التي تحدثها. وقد يكون ذلك من تراث مؤتمر الخريجين الذي نشأ في زمن إستضعاف الحركة الثورية المدنية والعسكرية التي بدأت ثورة 1924 حين تحولت طلائع ذلك المؤتمر من العمل بين قطاعات الجماهير المسحوقة إلى العمل الفئوي المنغلق على أدب أصحابه الموظفين وثقافتهم إلا قليلاً كريماً منه ثم سرعان ما تحولت طلائعه عن ذلك الإنعزال إلى ماهو أدهى متجهةً إلى إسترضاء بعض سادة الطوائف المرتبطين في ملكياتهم الزراعية والتجارية وتمولاتها بكينونة الإستعمار، بدعوى مساعدتهم في إرساء وتنظيم كيان سياسي جماهيري (جعفرمحمد علي بخيت: الإدارة البريطانية والحركة الوطنية في السودان 1919- 1936 )

    إن إختلاف مناطق وألسنة وألوان الناس الطبقية والعنصرية في بلادنا وتمايزها الحاضر الشديد إلى مجموعات مستغلة ومهمشة واخرى تقوم بهذا الإستغلال والتهميش وتستثمره أو تفيد بإستثماره أيما ما كانت أسبابه الأولى (إستعمار، أو تنمية مشوهة، أو جفاف) يجعل من الموضوعي أن تتعدد وتتنوع جهات العمل السياسي وأن تتعدد وتتنوع جهات النضال الثوري، يقوم كل منها بما يراه مناسباً لطبيعة أهدافه وطبيعة قدراته وطبيعة المجال الذي ينشط فيه والوسائل المناسبة لحركته مع أو ضد أي شخصية أو مجموعة أو حزب أو تكتل ما يراه ملائماً أو منافراً لكيانه.

    أما أن يقوم حزب جماهيري بأساس ومعنى مختلف عن مقتضيات الصراع الطبقى والتغيير الإجتماعي يقوم على تجميع النزعات الإجتماعية للأهل والحي والأقسام والمدن والمحافظات والأقاليم ومناطق الحكم الذاتي وعموم البلاد على أساس ما يسمى بالحد الأدنى الذي يفيد تاريخنا دوماً بتراجع اليمين إلى ما هو أقل من الحد الأدني مما نزل بسعينا ونضالنا من حالة الإستقلال والإشتراكية والسلم إلى حالة قنوع بدولة دينية- تحت الرقابة والوصاية الدولية، وقد كان ذلك النزول مواشجاً لشعار: أجعلوا من الحزب قوة إجتماعية كبرى بدلاً عن يكون تقدم الحزب مواشجاً لشعار اجعلوا الحزب قوة للتغييرات الكبرى في المجتمع.

    التراضيات والإحتشاديات السياسية قد تنجح في إخراج مظهر وحدوي فارغ من أي مضمون فعال في التغيير الإجتماعي وفي إستمراره سنة أو سنتين أو أكثر دون فاعلية ولكن هذه التراضيات والمُطايبات لاتحل أزمة طبقية شاملة تتعلق بوضع التملك المفرد لوسائل إنتاج المجتمع لضرورات عيشه وحياته وتحكمه بتوزيع جهود هذا الإنتاج وطبيعة إقتسام ثمراته حسب الحاجة والجهد بمعيار إيفاء الضرورات والكمالات الآنية فالمستقبلية. لذا فدون تغيير وضع التملك الخاص لوسائل الإنتاج في المجتمع فإن عملية إنضمام كل أعضاء حزب يميني أو جماهير مذهب ديني إلى أي حزب شيوعي أو تقدمي لا تؤدي إلى تغيير في طبيعة هذا التملك مالم يخض الحزب (الجديد) المعني بالصفة الجماهيرية غمار عملية تغيير ملكية وسائل الإنتاج الأساسية (البنوك والمشاريع الزراعية والصناعية الكبرى) وتحويل السيطرة الكامنة فيها على الإنتاج الإجتماعي من أقلية المجتمع المالكة إلى أغلبيته العاملة والمستضعفة. وخوض التغييرات الإجتماعية كما هو معروف لا يتم بتواكلات قريشية حزبية – طائفية - ليبرالية كبرى يتفرق بينها حق الطبقة العاملة وعموم الكادحين والمهمشين في الحياة الحرة الكريمة بل يتم التغيير الثوري بحركة مجموعة منظمة متناسقة من العناصر والأفعال الثورية ضد الأسس المادية والسياسية لهذا النوع الرأسمالي من التملك الفردي. ودون الشروع في هذه العلمية الثورية بتأهيل الحزب بكل تنظيراته وبرامجه وشعاراته وأعماله وأعضاءه ومؤتمراته لها في كافة المستويات النقابية والسياسية والإعلامية والجماهيرية والتأمينية والعسكرية بصورة متزامنة متناسقة عددا ونوعاً فإن عملية تغيير الأوضاع الظالمة في المجتمع بواسطة بناء حزب جماهيري ستحقق نتائج شكلية تحققها كل يوم وساعة الأحزاب الجماهيرية الكبرى القائمة دون أن تمس أصل الأزمة وأشكالها إلا بفتات كلام.

    إن تكوين الحزب الجديد في نوعه اللاعنصري واللابرجوازي واللا طائفي-ديني واللا شخصي وبنائه ونشاطه كحزب طبقي عمالي ثوري يسعي لتغيير المظالم الطبقية العامة في المجتمع والطبيعة الإجتماعية قد يمثل تحقيقاً لما يسمى "جوهر" الماركسية وهو بالضبط الماركسية في كينونتها الطبقية الإجتماعية كجهاز ثوري نظري وعملي لحرية عمال العالم وشعوبه المضطهدة.

    2- ماهي ظروف بناء الحزب الجماهيري العريض المبادئي والمتنوع الأهداف والناجح في تحقيق هذه الأهداف ؟

    1- وجود مجتمع لاطبقي تقل فيه التمايزات الطبقية المولدة لحالات الإستغلال والتهميش والتمييز الطبقي والعنصري والديني...إلخ.
    2- تناسق المصالح والمبادئي الأساسية لأطرافه وإتساق جهودها وأهدافها لا يكون بعضها على حساب بعض، وفق الخطة الديمقراطية الشعبية العامة للتنظيم وضع وسائل الإنتاج وجهوده، وتفتيح موارد المجتمع وقدراته في سياق تقدمي يزيدها عدداً أو نوعاً.



    18- أهمية موازنة الميل إلى التراث بإمالة أكبر إلى العلم والثورة والمستقبل:

    في أثر لكثير من السياقات الفكرية غير الماركسية تراوح مشروع التقرير السياسي وتجهجه بين ما يسمى بـ "التراث" و"المعاصرة" ككتلتين ثقافيتين في التاريخ وإعتباره نصفين، بينما هو مجرى إجتماعي للزمان وسياق واحد للتطور والرقي الإجتماعي وجهة ذلك يوكد مشروع تقرير لجنة تسيير "المناقشة العامة" التي لم تكتمل على نزعة تراثية في تقدمية الحزب الشيوعي السوداني كأنما يحاول نفي كتلة معينة من التهم الثقافية والجنائية تتعلق بموقف الحزب النظري والعملي من موضوعية القول بمادية الطبيعة والتطور الإجتماعي و الطبيعة المادية للتعاملات الإجتماعية الأساسية وتناقض مصالح الطبقات فيها أمام الذين ينسبون التطفيف والتبخيس والظلم والشر إلى الله سبحانه وتعالى، إذ يقول نص مشروع التقرير ((والواقع ان الحزب الشيوعي السوداني درج على الدوام للتأصيل لطروحاته من بين ثنايا التراث السوداني بكل تنوعه وتعدده)) ثم يضيف ((سحب البساط من تحت اقدام القوى التقليدية في السودان في استغلالها الدين لفرملة واعاقة تطور تلك الثورة)) !!

    والواقع إن الحزب الشيوعي لا يؤصل إطروحاته من شيء معين تراثي أو مستقبلي، ولا يهتم بالطروح الإزواجي لقضية طبيعة التاريخ والفعل الإجتماعي فيه وتقسيم تناولها إلى "تراث" و"معاصرة" أو إلى "تأصيل" و"تجديد"، لكنه ينظم طروحه وأعماله ويسطرها وفق مسطرة علمية وعملية مادية تاريخية سماها المشروع بإسم "المدرسة الموضوعية في التاريخ" ميزاً وإنصافاً لها عن المدارس المثالية التي ترى التاريخ سجلاً لأسماء وتواريخ قادة ومفكرين ينتمون لهذه الجهة أو تلك الفكرة وهي مدارس تأريخ إجتماعي لا مجال فيه لدراسة حياة أغلبية الناس وهم سواد الحياة ونضارتها ولا لتطور النشاط الأساسي في هذه الدنيا وهو العمل والإنتاج لأجل العيش والحياة الذي يشترك فيه الناس مع إختلاف تنوعاتهم وطبيعة مناطقهم، يختلفون في أنواعه وجهوده وثمراته حسب تطور ورقي قواهم وعلاقاتهم العملية- الإنتاجية وإنسجامها مع المتطلبات الضرورة لحياتهم ولتجديد قدرتهم على الإنتاج،ولكن أكثرهم يكسبون بتنافرها بؤساً ومعيشة ضنكاً تجعلهم يلقون في ذات التهلكة الطبقية التي يكونها التنافر الطبقي أيدي حياتهم المزارع والمصانع والمصارف وخدمات التعليم والصحة والإتصالات والمواصِلات التي بقسطاسها يعيشون وبتظالمها وتطفيفها وتبخيسها يهلكون.

    إن البحث عن أسانيد ودعامات تاريخية لموقف ثوري معين في العصر الحديث والعثور على هذه الأسانيد لا يعني تأصيلاً أو تراثية أو أي شي من هذا القبيل بل هو الضرورة النظرية والعملية لتقدير طبيعة حدث أو موقف معين في سياق تاريخ حركة المجتمع وتبين مجموعة العوامل الطبقية والثقافية والسياسية لقوته ونجاحه ومجموعة العوامل المشابهة التي أدت إلى ضعفه وموته أو إنحساره، فمن الخطأ تعميم نتائج التجارب الناجحة أو التجارب الفاشلة إلا في حالة توافق نفس الظروف المادية والحيوية التي أحاطت بها أو على الأقل توافق الظروف العامة المادية والحيوية التي واشجت إجراءها.

    ما يسميه مشروع التقرير بـ" سحب البساط من تحت اقدام القوى التقليدية في السودان في استغلالها الدين " هو إجراء فوقي وخطأ موضوعي جسيم فالأنجع هو سحب نظام التملك المفرد لوسائل الإنتاج الذي ينتج التمايز الطبقي والعنصري ويكرس الفقر والبؤس والتشييْ والإستلاب، ويغذي الروح التواكلية والإستغلالية في الممارسة الدينية، مؤسساً بها في كل دين طواغيتاً وعجولاً ذهبية وأهل صُفة وأهل حظوة، وعرب وموالي، وأشراف وأغراب، وسفيانيين وهاشميين. وأهل المدينة وأهل الأمصار والأقاليم.

    إن المواشجة بين دعوة الحزب الجماهيري ودعوة إستلهام التراث وسحب البساط (لإستعماله) تصب في باب "الشعبوية" والاعتقاد في القلة النظرية والكثرة العددية بنية طيبة سمحة بتجاوزها تناقضات الوضع الحاضر فإنها تفتح طرقاً واسعة رحبة إلى جهنم.


    19- الإرهاب يتغذى بالعنف والإرهاب ويضمحل بالهندسة الإجتماعية لعملية الثورة الطبقية:

    في معاملة من نوع مختلف عن سابقة لما يسمى بـ"التراث" يضيف مشروع التقرير إن تقنين الحقوق الدستورية للجماهير والمنبر الواسع لموجهة خطر الجماعات الإرهابية، يمثل شرطاً أساسياً في حصر الإرهاب وعزله في ركن قصي وهامشي تمهيداً لهزيمته ودحره ((وظل الحزب يدعو لتقنين الحقوق الدستورية للجماهير، ولمنبر واسع لمواجهة خطر هذه الجماعات، بوصف هذا شرطاً اساسياً في محاصرة الارهاب وعزله في ركن قصي وهامشي تمهيداً لهزيمته ودحره. كما دعم الحزب الدعوة لتوحيد قوى الاستنارة في النضال ضد جماعات الهوس الديني ونشاطها)) وهو طرح مفيد لولا إحتواءه على نقاط تفسد تناسقه المنطقي والموضوعي مثل تصور ان التثبيت الدستوري لحقوق الإنسان سيحد من الإرهاب!! وإن منبر ليبرالي واسع مثل الكونجرس الأمريكي أو المؤتمر الوطني السوداني أو لوجيركا أفغانستان، برلمان باكستان أو الجمعية الوطنية الفرنسية أو مجالس دول شرق أو غرب أفريقيا أو لبنان أو أي ديكتاتورية عسكرية أو مدنية أو حكم ديمقراطي شعبي بإمكان أن يحل هذه الأزمة التاريخية المتفاقمة بالفرق بين إمكانات وقدرة الإنسان على تفسير طبيعة الحياة عامة وإستبصار دوره فيها، وبين الطبيعة العامة التجزئيية للنشاط المعيشي ولعمل وسائل التعليم والإعلام والثقافة التي تفاقم فصم وعزل الظواهر الأساسية في الحياة الحضرية الحديثة عن سياقها الطبيعي والطبقي الإجتماعي بحيث لا يجد الإنسان تفسيرا لها إلا في الثقافة الدينية التي تنتمي إلى بأصولها إلى زمن قديم كان الدين فيه ولم يزل عامل تهذيب وصدق وحق قل ما يجده الإنسان في دنياه مع كثرة من المثبطات والمحبطات التي تجعله بقانون رد الفعل يؤمن ويتعصب إلى (الحق) ويروم هذا الصدق في عالم مملوء بالأكاذيب بإتجاه المؤمن المعين إلى البراءة من الشرك والمشركين في مظهره أو تعاملاته أو في الإثنين معاً مائلاً من هذه الدنيا الفانية الى إغاظة "الكفار" ونصر "المؤمنين" وإلى الإستشهاد ليس فقط ذوداً عن حياضه المعنوية، وإنما إبتغاء لله ولأن تكون كلمته هي العليا. وعلى ذات المنوال تبلورت في التاريخ صنوف من إرهاب الفردي والجماعي وإرهاب الدولة فكان هناك الإرهاب الصليبي، والصهيوني، والإسلامي، سار تبلورها على ذات النهج السابق وإن إختلف الناس في تقديرها فقد ظلت ككل تحمل نفس سمات القلق النفسي الطبقي والأخلاقي من سلامة الأوضاع وزيادة الميل إلى (الخروج) منها.

    إن كثير من الدراسات والعلوم النفسية لتغيير السلوك كعلم النفس التربوي وعلم النفس الإجتماعي وعلم النفس السياسي وعلم النفس المتعلق بالإعلام والتسويق ..إلخ بإمكان ان تمثل معيناً طيباً ومدداً متقدماً ومساعدة رفاقية في عملية مواجهة بعض أسس ومظاهر الإرهاب لكن التعويل الأساسي يظل على النتيجة العامة لملاحظة إزدهار الإرهاب في النظم الرأسمالية التي تثتير بتناقضاتها إجتهاد الإنسان في تخليص نفسه وتطهيرها بالعزلة والتنسك والإستقامة ثم بالتشدد في (الحق) ومحاربة الرزيلة والفسوق وما إلى ذلك، مما تعزز بفعل سياسات "المجتمع الدولي" والسلطات التابعة لها في مختلف المجالات التعليمية والإقتصادية والثقافية الإعلامية مما أضعف المؤسسات العامة والأحزاب الشيوعية وخفض قدرتها على شرح الطبيعة التاريخية والطبقية لتبلورات وتناقضات الحياة والحياة الإجتماعية وإيضاح المألآت المأساوية التي إنتهت لها في التاريخ إتجاهات الإصلاح العنصري أو الديني أو القومي أو العلماني أو الديمقراطي أو الإشتراكي التي نشأت في المجتمعات المختلفة لتغيير مظالم حياتها دون هم بتغيير الأسس الإقتصادية والطبقية لعيشها وحياتها أو التي إهتمت بذلك دون تمتين مستدام لعناصر العملية الديمقراطية الشعبية التي تشكل وتغذي بنيتها المادية والإجتماعية والثقافية-الإعلامية والسياسية.

    محاولة القضاء على الإرهاب مثل محاولة القضاء على أي ظاهرة إجتماعية أمر مستحيل لم يتحقق مرة واحدة في تاريخ اي بلد، والحد القسري منها أضراره أكثر من نفعه لكن التعامل الطبقي، والتعليمي، والطب النفسي الجماهيري، والإرشاد الديني بإمكانه اليحد منها أكثر من الدعوة لقيام حزب جماهيري أو تراثي أو منبر لا يجتمع أعضاءه على تحقيق أي عدالة طبقية إجتماعية بل يجمعهم مجرد العداء لهذا النوع المتحرز دوماً من المسلمين أو المؤمنين الأمر الذي يزيدهم إعتقاداً بأنهم في سياق آية ((إن الناس قد جمعوا لكم...إلخ الآية.

    إن إستوعاب الأبعاد الطبقية والمحلية والدولية لأزمة الإرهاب تجعل التعويل على بناء حزب جماهيري في مواجهة مخاطر مسلحة حيوية مسألة بعيدة عن إمكانات النجاح، خاصة في تفارق شكلي في التعامل الدولي مع معطيات وأشكال الإرهاب ينصب على حربه في نواحي وبلاد معينة وعلى دعمه ومساندته في نواحي وبلاد معينة يستفيد منها الإرهاب بتحويلات داخلية للمنافع بين وحداته:

    فهناك التعاملات الأمريكية الصهيونية مع القوى الإسلامية الإرهابية في جمهوريات يوغسلافيا السابقة وفي جمهوريات المسلمين من الإتحاد السوفييتي السابق وفي الصين، ودول شرق أفريقيا (الخطرة على حرية السوق) وهو التعامل الذي توطد في السودان ضد حركة تواشج التجمع النقابي والحركة الشعبية لتحرير السودان وضد الدول المجاورة له لإخضاعها وتخديمها ضمن مخططات التوسع الإمبريالي، وللضغط على الدول العربية وحركة فتح في خضم عملية السلام مع إسرائيل. وقد تبلورت هذه التعاملات بتواشج مع عدد من اللقاءات المشتركة لدعم (المسلمين) أو قوى (الحرية) في مصر (1952-1981) واليمن (1965-1967) والسودان (1958-1964) وفي (1965-1969) (1970) و(1976) و (1977-1985) و(1989-2005) مع بعض إستثناءات، وأفغانستان (1980-1988) ثم في جمهوريات يوغسلافيا (1989-2000) ثم الشيشان(1991-...) وفي آتشه إندونيسيا (1989-2002) أو (لحرية العقيدة) في الصين (1990-....) أو (للديمقراطية) في شرق أفريقيا (1991-....) وفي العراق (1990-2003) وكان تشكل هذه التناغمات والتلاقيات واللقاءات متصلاً بعدد كثير من مؤتمرات "الحوار بين الأديان"، و"السلام بين الأديان"، و"الحوار المسيحي الإسلامي"، والحوار الأوربي- العربي، و- الأفريقي، وحتى "التقارب الشيعي-السني" والتقريب بين المذاهب (ضد النظم العلمانية والقومية العربية) وصولاً إلى مؤتمر "الأحبار والأئمة" أو "الأئمة والأحبار" الذي يلعب الآن دوراً كبيراً في التفاهم اليهودي الإسلامي، مما يتجلى جميعه حالياً في أروقة مؤتمرات الإقتصاد الإسلامي والطبيعة الإمبريالية لضمانات المصارف الإسلامية ونشاطاتها المطلقة السراح في سوق التمويل والصرف العالمي تغذيه ويغذيها .

    ومن جهة أخرى هناك تعاملات دولية أمريكية أخرى تعادي القوى الإسلامية الإرهابية وإقلاقها للحكم في مناطق نفوذها وسيطرتها ولكنها تغمض عنها النظر في بعض الأحيان لتخدمها في تقوية هذا النفوذ وتدعيم هذه السيطرة وإحكامها كما في دول الخليج النفطية وكما في مصر (1981-.....) وفي السودان (1989-....2005) وفلسطين-إسرائيل (1988-.... ) وفي جمهوريات المسلمين (....ستان) ضد الميل للإتحاد (السوفييتي) أو التركي أو الفارسي أو الآذرين وكذا في الفيلبين (1972- ..) وإندونيسيا(1989-..) وكذلك في تايلاند ( 2003-....) وفي كوريا الجنوبية، وفي غرب أفريقيا وجنوبها، وفي أوربا مابعد الحرب اليوغسلافية، وفي بعض جزر الكاريبي والمحيط الهندي، وبشي من التراوح في الهند.

    في هذه المراوحة السياسية والديبلوماسية والعسكرية التي تفرضها المصالح الإقتصادية والجيوسياسية بين كل من الموقفين النقيضين الموقف (مع) والموقف (ضد) الحركة العسكرية للإسلام السياسي، يبدو أمر إتخاذ قرار مسبق جهة هذه الحركة أو الحركات محلاً للإستهلاك المحلي والدولي لـ(قوة) حزبنا ضد ذلك التيار أو بعض أشكاله الذي يرتبط في أصله الإستخباري الإمبريالي القديم في عشرينيات القرن العشرين بوجود قوة إسلامية في مناطق الشرق الأوسط ودوائره العالمية تصد بفاعلياتها تحشد قوى الخلافة الإسلامية القديمة وتشتتها، وتصد المد التقدمي الإشتراكي الناشئ بتأثير النمو الإقتصادي والصناعي الحديث. (بعض لقاءات وأوراق مجلسي العلاقات الخارجية البريطاني والهولندي + كتاب د.جعفر محمد علي بخيت "أنشطة شيوعية في الشرق الأوسط بتركيز خاص على مصر والسودان (1919-1936)"+ طبيعة العلاقة بين الخلافة الإسلامية المحتضرة والمحاصرة والثورة الإشتراكية الوليدة في روسيا والتي كانت محاصرة بدورها + كتاب فؤاد علام عن تأسيس حركة الإخوان المسلمين في مصر وعلاقاتها البريطانية ثم الأمريكية ببعثات الحج والدعم البريطاني عبر آل سعود لحركة الإخوان الوهابية التي أسهمت عبر مواسم الحج في بلورة حركة الإخوان المصرية) ولكن ليس مناسبأ لحزبنا أن يعـول على هذا فلكثير من رفاقه إتصالات أممية ودولية تخترق حتى الإختراق المركب.

    أفإن يعول الحزب في تقويماته وحركته السياسية على إنطباعات التعاملات الأجنبية والجميع في السودان والعالم يدرون بعض الأبعاد البريطانية لحزب الأمة وبعض الابعاد المصرية للأحزاب الإتحادية في السودان، وبعض الأبعاد الخليجية (الإمريكية) للحركة الإسلامية، مما لا يسلم منه الناس في إطار الدائرة الضيقة للعملية السياسة في السودان القديم وتداخلها بمحاور الإقطاع "القرابة" و"الطائفة"، وتمحورها حول شخصية الحكم وصلته ببيوت هذه المحاور لا حول نوعية الحكم وطبيعته وصلاحيته التاريخية لقيادة التقدم الإجتماعي من مرحلة متناقضة إلى مرحلة إخرى أقل تناقضاً في العلاقة المركبة بين كل من الطبيعة الإنفرادية لتملك وسائل العيش والحياة، والطبيعة الجماعية للعمل والإنتاج، والطبيعة الإنفرادية في توزع ثمرات هذا العمل!! ففي هذه العلاقة المتناقضة الأساسية في تشكيل وعي الإنسان بطبيعة وجوده تنفصل جملة مفاهيم "الخير" و"القيم" عن التصورات المألوفة للعدالة البشرية والعدالة السماوية وتبدو الأرض بما رحبت عدوة لما يسمى بـ"قيم السماء" - رغم إن القيم موجودة للميز بين "الخير" و"الشر" مما لا يوجد في أي سماء!- وفي هذه العداوة يختار كثير من الناس حسب ثقافتهم الإنحياز إلى "القيم السماوية" بدعاوى تتراوح بين النجاة من الفتنة والنار، وبين الإصلاح .

    في هذا الخضم الذي يزيد بعض محاسن التدين ولكنه يكثر عليها بالأضرار والمفاسد تبدو المهمة الموضوعية للقوى الثورية هي كشف التناقض الطبقي الأساسي المدمر لتناسق الأعمال والقيم الذاتية، والأعمال والقيم الإجتماعية والدينية، ذلك التناقض الذي يتحول فيه بعض المناضلين وبعض الدعاة المصلحين وبعض الناس إلى إنتهازيين وعملاء، ويتحول فيه بعضهم إلى خلوات التصوف والهيام بالعشق الإلهي وطاعة المريد للشيخ وصمته على الحكمة القدسية المتجلية بأعماله، ويتحول بعض آخر منهم إلى دروب التدين السياسي، بينما يتحول أكثر الناس من هذا وذاك إلى دروب الكسب التجاري وإبتغاء الربح حلالاً طيباً أو غير طيب غير آبهين بتزايد وتائر الإستغلال والتهميش التي يلقون فيها أيدي إقتصادهم وحكمهم ونظامهم وتدينهم في تواكل وإغتراب وإستلاب ذاتي يتحول به الفرد في خضم معارك الحياة إلى حيوان مستهلك وكائن ذاتي مغلق أصم أبكم أعمى إجتماعياً إلإ عن مصلحته إذ لا يسمع ولايرى ولا يتكلم إلا مصلحته الضيقة في رفع الأسعار أو حتى في إتقاء شر الحكومة وغير ذلك من مصالح يفرعنها إلى ان تنقلب ضده.

    ان الوعي بالمصالح الطبقية للكادحين ومحاور التغير الإجتماعي في التاريخ هوالأساس في الوعي السليم بالمصالح الوطنية والعالمية وبالأفق الإنساني والإسلامي لحرية الطبقات والمجتمعات المستضعفة من الجوع والخوف، وبالضرورة حريتها من الأدوات العامة لتوليد هذا الجوع والخوف وهي الأدوات الماثلة في عملية تطفيف وتبخيس موازين العمل والإنتاج بإحتكار ملكية وسائله بين أناس جوعى جوعاً مزمناً مركباً للطعام والسكن والمعرفة والعلاج يكلفهم وضعهم البائس في الحياة بالعمل والإنتاج لمصلحة هذا المالك او ذاك وفق تعاقد بين إنسان مكره بالجوع على العمل المأجور ومكتنز قادر على تبديله بغيره، وبعد هذه القسمة الضيزى للملك والإنتاج بين الملوك وأهل القرى يستأئثر المُلاك بلم ثمرات هذا الإنتاج من الكادحين الفقراء والمساكين يكنزه الواحد منهم أو يسفهه وفق ما يهوى، ويترك بهذا الإنفراد والإستئثار للمستضعفين الضنك والفقر يقتاتون من فضله، بينما يزيد مستغلهم بما فاض من صرفه حسابات البنوك (الكافرة) أرقاماً عدداً يعلم إنها تستخدم كثيرا منها في إستضعاف كثير من المسلمين لأسباب طبقية وتاريخية.

    دون توصيل هذا الوعي بأسس إعلامية جماهيرية ونقابية وحزبية منظومة متناسقة ومتزامنة إلى القطاعات الطبقية الأهم في التحول الإجتماعي (أي العمال ودوائرهم لا بين بعض فئات البرجوازية الصغيرة) تبدو عملية حصر الإرهاب في ركن قصي هامشي مجرد تصور يختلف مع الوقائع الوطنية والدولية للصراع الطبقي والعالمي بين قوى الإستعمار والإمبريالية وقوى العمال والشعوب المستضعفة ، كما إنه يفتقد التناسق جهة معطياته القومية والدولية. صحيح إن الإرهاب مهدد للجميع كمنتج إقطاعي لفوارس العصور الوسطى ينشط في العصر الرأسمالي الحديث ضد كل المتعاملين مع الطاغوت (وهونفسه منهم)، إلا ان سحب بساط الظلم الطبقي الذي يقف عليه الإرهاب منتصباً كداعية رباني للعدل الإلهي أو يحمله كـ"قميص عثمان" يحد كثيراً من مشاداته وغلواءه. كذلك تجريده الفلسفي والفكري من المصاحف التي يحملها على أسنه رماحه، بمعرفة نحوها وصرفها والتوافق والتناسخ بين سلاسة معاني آياتها وترتيب نزولها وحكمة وضعها وترتيبها وجمعها على النحو العثماني أو تطور فقهها السني والشيعي على ضوء الاوضاع الطبقية والقومية أموية وعباسية ..إلخ
    غير إن أكثر ما يفيد في هذين العملين هو ربط علوم الحكمة والفلسفة والتاريخ بدراسة الدين والتخصص فيه ليعرف المتعلم الفروق بين المراحل التاريخية والمراحل العامة لتطور المجتمعات والحكم العامة والأديان والقوانين والعلوم وعلاقة التفاسير بالظروف المجتمعية حتى يتقين المرء من معنى آية ((إنما يخشى الله من عباده العلماء))، فدون حكمة نجد المعاني الدينية تفيض عن السعة الضيقة للمعيشة والأذهان وتتحول إلى جهود ودماء مهدرة بإسم إقامة الفضيلة والشريعة والحقيقة وإبداء النصحية بينما تتحول رؤوس أموالها إلى مؤسسات مالية وتجارية سرطانية تغذي الفقر وموبقاته ويتعثر به الناس في طرق وعرة للعيش والحياة يتصادمون في ظلمات لياليه الطويلة في بيوت خالية من الأقارب والضيوف بينما قادتها قادة (الإنقاذ) يعمهون في دواب فاخرة وقصور جنانية يتطاولون بنيانها وأنوار متلألئة ومنازل أوربية لها خدم وحشم وسكرتارية وأولادهم يدرسون في أرقى الجامعات وأولادنا يدرسون في شبه خلاوي بائسة تمتد من أرياف السودان إلى ماليزيا يضحى بها بعض حفاظ المعاني الدينية والمهوسين بحمايتها كالحمار يحمل أسفاراً، لا يدرون الفرق بين حكمة العقوبة وحكمة العلاج الطبي النفسي للمجرم، ولا الشبه والتوافق والإندغام بين ربا المال وربا العمل، ولا يدرون إننا نحن المسلمين الآوائل نقاتل الطاغوت العالمي للبنوك والموسسات المالية والتجارية الربوية وفرقتهم العميلة له، لا نشرك بذلك شيئاً، وإنهم إذا قيل لهم على سبيل الإقتباس من آي القرءآن: لا تفسدوا في الأرض بدعمكم تطفيف موازين الإنتاج والعمل فيها ورعوكم تبخيس حقوق العاملين في عملهم قالوا إنما نحن المصلحون! بلى إنهم هم المفسدون ولكن أكثرهم لا يشعرون. وقد لاتجدي هذه المحاجة في مشروع تقرير سياسي ولكنها ضمن السياق الإنتقادي لعمل مشروع لجنة تسيير المناقشة العامة قد تسد جانباً من النقص الذي لم يُحسن سده، على الأقل حين تميل سطور المشروع من ميلها السابق إلى الحزب الجماهيري المستذخر بالتراث إلى مواجهة تنظيم جماهيري كالحركة الإسلامية تصفه بأنه ((تشكل ترياقاً مضاداً للتحول الديمقراطي والتغيير الاجتماعي)) بينما من المعروف إن الترياق يكون للسم لا للخير ، وإن خان التعبير المعنى الجميل في هذه الجملة، فإن سياق هذه الخيانة، يكشف عن شدة في كيفية التعامل الحركة الإسلامية بأسماءها وتنظيماتها المتنوعة مما يختلف عن تجاوز مشروع التقرير لمسآئل أهم مثل "مسألة التأميم" التي تحد كثيراً من النشاط الإقتصادي للقوى الداعمة للإرهاب أو المتعاطفة معه بأقوالها أو باعمالها أو بأموالها أو بمراعاتها مصالح منسوبيه، مما يجعل من المنطقي أن ينشأ سؤآل بسيط عن طبيعة تمسك مشروع التقرير بشكل موارب بنظام التملك المفرد الخاص لوسائل إنتاج المجتمع ضرورات عيشه وحياته بكل ما ينتجه ذلك الإنفراد بالتملك من أزمات وحركات دينية سياسية، ثم إختلاف المشروع عن سماحه بهذا السبب متجهاً إلى محاربة نتيجته (الحركة الإسلامية | الإرهاب) ووضعها في ركن قصي تمهيداً لدحرها بما يختلف تماماً عن صيغة المؤتمر الجامع وطبيعته التنظيمية القائمة على التراضي والتوافق؟؟

    الأنجع هو وقف أسباب نمو الحركة الإسلامية وكل الحركات المشابهة بالحد من حياة جذورها الطبقية والثقافية القائمة في نظام التملك المفرد الخاص لوسائل إنتاج المجتمع لضرورات عيشه وحياته فهذا النظام يفصم بين القيم الدينية والدنيوية بل ويفصم بتناقضاته كل مجموعة قيم أو أعمال ويفتتها مستهلكاً لها حتى القيم العلمانية التقدمية كالعقلانية والحرية والتعاضد والإخاء والمساوآة والإشتراكية إستهلكها وألقاها كخرقة يرفعها بين الحين والآخر وهو يصيح الحضارة، المدنية، العقلانية، المصالح المشتركة، المجتمع المدني، حقوق الإنسان، العنف ضد النساء، بينما جنوده ومجنداته يغتصبون الرجال والنساء والأطفال في المعتقلات. مما لم يسلم منه حتى الإرهابيين الذين دربوهم في أفغانستان والعملاء الذين نظموهم في العراق. ولا يدفعنا الغضب إلى التعامل برد الفعل على أزماتنا الوطنية والقومية والدولية، ولكن لا يجب أن ننكفي على وقائع التراث أو آفاق المعاصرة، دون إتعاظ بوقائع الحاضر اليومية والطبيعة الطبقية لمعاركه، تلك الطبيعة التي تؤكد بالمجاعات والمعتقلات والمحارق التي تنتجها كل يوم أهمية التغيير الإجتماعي والتحول الديمقراطي الشعبي بهندسة إجتماعية تخرجنا من نظام الإنفراد والإختصاص بوسائل وخيرات الإنتاج دون جهوده إلى نظام يناسب القيم الكريمة في تراثنا وحاضرنا تتحقق به الأسس المادية والثقافية لإشتراك الناس في الناس في تملك وسائل وأسباب عيشهم وحياتهم وفي تنظيم جهود إنتاجهم على هذه الوسائل وحيازتهم ثمرات كدحهم عليها، وهو النظام الذي يتيح إمكانية موضوعية عادلة بإنفاذه حقوق العمل والسكن والتعليم والعلاج والتعبير والتنظيم...إلخ لأن يتنافس فيه عملاً وعلماً وتقل فيه الأسباب المادية والثقافية لكثير من الإختلالات والعلل الإجتماعية بما يسلم به الناس فعلاً من الجوع والخوف بعملهم وتنظيمهم لنفسهم لا بجهد جباة الأموال وجيوش الخليفة وعسسه وإقطاعاته ومواليه.

    20- العواقب الوخيمة لفصل مشروع التقرير بين الطبقي والإجتماعي وبين الإجتماعي والوطني في إطار مباعدته وفصمه ضرورة الترابط بين تطور القوى المنتجة والتغيير الهندسي الإجتماعي لعلاقات الإنتاج:


    يقول نص التقرير(تقويم الحزب لثورة اكتوبر 1964 طرح الحزب انها أهم ثورة قام بها الشعب السوداني بعد الثورة المهدية. ومستلهماً تجارب التحالفات الجبهوية العريضة في التاريخ السوداني، القائمة على واقع التعدد والتنوع في السودان، والتي افضت الى قيام مملكة سنار مطلع القرن الخامس عشر الميلادي، والى انتصار الثورة المهدية في 1885، ثابر الحزب عبر تاريخه في رفع الشعارات والدعوات لقيام التحالفات الجبهوية الواسعة على سبيل تمكين الشعب من تحقيق الانتصارات لاهدافه وقضاياه . وكان من ابرز تلك التحالفات التي ساهم الحزب في تأسيسها أو الدعوة لها:- الجبهة المتحدة لتحرير السودان على ايام المستعمر الاجنبي، الجبهة المعادية للاستعمار، الجبهة الوطنية الديمقراطية، جبهة الهيئات في اكتوبر 1964، جبهة عريضة للديمقراطية وانقاذ الوطن على ايام نميري، التجمع الحزبي والنقابي تحضيراً للانتفاضة، التحالفات القاعدية بين الطلاب والعمال والمهنيين..الخ، وحدة قوى الانتفاضة بعد انتفاضة مارس ابريل 1985، التجمع الوطني الديمقراطي لمقاومة نظام 30 يونيو1989، واليوم ايضاً يطرح الحزب الشعار، ويوجه الدعوة النضالية، لوحدة قوى المعارضة عبر التنسيق والعمل المشترك بين فصائلها لانزال نيفاشا الى ارض الواقع وعقد المؤتمر الجامع لتحويلها من الثنائية الى رحاب القومية. )) ولكن في هذا العرض الصاعد تبدو بعض النقاط المفسدة تناسق التقرير والحزب وهي:
                  

العنوان الكاتب Date
(ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-19-08, 06:15 PM
  Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-19-08, 06:16 PM
    Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-19-08, 06:17 PM
      Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-19-08, 06:18 PM
        Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-19-08, 06:19 PM
          Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-19-08, 06:21 PM
            Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-19-08, 06:22 PM
              Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-19-08, 06:24 PM
                Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-19-08, 06:28 PM
                  Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-19-08, 06:29 PM
                    Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-19-08, 06:31 PM
                      Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-19-08, 06:32 PM
                        Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-19-08, 06:33 PM
                          Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-19-08, 06:34 PM
                            Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-19-08, 06:35 PM
                              Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-19-08, 06:37 PM
                                Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-19-08, 06:38 PM
                                  Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-19-08, 06:39 PM
                                    Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-19-08, 06:40 PM
                                      Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-19-08, 06:48 PM
                                        Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-19-08, 07:11 PM
                                          Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-19-08, 07:15 PM
                                            Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-19-08, 07:21 PM
                                              Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-19-08, 07:26 PM
                                                Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. عوض محمد احمد05-19-08, 07:28 PM
                                                Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-19-08, 07:30 PM
                                                  Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-19-08, 08:14 PM
                                                    Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-19-08, 08:15 PM
                                                      Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Hussein Mallasi05-19-08, 09:11 PM
                                                      Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. salah elamin05-19-08, 09:19 PM
                                                        Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-19-08, 09:50 PM
                                                          Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-19-08, 09:53 PM
                                                            Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-20-08, 05:28 AM
                                                              Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. salah elamin05-20-08, 05:42 AM
                                                                Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. عمار عبدالله عبدالرحمن05-20-08, 07:25 AM
                                                                Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-20-08, 06:47 PM
                                                                  Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. nadus200005-21-08, 09:17 AM
                                                                    Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-22-08, 02:20 AM
                                                                      Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-22-08, 04:54 AM
  Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Al-Shaygi05-22-08, 05:49 AM
  Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. عبد الوهاب المحسى05-22-08, 06:51 AM
    Re: (ذوالنون جعفر محمد علي بخيت )يكتب عن( العدل و المساواة).. Tragie Mustafa05-25-08, 09:51 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de