شهدت الخرطوم، وما تزال حتى كتابة هذه الكلمة، تدفقا لاحداثيات الصراع العسكري بين المركز والجهات السودانية إلى خارطتها. لم يغب هذا الصراع عن الخرطوم في أي مرحلة من مراحله، إذ لا يمكن تصور أن تتطاول الحروب في الجهات ولا تطال مركز الحكم ولو خدشا، خاصة وكل عناصر التوتر الاجتماعي والسياسي ساكنة في الخرطوم وحاضرة. بهذا المعنى ليست الاشتباكات في الخرطوم تحولا نوعيا لا سابقة له، وإنما توسع متوقع لخارطة حرب ليست العاصمة عنها باستثناء.
من هاله رعب قتال الشوارع في العاصمة المحروسة فلينظر بعين المقارنة لعهد الرعب المتطاول في مدن دارفور وقراها، بهذا المعنى لا فرق بين أم درمان والفاشر وكرنوي وشنقلي طوبايه وغيرها من مدن الحريق السوداني وقراه. الثابت أن خنق العمل السياسي وتطويق مواعينه، والاستبداد ومظالمه، والتهميش وعنصريته، والديكتاتورية وجنونها، كلها عوامل ساهمت في تفجير الأزمة السياسية والاجتماعية حتى تصاعد حريقها في الأطراف السودانية ثم لحق لهبه بأم درمان وجاراتها. كل ذلك متداخل وصراع محتدم داخل الطبقة الحاكمة، أطرافه معلومة في خاطر الشارع السوداني، كل من هذه الأطراف يشد من جانب حتى انقطعت حبال السياسة بينها واستبدلتها بصناديق الذخيرة.إن الرعب الحقيقي أن يصبح كل من ينطق لسانه أو تصرح سحنته بأصل دارفوري هدفا لبطش الدولة الغاضبة فبذلك تكون الدولة قد قضت على كل احتمال لحل سلمي وألقت بكلفة الصراع على كاهل مجتمع تشقق من فرط مظالم متراكبة. النداء لشعبنا أن يعف عن الاستهداف العرقي، ويؤمن نفسه وحياته بالعقلانية التي طالما فدته من مهاوي الحرب العرقية، فقد صمد بدرجة أو أخرى وطوال مراحل متعددة من الصراع بين المركز والجهات، صمد عن الانهيار التام إلى عنصرية ترى في الموت المتبادل بديلا للحياة المشتركة.
صوت العقل الآن أن نعود بالصراع إلى ساحة السياسة، لا سبيل إلى الأمام سوى بالعمل من أجل حل سلمي ديمقراطي ليس لأزمة دارفور فحسب، وإنما للأزمة السودانية في شمولها، فما شهدناه طرفاً من الصراع وليس كله، طرفاً ملتهباً إن تركناه يستشري هوى بحياتنا جميعا في درك فوضى الكل ضد الكل. والخطوة الأولى إطلاق سراح أبناء دارفور الذين ألقي القبض عليهم بلا جريرة سوى أنهم من دارفور. الحل السلمي الديمقراطي طريقنا الجماعي لإنقاذ أنفسنا، فلننظر أين دروبه، نشقها شقا نحو مؤتمر دستوري يضم كل الأطراف السياسية دون استثناء لعنصر أو جهة أو عرق.
= = = = = = السودان لكل السودانيين المجد لشعب السودان ... المجد لأمة السودان
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة