|
ديماغوجي بداغوجي
|
أعتذر عن استخدام مصطلحين غريبين عن استعمالنا اليومي، لكن هذه الفئتين من المجتمع أحمـّلها الكثير من الأخطاء التي نعيشها بشكل مباشر، وقد قضيت شطرا كبيرا من حياتي في رفضهم ومحاربة طريقتهم في التعامل مع المجتمع.
فالديماغوجيون هم فصيلة من البشر تستغل بساطة وطيبة الشعوب والمجتمعات، وتستخدم الكلمات والشعارات الرنانة، وتلجأ للمناورات والحيل السياسية لتوهم الناس أنها تسعى لمصلحتها، ولكنها في الحقيقة تسعى للوصول إلى الحكم بأية وسيلة. وقد يكون أقرب مثال عليها هي "بعض" حركات الإسلام السياسي، التي نشاهدها في عالمنا العربي والإسلامي، والتي تحارب وجود الآخرين، وتسعى لإغلاق باب العقل والاختيار في المجتمع، لأنها تعلم أن ذلك يقود إلى الفكر والحقيقة التي تكشف زيف إدعاءاتها الباطلة.
أما البداغوجيون فهم فصيلة أخرى، تتبنى المنهجية العلمية "الأكاديمية" في التفكير والتصرف، ولكنها تطبقها بشكل آلي وحرفي بحيث تكون بعيدة كل البعد عن مقاصدها وأهدافها. وربما يسهل التعرف إليهم إذا ما ذكرتكم بأحد الأساتذة الغلاظ في مراحل الدراسة، أو بدكتور/دكتورة مر عليكم أثناء الجامعة، يسير في ردهات الكلية وأنفه يكاد أن يصل السقف، ويجمع المعلومات من بعض المراجع ثم يشعرك أنها من اكتشافه، ويعامل الطلاب على أنهم رعايا لديه.
كلا الفصيلتين تجتمعان في صفات مشتركة، مثل التعامل مع الناس بفوقية، وكأنهم آلهة يجب أن تطاع، ويحرم عليك مجادلتهم أو مخالفتهم، ولا يجدون ضيرا في استخدام العنف الجسدي إذا استدعى الأمر، بل يجدون له التبرير والمنطق حتى لو كان على الأطفال والنساء (قد تصل للقتل والتصفية بالنسبة للرجال).
رجل واحد في رأيي استطاع أن يدخل وسط هاتين الفصيلتين، ثم يخرج من تحت عباءتهما. فقد درس التراث الفكري الإسلامي حتى صار أحد المراجع العلمية فيه على مستوى العالم، وسلك الطريق الأكاديمي إلى أن وصل إلى مرتبة بروفسور في جامعة السربون، واستطاع أن يدمج ما بين الاثنين ليخرج بمنهج يدعو فيه إلى فكر عالمي توحيدي بين الثقافة الإسلامية والثقافات الأخرى، مبني على مبدأ "الأنسنة"، وهو المفكر الإسلامي البروفسور محمد أركون.
وعندما سمعت أنه سيشارك في مهرجان ربيع الثقافة في البحرين، جعلت محاضرته هدفي، لكني للأسف لم استطع الذهاب إليها، فتبرع أحد الأصدقاء أن يحضرها هو وزوجته ويسجل كامل المحاضرة نيابة عني (ما أسعدني بأصدقائي). واستمعت إلى حديثه، وإلى وصف صديقي لطريقة إلقاءه، التي ضحكت كثيرا عندما أخبرني أنه كان يلقيها واقفا كما لو كان في قاعة الجامعة. وعندما انتهى منها وبدأ وقت المداخلات، لم أتعجب عندما قال لي صديقي أن أركون قد عنّف أحد السائلين بقوله "عيب عليك"، فربما أركون لم يتخلى عن كل بداغوجيته تماما.
http://magickingdom.jeeran.com/archive/2007/4/196657.html
|
|
|
|
|
|
|
|
|