أبو عثمان عمرو بن بحر محبوب الكناني الليثي البصري (159-255هـ) أديب عربي من كبار أئمة الأدب وأحد شيوخ المعتزلة، ولد في البصرة . كانت وفاته بالبصرة في سنة 255هـ عندما كان جالسا في مكتبته يطالع بعض الكتب فوقع عليه صف من الكتب فمات مدفونا بالكتب, مخلفاً وراءه كتباً ومقالات وأفكاراً ما زالت خالدةً حتى الآن.
هذه بعض المقتطفات من سفره الرائع (الحيوان) .. يقدم فيه نصائح قيمة لمن يتصدى للكتابة .. (فتأمل) كما يقول الدكتور حسن أبشر الطيب .. فما أحوجنا إلى التبصر فيها :
Quote: وقد تجدُ الرجلَ يطلبُ الآثارَ وتأويلَ القرآن، ويجالس الفقهاءَ خمسين عاماً، وهو لا يُعدُّ فقيهاً، ولا يُجعَل قاضياً، فما هو إلاّ أن ينظرَ في كتب أبي حنيفة، وأشباه أبي حنيفة، ويحفَظَ كتبَ الشروط في مقدارِ سنةٍ أو سنتين، حتى تمرَّ ببابه فتظن أنه من باب بعض العُمَّال، وبالحَرَا ألاّ يمرَّ عليه من الأيّام إلاَّ اليسير، حتَّى يصير حاكماً على مصرٍ من الأمصار، أو بلدٍ من البلدان، وجوب العناية بتنقيح المؤلفات وينبغي لمن كَتبَ كتاباً ألا يكتُبَه إلاّ على أَنَّ النَّاس كلَّهم له أعداء، وكلُّهم عالمٌ بالأمور، وكلُّهم متفرِّغ له، ثم لا يرضى بذلك حتى يدع كتابه غُفْلاً، ولا يرضى بالرأي الفطير، فإنَّ لابتداءِ الكتابِ فتنةً وعُجُباً، فإذا سكنت الطبيعةُ وهدأت الحركة، وتراجَعَتِ الأخلاطٍُ، وعادت النفسُ وافرة، أعاد النَّظر فيه، فَيَتَوَقَّفُ عند فصوله توقُّفَ من يكونُ وزنُ طمَعُه في السلامةَ أنقَصَ من وزَنِ خوفِه من العيب، ويتفهَّم معنى قول الشاعر: إنَّ الحديثَ تَغُرُّ القومَ خلوتُه حتَّى يَلِجَّ بهم عِيٌّ وإكثـارُ
ثم يقول:
Quote: وليعلم أنَّ صاحبَ القلم يعتريه ما يعتري المؤدِّبَ عند ضربه وعقابه، فما أكثر من يَعزمِ على خمسةِ أسواط فيضرب مائة? لأنَّه ابتدأ الضربَ وهو ساكنُ الطباع، فأراه السكونُ أنَّ الصواب في الإقلال، فلما ضرب تحرَّك دمُه، فأشاع فيه الحرارةَ فزادَ في غضبه، فأراه الغضبُ أنّ الرأي في الإكثار، وكذلك صاحب القلم؛ فما أكثرَ من يبتدئ الكتابَ وهو يُريد مقدارَ سطرين، فيكتب عشرة والحفظُ مع الإقلال أمكَن، وهو مع الإكثار أبعَد.
ثم يقول:
Quote: واعلم أَنَّ العاقلَ إنْ لم يكن بالمتتبِّع، فكثيراً ما يعتريه من ولده، أَنْ يحسُنَ في عينه منه المقبَّحُ في عين غيره، فليعلمْ أنَّ لفظه أقربُ نسباً منه من ابنه، وحركَتَه أمسُّ به رِحْماً من ولده، لأَنَّ حركتَه شيءٌ أحدثَه من نفسه وبذاتِهِ، ومن عين جوهرِه فَصَلت، ومن نفسِه كانت؛ وإنَّما الولدُ كالمخْطَةِ يتمخَّطها، والنُّخَامةِ يقذِفها، ولا سواءٌ إخراجُك مِنْ جزئك شيئاً لم يكن منك، وإظهارُك حركةً لم تكن حتَّى كانت منك، ولذلك تجِدُ فتنةَ الرجُل بشِعرِه، وفتنتَه بكلامِه وكتبِه، فوقَ فتنتِه بجميعِ نعمته.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة