ثورة المقابر رواية لضياء الشريف

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-14-2024, 09:02 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-26-2008, 09:19 PM

نزار باشري ابراهيم
<aنزار باشري ابراهيم
تاريخ التسجيل: 04-03-2005
مجموع المشاركات: 588

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ثورة المقابر رواية لضياء الشريف (Re: نزار باشري ابراهيم)

    1
    إبتدأت القعدة بداية راقية , فمع دوران الكؤوس الأولى دارت أبيات الشعر لتحرك في النفوس شجناً كامناً وحنيناً مقيماً ... مع توالى الكؤوس وزحف الخدر إلي مناطق الوعي والتركيز بالدماغ إنسحب الوطن ململما ذكرياته ليغادر المكان , وكلما إرتفع عدد الكؤوس إرتفع الصخب وعلا الضجيج , وبعد أن كانت الأغنيات راقية وشجية مثل:
    ياحبيبي ظمأت روحي وحنت للتلاقي
    وهفا قلبي إلي الماضي وناداني إشتياقى
    تحولت إلي أغنيات هابطه ذات إيقاع مرتفع وصاخب مثل :
    كده كده ياالترله .. الترله
    قاطرا قندران .. قندران .. قندراااان
    وصل الضجيج إلي مسامع الزوجة الحامل فتحاملت على نفسها ونهضت ببطء وجنينها يتململ في أحشائها مسبباً لها آلاماً لا تطاق وقلبها يحدثها بأن الليلة لن تمر على خير . وقفت قريبا من باب الصالون ونادت على زوجها ولكن أصوات الشلة المرتفعة إبتلعت صوتها الواهن فلم يسمعها أحد , أطلت برأسها فوجدت زوجها وشلة أنسه منهمكين في الرقص والغناء فلفت أحدهم نظر زوجها أن زوجته تريده فخرج والشرر يتطاير من عينيه وسحبها سريعاً إلي الصالة الداخلية وهو يعنفها ويقول لها :
    -لم يبقى إلا أن تشاركينا القعدة
    تماسكت المرأة وذكرت زوجها بأن جارهم الذي يسكن تحتهم مباشرة قد إشتكى له أكثر من مره من هذا الضجيج اليومي الذي يسببه لهم , وسبق أن أوفد زوجته لى كحل أخير بعد أن يئس منك-هكذا قالت الزوجة-فانفجر زوجها في وجهها :
    -ولماذا توبخيني فقط ؟إضربيني حتى ينصلح حالي !!!
    ثم صفعها بقوة حتى كادت أن تقع فأمسكها من شعرها بيد ووضع قبضته الأخرى على بطنها وقال :
    -لولا خوفي على إبني البكر لقطعتك إربا إربا , أدخلي غرفتك ولا تخرجي منها إلا إذا أمرتك بتجهيز العشاء , ودفعها بقوة قائلا :
    -هيا تواري عن وجهي يالئيمه .
    تراجعت المرأة ووقعت على الكنبه وكاد أن يغمى عليها من هول الصدمة . فرغم المشاحنات المستمره بينهما والتي إبتدأت منذ زواجهما قبل ما يقرب من سبعة أشهر أو يزيد إلا أنه لم يدر بخلدها قط أن يصلا إلي هذه النقطة الفاصلة ..أن يمد يده ويضربها .. إنها النقطة الفاصلة , فكلام زوجها يحمل نبرات صادقة ونظراته تطفح بالكراهية وشعرت بغربتها تتضاعف ... غربة عن الوطن والأهل وغربة في بيتها وعن زوجها , فسألت نفسها : أليس إبن العم أخاً لبت عمه في الغربه ينصرها على زوجها إذا ظلمها وأهانها فكيف الحال وإبن العم نفسه هو الزوج , ورددت ونفسها تفيض بالأسى والمراره : ما بال هذا العربيد لا يرعى لى حقاً كزوجه أو كرحم أو حتى حق الجوار وحق الإسلام , وتذكرت كيف أن التقاليد الظالمة في بلدها سلمتها كالبهيمة لهذا الرجل البشع بدعوى أنه إبن عمها وأحق بها من الجميع .
    تذكرت قريتها النائمة في هدوء بين النيل وحقول الذرة وطفولتها فيها .
    تذكرت أيام دراستها بالمرحلة الإبتدائية وقت أن كان التعليم الإبتدائي مختلطاً .. تذكرتها يوما بيوم , بل حصة بحصة .. وطابور الصباح , والرحلات الممتعة التي يأخذهم إليها معلم التاريخ إلي مدن الشمال البعيدة .. يطير بهم إلي حلفا ومحمد قول ومدن أخرى تفوح من آثارها ومعالمها رائحة التاريخ المعطر بالبطولة , كل ذلك وهم جلوس بالصف لم يغادروه قط.
    تذكرت ذاك الشعور الغريب الممزوج بالبهجة والسرور والخجل كلما تلاقت عيناها مع عيني مصطفى وهما لا يزالا أطفالا بعد فخفق قلبها بشده.
    تذكرت طبعه الهادئ والخجول ونظراته التي كانت تقول إن مصيرهما سيكون مشتركا.
    تذكرت أنه كثيرا ماترجم هذا الوعد الصامت عملياً حينما تشاركا أكثر من مره في الترتيب الاول .
    تذكرت كيف كان قلبها يخفق بشده حينما كان المعلم ذو الصوت الجهوري الذي يوزع الشهادات آخر العام ينادي بفخر .. الأول مشترك: مصطفى الماحي وزينب الإمام .
    تذكرت دوى تصفيق الطلبة المصطفين في طوابير بساحة المدرسة مشكلين مربعاً يقف المعلمون ومديرهم في وسطه تماما والتصفيق يزداد حماساً كلما تقدما خطوة ناحية المركز ليتحول إلي دوياً يخيل إليها أن كل الدنيا تردد أصداؤه .
    تذكرت ذاك المس الكهربائي الذي كان يسرى في جسدها الصغير حين يصافحها مصطفى بمجرد إستلامهما لشهادتيهما فسرت رعشة في جسدها المثقل بالحمل وأهوال الفاجعة.
    تذكرت أنها لم تكن قد سمعت عن شئ إسمه الحب وكيف كانت الحيرة تطويها كلما حاولت تفسير ذاك الشعور المربك والمبهج في آن الذي تحسه بحضور مصطفي .
    تذكرت يوم جاء أخوها الذي يكبرها بعامين يحمل بشرى نجاحها لدخول المرحلة المتوسطة وفرحتها التي قتلها والدها بنظرة طويلة فاحصة وكلماتٍ مقتضبة حادة .
    تذكرت نظراته إلي نهداها النافران وردفها الذي كان يكمل آخر مراحل تكويره وكلماته القصيرة :
    يكفي هذا .. مدرستك منذ اليوم هنا مع أمك .
    تذكرت دفاع أمها المستميت عنها وعن حق إبنتها في مواصلة تعليمها حتى كاد الأمر يؤدي إلي طلاقها فاستسلمت هي وأمها للأمر الواقع ولم تناقشا بعد ذلك . تذكرت أن والدها لم يرتكب جنايته ضدها فقط , وإنما ضد مصطفى أيضاً الذي إختفى بعدها بشهر تاركاً جلابيته تتوسد حجرا على ضفاف النيل .
    تذكرت الأيام الطويلة التي قضاها رجال القرية وشبابها في الغطس بحثاً عن جثمانه بغير جدوى .
    تذكرت أيام العزاء والعويل من حناجر النساء في مأتمه ..
    تذكرت الإشاعة التي إنطلقت بعد شهر من مأتمه والتي تقول أن أخته الصغيرة ذات العامين قد رأته لآخر مرة يخرج فيها من المنزل يحمل في يده كيساً به ما يشبه الملابس .
    تذكرت أن الإشاعة أصبحت حقيقة حينما وجدوا أن ملابسه كانت ناقصةً بنطلوناً وقميصاً هما آخر ما إشتراه له والده هديةً لنجاحه في الدخول إلي المرحلة المتوسطة .
    تذكرت الأمل الذي ولد في النفوس بعودته والبحث المحموم عنه لأشهر طويلة في المدن والضواحي والمشافي والأقسام وكل مكان إستطاع والده الوصول إليه حتى صار فقيراً معدماً .
    تذكرت أنا أهله وأهل القرية كلهم لم يجدوا سبباً واحداً لهروبه لو كان قد هرب فعلاً وأن الجميع وبعد أن عجزوا عن حل هذا اللغز رجحوا كفة غرقه وسلموا أمرهم لله ... وحدها كانت تعلم , ولكنها كانت تعلم نصف الحقيقه فقط .
    تذكرت أمها الرقيقة المستكينة أمام تجبر وتسلط والدها الظالم والذي تساءل يوماً عن سر عزوف الخطاب عن إبنته رغم جمالها الفائق وفتنتها الطاغية التي سببت له هاجساً أقض مضجعه ورد امها قائلة له :
    -وأين رأها الشباب .. إن إبنتك ومنذ أن حرمتها من المدرسة لم تخرج , حتى فناء الحوش الخارجي لا تجلس فيه . ذهل الرجل وسأل أمها بدهشه :
    -كل هذه السنوات ؟!
    تذكرت أنها سمعت ولأول مرة في حياتها صوت أمها يرتفع في وجه أبيها حينما ردت عليه بحدة :
    -أنت نفسك قل متى رأيتها آخر مرة ؟!
    ثم أردفت وهي تشيح بيدها وقد إكتست ملامحها بالأسى
    -حتى في المرات القليلة التي أنجح في إخراجها معي بشق الأنفس تكون ساهمةً واجمة في المجلس حتى أن النساء أشعن أنها أصبحت متخلفة فمن منهن تسمح لإبنها بالتقدم لها. أنا نفسي أحس بأنها غريبةً عليَ .
    ثم أخذت تنتحب وهي تردد :
    -أنت السبب ياللخسارة .
    فحمل الرجل عصاه وانسحب خارجاً من غير أن يتفوه بكلمه .
    تذكرت محاولات أخيها الوحيد لإخراجها من عزلتها وحينما فشل أصبح يروح عنها بجلوسه المستمر معها وحنوه عليها وجلبه للكتب والمجلات التي تحبها حتى أصبح كالهواء بالنسبة لها لا تستطيع العيش دونه .
    تذكرت اليوم المشهود في القرية ... اليوم الذي حفر تاريخه في ذاكرة القرية والقرى المجاورة كلها , يوم أن ظهر مصطفى فجأة بعد خمس سنوات وستة أشهر وثلاثة عشر يوماً بالتمام والكمال .. لقد أصبح شاباً قوياً عريض المنكبين وبشارب خفيف وشكل وسيم وكأنه أحد أبناء الأثرياء الذين يعيشون في القصور .
    تذكرت إحتفالات الفرح ومهرجانات التكريم التي أقيمت له وهرولة الرجال والنساء والشباب والأطفال لرؤيته وكأنه قادم من أحد الأساطير التي تحكيها الجدات للأحفاد قبل النوم .
    تذكرت أن أمها ذكرتها بأنها المرة الوحيدة التي لم تمانع فيها من الخروج معها حين دعتها للذهاب معها للتهنئة وتذكرت أنها رجعت من منتصف الطريق حين بلغ بها الإرتباك مداه لتترك أمها تشيعها بنظرات كلها ريبة وشك .
    تذكرت إنها عادت بعد ساعة بدت كدهر وأطول لتقول لها باقتضاب : لقد كان يبحث عنك .. فاهتزت بشدة وكادت أن تقع لولا أن أمسكت بها أمها واجلستها برفق وسألتها :
    -هل كنت تعلمين من البداية أنه لم يمت ؟ هل كنت تنتظرين عودته ؟
    تذكرت أنها حشدت نفسها وسألت أمها بجرأة : هل سألك عني ؟ فردت أمها :
    -لقد كانت القرية كلها هناك يلتفون حوله وكان ينظر حوله ويتطاول بعنقه باحثاً بعيونه عن شخص ما , وما أن رأني أدخل حتى تهللت أساريره وشق الجمع متقدما نحوي وعيونه تبحث خلفي , كانت عيناه متجهةً نحو الباب وكأنه يتوقع دخول شخص معي وحينما تقابلنا وجهاً لوجه سلم عليّ بحراره وهو مازال ينظر نحو الباب وحينما تيقن إني وحدي رأيت الخيبة ترتسم على وجهه وعيناه مازالتا
    تبحثان يميناً وشمالاً … لقد حدق فيَ طويلاً وعيناه تقولان كلاماً كثيراً حتى إن والدته لاحظت ذلك . صمتت المرأة قليلا ثم سألت إبنتها :
    -والأن قولي لي كيف حدث هذا وقد غادر وأنت …. ثم صمتت لفترة وسألتها مرة أخرى :
    -هل إتفقتما على ذلك منذ الطفولة ؟

    تذكرت أن أمها لم تضغط عليها لتجيب بل قالت :
    -يقولون أنه عاد بمالاً كثيراً , وقد صار وسيماً كأبناء المدن الكبيرة .
    ثم أحتضنتها وهي تقول :
    -الأن فقط بدأت أفهم كل شيء , كيف فاتني أن ألحظ ذلك منذ زمن بعيد ؟ كيف وهي نفس القصة تتكرر ثم سمعت صوت أمها ضعيفاً واهناً كالحشرجة وهي تضيف :
    -ما أشبه الليلة بالبارحة ولكن ليت النهاية تكون مختلفة .
    تذكرت أنها رفعت رأسها من صدر أمها ونظرت إلي وجهها فرأت دمعتان كبيرتان تنحدران من عيناها ثم لم يلبث شلال الدموع أن إنهمر سائلاً عبر مضايق الشلوخ في الخدين بغير توقف فسألتها بجزع :
    -أمي ماذا حدث ؟ ماذا تعنين بقولك ؟
    ولكن أمها لم تجبها على سؤالها بل رفعت يديها نحو السماء ودعت لها كثيراً وطلبت من ربها أن يهب السعادة لبنتها الوحيدة ويحقق لها ماتتمناه .
    ولم تسأل أمها مرةً أخرى وحاولت أن تفهم على طريقتها .
    تذكرت أنها لم تنم ليلتها تلك وخُيل إليها أن الصبح لن ياتي أبداً , رغم تعودتها على الأرق إلا أن طعمه كان مختلفاً هذه المرة , وتذكرت تلك الليلة الغامضة التي قضاها النبي يونس في بطن الحوت في أعماق اليم فأخذت تدعو ربها طيلة الليل أن يجعل مصطفى من نصيبها .
    تذكرت محاولات أمها لأخذها للسلام عليه ورفضها لأسباب بدلت لها منطقية وإن لم تقنع أمها كلياً .
    تذكرت أن مصطفى بعث لها مع أخته التي صار عمرها سبعة أعوام ونصف بورقة صغيرة مازالت تحتفظ بها , كلمات قليلة تقول : لقد كان الواجب يحتم على من كانت تقاسمني الدرجات والترتيب أن تأتي لتُسلم على فإن لم يكن بحق هذا فبحق الرحم الذي آوانا ... رحم هذه القرية التي آتى كل أهلها الطيبون لآداء الواجب معنا . أنا سأتي تدفعني مشاعر نبيلة ومقدسة للسلام على زميلتي الطيبة زينب الإمام . ولم يقل كيف ومتى , وارتاحت في أعماقها لكلماته الحذره , فما زال مهذباً يتكلم كأخ فقالت في نفسها : معه حق فهو قد يظن إنني لا أهتم لإمره
    تذكرت أن مصطفى قام في اليوم التالي برفقة والده بزيارة معظم بيوت القرية يوزع الهدايا الصغيرة حتى وصل أخيراً إلي بيتهم , وقد قال لها فيما بعد أنه لجأ إلي هذه الحيلة لأنه لم يكن يعلم حقيقة مشاعرها وحتى يقطع الطريق على أي شك أو خاطر قد يراود أهلها آو أهل القرية .
    تذكرت حينما دخل دارهم برفقة والده وقد كان والدها غائباً , فقط أمها وأخاها , كاد أن يُغمى عليها حينما وضع يده في يدها مصافحاً وهو ينظر إليها بلهفة : نفس المس الكهربائي القديم .
    تذكرت أن الله وقف معها فأنزل السكينة على قلبها ولم يلاحظ أحد من أمرها شيئا.
    تذكرت أنها تمنت لو كانت مثله تلبس نظارة سوداء داكنة لتشبع نفسها من النظر إليه كما يفعل وهو يجلس في مواجهتها .
    تذكرت سؤال أخيها له : أين كنت يا مصطفى كل هذه السنوات ؟ فابتسم وقال : السؤال التقليدي الذي يسأله الجميع .
    تذكرت والده حينما قال وهو ينظر إليها بإمعان وكأنه يوجه حديثه إليها وليس لأخيها صاحب السؤال :
    -لقد حكى لي مصطفى عن كل شيء , وقد سامحته وغفرت له . ثم أردف وهو يهز رأسه مؤكدا :
    -لقد كان محقاً ... يكفي أنه عاد رجلاً وقد إستحق عفوي عنه ... والآن دعونا ننظر إلي الأمام فقط .
    تذكرت أنها وفي تلك اللحظة فقط وجدت نفسها التي كانت تائهةً عنها لأكثر من خمسة أعوام .
    وتذكرت أيضاً أن أمها ألتقطت المعنى الخفي لكلام حاج الماحي فقالت :
    -لابد أن مصطفى تعب كثيراً في غربته التي أخذته صغيراً , وكل من سعى وشقى سيكون الله عونا له في الوصول إلي هدفه الذي خاطر من أجله .
    فنزل كلام الأُم عليها وعلى مصطفى وأباه برداً وسلاماً .
    تذكرت عودتها للحياة مجدداً وإندامجها فيها بكل مرح وعنفوان .
    تذكرت العرف الظالم الذي فرض نفسه كما يحدث دائماً في كل خطبه ومشروع زواج فقد قال والدها لحاج الماحي الذي طلبها لإبنه : دعني أشاور أخوتي . فرد حاج الماحي : ولكن أبناء إخوتك متزوجون . فذكره أباها قائلا :لابد من مشورتهم , ثم أن إبراهيم أبن أخي المغترب منذ سبعة أعوام غير متزوج ... صحيح أنه لم يتحدث بشأنها ولكن الواجب يحتم علينا أن نستشيره .
    قال حاج الماحي :
    -أرجو المعذرة فقد أصبحت كثير النسيان .. أرجوأن يتم ذلك سريعاً.
    تذكرت أن أباها ربت على كتف حاج الماحي وقال له :
    -ثق أن البنت لمصطفى لو رفضها أبن عمها وسآتيك بالخبر اليقين بعد يومين .
    تذكرت ثورة أمها العارمة ... الثورة الوحيدة التي قامت بها والتي كادت أن تعصف بالبيت الهادئ وتزلزل أركانه ولكن الأب لم يتزحزح عن موقفه رافضاً الخروج عن قانون القوم والعرف السائد بينهم منذ الأزل مذكراً زوجته بأن زواجها منه قد تم طبقاً لهذا القانون .
    تذكرت القدر العاصف الذي قذف بأبن العم إلي القرية فجأة ودون ودن سابق وعد وفي نفس ذلك المساء الحزين والثورة في المنزل في أوج عنفوانها وكأن الشيطان هو الذي رتب كل شيء .
    تذكرت أن أمها قالت بذهول حين سمعت بعودته المفاجئة : لقد كان هناك أمل لو تحدثوا معه بالتلفون , أما قد حضر فلن يرفضها إذا رآها ... ليته يعمى قبل أن يراها . وقد حدث ما توقعته الأُم ,, وكعروس النيل التي تقدم قرباناً له في كل عام
    وتساق إلي حتفها رغماً عنها سيقت هي إلي الزواج من أبن عمها رغماً عنها وعن أمها وأخاها وانتصر العرف الظالم كما هي العادة دائماً .
    تذكرت مراسم زواجها والذي أطلق عليه أهل القرية الفرح الحزين , فقد كانت معادلة الفرح مختلة تماماً فأحد طرفي هذه المعادلة : هي وأمها وأباها وأخاها لم يبد عليهم ما يشي بفرحهم , فهي كانت واجمة فاغرة فاها تنظر حولها بذهول وبدا عليها أنها أُصيبت بالبله والخرس , وأمها كانت تجاهد بكل ما أوتيت من قوة لتطرد من وجهها العبوس والغيظ الذي لم يعد كظيماً ولم تستطع إلي ذلك سبيلا فهمست في أذنها : أما وقد وقعت الفاس في الراس فلا مفر من الأمر قبول الواقع , ابحثي عن الجانب الطيب في زوجك ولا تكدري عيشه .
    أخاها الوحيد وصديق عمرها والذي كان يحنو ويشفق عليها اكثر من نفسه بدا متوتراً هو الآخر ويتحرك بعصبية ويؤدي واجبه على مضض ، حتى اباها كان يجلس كالتمثال وقد خلا وجهه من أي تعبير وكان يتحاشى المرور امام زوجته , ولو حدث ذلك فهو يشيح بوجهه الي الناحية الاخرى.
    اهل القرية انطلقت ألسنتهم في حفل الزفاف بالمقارنة بينها وبين زوجها الأصلع الذي يكبرها بإثنين وعشرون عاماً , ولأن الشيء يظهر حسنه الضد فقد بدت المفارقة صارخةً وتبعث على الحزن والأسى فرثوا الجمال والشباب والادب والاخلاق .
    تذكرت ان حقده عليها ولد في لحظة المراسم المتناقضة هذه حينما ألغي رحلة شهر العسل الي العاصمة واصر على الدخول بها في تلك الليلة لياخذها بعد ذلك فورا الي حيث يعمل الان هنا وهي بالكاد تستطيع المشي .
    تذكرت دخوله بها في الغرفة الشرقية التي جهزت لهما في بيت عمها .. لم يهدئ من روعها ولم يقم بتهيئتها بل اغتصبها بوحشية غير عابئاً بصراخها ولا بنزيفها الذي اسعد اهله كثيراً .
    تذكرت قدومها معه قبل سبعة اشهر واطراف الكلام الذي وصل مسامعها عن طبعه السيء وجنونه الذي ساقه الي السجن اكثر من مرة .
    تذكرت الشهور السبعة التي عاشتها معه يوما يوما والتي بدت كمئتين وعشرة عاما من الذل والهوان الذي كانت تتجرعه على يديه .
    تذكرت اللقاءات الزوجية التي كانت تتم بينهما والتي كانت تنتهي دائماً نهاية مفجعة ، فهو ظل وعلى مدى الشهور السبعة الماضية يتبع نفس الأسلوب والطريقة اللتان اتبعهما معها يوم دخلتها وكأنه ينتقم منها فشعرت بالغثيان .
    تذكرت ماحدث في الليلة السابقة ... أي قيل أربعة وعشرون ساعة فقط حينما دخل عليها الغرفة يتطوح من السكر وعندما رفضت الإستجابة متعللة بآلام ببطنها وغثيان يجعل رأسها يدور استشاط غضباً وإتهمها بممارسة السحاق مع صديقتها الجميلة نادية فجن جنونها ودفعته بيديها قائلة للمرة الألف : طلقني .
    فأشار إلى بطنها وقال ببرود : قبل أن تطلبي الطلاق مرة أخرى تذكري أن مصيرك إرتبط بي إلى الأبد . ثم أردف : قد أتزوج عليك ولكني لن أطلقك أبداً .
    تذكرت ان فكرة التخلص من الجنين إنبثقت في ذهنها في تلك اللحظة فقالت له : ابنك لن تراه ولو لم تطلقني بالحسنى فسأخبر ابي واخي بتصرفاتك الشاذة وافعالك المشينة التي تحاول ممارستها معي .
    تذكرت ان الخوف اطل من عينيه وارتخى قضيبه نحو الارض وقال بقلق :
    -انت لن تفعلي ذلك يا زينب . فردت عليه بتحد :
    -بل سافعل ان لم تطلقني . فقال لها وقد استبد به الغضب فجاة :
    -منذ اليوم لن تخرجي من هذه الشقة ابدا سأغلقها عليك بالمفتاح , ولو اضطررت لقتلك سأفعل .
    تذكرت كل ذلك فصارت تغلي كالمرجل ولاول مرة يعتريها شعورً عارم بالحقد وتتملكها رغبة جامحة ومجنونة في الانتقام وايقنت انها وصلت حافة الهاوية فقررت ان تهوي ومعها جميع ظالميها لتسلبهم طعم الحياة ويعيشوا في الندم ما بقي لهم من عمر وقررت ان تبدأ بزوجها أولا وتحرمه من هذا الابن الذي ينتظره بلهفه , فاحتوت بطنها بيدها وهي تبكي بحرقة وتتوسل الي ابنها الذي يعيش في احشائها ان يسامحها ويغفر لها , واخذت تهدهد في بطنها كما لو كانت تحمل طفلا وهي تقول : لنعش هذه الليلة لبعض وان غدا لناظره قريب .
                  

العنوان الكاتب Date
ثورة المقابر رواية لضياء الشريف نزار باشري ابراهيم04-22-08, 10:22 PM
  Re: ثورة المقابر رواية لضياء الشريف نزار باشري ابراهيم04-22-08, 10:37 PM
  Re: ثورة المقابر رواية لضياء الشريف نزار باشري ابراهيم04-22-08, 10:41 PM
  Re: ثورة المقابر رواية لضياء الشريف نزار باشري ابراهيم04-22-08, 10:47 PM
  Re: ثورة المقابر رواية لضياء الشريف نزار باشري ابراهيم04-26-08, 09:19 PM
  Re: ثورة المقابر رواية لضياء الشريف نزار باشري ابراهيم04-26-08, 09:24 PM
  Re: ثورة المقابر رواية لضياء الشريف نزار باشري ابراهيم04-26-08, 09:31 PM
  Re: ثورة المقابر رواية لضياء الشريف نزار باشري ابراهيم05-01-08, 08:46 PM
  Re: ثورة المقابر رواية لضياء الشريف نزار باشري ابراهيم05-01-08, 09:04 PM
  Re: ثورة المقابر رواية لضياء الشريف نزار باشري ابراهيم05-01-08, 09:17 PM
  Re: ثورة المقابر رواية لضياء الشريف نزار باشري ابراهيم05-01-08, 09:26 PM
  Re: ثورة المقابر رواية لضياء الشريف نزار باشري ابراهيم05-01-08, 09:33 PM
  Re: ثورة المقابر رواية لضياء الشريف نزار باشري ابراهيم05-01-08, 09:44 PM
  Re: ثورة المقابر رواية لضياء الشريف نزار باشري ابراهيم05-01-08, 09:51 PM
  Re: ثورة المقابر رواية لضياء الشريف نزار باشري ابراهيم05-01-08, 10:04 PM
  Re: ثورة المقابر رواية لضياء الشريف نزار باشري ابراهيم05-01-08, 10:06 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de