ثورة المقابر رواية لضياء الشريف

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-15-2024, 04:44 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-01-2008, 10:04 PM

نزار باشري ابراهيم
<aنزار باشري ابراهيم
تاريخ التسجيل: 04-03-2005
مجموع المشاركات: 588

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ثورة المقابر رواية لضياء الشريف (Re: نزار باشري ابراهيم)

    (11)
    كان محمد الامام يجلس ساهما في عزاء والده وهو يسترجع الايام العشرة الاخيرة في حياة والده حين دبت فيه الحياة فجاة وامتلا بالنشاط والحيوية وحدث ذلك تحديدا منذ ان اولموا لناديا واسرتها الصغيره
    وحتى لحظة موته المفاجيء قبل ثلاثة ايام حين سقط في الجامع اثناء صلاة العشاء ليفارق الحياة بعدها باقل من نصف ساعة , حتى ابن اخته محمدو تغير وصار شخصا آخر تماما ولكنه عاد لسيرته الاولى وسلوكه الجاف بمجرد سفر ناديا وزوجها وبنتها , وما ان تذكر محمد الامام ابن اخته حتى صار يغلي من الغيظ ويقول لنفسه بحرقة : ثلاثة ايام لم يجلس في عزاء جده مطلقا , حتى تشييعه لم يحضره . وكان محمدو ومنذ وفاة جده قبل ثالثة ايام يخرج قبل شروق الشمس يتسكع ما بين النهر والحقول ومزارع الذرة ولا يعود الا بعد منتصف الليل ليغلق غرفته عليه لا يخرج منها الا فجر اليوم الثاني ولا احد يعرف اين ياكل لان الطعام الذي تضعه له اميمة الماحي في غرفته تجده في اليوم الثاني كما هو لم يمس , وتذك رحينما انتظره بالامس ـ بايعاز من اميمة ـ في غرفته التي هي بالاساس غرفة امه القديمة حتى عاد ليلا وساله : اين كنت ؟
    لم يجب محمدو فعاد خاله وساله مرة اخرى :
    ـ لماذا لم تحضر تشييع جدك ؟ ولماذا لم تجلس في عزاءه ؟
    قال محمدو وهو يسدد لخاله نظرة باردة
    ـ دعني وشاني
    كاد محمد الامام ان يفقد اعصابه وقال لابن اخته بغضب
    ـ لماذا تعاملني هكذا ؟ ماذا فعلت لك ؟
    فرد ابن اخته :
    ـ بل ماذا فعلت لك انا ياخالي ؟ انني اعاملك بادب واحترام ولم يحدث ان رفعت صوتي امامك .
    ـ ولكنك تعاملني كما تعامل أي شخص وانا لست كاي شخص , انا خالك ويجب ان تفهم معنى ان اكون خالك .
    ـ انا لا افعل شيئا رغما عني , وان كنت متضايقا مني فسوف اترك القرية كلها وارحل .
    هتف محمد الامام بذهول :
    ـ ماذا ؟!
    ـ ارجوك يا خال دعني وشاني , ان حياتي تسير بوتيرة منتظمة وانا راض عنها هكذا .
    ـ ولكن حياتي انا مقلوبة راسا على عقب , لقد ذهبت كل تضحياتي من اجلك سدى .
    وكانت اقل تضحية في نظر محمد هي تركه للجامعة ليتفرغ لتربية ابن اخته فحينما توفيت زينب كان هو قد اكمل السنة الاولى في كلية الزراعة بجامعة الخرطوم وكان في اجازة آخر العام حينما عاد محمدو رفض ان يذهب للجامعة مرة اخرى وصار يشرف مع اباه على الحقو المترامية الاطراف التي يملكها والتي تنوعت محاصيلها بفضله فدرت عليهم ارباحا وفيرة .
    تذكر محمد الامام ذلك فضرب كفا بكف وهو يقول بالم
    ـ لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم .
    فربت حاج الحاج الماحي على كتفه وهو يقول
    ـ كن مؤمنا يا محمد فكلنا الي زوال ولا يبقة الا وجه ربك ذو الجلال والاكرام , ترحم عليه فقد كان رجلا فكن مثله .
    نظر اليه محمد وقال بحسرة
    ـ ليتني الحق به قبل ان .............
    ثم امسك عن الكلام وهو يدفن راسه بين ركبيته , فقال حاج عبد الناصر وهو يضرب كفا بكف ......
    ـ لا حول ولا قوة الا بالله.
    نظر مصطفى الماحي الي صديقه وعرف سبب النار التي تندلع داخله فقام وخرج من صالون العزاء وكان مشحونا بشعور غريب ومن غير ان يدري وجد قدماه تسوقاه باتجاه النهر , وفي اعلى المنحدر توقف وهو بالرجوع حينما لمح محمدو جالسا وحيدا ورجليه ممددة في الماء . فكر قليلا ثم نزلامنحدر ووقف خلف محمدو مدة طافت خلالها ذكريات شتى من الماضي البعيد , واستغرب حينما لم يلتفت محمدو وقال في نفسه : في أي شيء يفكر فلم يلمح حتى ظلي الممدد امامه !! وشعر برغبة جامح في آن يمد يده ويمسح بها على شعر محمدو فتردد قليلا ثم تقدم خطوتين وحيا محمدو وقال :
    ـ آمل ان لا اكون قد افسدت عليك خلوتك
    نفى محمدو ذلك بادب وطلب اليه ان يجلس . جلس مصطفى وقال
    ـ لقد وقفت خلفك لفترة ولم تلتفت اليُ ولم ترى ظلي فاين كنت ؟
    رد محمدو ـ كنت في زمن بعيد احاول رسم واقع له .
    ـ واقع ام ملامح ؟
    ـ ماذا تعني ؟
    ـ لا يستطيع الانسان خلق واقع لماض لم يعشه , بل يحاول خلق ملامح مستندا على ما سمعه او قراه من احداث وهذا الملامح لا تطابق الواقع كما حدث فعلا خصوصا اذا استند في صناعتها على روايات وحكاوي رواها له شخص اصابه الخرف واختلطت عليه الاحداث والاشياء .
    ـ انت تفهمني جيدا .
    ـ افهمك جيدا وهذا ما يجعلني قلقاً عليك .
    ـ حسنا لماذا لا تحكي لي وقائع ذلك الزمن وقد كنت احد ابطاله .
    حول مصطفى وجهه الي الناحية الاخرى وسرح التيار وقد تزاحمت في مخيلته احداث ذلك الزمن منذ ان كان طالبا بالمرحلة الابتدائية وحتى زفاف زينب الامام وعدتها بعد شهور قليلة جثة في صندوق .
    قال محمدو بعد فترة صمت طالت موجهاً لمصطفى سؤالاً مفاجئاً
    ـ هل كنت تحبها ؟
    دهش مصطفى لجراة محمدو ورغم الحرج الذي بدا عليه فقد اجاب بغير تردد
    ـ نعم
    ثم فكر قليلا وقال في نفسه : العازة لم تترك شيئاً . فاضاف
    ـ وقد حدث وتقدمت طالبا الزواج منها ولكن لم يحدث نصيب .
    قال محمدو
    ـ ولماذا لم يحدث نصيب ؟
    اجاب مصطفى بحيرى
    ـ كل شيء بارادة الله
    قال محمدو وقد بدا منفعلا قليلا
    ـ الله لا يتدخل في مثل هذه الاشياء طالمة خلق لنا ارادة وعزيمة , ما دخل ارادة الله هنا , كان الاجدى ان تقول
    : كل شيء بارادة العادات والتقاليد والاعراف المتوارثة
    قال مصطفى بحدة
    ـ محمدو ... ماذا تقول , لماذا تصر على جلدنا وجلد ذاتك بمثل هذا الكلام الجارح ؟
    ـ اليست هذه حقائق ؟
    ـ وهل تظن اننا نسكت عليها , هل تريد من الناس ان يغيروا طبع آلاف القرون بين عشية وضحاها ؟
    قال محمدو
    ـ ارجو المعذره ,
    ـ لا عليك
    ـ وماذا حدث بعد ذلك حينما لم يحدث نصيب ؟
    ـ لا شيء , عدت بعدها الي بورتسودان وواصلت عملى هناك .
    ـ هذه المرة عدت اليها بعلم اهلك وبرضاهم ؟
    ـ صحيح , ففي المرة الاولى ذهبت ولم يدر احد اين كنت حتى عدت واخبرتهم بنفسي.
    صمت مصطفى قليلا وقال محمدو
    ـ هل تعرف لماذا فعلت ذلك ؟
    وكان محمدو يعرف ولكنه قال :
    ـ لماذا ؟
    ـ لان البنات هن يزوجهن سريعا ولاول طارق , ما ان يقولوا للبنت كفى تعليما حتى كان ذلك ايذاناً باستقبال الطارق الاول .
    ـ ذهبت وصارعت الدنيا لتهيء نفسك لطرق بابها قبل ان يسبقك اليها احد .
    نكس مصطفى راسه ويده تعبث بالرمل وقال
    ـ ارايت انني اكثر منك حقدا على التقاليد والاعراف الظالمة ولكن كما قلت لك نحن لسنا يائسون ولا صامتون ايضا .
    ـ الم تفكر في الزواج بعدها ؟
    ـ اغرقت نفسي في العمل سنين طويلة وكونت ثروة ضخمة وآن الاوان لاطلق اولادي الذين احملهم في ظهري
    ـ هل صحيح انها كانت حزينة دائما ؟
    ـ من قال لك هذا ؟
    ـ احكي له عنها ولا تخفي عني شيء ؟
    قال مصطفى بتاكيد
    ـ صدقني يا محمدو ان لا شيء يدعو لان تكون قلقا ونافرا هكذا.
    قال محمدو :
    ـ لقد تقرضت امي لظلم فادح وعاشت حياة قصيرة كلها الم ومعاناه وهذا ما يؤلمني .
    قال مصطفى :
    ـ لقد كانت امك عظيمة ورقيقة كملاك .
    قال محمدو وموعه تترقرق في عينيه :
    ـ الجميع يقولون لي ذلك , المعلمون في المدرسة وكل اهل القرية وهذا ما يؤلمني ويعذبني .
    قال مصطفى بدهشة
    ـ اليس هذا مدعاة للفخر والاعتزاز ؟!
    رد محمدو وقد سالت دموعه :
    ـ لماذا حرمتني الاقدار من م بهذه العظمة والروعة ؟!!
    ايقن مصطفى ان محمدو يعاني من حالة يتم حقيقية فمسح على راسه بحنو وهو يقول :
    ـ ولكن الاقدار ايضا عوضتك بشخص لا يقل روعة وعظمة عن امك , شخص مثالي يحبه الكل ويحترمه , انا استغرب نفورك منه !!
    ـ انا ايضا احبه ولكني لا اظهر له ذلك .
    ـ لماذا يامحمدو ماذا فعل لك حتى تجعله يتعذب هكذا ؟! الا تعلم روح امك الطاهرة تتعذب بسبب ذلك ؟
    نكس محمدو راسه اليالارض ولم يجب فقال مصطفى
    ـ لقد كان خالك محمد احب اليها من نفسها , كان اذا مرض تظل طيلة الليل تنتحب الي جواره حتى تمرض هي الاخرى وكان هو يحبها اكثر من نفسه ومن ابويه .
    وسرح ببصره بعيدا وقال بحزن:
    ـ لم ار اخوين مثلهما , وما زلت اذكر قسمه على قبرها .
    قال محمدو :
    ـ احكي لي عن قصة هذا القسم
    ـ حينما دفناها جثا خالك القبر بركبتيه واقسم امام الملا ومازال وفياً لقسمه
    ـ احكي لي المقف كما حدث وشاهدته .
    قال مصطفى ومازال بصره شاردا :
    ـ مازلت اذكره بالحرف , نعم ان قسمه يتردد صداه الآن في اذني ... لقد قال اقسم لك يا اختي ان لا يشغلني شيء في الدنيا عن ابنك , ساكون له اباً واماً واخاً وخالاً وعماً وكل شيئا ولن اتزوج حتى يصير رجلاً , ثم دنا من القبر وهمس : هذا وعد يازينب .
    اجهش محمدو بالبكء علانية وامام شخص لاول مرة وقال
    ـ يا له من وفيا .....
    ـ وانت ايضا يجب ان تكون وفيا , لقد ظللت دائما منطويا ومنعزلا وتحقر كل من يحاول الاقتراب منك , حتى انا , حتى اميمة حينما تتحدث معك في هذا الموضوع بالذات تذهب صامتاً وتغيب لايام واسابيع وفي آخر مرة ناقشتك في امر علاقتك بخالك وجدك رحمة الله ذهبت وغبت عنها لاكثر من ثلاثة اشهر , لماذا تعذب خالك وتعذب الذين يحبوه ويحبونك .
    صمت مصطفى قليلا ثم اردف :
    ـ هل تعلم ان اكثر شخص احب خالك بعد المرحومة امك هو اميمة وانه ايضا يحبها ولكنه مقيد بقسم اقسمه من اجلك فاين وفائك يا محمدو؟
    نظر محمدو الي مصطفى وكان وحهه مبللا بالدموع فوضع مصطفى يده على كتف محمدو وواصل قائلا :
    ـ اسمع يا محمدو , ان ارواح الذين يموتون تظل تحوم حولنا . ترانا وتحس بنا وتنفعل لانفعالاتنا فاذا كان من يحبونه سعيدا سعدت الروح وان كان معذبا تالمت فلا تدع روح امك تتعذب لعذابك وعذاب اخيها , كن سعيداً من اعماقك لتسعدها واسعد خالك لتسعدهها اكثر .
    نظر محمدو الي مصطفى بحب وقال :
    ـ انت شخص رائع .
    قال مصطفى
    ـ حينما تندمج في الحياة ستجد الآخرون ايضا كم هو رائعون . الآن قم واذهب لعزاء جدك فانت لم تجلس في ماتمه منذ رحيله وبعد قليل ينفض الناس ويرفع العزاء .
    قام محمدو ومد يده قائلا
    ـ نذهب سوياً .........
    امسك مصطفى باليد الممدودة وقام وهو يقول
    ـ انا ساذهب لآداء واجب زيارة , اذهب انت وسالحق بك بعد ساعة .
    سار محمدو بخطوات نشطة مرتقياً المنحدر فتنفس مصطفى الصعداء وقال بصوت هامس .
    ـ فلترقدي بسلام يا زينب
    ** ** ** ** ** **
    كان صالون العزاء مكتظاً بالناس ومحمد الامام يجلس بينهم صامتاً وراسه منكسةً للارض وفجاة دخل محمدو واندفع ناحية خاله وارتمى عليه وهو يجهش بالبكاء فاحتضنه خاله بقوة وظل يربت على كتفه ويمسح له شعره تاره ودموعه تارة اخرى وهو صامت فتبادل الجميع نظرات حائرة ولم ينبس احدهم ببنت شفه . ظل الغلام ينتفض من البكاء في احضان خاله وخاله يبكي بصمت ودموعه تنهمر بغزارة وهو ينظر ناحية الباب وكانه يرى ما لا يراه غير فقال فجاة وقد خرج صوته غريبا وعميقاً وكانه خراج من اعماق جب .
    ـ اناس يموتون واحبائهم يحزنون عليهم ردحاً من الزمن , طال او قصر فستاخذهم الحياة الي احضانها من جيديد وتظل الايام في دورتها التي قدرها الله , الا حزني فهو مقيم :
    دنا منه حاج عبد الناصر وقال له :
    ـ استغفر ربك يا محمد وهدئ من روع ابن اختك .
    ثم وقف ورفع يديه قائلا بصوت عال :
    ـ الفاتحة على روح الامام .
    رفع الجميع ايديهم وشفاهههم تردد سورة الفاتحة بصمت وحينما ضم عبد الناصر يديه وقال :آمين . رد الجميع بصوت واحد : آمين فقال الحاج عبد الناصر وهو يرفع يديه مرة اخرى ،،،،
    ـ الفاتحة على روح الطاهرة خديجة عبد القادر وبنتها الطاهرة زينب .
    فقرا الجميع الفاتحة خلف حاج عبد الناصر الذي قال للمرة الثالثة :
    ـ الفاتحة على ارواح كل الذين سبقونا من اهلنا واحبائنا .
    فقر القوم الفاتحة للمرة الثالثة على ارواح الذين رحلوا من القرية الي الدار الآخرة , وحينما خيم الصمت مرةً اخرى همس الغلام في اذن خاله :
    ـ الا نذهب لزيارتهم ؟
    احتضن محمد الامام بن اخته وقال بصوت مسموع :
    ـ لنذهب .
    ثم شبك يده في يد ابن اخته وقال :
    ـ نعم لنذهب , هيا بنا .
    ثم سارا للخارج . تبادل القوم نظرات سريعة ولم يلبثوا ان تبعوهم . الصبية في الخارج انضموا اليهم ايضا وساروا خلفهم بصمت . في الطريق كان الجمع يزداد فكل من كان ذاهبا في حال سبيله او قاصداً مكاناً انضم اليهم حتى صار الجمع هائلاً يتقدمه محمد الامام وابن اخته محمدو والحاج عبد الناصر وحاج الماحي والعمدة الطاهر الزين وبعض شيوخ القرية , وعلى مشارف المقابر المسورة بحائط قصير توقفوا فرفع الحاج عبد الناصر يده محييا اهل القبور قائلا بصوت جهوري
    ـ السلام عليكم اهل قبور المسلمين .
    فردد الجمع التحية خلفه بصوت واحد فانتفض مصطفى الذي كان جاثياً على قبر زينب الامام يقرا الفاتحة على روحها والتفت خلفه بوجل فاصيب بالدهشة والذهول حينما راى الجمع الهائل الذي يردد مقاطع التحية خلف الحاج عبد الناصر وقال في نفسه بعجب : لم يحدث مثل هذا من قبل !! ماذا اتى بالقرية كلها هنا ؟! وتقدم نحوهم فراى من على البعد جمع من النساء يتقدمن ببطء وحذر فقال بصوت مرتعش : هذا يوم سيقف عنده التاريخ طويلا .!
    هم الحاج عبد الناصر وبقية القوم بالدخول ولكن محمد الامام استوقفهم قائلا
    ـ تمهل ياعم , تمهلوا يا قوم .
    وانتصب واقفا على الحائط القصير وادار لهم ظهره وصرخ قائلا وهو يرفع كلتا يديه نحو القبور .
    ـ يا ساكني القبور كم فيكم من مات ظلماً وقهراً , كم فيكم من قضى غماً وهماً . الآن دقت ساعة الظلم وسيدفن هنا فاهنئوا في رقدتكم واصفحوا عن ظالميكم .
    ثم استدار وواجه اهل القربة قائلا باعلى صوته
    ـ هنا ترقد زينب الامام التي انفجرت شرايين مخها , وهنا ترقد ابتسام العوض التي توقف قلبها ليلة زفافها , وهنا ترقد وصال الامين التي قضت يوم صبحيتها , وهنا ترقد اسماء عبد المحمود التي صارت تذبل من يوم عرسها حتى حملتهم جثتها هيكلا بعد شهر ودفنتموها هنا , ومن النهر انتشلتم هدى والتومة وعوضية ومنال اللائي انتحرن قبل ان ينحرهن عرفكم الباطل وعاداتكم الظالمة , وكثيرات غيرهن قد لا اعلمهن ... زهرات ريئات وادتموهن بايديكم وشباب ايضا لحق بهن من غير تاسفوا او تقدروا فداحة ما جنت ايديكم .الآن يجب ان تدفن كل المعتقدات والموروثات البائدة والاعراف الظالمة هنا وتطلبوا الصفح والغفران من قتلاكم .
    الشيوخ والرجال كانوا منكسي الرؤوس وبعضهم سال دمعه رغماً عنه , وكان اكثرهم شعوراً بالعار والخزي هو العمدة الطاهر الزين الذي خطر له ان يميل على الناظر وداعة الله السيد ليساله : هل ترى ما اراه ؟
    ولكنه حينما اغمض عينيه وظل الذي يراه واقفاً امامه لم يختفي او يتلاشى عدل عن سؤال الناظر ومدّ يده في الهواء ليتاكد هل الذي يراه وهماً ام حقيقة ولكن يده لم تلامس الا الفراغ ورغم ذلك ظلت منال عوض الله وامها تحدقان فيه فقال بصوت مرتعش شمعة الناظر : ليتني مت قبل هذا اليوم .والشباب والصبية كانوا ينظرون الي محمد الامام بدهشة وبين الفينة والاخرى يلتفتون خلفهم نحو النساء والفتيات اللائي كن يتبادلن نظرات اختلطت فيها كثير من المشاعر التي فاضت ولم يستطعن كبحها فانطلق هتافهن بصوت واحد : يحيا الحق ويموت الباطل يحيا الحق ويموت الباطل ... هتاف قوي وحار زلزل اركان المقابر . تقدم الحاج عبد الناصر وتسور الحائط القصير ووقف بجوار محمد الامام ومد عصاه نحو الشيوخ امامه قائلا :
    ـ هل تعرفون أي حقاً يهتفون بحياته واي باطل يهتفون بموته ؟ هل ستسالون نساءكم وبناتكم حينما تذهبون من هنا ؟! انا اخبركم , انه حقهن الذي اعطاه لهن الله وسلبتموه انتم , حقهن الذي منحه لهن الاسلام في اختيار شريك حياتهن بغير ضغط آو اكراه تماماً كما اعطي ذلك للرجل فالبستم انتم هذا الحق ثوب الباطل ,, فعلتم ذلك وانتم تدركون ان ذلك ذنباً واثماً ولكنمكم تماديتم قائلين : هذا ما وجدنا آباؤنا عليه وكانكم تعيشون في ايام الجاهلية . ثم مد يده مائلة الي الخلف يشير بها الي القبور وهو يقول :
    ــ عند كل قبر دفنا فيه احدى الضحايا كنت اردد لكم الآيات والاحاديث التي تحث على العطف بالابناء والرفق بالقوارير واشرح لكم معنى قوامة الرجال على النساء وحق البنات في ابداء الراي بالقبول او الرفض وشواهد القبور تشهد على ذلك ولكنكم كنتم تصمون آذانكم عن قولي وتواصلون ذبح بناتكم . ثم دق بعصاه سطح الحائط بغض واردف .
    ــ ولكن باطلكم هذا سيموت الآن وسيدفن هنا للابد شئتم ام ابيتم ومنذ اليوم لن تكون هناك عمودية بالتوارث وسيكون الامرى شورى .
    تقدم العمدة الطاهر الزين واشار الي عبد الناصر قائلاً بغضب شديد
    ــ انزل يارجل وكفى عبثاً , ان للمكان حرمةً وحقاً يجب ان نرعاه .
    رد حاج عبد الناصر :
    ــ انتم لم تراعوا لهم حقاً وهم احياء والآن تتحدث عن حقوقهم وهو اموات , انا لا اعبث يا حاج الطاهر وانت لم تغضب الا للمنصب الذي هدده كلامي . اسمعني يا عمدة واسمعوني جميعا : الآن يجب ان تدخلوا وتطلبوا الصفح , اعترفوا بذنبكم على شواهد قبورهم عسى ان يغفر الله لكم وانا اول المعترفين .
    ثم قال وهو يهم بالنزول .
    ــ هيا ادخلوا واغتسلوا من آثامكم وادعوا بالرحمة والمغفرة لموتاكم .
    وكان محمدو يمسك بيد مصطفى وهو يراقب ما يحدث بذهول شديد فدنا من مصطفى هامساً .
    ــ ان خالي اعظم واشجع رجل في الدنيا .
    ضغط مصطفى على يده وقال :
    ــ يجب ان تكون مثله .
    دخل الناس وتفرقوا في القبور والنساء بقين مترددات بين البقاء والذهاب فزجرهن عبد الناصر قائلاً :
    ــ والآن ماذا تنتظرن , اذهبن الي بيوتكن .
    فغادرن وهن يكدن ان يطرن من الفرح وطيف محمد الامام الذي فجر الثورة من اجلهن يداعب خيال البنات والصبايا والامهات مشدوهات لا يطن يصدقن ما حدث . العمدة بقي واقفا في مكانه وهو مطرق الراس يدق بعصاه على الارض بعصبية ويده الاخرى تعبث بذقنه التي لم يحلقها منذ ثلاثة ايام فتقدم منه عبدالناصر والناظر وداعة الله السيد فبادره عبد الناصرقائلا :
    ــ هل انت غاضب مني يا عمدة ؟
    فانفجر العمدة كالبركان قائلا :
    ــ انت يا عبد الناصر تفعل بي ذلك ؟ انت صديق عمري واقرب الناس الي قلبي تشمت في الصغير والكبير وتجعلني اضحوكة النساء ؟ لماذا فعلت ذلك ؟ لماذا ؟!
    حاول عبد الناصر ان يتكلم ولكن العمدة رفع يده اليسرى في وجه عبد الناصر قائلا ووجهه يرتجف :
    ــ لا اريد ان اعرف , دعاني وشاني .
    ثم استدار ليذهب ولكن الناظر امسكه من كتفه وقال له
    ــ لا تدع الغضب يعميك يا عمدة ........
    فقاطعه العمدة قائلا
    ــ يعميني عن ماذا يا حضرة الناظر ؟!
    ثم اردف بحسم وهو يوجه حديثه لبعد الناصر ،،،،
    ــ ما تخطط له لن يحدث ابدا .
    واستدار ذاهبا ولكن الناظر لحق به واقسم عليه بالطلاق ان لا يذهب حتى تحل هذه المشكلة حلا جذريا يرضى الطرفين معاً ولكن العمدة الغضب رفض البقاء فامسك به الناظر وقال له بدهشة :
    ــ هل تقبل ان اطلق امراتي بعد هذا العمر ؟!!
    فلم يجد العمدة بدا من البقاء فانتحوا بعيداً فبادر الناظر العمدة قائلاً
    ــ تذكر انني اقسمت بالطلاق ان لا تذهب قبل ان نتم حديثنا .
    قال العمدة :
    ــ ليس بيننا حديث يقال , هذا الرجل يخطط منذ زمن بعيد لانتزاع العمودية مني وانتم تساعدونه وبؤيدونه ولكني اقول لكم وهذا آخر ما عندي من قول : لن اتنازل او اترك حقا ورثته من آبائي واجدادي الذين اسسوا هذه القرية .
    قال الناظر :
    ــ عبد الناصر لم يطلب منك يوماً ان تتنازل او تتنحى , كل مطالبه التي نوافقه عليها جميعا هي ان تسمى لنا خلفية غير ابنك .
    قال العمدة بانفعال :
    ــ وماله ابني ؟! الانه يسكر ؟ رئيسكم الذي حكم البلاد كلها ستة عشر عاما كان يسكر!!
    قال عبد الناصر :
    ــ وماذا كانت النتيجة ؟ لقد قاد البلاد الي الهاوية وقد رايت كيف كانت نهايته .
    قال العمدة على الفور :
    ــ انت اذا استوحيت فكرتك الجهنمية من الانتفاضية التي اطاحت بالنميري , ارايت كيف يفكر الداهية يا وداعة انا الآن اشك في ان الناس تجمعوا عفوا , لقد تجمعوا بتحريض مسبق منه .
    قال عبد الناصر وقد كاد ان يفقد اعصابه ,,,,,,,,
    ــ انا لم اخطط لشيء ولم احرض احداً وانت تعلم ذلك جيداً .
    قال الناظر :
    ــ اهدآ حتى نعرف كيف نتفاهم
    فقال العمدة :
    ــ ليس بيني وبينكم تفاهم , انتم متفقون علىّ , اين او عاقلة واين الماحي ؟ لماذا انسحبا ؟!
    قال الناظر :
    ــ ابو عاقلة لم ياتي حتى ينسحب , انه ليس موجودا بالقرية , والماحي انت تعلمه رجل حنين ورقيق القلب ودائما يتجنب مثل هذه المواقف , ونحن جميعاً .. اهل القرية كلهم متفقون ولكن ليس ضدك وما يهمنا هو مصلحة القرية وهي فوق كل اعتبار آخر .
    ضرب العمدة كفاً بكف وهو يقول :
    ــ عدوي الانتفاضة انتقلت الي قريتنا المنسية ... ماذا دهاكم يا قوم , انتم تعلمون ان العمودية شيءٌ شكلي , قولا لي ما هو النفوذ الذي اتمتع به ... انا لا سلطان لي على احد وكثيرا ما انسى انني عمدة .
    قال عبد الناصر :
    ــ وهذا هو مربط الفرس , انظر الي الاراضي الموقوفة على القرية لقد اصبحت بوراً وخازن الجمعية فارغة منذ زمن ... العمودية تحتاج الي دم جديد يردفها .
    التفت العمدة الي الناظر قائلا وهو يشير عبد الناصر
    ــ الم اقل لك انه يسعى لانتزاعها مني ؟
    قال عبد الناصر :
    ــ لم اقل يوماً تنحى ولكننا كنا جميعا نناقشك كاصدقاء في امر الخضر الذي لا يكاد يفيق من السكر ولايمر عليه حول الا طلق وتزوج , لقد جاوز الاربعين ولم ينصلح حاله , لم نره يوما في فرح او كره , هل نسيت يا عمدة ما فعله ابنك في العام الفائت , الم يذهب ليتزوج في قرية اخرى والناس مجتمعون هنا في عزاء خاله الذي لم تجف تربته ؟هل مثل هذا الشخص يصلح ليكون عمدةً يا عمدة ؟ لقد اعيتنا الحيلة معك وانت ترفض ان تغادر العمودية بيتك , لو ان رزقك بابن لكان الامر تغير .
    قال العمدة :
    ــ ولكنني مازلت قادرا على الانجاب .
    قال عبد الناصر بنفاذ صبر :
    ــ ونحن قلنا لك ان الذي ستسميه لنا خليفة لن يصير عمدة اذا اكرمنا الله بولد من صلبك وان التسمية كان لم تكن , نحن نريد فقط اجراءاً ضامنا حتى لا يثير الخضر المتاعب اذا حدث لك امر الله .
    قال العمدة :

    أنا ليس لدى اخوه وليس عندى غير الخضر و ....................

    فقاطعه عبد الناصر :
    أنت دائماً معانداً ومكابراً ترفض الاعتراف بأخطائك
    والتفت ناحية المقابر وهو يواصل قائلاُ :
    وبعض هذه الاخطاء كان قاتلاً ولو كنت مكانك لتنحيت فوراً
    قال عبد الناصر ذلك وهو يعلم أنه يثقل على صديقه العمده ولكنه كان مضطر لتكثيف الضغط عليه حتى يرضخ لمطالبه إنفتح الجرح الغائر في أعماق العمده فشعر بغصة في حلقه وهو يقول
    هل تقصد بنت عوض الله يرحمها الله ، لماذا تحملونى ذنبها وأنتم تعلمون أننى ما قصدت إلا الخير ، تعلمون جيدا أن غرضى كان توفيق رأسين في الحلال
    فقال عبد الناصر :
    وأنت تعلم ان ود الصديق ليس فيه ذرة من خير أو حلال ، إنه ابن سفاح ولص وزان وسكير وما كان يجب ان تذهب معه .
    ود الصديق لا أهل له وأنا ذهبت معه بصفتى العمده وأبو الجميع هنا ، وكان عشمى ان الزواج سيصلحه ويكفينا شره .
    حتى لو كانت نيتك خيرا بحكم ان الزواج سيصلحه كان يجب ان تفهمه أن لا يتزوج إلا إمراة من طينته .
    تدخل الناظر قائلاً :
    يرحمها الله هي وامها ، كفى يا عبد الناصر كفى
    ولكن عبد الناصر واصل قائلاُ :
    دعنى يا وداعه ، يجب أن ننتهى من هذا الأمر الان فالمرء لا يضمن هل يعيش اللحظة القادمه ، والعمده وأنت وأنا كلنا لم يتبقى لنا الكثير من العمر لنعيشه ، غداً أو بعد غد نرحل ويجب أن نضع الأمانة بين يدى رجل يرعاها بصدق وأمانة وفوق كل هذا بهمة ونشاط ، أنا لم أطلب يوماً من الطاهر أن يترك العمودية ولكننى أطلبها منه الآن ، ونظر إلى العمدة وقال بحسم
    يجب أن تتنحى
    لم يتفاجأ العمده فقال :
    لصالح من ؟
    لصالح أي شخص تراه مناسباً غير إبنك
    وإن رفضت ,,,,,,,,,,,,,
    في هذه الحاله فسأعلن الأمر للناس يوم الجمعة وعليها أن تختار عمدتها الجديد
    لوفعلت ذلك فستكون قد أنهيت علاقتنا للأبد .
    سأظل صديقك رغماً عنك وسأزورك شئت أم أبيت وستحضر مجلسنا أمام الدكان يومياً .
    قال الناظر محاولاً تلطيف الجو بين الصديقين
    وإذا امتنعت عن الحضور فسنأتى ونحملك بالقوه .
    قال العمده للناظر :
    أنا سأفترض أنك لا تعلم نوايا عبد الناصر وأسالك سؤالاً
    ثم التفت إلى عبد الناصر وقال له :
    أنت لا تتحدث أبداً ، ولا تقاطعنا ، ثم سأل الناظر :
    لو أثار عبد الناصر الأمر يوم الجمعه وطلب من الناس أن تنتخب عمده جديد فمن هو الشخص الذي سوف يجمعون عليه برأيك ؟
    فهم الناظر المعنى فقال :
    ولماذا تفترض أنه عبد الناصر ياعمده ؟ أنه ليس المثال الجيد الوحيد في القريه
    ولكنه الأكثر تأثيرا على الناس وسينخبوه بالإجماع ، أرأيت كيف خطط صديقك !
    الأمر ليس كما تظن يا عمده .
    فتحدث عبد الناصر قائلاً :
    بل هو كما يظن يا حضرة الناظر
    فصدق الناظر لوهلة أن عبد الناصر يسعى للعموديه فعلاً فقال له
    إذا فظنون العمده صحيحه !
    قال عبد الناصر :
    نعم إنها صحيحة ، ولكن ليست كلها
    فنظر إليه العمده وقال بأسف :
    مبروك يا عبد الناصر وأهنئك على تخطيطك الشيطانى وتذكر أنه لن يضمنا مجلس بعد اليوم .
    ثم التفت إلى الناظر وقال له :
    ها قد حلت المشكله من جذورها وأنا راض .
    واستدار ليذهب فقال عبد الناصر على الفور .
    الناظر أقسم بالطلاق والمشكلة لم تحل بعد لأنك لم تعرف من هو الشخص الذي سارشحه للناس في حال انتخبونى وقد لا ترضى عنه .
    قال الناظر :
    ماذا تقصد ؟
    أقصد أننى لن أقبل أن أكون عمدة ، العمده يا حضرة الناظر يجب أن يكون شاباً وسأرشح لهم شابا لن أشاح العمده بيده وقال :
    وماذا فعلت حينما تتتازل عنها لأبنك ، الأمر سيان
    قال عبد الناصر :
    ليس أنا من يفعل ذلك وأرجو أن لا تسئ بي الظن أكثر من ذلك .
    إلتفت العمده و قال :
    إذا فهو محمد الأمام
    قال عبد الناصر :
    إذا فهو محمد الأمام
    قال عبد الناصر :
    لن أرشحه حتى لا تقول أننى أخذت العموديه منك لاضعها في بيت أقربائي
    قال الناظر لعبد الناصر بغضب وضيق شديد
    لماذا تمارس معنا لعبة القط والفأر ؟! قل لنا من هو وأرحنا
    قال عبد الناصر
    إنه أبن الماحى ... مصطفى ... ما رأيكم
    بدا السرور على وجه الناظر وقال
    إختيار موفق وصائب ، مصطفى زين شباب البلد ما رأيك يا عمده ؟ لو كنت غير موافقاً عليه فبإمكاننا إختيار شاب أخر ، شبابنا أفضل شباب الوجه البحرى كله
    قال عبد الناصر للعمده بلهجة حانيه
    تنتازل يا أخى ودعنا نعيش ما تبقى لنا من أيام بسلام وهدوء
    بدت آثار التفكير العميق على وجه العمده فأردف عبد الناصر
    لا تتنازل ... أنا أسحب طلبي لك بالتنحى ، فقط وافق عليه خليفة لك واعلن ذلك للناس
    قال العمده لعبد الناصر
    هل اتفقت مع الماحى على هذا الأمر ؟
    فأقسم عبد الناصر بأغلظ الإيمان أن الماحى لا يعلم شيئاً لا هو ولا إبنه مصطفى وأنه كان ينوى قبل لحظة فقط أن يرشح محمد الأمام وأضاف
    ولكنني سحبت ترشيحه بعد أن كلت لي التهم : مرة أتهمتنى بأننى طامع فيها ، وأخرى طامع فيها لأبنى فسحبت ترشيح محمد لأنه قريبى حتى أدفع التهم عن نفسى وارضيك .
    لمعت عينا العمده وهو يقول :
    سيكون لكم ما تريدون ولكن امهلونى وقتا ، شهرا على الأقل ولا يثر أحدكم الموضوع بعد ذلك أبداً حتى اعنله أنا للناس ويجب أن تعداني بذلك
    قال عبد الناصر في نفسه : لقد خطر له أمر وهو يدبر لشيء ما . فسأله
    ولماذا شهر يا عمده ؟
    فثار العمده في وجه عبد الناصر
    سبحان الله يا عبد الناصر ، ألا تريد أن يكون أبن الماحى هو العمده بعدى ؟
    قال عبد الناصر :
    بلى ،،،،،،،،،،،
    وأنا سأريحكم من الأساس ، سأتنازل له .
    قال عبد الناصر والناظر بصوت واحد وهما غير مصدقان ن
    تتنازل !!!!
    نعم أتنازل ، لقد مللت منكم ومن إلحاحكم ومن العمودية بنفسها وأنا أحتاج وقتاً أسوي فيه الأمر مع إبنى وأقنعه بالتنازل
    قال الناظر :
    حسناً ... حسناً خذ شهران أو ثلاثه ,,,,,,,,,,
    فبدت علامات الإرتياح على وجه العمده وقال :
    لا تتحدثان بهذا الأمر بعد ذلك أبدا حتى في مجلسكما الخاص ، لا أريد أن يعلم أحدا ... حتى مصطفى نفسه فقال عبد الناصر في نفسه مجددا : ترى لأي أمر يدبر ؟
    نظر إليه العمده واستنتج ما يفكر فيه فقال له :
    غداً أو بعد غد أو ربما الليلة نفسها ستعرف بماذا افكر وستعلم نيتى وحينما تعلم يجب أن يظل الأمر سراً حتى اعلنه أنا للناس
    قال الناظر :
    أنا لا أفهم معنى كلامك !
    ستفهم ، وفي كل الأحوال أكتما الأمر
    واستدار ذاهبا بإتجاه القريه فقال له عبد الناصر بصوت عال
    ألا تدخل لقراءة الفاتحه ؟
    فرد عليه من غير أن يلتفت
    وهل تركت لي وجهاً أدخل به
    ثم التفت قائلاً من غير أن يتوقف
    غداً سأتى وأزورهم واحدا واحدا
    دخل عبد الناصر والناظر المقابر وذهب كل منهما في اتجاه . بحث عبد الناصر بعيونه عن حاج الماحى فرآه واقفاً بالقرب من قبرى والديه فتقدم منه وقرأ الفاتحه على روحهما وما أن أتمها حتى بادره حاج الماحى
    ها .. ماذا فعلت مع العمده ؟
    لقد طلبت منه أن يتنحى
    توقعت منك أن تعتذر له أن تزيد الطين بله ، أنت يا عبد الناصر تثير الأمر علنا وأمام النساء وتحرج الطاهر !!!
    لقد أخذتنى الحماسه وزل لساني بها رغماً عنى ولكننى قلت ما دام إبتللت فسأعوم حتى أحسم الأمر
    لقد كان الأمر محرجا
    الطاهر رجل طيب القلب ، صحيح أنه سريع الغضب ولكنه طلب منا أن نكتم الأمر حتى يرتب الوضع مع الخضر ثم بعد ذلك يعلنه بنفسه للناس
    ومن سيستلم منه ؟
    ***************
    عموما أنت أكثر من يستحقها لأنك الأكثر إحساساً بمشاكل الناس
    وهل ضغطت عليه وأغضبته ليتركها لى !! كلا يا أخي ، نحن في حاجة لعمده شاب وذو همه عاليه يستطيع أن ينظم شئوننا في الإنتخابات القادمه ، لقد اقترحت عليه أحدا لن يختلف عليه إثنان وقد وافق عليه .
    إنه محمد الإمام أليس كذلك ؟
    ليس هو ولن أخبرك به لأن الطاهر أخذ علينا عهداً أن لا نخبر أحداً
    تغبرت ملامح الماحى وقال لعبد الناصر
    وهل أنا أحداً غيركم ؟! لقد انسحبت بإرادتى ولو بقيت لعرفت من هو ولو رآنى الطاهر الأن فسيخبرنى صمت عبد الناصر فقال الماحى
    تكلم يا رجل ، أم أنك تظن أننى سأطوف القرية بيتاً أقول لهم عمدتكم هو فلان ! الطاهر محقاً بطلبه كتمان الأمر حتى يسويه ويخرج به بصورة تحفظ ماء وجهه ولكن ليس علي
    قال عبد الناصر :
    وهل تعدني أن لا تناقش الأمر ولا تذكره حتى أمام أهل بيتك
    أمرك عجيب !! أعدك
    إلتفت عبد الناصر ناحية قبر الأمام وقال :
    إنه هناك
    قال الماحى وهو يرسل بصره في الإتجاه الذي التفت إليه عبد الناصر
    هناك أين ؟
    هذا الذي يقف بين إبنا الرحوم حاج الأمام
    قال حاج الماحى بدهشه
    مصطفى !!!!!
    نعم مصطفى ، إنه عمدتنا الجديد
    صمت حاج الماحى طويلاً فسأله عبد الناصر
    ماذا بك ، هل أخطأت باختياره ؟
    لا أظن أنه سيوافق
    قال عبد تالناصر وقد بدا عليه الغضب
    لا يكون رجلاً إذا رفض واجباً كلفته به بلدته ، إن الأمر تكليف وليس تشريف وإن كان هناك سبباً يعجزه عن القيام بهذا الواجب فعليه إعلانه للناس
    سوف يظن بى الطاهر الظنون .... لن أو افق
    إسمع يا أخي ، لقد وعدتنى أن يظن الأمر سرا ويجب أن يكون كذلك حتى يعلن الطاهر للناس تنازله وتقديمه لمصطفى مرشحاً ووقتها فقط لك الحق أن تعترض ولكنك ملزما أن توضح على الملأ أسباب إعتراضك والحكم للأغلبيه
    فكر الماحى قيلاً وسأل عبد الناصر ؟
    هل قال لك الطاهر أو لمح لك بأن الأمر مدبر بيننا ؟
    سألني إن كنت تعلم فأقسمت له بأنك وأبنك لا تعلمان شيئاً ، وسأقول لك أمر حتى اريحك ، لقد طلبنا إليه أن يبقى عمدة ويوافق أن يخلفه مصطفى ولكنه وافق أن يتنازل له بمحض إرادته وكان يبدو راضياً
    أنت تعلم يا عبد الناصر أن مصطفى كثير المشاغل .... أراضى وكماين طوب ولو ارى
    اللوارى تذهب وتأتي بإبراداتها فهو نظم عملها جيداً مع إدارة الغابات ، والأرض والكماين أنت المسؤول عنها وهو ينظم لك الشئون الحسابيه ليس إلا
    حسنا لنؤجل الكلام في هذا الموضوع حتى يحين أجله
    بدا الإرتياح على وجه عبد الناصر وقال مغيرا الموضوع على الفور
    هذا يوم " عظيم
    فرد حاج الماحى
    بإسستثناء أيام الحج فهذا أعظم يوم أشهده في حياتي
    أنا أستغرب كيف حدث هذا ، وهنا !!
    لقد ألقى محمد بالحجر الأول في البركه الساكنه ثم ثار البركان الكامن في النفوس .... لو حكى لى أحد بما حدث اليوم فلن أصدقه أبداً ، أنا شاهد العيان أكاد لا أصدق وأظن أننى في حلم
    هل تظن أن هذا اليوم سيسقط من ذاكرة الزمن ؟
    لن يسقط ، فما حدث اليوم سيجله التاريخ
    أنت محق فما اليوم سيحمله الرواة ويحدثوا به أهل القرى والحضر
    أعتقد أن أهل السودان كلهم سيسمعون به ، بل إنى أجزم بأن سوار الذهب * نفسه سيسمع بما حدث اليوم هنا فقال عبد الناصر وهو يتنهد
    أتمنى أن يحتذو حذونا وبفعلوا ما فعلنا
    فقال حاج الماحى بتأكيد
    تمنى يا عبد الناصر تمنى فهذا يوم تحقيق المنى ، فأنا أشعر بإن الله سبحانه وتعالى قد نزل من عليائه ومعه كل ملائكته ، أشعر به بيننا الأن
    ثم أضاف وهو يفرك يديه
    سبحان الله ، هذا شعور لم أشعر به قبل ذلك إلا في أيام الحج
    قال عبد الناصر :
    أنا لا أتمنى إلا الخير لهذه القريه وأهلها
    ثم أضاف يسأل حاج الماحى
    وأنت ماذا تمنيت على الله يا حاج الماحى ؟
    أمنيتان ، عاجله وآجله ، أما الأجله فهى الرحمة والمغفرة لموتانا
    والعاجله ؟
    والعاجله ؟
    لن أصرح لك بها فهى شأن خاص
    أظننى أعرفها
    قال حاج الماحى في سره : هذا الرجل تزيده الأيام فظنه وذكاءا . فسأله
    ما هي ؟
    فأشار عبد الناصر ناحية محمد ومصطفى ومحمد وقال
    أظنك تمنيت على الله أن يهدى هذين الشابين ويرزق كل منهما بالودود الولود
    وكان هذا فعلاً ما تمناه حاج الماحى وتضرع إلى الله أن يحققه مع إختلاف بسيط ، فقبل لحظات من وصول حاج عبد الناصر كان الماحى قد تذكر فجأة يوم أن جاءته زوجته قبل ثلاثة أشهر وبضة أيام تقول له :
    إبنتك ستعنس يا رجل ، إفعل شيئاً . فقال لها : وماذا أفعل ... هذا شأن يخصها . فقالت المرأة : لقد تقدم لها حتى الآن خمسه والسادس لن يأتي أبداً ، أي شاب سيعتقد أنه سيقابل بالرفض لذلك لن يتقدم إليها أحد بعد الآن ... أفعل شيء فأنت أباها وصاحب الرأى الأول والأخير . فرد عليها : هي وحدها صاحبة الرأى في هذا الشأن ودورى ينحصر فقط في تقديم النصح والمشوره . فقالت المرأة بدهشه : إذا فأنتما متحالفان ، هل يعقل أن توافقها على إنتظار المستحيل !! إن ذلك لن يتحقق إلا بعد سنين طويله وستكون قد شاخت . فسالها : عن من تتحدثين يا أمراة ومن هو الذي تتنظره سنين ؟! فقالت المرأة : ألا يعلم ؟ فقال لها : تحدثى يا امرأة فردت زوجته : إبنتك عاشقه ، إنها متيمه . فقال بنفاذ صبر : عاشقه ! ويحك يا امرأة من هو ؟!!! فقالت تحب ابن الإمام . فشعر بالإرتياح وقال بغير إكتراث : لا بأس . فقالت المرأة بعجب : أقول لك ابنتك تعشق محمد الأمام وتقول لى لا بأس !!!!!! فرد عليها : لأننى أنا نفسى كنت سأعشقه لو كنت بنتا . ثم دنا من زوجته وهمس في أذنها بمرح : وما الحب منى = ولا شياً بأيدينا .
    أظن أن البيت هكذا ، نعم إنه هكذا . فقالت زوجته : لماذا تأخذ الأمر بكل هذه البساطه ؟!!! فرد : بل هو أمر في غاية الأهمية بالنسبة لي فمحمد شاب رائع ومثالى حباه الله بكل شيء ، جمال الروح والأخلاق وجمال الطلعه والوسامه... كلما رأيته ذكرنى طبعه وشكله بالنبى يوسف عليه السلام . فقالت زوجته : وهذه هي المشكله لأن نصف فتيات القرية كإبنتك يحببنه بصمت . فقال لها : والنصف الباقي من يحببن ؟ لا بد انهن يحببن مصطفى . ثم أضاف بنفس البساطه والمرح : لا تخافى فإبنتك أجمل من في القريه ، بل هى أجمل من في الوجه البحرى كله شرقه وغربه ....
    حينما يتزوجان سينجبان بناتا كالحور العين ، فقالت المرأة بسخريه : يتزوجان .. متى ؟ هل نسيت قسمه ؟! فقال : أباه يمارس عليه ضغوطا ليكفر عنه ، وحتى لو لم يفعل فبعد عامين سينتهى مفعول قسمه ولن يكون سارى المفعول . فسألت المرأة : كيف وقد اقسم أن لا يتزوج إلا بعد أن يصبح محمد و رجلاً يعتمد على نفسه . فقال : لقد سأل أباه الشيخ أحمد أبو عاقله بأن محمد لا يستطيع الزواج إلا بعد يصير محمدو رجلاً وكل من احتلم أصبح رجلاً يمكنه الإعتماد على نفسه في قضاء حوائجه ، أى أن مدة القسم هى إحتلام محمدو إلا في حاله واحده فقط . سألت المرأة بلهفه : ما هي
    ؟ فواصل قائلاً : إلا إذا كان محمد قد نوى ساعة نطقه بالقسم إن يصير محمدو رجلاً يعتمد على نفسه من الناحية الماديه وفي هذه الحالة لن يتزوج إلا بعد أن يستقل محمدو مادياً ويكسب قوت يومه من عرق جبنيه ، وقد سأل أبو عاقله محمد هل نوى ساعة أقسم فأجاب محمد بأنه لا يدرى لأنه ساعة الحد اخته وأهالوا عليها التراب أقسم وهو مشحوناً بالألم والحزن . فسألت المراة : وبماذا أفتى الشيخ ؟ فرد عليها قائلاً : قال ان النيه غير متوفره ويستطيع الزواج بعد أن يبلغ الصبى مبلغ الرجال ، أى عند إحتلامه إلا إذا كفر فلا تثريب عليه . فقالت زوجته وقد بدا الإهتمام على وجهها : وهل نوى الكفاره ؟ فرد عليها : أباه توسل إليه أن يكفر ولكن محمد أصر أن يبر بقسمه لاخته الراحلة . فقالت المرأة : والحل ؟ فكر قليلاً ,,,
    ورد : على بنتك أن تنتظر عامان آخران . فقالت زوجته : وربما ثلاثه . فقال : محمدو سليم البنيه وهو ينمو سريعاً ، ثم إنى أفضل أن تنتظر عشرة أعوام لتتزوج من محمد على أن تتزوج غيره الأن . فقالت له زوجته : وما أدراك أنه ستزوج بها ؟ قد تكون عينه على فتاه أخرى . فقال : هذه هي المشكلة ، علينا أن نعرف هل يحبها أم لا حتى لا ندعها تعيش في الوهم أكثر من ذلك . فقالت زوجته : وكيف نعرف ؟ فقال لها : ألست أمها .. تحرى الأمر منها . فقالت له : وهل تتوقع أن يكون قد صارحها وطلب منها الإنتظار ؟ فقال : لا أتوقع ذلك ولكن للمكاشفه لغة أخرى غير لغة اللسان ، لو كان يريدها فعلا فلا بد أ نتكون رسالته قد وصلت إليها ، ألم يقل الإمام على بن أبى طالب كرم الله وجهه ـ ما أضمر شخص شيء إلا ظهر ف فلتات لسانه أو على صفحات وجهه . فقالت زوجته :إذا كان الأمر كذلك فمصطفى نفسه قد يكون يعلم بحكم أنه أقرب أصدقائه سيإلى قلبه ولا يفترقان إلا قليلاً : فقال لها : بدأت تفهمين ، عليك بابنتك واتركى مصطفى لي تذكر حاج الماحى هذا الحوار في اللحظات القليله التى سبقت وصول حاج عبد الناصر لذلك لم يبد عليه أنه تفاجأ حينما قال له عبد الناصر أنت تدعو الله لشابين ليتزوجا فقال له :
    كانك ساحر ياعبد الناصر ، كيف تستطيع قراءة أفكار الناس
    فرد عبد الناصر :
    لأنني اقرأ الأحداث قراءة صحيحة وأخضع المعطيات التي امامي حتى ولو تكن مادية للتشريح الدقيق فيكون حكمي صائباً في أغلب الأحيان
    بالنسبة لمصطفى فأمره محسوم فلولا وفاة حج الإمام المفاجئة لكنا نحتفل بخطبته اليوم
    إذا ادعو الله مجددا لصهرك
    قال حاج الماحى بإستغراب
    صهرى !! هل قال لك أنه ينوى الزواج من ابنتى ؟
    كلا
    إذا لماذا تقول صهرى ؟!
    لأن الفتاة الجميله ذات الحسب والنسب وذات الدين أيضاً يجب أن لا ينكحها إلا شاب لا يقل عنها حسباً ونسباً و ديناً ولهذا السبب طلبت منه أن يتزوجها
    وصمت قليلاً ثم أردف لم أطلب منه ذلك هكذا بال مقدمات بل كنا نتحدث بأمر محمدو وأتينا على ذكر تعلقه بإبنتك فطلبت منه أن يتزوجها .
    وماذا قال لك ؟
    لا يهم ماذا قال لي ولكنني أيقنت في تلك الليلة بأنه لن يتزوج غيرها أبداً
    كيف ؟
    لقد سمعت دقات قلبه ، ثم أنك لو سكنت قلباً يا أخي فلابد أن تتعرف على من يشاركونك السكن فيه
    قال حاج الماحي بتأثر
    أنت رجل نبيل يا عبد الناصر
    وأنبل ما في هو حبي لكم ، والأن قل لى من هي صاحبة الحظ السعيد التي ستتزوج عمدتنا الجديد ؟
    إبنة عمدتنا القديم نفسه
    إبتسم عبد الناصر وقال
    الآن قد فهمت
    فهمت ماذا ؟
    الطاهر هو لم يتغير ولن يتغير أبداً ، لقد كان ثائراً جداً رافضاً التفريط في ملك آبانه وأجداده رافضاً تسمية شخص يخلفه وما أن ذكرت له مصطفى حتى بدا عليه التفكير وقال بعد حين سأتنازل له ، وراودني إحساس أن في الأمر شيء ... الآن أستطيع أن أقسم أ، المرشح لو كان شخصاً آخر غير مصطفى ما وافق أبداً ولو اضطر لمقاطعتنا جميعاً وإلى الأبد
    الطاهر يعلم أن إبنه لا خير في ولأهالي لن يرضوا به عمده بعده ، وكان الأمر يشكل له هأجساً وهماً ثقيلاً وكان دائم الشكوى للمرحوم حاج الإمام
    لذلك كان المرحوم يقول لنا لا تثقلوا عليه ودعوا إبنه للزمن عسى أن يصلحه ، ها قد أتاه الزمن بحل من السماء ، ولكن أليس غريباً أن يتنازل لمصطفى ونحن لم نطلب منه أكثر من أن يجعله خليفته
    أنا أعرف كيف يفكر الرجل ، فبعد أن ضمن مصطفى زوجاً لإبنته فهو يفضل أن ينصبه عمده في حياته خوفاً من أن يثير الخضر المشاكل بعد موته
    إبتسم الماحي وواصل قائلاً
    ومن ناحية أخرى فالعروس هي أحب بناته إليه وأقربهن إلى قلبه ولابد أنه يحتضنها الآن ويقول لها بإسلوبه الساحر اللطيف : لأجلك يا بنتي سوف أجعل مصطفى عمده ، سول أتنازل له للتزوجيه وهو عمدة البلد
    بنت عمدة طيب تتزوج عمدة شاب وثري .. يا لحظها ، قل لي متى فاتحته بالأمر ولماذا لم أسمع به ؟
    قبل أربعة أيام ، في الليلة التي سبقت وفاة الإمام ذهبت إليه ناقلاً له رغبة مصطفى فرحب جداً وكأنه كان يتوقع الأمر وينتظر حدوثه ولكنني إشترطت عليه أن أسمع موافقة البنت بنفسي قبل أن نتقدم لها رسمياً وتمسكت بهذا الشرط مذكرا له ولزوجته باميمة بنتي التيب أعطيتها كل الحق ف إختيار زوجها بنفسها
    وقد وافقت البنت
    أشرق وجه الماحى وهو يقول
    إسمع يا أخي ماذا قالت ... حين أتت بها امها وقفت أمامنا فأخبرها وسألها رأيها فنكست رأسها للأرض ولم تجب ولكن السعادة بانت على وجهها فقالت أمها : السكوت علامة الرضا يا حاج الماحى . ولكنني قلت للبنت لا حياء في الدين يا بنتي ب، الدين أعطاك الحق في إبداء الرأي بالقبول أو الرفض ، أسمعيني رأيك فردت رداً تفائلت به
    تفاءلت به وجعلني أضمن لإبني زوجةً صالحة
    ماذا قالت ؟ لابد أنها قالت بيت شعر .. أنت مغرم بالأدب
    قالت لي : والدين أيضا يا عمي حدد مواصفات الزوج الصالح وكلها تنطبق على مصطفى . هل رأيت يا عبد الناصر الأدب والبلاغة .. تعبير سليم ينم عن ذوق راق وشخصية قوية وقويمه ، قلت لها : بارك الله فيك يا بنتي أنت تقولين درراً وحكماً فأشار إليها أباها وقال لي : لهذا السبب أ، أحبها أكثر من نفسي
    فرك الماحي يديه وتلفت حوله وقال وهو يدنو من عبد الناصر :
    يبدو أنهما يحبان بعضهما وقد رتبا للأمر جيدا ، فقال عبد الناصر :
    أي من بنات العمدة هي ؟
    ألم تعرفها بعد .. أنها أوسط العقد من زوجته الثانية
    هذا دليل على أن الطاهر بدأ يتغير فعلاً ، لقد كان في السابق يرفض أن يزوج الأصغر من بناته ويترك الأكبر ، عموماً الرجل أهداكم قطعة من قلبه ، ولكن ألم تلاحظ شيئاً عندما أتينا إلى هنا ؟
    شيء مثل ماذا ؟
    لقد كان جاثياً على قبرها .
    هل تقصد أنه لم يتحرر من حبها ؟
    لم أقصد ذلك ، ولكن العمده قد يكون لاحظ ذلك
    قال حاج الماحي وهو ينظر ناحية ابنه الواقف مع محمد الإمام ومحمدو
    ومن أهل القرية يأتي إلى هنا ولا يذهب إلى قبرها للترحم عليها ، إن قبرها هو المحطة الثانية وربما الأولى لكل زائر وكأنها ماتت بالأمس فقط
    قال عبد الناصر بتأثر
    مازالت تعيش في قلوب الناس وكأنها لم تمت ، يرحمها الله ويغفر لأباها
    قال الماحى
    إنه الوفاء يا عبد الناصر ومصطفى وفياً للذكرى ولكنها ذكرى أخويه ، منذ أن تزوجت وهو يتذكرها كاخت و زميلة دراسه وبعد موتها يترحم عليها كاخت ـ هكذا قال لي ـ ثم أن هناك شيئاً
    ماهو ؟
    أستطيع أن أقسم أنها المرة الوحيدة التي يزورها وحده منذ وفاتها
    وأردف وهو يشير ناحيتهم
    دائماً يحضران وقد عوضه الله بدره لا تقدر بثمن
    ثم وضع يده على كتف الماحي وهو يقول
    مبروك لمصطفى
    سوف تكتمل نعم الله علي لوتزوجت اميمة وساغادر الدنيا وأنا مرتاح البال
    نظر عبد الناصر ناحية مصطفى ومحمد ومحمدو وقال
    سوف يحدث ذلك ، راقبهم جيداً فهناك معطيات جديده
    وتركه ذاهباً إلى الجهة الشرقيه من المقابر حيث قبور آبائه وأعمامه
    أما الثلاثة فكانوا قد اتجهوا ناحية القبور الثلاثة فور دخولهم ...... قبر زينب يتوسط قبرى والديها .. تحلقوا حول القبور وقرأوا الفاتحة ثم جثاً محمدو على قبر آمه وقال
    أنا نادم يا امي على العذاب الذي سببته لروحك ، ولكنني الآن سعيد فلتسعد روحك الطاهره
    كان محمد الإمام ومصطفى الماحي يراقبان الغلام والألم يعتصرهما إعتصاراً فقال الفتى
    إن خالي مازال وفياً لقسمه لك
    فجلس خاله بجواره وسأله ؟
    من أخبرك ؟
    تجاهل الفتى السؤال وقال وهو يدنو من قبر امه
    ولكنه سيكفر عنه ، أنا أتشوق أن يكون لي اخاً أو أختاً أحنو عليهما كما كان يفعل خالى معك
    وقف محمد الإمام ونظر إلى مصطفى بقلق ولكن مصطفى ضغط علي كتفه وهو يقول بتصميم
    يجب أن تكفر عن قسمك ، إن من حقه ن يكون له أخوه صغار
    قال محمد
    كيف تحدثانى عن الزواج ولم يمض على وفاة أبى أربعة أيام !
    أشار مصطفى إلى قبر حاج الإمام قائلاً
    ألم يحدثك هو أيضاً بهذا ؟ ألم يطلب منك ذلك قبل عشرة أيام أثناء المأدبه التي أقمتها للاستاذ على واسرته
    قال محمد بذهول
    هو أخبرك بهذا ؟!
    أشاح مصطفى بيده وقال
    هول تظن أن حاج عبد الناصر وحده الذي كان تخمينه صائباً
    تلعثم محمد وقال :
    ولكن ..........................
    فقاطعه مصطفى قائلاً
    ولن ذلك يسعده وقد أقسمت أ، تسعده ، وذلك أيضاً يسعد روح أمه وروح جدته امك وروح أباك ، ويسعدنى أنا أيضاً
    غمغم محمد الإمام
    لن أتوانى عن فعل شيء يسعده ولو كان فيه هلاكى
    قال مصطفى :
    لم يكن الزواج يوماً هلاكاً لأحد ، إنه إرضاء الله ، ثم إن من سوف تتزوجها أسعد مخلوقه في الدنيا لأنها تحبك
    ونظر إلى محمدو الذي إلتفت يتابعهما وغمز إليه مواصلا
    وتحب إبن أختك هذا كثيرا
    أشار محمدو إلى خاله وقال :
    هو أيضا يحبها
    نظر محمد إلى مصطفى وإلى إبن أخته وقال وهو يتلعثم
    عن من تتحدثان ؟
    رد مصطفى
    هل تظنني غافلاً عن ما يدور بقلبك يا صديقي
    قال محمد الإمام وقلبه يدق بعنف
    حقا لا أعلم ، اخبراني من هي ؟
    فرد مصطفى :
    ومن غيرها يحب إبن أختك ، أنت تعلم يا صديقي ولكنني سأفترض أنك لا تعلم وأخبرك : إنها الفتاة الوحيدة التي تقدم إليها أكثر من خمسة خطاب رفضتهم واحد تلو الآخر من غير أن يتدخل أحد من أهلها للتأثير عليها ورضخوا لرغبتها في سابقة هي الأولى والوحيدة من نوعها في القرية .
    قام محمدو وتقدم ناحية خاله الذي إلتفت إلى الخلف بإرتباك وقال
    هل عرفت الآن من هي يا خال ، حسناً سأقول لك الحرف الأول من إسمها وستعرف من هي ، إن الحرف الأول من إسمها هو : اميمه الماحي شيخ إدريس
    كاد مصطفى أن يقهقه ضاحكاً ولكنه سيطر على نفسه وقال وضحكته التي تجلجل داخله ترسم صورتها بوضوح في ملامح وجهه
    لم أكن أتصور أنك تحمل هذا القدر من الدعابه وروح المرح
    فأتاهم صوت حاج الماحي الذي كان قد إقترب كثيراً وهو يراقبهم
    هكذا يجب أن نتغلب على الأحزان لتستمر الحياة
    ثم جال ببصره في أرجاء المقابر وكان أهل القرية يهمون بالمغادره فقال
    سبحان الله ، دخلوها موتى وهاهم يخرجون منها أحياء مفعمين بالصحة والحيويه
    ثم ضرب كفأ بكف وأردف
    يا للمفارقه ..... أفي مثل هذا المكان تنفجر الثورة وتبدأ الحياة !!!!!!


    إنتهت
    15 – 1 – 2005
    جبــــل كاف الجنــــــــون
    سلسلة جبال الأكاكوس بالصحراء الكبري
    بالجنوب الليبي
                  

العنوان الكاتب Date
ثورة المقابر رواية لضياء الشريف نزار باشري ابراهيم04-22-08, 10:22 PM
  Re: ثورة المقابر رواية لضياء الشريف نزار باشري ابراهيم04-22-08, 10:37 PM
  Re: ثورة المقابر رواية لضياء الشريف نزار باشري ابراهيم04-22-08, 10:41 PM
  Re: ثورة المقابر رواية لضياء الشريف نزار باشري ابراهيم04-22-08, 10:47 PM
  Re: ثورة المقابر رواية لضياء الشريف نزار باشري ابراهيم04-26-08, 09:19 PM
  Re: ثورة المقابر رواية لضياء الشريف نزار باشري ابراهيم04-26-08, 09:24 PM
  Re: ثورة المقابر رواية لضياء الشريف نزار باشري ابراهيم04-26-08, 09:31 PM
  Re: ثورة المقابر رواية لضياء الشريف نزار باشري ابراهيم05-01-08, 08:46 PM
  Re: ثورة المقابر رواية لضياء الشريف نزار باشري ابراهيم05-01-08, 09:04 PM
  Re: ثورة المقابر رواية لضياء الشريف نزار باشري ابراهيم05-01-08, 09:17 PM
  Re: ثورة المقابر رواية لضياء الشريف نزار باشري ابراهيم05-01-08, 09:26 PM
  Re: ثورة المقابر رواية لضياء الشريف نزار باشري ابراهيم05-01-08, 09:33 PM
  Re: ثورة المقابر رواية لضياء الشريف نزار باشري ابراهيم05-01-08, 09:44 PM
  Re: ثورة المقابر رواية لضياء الشريف نزار باشري ابراهيم05-01-08, 09:51 PM
  Re: ثورة المقابر رواية لضياء الشريف نزار باشري ابراهيم05-01-08, 10:04 PM
  Re: ثورة المقابر رواية لضياء الشريف نزار باشري ابراهيم05-01-08, 10:06 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de