|
Re: الروائي العراقي د.شاكر خصباك..في حكايات من بلدتنا...وازمنة الغبار (Re: adil amin)
|
مقدمة الرواية الشظية بقلم: غسان كنفاني من الذي يجرؤ على القول أن بعض الكتب ليست في الواقع إلا مخالب تنبثق من المجهول، تمزق وتجذب وتقلب، وتحوّل وتسحق وتنهش كأن القارئ قد خُطف فجأة إلى عالم من الزلزال لا حدود له؟ أجل بعض الكتب ليست إلا مخالب وثغرات ولعنات تدخل إلى الصميم وإلى الأعماق، تبدو أحياناً وكأنها رسالة شخصية من رجل يعرفك حق المعرفة، وكان طول الأعوام التي مضت يراقبك عن كثب كأنه ضميرك المستتر. وفجأة حين تحسب أنك في منجى من الحساب تصلك منه رسالة شخصية يفتح داخلها دفتر الحساب من أول صفحاته إلى آخرها ويصفعك. هذا ما يمكن أن يوصف به كتاب الدكتور شاكر خصباك "حكايات من بلدتنا". إنه قصة بلدة يعيش شبانها على انتفاخات الكبرياء والأوهام الأقرب إلى الأحلام. وفجأة يغتصب البرابرة البلدة وراء زئير رشاشاتهم وينتهكون كل قيمها دون أن يتصدى رجال البلدة للدفاع عنها. ويوماً بعد يوم تمتد مخالب البرابرة لتدمر قيمة وراء قيمة في حياة البلدة. ويحفل السجن الكبير الذي يبنيه الطغاة فوق تلة تشرف على البلدة بالمعتقلين من شبان البلدة وشاباتها الشجعان يلاقون داخل جدرانه الغامضة مصائر هي كل شيء إلا العودة إلى البلدة. تحت سياط وأحذية الاستخذاء تنسحق كرامة البلدة وتزهر في كيانات سكانها زهور الجبن والخوف. ومع غياب كل شمس يحتل البرابرة مساحة جديدة من كبرياء سكان البلدة وأحلامهم وكرامتهم وقيمهم. إن الرجال الذين يسوقهم البرابرة إلى الموت كل يوم في الواقع تكوينات من لحم ودم ولكنهم جزء من كفاءة البلدة على التمسك بقيمها ومطامحها وحريتها. الاسم عند شاكر خصباك ليس هدية شخصية ولكنه قيمة إنسانية ووطنية. ولذلك فحين يطلق البرابرة رصاص رشاشاتهم على رجل ما فإنهم إنما يغتالون مساحة من تاريخ البلدة ومن مبادئها. وتمضي الرواية من فصل إلى فصل في عرض عتوّ البرابرة المتزايد أمام تراجع الكرامة المتزايد. وفي مكان ما من الرواية يحس القارئ أن شيئاً ما قد انكسر، ووصلت الأحداث إلى "ذروة" غريبة هي مفترق مرير بين أن يقبل سكان البلدة مبدأ قبول الطغاة، وبين أن يتجاوزوا رفضه إلى مستوى التعبير عن هذا الرفض. ولكن الرواية تتركنا في كلماتها الأخيرة معلّقين على ذلك المنعطف المر. تتركنا؟ كلا! إنها تترك فينا ذلك الوخز العميق الذي يشبه الشظية. ما الذي حدث في السجن الكبير فوق التل؟ حتى متى سيظل شبان تلك البلدة يساقون إلى العذاب وإلى الموت، أو إلى الخضوع والخوف؟ حتى متى سيظل المنطق الأقوى هو منطق الرشاش؟ متى سيهزم رجال البلدة المسحوقة أسوار خوفهم وأسوار السجن ويكفوا عن الاحتماء بملاجئ وهمية يسمّونها الانتظار حينا ورأفة القدر حينا؟ أية بلدة هذه التي يستكشفها الدكتور شاكر خصباك؟ جغرافيا يبدو أنها العراق.. سياسياً ليست إلا فلسطين. إنسانياً ليست أبعد من ذلك الصراع المرير الذي يجري داخل مطلق الإنسان. تاريخياً ليست إلا سؤالاً فنيا00 هي في الواقع عمل جيد. ولكن الحقيقة هي أنها كل ذلك معاً. إن العمل الفني -استطرادا- هو محصلة الفعل وردة الفعل، فعل العمل الفني ذاته وردّة فعل قارئه. في أحيان كثيرة يدخل عنصر ثالث إلى هذه المعادلة المبسطة وهو عنصر "الجو الزماني والمكاني" الذي تجري من خلاله عملية التزاوج بين الفعل وردّة الفعل. بالنسبة للرواية التي بين أيدينا الآن تتفاعل هذه العناصر الثلاثة باتساق ممتاز. فبين الفعل وردة الفعل يوجد عنصر التوقيت الذي يعطي العمل الفني قيمته واستجاباته. لقد وجه الدكتور شاكر خصباك مخالب روايته إلى كتلة نفسية حساسة يسهل الغوص فيها وشقها. هذه الملاحظة ترمي إلى القول بأن الرواية قد تكون محط خلاف في بعض الجوانب. ولكن الحقيقة هي أنه يجب أن نجرؤ على القول بأنه لا يوجد شيء اسمه عمل فني مطلق. فما هي القيمة الفنية المجردة مثلاً لخطاب الحجاج بن يوسف "أنا ابن جلا وطلاّع الثنايا" إن لم تنزل في مكانها من الجو الزماني والمكاني الذي أعطاها رنينها وعناصرها المعنوية وكساها بمعناها الأعمق من مجرد مستواها الفني؟ ولذلك فإن رواية "حكايات من بلدتنا" رواية ناجحة نتيجة لقياس معين ولكنه واقعي وثقيل ولا يمكن تجاهله. فلو نشرت وقرأت عام 1940 لكانت ربما أقل قيمة، ولكن حين تقرأ الآن فإنها ليست أقل من كأس من الكحول تفرغ فجأة فوق جرح جديد. وثمة فارق كبير لو أن تلك الكأس دلقت فوق جسد مجروح. إنها رواية – مخلب، كفّ يصفع بشدة، إهانة، دعوة، علامة استفهام حادة مثل عقفة السكين. وفي الفصل الأخير منها، حين يضحى "الانتظار" كابوساً معيناً لا قدرة له على الفداء ولا على النوم، يشعر القارئ بالدموع تملأ حنجرته، ولكن – أيضاً – بأن الفصل الحادي عشر في حكايات بلدتنا لم يكتب بعد. 1967 غسان كنفاني
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
الروائي العراقي د.شاكر خصباك..في حكايات من بلدتنا...وازمنة الغبار | adil amin | 04-22-08, 02:16 PM |
Re: الروائي العراقي د.شاكر خصباك..في حكايات من بلدتنا...وازمنة الغبار | adil amin | 04-22-08, 02:18 PM |
Re: الروائي العراقي د.شاكر خصباك..في حكايات من بلدتنا...وازمنة الغبار | adil amin | 04-22-08, 02:20 PM |
Re: الروائي العراقي د.شاكر خصباك..في حكايات من بلدتنا...وازمنة الغبار | adil amin | 04-22-08, 02:22 PM |
Re: الروائي العراقي د.شاكر خصباك..في حكايات من بلدتنا...وازمنة الغبار | adil amin | 04-22-08, 02:57 PM |
Re: الروائي العراقي د.شاكر خصباك..في حكايات من بلدتنا...وازمنة الغبار | adil amin | 04-23-08, 10:59 AM |
Re: الروائي العراقي د.شاكر خصباك..في حكايات من بلدتنا...وازمنة الغبار | adil amin | 04-24-08, 09:46 AM |
Re: الروائي العراقي د.شاكر خصباك..في حكايات من بلدتنا...وازمنة الغبار | adil amin | 04-27-08, 12:15 PM |
Re: الروائي العراقي د.شاكر خصباك..في حكايات من بلدتنا...وازمنة الغبار | adil amin | 04-28-08, 11:51 AM |
Re: الروائي العراقي د.شاكر خصباك..في حكايات من بلدتنا...وازمنة الغبار | adil amin | 04-30-08, 12:29 PM |
Re: الروائي العراقي د.شاكر خصباك..في حكايات من بلدتنا...وازمنة الغبار | adil amin | 05-02-08, 02:14 PM |
Re: الروائي العراقي د.شاكر خصباك..في حكايات من بلدتنا...وازمنة الغبار | adil amin | 05-05-08, 11:41 AM |
Re: الروائي العراقي د.شاكر خصباك..في حكايات من بلدتنا...وازمنة الغبار | adil amin | 05-12-08, 12:16 PM |
|
|
|