لا أستطيع أن أجلس فأرتق جراحي مثلما يرتق الناس قمصانهم...رسائل غسان كنفاني لغادة السمان

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-29-2024, 03:18 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-14-2008, 07:20 AM

مدثر محمد عمر
<aمدثر محمد عمر
تاريخ التسجيل: 03-11-2008
مجموع المشاركات: 1434

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لا أستطيع أن أجلس فأرتق جراحي مثلما يرتق الناس قمصانهم...رسائل غسان كنفاني لغادة السمان (Re: مدثر محمد عمر)


    رسائل غسان كنفاني لغادة السمان- وهاأنذا متروك هنا ، كشيء!


    وهاأنذا متروك هنا ، كشيء!

    كيف تركتك تذهبين؟

    كيف لم تطبق كفاي عليك مثلما يطبق شراع في بحر التيه على حفنة ريح؟

    كيف لم أذوبك في حبري ؟ كيف لم أجعل من لهاثينا معاً زورقنا الواحد إلى نبض الحياة الحقيقي؟

    كيف ذهبت دون أن أحس بك ؟ كيف مرت عيناك في عمري دون أن تتركا على وجهي بصماتهما ؟ كيف لم أتمسك بك ؟ كيف تركتك – يا هوائي وخبزي ونهاري الضحوك- تمضين؟

    أيتها المرأة الطليقة ، يا من قبلك لم أكن وبعدك لست إلا العبث، من بحر عينيك سقيت ضياعي جرعة الماء التي كانت دائماً سراباً ، وفوق راحتيك تعرفتُ إلى مرساتي ووسادتي وليلي.

    يا طليقة ! أيتها المرأة التي مثلك لا يرى، أيها الشعر الذي رف تحت جفني مثل جناحي عصفور ولد في رحم الريح ، أيتها العينان اللتان تمطران خبز القلب وملح السهوب الجديبة ، يا طليقة : كيف انخلعت هكذا عني ؟ كيف شلت مرساتك من عشبي وتركت بحري ؟ بعدِك ليس إلا الخواء، دونك لست إلا قطرة مطر ضائعة في سيل .

    عشت معك حقيقة عمري. ضعت فيك إلى حد لم أصدق أنه قد تمضين، كان ذلك مثل المستحيل ، ولكنك –ذات صباح- غبتِ ، كما لو أن شروقك في جبيني لم يكن!

    وورقة على حافة الفجيعة:

    " غادرت لتوك ، وما زلت أحسك بين ذراعي . راقبت المصعد يهبط ، الضوء ينطفئ ، خطواتك تختفي. وغداً سأراك لأودعك ، ولكن ذلك سيكون مرعباً ، إلا إذا تصرفنا بحذاقة غير إنسانية...هل أقول لك : إلى اللقاء؟ إنها كلمة ليست شخصية بصورة كافية ، تبدو وكأن شخصاً ما قد استعملها قبل لحظة وتركها مرمية هناك. الشيء الوحيد الذي أستطيع أن أقوله.."

    أيتها الطليقة...

    ذلك كله عبث. الكلمات كلها علكت من قبل أناس آخرين ، ولكن وقع يدكِ على جبيني كان دائماً ولادة لشيء رائع ومتوهج ، مثل ومضة لهب ، كان دائماً شيئاً خاصاً وشخصياً ولا يعوض.

    الكلمات عبث أيتها السحابة التي أمطرت على جفافي موسماً من الخصب ، ولكن في عينيك كانت توجد دائماً الكلمة الجديدة البكر التي لم تصدأ من كثرة ما تناقلتها الشفاه . كانت تولد في قبضة الصمت نبضاً عبقرياً يلتمع بالدهشة .

    الكلمات عبث ، وأنت كنت دائماً لغتي التي لا يفهمها أحد ، وراء التعويذات التي اخترعها أجدادنا وسموها حروفاً وأصواتاً ، لقد كان شعركِ مطري، وراحتك وسادتي ، وذراعك جسري ، وعيناك بحري، وشفتاك كأسي. كان انتظارك عمري ، وحضورك ولادتي وغيابك ضياعي.. وها أنت تذهبين مثلما تعبر ريح الصباح شباكاً مهجوراً : تحييه لحظة ، ثم تعيده إلى الغيب...

    كيف تركتك تذهبين؟ ما الذي سأفعله بعدك؟ أي أرض ستخصب بعدك؟ وأي شباك سيدخل إلى جفافي ويباسي ريح الصبح؟

    سأعلك الندم عمري. ندمك وندمي. لقد نسفنا بأيدينا الشجرة الوحيدة التي صادفناها في رحلة عمرينا ، ولم يبق أمامنا إلا أن نكمل الشوط في قيظ الوحدة التي لا ترحم . أنت وأنا اعتقدنا أن في العمر متسعاً لسعادة أخرى ، ولكننا مخطئون ، المرأة توجد مرة واحدة في عمر الرجل ، وكذلك الرجل في عمر المرأة ، وعدا ذلك ليس إلا محاولات التعويض ، بذل النسيان والندم راقة فوق راقة.

    إن أسعدنا هو أبرعنا في التزوير، أكثرنا قدرة على الغوص في بحر الأقنعة. ننسى؟ ذلك مستحيل ، وأنا - أيضاً - لا أريد أن أنسى . ليس بوسعي أن أطمر الزهرة الوحيدة في عمري هكذا ، لمجرد أنك ذهبت ، وأن أملي في أن ألقاك هو مثل أملي في أن ألقى طفولتي .

    فيا أيتها الطليقة التي حملها جناحاها إلى أرض لا أعرفها، والتي كان علي منذ البدء أن أعرف بأنها ، مثل العصافير، ستضرب في فراغ السماء وجاذبية المدى الذي لا يحده حد ، لست أطمع منك بالعودة . لقد رف جناحاك في زنزانتي وتركا في هوائها الساكن شيئاً يشبه خفق القلب، زرعا في صمتها خفقة طليقة وتركاها تغطس في وحدتها المرة.

    لست أطمع منك بالعودة، فالعصافير لا تسكن أعشاشها مرتين، وحين نفضت عن ريشك كسل القرار عرفت أنا أنك لن تعودي..

    ولكن كيف تركتك تذهبين؟ كيف لم أربط نفسي إليك مثلما ربط السندباد نفسه إلى ريش الرخ؟

    ليس عندي، أيتها الطليقة ، يا خبزي ومائي وهوائي، إلا الندم ، وبعيداً في قراره توجد بذرة للشجرة القادمة


    بلى.

    سأراك مرة أخرى ، ذات يوم. ترانا – يومذاك- سنكسر من حول جلودنا يراقات النسيان التي سنبنيها فوق اللحظات النادرة في حياتنا، كي لا نظل صرعى الخذلان؟

    إن العمر خديعة ، يا طليقة، وإلا كيف يمكن أن يكون عمري معك عمراً وعمري دونك عمراً أيضاً، وكيف يمكن – بعد هذين العمرين –أن أراك مرة أخرى وتكونين أنت وأكون أنا ؟ لماذا لا؟

    ماذا أقول لك؟ إن النسيان هو أحسن دواء اخترعه البشر في رحلتهم المريرة ، ومع ذلك فأنا لن أنساك. أنت تخفقين في رأسي مثل جناحي عصفور طليق، أمام بصري ينتثر ريش الطائر الذي حط وطار ، مثل لمح البصر...

    وها أنذا، متروك هنا كشيء ، على رصيف انتظار طويل، يخفق في بدني توق لأراك، وندم لأنني تركتك تذهبين. أشرع كفيّ اللتين لم تعرفا منذ تركت ، غير الظمأ.

    وأقول : تعالي..

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    سليم : سليم اللوزي

    كريس : كرستوفر ، صديق بريطاني من أصدقائي في لندن ، وكنت مشردة تلك الفترة فتكرم بإعارتي عنوانه البريدي

    وهاأنذا متروك هنا ، كشيء! ... : هذه الرسالة نشر غسان بعضها في ملحق الأنوار الأسبوعي الذي كان يرأس تحريره ، وكتب بعضها الآخر بخط يده على هامش الجزء المنشور. وفي تونس، كتب الأستاذ عبد الرحمن مجيد الربيعي في جريدة الصدى بتاريخ23/9/1990 يقول: أحب أن أذكر أن المرحوم غسان كنفاني عمل في أواخر الستينات رئيساً لتحرير الملحق الأسبوعي لجريدة الأنوار اللبنانية وكان يكتب صفحة أسبوعية فيها. صفحة لا يحلل الوضع السياسي العربي أو العالمي بل يكتب عن خفق قلبه ووجدانه وكل أصدقائه كانوا يعرفون أن تلك الصفحات كانت لغادة وعنها ، فلماذا لا تنشر في كتاب أيضاً سيما وأن هناك لجنة مهتمة بنشر تراثه كاملاً ؟ كما كان غسان يكتب زاوية لنقد الكتب الجديدة ويوقعها باسم فارس فارس ، هذه الكتابات لم تر النور كذلك ويجب أن يحصل لها ذلك.


    صباح يوم28/12/1966أيقظني قرع على الباب . كان غسان واقفاً منهكا،ً وغاضباً ، وناولني هذه الرسالة قائلاً : إنها لك. كتبتها لكِ ، ولكنني خاطبت أختي فايزة فيها لغضبي منك . وتركها بين يدي ومضى..وكانت رسالة بدأ كتابتها في الليلة السابقة ، ليل 27/12/1966 وختمها برسالة أخرى بعد طلوع فجر 28/12/1966.

    صعقني ما ورد فيها فقد كنت ليلتها بحاجة إلى أن أخلو إلى نفسي بعد سهرة مع بعض الأصدقاء ولم يخطر ببالي أن ذلك سيزلزل غسان إلى هذا المدى ..أم تراه خطر ببالي وتعمدته في اللاوعي ؟ أم تراني كنت أريده حقاً أن يقضي سهرته مع أسرته ولذا اقترحت عليه الذهاب مبكراً إلى هناك ووعدته بأن أهتف له لأضمن ذهابه مما أثار شكوكه ؟ هل تعمدت إثارة شكه؟ ما زلت حتى اليوم لا أدري ، ولكنني أذكر جيداً أنني كنت دائماً حريصة على كيانه العائلي بقدر حرصي على استقلالية كياني.
                  

العنوان الكاتب Date
لا أستطيع أن أجلس فأرتق جراحي مثلما يرتق الناس قمصانهم...رسائل غسان كنفاني لغادة السمان مدثر محمد عمر04-13-08, 07:30 AM
  Re: لا أستطيع أن أجلس فأرتق جراحي مثلما يرتق الناس قمصانهم...رسائل غسان كنفاني لغادة السمان مدثر محمد عمر04-13-08, 09:27 AM
    Re: لا أستطيع أن أجلس فأرتق جراحي مثلما يرتق الناس قمصانهم...رسائل غسان كنفاني لغادة السمان مدثر محمد عمر04-13-08, 09:36 AM
      Re: لا أستطيع أن أجلس فأرتق جراحي مثلما يرتق الناس قمصانهم...رسائل غسان كنفاني لغادة السمان مدثر محمد عمر04-14-08, 07:20 AM
        Re: لا أستطيع أن أجلس فأرتق جراحي مثلما يرتق الناس قمصانهم...رسائل غسان كنفاني لغادة السمان مدثر محمد عمر04-17-08, 05:51 AM
          Re: لا أستطيع أن أجلس فأرتق جراحي مثلما يرتق الناس قمصانهم...رسائل غسان كنفاني لغادة السمان Nasruddin Al Basheer04-17-08, 07:32 AM
            Re: لا أستطيع أن أجلس فأرتق جراحي مثلما يرتق الناس قمصانهم...رسائل غسان كنفاني لغادة السمان مدثر محمد عمر04-19-08, 11:02 AM
              Re: لا أستطيع أن أجلس فأرتق جراحي مثلما يرتق الناس قمصانهم...رسائل غسان كنفاني لغادة السمان مدثر محمد عمر04-19-08, 11:21 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de